تصنیف البحث: تاريخ
من صفحة: 219
إلى صفحة: 246
النص الكامل للبحث: PDF icon 180424-134417.pdf
البحث:

المقدمة...

لعب الأمير فيصل بن الشريف حسين أمير الحجاز دوراً أساسياً وخطيراً في الثورة العربية، وبذل المستحيل من أجل تحرير كامل تراب الأراضي السورية من الاحتلال الفرنسي، وتقرير حق الشعب الفلسطيني في أرضه وتحريره من الاحتلال البريطاني  متخذاً من مختلف النشاطات السياسية  التي مارسها، كالمؤتمرات الدولية، وتشكيل الجمعيات السياسية (السرية منها والعلنية) وكذلك تنظيم الاحتجاجات  والتظاهرات الشعبية، التي تهدف بشكل عام في التأكيد على الوجود العربي، سيما التأكيد على الحق العربي الفلسطيني في قضيته العادلة.

تؤكد المصادر التاريخية على أهمية وجود فلسطين منذ أقدم الأزمنة التاريخية، والتي تعود إلى 2500سنة ق.م، حيث حكمها الكنعانيون بعد أن فرضوا سيطرتهم التامة على الساحل السوري وفلسطين ولبنان، وجاورهم في الجنوب الأموريون، وقد أحكم الكنعانيون قبضة الحكم لألف وخمسمائة عام قبل مجيء اليهود المتأخر ليحكموا فلسطين ألف عام.

لهذا لم تنقطع صلة العرب بفلسطين منذ أن عُرفَتْ بأرض كنعان وإلى يومنا هذا، حيث نمت فيها دولٌ قوية، أمثال دولة الأنباط وتدمر ودولة الغساسنة التي فرضت سيطرتها على فلسطين في فترات مختلفة قبل الفتح العربي الإسلامي لها، وفي ظل الفتح الإسلامي شهدت فلسطين انتعاشا وازدهارا عاماً في مُجمل النشاطات السياسية والدينية والعلمية والاجتماعية والاقتصادية.

ونظراً لأهمية موقع فلسطين الجغرافي والسياسي وما تحمله من طابع روحي مقدس، أصبحت محلاً للصراعات العقائدية، ثم تبلورت إلى صراعات سياسية واقتصادية فيما بعد، الأمر الذي أدى إلى ظهور حركات سياسية متطرفة حدثت تغيرات وتقلبات في الواقع السياسي الحديث، تمثلت بالحركة الصهيونية التي ظهرت كحركة سياسية عالمية، قادها الصهيوني المتطرف تيودور هرتزل بدعم من الصهيوني الثري روتشيلد وتشجيع من وزير خارجية بريطانيا آرثر بلفور الذي قطع وعده المشؤوم في 2 / تشرين الثاني/ 1917 بأنشاء وطن قومي ليهود العالم في فلسطين.

ولما عاشت القضية الفلسطينية ثلاث مراحل سياسية عصيبة عاصر الملك فيصل الأول منها المرحلتين الأولى والثانية.

والتي أطلق على الأولى بمرحلة التوثب وهي مرحلة العشرينات والثانية بمرحلة الثورة وهي مرحلة الثلاثينات، وعلى هذه الرؤيا ارتأيت تقسيم الدراسة إلى ثلاثة مباحث هي كالأت:

  1. المبحث الأول: مرحلة النشاط السياسي للأمير فيصل بن الحسين (1908- 1920م).
  2. المبحث الثاني: دور الأمير فيصل في الثورة العربية وموقفه من القضية الفلسطينية.
  3. المبحث الثالث: موقف الملك فيصل الأول من النشاط الصهيوني في العراق.

المبحث الأول النشاط السياسي للأمير فيصل بن الحسين 1908- 1920

يعود النشاط السياسي للأمير فيصل في بداية عمر الشباب البالغ الثالث والعشرين([1]) من عام 1908، عندما أستدعى السلطان العثماني عبد الحميد الثاني([2])أباه الشريف حسين وطلب منه أن يعود إلى مكة حاكماً عليها([3]).

أن الأسلوب المُطبَّق لدى العثمانيين منذ أمدٍ بعيد، هو أن يجلبوا إلى العاصمة التركية اسطنبول أوثق أقارب الشريف الذي يحكم مكّة،ورُبما حتى منافسيه، كما طبَّقت  الدولة العثمانية ذات الأجراء مع الأُسر الأخرى في الولايات العثمانية القائمة ولذلك كان أبناء الأسر وأقاربها يتعودون على اتباع الأساليب التركية، يتحدثون اللغة التركية، ويحضرون بلاط السلطان ليستمعوا إلى آرائه وأوامره، وبهذه الطريقة تمكَّن أولاد الشريف حسين  في مرحلة شبابهم النظرة إلى العالم بشكل أوسع مما ينظر إليها من أقاربهم ممن تخلفوا عنهم في مكّة.

كما إنهم تعلموا من والدهم إنه ينبغي لهم في اسطنبول أنْ يحذروا التفرق، وأنْ يسلكوا طريق الحذر في مباهجهم وأنْ يراقبوا مغزى الباشوات والسفراء الأجانب ([4]).

يبدو إن منافسات الدول الكبرى قبل سنة 1914م قد جعلت من مدينة اسطنبول ساحة للمؤامرات والألاعيب السياسية التي لم يكن لفيصل أبن شريف مكة أكثر من مخلب، لكنهُ المخلب الذي يستطيع يمارس اللُعبَ السياسية ويتعلمها، إذ كان صبوراً وذكياً، فهو في مقدوره التطلع إلى توصية نفسه نحو الأتجاهات النافعة.

كانت تعقيدات المراسيم العثمانية، وعُقَدْ الباب العالي، وتزلفات الدبلوماسية وتراجعاتها، من الموضوعات التي تلقنها الأمير فيصل على يد أبيه في العاصمة القديمة القسطنطينية، وعندما جيءَ بفيصل لمثل هذا الجو، فقد أستفادَ من النظرات السياسية الصائبة الشيء الكثير.

كان فيصل مديناًً بفرصته الأولى لظهوره زعيماً عربياً إلى تعاظم الأستبداد الذي مارسه السلطان عبد الحميد الثاني، وما أعقب ذلك من ظهور ((الحركة الطورانية([5]))) التي تولى أمرها الشباب التركي المُقلِد للغرب بعد سنة 1908 ([6]).

لقد أعتاد الأمير فيصل القول، إنه لم تكن لدى والده شريف مكة أيةَ سياسة أنفصالية عن الإمبراطورية العثمانية، وأن والده كان على غرار المثقفين في سوريا ممن يطمحون إلى التطور داخل الإمبراطورية العثمانية.

وعلى الرغم من تصريحات فيصل هذه التي توحي إلى الأتحاد والتقدم السياسي المنشود مع الإمبراطورية العثمانية، إلا إن السلطان عبد الحميد الثاني كان شديد الخوف من مطامح الشريف حسين وأولاده، وقد برهنت الحوادث إن السلطان عبد الحميد كان على صواب من رأيه ([7]).

جمعية العربية الفتاة ودور الأمير فيصل فيها:

تألفت جمعية العربية الفتاة في باريس عام 1909م، وأنظم إليها نخبة بارزة من رجال العرب وضباطهم الشباب في سوريا ومصر والأستانة، كان في مقدمة أعضائها عوني عبد الهادي ومحمد المحمصاني وعبد الغني العريس وجميل مردم ورضا باشا الركابي وياسين الهاشمي والشيخ كامل القصاب والشيخ نواف الشعلان والشيخ محمد الملحم وغيرهم.

وجهدت الجمعية عزيمتها ووطنت نفسها على أن تضع على بساط البحث القضية العربية لتجعل لهذه الأمة مكانة تستحقها بين الأمم التي أدركت قيمة الحياة،فعقدت النية في المضي على هذا السبيل، وأرسلت النشرات إلى سائر أنحاء العالم، تدعو فيها الطبقة الناهضة لعقد مؤتمر في باريس يدرس المسألة من جميع وجوهها، فيضع لها خططاً منهجية تسير عليها الأمة، وقد اشتركت فيه جميع الجاليات العربية في أوربا وأمريكا بما فيها الأحزاب السياسية الموجودة في مصر والأستانة،ومَن عقدت به العزيمة في الاشتراك، فقد أرسل برقية يؤيد فيها هذا الشعور الوطني ويحبذ الفكرة السامية ([8]).

وعلى أثر أعدام الشيخ محمد الملحم من قبل جمال باشا السفاح([9]) شنقاً دون محاكمة، أرسلت الجمعية وعلى الفور مندوباً خاصاً هو السيد يوسف حيدر إلى الحجاز لتستدعي الأمير فيصل كي تشوق الأشراف على وجهة قومية صحيحة في الوقت الذي كان  فيه الأمير عبد الله شقيق الأمير يفاوض الأنكليز في مصر والأحزاب العربية الأخرى، كان الأمير فيصل بدوره يفاوض الوطنيين في سوريا.

وعلى أثر هذا الحدث عُقدَ أجتماع في دار السادة البكرية في دمشق أقسم فيه الأمير فيصل يمين الأخلاص والتعهد لجمعية العربية الفتاة، وتلى بعد ذلك أحد أعضاء الجمعية هو السيد محمد الشريف خطاباً قومياً وقصيدة حماسية حَضَّ فيها الأمير فيصل على المناداة بحقوق الأمة العربية بعد أتفاق أمرائها عليه([10]).

وفي الأجتماع صرح الأمير فيصل أن التفاهم تام بين الأطراف، وإنهُ شجَع والده الشريف حسين على العمل، وأن أبن سعود سيكون في جانب النهضة العربية على أثر ذلك تمَّ مبدئياً بين الحجاز ونجد.

وعلى أثر ذلك سافر الأمير فيصل إلى الأستانة، يصحبه يوسف شتوان بك جاسوس الأتحاديين على الأمير فيصل، إلا إن الأمير فيصل، استطاع أن يستميله إليه، كما استمال وزير الداخلية التركي انور باشا، وعاد إلى جمال باشا مُكلفاً بالتفاهم معه، على أنْ يدعو والده للعمل المشترك مع الأتراك في حالة القتال، فاستقبل جمال باشا الأمير فيصل حسب التعليمات التي تلقاها من الأستانة استقبالاً حسناً ظاهرياً، فالأتحاديون كانوا يضمرون الشر للشريف حسين وأولاده ويحاولون الأستيلاء على الحجاز عسكرياً، وهذا الأمر لم يكن مجهولاً لدى الشريف حسين وأبنه الأمير فيصل ([11]).

ولما أشتدت وطأة جمال السفاح على العرب انتقاماً من معارضة الأتحاديين قبل الحرب، معتمداً على القوة العسكرية التي بأمرته، رأت الجمعية عندئذ  لا بد من القيام بالثورة الاستقلالية، حفاظاً على كيان العرب، سيما بعد أن علمت أن الأتحاديين قرروا تشتيت شمل العرب، كما فعلوا من قبل بالأرمن والأكراد والألبان من اضطهاد واغتيال وتشريد، فضاعفت جهودها وأرادت ان تبدأ الثورة في دمشق بواسطة الجيش الأهلي المتطوع، في الوقت الذي يجلب الأمير فيصل جيش الحجاز المتطوع من تبوك ليشترك مع العشائر الموالية المرتبطة بالجمعية في معظم البوادي والجبال السورية،ليتم تفجير الثورة بتحريض الضباط الشباب المرتبطين بعهد الجمعية.

غير أن بطش جمال السفاح وشنق خيرة الضباط العرب، ونقل الفرق العسكرية العربية من بلاد الشام إلى الأناضول والروميلي واستبدالها بفرق تركية أثر كثيراً على مسار الثورة العربية ([12]).

