من صفحة: 193
إلى صفحة: 220
النص الكامل للبحث: PDF icon 180423-201023.pdf
البحث:

المقدمة

وقف القرآن الكريم موقف الناصر للنبي محمد صلى الله عليه وآله في جميع مواقفه المحرجة, فهو عون للنبي  صلى الله عليه وآله في دعوته، وسلاحهِ الذي يشهره بوجه عتاة قريش عند شدته، فيستعين بالقرآن ليفضح نواياهم ويكشف خباياهم من جهة، و من جهة ثانية يسحر ألبابهم ببيانه وأسلوبه وبلاغته وعالى أدبه فيجذبهم إليه, فيؤمن من يتغلب على عصبيته, ويتجبر من تغلب عليه شقوته، وهو يجيب على كل سؤال يسألوه أو يمر على خوالجهم, بأحسن جواب وابلغ بيان، فيبهر عقولهم ويأخذ بألبابهم، فيشعرون وكأن القرآن يعيش في دواخلهم ومطلع على كوامنهم, ولم يعد بالإمكان إخفاء شيئاً عن محمد صلى الله عليه وآله, فحاروا فيه و بأي شئ يجيبوا وبأي لسان ينطقوا, فأما أن يسلموا فيحول دون ذلك كبريائهم وأنفتهم وحسدهم وحماقاتهم وعادات اعتادوها, وأوثان عبدوها, ومطامع أملوها, وتجارات يخشون كسادها, وشيطان سول لهم, ونفس أمارة بالسوء, وهوى تلبس بهم فصار جزءا من شخصيتهم, فلا يملكون الشجاعة الكافية لمخالفة هواهم وطاعة جنانهم، فساءت عاقبتهم فاخذوا يتوسلون بكل شئ للثبات على موقفهم السيئ, ليلاقوا مصيرهم الخائب, وهذا أعجب ما في الإنسان عندما يقرر مصيره الأسود بيده ولسانه وماله, فتلك عاقبة من لايرعوي ويتخذ من هواه دليلا ومن الشيطان غرورا ومن الرغبات عن العقل بديلا, فالوليد بن المغيرة واحد من أولئك النفر الذين عرفوا الحقيقة وجحدوها وتأثروا بالقران وكابروا، وكادوا أن يهتدوا لولا تسويل شياطين الإنس والجن وعلى رأسهم أبو جهل، فوظفوا طاقاتهم لمناوأة الحق فشاركوا في التخطيط للوقوف بوجه القرآن والسعي دون تأثر العرب فويل للوليد و أمثاله الذين يقفون بوجه الحق ويبيعون عقلهم بهواهم, والحكمة بالوهم, والحق بالباطل.

فعندما اخذ القرآن يتسرب إلى قلوب العرب, وخاصة الوفود القادمة إلى مكة في المواسم، فقد استشاط زعماء الظلال في مكة غضباً, وكادوا أن يموتوا أسفاً, وهم يرون أن الكثير من سمعوا بالقرآن آمنوا, من تعرفوا على العقيدة اهتدوا وهم لازالوا في ظلالهم يعمهون وفي كبريائهم وتعصبهم يغرقون, فملأ الحقد والحنق قلوبهم والحيرة والغيرة نفوسهم، ماذا يفعلون وأي قرار يتخذون، وكيف يمنعون القرآن من أن يتسرب إلى القلوب الصافية, والعقول النيرة التي تبحث عن الحقيقة لتأخذ بها؟ فوقعوا في حماقات وواجهوا مطبات فغرق من غرق في موج  ظلاله, ونجى من نجى بسفينة عقله إلى شاطئ الإيمان وبر الأمان.

وقبل التعرض للموقف القرآني من زعماء قريش نحتاج ان نتعرف على البيئة الاجتماعية لمكة باعتبارها المكان الذي بدا نزول الوحي فيه, وعاش بها أولئك الزعماء المناوئون وللباطل مناصرون, وحسبك أن في مكة نزل الوحي وعاش الرسول ومنها انطلقت الدعوة وعانى المسلمون، وفيها أحدثت المعارضة واشتد النزاع، فاستحقت أن نضع لها  فصلاً كمقدمة ممهدة للدخول في عمق الموضوع الذي سوف نتناول فيه أولئك المناوئون للنبي محمد صلى الله عليه وآله.

الفصل الأول: موجز عن تاريخ مكة وأوضاعها الاجتماعية والسياسية

تمهيد

يبدأ تاريخ مكة المكرمة من آدم  عليه السلام, على ما أشارت إليه بعض الروايات, وقد تشرفت مكة في هذه الفترة أن يكون من بين زعمائُها مجموعة من الأنبياء, والأولياء وبذا تعتبر اقدس بقعة على سطح الأرض ولأنها المكان الأول الذي عُبد الله فيه على دين التوحيد وسنت الشرائع السماوية فيها, وتعلم فيها آدم وبنيه أساليب الحياة الجديدة زرع ورعى وتكلم ووعى وأوقد وطهى وتعلم وبنى وتطور وسعى  وانجب ونمى, وخلال هذا الزمن الطويل حدثت في مكة الكثير من الأحداث المهمة التي تعد ذات أبعاد عالمية تأثرت بها الكثير من الأمم والشعوب وتحدثت عنها الكتب  السماوية بما فيها القرآن الكريم وأمهات الكتب التاريخية، ونحن نحاول في هذا الفصل نحاول أن نبحث بعض ما يخص مكة من ناحية تاريخها وأهميتها وطريقة إدارتها لما لها من علاقة مهمة في معرفة الظرف الذي نزل فيه القرآن وحصلت فيه المواجهة.

المبحث الأول:أهمية مكة

نحاول أن نستعرض في هذا المبحث أهمية مكة من ثلاث جهات, الأهمية الاقتصادية, والأهمية المعنوية, و الأهمية التاريخية.

1ـ الأهمية الاقتصادية

يمكن إيجاز الأهمية الاقتصادية لمكة بكونها الممر التجاري للقوافل، التي تنقل البضائع من مختلف بقاع العالم، وتكون حلقة وصل بين الحضارات المختلفة، لذلك أُنشئت في مكة المكرمة مجموعة من القنصليات لمختلف الدول والممالك المحيطة بالجزيرة العربية كالأحباش والروم والفرس، وعُين فيها ممثلون لبعض الممالك العربية التي أسست على إطراف الجزيرة العربية([1]), ذلك بعد أن أغلقت الطرق البحرية بسبب الحروب بين الفرس والروم. وأنشأت مجموعة من الأسواق للتبادل التجاري بين هذه الأمم قرب مكة. كسوق عكاظ وذات المجاز وغيرها، وأنشأت أحلاف وعلاقات للحفاظ على القوافل التجارية، من القبائل التي تمر بها تلك القوافل.

والشيء الآخر الذي أعطى مكة أهمية اقتصادية هو الهدايا والنذور التي تقدم إلى مكة وللأصنام التي على ظهرها وتعود لمختلف القبائل والأقوام وقد خصص مكان لجمع هذه الهدايا والنذور.

2ـ الأهمية المعنوية

تعود أهمية مكة المعنوية إلى كونها المنطلق الأول للبناء التكويني للحضارة الإنسانية وكذلك البناء التشريعي حيث عرفت أول التشاريع على يد آدم  عليه السلام في مكة ثم أضيفت إليها عبر التاريخ تشريعات جديدة كلما تجددت الحياة واحتاجت إلى تشريع، وعندما تحرك الإنسان من هذه الأرض حمل معه ميراثه من التشريع إلا انه للأسف حرف الكثير من هذه التشريعات بشكل سلبي، بدافع المصالح الضيقة والأهواء ورغبات ذوي الجاه والمصالح يساعد على ذلك الجهل والتخلف، ومع ذلك بقيت مكة محط أنظار العالم تنطلق منها ببين الفينة والأخرى أنوار هدى يستضئ بها العالم وبقيت معظمة من جميع الأديان، والقوميات، يقدمون لها الهدايا والقرابين والنذور ويزورونها للدعاء، فكان الهنود يعظمونها ويقولون ان روح سينا حلت فيها وهو الاقنوم الثالث حسب عقيدتهم حيث زار سينا مع زوجته بلاد الحجاز([2]), وكانت الصابئة من الفرس والكلدانيين يعدونها احد الييوت السبعة المعظمة، وربما قيل انه بيت زحل لقدم عهده وطول بقاءه([3]) وكان الفرس يحترمون الكعبة أيضاً زاعمين أن روح هرمز حلت فيها([4])، وكان أسلافهم يقصدون البيت الحرام ويطوفون به تعظيما له ولجدهم إبراهيم  عليه السلام(كما يدعون)، وكان آخر من حج منهم ساسان بن بابك وقد أهدى غزالين من ذهب وجواهر وسيوفا وذهباً كثيرا، فدفن في زمزم وقد افتخر بعض شعراء الفرس بعد ظهور الإسلام و قال:

وما زلنا نحج البيت جمعاً

ونلقى بــلقى بالاباطح آمنينا

وساسـان بـن بابك سـار حـتى

أتــى البــيـت العتيق يطوف دينـا([5])

وكان اليهود يعظمونها ويعبدون الله فيها على دين إبراهيم  عليه السلام وبها صور وتماثيل منها تمثال إبراهيم  عليه السلام، وإسماعيل  عليه السلام، وصور العذراء والمسيح  عليه السلام، ويشهد ذالك على تعظيم النصارى لآمرها([6])، وموضع البيت الحرام يأتيه المظلوم والمتعوذ من أقطار الأرض يدعو عندها المكروب، فكل من دعا هناك استجيب له وكان الناس يحجون إلى موضع البيت حتى بوأ الله مكانه لإبراهيم عندما  أراد طهارة بيته واظهار دينه وشريعته([7]).

ويقال ان الله أهبط منذ أنزل الله آدم  عليه السلام إلى الأرض حجر بيته تتناسخه الأمم والملل امة بعد امة، وملة بعد ملة([8]) وكل نبي من الأنبياء إذا هلكت امته لحق يتعبد فيها ومازال النبي ومن معه يتعبد حتى يموت فيها، فمات نوح وهود وصالح وشعيب، وقبورهم بين زمزم والحجر([9])، وهناك  قبور سبعين نبي قرب زمزم([10])،ومن هذا نعلم مدى أهمية مكة عالميا، وليس فقط بالنسبة للجزيرة أو أهل مكة.

3ـ  الأهمية التاريخية

إختلف المؤرخون في تاريخ مكة فمن قائل يقول إن تاريخها قائم قبل إبراهيم  عليه السلام ثم عرض عليها الخراب بعد ذلك فجددها إبراهيم وإسماعيل عليهم السلام, ومن قائل يقول أن تاريخ بنائها وإنشائها يعود إلى إبراهيم  عليه السلام، وذهب بعض أهل التفسير وكتاب التاريخ من المسلمين إلى أنها اسبق من إبراهيم  عليه السلام, فالذين يرجعون تاريخها إلى آدم  عليه السلام يستدلون على ذلك بمجموعة من الروايات والأقوال والأقاصيص والإسرائيليات بعضها اخذ من التوراة والإنجيل المحرفين، لذا لا يمكن الاعتماد عليها و إنما المتيقن ان إبراهيم وإسماعيل قاما ببنائها كتابا وسنة صحيحة, من غير يقين ان هذا البناء ابتدائاً أم تجديداً، وبعضهم توقف عن الحكم وقالوا: الله اعلم لأنه لا مجال للحكم في هذا الباب سلباً أو ايجاباً([11])، بينما يدافع السيد الطباطبائي عن الرأي القائل بقدم مكة, ويرد الكلام الذي يبطل قدم مكة.

ومن خلال رده لأدلة القائلين بعدم قدم مكة يتبين أن السيد الطباطبائي لا يمنع من القول بوجود الكعبة قبل إبراهيم  عليه السلام لكن لا يقطع بذلك([12]). فالذين يقولون ان قدم مكة يعود إلى آدم  عليه السلام يصورون  تسلسل الأحداث الاجتماعية والسياسية  في مكة بدءا من قتل قابيل لهابيل وتولي شيت الوصاية لأبيه آدم  عليه السلام، وبسبب هذا الحدث الخطير انقسمت الإنسانية إلى قسمين: اتخذ أهل الخير من ذرية آدم موقعهم قرب الكعبة في جبال مكة وضواحيها، بينما ذهب قابيل وبنوه إلى سهول الجزيرة  واليمن، واندفعوا إلى ارض الله الواسعة  بعيدا عن نور النبوة ومشعل الهداية، فراحوا في ظلام الجهل يتخبطهم الشيطان يفعلون المنكرات ويأتون الشهوات ويعيثون في الأرض فساداً، فتعلموا الطرب والغناء وغيرها من الموبقات([13]).

و تزعم مكة في هذه الفترة مجموعة من الصالحين، منهم شيت وانوش وبرد، واستمر أبناء آدم على النهج الصحيح إلى ان جاء  «برد» فنزل بعض ذريته من الجبل واختلطوا بذرية قابيل التي عمها الفساد، ومن بعد ـبرد ـاخنوخ ـ وقيل إدريس  عليه السلام ([14])، فزاد الاختلاط وكثر الفساد وتسرب بين أبناء شيت، ولم يبق من الصالحين إلا القليل، فنقضوا الميثاق وعبدوا الأوثان، وبدأت مرحلة الإصلاح الاجتماعي من قبل الأنبياء عليهم السلام الذين بعثهم الله سبحانه وتعالى رحمة بالإنسان, واستمرت محاولات الإصلاح الى ايام نوح  عليه السلام حيث طهرت الأرض بالطوفان بعد ان يأس نوح من إصلاحهم فخاطب ربهَ ً{رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً﴿5﴾ فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَاراً﴿6﴾ وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي إذانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَاراً﴿7﴾}﴿نوح5,6,7﴾ وفي الفترة بين نوح وإبراهيم  عليه السلام لم يحدثتا التاريخ بشئ واضح عن هذه الفترة , هل أن مكة تركت أو مصرت؟ الا انها كانت بقعة مقدسة موضعها أكمة حمراء كما يروي لنا التاريخ، وكان ياتيها المظلوم والمتعوذ من أقطار الأرض ويدعو عندها المكروب فكل من دعا بصدق استجيب له وكان الناس يحجون إلى موضع البيت حتى بوأ الله له إبراهيم عليه السلام([15]).

