من صفحة: 176
إلى صفحة: 192
النص الكامل للبحث: PDF icon 180423-200625.pdf
خلاصة البحث:

يعد القضاء من الامور المقدسة  عند كل الامم , فلقد قدستة  الشرائع السماوية  والقوانين الوضعية منذ نشأتها لحد الان , فتعد وظيفة  القاضي من اسمى المناصب اذا  من خلال وظيفة القضاء  يسود العدل  والاستقرار  في المجتمع , فللقضاء  اهمية  عظيمة وذلك من خلال  طبيعة المهمة  الملقاة على عاتق  القاضي  بالوقوف  بوجه الظالم  واعادة  الحقوق المسلوبة  الى اصحابها. فالقاضي  العادل  هو القوة الفعالة  التي يلتجأ اليها الضعيف  , فالقضاء في اللغة هو احكام الشي واتمامة  والفراغ منه ,  اما القضاء فقها  فهو ولاية الحكم شرعا لمن له اهلية الفتوى. كجزئيات القوانين الشرعية على اشخاص معينة متعلقة  باثبات الحقوق واستيفائها للمستحق.

   اما تعريفة قانونا فهو فض النزاعات والخصومات الناشئة بين الاشخاص الطبيعيين وتوجية العقوبة الرادعة بحق من ثبت ارتكابهم للجنح والجنايات فالقضاء مستقل ولاسلطان عليه وهذا ما اكد علية قانون التنظيم القضائي وحرصت علية جميع  الدساتير العراقية. وللقضاء خصوصية تختلف عن باقي الوظائف  ذلك  للدور الذي يقوم به. وهناك شرط لابد من تتوفر فيه القاضي كالبلوغ والعقل والعلم والاجتهاد والاسلام وان اختيار القضاة لايتم جزافأ في النظم الوضعية فهم اما مجازون من الدولة بعد استيفائهم الشروط القانونية او منتخبون من بين من لهم الخبرة  والكفاية  كما في نظام المحلفين.

البحث:

المقدمة

يعد القضاءمن الامور المقدسةعندكل الامم مهما بلغت درجتها من الرقي والحضارة حتى لايصبح الناس فوضى, اذ  ان الخصومة من لوازم البشرية,وتنازع البقاء سنة الكون,ولولا الوازع الذي ينصف الضعيف من القوي والمظلوم من الظالم لاختل النظام وعمت الفوضى الساحقة بين الناس ,يشير الى ذلك قوله تعالى(ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الارض). فلا غرابة اذا كان القضاء مما قدسته الشرائع  السماوية والقوانين الوضعية مند نشاتها الى الان.  ولذا كانت وظيفة القاضي ولاتزال من اسمى المناصب,اذان من شانها تمكين سيادة القوانين التي تحكم المجتمع,وتدعيم السلام بين الناس بواسطة ما يصدره القاضي من احكام واوامر لصيانةالحقوق ولتوقيع العقاب لكل معتدعليهاباسم الهيئة الاجتماعية.وهي مهمة رائعة بالجلال الذي تتسم به ورهيبة بالفضائل التي تتطلبها,والمسؤوليةالتي تفترضها ولاغرابة في ذلك لان بالقضاءبعث الرسل ,وبالقيام به قامت السموات والارض, ولهذا فقد كان اول ماقرره الاسلام حفظا لكيان المجتمع البشري,مبدا العدل بين الناس, لقد وضع الله العدل هكذا وجعل اقراره بين الناس,هو الهدف من بعث الرسل وانزال الشرائع والاحكام.ومن هنا كان العدل بين الناس من افضل اعمال البر التي يتقرب بها الى الله واعلى درجات الاجر اخذا من قول الله تعالى(وان حكمت فاحكم بينهم بالقسط ان الله يحب المقسطين). ولقد كان نظام القضاء في الاسلام محكما ومصونا ومؤديا للدورالذي اعد له على نحو فاق غيره من الانظمة الاخرى التي تبدو ناصعة براقة وذلك للنتائج الطيبة التي حققها القضاء اثناء التطبيق,فان الاعمال بخواتيمها. وقيمة النظريات والمبادئ بحسب صلاحها ونجاحها بعد التجربة والتنفيذ.وثبت من التجربة ان نجاح النظام بنجاح القائمين عليه فقد كان القضاء في الاسلام يمثلون صفحة مشرقة من صفحات التاريخ الاسلامي اللامع.وكانت احكامهم ونزاهتهم واستقلالهم وتجردهم مضرب المثل.ومحط الانظار,وكانت المساوات بين الخصوم,واقامة العدالة بينهم,مهما تتفاوت مكانتهم الاجتماعية والدينية سببا مباشرا في اعتناق الاسلام والانضواء مع المسلمين في العقيدة.ولكن هذه المكانة العظيمة التي احتلها القضاة,والدور الفعال الذي يقوم به القضاء لفت الانظار نحوه, فطمع به اصحاب الاهواء, ووصل الى منصة العدالة الجهلة من الناس فاساؤا اليه وشوهوا اغراضه وكانوا وصمة عار في جبين التاريخ,وسادت الرشوة واجور وشراء الوظائف في بعض الاحيان,فتنبه الى ذلك العلماء والصالحون وحدروا منه,وبينوا شروط القاضي وشروط تعيينه,وابرزوا مخاطر القضاة, واعلنوا التخويف منه ونشروا الاحاديث الواردة في التشديد من قضاء الجور وذهبوا الى تفضيل ترك القضاء على قبوله بالنسبة لمن توفرت فيه الاهلية والشروط فكيف بمن يفقدها؟  حين تتعارض مصالح فرد وفرد اخر ينشا النزاع والخصام,ويحتدم الخلاف بينهم فتظهر الحاجة الى نظام قضائي يتولى فصل الخصومات,ويعطي كل ذي حق حقه

اولا: مشكلة البحث:

إن من أهم خصائص النظام القضائي في الإسلام و القانون أن القضاء وظيفة شرعية إلزامية، كما أنها تحمل الشهادة إلى الضبط و الدقة و تصدر من العادل الذي يوثق بكلامه، و لذا فإن تيقن القاضي من عدالة الشاهد أمر أساسي، لقوله تعالى(و أشهدوا ذوي عدل منكم).

ثانيا: هدف البحث

يهدف البحث  في أصل مشروعية القضاء، حيث انه ثابت  الدين، بعد ثبوت أحكامه التفصيلية من الكتاب و السنة النبوية الشريفة. و اما نوعية تشريع القضاء فان الفقهاء متفقون على إن القضاء واجب على نحو الكفاية. و اما أهمية منصب القضاء فان للقضاء أهمية عظيمة من طبيعة المهمة الملقاة على عاتقه من الوقوف بوجه الظالم و التعدي و اثبات الحقوق و استيفائها لأصحابها و حسم النزاعات بين الأشخاص بنحو يسهم في إشاعة العدل و الأمن و الاستقرار في الحياة الاجتماعية.