نصح الأمير فيصل جمال السفاح بأن لا يتمادى بشنق الأحرار العرب، وأن يعاملهم بالحسنى، سيما وأن الحكومة التركية تحارب في عدة جبهات، لم يصغ السفاح لنصح الأمير فيصل، بل أسمع فيصل بأن الحساب سيلحق الأخرين، الأمر الذي فهم منه ضمناً، أن السفاح يريدهُ ويريد والده وأهل بيته ليحاسبون حساباً عسيراً، فأستطاع فيصل أنْ يخدع السفاح بقوله:

((دعني أذهب إلى المدينة لأهيء حملة عسكرية أكون على رأسها لتساهم في القتال مع الحملة التي ستتوجه إلى قناة مصر)).

وهكذا ترك دمشق وتوجه إلى المدينة ليعلم والده الحُسين بالأمر ليُعجّل بالثورة، سيما وأن الأتحاديين كانوا يعدّون العدة لخلعه من أمارة مكة ([13]).

موقف الأمير فيصل من الأتحاديين الأتراك عام 1909م:

دشنت ثورة الأتحاديين بداية مرحلة جديدة من التأريخ السياسي لشعوب الإمبراطورية العثمانية، وفي مقدمتها الشعب العربي الذي كان يؤلف الوزن السكاني الأكبر فيها، ومسَّ ذلك الشريف حسين وأفراد أسرته بصورة مباشرة، فهناك مجموعة عوامل مهدت الطريق أمام تعاون الشريف حسين مع الأتحاديين، أهمها موقف السلطان عبد الحميد منه، وحاجة النظام الجديد إلى تعاونه من أجل القضاء على الأضطرابات التي نشبت في جنوب الجزيرة العربية، فوقع أختيار الأتحاديين على الشريف حسين دون أعمدة الأسرة الهاشمية في الحجاز ([14]).

في كانون الثاني من عام 1909 بدأت مرحلة مهمة في حياة الأمير فيصل بن الحسين التي وصفت بكونها مرحلة الأختبار العملي لقدراته ومواهبه القيادية، الأمر الذي تجسد في دوره في حرب عسير أكثر من أي شيء آخر.

كان على الحسين أن يترجم موقفه ووعوده للأتحاديين، مما كان يؤلف في الوقت نفسه اشباعاً لرغباته وطموحاته، فقاد حملاته ضد الأدريسي([15]) في جنوب الجزيرة العربية عامي 1910- 1911م، وقد ساعدهُ فيها ولداه فيصل وعبد الله.

وفي عام 1912- 1913 كلف الشريف حسين ولده الأمير فيصل ليقود حملة جديدة ضد الأدريسي في منطقة عسير.

تؤكد المصادر التاريخية المعاصرة على أن فيصلاً أثبت أثناء حملة عسير مقدرة عالية في الإدارة والقتال،  سيما في حملته الثانية التي أنتصر فيها على الأدريسي، فباركه والده وأزدادت ثقته به، وعظم أعتماده عليه، سيما بعد أن تيقن من حب القبائل له وأعجابها بشجاعته وحزمه([16]).

كما أن عضوية مجلس المبعوثان تُعدُّ المهمة الخطيرة الثانية التي اضطلع بها الأمير فيصل في المرحلة الجديدة من حياته السياسية، فبعد ثورة الأتحاديين أختاره والده ممثلاً عنه وعن أهل مدينة جدة في دورة المجلس الثانية التي بدأت أثر انتخابات عام 1912م.

أن مجرد وجوده في المجلس وأطلاعه على آراء النواب وطروحات المعارضة، بما في ذلك موقف النواب العرب، كانت تجربة مهمة في حياته السياسية المبكرة.

لقد أحتكَ الأمير فيصل بأسلوب جديد في العمل السياسي لأطرافٍ عربية، الأمر الذي أنعكس في مساعي النواب العرب داخل المجلس من أجل أصلاح أوضاع الولايات العربية بما فيها فلسطين، وما من شكٍ في أن كل ذلك تركَ تأثيره على فكر فيصل في مرحلتي التكوين والتبلور ([17]).

لقد لعب الأمير فيصل خلال السنتين الأخيريتين، قبل أنبثاق الحرب العالمية الأولى 1914 دوراً سياسياً مزدوجاً، فقد كان من ناحية  يَعدُ الأتراك بمساعدته ومساعدة والده لهم، في الوقت الذي كان فيه من الناحية الأخرى يعملُ سراً على الثورة ضدهم ([18]).

المؤتمر العربي الأول في باريس:

في حزيران 1913 عُقدَ المؤتمر العربي الأول في باريس، وضم عدداً كبيراً من الشخصيات السياسية البارزة في سورياً ولبنان وفلسطين، وكان يشدد على الاهتمام بالحقوق العربية.

وعلى أثر أنعقاد هذا المؤتمر تألفت عدة جمعيات عربية لهذا الغرض، وكان بعض هذه الجمعيات سرية، من أمثال جمعية العهد التي أسسها ضباط الجيش العربي، وأصبح مقرها في دمشق ولها فروع قوية في العراق، والجمعيات هي جمعية النهضة اللبنانية وجمعية الأصلاح البصرية والجمعية الثورية وجمعية العربية الفتاة وغيرها من الجمعيات التي لا تقل أهمية عن جمعية العهد.

ولما كان الأمير فيصل ممثلاً في البرلمان العثماني، فقد كان ينتقل بين مكة واسطنبول باستمرار، وكان على اتصال وثيق مع الحركة العربية عن طريق أعضائها النشطاء في دمشق ([19]).

أما في فلسطين، فقد كانت مشاعر العداء للصهيونية تزداد يوماً بعد يوم، ففي مطلع شهر أب سنة 1913 نشرت صحيفة فلسطين العرائض والاحتجاجات كافة التي قدمت ضد الصهيونية، وفي الثاني عشر من شهر أب، نشرت صحيفة الكرمل نبأ قيام مظاهرة كبيرة في نابلس ضد اعتزام البيع لأراضي بيسان التابعة لدولة اليهود.

نتيجة لهذه الضغوط السياسية، ظهرت جمعية مكافحة الصهيونية، وكان مقرها في نابلس، مع أقامة مشروع لها في المدن الفلسطينية ([20]).

القضية الفلسطينية خلال الحرب العالمية الأولى 1914م:

في أواخر صيف عام 1914 أخذت الدلائل تشير إلى أحتمال دخول تركيا الحرب إلى جانب ألمانيا، الأمر الذي دفع الأنكليز إلى الأتصال بالشريف حسين أمير مكة، بقصد استمالته وكسب العرب إلى جانبهم، وذلك عن طريق التلويح بميل بريطانيا نحو تأييد أعادة الخلافة الإسلامية إلى عربي من الدوحة النبوية ((الشريف حسين))،ودعم العرب لنيل الأستقلال إذا ثاروا ضد الأتراك.

والهدف الحقيقي لبريطانيا  من هذا التشجيع هو أضعاف الموقف العسكري التركي في هذه الحرب من جانب،وحمايتها الأمتيازات النفط في العراق بعد أحتلاله من قبل الجيش البريطاني من جانب آخر، فضلاً عن دعم الحركة الصهيونية عن طريق تهجير يهود العراق إلى فلسطين ([21]).

بروتكول دمشق عام 1915 ودور الأمير فيصل فيه:

في مطلع عام 1915 أتصل رجال جمعية العربية الفتاة بالشريف حسين لأطلاعه على أتجاه قادة الحركة الوطنية العربية في سوريا، وبضمنها فلسطين والعراق المتمثلة بالضباط العرب في الجيش التركي نحو التفكير في القيام بالثورة لنيل الأستقلال من الأتراك، وعرضوا قيادة الثورة المرجوة على الأمير فيصل بعد أن تمَّ ترشيحه عضواً بارزاً لرعاية جمعية العربية الفتاة ([22]).

كما سلم أعضاء الجمعية الوثائق السرية إلى الأمير فيصل أثناء مروره بدمشق عن طريق عودته إلى مكة ليسلمها إلى والده الشريف حسين ليعرضها بدوره على الأنكليز، كأساس للتعاون بين الطرفين، وقد عرفت هذه الخطة بـ (بروتكول دمشق).

وقد حدد البروتوكول حدود الاستقلال العربي التي تشمل فلسطين، كما نصَّ على إلغاء الإمتيازات الأجنبية، وعقد معاهدات التحالف الدفاعي بين بريطانيا والدول العربية.

وتبنى الشريف حسين ما جاء في بروتكول دمشق القاضي باستقلال الولايات العربية، ولكن المعتمد البريطاني هنري مكماهون حاول في جوابه المرسل في 30/ آب / 1915م  التملص من الألتزامات التي طالب بها الشريف حسين، مكتفياً بتمجيد الشريف والأسترسال في الألقاب والمجاملات والعبارات المجيدة حول الخلافة العربية والأستقلال العربي،دون بيان حدود الدولة العربية ([23]).

إلا إن الشريف حسين تمسك بعروبة لبنان وفلسطين بعد أن ردَّ مكماهون في رسالته المؤرخة في 9/ ايلول / 1915، حيث ركز الشريف حسين على رفض العرب لمطامع فرنسا في بيروت حيث قال:

((أما حلب وبيروت وسواحلها فهي عربية صرفة، وليس هناك فرق بين المسلم العربي والمسيحي العربي))، أما فلسطين فقد كان من المفهوم ضمناً في هذه المراسلات أن عروبتها ليست موضع أخذ ورد مطلقاً.  

كانت خطة الشريف حسين تقضي بإعلان الثورة في الحجاز وفي الولايات العربية في أنٍ واحد، ولكن القائد التركي جمال باشا السفاح أكتشف بعد مصادرته أوراق القنصلية الفرنسية في بيروت وجود تنظيمات سرية اتصفت بكونها ثورية تضم سياسيين وعسكريين عرب داخل الجيش العثماني، فأخذ يفتك بهم ويلاحقهم، وكان الفتك بالفلسطينيين عالياً.

وعلى أثر أعدام الشهداء دَوَّت صيحة (طاب الموتُ يا عرب)، الأمر الذي دفع الشريف حسين إلى التعجيل بالثورة ضد الأتراك في 10/ حزيران / 1916 ([24]).

المبحث الثاني: دور الأمير فيصل في الثورة العربية وموقفه من القضية الفلسطينية

لقد تركت أحداث الحرب العالمية الأولى أثاراً مباشرة على نشاط الأمير فيصل وقناعاته السياسية ولعل السنتين الأخيريتين 1915- 1916 كانتا من أشد السنين حراجة وخطورة في حياته العامة،إذ كان والده كثيراً ما يعهد إليه أموراً سياسية خطيرة، حتى قدر له أن يؤدي دوراً متميزاً في انبثاق الثورة العربية الكبرى التي أندلعت شرارتها من مكة المكرمة في 10 /حزيران/ 1916، ومن هنا فقد وقع اختيار الشريف حسين على أبنه فيصل قائداً عسكرياً لقيادة الجيش العربي  في شمال الحجاز، وكان دوره حاسماً في القتال ضد القوات  العثمانية، وفي غضون أشهر قليلة دخل الأمير فيصل الأراضي السورية بضمنها أرض فلسطين على رأس قواته التي بلغت ألف فارس من الخيالة، وثلاثة آلاف جندي مشاة برفقته (24) مدفعاً وسيارتين مصفحتين ([25]).

واستطاع الأمير فيصل من تحرير دمشق في 1 /تشرين الأول / 1918، وتحرير حمص في 14 من الشهر نفسه، وحماه في 16 من الشهر نفسه، وحلب في 25 من الشهر نفسه، حتى أصبحت كامل أراضي سوريا تحت سيطرته بعد أن أعلنت هدنة مودروس([26]).

وفي هذه المرحلة من نشاطه السياسي والعسكري تعززت صلاته بالبريطانيين وبعدد كبير من الضباط العرب، في مقدمتهم الضباط العراقيين ممن التحقوا بالثورة العربية، الأمر الذي ساعده كثيراً على تأسيس الدولة العراقية فيما بعد ([27]).