اما بعد إبراهيم  عليه السلام فأول الأقوام الذين سكنوا مكة وعاشوا فيها هم جرهم, وتولي الزعامة فيها أبناء إبراهيم عليه السلام إسماعيل ونابت وقيدار, واختلف المؤرخون  في إدارة مكة بعد نابت وقيدار، فمن قائل يقول: ان إدارتها كانت لجرهم، وآخر ينسب ذالك إلى العماليق، وثالث يقول: انها كانت مشتركة بين جرهم والعماليق، ثم حدث صراع بينهم أدى إلى نفي العماليق عن مكة، وإلى سيطرة جرهم عليها, وآخر يعيد ذالك الحدث من الصراع إلى «طسم» أو أبناء قنطورا إلا  أن  أشهر الأخبار تشير إلى أن  الذين تولوا إدارة مكة بعد أبناء إسماعيل هم جرهم، وهم الذين تزوج إسماعيل منهم زوجتيه([16]).

المبحث الثاني: أسلوب إدارة القرشيين لمكة

أولا: استلام قريش إدارة لمكة

بعد ان استعرضنا تاريخيا الأمم التي سكنت مكة وتزعمتها فان  تاريخ إدارة  قريش لمكة يبدا من  زعامة قصي لها, والذي  كانت على يديه  نهاية خزاعة آخر الزعامات غير القرشية, وقصي  اسمه الحقيقي زيد بن كلاب، مات أبيه وهو صغيرا فتزوجت أمه من ربيعة بن حزام كبير بني عذرة، فنقلها إلى بلد عذرة من مشارق الشام، وحملت معها قصيا لصغره فشب زيد في حجر ربيعة، فسمي قصيا لبعده عن دار قومه، ولما عيره أخيه لأمه الفضاعي بالغربة رجع إلى أمه وسألها عما قال, فقالت له يا بني أنت أكرم منه نسبا ونفسا أنت بن كلاب بن مرة وقومك في مكة عند البيت الحرام, وعندها شد الرحال إلى مكة وأقام مع أخيه زهرة, ثم خطب إلى حليل بن حبشة ابنته فزوجه, وحليل يومئذ يلي الكعبة وهو شيخ كبير, فولدت لقصي أولاده عبد مناف وعبد العزى وعبد قصي, وكثر ماله وعظم شرفه، ولما هلك حليل أوصى بولاية البيت لابنته حبى, فقالت إني لا أقدر على فتح الباب وإغلاقه فجعل فتح الباب إلى ابنه المحترش. فاشترى قصي منه ولاية البيت بزق خمر وبعود فضربت العرب المثل فقالت أخسر صفقة من أبي غبشان, وقيل:  إحليل بن حبشة أوصى قصيا بذلك وقال أنت أحق بولاية البيت من خزاعة, عندها جمع قومه وأرسل إلى أخيه من قضاعة يستنصره، فحضر في قضاعة في الموسم. وكانت صوفة تدفع بالناس من عرفات وتجيزهم إذا تفرقوا من منى. فأتاهم قصي ومن معه من قومه ومن قضاعة فمنعهم وقال نحن أولى بهذا منكم، فقاتلوه وقاتلهم قتالا شديدا فانهزمت صوفة. وغلبهم قصي. فانحازت خزاعة بعد أن عرفت أنه سيمنعهم كما منع صوفة، وكثر القتال بين خزاعة وبني بكر من طرف وقصي وقضاعة من طرف آخر. ثم تداعوا إلى الصلح. على أن يحكموا بينهم عمرو بن عوف بن كعب بن ليث من كنانة، فقضى بينهم:

(بأن قصيا أولى بالبيت من خزاعة وإن كل دم أصابه من خزاعة وبني بكر موضوع يشدخه تحت قدميه وإن كل دم أصابت خزاعة وبنو بكر من قريش وبني كنانة ففي ذلك الدية مؤداة)([17]). تولى قصي الزعامة بعد أن حكم له عمرو بن عوف بالأحقية في ولاية البيت. وهو أول رئيس ووردت الأخبار أنه لما شعث قومه وجمعهم من الأودية والشعاب والجبال إلى مكة. وابتنى مقر رئاسته وسمي دار الندوة. يجتمع فيه أعيان قريش ويقرون ما شاؤوا من الأحكام في أمور السلم والحرب.

 وسن تشريعات جديدة منها عدم أحقية من لم يبلغ الأربعين من السنين أن يدخل دار الندوة.

لما كبر قصي وعلم قرب وفاته أجمع على أن يقسم أمور مكة بين بنيه.

 فأعطي عبد الدار السدانة ودار الندوة واللواء, وأعطي عبد مناف السقاية والرفادة والقيادة([18])

في حين يرى اليعقوبي أن قصي جعل السقاية والرئاسة لعبد مناف والدار لعبد الدار والرفادة لعبد العزى وحافتي الوادي لعبد قصي([19]).

 ولما مات قصي حدث صراع بين عبد مناف وعبد الدار في الاستئثار بالمناصب, وانقسمت لذلك قريش فطائفة مع بني عبد الدار وأخرى مع بني عبد مناف فكان صاحب أمر بني عبد مناف عبد شمس ومعه من قريش بنو أسد بن عبد العزى، وبنو زهرة بن كلاب, وبنو تميم بن مرة, وبنو الحارث بن فهر، وكان صاحب أمر بني عبد الدار وعامر بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار وكان بني مخزوم بن مرة، وبنو السهم بن عمرو بن هصيص بن كعب. وبنو جمح بن عمر بن هصيص وبنو عدي بن كعب مع بني عبد الدار, وخرجت عامر بن لؤي ومحارب بن فهر فلم يكونوا مع واحد من الفريقين, فعقد كل قوم على أمرهم حلفا مؤكدا على أن لا يتخاذلوا, فأخرج بنو عبد مناف جفنة مملوءة طيبا وضعوها لأحلافهم في المسجد عند الكعبة ثم غمس القوم أيديهم فيها, فتعاقدوا وتحالفوا ثم مسحوا الكعبة بأيديهم. فسموا المطيبين. وتعاقد بنو عبد الدار وتعاهدوا هم وحلفاؤهم عند الكعبة حلفا مؤكدا فسموا الأحلاف, (ويقال إنهم وضعوا أيديهم في دم جزورا ذبحوها) ولعق أحدهم من ذلك الدم فسموا الأحلاف ولعقة الدم, ثم تداعوا بعد ذلك للصلح على أن يعطوا بني عبد مناف السقاية والرفادة وأن تكون الحجابة واللواء والندوة لبني عبد الدار كما كانت وتحاجز الناس عن الحرب([20]).

 وهذه الأحلاف اثرت اثرا كبيرا على مستقبل قريش وسببا لمناوءة النبي صلى الله عليه وآله للكثير من زعمائها.

ثانيا: طريقة إدارة مكة

بدأت ادارة مكة بشكل منظم عندما سيطر قصي عليها وكانت إدارته تشبه النظام الجمهوري ثم توالى ابناءه هذه الادارة من بعده.

1ـ جمهورية قصي

كلما تعددت الأغراض وتوسعت المهام احتيج إلى نظام إداري أفضل. وخاصة بعد أن أصبحت مكة وأسواقها المركز التجاري الأول في العالم للاختلال الذي وقع في النقل البحري بسبب الصراع القائم بين الدول العظمى والروم والفرس والأحباش فأصبح الممر التجاري البري أكثر أمانا فاندفعت آلاف الإبل تنقل البضائع وتحط الرحال في مكة المحطة العالمية الأمينة, خاصة بعد انهدام الممالك العربية في أطراف الجزيرة ودخول الأحباش لها, عند ذلك عمد قصي أن يؤسس نظاما إداريا أشبه ما يكون بالنظام الجمهوري فكان هذا النظام قائما على أساس تقسيم المهام وتوزيعها على مجموعة أفراد, والمهام هي كما وردت في موسوعة العتبات المقدسة: 

1. السدانة وهي الحجابة وباستطاعة المتولي فتح الباب وغلقها لأن المفتاح بيده.

2. دار الندوة ويمكن أن نعبر عنها مجلس الشورى والقضاء.

3. اللواء، وهو الراية فكان لقريش راية اسمها العقاب وكانوا إذا أرادوا الحرب. أخرجوها. فإذا اجتمع رأيهم على واحد سلموه إياها وإلا فأنهم يسلموها إلى صاحبها.

 4. السقاية:  فهي عبارة عن حياض من أدم (جلود كانت على عهد قصي توضع في فناء الكعبة ويسقى فيها الماء العذب من الأبار على الإبل ويسقاه الحجاج).

5. الرفادة: خرج من المال كانت قريش تخرجه من أموالها في كل قومهم فتدفعه إلى قصي يصنع به طعاما للحجاج يأكله من لم يكن معه سعة ولا زاد.

 6. القيادة:  هي إمارة الركب ويقودهم إلى القتال في الحرب ويزعمهم في قيادته في الخروج للتجارة. وتفرعت من هذه المناصب مناصب أخرى أهمها:

الإشناق: وهي تنظر في الديات والغرم.

القبة: وهي تجهيزات الجيش في الحرب.

الأعنة:  وهي تدبير شؤون الخيل عند قريش في الحرب.

المشورة:  وهو منصب مهمته إسداء النصيحة والمشورة.

  السفارة:  وهي القيام بالاتصال بين قريش وغيرهم من القبائل إذا وقعت حرب أو تطلب الأمر مذاكرة وصلح.

والأيسار:  وهي الأزلام التي كانوا يستقسمون بها للاستخارة مما يشبه سحب القرعة.

 الحكومة:  وهي التي تحكم بين الناس إذا اختلفوا أشبه بالقضاء.

 الأموال المحجرة:  وهي الأموال التي كانت تخص آلهتهم من النقد والحلي والسلاح وهي تشبه بيت المال في الإسلام. وكانت ولايتها في بني سهم.

 العمارة: ويراد بها أن لا يتكلم أحد في المسجد الحرام يهجر ولا رمث ولا يرفع صوته ويمكن أن يوصف صاحبها المسؤول والمحافظ على حرمة البيت ([21])

 وهذا النظام جعل مكة عامرة ذات أمجاد وشهرة انفردت بها بين جميع المدن.

وبعد قصي صارت تعطى هذه المناصب وتوزع على وجهاء بطون قريش لاسترضائهم للمشاركة في فعاليات مكة وضمان وحدتها.

2ـ ا دارة عبد مناف

قام عبد مناف بن قصي على أمر أبيه بعده وأقر قريش إليه واحتفظ بمكة رباعا بعد الذي كان قصي قطع لقومه, ولما جل قدره وعظم شأنه وشرفه وكبر أمره جاءته خزاعة وبنو الحارث بن مناة بن كنانة يسألونه الحلف ليعزوا به فعقد بينهم الحلف الذي يقال له حلف الأحابيش([22]).

3ـ إدارة هاشم لمكة

وهو اكبر أبناء عبد مناف واسمه عمر العلا وإنما سمي هاشما لانه أول من هشم الثريد إلى قومه واطعمهم، ويمتاز بشخصية قوية ونفوذ واسع لما قدم من خدمات لقومه وما ابتدع من مشاريع منها حفر الآبار مثل بئر سجلة , وهو أول من سن الرحلتين لقريش رحلة الشتاء للحبشة ورحلة الصيف للشام إلى غزة([23]). التي ذكرها القرآن الكريم, وهو الذي اخذ الحلف من  قيصر لقريش على أن تأتي قريش للشام وتعود آمنة ([24])وكان هاشم يخرج مالا كثيرا ويأمر بحياض من أدم فتجعل في موضع زمزم ثم يسقي فيها من الآبار التي بمكة  فيشرب منها الحاج، وكان يطعمهم بمكة ومنى وعرفة وجمح, وكان يثرد لهم الخبز واللحم والسمن والسويق ويحمل لهم الماء حتى يتفرق الناس إلى بلادهم فسمي هاشماً([25]).

صراع اُمية وهاشم

 ويبدو أن ما أصاب هاشماً من علو المكان وسمو المجد أثار حسد أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي, وكان ذا مال فتكلف أن يصنع صنيع هاشم فعجز منه فشمت به ناس من قريش فغضب، ونال من هاشم ودعاه إلى المنافرة، فكره هاشم ذلك لسنه وقدره فلم ترعه قريش وأحفظوه، قال هاشم، فأني أنافرك على خمسين ناقة سود الحدق تنحرها ببطن مكة، والجلاء عن مكة عشر سنين، فرضيه أمية بن عبد شمس بذلك، وجعلا بينهما الكاهن الخزاعي وهو جد عمرو بن الحمق ومنزله بعسفان وقد قضي لهاشم بالغلبة، فأخذ هاشم الإبل ونحرها وأطعمها من حضره وخرج أمية إلى الشام عشر سنين فكانت هذه أول عدأوة بين هاشم وأمية([26]).

4ـ زعامة المطلب

تولى الزعامة بعد هاشم بن عبد مناف أخيه المطلب بن عبد مناف وكان أصغر من عبد شمس والمطلب كان ذا شرف في قومه وفضل سيدا مطاعا في قومه، وكانت قريش تسميه الفيض لسماحته، فولي بعد هشام السقاية والرفادة.