ثالثا: فرضية البحث:

ينطلق البحث من فرضية اساس مفادها إن مهنة القاضي، مهنة خطيرة و مهمة من الناحية الشرعية و القانونيه، و لكن اذا ما توافرت جميع الشروط في شخص القاضي، حينها يتحقق العدل في جميع المجتمع و تصبح هذه المهنة حرة نزيهة.

 

المبحث الاول: التعريف بالقضاء

الحكم العادل هو الاداة المهيمنة الفعالة في حفظ الحقوق وصيانتها وهو القوة التي يلتجئ اليها الضعيف حتى ياخذ حقه,المتهم البرئ حتى ينصف,وهو السيف الذي يجرد في وجه القوى حتى يؤخذ منه الحق, وفي وجه الباغي حتى يعدل عن بغيه.

المطلب الاول:تعريف القضاء.

سوف نتطرق هنا في هذا المطلب الى تعريف القضاء لغة وفقها وقانونا.

الفرع الاول:القضاء لغة

القضاء بالمد اصله(قضاى)لانه من قضيت فابدلت الياء همزة لمجيئها بعد الالف الساكنة فصارت قضاء.والقضاء في اللغة له معاني كثيرة،منها احكام الشيء،واتمامه والفراغ منه وامضائه والحكم بين المتخاصمين،والفصل بين الشيئين ووقضاء الحاجة وقضاء الامر وقضاءالدين.وقد جاء في القران الكريم في كثير من الايات مايؤيد هذه المعاني  اللغوية التي اشرنا اليها:-

1 ـ الحكم، و منه قوله تعالى ((و الله يقضي بالحق)) ([1]). أي يحكم.

2 ـ الخلق، و منه قوله تعالى ((فقضاهن سبع سموات)) ([2]). أي خلقهن.

3 ـ العمل، و منه قوله تعالى ((فاقض ما أنت قاضٍ)) ([3]). أي فاعمل.

4 ـ الأمر و النهي، و منه قوله تعالى ((و قضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه)) ([4]). أي أمر بذلك و حتمه.

5 ـ القتل قال تعالى ((فوكزه موسى فقضى عليه)) ([5]). أي قتله

6 ـ الإتمام و الفراغ قال تعالى ((فإذا قضيتم مناسككم)) ([6]). أي أتممتموها و فرغتم منها.

7 ـ الإعلام و الإبلاغ، قال تعالى ((و قضينا إليه ذلك الأمر)) ([7]). أي أنهيناه إليه و أعلمناه به و قد ذكر بعض العلماء إن القضاء بمعنى أولى([8]). و قال آخر ((إن الأصل في معنى هذه الكلمة هو الحكم ليس  لا، و أما بقية المعاني فهي كلمة القضاء بالعناية و التجوّيز)) ([9]).

 الفرع الثاني::تعريف القضاء فقها:عرف القضاءفي اصطلاح الفقهاء:هو ولاية الحكم شرعا لمن له اهلية الفتوى بجزئيات القوانين الشرعية على اشخاص معينة بشرية متعلقة باثبات الحقوق واستيفائها للمستحق. ([10]) الفرع الثالث:تعريف القضاءقانونا:هو فض النزاعات والخصومات الناشئة بين الاشخاص الطبيعيين والمعنويين وتوجيه العقوبة الرادعة بحق من يثبت ارتكابهم للمخالفات والجنح والجنايات. ([11])

المطلب الثاني:اهمية منصب القضاء:

للقضاء أهمية عظيمة من طبيعته المهمة الملقاة على عاتقه من الوقوف بوجه الظالم و التعدي، و اثبات الحقوق و استيفائها لأصحابها، و حسم النزاعات بين الأشخاص و الجهات، بنحو يسهم في إشاعة العدل و الأمن و استقرار الحياة الاجتماعية.

و قد روي عن النبي صل الله عليه و آله انه قال: «لا قدست أمة لا يأخذ الضعيف فيها حقه».([12])

و لأجل ذلك قام الأنبياء صل الله عليه و آله أنفسهم بتولي القضاء و من بعدهم أوصياؤهم، و من سار على خطهم من العلماء و الفقهاء. ([13]) و قد روي عن النبي صل الله عليه و آله: «يد الله تعالى فوق رأس الحاكم ترفرف عليه بالرحمة، فإذا حاف ـ يعني جار و ظلم ـ و كله الله تعالى إلى نفسه».([14]) و روي عنه صل الله عليه و آله: «إذا جلس القاضي للحكم بعث الله إليه ملكين يسددانه، فان عدل أقاما، و ان جار عرجا و تركاه».([15]) و لذا حكم الفقهاء بان في تولي القضاء ثوابا عظيما([16]) و انه يستحب لمن يثق من نفسه بالقيام بشرائطه. ([17])

المطلب الثالث:مشروعية القضاء

 اولا:ثبوت تشريع القضاء

لا خلاف بين الفقهاء في أصل مشروعية القضاء، بل انه ثابت لديهم بالضرورة من الدين، بعد ثبوت أحكامه التفصيلية في الكتاب و السنة، و قيام الأدلة عليه من الآيات و الروايات المعتبرة، أما آيات الكتاب فمنها:

1 ـ قوله تعالى: «إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله»([18])

2ـ قوله تعالى: «يا داوود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق و لا تتبع الهوى»،([19]) قال الطوسي في تفسير هذه الآية: «ومعناه: افصل بين المختلفين و المتنازعين»،([20]) و قال العلامة الطباطبائي: «ظاهر الحكم بين الناس هو القضاء بينهم في مخاصماتهم و منازعاتهم مما يرجع إلى الأمور القضائية، و رفع الاختلاف في الحكم3ـ قوله تعالى: «من لم يحكم بما انزل الله فأولئك هم الفاسقون» و في أخري «هم الظالمون» و في أخرى «هم الكافرون».([21])

4ـ قوله تعالى: «ان الله يأمركم ان تؤدوا الأمانات إلى أهلها و إذا حكمتهم بين الناس ان تحكموا بالعدل».([22])

أما الروايات فمنها:

1ـ قول الإمام علي عليه السلام لشريح القاضي: «قد جلست مجلسا لا يجلسه إلا نبي أو وصي نبي أو شقي».([23])

2ـ قول الإمام الصادق عليه السلام: «اتقوا الحكومة، إنما هي للإمام العادل العالم بالقضاء، العادل بين المسلمين، كنبي أو وصي».([24])

3ـ قول الإمام الصادق عليه السلام أيضاً في سياق النهي عن الترافع إلى قضاة الجور: «إياكم ان يحاكم بعضكم بعضا إلى أهل الجور و لكن انظروا إلى رجل منكم يعلم شيئا من قضايانا فاجعلوه بينكم، فاني قد جعلته قاضيا فتحاكموا إليه».([25])

ثانيا: نوعية تشريع القضاء

نحاول الآن تحديد نوع الحكم التكليفي المتوجه إلى من تتوفر فيهم الشرائط المطلوبة شرعا لممارسة القضاء. و نجد في هذا المجال ان الفقهاء متفقون على ان القضاء واجب على نحو الكفاية، و انه إذا قام به بعض القادرين عليه بشكل يفي بحاجة المجتمع. سقط الوجوب عن الباقين و أول من تعرض لهذه المسألة هو الشيخ الطوسي، فقد استدل لإثبات كفائية وجوب القضاء بما يلي:

الدليل الاول: قول النبي صل الله عليه و آله: «ان الله لا يقدس أمة ليس فيهم من يأخذ للضعيف حقه»([26])

الدليل الثاني: توقف نظام النوع الإنساني عليه على اعتبار ان الظلم من شيم النفوس فلا بد من حاكم ينتصف من الظالم للمظلوم.