الوعد البريطاني في أقامة دولة اليهود في العالم عام 1916م:

في بداية عام 1916أخذت الحكومة البريطانية تفكر جدياً في أتخاذ موقف رسمي أكثر تأييداً للحركة الصهيونية، وتصرف أنصار الصهيونية  من أعضاء الوزارة البريطانية بحذر شديد، وأكتفت بجس نبض فرنسا وروسيا والولايات المتحدة الأمريكية، وذلك عن طريق ارسال الصهيوني البريطاني أدوارد غراي في آيار 1915 مذكرة تلخص رأي بريطانيا في العلاقة بين الفلسطينيين واليهودية العالمية إلى السفير البريطاني في سانت بطرسبرغ (لينينغراد) ليسلمها إلى وزير الخارجية الروسي (سادانوف) يؤكد فيها حرص بريطانيا على ايجاد سبل تكسب اسناد أكثرية اليهود في العالم لقضية الحلفاء([28]).

وفي الوقت نفسه من سنة 1916 قدم الصهاينة إلى الحكومة البريطانية مذكرة بعنوان ((برنامج لأنشاء إدارة جديدة في فلسطين)) من وجهة نظر الحركة الصهيونية، وكانت المذكرة تقترح أنشاء شركة يهودية شبه حكومية تحت رعاية حكومتي بريطانيا فرنسا، مهمتها تشجيع اليهود على التوطن في فلسطين وأستثمارها في العمل.

ويومئذ عثرت الحكومة الألمانية على خريطة كانت محفوظة في خزانة أل روتشيلد في مدينة فرانكفورت في المانيا، كتب فيها (مملكة إسرائيل) حددت فيها دولة إسرائيل المستقبلية، وتضم فلسطين والأردن وسوريا ولبنان والعراق وسيناء والدلتا من الأراضي المصرية والمدينة المنورة وما حولها من مناطق شمال الحجاز ([29]).

وعندما تولى لويد جورج في كانون الأول 1916 رئاسة وزارة بريطانيا وتولى معه أرثر بلفور وزارة الخارجية وكانا من الصهيونيين البارزين أعتبرت الأجتماعات غير الرسمية بين الصهيونيين والمسؤولين البريطانيين بمثابة مفاوضات جدية، أدت بالنتيجة إلى التزام بريطانيا بتحقيق حلم الصهيونية في أقامة وطن قومي يهودي في فلسطين، وجاء هذا الألتزام على شكل رسالة بعث بها أرثر بلفور إلى اللورد روتشيلد الثري اليهودي المعروف في الأوساط اليهودية وأعتبرت الرسالة فيما بعد تصريحاً رسمياً أعترفت به بريطانيا بالكيان الصهيوني ([30]).

وعد بلفور لسنة 1917:

أعلنت بريطانيا في 2 /تشرين الثاني/ 1917 بـ(تصريح بلفور) الذي يؤيد أقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، وهو على صيغة رسالة بعث بها بلفور إلى اليهودي البريطاني روتشيلد وفيما يلي نصها:        

يسرني جداً أن أبلغكم بالنيابة عن حكومة جلالته، التصريح التالي الذي ينطوي على العطف على أماني اليهود، وقد عرض على الوزارة وأقرته ((إن حكومة جلالة الملك تنظر بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، وستبذل جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، على أن يُفهم جلياً أن لن يؤتى بعمل من شأنه أن يضر الحقوق المدنية أو الدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة الأن في فلسطين، ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في البلدان الأخرى)).

أكون ممتناً لو أبلغتم هذا التصريح إلى الأتحاد الفيدرالي الصهيوني، وقد وافق على هذا التصريح السياسي البريطاني رئيس الولايات المتحدة ويلسون قبل نشره، كذلك صادقت عليه بصورة رسمية كل من الحكومتين الفرنسية والإيطالية في شباط 1918 ([31]).

ولعل الكثير يظنون إن فكرة استيطان اليهود في فلسطين تعود إلى وعد بلفور عام 1917 ومع إن الرسالة التي وجهها بلفور إلى الصهيوني البريطاني روتشيلد في 2 / تشرين الثاني من العام المذكور تؤكد لليهود  دعم الإمبراطورية البريطانية في استعمار فلسطين، إلا إن المخطط نفسه لم يكن وليد ساعته وأن مشروع استيطان فلسطين من قبل اليهود يعود إلى ثلاثة قرون مضت حين ظهر أول كتاب في لندن عن الموضوع في عام 1621، وكان عنوان الكتاب (الأحياء العظيم للعالم) أو (دعوة اليهود) بقلم عضو البرلمان البريطاني هنري فنش ((1558- 1625)) ([32]).

إلا إن فنش وجد نفسه في مأزق أدى إلى أعتقاله بسبب كتابه، حيث كانت دعوته لليهود لإستيطان أرض فلسطين وأقامة إمبراطورية تطغى على كل الممالك في العالم، وهي حالة لا تتناسب مع آراء الإمبراطور جيمس الأول الذي رأى في فنش داعية للثورة على حكم عائلة ستيورات، فأمر الملك بسجنه وأحراق كتابه، ودعى أحد الحاشية إلى مهاجمة كتاب فنش وتفنيد آرائه ([33]).

ومن هنا فأن وعد بلفور  ما هو إلا حصيلة اتفاقية سايكس – بيكو السرية المعقودة بين بريطانيا وفرنسا وروسيا في 15- 17 مايس 1916 والتي نصت على تجزئة الوطن العربي إلى مناطق مستعمرة تحت ظل هذه الدول وهي كالآت:

  1. المنطقة الحمراء: وتكون تحت إدارة بريطانية مباشرة تشمل بغداد والبصرة من العراق  وحيفا وعكا من سورية الجنوبية (أي فلسطين).
  2. المنطقة الزرقاء: وتكون تحت إدارة فرنسية مباشرة وتشمل كليكية وجزء من الأناضول وقسماً من سوريا الغربية.
  3. منطقة (A) وتشمل دمشق وحلب والموصل وتكون تحت إدارة الحماية الفرنسية.
  4. منطقة (B) وهي جزء من دولة عربية تُشكل تحت الحماية البريطانية وتشمل الأراضي الواقعة بين فلسطين والعراق والمقصود بها منطقة شرق الأردن.
  5. المنطقة السمراء: وتكون تحت إدارة  دولية وتشمل القسم الجنوبي من سوريا ((فلسطين)) على أن تستشر روسيا في نوع الإدارة ويتفق عليها الحلفاء مع الشريف حسين.

وكانت الحكومة البريطانية قد تعهدت للشريف حسين بن علي أمير مكة في مراسلات حسين – مكماهون أن تمنح الوطن العربي وحدة عربية غير مجزأة، ويكون الشريف حسين ملكاً عليها لقاء إعلانه الثورة ضد الدولة العثمانية ([34]).

فلسطين بين وعد بلفور والانتفاضة الشعبية الأولى 1917- 1920:

تعتبر هذه المرحلة من أدق مراحل القضية الفلسطينية، إذْ تعددت خلالها مواقف جميع الفرقاء المعنيين، كما برزت فيها بوضوح الملامح الواضحة لطبيعة التمركز الفلسطيني في الصراع العربي الصهيوني، وظل الحكم البريطاني المباشر الملتزم بدعم المطامع الصهيونية، واقامة وطن قومي يهودي فوق أرض فلسطين على حساب أصحابها الشرعيين.

على الرغم من جميع الإمتيازات والتسهيلات التي قدمها البريطانيون للحركة الصهيونية، فقد حولت الإدارة العسكرية البريطانية التي حكمت فلسطين طيلة تلك الفترة تهدئة عرب فلسطين عن طريق إخفاء الحقائق عنهم والتوفيق ما أمكن بين الزعماء العرب وبين الصهيونيين تمهيداً لفصل فلسطين عن سوريا وتمكين السيطرة الاستعمارية عليها ([35]).

ففي 2 تشرين الثاني 1917 أعلن وزير خارجية بريطانيا أرثر بلفور مساندة حكومته لأهداف الصهيونية، حتى إن الصهيوني البريطاني وايزمان قد جاءت شهادته أمام لجنة بيل الملكية في 25 تشرين الثاني 1936 قوله: ماذا عنى وعد بلفور ؟!!.. لقد عنى وطناً قومياً، وقومياً بمعنى أننا يجب أن نعيش في فلسطين كأمة، والوطن بالتعبير السياسي الواضح هو إقامة ((دولة يهودية)) ([36]).

وفي 17 تشرين الثاني 1917 استلم الصهيونيون في مدينة كييف الروسية برقية مستعجلة من مدينة بطرسبورج تقول ((بسرور بالغ نعلمكم بنص البيان الذي استلمناه من المنظمة الصهيونية المعتمدة في لندن والذي أذاعته الحكومة البريطانية في 10 تشرين الثاني 1917 ويقول البيان:

((إن حكومة صاحب الجلالة تُعبّر عن ترحيبها بأنشاء مركز قومي للشعب اليهودي في فلسطين)).

إن الإجراء الكريم للحكومة الإنكليزية يفتح عصراً جديداً ويحقق وصية هرتزل إعلموا اليهود في منطقتكم بالنبأ على نطاق واسع وأقيموا الأحتفالات الشعبية وأتخذوا القرارات، أرسلوا لنا الجواب برقياً([37]).

وبهذا الوعد المشؤوم سقطت مبادئ ولسن الأربعة عشر وسقط مبدأ عصبة الأمم الذي أعطى الشعوب حق تقرير المصير، وكان ذلك الوعد دافعاً إلى أجتماع اللجنة الهولندية – الأسكندنافية لأصدار بيان السلام، الذي أعلنت فيه اعترافها بالطابع العالمي للمسألة اليهودية، وضرورة طرح هذه المسألة في معاهدة الصلح، وإنه يجب دعم الهجرة اليهودية إلى فلسطين بضمانات عالمية ([38]).

وعلى هذا الأساس شكلت القضية الفلسطينية ((محور الصراع العربي – الصهيوني)) الصراع الفعلي للكيان العربي مع الاستعمار الغربي منذ نشأة الكيان الصهيوني المقرون بالتبشير الأستيطاني ليهود العالم النازحين إلى فلسطين منذ وعد بلفور المقطوع ليهود العالم في 2 تشرين الثاني 1917 وحتى مرحلتنا السياسية المعاصرة ([39]).

والحقيقة الثابتة أن هرتزل لم يكن منعزلاً عن الدعم اللامحدود لدول أوربا الغربية، فقد كان لنشاط الولايات الأمريكية المتحدة وبريطانيا دور فاعل في بعث النشاط الصهيوني ودعمه في مختلف المجالات([40]).

كما إن أتفاقية سايكس – بيكو المنعقدة بين فرنسا وبريطانيا قد فضحت مقاصد الإستعمار الغربي حيال تقسيم البلاد العربية ومنها فلسطين، وعلى أثر ذلك أدركت الدولة العثمانية خطر ونوايا الغرب السياسية فبعث جمال باشا السفاح من مقر قيادته برسولين إلى الأمير فيصل بن الحسين وإلى جعفر باشا العسكري  بموقف الغرب، إلا إنه لم يفتِ بتنبيه الأمير فيصل إلى وقوعه ضحية الوعود المضللة من جانب الحلفاء ([41]).

لقد نجح تيودور هرتزل من تحقيق أفكاره وآرائه المتطرفة التي طرحها خلال المؤتمر الصهيوني الأول المنعقد في مدينة بازل في آب عام 1897، والتي لاقت صدى واسعاً في الأوساط اليهودية،وكان منهجه مبني على ثلاثة محاور هي:

  1. تبّني فكرة استعمار يهودي منم بمقياس واسع لفلسطين.
  2. الحصول على حق قانوني معترف به دولياً بشرعية استعمار اليهود لفلسطين.
  3. تشكيل منظمة داعية تعمل على توحيد جميع اليهود للعمل في سبيل تنظيم الصهيونية ([42]).