5ـ زعامة عبدالمطلب

لما أراد هاشم الخروج إلى الشام حمل امرأته سلمى بنت عمرو إلى المدينة لتكون عند أبيها وأهلها وكان معه ابنه (شيبة), فلما توفي هاشم في سفره. أقامت بالمدينة مع ابنها, واتفق أن مر رجل من تهامة بالمدينة فرأى غلمان يتناضلون فإذا غلام منهم إذا أصاب يقول أنا ابن سيد البطحاء، فقال له الرجل من أنت يا غلام فقال:  أنا شيبة بن هاشم بن عبد مناف، وانصرف الرجل حتى قدم مكة فوجد المطلب جالسا في الحجر. فقص الرجل على ما رأى من ابن أخيه فقال المطلب أغفلته أما والله لا أرجع إلى أهلي حتى اتيه.

ثم خرج على راحلته حتى أتى بني عدي بن النجار فلما نظر إلى ابن أخيه قال هذا ابن هاشم فأردفه خلفه وعاد به إلى مكة، وقال البعض من غير علم أمه وزعم الآخرون كان بإجازة من أمه. فلما استقبل أهل مكة المطلب وهم يرحبون به ويحيونه ويقولون من هذا الذي معك. فيجيب هذا عبدي ابتعته بيثرب, وبقيت قريش إذا رأته تقول هذا عبدالمطلب. فلج اسمه عبدالمطلب وترك شيبة([27]).

إعادة حفر زمزم

 لما تكامل لعبدالمطلب مجده وأقرت له قريش بالفضل رأى وهو نائم في الحجر، آتيا أتاه فقال له قم يا أبا البطحاء واحفر زمزم وتكررت الرؤيا وفيها علامات تدل على مكان زمزم فانطلق فأتى بمعول وابنه الحارث وحيده فاجتمعت إليه قريش فقالوا مإذا تفعل فقال أمرني ربي بما يروي الحجيج الأعظم فاعترضوا ولم يكترث باعتراضهم فلم يحفر إلا قليلا حتى بدا الطي فكبر واجتمعت قريش وعلمت ما رأت الطي أنه صادق. وحفر حتى وجد سيوفا وسلاحا وغزالين من ذهب. فضرب من الأسياف بابا للكعبة وجعل أحد الغزالين صفائح ذهب في الباب وجعل الأخرى في الكعبة  ([28]). ومن الأمور التي حدثت أثناء زعامة عبدالمطلب وأعطته دفعة معنوية وجعلت الناس تكن له الاحترام وتهابه, قصة الفيل التي ذكرها القرآن الكريم في سورة الفيل.

6ـ أبو طالب

 بالرغم أن الزعامات اصبحت  موزعة بين بطون قريش,  الا ان اباطالب فاقت زعامته بقية الزعامات  بعد ان أضاف لها شرفاً بخلقه الرفيع و سماحته و حكمته  فساد بذلك  رغم إملاقه.

وذكر البلاذري: وأما أبوطالب فكان منيعاً عزيزاً في قريش وكانت قريش تطعم فإذا أطعم ابوطالب لم يطعم احد غيره([29]).

ومن قول لحكيم العرب أكتم بن صيفي يقول: تعلم الرئاسة والحلم والسياسة من سيد العرب والعجم أبي طالب([30]).

لم يتولى من مناصب مكّة _التي بها الشرف حسب اعرافهم _سوى السقاية، ومما زادهُ شرفاً كفالتهُ محمد صلى الله عليه و آله بعد عبدالمطلب من بين اخوته واعمامه هذا الاختيار الموفق من قبل عبدالمطلب لأبي طالب لم يكن اختيارا عن فراغ وإنما اختيار عن ارادة ومعرفة بخصائص ابي طالب واهمية محمد صلى الله عليه و آله واستشراف لمستقبل هذا الصبي  الذي كان يفضله عبدالمطلب على كل محيطه من اخوته وذويه,  هذا ابو طالب قبل البعثة وابو طالب بعد البعثة فقد كان الحصن المنيع للرسول والرسالة يحتاج الى بحث خاص لبيان دوره المشرف تجاه الرسول والرسالة.

هذه نظرة سريعة عن تاريخ مكة مهد الرسالة وساحة الصراع بين النبي  صلى الله عليه وآله.

 وزعمائها ونزول القرآن فيها , في هذه الساحة نريد ان نتعرف على طبيعة الصراع وماهو موقف القرآن الكريم من الذين وقفوا بوجه الرسالة ما هي اساليبهم وما هو الرد القرآني عليها, من هنا نحاول ان نستعرض الزعماء الذين وقفوا بوجه الرسالة والرسول واحدا بعد واحد , نتنأول فيها شخصيته ودوره في المواجهة لأنه على ما يبدو كان لكل زعيم دور خاص به, ثم نتناول موقف القرآن الكريم من كل واحد من هذه الشخصيات وفقا للايآت التي تشير إلى شخصيته وتدين  مواقفه لاخذ العبرة والاعتبار ومعرفة  طريق المواجهة مع الشرك والانحراف.

الفصل الثاني: دور الوليد في مواجهة النبي  صلى الله عليه وآله.

بعد أن استعرضنا الظروف التي نزل بها الوحي  ومن خلاله تبين طبيعة التنافس وذلك الصراع  القائم في مكة على المواقع والجاه والسمعة والثروة ودور العقيدة والأعراف والعادات  والمال وفي ذلك نحاول الآن ان نستعرض تلك المواجهة مع النبي  صلى الله عليه وآله  من خلال نماذج من زعامات قريش نبدأ بهم  بالوليد بن المغيرة.

 أولا: من هو الوليد

الوليد المصداق الأول لأولئك الزعماء المؤثرين في قريش وله مواقف مشهودة في عدائه للنبي  صلى الله عليه وآله. ويعتبر الوليد بن المغيرة ذلك الرأسمالى الكبير و التاجر العظيم الذي كان يسمونهُ ــ على بعض الأقوال الوحيد لأنهُ يكسو الكعبة لوحده([31]),  وكان الوليد بن المغيرة شيخا كبيرا، وهو من حكام العرب يتحاكمون إليه في الأمور وينشدونه الأشعار، فما اختاره من الشعر كان مختارا، وكان له بنون لا يبرحون مكة، وكان له عبيد عشرة عند كل عبد ألف دينار يتجر بها، وملك القنطار في ذلك الزمان، والقنطار جلد ثور ملؤه ذهبا، وكان من الزنادقة والمستهزئين برسول الله  صلى الله عليه وآله وكان عم أبي جهل بن هشام([32]).

ثم أن الوليد بن المغيرة لجلالته في قريش , يسمى ريحانة قريش، ويسمى العدل، ويسمى الوحيد وقيل كان حدادا يصنع الدروع وغيرها بيده.([33])

 وكان له مالاً ممدوداً مابين مكة إلى الطائف من الإبل والخيل المسومة، والنعم والجواري والعبيد والبساتين التي لاينقطع عطاءها صيفاً ولا شتاءاً، وبنين شهودا قيل ً ثلاثة عشر, كان في عيش رغيد وحياة  سهلة مرفهة.

فالوليد لم يكن ذا مالٍ فقط وإنما ذا عقل كبير ومنطق رتيب  وفن وسمعة وجاه واحترام حتي قيل انه أول من حكم بقطع اليد في السرقة في الجاهلية التي أمر الله بقطعها في الإسلام([34]). ولما خاف الناس هدم الكعبة لبنائها, قال أنا أبدؤكم في هدمها، فأخذ المعول و قام عليها و هو يقول: اللهم لا نريد إلا الخير, ثم هدم الركنين فتربص الناس به تلك الليلة و قالوا: ننتظر فإن أصيب لم نهدم و إن لم يصب هدمناها، و قد رضي ما صنعنا, فأصبح الوليد من ليلته و عاد إلى عمله، و تحاصت قريش بناء الكعبة بعد ذلك ([35]), والوليد ممن يتحاكم اليه فقد حكى الزبير بن بكار أنهم تحاكموا اليه في مسالة خداش فقضى أن يحلف خمسون رجلا من بني عامر عند البيت ما قتله خداش([36]),وهذا يكشف أن الله منحه قابليات جيدة, إلا أنهُ مع ذلك لم ينتفع بهذهِ الخصال ولا بذالك المال، بل حالت بينهُ وبين هدايته فصارت سوء العاقبة نهايته, لان طموحاتهِ ومطامعه دفعته للوقوف بوجه الحق, فكان متكبرا عنيدا يعرف الحق وينكره، ومن هذه خلته لم تنفع معه الدلائل و البراهين والآيات، فاتعظوا يا ألوا الألباب,  لننظر إلى سيرته ومواقفه, ثم لنعتبر بموقف القرآن  منه.

ثانيا: مواقف الوليد من النبي  صلى الله عليه وآله.

1ـ الوليد مستشار قريش في امر النبي  صلى الله عليه وآله.

فمن مبادرات قريش الخائبة لمواجهة النبي  صلى الله عليه وآله. أنه اجتمع إليه نفر منهم و كان ذا سن فيهم وقد حضر الموسم فقال: يا معشر قريش إنهُ قد حضر الموسم و إن وفود العرب ستقدم عليكم و قد سمعوا بأمر صاحبكم هذا فأجمعوا فيه رأياً واحداً، ولا تختلفوا فيكذب بعضكم بعضاً، ويرد قول بعضكم بعضا، فقالوا:  فأنت يا أبا شمس فقل و أقم لنا رأياً نقوم به فقال بل أنتم قولوا أسمع، فقالوا:  نقول كاهن، فقال ماهو بكاهن، لقد رأيت الكهان فما هو بزمزمة الكاهن، وسجعه فقالوا:  نقول مجنون، فقال ماهو المجنون، لقد رأينا الجنون وعرفناه، فما هو تخنقه، ولا تخالجة، ولا وسوسته، فقالوا: نقول شاعر، فقال ماهو بشاعر قدعرفنا الشعر برجزه وقريضهِ، ومقبوضهِ ومبسوطه، فما هو بالشعر، قالو:  فنقول ساحر، قال:  ماهو بساحر، قد رأينا السحار وسحرهم ما هو بنفثه ولا عقده قالوا:  فما نقول يا أبا عبد شمس؟ قال والله إن لقوله لحلاوة، إن أصلهُ لمغدق، وإن فرعه لجني، فما أنتم بقائلين من هذا شيئاً إلا عرف أنهُ باطل، وإن أقرب القول لأن تقولوا ساحر: فقولوا ساحر يفرق بين المرء وبين أبيه وبين المرء وبين أخيه، وبين المرء و زوجه، وبين المرء وعشيرته([37])، فتفرقوا عنهُ بذلك فجعلوا يجلسون يسألون الناس حين قدموا الموسم لايمر بهم أحد إلا حذروه إياه، وذكروا لهم أمره([38]).

ولهذه الرواية صيغ مختلفة وتعابير متعددة لكنها كلها تجمع على أن صاحب الرأي الأخير والمستشار الأول في كيفية مواجهة النبي صلي الله عليه وآله هو الوليد بن المغيرة.

تحليل الرواية

 إذا أردنا ان ننظر نظرة فاحصة وتأملنا في جريان الحوار بين وجوه قريش والوليد لوجدنا ان الوليد  يدير هذه الجلسة ويجري هذا الحوار باسلوب منطقي استقرائي يستقرئ الاحتمالات ويفند الافتراضات ولكنه يخيب مع ذلك في الوصول إلى الحق, بعد ما حال دون ذلك عصبيته وسوء سريرته وكبريائه هذا الكبرياء الذي منع ابليس من السجود وفرعون وسائر المتجبرين من الإيمان والاقرار بالحق بعد ان ادركوه بعقولهم وجنانهم وان اكثرهم للحق لكارهون, في الوقت الذي لم يبق له في استقرائه للاحتمالات وبعد ابطاله لكل الافتراضات التي افترضت في حقيقة محمد صلي الله عليه وآله وواقع قرآنه الا افتراض واحد يقوله ويصدقه العقل ويحكم به المنطق ,وهو ان يقول اشهد ان لا اله إلا الله محمد رسول الله, والقرآن كلام الله,  فليس قرآنه بقول بشر, إن لقوله لحلاوة، وإن أصلهُ لمغدق، وإن فرعه لجني وانه من حكيم خبير فآمنوا به ياقريش تفلحوا، فلم يجد ما يكذبه إلا عصبيته تعيده إلى احد الافتراضات السابقة التي فندها بنفسه ورفضها بجنانه  ثم يعود اليها ليعتبرها الحل والسبيل لتفريق العرب عن محمد صلي الله عليه وآله، ما هذا إلا لسوء العاقبة وبئس المصير، الذي جعله ينقلب على عقله ومنطقه فيقول قولوا ساحر. فتوقف عند الخطوة الأخيرة يدفعهً إلى ذلك غروره وخوفه أن ينتنقصه عظماء مكة وتعيبه نسائها,  فهو إذن له رأي مسبق يبحث له عن مبرر لا انه يبحث عن الحقيقة والواقع,  وأكثر الانحرافات وعدم قبول الحق ورائها راي مسبق وقرار مفروغ منه,  لأنه لا يبحث عن الحقيقة والرأي السديد وإنما  يبحث عن التبرير وان كان  كاذبا وخلاف المنطق وينكره العقل السليم، وهذه حالة تتكرر كثيرا في الإنسانية  ويبتلي بها الكثير من الناس ويواجهها كثير من المصلحين, في شتى العصور ومختلف الأمصار.