و نوقش في هذا الاستدلال

1ـ تارة بأنه لا يقتضي الوجوب من رأس،

2ـ و أخرى بأنه لا يقتضي الوجوب الكفائي بالمعنى المصطلح،

3ـ و ثالثة بأنه لا يقتضي إلا في ظل الدولة الإسلامية.

الدليل الثالث: ان القضاء محقق للأمر بالمعروف و النهي عن المنكر وهما واجبان كفائيان.

المطلب الرابع:الأدلة على تشريع القضاء

أما من الكتاب فمنها

1ـ قوله تعالى: ((يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق)) ([27]).

2ـ قوله تعالى ((إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله)) ([28]).

3ـ قوله تعالى ((و ان أحكم بينهم بما أنزل الله)) ([29]).

و أما الأدلة من الروايات، فهي:

الحديث النبوي ((ان الله لا يقدس امة ليس فيهم من يأخذ للضعيف حقه)).

 

أدلة القائلين بنفي استحباب القضاء:

و على الرغم من ذلك كله يظل القضاء مسؤولية بالغة المشقة و الخطورة! فقد روي ان النبي صل الله عليه و آله قال: «يؤتى بالقاضي العدل يوم القيامة فمن شدة ما يلقاه يود ان لم يكن قضي بين اثنين في تمرة». و لعلنا نجد في ذلك تفسيراً لإعراض الكثيرين عن هذا المنصب، و هربهم من التصدي لمسؤوليته الجسمية، حتى ليروا ان أبي قلابة حينما طُلب للقضاء فر إلى الشام، و حينما التقاه بعد مدة أبو أيوب السجستاني (قال له: لو انك وليت القضاء، و عدلت بين الناس، رجوت لك في ذلك أجرا. فقال: يا أبا أيوب، السابح إذا وقع في البحر كم عسى ان يسبح).

أما الشيخ الطوسي فقد احتمل لإعراض القضاء تفسير آخر، و هو: «انه أحس من نفسه بالعجز؟ لأنه كان من أصحاب الحديث و لم يكن فقيها».

 المطلب الخامس:استقلال القضاءفي القانون العراقي

ذكر قانون التنظيم القضائي مبدا استقلال القضاء في الباب الاول منه ضمن المبادئ الاساسية واسس القانون,اذ ذكرت المادة(2)من القانون ان القضاء مستقل لاسلطان عليه لغير القانون.

 اذن لابد ان نحدد ماهو المقصود باستقلال القضاء؟

ان العبرة في نصوص الدستور وما يتعلق باستقلال القضاء, هي الممارسة العملية والحرص على تدعيم تلك الاستقلالية,والايمان بمبادئها,اذ ليس من باب المصادفة ان تحرص جميع الدساتير العراقية التي صدرت بتعاقب تغير السلطات على ان تحتوي نصوص دساتيرها نصا يؤكد على ان القضاء مستقل.,

كما ان من المسلم به ان للقضاء خصوصية تختلف عن باقي الوظائف العامة في الدولة نظرا للدور الذي يقوم به في تامين الاستقرار الاجتماعي عن طريق الفصل بين المصالح المتعارضة في المجتمع واعادة الحق الى اصحابه والحفاظ على الحريات الشخصية والعامة وتحقيق العدالة,ونظرا لهذه الخصوصية وجب ان يكون للقضاء مركز خاص يميزه عن بقية المراكز في الدولة ويؤمن له القيام بمهمته دون تدخل من اي سلطة او جهة ودون خوف او تردد لاسلطان على احكامه الا للقانون,وهذا المركز او الموقع الذي ينبغي ان يكون القضاء فيه هو مايدعى باستقلال القضاء الذي اقر المجتمع الدولي به واختلف في مدلوله,ففريق اعتبر القضاء سلطة مستقلة عن السلطتين التشريعية والتنفيدية وفريق اخر اعتبره جزا من السلطة التنفيدية لانه يتولى تنفيذ القوانين التي تسنها السلطة التشريعية.

ان التشريع العراقي بكافة درجاته وفي مجاليه المدني والجزائي قد كرس بشكل او باخر مبدا استقلال القضاء ووضع الضمانات الكافية التي تؤمن للقاضي تطبيق القانون على وفق المنظور العادل والانساني وهو بمامن من وقوع الاذى عليه,وعلى راس هذه التشريعات الدستور العراقي المؤقت الصادر في16_تموز1970حيث نص على استقلال القضاء واناط بالقانون كيفية تشكيل المحاكم ودرجتها واختصاصاتها وحدد شروط تعيين القضاة ونقلهم وترفيعهم ومقاضاتهم واحالتهم على التقاعد([30]).

كما ان قانون الاشراف العدلي رقم(124)لسنة1979اكد هذا المبدا حيث اناط مهمة الاشراف والرقابة على المحاكم واعمال القضاة الادارية والقضائيةبالمشرفين العدليين المعينين من القضاة.ولم يجز لغيرهم الاشراف على هذه الاعمال او تقييم علمية القاضي ومدى متابعته للنشاط الفقهي والقضائي)31).

كما نص قانون المرافعات المدنية رقم([31])لسنة1969الى سريان القضاء على جميع الاشخاص الطبيعية والمعنوية بما في ذلك الحكومة, وحصر النظر في المنازعات كافة بالمحاكم الا ما استثنى بنص خاص. ([32])

ونص ايضا على احترام الاحكام القضائية وبقائها مرعية مالم تبطل او تعدل على وفق القانون. ([33])

وخلاصة مانريد ذكره  في هذا المبحث ان القضاء العراقي يمتاز بنزاهته و قدرته الفاعلة طيلة تأريخه المعاصر لولا تدخلات السلطة التنفيذية المتكررة عبر الحكومات التي سيطرت على البلاد،و جعلت منه جهازا تابعا لها، تلك التبعية التي تجلت بأوضح صورها عند ما أقدم النظام السابق عام (1977) بإصدار قانون وزارة العدل المرقم (18) لسنة (1977) و الذي قضى بتشكيل مجلس العدل ليحل محل مجلس القضاء، و هو الأمر الذي عد وقتها إيذانا بانتهاء استقلالية القضاء و تبعيته إلى السلطة التنفيذية، نظرا لإسناد مهمة الإشراف و المتابعة على شؤؤن القضاء إلى وزير العدل الذي كان يمثل السلطة التنفيذية.