الضغوط البريطانية على الأمير فيصل وعلى والده الشريف حسين:

لما كانت الحكومة البريطانية تدرك طبيعة المشاعر العربية بشأن مستقبل فلسطين، فقد حاولت أن تحول دون إجراء أي بحث لموضوع الصهيونية في أثناء سنين الحرب، وعندما نشرت صحيفة القبلة التابعة للشريف حسين مقالاً عن الصهيونية في أواخر عام 1916، أصدر الجنرال ماكدولف رئيس الأستخبارات البريطانية تعليماته إلى الجنرال كلايتون رئيس الشعبة السياسية في البعثة العسكرية المصرية ورئيس المكتب العربي بأن يوجه إلى شريف مكة (أنذاراً جدياً وشخصياً) وأن يحثهُ على بذل أقصى الجهود للحيلولة دون بحث هذا الموضوع ([43]).

في تقرير المكتب العربي ((المؤسسة العسكرية البريطانية ومقرها في القاهرة)) في مطلع 1917، أبلغ المسؤولون البريطانيون إنه ((تمَّ بالفعل تشكيل جمعية في القدس تضم الطبقة المثقفة من الشباب المسلمين لمحاربة الأستعمار الصهيوني، وقد جاء هذا التقرير ليؤكد ما جاء في تقرير سابق وقعهُ الكابتن وليام أورمسي نمور، ((الذي أصبح فيما بعد وزيراً للمستعمرات البريطانية)) عن الوضع السياسي في فلسطين وموقف الفلسطينيين العرب من الأتراك والبريطانيين والصهيونيين، حيث ورد في التقرير ((ليس في فلسطين أحدٌ يحب الأتراك عدا ألمانيا، وتعتبر طبقة الفلاحين المسحوقة أبعد فئات الشعب عن محبتهم)).

أما الأسر الإسلامية البارزة وفي طليعتها آل الحُسيني وآل النشاشيبي وآل الداودي وغيرها فهي موالية للبريطانيين حيث ترسل أبناءها للدراسة في والمعاهد الإنكليزية ([44]).

وفي الثامن من /آيار / 1918 أستدعى حاكم يافا العسكري أعيان الميناء العربي من سياسيين ورجال دين للأجتماع بوايزمان، وبعد أن أصغى المجتمعون إلى خطاب وايزمان، أكد ناطق بلسان العرب للزعيم الصهيوني إن ((كلا المسلمين والمسيحيين سيعاملون المواطنين اليهود معاملة حسنة ما دام اليهود يحترمون حقوق هاتين الديانتين مؤيدين ذلك الكلمات بالأفعال ([45]).

ومن هنا فقد سارع وايزمن ليجتمع بالأمير فيصل بن الحسين في 4/ حزيران / 1918 في بلدة (وحيدة) ويستفاد من تقرير الكولونيل جوبس، إن الأجتماع كان ودياً، ولكن الأمير فيصل لم يُلزم نفسه شيء، فقد ورد في التقرير: ((صرح الشريف فيصل بأنه لا يستطيع بوصفه عربياً  أن يبحث مستقبل فلسطين، سواء كان ذلك بوصفها مستعمرة يهودية، أو بوصفها بلداً تحت الحماية البريطانية، فهذه القضايا قد أصبحت بالفعل موضوع قدر واسع من الدعاية الألمانية والتركية، ولا شك إن البدو غير المثقفين سوف يسيئون فهمها إذا بُحثت بصورة علنية،ولكن عندما تصبح الشؤون العربية فيما بعد أكثر استقراراً أو أنتظاماً يصبح بالإمكان أثارتها ([46]).

يبدو إن الأمير فيصل من خلال أجتماعه بالصهيوني وايزمان يحاول أن يكسب الوقت لصالح القضية الفلسطينية من خلال سياسته المعروفة بـ(السياسة التوفيقية) أو الوسطية من أجل أيجاد حلول جادة وحقيقية لاستقلال الدولة الفلسطينية، على وفق النظم والمعايير السياسية والدولية الداعية إلى أقرار حقوق الشعوب في تقرير مصيرها من خلال المؤتمرات والمحافل الدولية التي تؤمن بالحرية والسلام.

الأمير فيصل أمام مؤتمر السلم في باريس 1919:

أصدر الأمير فيصل في 4 /تشرين الأول/ 1918 وبعد مرور ثلاثة أيام من تحرير دمشق من الحكم العثماني بلاغاً إلى جميع أبناء سوريا، يشير فيه إلى استقلال سوريا وإلى سلطان أبيه على جميع البلاد، وعلى أثر ذلك عين الضابط في الجيش العثماني الفريق علي رضا الركابي حاكماً عسكرياً على دمشق،وعين اللواء شكري باشا الأيوبي حاكماً على بيروت، ورفع العلم العربي في 7 /تشرين الأول/ 1918 وأعاد أمتيازات  جبل لبنان التي الغتها الحكومة اللبنانية ([47]).

أثارت إجراءات فيصل منذ اللحظة الأولى ردود فعل قوية لدى الفرنسيين الذين رأوا فيها تطاولاً حيال العهود والمواثيق الدولية المنعقدة بين الحلفاء في سنوات الحرب الأولى، وقبل أن يستكمل الأمير فيصل إجراءاته في سوريا توجه إلى أوربا بهدف الاشتراك في مؤتمر السلم بباريس الذي كان يتوقف على قراراته المصير السياسي للأقطار العربية، بما فيها القضية الفلسطينية التي كانت ضمن الإمبراطورية العثمانية المنهارة.

وصل الأمير فيصل باريس نهاية تشرين الثاني 1918، يرافقه وفد عربي مؤلف من نوري السعيد ورستم حيدر وفائز الغصين والدكتور أحمد قدوري، وسمح له الأشتراك في المؤتمر ممثلاً عن الحجاز لا عن سوريا.

ومن المهم أن نشير إلى إن الأمير فيصل كان أول زعيم عربي يعرض القضية العربية وبضمنها القضية الفلسطينية بأسلوب دبلوماسي عميق أمام أكبر محفل دولي عرفه التاريخ الحديث في ذلك الوقت، عندما أجاب الرئيس الأمريكي ودرو ويلسن بقوله (أنني أخشى كل تقسيم وأن مبدئي الرئيس هو وحدة العرب) ([48]).

يشير الأديب الحوماني في كتابه بين النهرين إلى سياسة الأمير فيصل فيقول ((الأمير فيصل هو سيد البلاد، وهو معني بالكفاح الخارجي بين لندن وواشنطن وباريس وأنقرة والعواصم العربية، وهو مفكر يستعرض حقه المسلوب على عهد أبيه وجده، وملكه الحائر القلق بين مستعمر جشع وبين رهط يديرون دفة الحكم بأفكار هوج وعقول لم تنضجها التجارب السياسية)) ([49]).

ومن جانب أخر فقد حدث بفعل الضغوط الصهيونية المختلفة على الشعب الفلسطيني أن أوردت صحيفة أبناء فلسطين نبأ تشكيل عدة جمعيات في يافا منها دار العلوم الإسلامية، وجمعية الشبيبة اليافية، وجمعية التعاون المسيحي والجمعية الأهلية، كما نشرت الصحيفة في 9 شباط 1919 نبأ ظهور أول منظمة كشفية وأول نادي نسائي عربي.

كما بذلت جهود أخرى تهدف إلى شل الجهود الصهيونية بوسائل عملية،ففي غضون شهر حزيران تمَّ تشكيل جمعية مسيحية – اسلامية ذات برنامج يهدف إلى مقاومة السيطرة اليهودية وإلى مكافحة النفوذ اليهودي والحيلولة -بجميع الوسائل الممكنة- دون شراء اليهود الأراضي الفلسطينية([50]).

أفتتاح مؤتمر السلم:

أفتتح مؤتمر السلم في باريس في مطلع كانون الثاني من عام 1919 ليرسم خارطة جديدة للعالم، ويبني الأسس الجديدة والعلاقات الدولية بعد الحرب، وسط جوٍ من التفاؤل بقرب موعد تنفيذ مبدأ تقرير المصير للشعوب،إلا إنه سرعان ما تبددت الأوهام عندما كشفت الدول الاستعمارية،وفي طليعتها بريطانيا وفرنسا عن أطماعها وخططها في ضم ممتلكات استعمارية جديدة، وضم مساحات شاسعة من الأراضي التي كانت واقعة تحت سيطرة ألمانيا وتركيا.

وكان واضحاً أن الصهيونيين يتمتعون بمركز قوي وشديد في المؤتمر يؤهلهم للحصول على مراميهم كافة، ذلك أن بريطانيا كانت ملتزمة بتبني فكرة إقامة الوطن القومي اليهودي في فلسطين، كما أن الرئيس ويلسن كان على استعداد مسبق للتخلص عن تنفيذ حق تقرير المصير فيما يتعلق بفلسطين، نظراً لتأثير الصهيوني برانديس فيه وتأثير اليهود في السياسة الداخلية في الولايات المتحدة، كما إن فرنسا وبقية الدول الرئيسية في المؤتمر، ولاسيما جنوب أفريقيا المتمثلة بالجنرال سمطس كانت ملتزمة بتأييد الصهيونية ([51]).

لقد واجه فيصل منذ البداية مضايقة الفرنسيين الذين كانوا مصممين على أحتلال سوريا، ومن جهة أخرى تعرض فيصل الأول إلى ضغوط البريطانيين الذين كانوا يمولون حكومته شهرياً، وقد أطبقت عليه هذه الضغوط من أجل فرض المخططات البريطانية في فلسطين ([52]).

يبدو أن الضغوط الغربية على فيصل من قبل الدول الأربعة الكبار، بريطانيا وفرنسا وأيطاليا والولايات المتحدة كان شديداً بالنسبة لمصير المشرق العربي بما في ذلك سوريا وفلسطين، حيث ظهر واضحاً من خلال خطابه الذي القاه في المؤتمر في 6 /شباط /1919 والذي لقى أهتماماً استثنائياً أشاد فيه بضرورة رفع الأضطهاد والأستعباد عن العرب فجاء في خطابه قائلاً: ((إن المؤتمر لن يقيد العرب من جديد بأصفاد تحرروا منها تواً،فهم عرفوا معنى العبودية وهو أمر لا تعرفه الشعوب الممثلة في قاعة المؤتمر، وأن العرب عاشوا على مدى أربعة قرون تحت اضطهاد عسكري ثقيل، وما دامت الحياة تجري في عروقهم، فأنهم يرفضون العودة إلى ما كان عليه سابقاً)).

كما أشار فيصل في خطابه إلى ضرورة أن ينظر المؤتمر إلى أمة العرب، بأعتبارها أمة مضطهدة انتفضت ضد مستعبديها، وهي تطالب بالحرية ولا ترضى عنها بدلاً ([53]).

ولكن تحقيق الطموحات الفيصلية في ظل الظروف الدولية السائدة كان يدخل في عداد المستحيل، لذا كان على فيصل أن يعود إلى سوريا ليجابه الفرنسيين في معادلة غير متكافئة، تعلم في خضمها دروساً كثيرة في الدبلوماسية المعاصرة، إضافة إلى ما تعلمه من مؤتمر باريس، حيث وصفت الصحافة العربية موقف الأمير فيصل من إنه (بادرة أمل ونصر دبلوماسي كما أشادت به الأوساط السياسية الغربية من أنه يصلح أن يكون زعيماً سياسياً لتلك المرحلة([54]).

المؤتمر العربي الفلسطيني 1919م:

في غضون هذه الأجواء السياسية المشحونة بالصراعات أنعقد المؤتمر العربي الفلسطيني  في القدس بين 27 كانوا الثاني ولغاية العاشر من شباط 1919م، ظهر على أثره طبيعة الصراع بين الأوساط الفلسطينية من أصحاب الأملاك والأطيان ممن التزموا بجانب الهدوء وبين طبقة الشباب المثقفة التي دعت إلى المناداة بالحقوق الفلسطينية بما فيها حق تقرير المصير. 

ويستفاد من التقرير الذي أعدتهُ دائرة الأستخبارات البريطانية عن المؤتمر العربي الفلسطيني المؤلف من (27) عضواً  إن (11) عضواً كانوا موالين لبريطانيا وأثنان موالين لفرنسا، واثنان آخران ليس لهما ارتباطات سياسية، أما الباقون وعددهم (12عضواً) كانوا من أنصار الأتحاد العربي، وكان أبرز أعضاء المؤتمر عزّت دروزه ويوسف العيسى رئيس تحرير جريدة فلسطين ([55]).

وتعرض المؤتمر منذ البداية إلى ضغوط قوية من الخارج، وعلى الرغم من تأثير بعض من أعضاء المنتدى الأدبي والنادي العربي المناصرين للقضية الفلسطينية إلا إن الصراع داخل المؤتمر كان على أشده بين الكتل الموالية لبريطانيا والكتل الموالية لقضية فلسطين.. وبالتأكيد أن سبب الانقسام هذا يعود في أصوله إلى عوامل اقتصادية بحته أكثر مما تعود إلى طبيعة الفوارق بين الأجيال المختلفة.

وهنا تكمن ورطة العرب الفلسطينيين الموالين لبريطانيا، فمع إنهم كانوا معارضين للصهيونية، إلا إن التقرير تحدث عن ((المعارضة القوية لجميع العناصر غير اليهودية في فلسطين ضد اليهودية)) فقد كانوا عملياً يقدمون المساعدة للصهيونية من خلال الولاء لبريطانيا الموالية للصهيونية، ومن خلال تأييدهم لفصل فلسطين عن سوريا([56]).

وقد حاول الأمير فيصل، على وفق اتفاقية فيصل وايزمان المعقودة في شهر كانون الثاني من السنة نفسها أن يوفق بين العرب والفلسطينيين والسياسة اليهودية، ففي 11 آيار 1919 كتب يقول:

((أبلغ فيصل الوفد العربي في دمشق إنه لا يرى أن الأهداف العربية والصهيونية غير قابلة للالتقاء، وبدا أن الوفد أخذ انطباعا طيباً عن ذلك وسيدعى أعضاء اللجنة الصهيونية لزيارة فيصل الذي قد يقوم بدعوة بضعة زعماء بارزين من العرب الفلسطينيين للحضور بقصد التوفيق بين الجانبين)) ([57]).

كان وايزمن يدرك تماماً حتمية فشل أية جهود تُبذل للتوفيق بين اليهود وبين الأكثرية الساحقة من عرب فلسطين، فقد كان مصمماً على تحويل فلسطين إلى دولة يهودية، وعندما عارض هوبرت صموئيل تصريحاً أدلى به إسرائيل زانغويل جاء فيه: أنه ينبغي تهجير عرب فلسطين إلى سوريا لكي تنتقل أراضيهم لليهود، أجابه وايزمن بصراحة  داعياً إلى حتمية استعمال العنف لفرض البرنامج الصهيوني في فلسطين ([58]).

يبدو إن الأمير فيصل حاول بسياسة معينة أن يوفق في حلٍ سلمي بين عرب فلسطين واليهود، وهي محاولة أقرار الوجود العربي الفلسطيني مقابل الوجود اليهودي، لعلمه أن معظم القوى السياسية العالمية هي بجانب الكيان الصهيوني الذي يستمد قوته السياسية والعسكرية من الدول العظمى التي تمتلك عناصر الدعم المادي والمعنوي للصهاينة.

كما أن رؤيا الأمير فيصل لعرب فلسطين كانت رؤيا أحادية، حيث شعر بوجود عدد غير قليل من العوائل الفلسطينية المتنفذة اقتصاديا واجتماعيا ترغب بوجود علاقات طبيعية مع الجانب البريطاني الداعم لمشاركة اليهود الحياة جنباً إلى جنب مع عرب فلسطين.

إن المدقق لمسيرة النضال الفلسطيني، يجد أن الزعماء العرب الفلسطينيين أمضوا الفترة الأولى في (الاعتدال) ومحاولة التفاهم مع بريطانيا، ((وكأنهم أعتقدوا بإمكانية تكوين مصالح مشتركة عربية – بريطانية تقف في وجه الأطماع الصهيونية)) ([59]).

وعلى أثر الصراعات السياسية الداخلية لعرب فلسطين أنعقد مؤتمر سوريا العام.

المؤتمر السوري العام 1919م:

أنعقد المؤتمر السوري في دمشق خلال الأسبوع الأول من تموز 1919 وكان يضم مندوبي جميع المناطق الثلاث الجنوبية والشرقية والغربية من الحائزين على اعتمادات سكان مقاطعاتهم وتفويضاتهم من مسلمين ومسيحيين وموسويين،وقام وفد انتخبه المؤتمر بأعداد بيان وقّعهُ أعضاء المؤتمر عرف باسم برنامج دمشق، وطالب البيان بـ (الاستقلال الفوري التام لسوريا دون حماية أو وصاية، وذلك في ظل حكومة مدنية ملكية نيابية) ([60]).

أما فيما يتعلق بفلسطين فقد عبر البرنامج عن مشاعر الفلسطينيين في البند السابع والثامن والعاشر من بنود البيان، حيث جاء في البند رفض الفلسطينيين مطالب الصهيونيين بجعل القسم الجنوبي (فلسطين) من بلاد سوريا  وطناً قومياً للإسرائيليين.

وفي البند الثامن طالب الفلسطينيون عدم فصل القسم الجنوبي من سوريا والمعروف بفلسطين والمنطقة الساحلية التي من جملتها لبنان عن القطر السوري، وفي البند العاشر أحتج الفلسطينيون بقواعد الرئيس ولسون التي تقضي بإلغاء المعاهدات السرية (كأتفاقية سايكس – بيكو) وكوعد بلفور وكافة المعاهدات والاتفاقيات التي من شأنها استعمار البلدان والشعوب([61]).

الأمير فيصل بن الحسين ملكاً على سوريا وتصاعد الثورة الفلسطينية:

على أثر أنعقاد المؤتمر السوري وتصاعد القلق والتردد السياسي نادى المؤتمر بالأمير فيصل بن الحسين ملكاً على سوريا في 8/ آذار 1920/ ومهما قيل عن هذه الخطوة التي عدها البعض أمراً مدفوعاً من قبل بريطانيا ولورانس([62])، أو من قبل لجنة كنج – كرين ([63]) إلا إنها كانت دون شك تعبيراً عن طموح ذاتي وشعبي مشروع كان من شأنه أن يصطدم بمخططات الفرنسيين بالنسبة لمصير المنطقة، لذا كان لا بد لفيصل أن (يفشل ويسقط) حسبما يؤكده صديقه ومستشاره الضابط البريطاني لورانس.

وتنفيذاً لهذا المخطط المقرر مسبقاً في ضوء توافق المصالح البريطانية والفرنسية على اثر الصفقة التي تّمت بين لندن وباريس على حساب العرب، فقد أنسحبت القوات البريطانية من سوريا وحلت محلها القوات الفرنسية ([64]).

على أن الضغوط المشتركة من قبل بريطانيا وفرنسا والصهيونية العالمية لم تترك استقراراً لتقرير حق المصير العربي،والفلسطيني بالذات، ففي 11 /آذار /1920 صدر أمر يحظر القيام بالمظاهرات، وهو إجراء زاد من حدة الاستياء العربي، وكان موعد أسبوع عيد الفصح ومصادفة وقوع الاحتفالات الدينية المسيحية واليهودية في الموعد نفسه لأحتفالات موسم النبي موسى (ع) عند المسلمين، قد أحدث قلقاً بالغاً لدى الطائفة اليهودية والإدارة البريطانية، ففي تلك المناسبة أحتشد المسلمون القادمون من أطراف مدينة القدس.

وكانت الحكومة الفيصلية تعترف على الدوام رسمياً بهذا الموسم وتُؤمّن القوات الضرورية لحفظ الأمن، فضلاً عن فرقٍ موسيقية للاحتفاء بالمناسبة، على إنه بالنظر للهياج السياسي والتوتر السائد لم يكن من المستغرب أن تقرر الأوساط الوطنية في فلسطين تحويل أي تجمع إلى مناسبة احتجاج وتحريض ضد الصهيونية والإدارة البريطانية ([65]).

وفي 4/ نيسان / 1920 أنطلقت مسيرة وفد الخليل، وتوقفت أكثر من مرة لتستمع إلى الخطب والتأييدات التي القاها عارف العارف وموسى كاظم الحسيني والحاج أمين الحسيني، تلك الخطب والتأييدات التي أتصفت بطابع سياسي مكشوف، رفعت خلالها صور الملك فيصل وتحيته بوصفه ملكاً على سوريا وفلسطين، حتى وصلت هذه الخطب والمسيرات إلى أقصى حالات الأنفعال وأخذ الجمهور ينادي بشعارات مناوءة للصهيونية والأدارة البريطانية كما شارك المسيحيون في هذه المسيرات معلنين معارضتهم للهجرة الصهيونية ([66])، لقد لفتت أنتفاضة 4 نيسان التي أطلق عليها بأنتفاضة القدس أنظار مؤتمر سان ريمو ([67])إلى طبيعة النزاع العربي – الصهيوني في فلسطين، ولكن المؤتمر بدلاً من أن يُعيد النظر في سياسة بريطانيا بشأن الوطن القومي اليهودي في فلسطين، منحها حق الأنتداب على فلسطين، وحدد واجبات بريطانيا من خلال تكرار نص وعد بلفور حرفياً، على الرغم من التناقض الواضح بين فرض وعد بلفور على الشعب الفلسطيني وبين حق هذا الشعب بتقرير مصيره وسيره نحو الأستقلال بموجب ميثاق عصبة الأمم بموجب وعود الحلفاء المقطوعة في هذا الصدد ([68]).

وبعدَ مرور خمسة أيام بَلَّغت الإدارة مضمون قرارات سان ريمو لوجهاء نابلس، وبهذا الشكل أنتهت بريطانيا سنة 1920 إدارتها العسكرية وأقامت مكانها إدارة مدنية، ثم سارعت إلى تعيين اليهودي هربرت صموئيل مندوباً سامياً على فلسطين واليهودي نورمان بنتوتش مستشاراً قضائياً للحكومة ((وهو صاحب سن قانون الهجرة)) واليهودي حاييمسون مديراً لدائرة (المهاجرة والسفر والجنسية) ليمهدوا جميعاً الطريق أمام المهاجرين اليهود، وينسقوا الأعمال لتهويد البلاد بأقصى سرعة ممكنة ([69]).

وكان صموئيل قد قرر قبل وصوله إلى فلسطين أن يتبنى سياسة ذات حدين، ترمي إلى حمل العرب على الإذعان لسياسة بريطانيا في إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، فهو من جهة قرر أبلاغ العرب إن إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين بالتدريج هو أمرٌ مفروغ منه بقدر ما يتعلق الأمر بالحكومة البريطانية،وهو من جهة أخرى  قرر كسب تأييد الفلسطينيين المعتدلين ((أي ذوي المصالح الثابتة والمستقرة)) وذلك من خلال اللقاءات الشخصية والتساهل السياسي ضمن أطار تصريح بلفور، أما الخطة البريطانية الصهيونية لتهويد فلسطين، فقد سارت على أساس الغزو التدريجي القائم على تشجيع الهجرة اليهودية ونقل ملكية الأراضي الفلسطينية إلى اليهود، كما سارع هربرت صموئيل إلى استدعاء وجهاء القدس وضواحيها لاجتماع يعقد في  7 /تموز/ 1920،كما أستدعى وجهاء حيفا إلى الأجتماع في 8 تموز 1920، وذلك لتحقيق الهدف السياسي نفسه.

حتى إذا تولت بريطانيا الانتداب على فلسطين كوصية على أشخاص لا يمتون إلى أرضها بصلة، تدفق اليهود من أقطار خارجية، فكانت بولونيا هي المصدر الأول للهجرة اليهودية، ثم تلتها روسيا، وعندما سُئِلَ البروفيسور بردوفسكي القادم من روسيا وعضو الوكالة اليهودية في فلسطين عن نتائج هذا الغزو ومصير السكان العرب الفلسطينيين أصحاب البلاد الشرعيين، أجاب قائلاً ((إن الهدف النهائي هو طرد كل عربي من حدود فلسطين إلى داخل الأردن)) ([70]).

المبحث الثالث: موقف الملك فيصل الأول من النشاط الصهيوني في العراق

في 25 تموز 1920 دخل الفرنسيون دمشق لينهوا حُكم الملك فيصل على سوريا، فكان ذلك صدمة سياسية كبرى، تلقاها الملك فيصل في حياته، حيث حولته الصدمة إلى ((تمثال من الشمع)) على حد تعبير مقربيه ([71]).

تُعد مرحلة الحكم الفيصلي في سوريا من أخصب المراحل التاريخية في حياة فيصل من حيث تجاربها ووقائعها وتناقضاتها ومفاجأتها سلباً و أيجاباً، والتي علمته أشياءً كثيرة في السياسة انعكست على مواقفه في حكم العراق فيما بعد.         

كان أبلغ درسٍ تعلَّمه من تلك التجربة، إنه وقف بصورة أفضل على حقيقة الألاعيب السياسية الدولية، سيما سياسة البريطانيين الذين أرادوه أداة لتحقيق مخططاتهم التي كانت تلتقي أحياناً مع تطلعاته وطموحه السياسي الذي عرف به ([72]).

وقبل تنصيب الملك فيصل على العراق في 23/ أب / 1921 تجسدت العلاقة والتعاون بين الحركة السياسية في العراق وبين الثورة العربية في الحجاز ومن ثُمَّ في سوريا في المطالب التي ظهرت في بغداد والكاظمية والنجف وكربلاء ومناطق أخرى خلال استفتاء عام 1918- 1920 حين طالبت الحركة بأن يكون أحد أنجال الشريف حسين ملكاً على دولة عربية دستورية في العراق، وهذا ما نادى به المؤتمر العراقي في سوريا عام 1920.

وظهرت هذه المطالب بعد أن وجدت الثورة العربية إن هناك تراجعاً وعدم التزام بالوعود التي قطعها الإنكليز لتشكيل الدولة العربية الموحدة، وعليه لم تكن المطالبة بدولة عربية في العراق أو سوريا (لبنان + فلسطين + شرق الأردن + سوريا الحالية) أو الحجاز بمعزل عن التطلع القومي في الأتحاد بين هذه الأقطار بالنتيجة تحت قيادة واحدة ([73]).

موقف حكومة الملك فيصل من يهود العراق:

لقد عاش يهود العراق على وفاق مع بقية أطياف المجتمع العراقي، وقد تغلغلوا في جميع نواحي الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية في العراق، ولما تألفت الحكومة العراقية المؤقتة سنة 1920، كان أول وزير للمالية وزيراً يهودياً هو ساسون حسقيل، وقد تجدد تعينه في كل الوزارات التي تعاقبت على الحكم منذ تشرين الأول 1920 وحتى عام 1924، وكان ساسون حسقيل واسع الاطلاع في ثقافته، و يُحسن التحدث في اللغة الانكليزية والفرنسية والألمانية بطلاقه ([74])، ولم يلق تعينه اعتراضا من العراقيين  لأن علاقة اليهود بإخوانهم في المواطنة كانت حسنة، حيث حافظ الدستور العراقي على حقوق اليهود بإخوانهم في المواطنة أما عملياً فلم يكن هناك  حسب اعتراف اليهودي الصهيوني حاييم كوهين أي تمييز ضد اليهود، فضلاً عن علاقة الملك فيصل الأول الذي أعتلى عرش العراق في 23/اب/1921 باليهود كانت طيبة وايجابية ([75]).

كما اشتهر اليهودي مناحيم بن صالح آل دانيال بكونه من كبار وجوه الطائفة اليهودية في بغداد وممن له شهرة في عالم المال والتجارة، وقد أختير عضواً في مجلس الأعيان أبان الحكم الملكي في العراق([76]).

لاشك إن التبدلات الاجتماعية والاقتصادية التي طرأت على حياة اليهود في العراق ويهود بغداد خاصة خلال السنوات 1920- 1935 ولدت جيلاً جديداً أعتبر نفسه عراقياً مئة بالمئة ([77]).

وحين أنعقد المجلس التأسيسي العراقي المؤلف من (100) عضو سنة 1924، كان منهم خمسة يهود ممثلين للطائفة اليهودية في العراق.

وحين سُنَّ قانون الأنتخابات سنة 1924، تقرر أن يكون عدد النواب اليهود أربعة، واحد عن الموصل وأثنان عن بغداد والرابع عن البصرة من مجموع عدد أعضاء مجلس النواب العراقي البالغ (88) عضواً ([78]).

ومن بين الشخصيات اليهودية السياسية الذين برزوا في مجلس النواب والأعيان هم، أسحاق افرايم،وساسون  سميع، وإبراهيم حاييم، وروبين بطاط، حَيثُ أصبح هؤلاء نواباً عن الطائفة اليهودية في الدورات الأنتخابات للسنوات 1926- 192- 1934، أما مناحيم دانيال فقد تولى منصب عضو مجلس الأعيان طيلة الفترة من 1925 ولغاية 1932 ([79]).

حركة النشاط الصهيوني في العراق على عهد الملك فيصل الأول:

لقد أحتل النشاط الصهيوني في الجمعيات والنوادي والصحف اليهودية في العراق والصادرة في عقد العشرينات حيزاً مميزاً في موضوع ترويج اللاسامية أو معاداة اليهود العراق.

وفي النشاط السياسي الذي قامت به الجمعية الصهيونية في العراق، بغية أيجاد صلة سياسية مع بعض ساسة العراق، من أجل العمل على توطين يهود العالم في فلسطين، كما إن الاتصال بيهود العراق وتعبئتهم نفسياً وعقائدياً كانت من المهام الأساسية للنشاط الصهيوني عبر المنظمات السرية والعلنية، فقد أدى نشاط هذه المؤسسات إلى أيجاد وخلق جمعيات سرية في مرحلة الثلاثينات، كانت في مقدمتها جمعية الشبان الإسرائيليين التي تأسست في 20 ايلول 1931 ([80]).

وعلى أثر التحركات اليهودية في العراق التي اثارت شكوك الملك فيصل الأول على عهد حكومة عبد المحسن فهد السعدون الأولى في 20 تشرين الثاني 1922، من شبهات صهيونية مغلفة بطابع الدين الموسوي، وعلى الرغم من رعاية الملك فيصل واحترامه الأديان والمبادئ التي انتشرت في العراق على ضوء أحكام الدستور العراقي، سيما رعاية الديانة اليهودية واهتمامه بطلباتهم كطائفة دينية لها حقوقها وعليها واجباتها، إلا إن حكومة الملك فيصل قد حددت هذه التحركات وراقبتها مراقبة شديدة وحاربتها لما تحمله من أفكار وأراء تمثل الحركة الصهيونية التي أقرها تيودور هرتزل.

لذلك نلحظ أن وزارة السعدون اضطرت أن تعتمد قانون الجمعيات الصادر في 29/ حزيران /1922 الذي منعت بموجبه عقد أي أجتماع لم  تصدر به أجازة رسمية من الدولة ([81]).

وجاء هذا المنع بعد أن حاول اليهودي الصهيوني أهرون ساسون أن يكسب قناعة رئيس الوزراء عبد المحسن السعدون من خلال لقائه به زهاء الساعة في تشرين الثاني 1922 في محاولة منه للحصول على امتيازات سياسية تدعم جمعيتهم المسماة بـ(الجمعية الأدبية الإسرائيلية)، وكان أهرون يشغل منصب رئاسة الهيئة الإدارية للجمعية، إلا أن هذه الجمعية لم تلبث أن لفظت أنفاسها أثر أغتيال رئيسها السابق في 24/كانون الأول / 1920.

وبَعدَ حادثة الأغتيال أختلف أعضاؤها في أوائل عام 1921 وأجتمع عدد من الصهاينة في نادي الجمعية الأدبية المنحلة، وأنتخبوا هيئة إدارية جديدة لجمعيتهم  وتقدموا بطلب إلى المندوب السامي البريطاني في 22 / شباط / 1921 فتلقوا رداً بالموافقة من سكرتيره السياسي في 5/آذار 1921، ويعتبر هذا التاريخ الموعد الرسمي لأنشاء الجمعية الصهيونية في العراق ([82]).

كما أن أهرون ساسون أتصل بوزير المستعمرات البريطاني يخبره بالصعوبات التي تواجهها جمعية بغداد الصهيونية مع حكومة الملك فيصل التي تمثلت بوزارة عبد المحسن فهد السعدون ([83]).

ولعل النشاط الصهيوني في العراق خلال العشرينات تجسد من خلال تفعيل الأمور الآتية:

  1. الأهتمام بالأعلام الصهيوني من خلال الصحافة اليهودية في العراق كمجلة (يشيرون) التي صدرت باللغتين العربية والعبرية في عددها الأول في 19 تشرين 1920 ومجلة (المصباح) التي صدرت في 10 نيسان 1924 وكانت متقطعة حتى 1 حزيران 1929 وصحيفة (الحاصد) ([84]).
  2. الجمعيات اليهودية التي لعبت دوراً فاعلاً في تفعيل النشاط الصهيوني تحت ستار العقائد الدينية فهناك جمعية الهستدروت التي تأسست عام 1924، وفي آذار من العام نفسه تأسست سبع جمعيات صهيونية تابعة للهستدروت موزعة بين مدن العراق بغداد والبصرة وأربيل والعمارة ([85]).
  3. طبع وترويج الكتب الصهيونية، منها على سبيل المثال ((النهضة الإسرائيلية وتاريخها الخالد)) الذي لقي رواجاً وأعجاباً بالغين في الأوساط اليهودية في العراق مع دعوة صريحة لتحبيذ الصهيونية وتأييدها ([86]).

لقد كان للإنكليز دورٌ واضح في دعم النشاط الصهيوني في العراق، حيث ثارت زوبعة  أخرى بفعل كتاب آخر ورد إلى اليهودي مناحيم دانيال، فيه ترويج للحركة الصهيونية والذي أحرج موقف الحكومة العراقية والملك فيصل، مما دفع برئيس ديوان البلاط الملكي إلى أرسال كتاب إلى عبد المحسن السعدون رئيس الوزراء تحت رقم د/1/499 في 1/ تشرين الأول 1923، جاء نص الكتاب ((أرسل إلى فخامتكم بأمر صاحب الجلالة كتاباً إنكليزياً وترجمته العربية من الإدارة الصهيونية المركزية وعدداً من جريدة (العالم الإسرائيلي))).

إن ما يدعيه كاتب الكتاب أن وكيل الإدارة موجود في العراق بموافقة صاحب الجلالة الملك فيصل ليس على شيء من الواقع حقيقة، فأن هذا الوكيل تشرف بمقابلة جلالة الملك مرة في السنة الماضية ولذلك لا يصح بوجه من الوجوه أن ينسب قط إلى جلالة الملك أنه موافق على وجوده بصفة ممثل رسمي، ولما كانت الدعوة الصهيونية في هذه البلاد تبعث بطبيعتها إلى التفرقة بين فئة وأخواتها، والمثابرة عليها يؤدي إلى شقاق وتصدع في الصلات الودية الوطنية بين فئة وأخرى، وقد بدأت تظهر علائمها السيئة بسبب ما ينشره بعض دعاتها من الأفكار المخالفة للوئام التقليدي السائد بين الطوائف، فيرغب صاحب الجلالة إلى فخامتكم في توجيه أهتمامكم إلى هذا الأمر الخطير لأتخاذ وسائل ناجحة توقف هذه الدعوة قبل تغلغلها في البلاد ([87]).

ومما يجدر ذكره، إن رستم حيدر رئيس الديوان الملكي، كان يُبدي أهتماماً واضحاً ضد النشاط الصهيوني وأخطاره، بل كان يدفع الملك فيصل في الوقت نفسه إلى الأهتمام بهذا النشاط ورصده،كما كان وراء استفسارات البلاط الملكي المستمرة عن الصهاينة القادمين من فلسطين إلى العراق وضرورة مراقبة تحركاتهم ([88]).

يبدو إن الحس الوطني لدى رستم حيدر كان وراء هذا الأهتمام، يسنده تقدير الملك فيصل لرئيس ديوانه وصديقه في الجهاد الوطني.

وفي كتاب لرستم حيدر موجه إلى وزير الداخلية برقم د/10/252 بتأريخ 17/ نيسان / 1924، جاء قوله (بَلَغَ صاحب الجلالة إنَّ أثنين من دعاة الصهيونية وهما (فيشمن وبنازيل) يصلان قريباً من فلسطين إلى بغداد وقصدهما بث (الدعوة الصهيونية بين أبناء الطائفة الإسرائيلية)، ولقد كتبنا إلى معاليكم سابقاً عن تحركات بعض الصهيونيين ولفتنا نظركم إلى ما ينتج عنها من التأثيرات السيئة في العراق وإلقاء بذور الشقاق بين الطوائف المتأخية، والآن بمناسبة مجيء الشخصين المذكورين، أمرني صاحب الجلالة بأن أدعو اهتمامكم لمراقبتهما مراقبة تامة، كي لا يبدر منهما ما يتعذر تلافيه فيما بعد، وعلى أثر ذلك أوعز وزير الداخلية إلى دائرة التحقيقات برفع تقرير عنهما وعن تحركاتهما ووضعهما تحت المراقبة ([89]).

لم يتوقف النشاط الصهيوني في العراق، إذ أثارت حادثة زيارة الصهيوني البريطاني الفريد موند وزوجته وأبنته إلى العراق في 8/شباط / 1928، فلقيت زيارته معارضة شديدة من الرأي العام  العراقي بقواه وفصائله الوطنية كافة ولاسيما الطلبة، وقد حاولت قوات الشرطة والخيالة من تشتيت المظاهرة بعدما استمرت المظاهرات حتى مساء ذلك اليوم، فأضطرت الشرطة من تغير مسار موكب الفريد موند من قبل مدير الشرطة العام حسام الدين جمعة إلى نقطة أبن منيصير ([90]).

ومن أبي منيصير نقلته الشرطة تحت ستار الظلام إلى الكاظمية ثم إلى الأعظمية، ومن ثم إلى دار المعتمد البريطاني، حيث حل ضيفاً هناك هو وأسرته، أما حاشيته فقد نزلت في دار اليازر خضوري أحد أثرياء  اليهود المقيمين في لندن، على أن الملك فيصل ورئيس الوزراء عبد المحسن السعدون قد أبديا تشكياً لدار الأعتماد البريطاني بخصوص عدم أطلاعهما عما يجري وراء الكواليس استعداداً لمجيء الفريد موند ([91]).

يبدو أن الملك فيصل ورئيس وزرائه قد أبديا تجاهلاً لزيارة الفريدموند، وتعاطفاً مستوراً مع العراقيين الذين رفضوا زيارة الفريد موند إلى بغداد، وعلى الرغم من التشديد المتخذ من قبل الشرطة التي تهاونت هي الأخرى مع المتظاهرين، كل هذا جاء بشكل تقرير من الانتقادات الحادة التي وجهها مستشار المندوب البريطاني بورديلون إلى البلاط الملكي في 10/ شباط / 1928.

أن أهم ما تميزت به سنة 1929 هو الخطر الشديد على النشاط الصهيوني في العراق، إذ نتج عن ذلك حادثتان كان لهما الأثر الكبير في انشقاق وانشطار النشاط الصهيوني واندفاعه في تحركاته.

  1. الخلاف بين اليهود وانشقاقهم إلى كتلتين، الأولى يؤيدها أهرون ساسون رئيس الجمعية الصهيونية التي وقفت ضد ساسون خضوري رئيس الطائفة اليهودية.
  2. خطر النشاط الصهيوني من قبل السلطة الحكومية.

حيث انتفاضة الشعب العراقي ضد الصهيونية في شباط 1928، ثمَّ حشد  التظاهرات في 30/ آب/1929 حين عقد الأهالي في بغداد اجتماعا كبيراً ضم مئات المتظاهرين في جامع الحيدر خانة، حضره بعض الساسة العراقيين في مقدمتهم ياسين الهاشمي وجعفر أبو التمن ومحمود رامز، وعدد غير قليل من الخطباء والشعراء منددين بالصهيونية والانتداب البريطاني على فلسطين، ونشبت هذه التظاهرات أثر ثورة البراق ([92]) في فلسطين المحتلة، واستمرت حتى منتصف أيلول /1929، وبلغت أوجهاً في 2/11/ 1929 حين حلّت الذكرى الثانية عشر لوعد بلفور المشؤوم([93]).

وعلى أثر ذلك بدأت السلطة العراقية تلاحق النشاط الصهيوني بشكل أفضل من السابق، حيث شرعت في تحصين يهود العراق ضد الهجرة إلى فلسطين، ففي أيلول 1929 أصدرت أمراً لآهارون ساسون بمغادرة بغداد إلى البصرة خلال عشرة أيام، على الرغم من تأكيده للحكومة من إنه سيمتنع من مواصلة النشاط الصهيوني سواء المتعلق بالهجرة أو جمع التبرعات ووقَّعَ على تعهد أمام وزير الداخلية في كانون الأول 1929 ([94]).

كان العراق في مقدمة الأقطار العربية التي قاومت فكرة اتخاذ فلسطين وطناً قومياً لليهود، وكان يسارع لكل فرصة للذبّ عن كيانها والبذل في سبيلها وإرسال الاحتجاجات من أجلها، ففي 2 تشرين الثاني 1929 أنتخب السيد محمد الصدر رئيساً لمجلس الأعيان العراقي، وكان مجلس الأعيان آنذاك صريحاً بموقفه واحتجاجه ضد وعد بلفور المشؤوم  مطالبة الحكومة البريطانية وعصبة الأمم بإلغاء هذا الوعد، ففي محضر الجلسة الثانية من الأجتماع الاعتيادي الخامس لسنة 1929 الفقرة (3) وتحت عنوان الاحتجاج أبرق مجلس الأعيان البرقية الآتية:

  1. رئيس الوزراء – لندن.
  2. سكرتارية عصبة الأمم – جنيف.
  3. رئيس لجنة التحقيق – القدس.

قرر مجلس الأعيان العراقي في جلسته المنعقدة في 2 تشرين الثاني 1929 الاحتجاج على ما هو جارٍ في فلسطين ضد العرب، وتوجيه اهتمام فخامتكم إلى ضرورة إلغاء وعد بلفور الذي يرمي إلى أمحاء أمة في وطنها، وهذا لا يتلائم بشيءٍ مع مبادئ العدل الإنسانية.

                                                                                       التوقيع

                                                                                   محمد الصدر

                                                                            رئيس مجلس الأعيان ([95])

 

ونتيجة لهذا الاحتجاج تلقى مجلس الأعيان  جواب سكرتارية لجنة التحقيق الفلسطينية في القدس يُخبرهُ بوصول برقية الاحتجاج في 9 تشرين الثاني 1929، هذا ولم تصل أجوبة الأحتجاج المبعوث إلى لندن وجنيف([96]).وفي أوائل عام 1930 طُرد أول صهيوني من فلسطين كان يُدرَّس في مدرسة الطائفة اليهودية في البصرة لنشاطه الصهيوني وتدريسه الفكر الصهيوني، ثمَّ بُلّغَ آخران بعدم تدريس الفكر الصهيوني والترويج له في المدارس الخاصة  بالطائفة، كما حُظِرَ على الصحف والمنشورات العبرية بموجب أوامر رسمية صدرت في 31 تشرين الأول 1931 و 18/ كانون الثاني/ 1932، بعدما كانت الصحف العبرية تباع في شارع البنوك في صيف 1931 ([97]).

الخلاصة:

نستنتج من البحث إن الأمير فيصل بن الحسين قد واجه صعوبات تربوية وسياسية مختلفة، أحاطت به منذ مرحلة صباه في قرية رحاب من أعمال الطائف ومرحلة فتوته في مدينة أسطنبول التركية، وصولاً إلى وفاته في مدينة برن السويسرية في 8 أيلول 1933.

تمثلت هذه الصعوبات بطبيعة اختراق الأثر الحضاري والتمدني في حياة الأمير فيصل الجديدة، التي نقلته من واقع حياة البداوة وقساوة الصحراء في مقتبل حياته إلى عالم التمدن الحضاري ليمارس به رغباته وتطلعاته المختلفة، الأمر الذي تركَ أثراً واضحاً في بناء شخصيته بناءً حضارياً وسياسياً متقدماً.

وعلى الرغم مما أكتسبهُ الأمير فيصل من الجوانب الحضارية، إلا إنه لم يتخلص من الاضطهاد السياسي والثقافي المزدوج الذي فُرضَ عليه من قبل الكيانات الدولية العظمى التي اصطدم بها، تلك الكيانات التي تمتعت بدبلوماسية وقوة عسكرية عاليتين.

ولعل أولى هذه الأضطهادات التي فُرضت وعلى والده الشريف حسين وأخوته كانت من الدولة العثمانية، والتي تمثلت بسياسة التتريك، من خلال فرض الإقامة الجبرية والحجر على والده في القسطنطينية لأثني عشر عاماً.

وعلى الرغم من هذه الإضطهادات استطاع الأمير فيصل أن يحافظ على العادات والتقاليد العربية التي جُبل عليها والتي كان يفتخر بها كثيراً.

ومن الاضطهادات الأخرى هي الضغوط البريطانية التي اصطدم بها بفعل عوامل وسياسات مختلفة، في مقدمتها الخداع البريطاني والوعود الكاذبة التي عانى منها، فضلاً عن الدور الذي لَعَبهُ البريطانيون في أثارة الأحداث والوقائع العسكرية ضد الدولة العثمانية،وتشجيع الأمير فيصل لخوض المعارك بحجة الدفاع عن الثورة العربية، وكذلك دورهم الخفي في دفع آل سعود لمنافسة الشريف حسين على إمارة البلاد العربية.

ثم أصطدم الأمير فيصل بقسوة التعامل السياسي الفرنسي الذي لم يترك له خياراً سياسياً مناسباً أمام تنازلاته الشخصية لقائد الحملة الفرنسية الجنرال غورو، لعله يحصل على الأمل المفقود لحماية مملكته وحكومته من أجل شعب سوريا وفلسطين، الشعب الذي ضرب أعلى مثلاً في التضحيات والشهادة في واقعة ميسلون الشهيرة ضد الأحتلال الفرنسي  الذي أطاح بمملكة فيصل بن الحسين وعزله عن سوريا، بعدما رأى الفرنسيون في فيصل من إنه جندي بريطاني  مخلص.

يذكر رستم حيدر  مستشار البلاط الملكي ملاحظاته على الملك فيصل ما نصه:

فيقول: ((إن سياسة خُذْ وطالب)) التي أمن بها الملك كادت أن تقضي عليه، لولاً الأمل الذي يراوده بفعل من يحيطه من رجال البلاط.

إن تفضيل فيصل طريق المناورة السياسية على الأساليب الثورية، فتحت أمامه آفاقاً كبيرة في المجالات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية التي ساعدته على بناء الدولة العراقية الحديثة وإدارة دفة الحكم بحكمة عقلانية.

وبغض النظر عن سلبيات الملك فيصل في سياسته العامة، تُعدُّ وفاته عام 1933، خسارة فادحة، أحدثت فراغاً سياسياً كبيراً في البلاد وأفرزت صراعات واضطرابات سياسية حادة فيما بعد، كادت أن  تهز العرش الملكي في العراق،  فالتدخل البريطاني (على سبيل المثال) الذي أعادَ الوصي على العرش الأمير عبد الأله وإفشال حركة مايس 1941 التي قادها رشيد عالي الكيلاني يُعدُّ أنموذجاً واضحاً لأهتزاز العرش الملكي العراقي.

فالملك فيصل هو الحاكم العربي الوحيد الذي استطاع أن يُدخل العراق في عصبة الأمم  عام 1932  قبل أية دولة عربية أخرى خلال أثنا عشر عاماً من تنصيبه ملكاً على العراق فكان للعراق مندوباً سياسياً يمثل العراق بجانب الدول العظمى كبريطانيا وفرنسا وايطاليا وغيرها من الدول.

 

[1] - الصحيح أن عمر الأمير فيصل هو السادس والعشرين من عام 1908 حيث هو من مواليد 1882م ((الباحث)).

[2] - عبد الحميد الثاني (1876- 1909): عبد الحميد بن عبد المجيد الأول، السلطان الخامس والثلاثون من سلاطين آل عثمان، تولى الحكم عام 1876 وخلع عام 1909 لأهماله الدستور، وأقام تحت الأقامة الجبرية  حتى وفاته عام 1918.

[3] -جيرالد دي غوري، ثلاثة ملوك في بغداد، ترجمة سليم طه التكريتي، مطبعة الرشاد، بغداد،1983، ص 21.

[4] - المصدر نفسه، ص39.

[5] - الحركة الطورانية: هي حركة إحياء التعصب القومي التركي في نفوس الناشئة الشباب، ظهر نشاطها السياسي قوياً أبان سقوط السلطان عبد الحميد الثاني بعد عام 1908.

[6] - المصدر نفسه، ص 40.

[7] - المصدر نفسه، ص41.

[8] - إبراهيم الراوي، من الثورة العربية الكبرى إلى العراق الحديث، مطبعة دار الكتب، بيروت، لبنان، 1978، ص54.

[9] - أحمد جمال باشا (1873- 1922): قائد الجيش العثماني، عين حاكماً على سوريا وبلاد الشام عام 1915 وهو من زعماء جمعية الأتحاد والترقي.

[10] - المصدر نفسه، ص55..

[11] - المصدر نفسه، 56.

[12] - المصدر نفسه، ص66.

[13] - المصدر نفسه، ص67.

[14] - الدكتور عبد المجيد كامل، الملك فيصل الأول ودوره في تأسيس الدولة العراقية  1921- 1933، مطبعة دار الشؤون الثقافية، بغداد، 1991، ص13.

[15] - الأدريسي: هو محمد بن علي الإدريسي الذي أعلن ثورته على الدولة العثمانية عام 1911، واستطاع الأمير فيصل وأخوه عبد الله من أخماد هذه الثورة والسيطرة على (أبها) عاصمة عسير ,

[16] - المصدر نفسه، ص14.

[17] - المصدر نفسه، ص15.

[18] - جيرالد دي غوري، المصدر السابق، ص43.

[19] - المصدر نفسه، ص42.

[20] - الدكتور عبد الوهاب الكيالي، تأريخ فلسطين الحديث، طبع المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت – لبنان، 1973، ص68.

[21] - الدكتور عبد الوهاب الكيالي، موجز تاريخ فلسطين الحديث، طبع المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت – لبنان، 1971، ص29.

[22] - الدكتور عبد الوهاب الكيالي، موجز تاريخ فلسطين الحديث، ص30.

[23] - المصدر نفسه، ص30.

[24] - المصدر نفسه، ص32.

[25] - الدكتور عبد المجيد كامل، المصدر السابق، ص18.

[26] - هدنة مودروس: وقعت في 30 / اكتوبر / 1918 أنهت بموجبها العمليات القتالية في الشرق الأوسط بين الدولة العثمانية والحلفاء خلال الحرب العالمية الأولى  المنبثقة عام 1914.

[27] - المصدر نفسه، ص19.

[28] - آلان و – تايلور، مدخل إلى إسرائيل، تعريب شكري محمود نديم، منشورات دار مكتبة الحياة، بيروت- لبنان، 1969، ص36.

[29] - عبد الحميد العلوجي، المد الصهيوني بين الهجرة والهجرة المضادة، مطبعة الجمهورية، بغداد، 1970، ص104.

[30] - د.عبد الوهاب الكيالي، موجز تاريخ فلسطين الحديث، ص35.

[31] - جعفر الخليلي، الملخص لكتاب العرب واليهود في التاريخ، ط2، مطبعة دار الحرية للطباعة، بغداد، 1979، ص125.

[32] - مجلة العربي، العدد 366، مايو، 1989، الكويت، ص 33.

[33] - المصدر نفسه، ص34.

[34] - عبد الرزاق الحسني، أحداث عاصرتها، دار الشؤون الثقافية، بغداد، 1992، ص42- 43.

[35] - د.عبد الوهاب الكيالي، تاريخ فلسطين الحديث، مصدر سابق، ص101.

[36] - عبد الحميد العلوجي، مصدر سابق، ص106.

[37] - المصدر نفسه، ص107.

[38] - المصدر نفسه، ص108.

[39] - محمد مهدي كبة، مذكراتي في صميم الأحداث، دار الطليعة، بيروت، لبنان، 1965، ص255.

[40] - مديرية الرعاية العامة، أحاديث رئيس الوزراء نوري السعيد، مطبعة الحكومة، بغداد، 1947، ص116.

[41] - د. أسعد رزوق، اسرائيل الكبرى، دراسة في الفكر التوسعي الصهيوني، مركز الأبحاث الفلسطينية، بيروت – لبنان، ص364.

[42] - آلان ر.تايلور، المصدر السابق، ص23.

[43] - د.عبد الوهاب الكيالي، تاريخ فلسطين الحديث، ص103.

[44] - المصدر نفسه، ص102.

[45] - المصدر نفسه، ص114.

[46] - المصدر نفسه، 115.

[47] - د.عبد المجيد كامل، المصدر السابق، ص21.

[48] - المصدر نفسه، ص23.

[49] - محمد علي الحوماني، بين النهرين، مطبعة الكشافة الأدبية، بيروت، لبنان، 1946، ص368.

[50] - د.عبد الوهاب الكيالي، تاريخ فلسطين الحديث، ص116.

[51] - د.عبد الوهاب الكيالي، موجز تاريخ فلسطين الحديث، ص50.

[52] - المصدر نفسه، ص52.

[53] - د.عبد المجيد كامل، الملك فيصل الأول، مصدر سابق، ص23.

[54] - د.عبد المجيد كامل، المصدر السابق، ص24.

[55] - د.عبد الوهاب الكيالي، تاريخ فلسطين الحديث، ص124.

[56] - المصدر نفسه، ص 125.

[57] - المصدر نفسه، ص 132.

[58] - المصدر نفسه، ص133.

[59] - محمد حافظ يعقوب، تاريخ القضية الفلسطينية، دار الطليعة للطباعة والنشر، بيروت – لبنان، ص62.

[60] - د.عبد الوهاب الكيالي، موجز تاريخ فلسطين الحديث، مصدر سابق، ص53.

[61] - المصدر نفسه، ص 54.

[62] - لورانس: هي عضو الأرتباط السياسي لصالح السياسة البريطانية في علاقتها مع العرب، يُعد لورانس ضابطاً استخبارياً بريطانيا من الدرجة الممتازة، وله دور فاعل في تنظيم العلاقات السياسية البريطانية العربية، كلف من قبل دائرة الإستخبارات البريطانية بملازمة الملك فيصل الذي تعرف عليه عام 1916 في وادي الصقراء وأصبح من المقربين للملك وللساسة العرب حتى لقب بـ(لورنس العرب).

[63] - لجنة كنج كرين: وهي لجنة دولية أقرها الحلفاء لدراسة قضايا الولايات العربية، وقد تخلف عنها الفرنسيون والبريطانيون وفعّل مهامها الأمريكيون لتحري الأستفتاء وتقصي الحقائق حيث تجولوا في سوريا ولبنان وفلسطين عام 1919، ولمسوا رغبة عارمة في الوحدة والتحرير والنفور من أي تدخل أجنبي في شؤون بلادهم وذلك من خلال الأستفتاء الذي قامت به في المنطقة.

[64] - د.عبد المجيد كامل، المصدر السابق، ص25.

[65] - المصدر نفسه ص57.

[66] - المصدر نفسه، ص 58.

[67] - مؤتمر سان ريمو: هو المؤتمر المنعقد في ولاية سان ريمو الإيطالية في نيسان عام 1920 لتفعيل سياسة الانتداب على الممتلكات الخاضعة للإمبراطورية العثمانية، حيث أنيط أنتداب العراق وفلسطين وشرق الأردن لبريطانيا وأنيط أنتداب سوريا ولبنان لفرنسا.

[68] - المصدر نفسه، ص61.

[69] - المصدر نفسه، ص63.

[70] - سامي حكيم، إسرائيل والدول الشيوعية، دار الكاتب العربي، بيروت لبنان، ص12.

[71] - د.عبد المجيد كامل، المصدر السابق، ص27.

[72] - المصدر نفسه، ص28.

[73] - مجلة آفاق عربية، العدد / 4، السنة الرابعة – بغداد – كانون الثاني، 1978، ص86.

[74] - سعد سلمان المشهداني، النشاط الصهيوني في العراق ودورهُ في تهجير يهود العراق إلى فلسطين، دار الشؤون الثقافية، بغداد، 1992، ص13.

[75] - صادق حسن السوداني، النشاط الصهيوني في العراق 1914- 1952، دار الحرية للطباعة، بغداد، 1980، ص21.

[76] - مجلة آفاق عربية، العدد /5، السنة الرابعة، بغداد، كانون الثاني، 1979، ص49.

[77] - صادق حسن السوداني، المصدر السابق، ص22.

[78] - المصدر نفسه، ص23.

[79] - المصدر نفسه، ص27.

[80] - سعد سلمان المشهداني، المصدر السابق، ص42.

[81] - عبد الرزاق الحسني، تاريخ الوزارات العراقية، ج1، مطبعة العرفان، صيدا، لبنان، 1965، ص91.

[82] - صادق حسن السوداني، المصدر السابق، ص36.

[83] - المصدر نفسه، ص38.

[84] - سعدا سلمان المشهداني، المصدر السابق، ص24.

[85] - صادق حسن السوادني، المصدر سابق، ص 25.

[86] - المصدر نفسه، ص 42.

[87] - المصدر نفسه، ص 43.

[88] - المصدر نفسه، ص 50.

[89] - المصدر نفسه، 51.

[90] - عبد الرزاق الحسني، تاريخ الوزارات العراقية، ج2، مصدر سابق، ص150.

[91] - صادق حسن السوداني، المصدر السابق، ص68.

[92] - ثورة البراق: أو ما تسمى بثورة (حائط المبكى) وهي الثورة التي نشبت عام 1929 بسبب أفعال الشغب التي أثارها اليهود الصهاينة ضد عرب فلسطين.

[93] - المصدر نفسه، ص80.

[94] - المصدر نفسه، ص 84.

[95] - د.سالم هاشم أبو دله، محمد الصدر ودوره في السياسة العراقية، 1920- 1956، مطبعة الحرمين، كربلاء المقدسة، 2005، ص153.

[96] - المصدر نفسه، ص154.

[97] - صادق حسن السوداني، المصدر السابق، ص83.