2ـ شبهة الوليد على البعث

 من جملة الشكوك والاعتراضات التي حاول المشركون مواجهة النبي  صلى الله عليه وآله.فيها هي كيف يحي الله العظام وهي رميم، وجاءوا بعظم مفتت  وقالوا له كيف يحيي الله هذه فمن جملة المعترضين بهذا الاعتراض هو الوليد بن المغيرة كما ذكرت بعض الإخبار فانزل الله تعإلى ردا على تخرصاتهم: {وَيَقُولُ الْأِنْسَانُ أَإذا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيّاً أولا يَذْكُرُ الْأِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاًً}.

بالرغم من ان هناك اختلاف فيمن نزلت إلا أن الوليد احد الذين ذكرتهم تلك الآيات ولا يبعد ان تتكرر العملية منه ومن غيره فنزلت الآيات تعالج الشبهة من نفوس الجميع فهناك من قال انها: نزلت في أبي بن خلف، وجد عظاماً بالية ففتتها بيده وقال: زعم محمد أنا نبعث بعد الموت؟ قاله الكلبي، وذكره الواحدي والثعلبي. وقال المهدوي: نزلت في الوليد بن المغيرة، وأصحابه، وهو قول ابن عباس. وقيل: نزلت في العاص بن وائل. وقيل: في أبي جهل([39]).

3ـ الوليد يدّعي انه مستعد أن يحمل وزر من يكفر

من جملة أساليب قريش للوقوف بوجه الرسالة الاستهزاء والاستخفاف بالقرآن الكريم, فادعي بعضهم انهم يحملون وزر كل من يكفر بمحمد  صلى الله عليه وآله, ومن جملة القائلين هذا القول الوليد بن المغيرة  كما في  بعض الروايات,  فرد عليهم القرآن قولهم هذا في عدة آيات ويمكن ان يشير تعدد اللفظ والمعني في عدة آيات الى أهمية الموضوع وأثره على المجتمع وتعدد اتجاهاته ففي كل آية تشير الى اتجاه من اتجاهاته من تحمل وزر عدم إتباع النبي أو وزر عدم الإيمان برب النبي أو وزر المعاصي التي تترتب عليها عقوبات يوم القيامة وغيرها من المسؤوليات والآيات هي:

 1 - { قُلْ أَغَيْرَ اللّهِ أَبْغِي رَبّاً وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إلى رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ } الانعام 164 { ولا تزر وازرة وزر أخرى } يعني: الوليد بن المغيرة كان يقول: اتبعوا سبيلي أحمل أوزاركم فأنزل الله: { ولا تزر وازرة وزر أخرى } لا يحمل أحد جناية غيره حتى لا يؤاخذ بها الجاني([40]).يعني اختير الرب مسؤولية فردية لا يتحملها الغير أبدا.

2 - { مَّنِ اهْتَدَى فَإنما يَهْتَدي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإنما يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً } الرعد4 وذلك أن الوليد بن المغيرة قال: اتبعوني وأنا أحمل أوزاركم فقال الله تعإلى: { ولا تزر وازرة وزر أخرى }([41]) هنا ناظرة الى مسؤلية الهداية انها مسؤلية فردية.

3 - { إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إلى رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ } الاسراء15  وقد روي أن الوليد بن المغيرة وهو من أئمة الكفر كان يقول لقريش: اكفروا بمحمد وعلى أوزاركم، أي تبعاتكم ومؤاخذتكم بتكذيبه إن كان فيه تبعة([42])مسؤلية الكفر والإيمان شخصية.

4 - { أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى } الزمر7  (فالآية في سياق النفي يفيد العموم فيشمل نفي ما زعمه الوليد بن المغيرة من تحمل الرجل عنه عذاب الله ([43]).

وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّ هَذِهِ الآيَةُ نَزَلَتْ فِي الوَلِيدِ بْنِ المُغِيرَةِ حِينَ قَالَ: اكْفُرُوا بِمُحَمَّدٍ وَعَلَيَّ وِزْرُكُمْ([44])

4ـ الوليد يمنع عشيرته من دخول الإسلام

كما مر علينا فان الوليد يعتبر من الأثرياء ومن ذوي الجاه الكبير فأراد  أن يستغل موقعه هذا لمواجهة النبي  صلى الله عليه وآله، ففي رواية  كان الوليد يمنع ولده وعشيرته من دخول الإسلام  ويقول لهم من دخل دين محمد لا أنفعه نشئ أبدا([45]

5ـ  الوليد من مثيري شبهة الأساطير

وردت عدة آيات في عدة سور تبين ان من جملة الشبهات التي كان  يثيرها المشركون على القرآن الكريم, إن القرآن عبارة عن أساطير الأولين, فنزلت مجموعة من الآيات تندد بمثيري هذه الشبهة, فمنهم من يقول ان هذه الآيات نزلت في النظر بن الحارث عندما كان يجلس مجلس الرسول  صلى الله عليه وآله فيحدثهم عن قصص الفرس والروم, ومنهم من يقول نزلت في الوليد بن المغيرة لان واحدة منها جاءت في سورة القلم في سياق الآيات التي تندد في الوليد,  وهذه الشبهة  وردت في عدة آيات وفي كل واحدة منها نجد بعض الروايات تشير ان الوليد من جملة مثيريها وعلى جميع التقادير فان الوليد من ابرز مصاديقها والآيات تعالج الشبهة  وقد تكون أثيرت بمناسبات متعددة وحالات متباينة فكل آية تعالج حالة من تلك الحالات فالآيات هي:

1 - { وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي إذانِهِمْ وَقْراً وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا حَتَّى إذا جَآؤُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأولِينَ }([46]) الأنعام25

2 - { وَإذا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُواْ قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاء لَقُلْنَا مِثْلَ هَـذَا إِنْ هَـذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأولِينَ }الانفال31

3 - { وَإذا قِيلَ لَهُم مَّإذا أَنزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ أَسَاطِيرُ الأولِينَ }([47]) الأنعام24

4 - { لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا هَذَا مِن قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأولِينَ }([48]) النحل24

5 - { وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأولِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً }([49]) الفرقان 5

6 - { وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَّكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتْ الْقُرُونُ مِن قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأولِينَ }([50]) االاحقاف17

7 - { إذا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأولِينَ } االقلم15

8 - { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ{10} الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ{11} وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ{12} إذا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأولِينَ{13}}

6ـ الوليد يحأول رضخ الرسول  صلى الله عليه وآله.

كلما نجح النبي  صلى الله عليه وآلهفي دعوته كلما زاد حنق المشركين وتحاملهم عليه  حتي وصل بهم الامر انهم حاولوا  قتله صلى الله عليه وآله والاعتداء عليه بكل الوسائل  فيحفظه الله من شرهم  في كل مرة,  ومن تلك المحاولات  أن أبا جهل حلف لئن رأى محمدا يصلي ليرضخن رأسه بحجر, فلما رآه ذهب فرفع حجرا ليرميه، فلما أومأ إليه رجعت يده إلى عنقه، والتصق الحجر بيده؛ قاله ابن عباس وعكرمة وغيرهما؛، فلما عاد إلى أصحابه أخبرهم بما رأى، فقال الرجل الثاني وهو الوليد بن المغيرة: أنا أرضخ رأسه, فأتاه وهو يصلي على حالته ليرميه بالحجر فأعمى الله بصره فجعل يسمع صوته ولا يراه، فرجع إلى أصحابه فلم يرهم حتى نادوه فقال: والله ما رأيته ولقد سمعت صوته. فقال الثالث: والله لأشدخن أنا رأسه, ثم أخذ الحجر وانطلق فرجع القهقرى ينكص على عقبيه حتى خر على قفاه مغشيا عليه. فقيل له: ما شأنك ؟ قال شأني عظيم رأيت الرجل فلما دنوت منه، وإذا فحل يخطر بذنبه ما رأيت فحلا قط أعظم منه حال بيني وبينه، واللات والعزى لو دنوت منه لأكلني([51]). فأنزل الله تعإلى: {إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلالاً فَهِيَ إلى الأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ} يس8

7ـ الوليد يمنع أهل اليمن من ملاقات النبي  صلى الله عليه وآله

ذكرت بعض الروايات لما أراد صاحب اليمن أن يرى النبي  صلى الله عليه وآلهأتاه الوليد بن المغيرة فزعم أن محمدا ساحر, وأتاه العاص بن وائل وأخبره أن محمدا يعلم أساطير الأولين, فجاءه آخر فزعم أنه كاهن, وجاءه آخر فزعم أنه شاعر,  وجاء آخر فزعم أنه مجنون, فكفي الله محمدا  صلى الله عليه وآلهأولئك الرهط في ليلة واحدة فأهلكهم بألوان من العذاب كل رجل منهم أصابه عذاب([52])

8ـ الوليد يحرف  آية البسملة

من جملة السخرية التي كان يسخر بها الوليد من النبي  صلى الله عليه وآلهوالقرآن هو سخريته من الآية القرآنية الكريمة (بسم الله الرحمن الرحيم), بالرغم من انه اكثر الناس ادراكا لمعناها وتذوقا لموسيقاها فالرواية تقول: وكان الوليد بن المغيرة شيخا كبيرا، وكان من حكام العرب يتحاكمون إليه في الأمور وينشدونه الأشعار، فما اختاره من الشعر كان مختارا, فقالوا له مرة: يا ابا عبد شمس ما هذا الذي يقول محمد أسحر أم كهانة أم خطب ؟ فقال: دعوني أسمع كلامه. فدنا من رسول الله وهو جالس في الحجر فقال: يا محمد أنشدني من شعرك, فقال: ما هو شعر ولكنه كلام الله الذي بعث أنبياءه ورسله, فقال: اتل علي منه, فقرأ عليه رسول الله  صلى الله عليه وآله.  (بسم الله الرحمن الرحيم) فلما سمع الرحمن استهزأ فقال: تدعو إلى رجل باليمامة يسمى الرحمن ؟ قال: لا ولكني أدعو إلى الله وهو الرحمن الرحيم([53]).

9ـ الوليد يقدم ابنه عمارة الى ابي طالب ليتخلي عن محمد  صلى الله عليه وآله

من جملة محاولاتهم  مع ابي طالب لثنيه عن مساندة النبي  صلى الله عليه وآله انه اجتمع مرة كفار قريش وجاءوا أبا طالب ومعهم عمارة بن الوليد بن المغيرة وكان من أحسن فتيان قريش وقالوا لابي طالب: خذ هذا بدل محمد، يكون كالابن لك، وأعطنا محمدا نقتله، فقال ما أنصفتموني يا معشر قريش آخذ ابنكم أربيه وأعطيكم ابني تقتلونه([54])، ثم قال:

والله لن يصلوا اليك بجمعهم *                                   حتى أوسد في التراب دفينا

فاصدع بامرك ما عليك غضاضة                              * وابشر بذاك وقر منك عيونا

ودعوتني وعلمت أنك صادق                                   * ولقد صدقت وكنت ثم أمينا

ولقد علمت بان دين محمد                                      * من خير أديان البرية دينا.

10ـ الوليد من زنادقة قريش

يعتبر الوليد بن المغيرة من اشد زنادقة قريش وسفهاؤهم على رسول الله  صلى الله عليه وآلهوهم: أبو سفيان بن حرب, عقبة بن أبي معيط, وأبي بن خلف الجمحي, النضر بن الحارث بن كلدة, أخو بني عبد الدار. منبه ونبيه ابنا الحجاج السهميان. العاص بن وائل. الوليد بن المغيرةـ, كل هؤلاء تعلموا الزندقة من نصارى الحيرة فلم يسلم منهم أحد إلا أبو سفيان([55]) والواقع استسلم ولم يسلم.

11ـ الوليد من المستهزئين  بالنبي  صلى الله عليه وآله

في رواية: ان المستهزئين برسول الله  صلى الله عليه وآله خمسة:  الوليد بن المغيرة المخزومي، والعاص بن وائل السهمي، والاسود بن عبد يغوث الزهري، والأسود ابن المطّلب والحارث بن الطلاطلة الثقفي([56]) .

وفي رواية الطبري التي يرويها عن عُروة بن الزُّبير قال: كان عظماء المستهزئين خمسة نَفَر من قومِه، وكانوا ذوي أسنان وشرف في قومهم، من بني أسد بن عبد العُزَّى بن قصيّ: الأسود بن المطلب أبو زَمْعة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغني قد دعا عليه لما كان يبلغه من إذاه واستهزائه، فقال: اللهمّ أعم بصره، وأثكله ولده، ومن بني زهرة: الأسود بن عبد يغوث بن وهب بن عبد مناف بن زُهرة، ومن بني مخزوم: الوليدُ بن المغيرة بن عبدالله بن مخزوم، ومن بني سهم بن عمرو بن هُصَيص بن كعب بن لؤيّ: العاص بن وائل بن هشام بن سعيد بن سعد بن سَهْم، ومن خُزاعة: الحارث بن الطُّلاطلة بن عمرو بن الحارث بن عمرو بن مَلْكان، فلما تمادوْا في الشرّ وأكثروا برسول الله صلى الله عليه وسلم الاستهزاء، أنزل اللَّه تعإلى ذكره(فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ إلى قوله(فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ)([57])

12ـ الوليد من المستهزئين بالمؤمنين

جاء في سورة المطففين: إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُواْ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ{29} وَإذا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ{30} وَإذا انقَلَبُواْ إلى أهلهِمُ انقَلَبُواْ فَكِهِينَ{31} وَإذا رَأوهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاء لَضَالُّونَ{32}

وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ{33} فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُواْ مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ{34} عَلَى الْأَرَائِكِ يَنظُرُونَ{35} هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ{36}

قوله تعإلى: "إن الذين أجرموا" وصف أرواح الكفار في الدنيا مع المؤمنين باستهزائهم بهم والمراد رؤساء قريش من أهل الشرك. روى عن ابن عباس قال: هو الوليد بن المغيرة، وعقبة بن أبي معيط، والعاص بن وائل، والأسود بن عبد يغوث، والعاص بن هشام، وأبو جهل، والنضر بن الحارث؛ وأولئك "كانوا من الذين آمنوا" من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم مثل عمار، وخباب وصهيب وبلال "يضحكون" على وجه السخرية."وإذا مروا بهم" عند إتيانهم رسول الله صلى الله عليه وسلم "يتغامزون" يغمز بعضهم بعضا، ويشيرون بأعينهم. وقيل: أي يعيرونهم بالإسلام ويعيبونهم به([58]).