المبحث الثاني:شروط القاضي.

اشترط فقهاء الفقه والقانون عدة شروط يجب توافرها في من يتولى منصب القضاء, منها ما يرتبط بالجانب السلوكي، كالعدالة ومنها مايرتبط بالجانب الفكري والذهني كالعلم والعقل، ومنها مايرتبط بالجانب العقيدي كالايمان والاسلام,ومنها مايرتبط بالجانب القانوني كالحصول على شهادة البكالوريوس في القانون وممارسة مهنة المحامات كمقدمة لاكتساب الخبرة في معرفة القوانيين,وتفصيل الكلام في هذه الشروط كما يلي:

المطلب الاول: الشروط الواجب توفرها في الشخص شرعا ليجوز له ممارسة القضاء

 أولاً: البلوغ

اتفق علماء المسلمين على اشتراط البلوغ في القاضي فلا ينعقد القضاء لصبي و لا مراهق. و لا لمجنون([34]). وقال في المختصر النافع (يشترط التكليف و يقصد به البلوغ...) و كذا في القواعد. و تبعه في مجمع الفائدة و البرهان حيث قال (ان الصبي و المجنون لا ولاية لهما لأنفسهما فكيف يكون لغيرهما). و قال في الجواهر و هو يعد شروط القاضي قال: (البلوغ فلا ينعقد منصب القضاء لصبي و لو مراهق و لا مجنون و لا الكافر، لأنه ليس أهلاً للأمانة، و لم يجعل الله له سبيلاً على المؤمنين إذ الإسلام يعلو و لا يعلى عليه).

و بدون التكليف (البلوغ) لا ينعقد القضاء. إذن البلوغ شرط مهم و معتبر من الشروط المعدة في القاضي و بدون البلوغ لا ينعقد القضاء للقاضي الذي يفتقر إلى هذه الصفة و هي صفة البلوغ.

ثانياً: العقل

العقل: و هو من الشروط المعتبرة في القاضي:

قال في الشرائع: ((و يشترط فيه البلوغ و كمال العقل...)). فلا ينعقد حكم المجنون و لو كان ادوارياً في دور جنونه. و هذا مما اجمع عليه المسلمون، و اعتباره واضح فلا يحتاج إلى البحث.

نعم ما يحتاج إلى البحث هو انه هل يشترط في العقل خصوص ما يتوقف عليه بالتكليف أو زيد من ذلك؟

الظاهر من عبارات الكثيرين كفاية ما يتوقف عليه التكليف لا كتفائهم بذكر العقل بلا قيد. مما يوحي ان المراد به ما كان في قبال الجنون، و لكن صريح المحقق في الشرائع (كمال العقل). و هو يوحي بعدم كفاية ما يتوقف عليه التكليف منه، و لكن لا دليل على ذلك بل انما دل على اشتراط العقل أريد منه العقل مقابل الجنون([35]).على ان الكمال صفة قابلة للشدة و الضعف و الزيادة و النقصان فاي مرتبة من مراتبه هي المعتبرة هنا و المطلوبة!!

ثالثاً:  الاسلام

و هو شرط بالاتفاق فلا يجوز الترافع إلى قاضٍ كافر.

قال المحقق الحلي: ((... و لا كافر لأنه ليس من أهل الأمانة)).

و الأدلة على ذلك كما ياتي:-

1ـ الموقف العلماني:

لقد ثبت في الشريعة الإسلامية، اشتراط كون القاضي مسلماً.

و لكن بعض الدول التي تدعي التحرر و التقدم لا تشترط الإسلام في القاضي؛ فهي فليس مهماً عندها كونه مسلماً أم لا...

و ذلك لأن الحكومة في هذه الدولة قائمة على النظام العلماني الذي لا تعترف بدين رسمي للدولة و تتميز به، و تحاسب بموجبه و النتيجة لذلك يكون القضاء في مثل هذه الدولة علمانياً أيضاً. مثل تونس و المغرب و تركيا، و صادقت دولة البحرين على ذلك حديثاً و لحد الآن لم يطبق.

الدليل النقلي:

أما علماء المسلمين؛ فقد استدلوا على اعتبار شرط الإسلام في القاضي بما ياتي:-

أولاً ـ قوله تعالى ((و لن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً)) ([36]).

رابعاً:  العلم و الاجتهاد

لا يختلف فقهاء المسلمين في ضرورة ان يتوافر في القاضي مقدار من العلم بالأحكام الشرعية، و درجة من الثقافة و الوعي و حسن الفهم ما يمكنه من تعقّل الحوادث و إدراك موازين القضاء ليكون قادراً من خلال ذلك على إدارة العمل القضائي، و النهوض بأعبائه و مسؤوليته، سواء في الحكم الذي يصدر عنه، أو في التطبيق و الممارسة، و يدل على ذلك مضافاً إلى الإجماع عموم ما دلّ من الكتاب الكريم على النهي عن إتباع غير العالم في قولٍ و في عملٍ، و الأخبار هي:

 ما روي عن أبي جعفر عليه السلام قال: ((من أفتى الناس بغير علم و لا هدى من الله لعنته ملائكة الرحمة...)). و الجاهل لا يعرف ما يجب الإستناد إليه من الأحكام في مقام رفع التنازع و حل الخصومات، و لا يميز بين مواضع الحق و مواضع الباطل، و لا يملك القدرة على تقييم البينات و الحجج، و لا الميزان الذي يزن به الشهادات و الأقوال، فلا يحقق بنصبه الغرض المرجو من تعيين القاضي و نصبه أعني بلوغ الحق، و ترسيخ مظاهر العدل. و العلم بأحكام القضاء قد يكون حاصلاً بالاجتهاد و قد يكون حاصلاً بالتقليد، و قد اختلف الفقهاء في هذه المسألة  إذ اشترط بعضهم ان يكون القاضي مجتهداً، و ذهب آخر الى الاكتفاء بالعلم بأحكام القضاء و لو تقليداً.

والاجتهاد:  هو القدرة على استنباط الاحكام الشرعية عن أدلّتها التفصيلية بالطرق المألوفة.

و شروط الاجتهاد المبيحة للقضاء و الافتاء في العلم معرفة تسعة أشياء:

1 ـ الكتاب                      2 ـ السنة                                     3 ـ الاجماع

4 ـ الخلاف                     5 ـ ادلة العقل من الاستنباط                6 ـ البرائة الاصلية

7 ـ لسان العرب                  8 ـ‌اصول العقائد                              9- اصول الفقه

اما الكتاب:

فيحتاج الى معرفة عشرة أشياء: العام و الخاص؛ و المطلق و المقيد؛ و المحكم و المتشابة؛ و المجمل و المبين؛ و الناسخ و المنسوخ في الآيات المتعلقة بالاحكام و هي نحوخمسمائة آية.

خامساً: الايمان و عدم كونه من المخالفين

ذهب فقهاؤنا إلى اشتراط ان يكون القاضي مؤمناً بأئمة أهل البيت عليهم السلام و أدعى الشهيد الثاني الإجماع على ذلك في المسالك([37]) و هكذا صاحب المستند. و غيره من العلماء. بل ان صاحب الجواهر اعتبر ذلك من ضروريات المذهب([38]) و رأي بعض آخر ان اشتراط الإسلام يغني عن اشتراط الإيمان لأنه يتضمنه و لا اسلام بدون إيمان في الجملة كما أفاده في الجواهر([39]). و لعل الذين لم يصرحوا باشتراط الإيمان اكتفوا بذكر الإسلام.

و اشترط المحقق في الشرائع. و تابعه جميع العلماء على أن من شروط القاضي، الإيمان.

و استدل صاحب الجواهر على ذلك بما يلي:

1 ـ الاجماع

2 ـ ضرورة الفقه

3 ـ اشتراط الاسلام

4 ـ الروايات المتواترة

سادساً: الذكورة

من الشرائط المعتبرة في القاضي الذكورة، فلا ينعقد القضاء للمرأة و لا ينعقد حكمها و لو استجمعت سائر الشراط كالعلم و العدالة و غيرها. و ربما يتمسك لاثباتها بالنبوي([40]).: ((لا يفلح قوم وليتهم إمرأة)). و ورد الحديث في السنن للبيهقي قوله صل الله عليه و آله ((... لن يفلح قوم ولوا امرهم أمرأة)) و تكاد عبارة فقهاؤنا تتطابق على اعتبار هذا الشرط؛ فقد اختاره الشيخ في المبسوط([41]). و الخلاف. و اما عبارة الخلاف في (المسأله رقم 6) ((لا يجوز ان تكون المرأة قاضية في شيء من الاحكام، و به قال الشافعي و قال ابو حنيفة: يجوز ان تكون قاضية فيما يجوز ان تكون شاهدة فيه و هو جميع الاحكام الاّ الحدود و القصاص، و قال ابن جرير يجوز ان تكون قاضية في كل ما يجوز للرجل فيه لأنها تعد من أهل الاجتهاد قاضياً.

قال الطوسي ان جواز ذلك يحتاج الى دليل، لأن القضاء حكم شرعي و روي عن النبي صل الله عليه و آله انه قال «لا يفلح قوم وليتهم أمرأة» و قال صلى الله عليه وآله «أخرون من حيث أخرهن الله»

فمن أجاز له.

سابعاً: العدالة

الظاهر انه لا خلاف بين الفقهاء في اشتراط العدالة في القاضي، فلا ينفذ قضاء الفاسق، و قد ادعى اكثر من فقيه، الاجماع على ذلك كصاحب المستند([42]). و صاحب الرياض([43]).

و السيد اليزدي. و قال السيد الخوئي: ((العدالة شرط بلا خلاف و لا اشكال)). و قال السيد اليزدي و هو يعدد شرائط القاضي و صفاته: ((الخامس: العدالة للاجماع و المنع من الركون الى الظالم، و لقصوره عن مرتبة الولاية على الصبي و المجنون فكيف بهذه المرتبة الجليلة)) ([44]). و يدخل ضمن العدالة: اشتراط الامانة و المحافظة على فعل الواجبات.

ثامناً: طهارة المولد

هذا الشرط ذكره جماعة و ادعى بعضهم الاجماع عليه. او نفي الخلاف([45]). قال في الشرائع ((و لا ينعقد القضاء لولد الزنا مع تحقيق حاله كما لا تصح امامته و لا شهادته في الاشياء الجليلة)). و تابعه الشهيد في المسالك([46]). و أيضاً تابع المحقق في الشرائع صاحب مجمع الفائدة و البرهان. و ادعى الاجماع عليه العلامة في القواعد. و قال في الدروس و هو يعد من شروط القاضي قال: السادس طهارة المولد فلا ينعقد لولد الزنا.

تاسعاً:  الحرية

من الشروط المعتبرة في القاضي الحرية، و ذهب الشيخ في المبسوط([47]). الى اعتبارها، و اختاره العلامة في القواعد([48]). و الشهيد في المسالك([49]). معتبراً انه رأي اكثر الاصحاب و قواه في رياض المسائل. و في قواعد الاحكام([50]). اشترط الحرية في القاضي و تابعه على ذلك الشهيد في الدروس. و قال الاردبيلي: اشتراط الحرية على رأي واكده العلامة الحلي في الارشاد([51]).

اذن على رأي بعض العلماء اشتراط الحرية في القاض

فالنتيجة هي:

ان العلماء على قسمين في شرط الحرية في القاضي منهم من قال يشترط الحرية في القاضي و منهم من قال لا يشترط الحرية.

عاشراً: سلامة البصر

اختلف الفقهاء في اشتراط سلامة البصر قال في الشرائع: ((و في انعقاد قضاء الأعمى تردد، أظهره انه لا ينعقد)). و قال في المسالك([52]). ((و في انعقاد قضاء الأعمى تردد أظهره انه لا ينعقد، لافتقاره الى التمييز بين الخصوم، و تعذر ذلك على الأعمى)) و تابعه على اشتراط البصر المقدس الاردبيلي في كتاب مجمع الفائدة و البرهان. و كذلك ذكره من شروط القاضي الشهيد في الدروس([53]). و في كشف الرموز. تردد في انعقاد القضاء للأعمى و قال في نهاية كلامه: ((الأقرب لا ينعقد)) أي القضاء لا ينعقد للأعمى و أنّ من شروط القاضي سلامة البصر.

أما عند أهل السنة:

فمذهب جمهور علمائهم الاشتراط، لان الاعمى لا يميز المدعي من المدعى عليه، لأن العامة تمنع من قبول الشهادة فتمنع من قضائه بطريق أولى، لأن الشهادة ولاية خاصة و القضاء ولاية عامة، و لا فرق في ذلك بين سلامة النطق و سلامة السمع و سلامة البصر،

حادي عشر: العلم بالكتابة

قال الفاضل الآبي في كشف الرموز: ((... و هل يشترط علمه بالكتابة؟ الاشبه نعم)). و تابعه الشهيد في الدروس([54]). و هو رأي المقدس الاردبيلي.

و قال النراقي في المستند ((و منها العلم بالكتابة قراءة و كتبة، شرطه الشيخ و الحلي، و نسبه في المسالك و الروضة و غيرهما الى الاكثر، و جعله في السرائر من مقتضيات المذهب، و قيل أنه مذهب عامة المتأخرين، و ظاهر النافع و القواعد الخلاف فيه، بل نسبه في التنقيح الرائع الى قوم، و نقل في شرح المفاتيح عن الفاضل و جماعة احتمال العدم و صريح المحقق الاردبيلي و الكفاية التردد، و نفي اشتراطه والدي العلامة في معتمد الشيعة و هو المعتمد.

 

المطلب الثاني: شروط القاضي في القانون العراقي 

  يمكن تلخيص الشروط التي يجب ان تتوفر في القاضي بما يلي:

1- أن يكون عراقي الجنسية بالولادة.

2- قد أتم الثامنة والعشرين من عمره، ولا يزيد عمره عن الـ (40).

3- متمتعا بالأهلية المدنية، وغير محكوم بأي جناية باستثناء الجرائم السياسية او جنحه مخلة بالشرف.

4- ان يكون محمود السيرة وحسن السمعة.

5- ان تتوافر فيه الجدارة البدنية واللياقه.

6- ان يكون متخرجا من احدة كليات القانون.

7- ان لا يكون قد سبق فصله من المعهد.

8- ان تكون له ممارسة لا تقل عن 3 سنوات في المحاماة او وظيفة قانونية او قضائية.

ويؤدي القاضي عند تعيينه وقبل مباشرته لوظيفته القسم التالي: ((اقسم بالله العظيم أن أكون مخلصا لاعمال وظيفتي وان اؤدي واجبي بأمانة واخلاص))

ومن خلال ما تقدم يمكن ان نورد تعريف للقاضي بانهذلك الشخص الحقوقي المؤهل تأهيلا خاصا لتولي مسؤولية فض النزاعات والخصومات الناشئة بين الأشخاص الطبيعيين والمعنوين وتوجيه العقوبة الرادعة بحق من يثبت ارتكابهم للمخالفات والجنح والجنايات، وذلك من خلال ممارسته صلاحيته الدستورية بتطبيق أحكام القانون على الدعاوى المنظورة أمامه، إحقاقا للعدالة وصونا للحقوق.ويملك بهذا الخصوص سلطة تقديرية ضمن اطار القواعد القانونية الواجبة التطبيق,والقضاة مستقلون لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون، وتعود صلاحية تعيينهم إلى وزير العدل وذلك وفق أحكام قانون استقلال القضاء.

المبحث الثالث: ولاية القاضي

القضاء لايكون ملزما للخصوم وحكمه واجب التنفيذ والاداء الا بتولية الامام(الحاكم)العام او من فوض اليه الامام ذلك لانه من المصالح العظام العامة التي يحتاج اليه الناس في حياتهم,ولانه يترتب على القضاء انتقال الحق من ذمة الى ذمة اخرى, وتنفيذ الواجبات اللازمة في اداء هذه الحقوق,والسر في جعل سلطة تعيين القضاة بيد الخليفة ان الامة فوضت الامر كله اليه فلا يفتات في شئ عليه.

المطلب الأول: من تثبت له ولاية القاضي:

لا شك في دلالة كثير من الروايات المعتبرة ان منصب القضاء من مختصات النبي صل الله عليه و آله و أوصيائه و الأئمة المعصومين عليهم السلام و انه لا يجوز لغيرهم تسلم هذا المنصب المهم و الخطير إلا بإذنهم و توليتهم إياه([55]). حتى أصبحت هذه المسالة من الواضحات في الفقه الامامي، و من نماذج قول العلماء بهذا الشان:

1ـ قول أبي الصلاح الحلبي: «تنفيذ الاحكام الشرعية... من فروض الأئمة عليهم السلام، المختصة بهم دون من عداهم ممن لم يؤهلهم لذلك»([56]).

2ـ قول المحقق النراقي: «خص الله سبحانه توليه ذلك ـ القضاء ـ إلى الأنبياء و الأوصياء من بعدهم صلوات الله عليهم ثم الى... الماذونين من قبلهم بالحكم بين الناس»([57]).

المطلب الثاني: قبول القضاء:

في ظرف قيام الحكومة الشرعية بقيادة الامام المعصوم عليه السلام او نائبه الولي الفقيه الجامع للشرائط، يجب على ولي الأمر ان يقوم بالتنصيب الشخص للقضاة في مختلف أرجاء الدولة، تبعا لمقتضيات الحاجة الاجتماعية.

قال الشيخ الطوسي: «إذا علم الإمام ان بلدا من البلاد لا قاضي له، لزمه ان يبعث إليه»([58]). و مثله عبارة المحقق الحلي،([59]). و فخر المحققين([60]). و الفاضل الهندي([61]). و غيرهم.

المطلب الثالث: التعرض للقضاء:

و المراد هنا معرفة الحكم الشرعي المتعلق بالسعي للحصول على منصب القضاء و اشغاله من قبل الواجدين للشرائط،‌و بما ان هذا السعي مقدمه لممارسه القضاء؛ فان حكمه يرتبط بحكم القضاء نفسه؛ ذلك (ان بناء جل الفقهاء او كلهم و أكثر الأصوليين، على وجوب مقدمه الواجب، استحباب مقدمة المستحب).

و لذا قرر بعض الفقهاء ان التعرض للقضاء قد يكون واجبا على المكلف، حيث لا يوجد من يصلح للقضاء غيره، فانه يتعين عليه حينئذ، فلو لم يعلم به الإمام وجب عليه ان يعرف نفسه، لأجل تولى القضاء؛ لان فعل القضاء من باب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر. فيجب تحصيل مقدمته.

المطلب الرابع:ولاية القاضي في القانون

لقد كان القضاة في النظم الوضعية لا يختارون جزافا,كما هو الحال في النظام الاسلامي فهم اما مجازون من الدولة بعد دراسة قانونية كافية ,واما منتخبون من بين من لهم خبرة وكفاية خاصة يحتاج اليها في فصل النزاع القائم,كما في نظام المحلفين,الا ان تلك النظم مازالت تغض النظر عن عقيدة القاضي بخلاف النظام الاسلامي الذي يولي هدا الجانب من القاضي عناية خاصة,لان العقيدة قيد على انحرافات النفس,وعدل يفضح ظلمها وكمال يغطي نقصها, ورحمة تحد من قسوتها,هذا الى ان النظم الوضعية تحدد سنا خاصة لتقاعد القضاة عن ولاية القضاء,وهو امر ليس له مبرر من المصلحة او العدالة,بل ان المصلحة والعدالة في اتباع العكس تماما,وذلك لما في كبر السن من المران وتركيز التفكير واتزانه,والتمسك باسباب الوقار التي يجب ان تتوافر في القاضي ولعل ذلك هو ما حدا ببعض النظم الوضعية الى الابقاء على قضاة المحاكم العليا مددا اطول من تلك المقررة لقضاء المحاكم الاخرى,فسن تقاعد قضاة محكمة النقض في كل من فرنسا وبلجيكا خمس وسبعون سنة,اما في انجلترا وامريكا فهم يبقون في مناصبهم مدى الحياة([62]).

وقد كان المشرع المصري ينص في قانون انشاء محكمة النقض رقم(68)لسنة 1931على تقاعد قضاتها عند بلوغ سن تربو على تلك المقررة لتقاعد قضاة المحاكم الاخرى,الا ان القانون رقم28لسنة(1942)ساوى في ذلك بين مستشاري محكمة النقض ومحاكم الاستئناف([63]).ثم جاء قانون المحكمة العليا المصرية الصادر بالقانون رقم81لسنة1969))فراعى هذا الاعتبار ونص في مادته السابعة على انه يجوز تعيين رئيس المحكمة دون تقيد بسن التقاعد.

ويرى الباحث ان الاختصا ص له فوائد جمة تتمثل في احتراف القاضي لعمله في حقل معين من حقول العمل القضائي مما يولد لديه قدرة الابداع والاستنباط والتحليل الكبيرين.بعكس عدم الاختصا ص فمثلا فى العراق.بين ساعة واخرى يمكن ان تصدر محكمة الاستئناف الاتحادية قرارا بنقل قاضي من محمكة البداءه.مثلا ليكون قاضيا في محكمة(التحقيق) وهو امر يشتت من قابليته العملية اذ لم يكن ملما بكل القضايا المعروضه عليه الا بعد مرور فتره زمنية قد تحرم الدعوى المعروضه عليه من الدقة المطلوبه قانونا.

الخاتمة

من خلال ما تقدم ذكره في البحث يمكن ان نتوصل للنتائج التالية:-      

1- ان القضاء هوولاية الحكم شرعا لمن له اهلية الفتوى بجزئيات القوانين الشرعية على اشخاص معينه متعلقه باثبات الحقوق واستنباطها وفض النزاعات.

2- هنالك صفات معينه يجب ان تتوفر في القاضي وهي البلوغ والعقل والاسلام.والعدالة والذكورة والحصول على شهاده البكالوريوس في القانون.لكي يتسنى له امتهان هذه المهنة الخطيرة.

3- نلاحظ ان هناك اختلاف بين علماء المسلمين في ما يتعلق بشروط القاضي.

4- ان العدالة لايمكن ان تتحقق ولايكون لها جدوى مالم يتصف القضاء بصفه الاستقلال وذلك من اجل

ضمان الحقوق والحريات.

توصيات

1- بما ان مهنة القاضي خطيره ومهمة من الناحية الشرعية والقانونية.لذلك فان العدل لايتحقق بصورة كاملة في المجتمع الابتوفر جميع الشروط والصفات في شخص القاضي والمذكوره انفا في هذا البحث.

2-لادليل على اشتراط الاجتهاد في القاضي لامن الكتاب ولامن السنة ولامن الاجماع.

3- يجب  على ولي الامر في الدولة الاسلامية او نائبه قبل ان يقدم على تولية القاضي ان يكون على علم بانه صالح لولاية القضاء مستوفيا لجميع شرائطها اللازمه لها

4- لايجوز تعيىن احد في وظائف القضاء الابعد التثبت من كفاءته وصلاحيته للقضاء.

5- اذا كان القضاة يمثلون سدنة العدالة التي ترعى بكل هيبة واجلال سيادة القانون والعدالة بوازع من ضميرهم دون تسلط من اي شخص او سلطةعليهم.فعليهم مهمة ضمان حسن تطبيق الدستور والتشريعات كافه. وتوفير موجبات العدل على وفق الاجراءات القانونية بما يعكس استقلالية القضاء العراقي.

المصادر

آـ القران الكريم.

ب ـ الكتب.

1-. ابي‌الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي البصري الشافعي / أدب القاضي / مطبعة الارشاد ـ بغداد ـ 1391 هـ.

2-  أبي الحسن علي بن محمد بن حبيب البصري البغدادي الماوردي / أحكام السلطة (الاحكام السلطانية و الولايات الدينية / النشر و الطبع / المكتبة التوقيفية ـ مصر ـ القاهرة / 1999 م.

3- الشيخ الطوسي / التبيان في تفسير القرآن / ج 8 / الطبعة الاولى / المطبعة مطبعة مكتب الاعلام الاسلامي / الناشر ـ مكتب الاعلام الاسلامي ـ قم 1409 هـ.

4-  الشيخ الانصاري / القضاء و الشهادات / بيروت ـ 1415

5- اسماعيل بن حمادة الجوهري / الصحاح تاج اللغة و صحاح العربية / دار العلم للملايين ـ بيروت ـ لبنان / 1407 هـ

6-الشيخ محمد علي الأنصاري / الموسوعة الفقهية الميسرة / ج 1 / المطبعة باقري ـ قم / الناشر مجمع الفكر الإسلامي ـ قم ـ 1415 هـ.

7- الخليل بن احمد الفراهيدي / العين / بيروت ـ 1414 هـ.

8- أبي القاسم عبدالكريم بن محمد بن عبد الكريم الرافعي القزويني الشافعي (ت 623) / العزيز شرح 9- الوجيز المعروف بالشرح الكبير / تحقيق و تعليق علي محمد معوض و عادل أحمد عبدالموجود / الطبع و النشر دار الكتب العلمية ـ بيروت ـ لبنان 1417 هـ الطبعة الاولى.

10-  المحقق الحلي / المختصر النافع في فقه الامامية / طبعة دار التقريب ـ القاهرة ـ 1990.

المواد القانونية ذات العلاقه من دستور العراق الموقت.قانون الاشراف العدلي.قانون المرافعات المدنية.

11- المستشار جمال المرصفاوي- رئيس محكمة النقض المصرية(نظام القضاء في الاسلام).

12- المحكمه العليا والهيئات القضائيه-اعداد الهيئه العامه لشئون المطابع الاميريه-سنه 1969م.

13- الشيخ سيد سابق / فقه السنة / ج 1 / الناشر دار الكتاب العربي ـ بيروت

14- ابن كثير القرشي الدمشقي / تفسير القرآن العظيم / الناشر دار الفكر بيروت ـ لبنان ـ 1412 هـ

15- السيد الخوئي / مباني تكملة المنهاج / ج 1

16- خطب الإمام أمير المؤمنين علي عليه السلام / نهج البلاغه / دار المعرفة ـ بيروت ـ لبنان ـ 1410 هـ.

17-رمزي سيف / الوسيط في شرح قانون المرافعات الحديثة

18- سليمان تقي الدين / التنظيم القضائي و المحاكم الاستثنائية و دورها / المركز اللبناني للدراسات في مجلة أبعاد / العدد الخامس ـ حزيران 1996

19- شؤون القضاء / اللقاء القضائي العراقي ـ آفاق و آراء / الاردن، عمان، اكتوبر 2004.

20-عطيه مصطفى مشرفة / القضاء في الاسلام / مطبعة دار الغد قطب الدين الراوندي / فقه القرآن / ج 2 / ايران 1405 هجري./ الطبعة الثانية ـ 1966 م

21-  عادل عمر شريف و الدكتور ناثان ج براون / استقلال القضاء في العالم العربي ـ دراسة مقدمة الى برنامج أدارة الحكم الصالح في العالم العربي التابع لبرنامج الأمم المتحدة الانمائي ـ 2003.

22- فخر المحققين / ايضاح الفوائد في شرح اشكالات  القواعد / الطبعة الاولى/ بيروت / 1389 ش.

23- قانون التنظيم القضائي العراقي المرقم 160 السنة 1977.     

24-.قانون التنظيم القضائي العراقي المرقم 160 السنة 1977.     

25- مدحت المحمود / القضاء في العراق / دراسة استعراضية للتشريعات التي نظمت شؤون القضاء في العراق 19- مدحت المحمود / القضاء في العراق / دراسة استعراضية للتشريعات التي نظمت

26- محمد سلام مكدور / القضاء في الاسلام / طبع في القاهر ـ مصر ـ 2000 م.

27-  محيي الدين بن النووي / المجمع في شرح التهذيب / الطباعة و النشر دار الفكر ـ بيروت ـ لبنان ـ 1991.

28-  محمد بن احمد الانصاري القرطبي / الجامع لاحكام القرآن (تفسير القرطبي) / ج 11 / الطبعة 1405 هـ / المطبعة دار احياء التراث العربي ـ بيروت ـ لبنان / الناشر مؤسسه التاريخ العربي ـ بيروت ـ لبنان ـ 1405 هـ.

29- محمد بن يوسف الصالحي الشامي / سبل الهدي في سيرة خير العباد / الناشر دار الكتب العلمية ـ بيروت ـ لبنان

30- محمد صادق الحسيني الروحاني / فقه الصادق / ج  25 / الناشر مؤسسة دار الكتاب ـ قم ـ 1414 هـ.

31- محمد بن اسماعيل البخاري / صحيح البخاري / المطبعة دار الفكر بيروت ـ لبنان / الطبعة ـ طبعة بالاوفست عن طبعة دار الطباعة الامرة باستانبول / الناشر دار الفكر ـ بيروت ـ لبنان / جريدة الصباح 1410هجري.

32 - ياقوت الحموي / معجم البلدان / الناشر دار أحياء التراث العربي ـ بيروت ـ لبنان / 1990 م27-

 

[1]- سورة البقرة-اية251.

[2]- سورة المائدة 42.

[3]- سورة غافر 20.

[4]- سورة فصلت 27.

[5]- سورة طه/ الآية 72.

[6]- سورة الإسراء / الآية 23.

[7]- سورة القصص / الآية 15.

[8]- سورة البقرة / الآية 200.

[9]- سورة  الحجر / الآية 66.

[10]- محمد حسن النجفي - جواهر الكلام – ج8-مؤسسة النشر الاسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المقدسة

[11]- الشيخ محمد طه الخاقاني -المحاكمة في القضاء – ط1-مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لاهل البيت ع- 1422-قم المقدسة ايران- ص 14.

[12]- علي الطباطبائي - رياض المسائل-  ج 2 – ط-1مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لاهل البيت ع -1422-قم المقدسة ايران -ص 385.

[13]- الشيخ الطوسي - المبسوط - م ج 8- مؤسسة النشر الاسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المقدسة 1415 ص 83.

[14]- الفاضل الهندي -كشف اللثام - ج 2- مؤسسة النشر الاسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المقدسة 1415- ص 141.

[15]- الشيخ الطوسي -المبسوط -ج 8- مؤسسة النشر الاسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المقدسة 1415-ص 82.

[16]- الفاضل الابي- كشف الرموز-ج 2- مؤسسة النشر الاسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المقدسة 1415-ص493.

[17]- محمد سلام مكدور- القضاءفي الاسلام-ط1- دار الكتاب الاسلامي – قم -1988ص65.

[18]- المائدة44.

[19]- سورةالنساء-اية60.

[20]- الاشتياني-كتاب القضاء- مطبعة دار العلم –ايران –قم ه1403-ص3.

[21]- ص26.

[22]- النساء105.

[23]- الشيخ الطوسي - المبسوط -ج 8 مؤسسة النشر الاسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المقدسة 1415- ص 82.

[24]- السيد فضل الله - فقه القضاء -ج 1 - ص 46 - السيد علي الطباطبائي - رياض المسائل - ج 13 - ص 34.

[25]- محمد ري شهري - ميزان الحكمة - ج 3 ط1-1404-1362- -مكتبة الاعلى الاسلامي - ص 2.

[26]- الشيخ الطوسي- الخلاف - مؤسسة النشر الاسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المقدسة 1415ص117.

[27]- النساء - 141.

[28]- المائدة - 49.

[29]- المادة(63) من دستور العراق الموقت لعام 1970

[30]- المادة(13) من قانون الاشراف العدلي لعام 1979

[31]- المادة(29) من قانون المرافعات المدنية لعام 1969

[32]- المادة(30)من قانون المرافعات المدنية لعام 1969

[33]- الدكتور سعد ابو جيب-القاموس الفقهي- ص305.

[34]- سورة البقرة/180.

[35]- الشهيد الثاني-مسالك الافهام-ج13-ط1- مكتبة الناشر الاسلامي -1408-ص326.

[36]- محمد حسن النجفي- جواهر الكلام-ج17- ص37.

[37]- محمد حسن النجفي- جواهر الكلام-ج17ص38.

[38]- الاردبيلي - فقه القضاء - ص 95.

[39]- المحقق النراقي - مستند الشيعة - ج 17 - ص 34.

[40]- الطوسي- المبسوط-ج58- مؤسسة النشر الاسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المقدسة 1415- ص40.

[41]- السيد الطباطبائي- رياض المسائل-ج13ص36.

[42]- السيد اليزدي- ملحقات العروة-ج-3ص5.

[43]- النجفي - جواهر الكلام - ج 40 - ص 12 ـ 13.

[44]- الشهيد الثاني- مسالك الافهام-ج3 مكتبة الناشر الاسلامي -1408-- ص326.

[45]- الشيخ الطوسي- المبسوط- ج8- مؤسسة النشر الاسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المقدسة 141- ص83.

[46]- العلامة الحلي- قواعد الاحكام-ج2- ص201.

[47]- الشهيد الثاني- مسالك الافهام-ج5- مكتبة الناشر الاسلامي -1408- ص300.

[48]- الحلي- قواعد الاحكام-ج3- ص421.

[49]- العلامة الحلي- الارشاد-ج2- ص65.

[50]- الشهيد الثاني- المسالك-ج3- ص326.

[51]- الشهيد الاول- الدروس الشرعية-ج2- ص65.

[52]- الشهيد الاول- الدروس-ج1- ص100.

[53]- الشيخ الطوسي- الخلاف-ج3- ص20.

[54]- ابو صلاح الحلبي - الكافي في الفقه - ص421.

[55]- النراقي- مستند الشيعة-ج2- ص514.

[56]- الطوسي- المبسوط- ج6- مؤسسة النشر الاسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المقدسة 1415- ص77.

[57]- العلامة الحلي- القضاء- ج3- ص56.

[58]- المحقق الحلي- شرائع الاسلام-ج1- ص4.

[59]- فخر المحققين- ص20.

[60]- الفاضل الهندي- كشف الثام:ج2- ص141.

[61]- المستشار جمال المرصفاوي- رئيس محكمة النقض المصرية(نظام القضاء في الاسلام)ص44.

[62]- المرجع السابق.

[63]- المحكمة العليا والهيئات القضائية –اعداد الهيئة العامة لشئون المطابع الاميرية سنة 1964م.