13ـ الوليد من المقتسمين 

{كَمَا أَنزَلْنَا عَلَى المُقْتَسِمِينَ }الحجر90

من هم المقتسمين  ؟

هناك عدة أقوال في المقصود من المقتسمين,  فمنهم من أوصلها الى سبعة([59]),  ومنهم من قال ثلاثة:

  الأول منها أن المراد بالمقتسمين: الذين يحلفون على تكذيب الرسل ومخالفتهم.

 القول الثاني: أن المراد بالمقتسمين: اليهود والنصارى، وإنما وصفوا بأنهم مقتسمون؛ لأنهم اقتسموا كتبهم فآمنوا ببعضها وكفروا ببعضها.

القول الثالث: أن المراد بالمقتسمين: جماعة من كفار مكة اقتسموا القرآن بأقوالهم الكاذبة، فقال بعضهم: هو شعر، وقال بعضهم: هو سحر، وقال بعضهم: كهانة، وقال بعضهم: أساطير الأولين، وقال بعضهم: اختلقه محمد،  صلى الله عليه وآله.

وهذا القول تدل عليه الآيات الدالة على أنهم قالوا في القرآن تلك الأقوال المفتراة الكاذبة، كقوله تعإلى: {وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَا تُؤْمِنُونَ وَلا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ} [وقوله: {فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ}  وقوله: {إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلاقٌ}، وقوله: {وَإذا قِيلَ لَهُمْ مَإذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا أَسَاطِيرُ الْأولِين }،َ  وقوله: {وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأولِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً}، إلى غير ذلك من الآيات,والقرينة في الآية الكريمة تؤيد هذا القول الثالث([60]). وهو احد الأقوال التُي رواها القرطبي فقال هم ستة عشر رجلا بعثهم الوليد بن المغيرة أيام الموسم فاقتسموا أعقاب مكة وأنقابها وفجاجها يقولون لمن سلكها: لا تغتروا بهذا الخارج فينا يدعي النبوة فإنه مجنون وربما قالوا ساحر وربما قالوا شاعر وربما قالوا كاهن وسموا المقتسمين لأنهم اقتسموا هذه الطرق فأماتهم الله شر ميتة وكانوا نصبوا الوليد بن المغيرة حكما على باب المسجد فإذا سألوه عن النبي  صلى الله عليه وآله قال: صدق أولئك([61]).

 وكذا رواه صاحب النكت والعيون([62])ومثله في الكشف([63]).فكلا الروايتين تبين دور الوليد بانه المشرف والمحرض الأول على النبي  صلى الله عليه وآلهومقسم الادوار وحكمها.

14ـ الوليد يري نفسه أولي بالنبوة

إن الغرور والكبرياء الذي عرف به الوليد دفعه ان يتصور نفسه انه احق من محمد  صلى الله عليه وآلهبالنبوة 

لأنه كان يسمى ريحانة قريش واحد العظيمين, لذا يروي انه  كان يقول: لو كان ما يقول محمد حقا لنزل على أو على أبي مسعود؛ فرد الله عليه وعلى أمثاله في كتابه وعلى لسان نبيه فقال تعإلى: {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ} يعني النبوة فيضعونها حيث شاؤوا. {نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}([64])

و كان الناس ينظرون الى الأمور نظرة مادية بعيدة عن الجوانب المعنوية من العقل والأخلاق والمعرفة ولا يفهمون طبيعة العلاقة مع الله سبحانه وتعالى  لذات فهم يرون ان النبوة لا يستحقها إلا العظماء من أهل المال والجاه والثروة أمثال الوليد وعروة بن مسعود, وأشار القرآن الى هذا التصور الخاطئ بقوله تعالى:{وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ}، يعنون بالقريتين: مكة والطائف، وبالرجلين من القريتين: الوليد بن المغيرة في مكة، وعروة بن مسعود في الطائف زاعمين أنهما أحق بالنبوة منه([65]).

ومثل ذلك ما تشير إليه الآية: {أَمْ لِلإِنْسَانِ مَا تَمَنَّى} من النبوة أن تكون فيه دون غيره, وان كان معان اخر فقيل: {أَمْ لِلإِنْسَانِ مَا تَمَنَّى} من شفاعة الأصنام؛ نزلت في النضر بن الحرث. وقيل: في الوليد بن المغيرة. وقيل: في سائر الكفار.([66])

15ـ الوليد من عظماء القريتين

المبحث الثاني: حوارات الوليد مع النبي  صلى الله عليه وآله

 اشترك الوليد في الحوارات الجماعية مع النبي  صلى الله عليه وآله والفردية واشترك في الوفود التي ذهبت الى ابي طالب لتحاوره في شان النبي محمد  صلى الله عليه وآله. فمن ذلك:

1ـ مساهمات الوليد في الوفود التي حأورت  ابي طالب

اشترك الوليد بن المغيرة في معظم الوفود التي ذهبت لتحأور ابي طالب في شأن النبي  صلى الله عليه وآله,

فمما يروي ان الوليد بن المغيرة قال للملأ من قريش (قيل بعد إسلام عمر بن الخطاب)، وهم الصناديد والأشراف، وكانوا خمسة وعشرين رجلاً، الوليد بن المغيرة وهو أكبرهم سنّا، وأبو جميل ابن هشام، وأُبي وأُميّة ابنا خلف، وعمر بن وهب بن خلف، وعتبة وشيبة ابنا ربيعة، وعبد الله بن أُميّة والعاص بن وائل، والحرث بن قيس، وعدي بن قيس، والنضر بن الحرث، وأبو البحتري بن هشام، وقرط بن عمرو، وعامر بن خالد، ومحرمة بن نوفل، وزمعة بن الأسود، ومطعم بن عدي، والأخنس بن شريق، وحويطب ابن عبد العزى، ونبيه ومنبه ابنا الحجاج، والوليد بن عتبة، وهشام بن عمر بن ربيعة، وسهيل بن عمرو، فقال لهم الوليد بن المغيرة: امشوا إلى أبي طالب, فأتوا أبا طالب فقالوا له: أنت شيخنا وكبيرنا، وقد علمت ما فعل هؤلاء السفهاء، وإنّا أتيناك لتقضي بيننا وبين ابن أخيك. فأرسل أبو طالب إلى النبيّ  صلى الله عليه وآله فدعاه فقال له: يابن أخ هؤلاء قومك يسألونك السواء فلا تمل كل الميل على قومك, فقال رسول الله  صلى الله عليه وآله (ومإذا يسألوني ؟) فقال: يقولون ارفضنا وارفض ذكر آلهتنا وندعك وآلهك.

فقال النبي  صلى الله عليه وآله: (أتعطونني كلمة واحدة تملكون بها العرب وتدين لكم بها العجم ؟) فقال أبو جهل: لله أبوك لنعطينكها وعشر أمثالها.

فقال رسول الله  صلى الله عليه وآله (قولوا لا إله إلاّ الله). فنفروا من ذلك وقاموا وقالوا: أَجعل الآلهة إلهاً واحداً  كيف يسع الخلق كلهم إله واحد([67])

2ـ  الوليد  وشيبة يحاوران  النبي  صلى الله عليه وآله

في حوار اشترك فيه  الوليد بن المغيرة وشيبة بن ربيعة، وقد سألا رسول الله  صلى الله عليه وآلهأن يرجع عن دعوته ودينه إلى دين قريش، على أن يعطيه الوليد نصف ماله ويزوجه شيبة بابنته فنزلت هذه الاية([68]){فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَقُلْ آمَنتُ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِن كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ }الشورى15.

3ـ حوار للتقارب مع النبي  صلى الله عليه وآله

  في اقتراح تقدم به بعض المشركين وهم الوليد بن المغيرة والعاص بن وائل السهمي,والأسود بن المطلب وأمية بن خلف مفاده أن يعبد النبي  صلى الله عليه وآلهمعهم آلهتهم سنة ويعبدون معه إلهه سنة مصالحة بينهم وبينه وإنهاء للخصومات في نظرهم, فلم يجبهم الرسول  صلى الله عليه وآلهبشيء حتى نزلت هذه السورة {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ}([69])

وذكر ابن إسحاق وغيره عن ابن عباس: أن سبب نزولها أن الوليد بن المغيرة، والعاص بن وائل، والأسود بن عبدالمطلب، وأمية بن خلف؛ لقوا رسول الله  صلى الله عليه وآلهفقالوا: يا محمد، هلم فلنعبد ما تعبد، وتعبد ما نعبد، ونشترك نحن وأنت في أمرنا كله، فإن كان الذي جئت به خيرا مما بأيدينا، كنا قد شاركناك فيه، وأخذنا بحظنا منه, وإن كان الذي بأيدينا خيرا مما بيدك، كنت قد شركتنا في أمرنا، وأخذت بحظك منه؛ فأنزل الله عز وجل {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ}([70]).

ومثله ما اخرجه ابن جرير وابن أبي حاتم وابن الأنباري في المصاحف عن سعيد بن ميناء مولى أبي البختري([71]).

ومع شئ من الاختلاف أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما أن قريشا دعت رسول الله  صلى الله عليه وآلهإلى أن يعطوه مالا فيكون أغنى رجل بمكة ويزوجوه ما أراد من النساء فقالوا: هذا لك يا محمد وكف عن شتم آلهتنا ولا تذكر آلهتنا بسوء فإن لم تفعل فإنا نعرض عليك خصلة واحدة ولك فيها صلاح  قال: ما هي ؟ قالوا: تعبد آلهتنا سنة ونعبد إلهك سنة  قال: حتى أنظر ما يأتيني من ربي فجاء الوحي من عند الله قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون الآية([72]).

المبحث الثالث: تاثر الوليد بالقرآن

1ـ  تذوقه  للقرآن

هناك عدة روايات تشير الى تذوق الوليد للقرآن وتأثره به لولا تعصبه وليس غريبا عليه فهو من فصحاء العرب وحكامها, ففي رواية  ان الوليد بعد سماعه للقرآن أنطلق حتى أتى مجلس قومهِ بني مخزوم فقال:  والله لقد سمعت من محمد آناً كلاماً، ماهو من كلام الإنس، ولامن كلام الجن، وإنِّ أعلاه لمثمر، وأن أسفلهُ لمغدق، وإنه ليعلو وما يعلى عليه، ثم إنصرف إلى منزله. فقالت قريش صبا والله الوليد:  ريحانة قريش([73]) وقد مر مثله تراجع بسبب عصبيته. وفي رواية: عن عكرمة، عن ابن عباس أن الوليد بن المغيرة جاء إلى النبي  صلى الله عليه وآله فقرأ عليه القرآن وكأنه رق له،  فبلغ ذلك أبا جهل فأتاه فقال: يا عم، إن قومك يريدون أن يجمعوا لك مالا. قال: ولم؟ قال: أتيت محمدا لتعوض مما قبله. قال: قد علمت قريش أني من أكثرها مالا. قال: فقل فيه قولا يبلغ قومك أنك منكر له. قال ماذا أقول؟ فو الله ما فيكم أعلم بالأشعار مني، ولا أعلم برجزها وبقصيدها منى، والله ما يشبه الذي يقول شيئا من هذا، والله إن لقوله الذى يقول حلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإنه لمثمر أعلاه مغدق أسفله وإنه ليعلو وما يعلى عليه، قال: لا يرضى عنك قومك حتى تقول فيه، قال: فدعني حتى أفكر فيه، فقال: هذا سحر يؤثر يأثره عن غيره، فنزلت - فذرني ومن خلقت وحيدا ([74]).

2- تاثره بآية العدل والإحسان

ذكرنا ان الوليد صاحب ذوق في اللغة فهو من حكام العرب الذين يحتكم إليه في الشعر والخطب والادب , بلا شك من اكثر المتذوقين للقرآن وفي اكثر من مرة يعبر عن إعجابه بالقرآن ويصفه بان له حلاوة وطلاوة ويعلو ولا يعلى عليه ومن جملة ذلك يروي عن عكرمة: أن النبي  صلى الله عليه وآلهقرأ على الوليد بن المغيرة إن الله يامر بالعدل والإحسان هذه الآية، فقال له: يا ابن أخي، أعد علي، فأعادها عليه، فقال له الوليد: والله إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وأن أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمغدق، وما هو بقول البشر([75]).

ومثله رواية عن ابن عباس 2ـ 

3ـ  تاثر الوليد بآية (حم السجدة)

ففي رواية أن الوليد بن المغيرة لما سمع من رسول الله  صلى الله عليه وآله  يقرا(حم السجدة) فلما بلغ قوله {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ} اقشعر الوليد وقامت كل شعرة في رأسه ولحيته، ومر إلى بيته ولم يرجع إلى قريش من ذلك, وعندها مشوا إلى أبي جهل يخبرونه فغدا أبا جهل إلى الوليد وقال لهُ يا عم نكست رؤؤسنا وفضحتنا واشمت بنا عدونا وصبوت إلى دين محمد, فقال ما صبوت إلى دينه ولكني سمعت كلاماً صعباً تقشعر منه الجلود([76]).

لاحظ التاثير الاجتماعي كيف يكون سببا لانحرافه وانحراف كثير من الناس,  وذلك لان المبالغة في اعتداد الإنسان  بنفسه غالبا مايكون  وراء كبريائه وسببا لانكفائه ورجوعه عن الحق ,وكي يثبت موقعه في قريش وكبريائه اقترح على قومه أن يشيعوا بين الوافدين على مكة في مواسمها أن محمداً ساحراً حتى يستبعدوا الناس عن محمد  صلى الله عليه وآله فلا يعرفوا ماهي رسالته، وهذا الفعل من أشد مظاهر الاعتداء على العقل و الضمير لأنه تحريف للعقل وقتل للضمير.

4ـ  الوليد كاد ان  يؤمن لشدة تأثره بالقرآن

قيل ان الوليد بن المغيرة قارب أن يؤمن بالنبي  صلى الله عليه وآله فعيره بعض المشركين، فقال: أتركت دين الأشياخ وضللتهم؟ قال: إني خشيت عذاب الله، فضمن له الذي عاتبه إن هو أعطاه كذا من ماله ورجع إلى شركه أن يتحمل عنه عذاب الله، فرجع الوليد إلى الشرك وأعطى الذي عيره بعض ذلك المال الذي ضمن ومنعه ثمامة. فأنزل الله عز وجل الآية([77]) {وَأَعْطَى قَلِيلاً وَأَكْدَى }النجم34.

وأيدت ذلك بعض  الروايات منها: قال مجاهد وابن زيد: نزلت في الوليد بن المغيرة، وذكر الخبر و هذه الآية([78]).

يبدوا ان الوليد عانى صراعا داخليا مريرا بين عقل ومنطق يدعوه للإيمان, وبين هوي ورغبات وواقع وشموخ يعيشه في قريش يخشى ان يفقده لو آمن هذا من الداخل, إما من الخارج فتدخلات بعض زعماء قريش على راسهم ابوجهل  عندما استغل هذه النفسية المترددة لعمه الوليد في كل مرة يحاول ان يتأثر بالقرآن ويحاول إن يقترب من الإيمان, فيقف بوجهه  حجر عثرة, بل سداً منيعا يحول دون اذعانه للحق وإيمانه بالله الواحد الأحد عندما يستفزه يذكره بشموخه ويهول عليه العار الذي سوف يلحق به بين قريش لو صبا لمحمد  صلى الله عليه وآله, وقد يستفاد من بعض الآيات هذا المعنى مر بعضها   ([79]).

ففي رواية أن الوليد بن المغيرة لما سمع من رسول الله (حم السجده) فلما بلغ قوله: {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ }فصلت13 اقشعر الوليد وقامت كل شعرة في رأسه ولحيته، ومر إلى بيته ولم يرجع إلى قريش من ذلك. وعندها مشوا إلى أبي جهل يخبرونه فغدا اباجهل إلى الوليد وقال لهُ ياعم نكست رؤؤسنا وفضحتنا واشمت بنا عدونا وصبوت إلى دين محمد. فقال ما صبوت إلى دينه ولكني سمعت كلاماً صعباً تقشعر منه الجلود.([80])  وهناك روايات كثيرة تشير الى انبهار الوليد بالقرآن ويحول دون ايمانه ابوجهل ([81]).

5: اثر تنديد القرآن بالوليد

هناك مجموعة من الآيات تذم المشركين وتذم مجموعة من الصفات السيئة فيهم يكون الوليد من مصاديقها أو سببا لنزولها أثرت تأثيرا بليغا فيهم  منها:

1ـ جاء في سورة الاعلى {الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى} قيل: نزلت في الوليد بن المغيرة وعتبة بن ربيعة ([82])

2ـ  آية: وليحملن اثقالكم قيل: إن الوليد بن المغيرة قال: أَأُنزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِن بَيْنِنَا ص8 ؛ فنزلت الآية{وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ}([83]) العنكبوت13.

وفي رواية قال مجاهد: قال المشركون من قريش نحن وأنتم لا نبعث فإن كان عليكم وزر فعلينا أي نحن نحمل عنكم ما يلزمكم وروي أن قائل ذلك الوليد بن المغيرة  وليحملن أثقالكم وأثقالا مع أثقالهم([84])

3ـ آية اعرض ونأي

قوله تعإلى: وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونأى بجانبه أي هؤلاء الذين يزيدهم القرآن خسارا صفتهم الإعراض عن تدبر آيات الله والكفران لنعمه وقيل: نزلت في الوليد بن المغيرة([85])

4ـ  اثر سورة المدثر على الوليد

نزلت مجموعة من الايات في سورة المدثر تندد بالوليد تنديدا غريبا وشنيعا تبعث على التامل الطويل بالدور المشزم الذي قام به الوليد لتندد به هذه الاالآيات هذا التنديد الفضيع

قال تعإلى: ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً{11} وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَّمْدُوداً{12} وَبَنِينَ شُهُوداً{13} وَمَهَّدتُّ لَهُ تَمْهِيداً{14} ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ{15} كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيداً{16} سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً{17} إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ{18} فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ{19} ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ{20} ثُمَّ نَظَرَ{21} ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ{22} ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ{23} فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ{24} إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ{25} سَأُصْلِيهِ سَقَرَ{26} وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ{27} لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ{28} لَوَّاحَةٌ لِّلْبَشَرِ{29} عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ{30} هذا التهديد القرآني العنيف لا شك انه أثّر اثراً بليغا في نفسية الوليد ومن سعي سعيه وهو يسمع هذا الكلام وهو احد حكام العرب الذين يعيشون البلاغة بوجدانهم قبل عقولهم وتهتز له مشاعرهم طربا لجماله فكيف تكون مشاعرهم عندما يكونا تهديدا واقعيا ومصيرا يقينا هم ملاقوه  فكيف اهتزّت مشاعره وهل نام ليلته ام سهر يؤرقه الخوف و القلق والخيبة والعجب, ام يلوذ بماله وكبريائه وغروره وعناده وشقائه ومصيره الاسود.

يبدو ان هذه الآيات لها علاقة بالرواية السابقة التي ذكرت ان قريش اتفقوا ان يصفوا محمداً صلى الله عليه و آله للعرب في الموسم أنه ساحر، والوليد يدرك ان السحر بعيد عن محمد صلى الله عليه و آله لذا قال أقرب ولم يقل هو الواقع الذي وصلت له وآمنت به، فاندفع الباقون يرددون هذا الذي قاله بين الوفود القادمة ساحر كذاب و هم يعتقدون انه الصادق الامين، بناءا على ذلك  جاءت الايات القرآنية تندد بالوليد وتعلن الحرب عليه نفسيا, لتجعله يعيش صراعا داخليا ينظر الى مستقبل اسود, ومصير مشئوم لا يستطيع تجأهله, ولا يمكن مواجهته أو الفرار منه، والقرآن شخص ان لهذا وأمثاله لاينفع الا الردع المادي والمعنوي باليد واللسان, فجاءت الآيات لتخزيه و تكشفت عيوبه و عورته, وتحط من شخصيته و كرامته, وجعلتهُ يعيش حالة من الازدواجية النفسية وصراع داخلي بين عقلهً وهواه, وضميره و رغباته, بين  ايمانه بالحق وخوفه من لسان قريش، ومن يعطيه الله هكذا قدرة يستحق هكذا توبيخ من القرآن الكريم, فاسقط هالة عظمته و كبريائه الى الحضيض, و إذا اردنا متابعة الآيات القرآنية الشريفة وملاحظة ترتيبها وتنسيقها لوجدنا أنها بدات أولاً و كأنها بدات  بتمجيد الوليد بشكل تهكمي وتعريض به, مشفوعة  بالتنديد والتهديد, ثم تذكيرهه  وتنبيهه ان ماعنده هو تفضل ومنة  من الله, والمفروض ان يرد النبيل الفضل بالفضل والاحسان بالاحسان أو اكثر, فإذا كنت تفتخر انك كسوت الكعبة وحدك فكل ما عندك لرب الكعبة وهذا رسوله يدعوك فرد الفضل بالايمان واحسن بالمساندة والتصديق  فجنانك يصدقه وان كذبه هواك, لذلك كرر القرآن تاء الفاعل خلقت جعلت لبيان ان الفاعل الله جل جلاله وليس انت ولاسعيك وقدرتك وهواك  لتنبيهه عن غفلة الانا وسطوة الذات ثم يعدد جل اسمه تلك النعم المال والبنين والجاه والسمعة ويطمع ان ازيد مع نكرانه للنعم وتكذيبه للمنعم انه كان لآياتنا عنيدا, ومقتضي العناد انه عارف للحق في نفسه مؤمن بالله في عقله الا انه يرفض الايمان بهواه وكبريائه بعيدا عن العقل والمنطق, وهذا يكشف كوامنه التي كان يتصور انه اخفاها على محمد  صلى الله عليه وآلهفهو الآن وجها لوجه امام الحقيقة وهذا مما يفت في عضده وينخر في قواه فتجعله يتردد في قراراته  فيعيد حساباته اكثر من مرة فيصبح ضعيفا امام النبي صلي الله عليه وآله والنبي يكبر في عينه ويعظم في نفسه , وفي نقطة الضعف هذه ياتيه التهديد الإلهي هجوم كاسح سأرهقه صعودا انتظر متاعب متصاعدة وعقبات متتالية في الدنيا والآخرة ثم يأتي القرآن ليتهكم بطريقة تفكيره, انه فكر وقدر وكان القرآن يريد ان ينقل صورة الحوار بين قريش وسؤالهم الوليد ان يجد لهم مخرجا قبل الموسم الذي تجتمع فيه العرب في الأسواق فيلتقوا بمحمد ويخشون ان يشيع أمره وتصدقه العرب, فالقرآن يصور الوليد بعد انتهاء الحوار مع قومه والكل تنتظر الجواب بتلهف والوليد يفكر ويفكر تظهر علامات على وجهه من شدة التفكير هذه  ملامحه بسر وعبس لأنه وصل الى نتيجة لا ترضي غروره ولا تتناسب مع اهواءه, ولا ترضي مجتمعه, لذا كلح بوجهه كلوح المتكبر المغرور بعقله,  فاعرض عن ما وصل اليه بعقله, ليعلن النتيجة البائسة التي وصل إليها هواه, فقال ان هذا الا سحر يؤثر انه لقول البشر, فيجيبه القرآن منددا متهكما  فقتل كيف قدر  فيذكر له القرآن الجزاء على هذه النتيجة: سأصليه سقر, ثم يبين القرآن هول سقر لا تبقي ولا تذر لواحة للبشر عليها تسعة عشر, هذه الصورة القرآنية  للمصير الذي ينتظره الوليد وأمثاله بعد ان وصفه القرآن  بهذا الأسلوب وهذه البلاغة, جعلته يعيش جهنم وأهوالها  قبل ان يصلاها, وكأنها تلسع وجهه وبشرته قبل ان يراها فيعيش انهزام نفسي ورعب داخلي تجعله  يتمني على نفسه لو لم يسمع هذا الكلام أو انه آمن و لم يواجه محمد  صلى الله عليه وآلهوهكذا  يبقي القرآن يلاحق الوليد وامثاله في اكثر من مرة وفي اكثر من سورة وباكثر من أسلوب مما جعله يعيش الصراع الداخلي وذلك التردد.

6ـ  اثر سورة القلم على الوليد

هجوم كاسح آخر في سورة أخري على الوليد وعلى كل المتكبرين والذين أعمتهم العصبية ولم ينفع معهم النصح ولا الدلائل ولا البراهين , في هذه السورة يصف القرآن الوليد بأوصاف شنيعة ويفضحه ويندد به ابلغ تنديد, بعد ان امتدح الرسول  صلى الله عليه وآلهوأوعده وعدا حسنا يغيظ أعدائه ويبعث في نفوسهم خيبة الامل والقنوط من الحط من ارادة النبي  صلى الله عليه وآلهأو الوقوف بوجه دعوته قال تعالى: ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ{1} مَا أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ{2} وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ{3} وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ{4} فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ{5} بِأَييِّكُمُ الْمَفْتُونُ{6} إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ{7} فَلَا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ{8} وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ{9} وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِينٍ {10} هَمَّازٍ مَّشَّاء بِنَمِيمٍ{11} مَنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ{12} عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ{13} أَن كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ{14} إذا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأولِينَ{15} سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ{16}

وهذه السورة بجملتها تحكي معاناة الدعوة المحمدية والموقف القرآني منها فبعد تلك الحمله الشرسة من المشركين من التكذيب و الترهيب و الاستهزاء ينبري القرآن الكريم لهؤلاء, مبتداً بثنائه على النبي  صلى الله عليه وآله وطمأنته على مستقبل الدعوة، وينتقل بتهديده للذين رموه بهتاناً بصفات هم أعلم من غيرهم أنها كذباً وافتراءا، فيهددهم بافتضاح أمرهم, وانكشاف كوامنهم, بطلان دعأويهم, فسنبصر و يبصرون,  واعداً النبي  صلى الله عليه وآله  بظهور الحقيقة  بقوله تعالى مخاطبا المشركين أيكم المفتون و أنهُ تعإلى أعلم بمن ظلَ ّعن سبيلهِ وهو أعلم بالمهتدين, فلا تطع المكذبين بالتوحيد أمثال الوليد وغيره، فأن هؤلاء بلغ بهم الضعف رغم تجبرهم و استكبارهم ومالهم من موقع,بعد ان أثرت بهم الايات المباركه, و السلوك الكريم الحكيم لرسول الله, حتى أنهم ودوا لو تدهن فيدهنون, ودو منك التنازل بمقدار ما وهم يتنازلون بمقدار ما حتى تلتقوا وسط الطريق، لكن ذلك بعيد ولايتناسب مع المبدئية والرسالية التي تقضي نبذ الشرك وقطعه من دابره، ثم تأتي الآيات الآخر من السورة المباركة لتنناول ذلك الحلاف المهين الهماز الذي يمشي بالنميمة والذي منع وصول الخير إلى الاخرين, و أعلى مصاديق الخير نور الهداية الذي حأول أن يكون حجاباً بينه وبين الناس.

 جاءت هذه الآيات كما يبدو من سياقها بعد ان بان الوهن في قريش وقويت شوكت المسلمين الى  درجة انهم بدأوا يسأومون النبي  صلى الله عليه وآلهعلى حل وسط بينهم, والقرآن يرفض هذا الحل  كما عبر عن ذلك في نفس السورة فقال: تعالي: {فَلَا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ{8} وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} وَحَقِيقَةُ الْإِدْهَانِ إظْهَارُ الْمُقَارَبَةِ مَعَ الِاعْتِقَادِ لِلْعَدَأوةِ؛ فَإِنْ كَانَتْ الْمُقَارَبَةُ بِاللِّينِ فَهِيَ مُدَاهَنَةٌ([86])  إنما أَرَادَ أَنَّهُمْ تَمَنَّوْا لَوْ فَعَلْت فَيَفْعَلُونَ مِثْلَ فِعْلِك عَطْفًا، لَا جَزَاءً عَلَيْهِ، وَلَا مُكَافَأَةً لَهُ، وَإنما هُوَ تَمْثِيلٌ وَتَنْظِيرٌ.

 فذكرت بعض الروايات([87]) ان قريش طلبت من النبي  صلى الله عليه وآلهان يترك التعرض لآلهتهم فيتركوه لكن القرآن امر النبي  صلى الله عليه وآلهان لا يداهنهم على ذلك بعد ان دب بهم الضعف وانهزموا داخليا من خلال الضربات القرآنية لهم في عقر دارهم في ضمائرهم ونفوسهم ومستقبلهم في العاجل والآجل وراح يكيل الضربات للمتكبرين من زعمائهم الذين هم قدوة قريش في المواجهة, أمثال الوليد بن المغيرة, فلاحظ كيف يندد به القرآن, ويقرعه في هذه الآيات ولا تطع كل حلاف مهين استخفاف واستحقار لهذا النوع من البشر , وكان القرآن يشير الى قضية نفسية واجتماعية ان الإنسان الذي يكثر اليمين فانه لا يحترم يمينه وذو نفس مهينة حقيرة لاكرامة لها ولا عزة فمن لا يحترم يمينه لا يحترم نفسه ومن يكثر الإيمان بلا مبرر فهو لا يحترم يمينه ولا من يحلف به  ومنهم الوليد,  ثم يفضحه ويشهر به في صفة يظن أنها تخفي على الآخرين, فيصدع القرآن انه هماز يطعن بالآخرين ويعيبهم من خلفهم, وهذا يدل على جبن وسوء سريرة وخلق سئ,  وهو مع ذلك يسعي بالنميمة بين الناس ليفسد بينهم ويؤجج الفتن والأحقاد والضغائن, ومن مثل هذا لا يكون محترما في المجتمع ولا محبوبا, ثم انه مناع للخير, فهو لا يفعل الخير ولا يدع الآخرين يفعلونه, وجاء في تفسير الرازي ان هذه الآية نزلت في الوليد بن المغيرة، وكان له عشرة من البنين وكان يقول لهم وما قاربهم لئن تبع دين محمد منكم أحد لا أنفعه بشيء أبداً فمنعهم الإسلام فهو الخير الذي منعهم([88]), فيؤكد القرآن على مسأوئه ليعزله عن المجتمع ويمنع تاثيره السلبي على الرسالة, ثم يصفه القرآن بما ينفر منه المجتمع انه معتد اثيم فانه يحمل روح العدوانية على المجتمع, كثير الآثام والخطايا على مجتمعه ربا وزنا واكل المال بالباطل وسلب الفقراء والمستضعفين حقوقهم وغيرها من الاعتداءات, ثم تاتي الضربة القاضية على الوليد عندما يصفه القرآن الكريم عتل بعد ذلك زنيم فظ فاحش كثير الخصومة ومع ذلك فهو زنيم اي دعي لا اب له معروف وهذا اشد ما يسب به عند العرب.

خاتمة

بعد هذه الجولة بين أودية مكة وما جري فيها عبر التاريخ  تبين لنا الأمور التالية:

1. ان مكة أقدس مكان في الأرض اختارها الله لتكون المكان المناسب لأقدس رسالة سماوية وكل التغيرات والتحركات التي جرت في مكة مرصودة سماويا, تتدخل العناية الإلهية في كثير من مجرياتها.

2. ان مكة كانت وقت نزول الوحي  توجد فيها من المثل والأعراف الأقرب الى الإسلام من اي بقعة أخري في العالم اجمع, بالرغم من أنها من ناحية التقدم المدني لم تبلغ ما وصلت اليه حضارات الروم والفرس في حينها, إلا أنها من ناحية الالتزامات الأخلاقية والعرفية هي الأفضل, مع كل ما وصف به أهل مكة من التعصب والتجبر والانحراف العقائدي, لكن بقية الحنفية لازال لها تأثيرها على المجتمع المكي فهم الأفضل.

3. إن هناك ادوارا موزعة على زعماء قريش ووجهائها لمواجهة النبي  صلى الله عليه وآله, من كل ما ينسب موقعه وقدرته, وكان دور الوليد بن المغيرة الذي يناسب قدراته كحكم للشعر والأدب كلف ان يعارض النبي  صلى الله عليه وآلهمن هذه الجهة, فقريش استشارته للتعرف على حقيقة القرآن فصدع بالحقيقة فقال ان له لحلاوة وان عليه لطلاوة وما هو بقول بشر, وعندما سألوه الأسلوب الأمثل لمنع تأثير محمد غلي العرب القادمين في الموسم رفض كل اقتراحاتهم من انه شاعر أو كاهن أو ساحر أو مجنون , ثم فكر وقدر فقتل كيف قدزر انه سحر يؤثر,  فاعطي نتيجة خلاف عقله ومنطقه, فهو في أكثر من مرة هداه عقله ومنطقه وفهمه لغته الى الإيمان لولا تسويلات النفس والأنس والشيطان وسوء عاقبته, فنال مصيره الأسود  وسمة عَلَى الْخُرْطُومِ.

4. ان الوليد انهزم شر هزيمة امام بلاغة القران وأسلوبه واخباراته وكشفه لعورات الوليد وباقي المشركين

5. ان الوليد يؤمن بصدق محمد  صلى الله عليه وآلهوصحة رسالته إيمانا وجدانيا وكذلك الكثير من المشركين كأبي جهل وإنما يمنعهم التصريح بذلك  شدة تعصبهم لقومهم  وحسدهم لبني هاشم.

المصادر

  1. أبو طالب, حامي الرسول نجم الدين العسكري, مطبعة الآداب ــــــ النجف الاشرف.
  2. أحكام القرآن, لإبن العربي أبي ﺑكر محمد بن عبدالله ــــ ت 543 ه، دار الكتب العلمية ط1ـــــ1387ه ــــ              لبنان ــــ بيروت.
  3. أخبار مكة: للأزرقي, دار الثقافة ـــــ مكة 1408ه.
  4. أسباب النزول, تأليف أبي الحسن علي بن احمد الواحدي النيسابوري, توزيع دار الباز للنشر والتوزيع, عباس احمد الباز, مكة المكرمة.
  5. أضواء البيان في ايضاح القرآن بالقرآن, محمد الامين بن محمد بن المختار الشنفيطي, دار الفكر للطباعة والنشرـــــ بيروت 1415ه.
  6. أعلام النبوة للماوردي, أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب, تحقيق: محمد المعتصم بالله البغدادي, ط1, دار الكتاب العربي بيروت 1987م.
  7. أعلام الوري بأعلام التقي, الفضل بن الحسن الطبرسي ــــــ ت548ه, مؤسسة آل البيت لإحياء التراث ـــــ قم.
  8. إقحام الأعداء والخصوم بتكذيب ما افتروه على سيدتنا اُم كلثوم عليها سلام, تأليف العلامة الكبير المجاهد شمس العلماء السيد ناصر حسين الموسوي الهندي, تحقيق وتعليق الدكتور محمد هادي الأميني, مكتبة نينوى الحديثة ـــــ طهران.
  9. الاحتجاج، أحمد بن علي الطبرسي ــــ ت560هـ, منشورات دار النعمان.
  10. الإرشاد، المفيد محمد بن النعمان العكبري البغدادي ـــــ ت413ه، تحقيق مؤسسة آل البيت لإحياء التراث، مطبعة أمير ـــــ قم.
  11. الإعلام قاموس تراجم لأشهر الرجال والنساء الزركلي خير الدين ـــــ ت1410 ه، دار العلم للملايين بيروت.
  12. الأغاني،لأبي فرج الأصفهاني، دار الكتب لبنان.
  13. الأنوار الساطعة في طرق إثبات العلة الجامعة، تأليف أ.د. رمضان عبد الودود عبد التواب مبروك، الأستاذ المساعد بقسم أصول الفقه كلية الشريعة والقانون، جامعة الأزهر ص51, دار الهدى سنة 1406ه ــــــ 1986م.
  14. التحرير والتنوير, الطبعة التونسية, المؤلف: الشيخ محمد الطاهر بن عاشور, دار سحنون للنشر والتوزيع ــــــ تونس ــــ 1997 م.
  15. الجامع لأحكام القرآن, أبو عبدالله محمد بن احمد شمس الدين القرطبي ـــــــ ت671ه, دار عالم الكتب الرياض.
  16. الجواهر الحسان في تفسير القرآن المعروف بتفسير الثعالبي, عبد الرحمان بن محمد بن مخلوف أبي زيد المالكي الثعالبي، دار إحياء التراث العربي ــــــ بيروت.
  17. الدر المنثور, عبدالرحمن بن الكمال جلال الدين السيوطي, الناشر دار الفكر بيروت1993م, عدد الأجزاء:8.
  18. السيرة الحلبية في سيرة الأمين والمأمون, علي بن برهان الدين ــــ ت1044ه, دار المعرفة بيروت ـــــ لبنان 1400هـ.
  19. السيرة النبوية لإبن هشام, أبو محمد عبد الملك بن هشام المعافري ــــ ت213 ه، دار الجيل ـــــ بيروت.
  20. السيرة النبوية لأبي الفداء اسماعيل بن كثير ـــــ ت747ه, تحقيق مصطفي عبد الواحد, دار المعرفة بيروت.
  21. العقد الفريد، احمد بن عبد الله بن عبد ربه الاندلسي ـــــ ت328هـ, تحقيق محمد سعيد العريان.
  22. الغدير عبدالحسين الاميني, بيروت, مؤسسة الاعلمي.
  23. الطبقات الكبرى ابن سعد ـــــ ت230ه طبعة ليدن.
  24. الكاشف عن الحقائق غوامض التنزيل و عيون الأقاويل في وجوه التأويل للإمام محمود بن عمر الزمخشري المعتزلي ــــــ ت 528 ه, ط دار الريان للتراث سنة 1407 ه.
  25. الكاشف, محمد جواد مغنية, ط3, دار العلم للملايين بيروت ـــــ لبنان.
  26. الكامل في التاريخ لإبن أثير, دار إحياء التراث العربي بيروت ـــــ لبنان.
  27. الكشف والبيان, أبو اسحاق احمد بن محمد بن ابراهيم النيسابوري, دار احياء التراث العربي, تحقيق أبي محمد بن عاشور. 
  28. المحرر الوجيز, لإبن عطية, مؤسسة دار العلوم للطباعة والنشر, الدوحة ـــــ 1403 ه. 
  29. الميزان في تفسير القرآن محمد حسين الطباطبائي: منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات بيروت ــــ لبنان.
  30. النكت والعيون (تفسير الماوردي), لأبي الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي البصري ـــــ ت450ه, دار الصفوة بمصر سنة 1413 ه, ط1.
  31. الوجيز, للواحدي, تحقيق: صفوان الداوودي. ط1: 1415هـ, دار القلم: دمشق.
  32. أنساب الاشراف, البلاذري احمد بن يحيى بن جابرــــــ ت 779ه, حققه وعلق عليه الشيخ محمد باقر المحمودي, مؤسسة الاعلمي ـــــ بيروت ـــــ لبنان.
  33. أيسر التفاسير, لكلام العلي الكبير المؤلف جابر بن موسى بن قادر بن جابر أبوبكر الجزائري, الناشر مكتبة العلوم والحكم, ط 5, 1424 ه ـــــــ2003 م, المدينة المنورة.
  34. إيمان أبي طالب, الشيخ المفيد, طبع النجف الاشرف سنة 1372ه.
  35. بلوغ الأرب في معرفة أحوال العرب, محمود شكري الآلوسي, تحقيق محمد بهجت, دار الكتب العلمية, ط2.
  36. تاريخ ابن خلكان ـــــ المعروف وفيات الاعيان شمس الدين بن محمد ــــــ ت681ه, تحقيق احسان عباس, دار الثقافة ـــــ بيروت ـــــ لبنان.
  37. تاريخ الاسلام, السيوطي عبدالرحمن بن الكمال جلال الدين ـــــ ت911ه.
  38. تاريخ الامم والملوك ـــــــ المعروف بتاريخ الطبري, ابو جعفر محمد بن جرير الطبري ـــــــ ت310ه, ط4, مؤسسة الاعلمي للمطبوعات ــــــ بيروت ـــــ لبنان.
  39. تاريخ اليعقوبي, احمد بن ابي يعقوب بن جعفر اليعقوبي ـــــ ت284هـ، ط1, دار الفكر بيروت.
  40. تاريخ بغداد, ابوبكر محمد بن احمد بن علي الخطيب البغدادي ـــــ ت462ه،  دار الكتب العلمية بيروت.
  41. تفسير القمي, لأبي الحسن علي بن إبراهيم القمي، ط الثانية 1387هـ، مطبعة النجف.
  42. حلية الابرار في احوال محمد وآله الاطهار عليهم السلام, تأليف العلم العلامة السيد هاشم البحراني " قدس سره ", مؤسسة المعارف الاسلامية.
  43. دائرة معارف القرن العشرين, محمد فريد وجدى, الطبعة الثالثة 1971م، دار المعرفة بيروت.
  44. دلائل النبوة, للإمام أبي بكر جعفر بن محمد بن الحسن الفريابي ـــــ ت301ه, دار العاصمة للنشر والتوزيع.
  45. شرح الاخبار في فصائل الائمة الاطهار, القاضي المغربي ت363 هـ, المحقق محمد الحسيني الجلالى قم, مؤسسة النشر الاسلامي التابعة لجماعة المدرسين.
  46. عمدة الطالب في انساب آل ابي طالب, ابن عنبة احمد بن علي بن المهنا ــــــ ت828 هـ؛ تحقيق محمد حسن الطباطبائي, النجف, الطبعة الحيدرية, الطبعة الثالثة.
  47. فتح الباري بشرح صحيح البخاري, لابن حجر العسقلاني, دار الريان للتراث 1407هـ.
  48. فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير, للإمام محمد بن علي بن محمد الشوكاني ــــ ت 1250 هـ, دار الفكر.
  49. كنز العمال وسنن الاقوال والافعال, علاء الدين بن حسام الدين المتقي الهندي، مؤسسة الرسالة، الطبعة الثالثة.
  50. مجمع البيان في تفسير البيان للطبرسي, دار المعرفة لبنان.
  51. مختصر السيرة, عبد الله التميمي, المطبوع في القاهرة سنة 1319هـ.
  52. مروج الذهب ومعادن الجوهر, علي بن الحسين المسعودي ـــــــ ت346هـ، تحقيق محمد محي عبد الحميد, بيروت، دار المعرفة.
  53. معجم البلدان, ياقوت الحموي, الخانجى 1323 ه‍,الكعبة.
  54. مفاتيح الغيب, تفسير الإمام الفخر الرازى, الإمام العالم العلامة فخر الدين محمد بن عمر التميمي الرازي الشافعي، دار الكتب العلمية للنشر ـــــ بيروت ـــــ 1421هـ ـــــ2000م،الطبعة: الأولى.
  55. موسوعة التاريخ, محمدهادي اليوسفي, مجمع الفكر الاسلامي, الطبعة الاولى.

موسوعة العتبات المقدسة, جعفر الخليلي, ط2, سنة 1987 م بيروت.

 

[1]- الكامل في التاريخ ابن الأثير1: 39، دار إحياء التراث العربي بيروت.

[2]- الميزان في تفسير القرآن محمد حسين الطبطبائى414:4مؤسسة الاعلمي للمطبوعات بيروت.

[3]-مروج الذهب ومعادن الجوهر علي بن الحسين المسعودي ت346هـ228:2, ،دار المعرفة بيروت.

[4]- ا:1لميزان:مصدر سابق414:4.

[5]- مروج الذهب مصدر سابق:242:2.

[6]- الميزان مصدر سابق :414:4.

[7]- أخبار مكة: للأزرقي:51.، دار الثقافة، مكة، سنة 1408هـ.

[8]- المصدر السابق:55 .

[9]- أخبار مكة مصدر سابق :68: . معجم البلدان ياقوت الحموي (الخانجى 1323 ه‍)« الكعبة» .

[10]- اخبار مكة المصدر السابق:73:    .

[11]- الكاشف محمد جواد مغنيه: 203الهامش.دار العلم للملاين بيروت .

[12]- الميزان مصدر سابق : 288:1 .

[13]- اخبار مكة مصدر سابق ة : 1:ـ الكامل في التاريخ مصدر سابق: 62:1.

[14]- مروج الذهب مصدر سابق:39:1،الكامل في التاريخ مصدر سابق:67:1،اليعقوبي مصدر سابق :34:1.

 

 [15]-اخبار مكة مصدر سابق56:10, الدر المنثور عبد الرحمن بن الكمال جلال الدين السيوطي الناشر دار الفكر بيروت1993  6:1,السيرة الحلبية علي بن برهان الدين الحلبي325:1   دار المعرفة بيروت.              

  [16]-اليعقوبي مصدر سابق1:270

[17]- السيرة النبوية ابن هشام ابو محمد عبد الملك بن هشام المعافري ت213 هـ 130:1، دار الجيل.  ؛بيروت ، الكامل في التاريخ  مصدر سابق : 1: 458  - 460 ,الطبقات الكبرى ابن سعد ت230ه ا :46 طبعة ليدن, موسوعة العتبات المقدسة: 68

[18]- اخبار مكة مصدر سابق  66،موسوعة العتبات المقدسة مكة مصدر سابق 40- 44

[19]- تاريخ اليعقوبي  292:1 مصدر سابق

[20]- سيرة ابن هشام مصدر سابق 138:1، ابن الاثير مصدر سابق 14:2

[21]- موسوعة العتبات المقدسة مصدر سابق 40

[22]- تاريخ اليعقوبي   مصدر سابق 292:1

[23]- تاريخ اليعقوبي المصدر السابق   294: ،سيرة ابن هشام مصدر سابق 143:1   

[24]- اليعقوبي مصدر سابق  295:1

[25]-  اليعقوبي المصدر السابق

[26]- طبقات ابن سعد مصدر سابق 46:1 ابن الأثير  مصدر سابق 10:2

[27]- تايخ اليعقوبي مصدر سابق 286: 1، سيرة ابن هشام مصدر سابق 144:1

[28]- تاريخ اليعقوبي مصدر سابق 228:1 سيرة ابن هشام مصدر سابق 12ه: 1مروج الذهب مصدر سابق  127:1

[29]-أنساب الاشراف البلاذري احمد بن يحيى بن جابر  ت 779 هـ: 23, بيروت لبنان،مؤسسة الاعلمِي..

[30]- انساب الاشراف المصدر السابق: 23

 

[31]- أسباب النزول علي بن أحمد الواحدي النيسابوري270:1 ، توزيع دار الباز للنشر والتوزيع مكه المكرمة

[32]- اعلام الوري باعلام التقي الفضل بن الحسن الطبرسي 171:1 ت548ه مؤسسة آل البيت لاحياء التراث قم ايران.

[33]- اقحام الاعداء والخصوم بتكذيب ما افتروه على سيدتنا ام كلثوم عليها سلام 64:1ا شمس العلماء السيد ناصر حسين الموسوي الهندي .

[34]- اضواء البيان في ايضاح القرآن بالقرآن محمد الامين بن محمد بن المختار  الشنفيطي 61:18, دار الفكر للطباعة والنشر بيروت 1415ه

[35]-,اعلام النبوة الماوردي174:1

[36]- فتح الباري مصدر سابق

[37]- الإعلام قاموس تراجم لاشهر الرجال والنساء الزركلي خير الدين ت1410 هـ 122. ؛ بيروت ،دار العلم للملايين.

[38]- هذه التكملة من السيرة النبوية ابن هشام .

[39]- اضواء البيان 222:20مصدر سابق

[40]- الوجيز : للواحدي 425:2.. ط(1) : 1415هـ . دار القلم: دمشق

[41]- المصدر السابق 472:4

[42]- التحرير والتنوير ـ الطبعة التونسية المؤلف : الشيخ محمد الطاهر بن عاشور27 :131: دار سحنون للنشر والتوزيع - تونس - 1997 م

[43]- المصدر السابق131:27

[44]- أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير المؤلف جابر بن موسى بن عبد القادر بن جابر أبو بكر الجزائري الناشر : مكتبة

العلوم والحكم، المدينة المنورة، الطبعة الخامسة، 1424هـ/2003مـ ـ، تفسير الإمام الفخر الرازى المسمى ( مفاتيح الغيب) لآية175:7،320:: دار الكتب العلمية - بيروت 1 0

[45]-  مجمع البيان للطبرسي 10 / 88ط دار المعرفة لبنان ؛ القرطبي مصدر سابق18: 222

 فتح القدير مصدر سابق0 5 / 169.

[46]- اسباب نزول الآيات  206:1 قال ابن عباس في رواية أبي طالح: إن أبا سفيان بن حرب والوليد بن المغيرة والنضر بن الحارث، وعتبة وشيبة بني ربيعة، وأمية وأبيا ابني خلف، استمعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا للنضر: يا أبا قتيلة ما يقول محمد ؟ قال: والذي جعلها بيته ما أدري ما يقول، إلا أني أرى يحرك شفتيه يتكلم بشئ ومايقول إلا أساطير الأولين مثل ما كنت أحدثكم عن القرون الماضية،

[47]-:الاساطير: الاباطيل والترهات.القرطبي مصدر سابق0 96:10

[48]-  الدر المنثور111:6 مصدر سابق0

[49]- تفسير القمي: علي بن إبراهيم القمي 154:3، ط الثانية 1387هـ، مطبعة النجف. وقوله (اساطير الأولين اكتتبها) فهو قول النضر بن الحارث بن علقمة ابن كلدة قال اساطير الأولين اكتتبها محمد (فهى تملى عليه بكرة وأصيلا) 

[50]- مجمع البيان مصدر سابق 258:19

[51]- القرطبي مصدر سابق 7:15

[52]- الدر المنثور مصدر سابق 456:7

[53]- إعلام  الوري مصدر سابق 171:1

[54]- أبو طالب حامي الرسول نجم الدين العسكري 1: 59، مطبعة الآداب النجف الاشرف

[55]- تاريخ ابن خلكان - شمس الدين احمد بن محمد ت681 - 484:3, ؛بيروت,دار الثقافة 

[56]-  حلية الأبرار -مصدر سابق ج 1   ص 124: اضواء البيان مصدر سابق 453:2

[57]- الطبري مصدر سابق 154:17 الآية 94 الحجر

[58]- القرطبي مصدر سابق267:19

[59]- المصدر السابق 267:19, النكت والعيون ( تفسير الماوردي ) 172:3  ـ ط دار الصفوة بمصر سنة 1413 هـ ط أولى

[60]- اضواء البيان مصدر سابق

[61]- القرطبي مصدر سابق 58:10

[62]- النكت والعيون للماوردي مصدر سابق 172:3

[63]- الكشف والبيان للنيسابوريْ352:5‘مصدر سابق

[64]- القرطبي مصدر سابق 83:16

[65]- اصواء البيان مصدر سابق  26:41

[66]- القرطبي 104:17

[67]- الكشف والبيان مصدر سابق 178:8

[68]- القرطبي مصدر سابق14:16

[69]- ايسر التفاسير الجزائري06:10مصدر سابق

[70]- القرطبي مصدر سابق 20:325

[71]- الدر المنثور مصدر سابق 655:8

[72]- المصدر السابق 655:8

[73]- مجمع البيان مصدر سابق100 / 178. 

[74]- اسباب النزول مصدر سابق ,406:1 مختصر السيرة 141:1 عبد الله التميمي  المطبوع في القاهرة سنة 1319هـ

[75]- الأنوار الساطعة في طرق إثبات العلة الجامعة تأليف أ.د. رمضان عبد الودود عبد التواب مبروك جامعة الأزهر361:2  ـ دار الهدى .ٍ

[76]-  الميزان مصدر سابق  / 2 / 92

[77]- اضواء البيان مصدر سابق 12:56

[78]- ا المصدر سابق 270:1

[79]- اسباب النزول الواحدي مصدر سابق 6:1, الدر المنثور مصدر سابق 122:14

[80]-  الميزان مصدر سابق / 2 / 92

[81]- انظر الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقأويل في وجوه التأويل للإمام محمود بن عمر الزمخشري

 المعتزلي ت 528 هـ ط دار الريان للتراث سنة 1407 هـ ط 3 . 180:7,البحر المديد  مصدر سابق461:12,نور الثقلين  مصدر سابق11 :286

[82]- القرطبي20:20 مصدر سابق

[83]- المصدر السابق 98:12

[84]- المصدر السابق 331:13

[85]- المصدر السابق 321:10

[86]- احكام القرآن لابن العربي ت 543 هـ  426:7، ط البابي الحلبي - 1387هـ

[87]-   تفسير القرطبي مصدر سابق 18: 230.قال القتبي: طلبوا منه أن يعبد ألهتهم مدة ويعبدوا إلهه مدة   .

 الدر المنثور مصدر سابق36:14  عن ابن عباس في قوله : ودوا لو تدهن فيدهنون قال : لو ترخص له فيرخصون وعن مجاهد ودوا لو تدهن فيدهنون يقول : لو تركن إليهم وتترك ما أنت عليه من الحق فيمالئونك وعن قتادة قال : ودوا لو يدهن نبي الله عن هذا الأمر فيدهنوا عنه. و عن عكرمة  قال : لو تكفر فيكفرون .

الكشف والبيان النيسابوري  مصدر سابق12:10عوف عن الحسن : لو ترفض بعض أمرك فيرفضون بعض أمرهم ، ابن كيسان : لو تقاربهم فيقاربوك:

القرطبي320:18 مصدر سابق عن ابن عباس أيضا : ودوا لو ترخص لهم فيرخصون لك. وقال الفراء والكلبي : لو تلين فيلينون لك    .

[88]- تفسير الرازى مصدر سابق4511: