من صفحة: 143
إلى صفحة: 160
النص الكامل للبحث: PDF icon 180423-153845.pdf
البحث:

مقدمة البحث

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على محمد بن عبد الله الرسول الأميّ، الصادق الأمين، وآله الطيبين الطاهرين، وصحبه الميامين، وبعد..

فقد نالت القراءات القرآنية نصيبًا وافرًا من الاهتمام من علماء الأمة الإسلامية، ومنهم علماء العربية؛ فالمحاولات الأولى لعلم العربية، إنما وضعت لخدمة القرآن الكريم، ولصون اللسان من الخطأ في تلاوته.

والذي دفعني إلى اختيار قراءة أبي عمرو بن العلاء البصري (المتوفى سنة 154هـ) لدراستي النحوية هذه أنَّ صاحب هذه القراءة أبا عمرو هو لغويٌّ، ونَحوِيٌّ بارع إلى جانب كونه قارئًا مشهورًا. وقراءته هي إحدى القراءات التي شاعت في العالم الإسلامي وانتشرت، فكان يقرأ بها أهل الشام ومصر قبل أن تزيحها من مكانتها الرائدة قراءة عاصم بن أبي النَّجود الكوفي (المتوفى سنة 120هـ) من رواية حفص بن سليمان بن المغيرة القارئ المشهور (المتوفى سنة 180هـ) فنشرها وأقبلت الناس عليها. وكان أبو عمرو بشهادة ابن مجاهد « حَسنَ الاختيار، سهلَ القراءة، غيرَ مُتكلِّفٍ، يؤثر التخفيف ما وجد إليه السبيل »([1]). وكان « مُقَدَّمًا في عصره عالمًا بالقراءة ووجوهها، قدوةً في العلم باللغة، إمام الناس في العربية، وكان مع علمه باللغة، وفقهه بالعربية، متمسكًا بالآثار، لا يكاد يخالف في اختياره »([2]).

كل هذه الصفات التي جُمعت في الرجل، جعلته إمامًا في القراءة والعربية، فأضافت إلى دراسته فائدةً ومُتعةً لم أكن أنا أولَ من أحسَّ بقيمتها، ليوليها عنايته، ويسخو عليها بجهده ووقته، ولكني آنستُ نارًا، فقلت لعلي آتي منها بجذوة، فتبعت فيها آثار من تقدَّمني عسى أن أضعَ يدي على مواضع ربما غفل عنها الدارسون.  

والحقّ أنَّ في شخصية أبي عمرو اللغوية ملامحَ جذبتني منذ زمن، وجعلتني أتمنى أن أجدها في سائر علماء العربية؛ فقد كان لا يجيز الاستشهاد بأشعار الإسلاميين، وكان يقيس على الأكثر الأشيع في كلام العرب، وأما ما خالف الأكثر الأشيع فكان لا يهدره، ولا يخطئ قائله، ولكنه يعدُّه لغةً خاصة، كما يعدُّه عربيًا فصيحًا، فكان يتلقى كل ما يصدر عن العرب ويسلِّم به، ويعدُّه من العربية التي ينبغي الحفاظ عليها.

فكان بناءً على ما وجدته في قراءته من آراء نحوية مفيدة اخترت جانب المعاني النحوية للأفعال ميدانًا لدراستي له، فقسمت البحث على ثلاثة مباحث:

تناولت في المبحث الأول أحوال الفعلين المبني للمعلوم وللمفعول، ودلالاتهما النحوية، وتناول المبحث الثاني الدلالة النحوية لرفع الفعل المضارع، وتناول المبحث الثالث فقد تناول الدلالة النحوية لنصب الفعل المضارع وجزمه.

والحمد لله في الأولى والآخرة.

توطئة البحث:

الفعل في العربية:

الفعل من الأركان الأساسية في الجملة العربية، فالجملة العربية اسمية كانت أم فعلية ذات طرفين هما المسند والمسند إليه. وقد نال الفعل نصيبًا وافرًا من اهتمام النحاة القدامى مثلما اهتم به النحاة المحدثون، فقد كان النحاة الأقدمون « يرون أن الفعل صاحب العمل، وهو عامل قويّ؛ بل هو أقوى العوامل، فهو يرفع فاعلاً وينصب مفعولاً كما ينصب سائر ما أسموه بـ(الفضلات) كالمفاعيل والحال ونحو ذلك، وأنه يعمل أينما كان متقدمًا أم متأخرًا، ظاهرًا أم مقدَّرًا ».([3])

وقد عرَّف أبو القاسم الزجاجي (ت 337ﮪ) الفعل بأنه: « ما دلَّ على حدث وزمان ماضٍ أو مستقبل نحو قام يقوم وقعد يقعد وما أشبه ذلك »([4])، وعرفه الزمخشري (ت 538ﮪ) بأنه: « ما دلَّ على اقتران حدث بزمان »([5]) ولم يعط القدماء إيضاحات كافية عن حدود زمان الفعل. ورأى الدكتور إبراهيم السامرائي أن سبب هذا التقصير متأتٍ من منهجهم في البحث النحوي الذي انصبَّ في الاهتمام بالعلة والعامل وما يتركه العامل من أثر، وهو ما سُمِّي بالإعراب. ([6])

المبحث الأول: أحوال الفعل المبني للمعلوم وللمفعول ودلالاتهما النحوية:

أ. بناء الفعل للمعلوم:

المعاني النحوية لبناء الفعل للمعلوم:

قوله تعالى:{وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّداً وَقُولُوا ْحِطَّةٌ   نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ}[البقرة:2/ 58]. قرأها أبو عمرو على المشهور (نَغْفِرْ)، وهي أبين القراءات، وقد وجهها أبو منصور الأزهريّ (ت370هـ) بقوله: «...ومن قرأ (نغفر) فالفعل لله جلَّ وعزَّ»([7])، وذكر ابن الجزري(ت833هـ) الخلاف في هذه القراءة قائلاً: « واختلفوا في (نغفر) هنا والأعراف فقرأ ابن عامر بالتأنيث فيهما. وقرأ المدنيان بالتذكير هنا والتأنيث في الأعراف،ووافقهما يعقوب. واتفق هؤلاء الأربعة على ضم حرف المضارعة وفتح الفاء. وقرأ الباقون بالنون وفتحها وكسر الفاء في الموضعين »([8]).

ووجهُ القوة في قراءة (نغفر) فيما نرى أنَّ بناء الفعل للمعلوم، وذكرَ الفاعل ناسب الفعل الذي يدل على المغفرة وهي ستر الذنوب، فأصرح في الخطاب لما ذكر المغفرة، وذلك أن المغفرة محل تفضل من الله سبحانه، فأسند المغفرة إليه، ولم يسندها إلى المجهول؛ لأنه جلَّ وعلا أولى بها. وهذا على نحو قوله تعالى:{صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ}الذي قال فيه ابن جني(ت392هـ): «..فأصرح بالخطاب لما ذكر النعمة...وذلك أنه موضع تقرُّب من الله بذكر نعمه، ثم قال:{غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ}، حتى كأنه قال: { غير الذين غُضِبَ عليهم }، فجاء اللفظ منحَرَفًا به عن ذكر الغاضب، ولم يقل: غير الذين غضبت عليهم كما قال: {غير الذين أنعمت عليهم} فأسند النعمة إليه لفظًا، وزوى عنه لفظ الغضب تحسُّنًا ولُطفًا ».([9])

ومنه قوله تعالى:{وَاتَّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ} [البقرة 2/281]. قرأ أبو عمرو ويعقوب: {تَرْجِعُونَ} بفتح التاء. وقرأ الباقون: {تُرْجَعُونَ} بضم التاء.([10])) وأرى في توجيه قراءة أبي عمرو أنها شبيهة بقوله تعالى:{الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}[البقرة 2/ 156]. فهم يرجعون إلى ربهم بأمره لا باختيارهم، وتبقى القراءة بالبناء للمجهول أبلغ، فهي تسلب الاختيار منهم؛ لأنه جلَّ وعلا يرجعهم بالقوة، ولابُدَّ من أن يرجعوا إليه. وعليه جاءت القراءة المشهورة، وهي قوله تعالى:{فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ}[الأعراف: 7/25]. قرأ أبو عمرو والباقون (وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ) بضم التاء([11])). ففي أسباب الحياة والموت ثمة اختيار للإنسان فيهما على عكس الخروج من القبور، فليس للإنسان فيه أيُّ خيار، وهذا ما يقوي قراءة أبي عمرو الموافقة للقراءة المشهورة، وقرأ حمزة والكسائي (وَمِنْهَا تَخرُجُونَ) بفتح التاء. وهي ينطبق عليها التوجيه السابق  لقراءة أبي عمرو ويعقوب (تَرْجِعُونَ).

ومنه قوله تعالى:{وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَاراً مِّن زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ}[طه:20 / 87 ]. قرأ أبو عمرو(المتوفى154هـ) وحمزة(المتوفى 156هـ) والكسائي(المتوفى 189هـ) {وَلكِنَّا حَمَلْنَا} بالتخفيف، وذلك أنَّ القوم حملوا ما كان معهم من حلي آل فرعون وحجتهم قوله: (فقذفناها)، فيكون الفعل مسندا إليهم كما أن قولهم (قذفنا) مسند إليهم.([12])ونرى أنَّ قراءة أبي عمرو وعاصم وحمزة والكسائي أقوى؛ لأنهم حملوا الأوزار، وهي الأحمال والأثقال من تلقاء أنفسهم بدليل قولهم (فقذفناها). أما قراءة (حُمِّلْنا) بالبناء للمجهول، فهي تعني أن غيرهم حمَّلهم تلك الأحمال والأثقال؛ والزينة من الذهب والفضة ثمينة وهي قليلة عند الناس، وهي من ثم خفيفة، فلا تستدعي مساعدة لحملها، والتفسير الوحيد الذي يقوي القراءة المشهورة بالمبني للمجهول - فيما نرى– أنهم أجبروا على حمل زينتهم وإلقائها في النار لصنع العجل، أيْ أنهم لم يحملوها بإرادتهم – والله العالم -.

ومنه قوله تعالى:{يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذ ٍزُرْقاً}[طه:20/102] قرأ أبو عمرو وحده (يومَ نَنْفَخُ) بالنون، وقرأ الباقون (يُنْفَخُ) بالياء على ما لم يُسَمَّ فاعله. قال ابن أبي زرعة (المتوفى 403هـ): « الله أخبر عن نفسه على أن يكون آمرا بذلك كما يقول السلطان نحن نكتب إلى فلان ومعناه نأمر لا أنه يتولى الكتاب بيده وحجته أن الكلام أتى عقبه بلفظ الجمع بإجماع وهو قوله تعالى:{وَنَحْشُرُ المُجْرِمِينَ}فجعل ما قبله بلفظه لينسق الكلام على نظام واحد، وقرأ الباقون ينفخ بالياء على ما لم يسم فاعله المعنى ينفخ ملك الصور في الصور وحجتهم قوله: {ونُفِخَ في الصُّورِ}جاء بلفظ ما لم يسم فاعله ».([13]) ومع أن البناء النحوي في الظاهر يستقيم مع قراءة أبي عمرو بالنون، غير أن الدلالة تأبى ذلك، فالنفخ يستدعي التجسيم من جهة، وهو عمل لا يناسب عظمة الخالق من جهة أخرى، فهو جلَّ وعلا أعظم من أن ينسب عملا مثل النفخ في الصُّور إلى نفسه؛ لذا نحن نرجح القراءة المشهورة على قراءة أبي عمرو بالبناء للمعلوم.

ومنه قوله تعالى:{يُوقَدُ مِن شَجَرَة ٍمُّبَارَكَةٍ}[ النور: 24/35].قرأ أبو عمرو (تَوَقَّدَ) بالبناء للمعلوم، وقرأ عاصم (تُوَقَّدُ) بضم التاء. قال أبو منصور الأزهري (المتوفى370هـ): « من قرأ...{تَوَقَّدَ} فهو منسوب إلى الدُّرّ لصفائه، ونصب {تَوَقَّدَ}؛ لأنه فعلٌ ماضٍ. (تَفَعَّلَ)...ومن قرأ { يُوقَدُ} بالياء فهو للمصباح، ومن قرأ {تُوقَدُ} بالتاء فهو للزجاجة، ومن قرأ {تَوَقَّدُ} فهو بمعنى تتوقَّدُ، فحذف إحدى التاءين ».([14])

وخلاصة القول إن اختلاف القراءات من ياء الغائب إلى تاء الغائبة، ومن البناء للمجهول إلى البناء للمعلوم هنا أفاد تحوُّلاً في الإسناد، فمرة يسند الإيقاد إلى الدُّرّ لفرط ضيائه وبهائه ونوره ([15])، ومرة إلى المصباح، ويجوز أن يكون التوقد للكوكب لأن الكوكب يوصف كثيرا بالتوقد لما يعرض فيها من الحركات التي تشبه توقد النيران([16])، ويسند التوقد في مرة رابعة إلى الزجاجة، فإن قيل كيف وصفت الزجاجة بأنها توقد وإنما يكون الاتقاد للنار قيل لما كان الاتقاد فيها جاز أن يوصف به لارتفاع اللبس عن وهم السامعين وعلمهم بالمراد ([17]). ويجوز أنْ يكون على حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه والتقدير: (على مصباح الزجاجة) فقال (توقد)، فحمل الكلام على لفظ الزجاجة، وإن كان يريد المصباح.([18]) ومثل هذا كثير في كلام العرب. قال أبو الفتح بن جني (ت392هـ):« حكى الأصمعي عن أبي عمرو قال: سمعت رجلاً من اليمن يقول: فلانٌ لَغوب، جاءته كتابي فاحتقرها، قال: فقلت له:أتقول جاءته كتابي؟ فقال: نعم، أليس بصحيفة؟ فلا تعجب إلاّ من هذا الأعرابي الجافي وهو يُعلِّل هذا التعليل في تأنيث المذكر وليس في شعرٍ منظوم فيُحتمل ذلك له، إنما هو في كلامٍ منثور...».([19])وهذا النص يُنبِئ أنَّ حمل المذكر على لفظ المؤنث مشهور في كلام العرب، وفي إسناد ابن جني الرواية إلى أبي عمرو (صاحب القراءة  المتقدمة) عن طريق الأصمعي دليل على كثرة دوران هذا الأسلوب في كلامهم.

ومنه قوله تعالى:{فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ}[الأحقاف: 46/25] (يُرَى) بياء مضمومة (مساكنُهم) بالرفع قرأ بها يعقوب وحمزة وعاصم وخلف. و(تَرَى) بالتاء وفتحها على الخطاب ونصب (مساكنهم) قرأ بها أبو عمرو والباقون.([20]) وقراءة أبي عمرو: {لا تَرى إلا مساكنَهم} بفتح التاء ونصب مساكنهم الحجة فيها لمن فتح التاء ونصب أنه جعل الخطاب للرسول صلى الله عليه وآله، ونصب {مساكنهم} بتعدي الفعل إليه، والحجة لمن ضمَّ أنه دل بذلك على بناء ما لم يسم فاعله، ورفع الاسم بعده لأن الفعل صار حديثا عنه.([21])أيْ أنَّ القراءة بالمبني للمعلوم أفادت تحوُّلاً في الإسناد، وجعلت الاهتمام بالحدث وصاحبه معًا خلافا للقراءة المشهورة بالبناء للمفعول التي حصرت الاهتمام بالحدث دون صاحبه. 

ب. الحالات النحوية في بناء الفعل للمفعول:

يفيد البناء للمجهول في العربية إفادة التركيب النحوي معاني مختلفة منها:

1. الإعلام بوقوع الحدث لا بفاعله:

يرى ابن جني في المحتسب: « أنَّ إسناد الفعل إلى المفعول نحو ضُرِبَ زيدٌ لم يكن لجهل المتكلم بالفاعل مَن هو؟ البتة، ولكن قد يُسند إلى المفعول، ويُطرح ذكر الفاعل؛ لأنَّ الغرض إنَّما هو الإعلام بوقوعالضرب بزيد، ولا غرض معه في إبانة الفاعل من هو؟ ».([22]) ومنه قوله تعالى:{وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّداً نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئَاتِكُمْ}[الأعراف7/161] قرأ ابن كثير وعاصم وحمزة والكسائي {نغفر لكم} بالنون، وقرأ أبو عمرو ونافع ويعقوب وابن عامر{تُغفَرْ لكم} برفع التاء.([23])وقد ناسب بناء الفعل للمعلوم، وذكر الفاعل دلالة الفعل على المغفرة، وهو ما سبق الكلام على مثله. وحين يدل الحدث على خلاف ذلك وهو ما يُكره وقوعه، فالخطاب يميل إلى عدم ذكر الفاعل، فيكون الاهتمام بالحدث الجسيم من غير نسبته إلى الخالق سبحانه، الذي  يحب تذكير عباده برحمته ورأفته بهم، فهو أرحم الراحمين، وهو الغفور الرؤوف. فقوله تعالى:{وَلَوْ يُعَجِّلُ اللّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُم بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ}[يونس10/ 11] ببناء الفعل (قضى) للمفعول – وهي قراءة أبي عمرو أيضًا-، وبسبب ارتباط الحدث المفترض (قضاء الأجل) بتعجيل الله سبحانه للناس الشر كما يستعجلون الخير، وهو أمر عظيم منع من تحققه لطف الله بعباده؛ لذا جاء التركيز على الحدث، وزوى ذكر الفاعل؛ والقراءة على وفاق هذه الرؤية أقوى من قراءة ابن عامر والحضرمي بالبناء للمعلوم (لقَضَى)، ومعناها: لقضى اللهُ أجلَهُمْ، أيْ: أمضاه.([24]) أما قراءة ابن عامر ويعقوب (ليقضي إليهم أجَلَهُمْ) فهي قراءة حسنة أيضًا؛ لأنَّ الفعل (يقضي)متصل بقوله:{وَلَوْ يُعَجِّلُ اللّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ}، فهو عطف على اللفظ.

ومنه قوله تعالى: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ}[الرحمن: 55/22] (يَخْرُجُ) الباقون (يُخْرَجُ) بضمِّ الياء أبو عمرو ونافع ويعقوب([25]). « من قرأ (يَخرُجُ) فالفعل لِلُّؤلؤ وما بعده؛ لأنهما فاعلان، واللؤلؤ اسم جامع للحب الذي يخرج من الصدفة صغيرًا كان أو كبيرًا. وإنما قال: {يَخْرُجُ  مِنْهُمَا} واللؤلؤ يخرج منهما واللؤلؤ يخرج من الملح دون العذب؛ لأنه قد ذكرهما جميعًا، وإذا خرج من أحدهما فقد خرج منهما ».([26]) ومن قال يخرج بالضم كان قوله بيِّنًا؛ لأن ذلك إنما يُخرَج ولا يَخرُج بنفسه، فهما يستخرجان، وحجته قوله وتستخرجون حلية فهي مفعولة لا فاعلة، ومن قرأ يخرج جعل الفعل للؤلؤ والمرجان وهو اتساع؛ لأنه إذا أخرج ذلك خرج([27]).وقراءة البناء للمجهول ركزت في الحدث، وهو إخراج اللؤلؤ والمرجان، وهي أقرب إلى الدلالة الأصلية، فاللؤلؤ لا يخرج وحده إنما يخرجه الله جلَّت قدرته.

2. شهرة الفاعل:

ومنه قوله تعالى: {وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ}[الكهف: 18/47]{نُسَيِّرُ الْجِبَالَ} قرأ نافع، وعاصم، وحمزة، والكسائى: {نُسَيِّر} بالنون {الجبالَ} نصبًا، وقرأ أبو عمرو وابن كثير وابن عامر: {تُسَيِّرُ الْجِبَالُ} بالتاء، الجبال رفعًا([28]). وحجة أبي عمرو قوله تعالى: {وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ}[التكوير: 81/3]{وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَاباً}[التكوير: 20]. ولم يبنَ الفعل للمعلوم لشهرة الفاعل.

ومنه قوله تعالى:{ كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ}[فاطر:35/36 ]قرأ أبو عمرو يجزى بضم الياء وفتح الزاي كل رفع على ما لم يسم فاعله وحجته أن ما أتى في القرآن من المجازاة أكثره على لفظ ما لم يسم فاعله من ذلك اليوم تجزى كل نفس ويقوي الياء قوله ولا يخفف عنهم من عذابها. وقرأ الباقون نجزي بالنون كل نصب أي نحن نجزي كل كفور ويقوي النون قوله بعدها أو لم نعمركم.([29]) ولكن الاهتمام انصب على الحدث وليس على الفاعل لشهرة الأخير.

ومنه قوله تعالى: {وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ }[الحديد: 57/8]. (أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ) بفتح الألف والخاء. وقرأ أبو عمرو وحده {أُخِذَ ميثاقُكُمْ} بضمِّ الألف وكسر الخاء.([30]) وحجة أبي عمرو أنَّ الفاعل – وهو الله جلَّ وعلا – قد تقدم ذكره في قوله: {وَمَا لَكُمْ لَا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} والضمير يعود إلى اسم الله تعالى، وحجة من قرأ: {وَقَدْ أَخَذَ}أنه على هذا المعنى، وأنه قد عُرف الحدث، وهو آخذ الميثاق.([31])فجاءت قراءة البناء للمجهول لتهتم بالحدث بعد أن سبقت الإشارة إلى من قام به. وقريب من هذا التوجيه قول أبي زرعة حين استدل على شهرة الفاعل بقوله تعالى: { أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِم مِّيثَاقُ الْكِتَابِ}[الأعراف: 7/169].([32]) ومنه قوله تعالى:{وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ} [سبأ:34/17] {نجازي} بالنون {إلا الكفورَ}بالنصب حمزة والكسائى وحفص عن عاصم {يُجَازَى}بالياء{إلا الكفورُ}رفعًا ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وعاصم في رواية أبى بكر.([33]) ولا شك في أن المجازي على الأعمال يوم القيامة هو الله عزَّ وجلَّ؛ وحجة من قرأ بالبناء للمفعول شهرة الفاعل وهو الله جلَّت قدرته، ودليل ذلك في القرآن الكريم قوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُم مِّنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ}[فاطر: 35/36]. واللافت أنَّ هذه الآية قرأها أبو عمرو بن العلاء كما قرأ سابقتها على ما لم يُسَمَّ فاعله {كذلك يُجَازَى كلُّ كَفُور}.([34])

3. التحويل في الإسناد:

ومنه قوله تعالى {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ}[الأنعام: 6/119]. (فَصَّلَ..حَرَّمَ) مفتوحتان قرأ بها نافع وحفص عن عاصم ويعقوب – وهي القراءة المشهورة -. (فُصِّلَ..حُرِّمَ) مضمومتين قرأ بها أبو عمرو وابن كثير وابن عامر.([35])ومن قرأ بالفتح في الحرفين فقد احتج بوجهين، الأول: أنه تمسك في فتح قوله: {فَصَّلَ}بقوله: {قَدْ فَصَّلْنَا الآياتِ}[الأنعام:97، 98، 126] وفي فتح قوله: {حَرَّمَ} بقوله: {أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ}[الأنعام:151]. والوجه الثاني: التمسك بقوله: { مِمَّا ذُكِرَ اسم الله عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ } فينبغي أن يكون الفعل مسنداً إلى الفاعل لتقدم ذكر اسم الله تعالى، وأما الذين قرؤا بالضم في الحرفين فحجتهم قوله: {حُرّمَتْ عَلَيْكُمُ الميتة والدم}[المائدة: 5/3] وقوله: {حُرِّمَت}تفصيل لما أجمل في هذه الآية، فلما وجب في التفصيل أن يقال: {حُرّمَتْ عَلَيْكُمُ الميتَـة} بفعل ما لم يسم فاعله وجب في الإجمال.([36])ومنه قوله تعالى:{بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ مَكْرُهُمْ وَصُدُّواْ عَنِ السَّبِيلِ}[الرعد13/33] {وَصُدُّواْ عَنِ السَّبِيلِ}بضم الصاد، هي قراءة أهل الكوفة(وَصَدُّواْ عَنِ السَّبِيلِ) بفتح الصاد، قرأ بها عامة قراء الحجاز والبصرة (أبو عمرو وابن كثير ونافع وابن عامر)([37]). وقد ساوى الطبري (ت310هـ)، والقرطبي (ت671هـ) بين القراءتين. إذ قال الطبري في جامع البيان: «...والصواب من القول في ذلك عندي أنْ يقال: إنهما قراءتان مشهورتان قرأ بكل واحدة منهما أئمة القراء، متقاربتا المعنى وذلك بأن المشركين بالله كانوا يصدون عن الإيمان به، وهم مع ذلك كانوا يصدون غيرهم، كما وصفهم الله بقوله: { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ}[الأنفال: 8/36]».([38]) وهذا هو حال الطبري في النظر إلى القراءات إذ إنه لا يجزم أيها أقوى معنى من الأخرى؛ بل يميل إلى قبولها جميعًا ما دامت غير شاذة. وقد وصف القرطبي هذه القراءة بأنها حسنة أيضا، أي أنه قدم تفضيل قراءة أبي عمرو بفتح الصاد عليها.([39]) وخلاصة القول: إن القراءتين تصبان في معنى واحد.

ومن التحويل في الإسناد قراءة أبي عمرو، وابن كثير، وابن عامر: (تُسَيَّرُ الجبالُ).([40]) بالتاء مضمومة في حين أنَّ القراءة المشهورة:{ وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ}[الكهف: 18/47]، فتحول الإسناد من الفاعل المضمر المتكلم (نحن) الذي يعود إلى الله جَلَّ وعلا إلى المفعول الظاهر (الجبال) بعد رفع رتبته النحوية إلى الرفع بوصفه نائبًا عن الفاعل، وهذا التحويل في التركيب ولَّد تحويلا في المعنى النحوي، لينصبّ الاهتمام بالحدث (تسيير الجبال) وليس بالفاعل لشهرة الأخير، ولأن له نظائر في القرآن منها: قوله تعالى:{وَسُـــيِّرَتِ الْجِبَـــالُ فَكَانَــتْ سَرَاباً}[النبأ: 78/20]، وقوله تعالى:{وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ}[التكوير:81/3]، وقد عدَّ الطبرسي هذه النظائر حجة لقراءة أبي عمرو بالبناء للمجهول.([41])

ومنه أيضًا قوله تعالى: {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا}[فاطر: 35/33]قرأ أبو عمرو وحده يُدخَلونها برفع الياء، وقرأ الباقون يَدخلونها، وروى عباس عن مطرف الشقرى([42]) عن معروف بن مُشكان([43]) عن ابن كثير يُدخلونها مثل أبى عمرو، وقرأت على قنبل يَدخلونها بفتح الياء.([44])جاء في الحجة في القراءات السبع لابن خالويه (ت370هـ): «قوله تعالى يدخلونها يقرا بفتح الياء وضم الخاء وبضم الياء وفتح الخاء فالحجة لمن قرأه بفتح الياء أنه جعل الدخول فعلا لهم والتحلية إلى غيرهم ففرق بين الفعلين لهذا المعنى والحجة لمن قرأه بضم الياء أنه جعله فعل ما لم يسم فاعله وزاوج بذلك بين هذا الفعل وبين قوله يدخلونها ويحلون ليشاكل بذلك بين اللفظين».([45]) فحجة القراءة بالبناء للمجهول عند ابن خالويه هي المشاكلة بين قوله: {يُحَلَّون} و {يُدْخلونها} فكلا الفعلين على هذه القراءة جاءا بالبناء للمجهول وهي حجة تبعه فيها أبو زرعة (ت403هـ).([46]) فَرَدُّ اللفظ على اللفظ عنده أولى من المخالفة، وهي حجة غير لازمة في القرآن إنما هو تحويلٌ في الإسناد فالفعل في القراءة المشهورة مسند إليهم، وفي القراءة الثانية بالبناء للمجهول مسند إلى ما لم يسم فاعله لشهرة الأخير ولأنَّ الدخول لا يكون بمحض إرادتهم؛ بل بأمر الله جلَّ وعلا.

ومنه قوله تعالى: {لَّا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً}[الغاشية:88/11]. واختلفوا في: {لا تسمع فيها لاغية} فقرأ ابن كثير، وأبو عمرو، ورويس، ويعقوب (لا يُسْمَعُ) بياء مضمومة على التذكير (لاغية) بالرفع، وقرأ نافع كذلك إلا أنه بالتاء على التأنيث، وقرأ الباقون بالتاء مفتوحة (لاغية) بالنصب.([47])والسياق العام الذي سبق قوله: {لا تَسْمعُ}يتحدث بتاء الغائبة عن الوجوه الخاشعة (تَصْلى، تُسقَى)، ثم تحول الحديث منها إلى وصف الضريع([48])الذي تسقى منه تلك الوجوه، فوصفه بياء الغائب في قوله:{لا يُسْمِنُ ولا يُغْنِي مِنْ جُوْعٍ}[الغاشية: 88/7]،وبهذا الوصف أوضح سبحانه حال تلك الوجوه ليصف لنا ما يقابلها، وهي الوجوه الناعمة، وقد ذكرنا أن مواطن ذكر النعمة يناسبها ذكر الفاعل، لذا فالقراءة بالبناء للمعلوم في رأينا أقوى من القراءة بالبناء للمجهول.

ومنه قوله تعالى:{وَأَمْلَى لَهُمْ}[محمد: 47/25]على البناء للمعلوم قرأ بها الباقون:{ وَأُمْلِيَ لَهُمْ } بالبناء للمجهول أبو عمرو.([49])وهذه القراءة لها قصة تدلُّنا على وثاقة أبي عمرو، فقد حدَّث أحمد بن موسى بإسناده قال: سمعت أبا عمرو يقول: ما قرأت حرفًا من القرآن إلاّ بسماع وإجماع من الفقهاء، ولا قلت برأي – إلا حرفا واحدًا فوجدت الناس قد سبقوا إليه. وقراءته:{وَأُمْلِيَ لَهُمْ} على البناء للمجهول، هو يُعَدُّ انحرافًا عن السُّنَّة المتَّبَعة في رواية القراءة، ولعل ما دفعه إلى ذلك موافقة هذا الحرف شرطين من شروط القراءة الصحيحة وهما: موافقته لوجه من وجوه العربية، وموافقته لرسم القرآن؛ لذا فقد وجدت هذه القراءة استحسانًا لدى سعيد بن جبير، فيما رواه سعيد بن المبارك اليزيدي عنه قال: « سمع سعيد بن جبير قراءتي فقال: إلزم قراءتك هذه »([50]). وحجة من قرأ:{وَأَمْلَى لَهُمْ }فالفعل للشيطان، سوَّل لهم الشيطان، أيْ: زيَّن لهم رِدَّتَهُم، وأملى، أيْ: مَنَّاهُم طول البقاء في الدنيا. والأصل فيه قولك: أقمت عنده مِلاوة من الدهر، ومَلاوَةً، ومُلوَةً، أيْ: مُدَّة طويلة.([51])قال أبو عمرو: الشيطان لا يُملي لأحد. وحجته قوله: {وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ}.[آل عمران: 3/178].([52])

المبحث الثاني: الدلالة النحوية لرفع الفعل المضارع:

1. دلالة الرفع بالعطف على اللفظ:

قوله تعالى:{لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا}[البقرة 2 / 233 ]بالنصب (لا تُضَارَّ) قرأ بها ابنعامروحمزة ونافع والكسائي، وهي القراءة المشهورة.(لا تُضَارُّ) بالرفع ابن كثير، وعاصم، وأبو عمرو، وتوجيه القراءة العطف على اللفظ، وهو الأصل في العطف([53]). قال الطبرسي: « من رفع فلأن قبله (لا تكلَّفُ)، فأتبعه ما قبله ليكون أحسن لتشابه اللفظ. فإن قلت: إن ذلك خبر وهذا أمر؟ قيل: إنَّ الأمرَ قد يجيء على لفظ الخبر في التنزيل، ألا ترى إلى قوله: {والمطلقاتُ يتربَّصْنَ بأنفُسِهِنَّ}ويؤكد ذلك أن ما بعده على لفظ الخبر، وهو قوله: {وعلى الوارثِ مثلُ ذلك}والمعنى ينبغي ذلك، فلما وقع موقعه صار في لفظه. ومن فتح جعله أمرًا، وفتح الراء لتكون حركته موافقة لما قبلها وهو الألف »([54]). وفضَّل ابن جرير الطبري (ت310هـ) قراءة النصب؛ « لأنه نهيٌ من الله تعالى ذكره كل واحد من أبوي المولود من مضارَّة صاحبه حرام بإجماع المسلمين، فلو كان خبرا لكان حراما عليهما ضرارهما به كذلك ».([55]) وهذا الرأي سبقه إليه أحمد بن يحيى بما نقله عنه المنذري. قال: «...والقراءة بالنهي، لأنه نهيٌ صحيح ».([56])

ومنه قوله تعالى:{وَلَوْ تَرَىَ إِذْ وُقِفُواْ عَلَى النَّارِ فَقَالُواْ يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الأنعام: 6/27]. قرأ أبو عمرو والباقون: (ولا نُكَذِّبُ...ونَكونُ) بالرفع في حين قرأ حمزة وعاصم: {وَلاَ نُكَذِّبَ وَنَكُونَ } بالنصب في القراءة المشهورة، وقرأ ابن عامر(وَلاَ نُكَذِّبُ) بالرفع..(وَنَكُونَ) بالنصب.جاء في التبيان: « فمن قرأ بالرفع احتملت قراءته أمرين: أحدهما - أن يكون معطوفا على (نُرَدُّ)، فيكون قوله: (نُرَدُّ ولا نُكَذِّبُ..ونكونُ) داخلا في التمني ويكون قد تمنى الرَّدَّ وألاّ يكذب وأن يكون من المؤمنين، وهو اختيار البلخي والجبائي والزجاج. والثاني - أن يكون مقطوعا عن الأول، ويكون تقديره (يا ليتنا نرد ولا نكذب) كما يقول القائل: (دعني ولا أعود)، أي فاني ممن لا يعود، فإنما يسألك التَّرك، وقد أوجب على نفسه ألا يعود ترك أو لم يترك. ولم يقصد أن يسأل أن يجمع له الـتَّـرك وأن لا يعود.وهذا الوجه الذي اختاره أبو عمرو في قراءة جميع ذلك بالرفع، فالأول الذي هو الردّ داخل في التمني وما بعده على نحو دعني، ولا أعود، فيكونون قد أخبروا على النيات أن لا يكذبوا ويكونوا من المؤمنين.واستدل أبو عمرو على خروجه من المتمني بقوله (وإنهم لكاذبون)  فقال ذلك يدل على أنهم أخبروا بذلك عن أنفسهم، ولم يتمنوا، لان التمني لا يقع فيه الكذب وإنما يقع في الخبر دون التمني.

ومن نصب (نكذب.. ونكون) أدخلهما في التمني، لان التمني غير موجب، فهو كالاستفهام والأمر والنهي والعرض، في انتصاب ما بعد ذلك كله من الأفعال إذا دخلت عليها الفاء أو الواو على تقدير ذكر المصدر من الفعل الأول، كأنه قال: يا ليتنا يكون لنا رد، وانتفاء للتكذيب وكون من المؤمنين.ومَن نصب (ونكون) فحسب، ورفع (نرد ولا نكذب) يحتمل أيضا وجهين: احدهما-أن يكون داخلا في التمني، فيكون في المعنى كالنصب. والثاني - انه يخبر على النيات أن لا يكذب ردَّ أولم يردّ ».([57]) والتوجيه الذي ساقه الشيخ الطوسي في تفسيره هو بنصّه رأي سيبويه – وإن لم يشر إليه -.([58])

وهذا الاختلاف في الدلالة – في الحقيقة – هو اختلاف بين الكوفيين الذين أخذوا بقراءة ابن أبي إسحاق الحضرمي(ت117هـ)،والبصريين الذين أخذوا بقراءة ابن كثيرالمكيّ(ت120هـ)، وأبي عمرو(ت154هـ)، ونافع المدني (ت169هـ). ونحن نتفق مع الدكتور علي جابر المنصوري في أنَّ القراءتين كلتيهما حسنة، إذ لا تكلف فيهما غير أن قراءة ابن كثير وأبي عمرو بالرفع أقوى إذ لا تقدير فيها ولا تأويل؛ والعربية تميل إلى اليسر والسهولة، والابتعاد عن التأويل والتعليل، والحمل والتقدير إلا عند الضرورات.([59])

ومنه قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً} [لقمان: 31/6]. {وَيَتَّخِذَهَا} بالنصب حمزة والكسائي وحفص ([60])، والحضرمي([61]) {وَيَتَّخِذُهَا} بالرفع أبو عمرو والباقون.([62])قراءة الرفع: {وَيَتَّخِذُهَا} عطفًا على (مَن يشتري)([63])، ومن نصب ردها على قوله: {لِيُضِلَّ وَيَتَّخِذَهَا}. وأما الضمير في (يتَّخِذها) فيجوز أن يكون للحديث؛ لأنه بمعنى الأحاديث، ويجوز أن يكون للسبيل؛ لأن السبيل يؤنَّث قال: {قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي}[يوسف: 12/108]، ويجوز أن يكون لآيات الله.

ومنه قوله تعالى:{فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى}[غافر(المؤمن)40/37](فأَطَّلِعَ) بالنصب حفص، (فأَطَّلِعُ) بالرفع أبو عمرو والباقون.([64]) وحجة من قرأ بالرفع أنه عطفه على قوله: {لَّعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ}[غافر: 40/36]. وهو وجه القراءة، ومن نصب: {فَأَطَّلِعَ }جعله جوابًا لـقوله:{لَعَلِّي}.([65])

ونرى أن الفرق بين المعنيين النحويين للقراءتين يكمن في أن القراءة المشهورة:{فَأَطَّلِعَ}بالنصب تعد الفاء فاء السببية والفعل منصوب لدلالته على الاستقبال. أما القراءة بالرفع (فأَطَّلِعُ) فالفاء فيها عاطفة تفيد التعقيب، وهي تجعل الفعل في زمن الحال وهذا أبلغ دلالة، وأقرب للمعنى؛ لوجود الدلالة على الحال.

2. دلالة الرفع على الاستئناف:

قوله تعالى: { وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ }[البقرة: 2/ 271]. قرأ ابن كثير وأبو عمرو، وأبو بكر عن عاصم ويعقوب:{ونُكَفِّرُ عَنكُم}بالنون والرفع. وقرأ نافع وحمزة والكسائي: {ونُكَفِّرْ عَنكُم}بالنون والجزم. كذلك قال الكسائي عن أبي بكر عن عاصم بالنون والجزم. وقرأ ابن عامر وحفص عن عاصم: {وَيُكَفِّرُ عَنكُم}بالياء والرفع.([66]) قال أبو منصور الأزهري: « مَن قرأ { ونُكَفِّرُ عَنكُم } بالنون والرفع رفعه لأن ما بعد الفاء صار بمنزلته في غير الجزاء، وهو اختيار سيبويه، كأنه استئناف، وكذلك من قرأ: {وَيُكَفِّرُ}بالياء والرفع ».([67]) ويمكن أن تُقدَّر القراءة بالنون والرفع على تقدير (ونحنُ نُـكَفِّرُ) على التعظيم([68])كونها جملة اسمية معطوفة على ما بعد الفاء.([69])ومنه قوله تعالى:{وَلاَ يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُواْ الْمَلاَئِكَةَ وَالنِّبِيِّيْنَ أَرْبَاباً }[آل عمران: 3/80]. قرأ أبو عمرو: (وَلاَ يَأْمُرُكُمْ) بالرفع.وكان أبو عمرو يختلس حركة الراء تخفيفًا([70])، في حين قرأ عاصم وابن عامر وحمزة (وَلاَ يَأْمُرَكُمْ) نصبًا عطفًا على المضارع المنصوب في الآية السابقة، والرفع على الاستئناف([71]). ومعناه: ولا يأمركم الله. قال الرازي (ت606هـ): « وأما القراءة بالرفع على الاستئناف فظاهر لأنه بعد انقضاء الآية وتمام الكلام، ومما يدلُّ على الانقطاع ما روي عن ابن مسعود أنه قرأ (ولنْ يأمُركم) »([72]). ولم يختلفوا في رفع الراء من قوله: {أَيَأْمُرُكُمْ} إلا اختلاس أبي عمرو.

3. دلالة الرفع بعد الفاء:

قوله تعالى:{ مَن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً }[البقرة 2/ 245]. قرأ أبو عمرو ونافع والكسائي (فَيُضَاعِفُهُ) بالألف ورفع الفاء،  وفيها وجهان:([73])أحدهما:  إنه عطف على الصلة، وهو قوله (يقرضُ).والآخر: إنه يستأنفه. واختار الشيخ الطوسي (ت 548هـ) في التبيان الرفع؛ لأنَّ فيه معنى الجزاء، وجواب الجزاء بالفاء لا يكون إلا رفعًا.([74])

4. الرفع على تقدير خبر (أن) المخففة من الثقيلة:

قوله تعالى: {وَحَسِبُواْ أَلاَّ تَكُونَ فِتْنَةٌ }[ المائدة 5/71]. قرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي: (ألاَّ تكونُ) رفعًا. في حين قرأ ابن كثير والباقون (ألاَّ تكونَ) نصبًا.وقراءة الرفع على أنَّ (حَسِبَ) بمعنى (تيَقَّنَ). و(أنْ) مخففة من الثقيلة، ودخول (لا) عوض من التخفيف، وحذفوا الضمير؛ لأنهم كرهوا أنْ يليَها الفعل وليس من حكمها أنْ تدخلَ عليه، ففصلوا بينهما بـ(لا). هذا من حيث الصناعة النحوية – كما يقال -. أما من حيث المعنى فقراءة الرفع شملت زمني الحال والاستقبال في حين خصصت القراءة بالنصب – وهي المشهورة – الفعل بزمن المستقبل، والقراءة بالرفع على وفق هذا أرجح من حيث المعنى – والله أعلم -. أما توجيهها النحوي فهو على اعتبار (أنْ) مصدرية ناصبة.

المبحث الثالث:الدلالة النحوية لنصب الفعل المضارع وجزمه:

1. دلالة النصب بعد الواو:

قوله تعالى: {ويَقُولُ الَّذِينَ آمَنُواْ أَهَـؤُلاء الَّذِينَ أَقْسَمُواْ بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُواْ خَاسِرِينَ}[المائدة: 5/53] قرأ أبو عمرو: (ويَقولَ) بالواو والنصب عطفًا على (أن يأتيَ) عند أكثر النحويين، والتقدير: (فعسى الله أن يأتيَ بالفتحِ وأن يقولَ). وقيل: هو عطفٌ على المعنى. جاء في تفسير التبيان للشيخ الطوسي: « فان قيل كيف يجوز النصب ولا يجوز أن يقول الذين آمنوا؟ قيل: قال أبوعلي الفارسي يحتمل ذلك أمرين غير هذا: أحدهما - أن يحمل على المعنى، لأنه إذا قال عسى الله أن يأتي بالفتح وكأنه قال عسى أن يأتي الله بالفتح، (ويقول الذين آمنوا) كما قال: (فاصَّدَّقَ وأكُنْ)، وقد جاء مثله نحو قوله: {وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ}[البقرة: 2/216] وقال: {عَسَى اللّهُ أَن يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ}[النساء: 4/ 83]. ووجه آخر وهو: أن يبدل (أن يأتي) من اسم الله اسم كما أبدلت (أن) من الضمير الذي في قوله: {وَمَا أَنسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ}[الكهف 18/64] فإذا أبدلته فكأنك قلت: (عسى أن يأتي الله بالفتح، ويقول الذين آمنوا). وأما من رفع فلأنه عطف جملة على جملة، ولم يجعلها عاطفة على مفرد. ويقوى الرفع قراءة من قرأ بلا واو، وأما إسقاط الواو وإثباتها فجميعًا حسنان ». ([75])

ورأينا في قراءة أبي عمرو بالنصب: أنه تعالى أخَّر القول إلى المستقبل لذلك نصب الفعل (يقول). أما القراءة الأخرى بالرفع فهي تعني الحال والاستقبال. والأرجح هي قراءة الرفع؛ لأنها تتعلق بالحاضر والمستقبل.

2. دلالة النصب على المفعولية لاسم الفاعل:

ومنه قوله تعالى: {ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ }[الأنفال: 8/18[{موهنُ كَيْدِ الكافرينَ} مضافا خفيفا بتسكين الواو وكسر الهاء وضم النون من غير تنوين وكسر الدال من (كيدِ) حفص عن عاصم {موَهِّنٌ} بفتح الواو وتشديد الهاء والتنوين ونصب {كَيْدَ} ابن كثير ونافع وأبو عمرو، وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائى وأبو بكر عن عاصم موهن ساكنة الواو منونة كيد نصب.([76])

من خفض {كيد} فلأنه مضاف إليه. ومعنى ذلك أن الله عزَّ وجلَّ يلقي في قلوبهم الرعبَ حتى يتشتتوا ويتفرق جمعهم فيضعفوا. ([77])

ومن نصب كيد فلأنه مفعول به. ومن قرأ {موهن} فإنه من أوهنته أي جعلته واهنا، ومن شدد فإنه من وهَّنتُه كما يقال: فَرِحَ و فرَّحتُهُ. وكلاهما حسن.([78]) وفي التنوين والنصب مراعاة للفظ والمعنى، أي انسجم اللفظ مع المعنى على اعتبار المفعولية، وهذا يعني أن الله يضعف كيدهم مستقبلا.

ويبدو لي أن قراءة الإضافة أفضل؛ لأنها تعني استمرار إيهان الكيد بالماضي والحاضر والمستقبل، فكأنما وضع قانون جارٍ في أن الكافرين يُحبَط كيدهم منذ الزمن البعيد، وعلى مرِّ الزمان.

ورأى الفراء في قوله (موهنُ كيدِ الكافرينَ) و(بالغ أمره) أن التنوين هو الأصل.([79]) وربما اعتمد في رأيه هذا على أن حالات عمل اسم الفاعل أكثر من حالات عدم إعماله، فهو يعمل إذا عرف بأل وإذا وقع صفةً، أو حالا، أو خبرًا مع دلالته على الحال، أو الاستقبال، فلا يقال: (زيدٌ ضاربٌ عمْرًا أمسِ)، ولا(وحشيٌّ قاتلٌ حمزةَ يومَ أحُد) بل يستعمل ذلك على الإضافة.([80])

الدلالة النحوية للجزم على الشرط:

ومنه قوله تعالى:{يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ}[مريم: 19/6].{يَرِثُنِي وَيَرِثُ}بالرفع الباقون. {يَرِثْنِي وَيَرِثْ}بالجزم أبو عمرو والكسائي.([81]) والحجة عند ابن خالويه لمن قرأ بالجزم أنه جعله جوابا للأمر لأن معنى الشرط موجود فيه يريد: {فإن تهب لي وليا يرثني} والحجة لمن رفع أنه جعل قوله: {يرثني} صفة لولي؛ لأنه نكرة عاد الجواب عليها بالذكر ودليله قوله تعالى: {أنزِلْ علينا مائدة من السماء تكون}ولو قيل: إنه إنما جاز الرفع في قوله يرثني وما أشبهه؛ لأنه حال حل محل اسم الفاعل لكان وجها بينا، ودليله قوله تعالى: قُلِ اللّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهمْ يَلْعَبُونَ }[الأنعام: 6/91] يريد: {لاعبين} وفيه بعض الضعف؛ لأن الأول حال من {ولي} وهو نكرة وهذا حال من الهاء والميم وهما معرفة وقوله تعالى: {يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً }[مريم:19/6] يقرأ بالرفع والجزم عطفا على ما تقدم من الوجهين في أول الكلام.([82])ولم يبتعد الأزهري كثيرًا عن توجيه ابن خالويه إذ وجَّه القراءة بالجزم بأنهما جواب الأمر، والقراءة المشهورة بالرفع بأنه صفة لوليّ، على تقدير: {هب لي من لدنك وليًّا وارثًا} أقيم المضارع مقام الاسم وجُعِلَ حالا. ومثله قوله جلَّ وعزَّ: {وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرْ}[المُدَّثر: 74/6] بالرفع، أيْ: لا تَمْنُنْ مُستكثرًا.([83])

ومنه قوله تعالى: {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُوراً}[الإنسان: 76/9]. روى عباس عن أبي عمرو أنه قرأ: {نُطْعِمْكُمْ} جزمًا. وقرأ سائر القراء: {نُطْعِمُكُمْ} رفعًا.([84]) قال أبو منصور الأزهري: « القراءة: {نُطْعِمُكُمْ}بضمِّ الميم، وما روي عن أبي عمرو فهو من اختياره الاختلاس عند تتابع الحركات ».([85]) وهذا التعليل سبق إليه ابن عطية الأندلسي (ت546هـ)([86]). وقريب منه تعليل الشوكاني للقراءة المتقدمة (يَجْمَعْكُمْ) بسكون العين. وهو تعليل صوتي لا أثر نحويًا له.

3. الدلالة النحوية للجزم عطفًا على اللفظ:

قوله تعالى: {فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ}-[البقرة:2/ 284].قرأ أبو عمرو بالجزم (فَيَغْفِرْ).قال الأزهريّ في توجيه هذه القراءة: « أخبرني المنذريّ عن أحمد بن يحيى وسئل عن قوله: {فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ} من جزم ردَّه على الجزم في قوله (يُحَاسِبْكُمْ). قال: وهو الاختيار عندي. قال: ومن رفع فهو على الاستئناف. قال أبو العباس: إنما اخترت الجزم؛ لأنه يدخل في تكفير الذنوب إذا كان جوابًا لقوله:{إِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ}، ومن رفع لم يجعله جوابًا لهذا الشرط».([87])

والذي جعل أحمد بن يحيى يختار قراءة أبي العلاء بالجزم - فيما نرى- أن هذه القراءة جاءت على الأصل عندهم، وهو العطف على اللفظ، وهو قوله: (يحاسبهم)  لما في الكلام من مشاكلة تنأى به عن التقدير والتأويل. وفي هذا قال الشيخ الطبرسي: « قال أبو علي: وجه قول من جزم أنه أتبعه على ما قبله، ولم يقطعه منه، وهذا أشبه بما عليه كلامهم. ألا ترى أنهم يطلبون المشاكلة، ويلزمونها...فكذلك ينبغي أن الجزم أحسن ليكون مشاكلا لما قبله في اللفظ، وهذا النحو من جعلهم المشاكلة كثير ».([88]) والمشاكلة نفسها كانت حجة القرطبي في تفضيل قراءة أبي عمرو المذكورة بالجزم، وهذا يتجلى في قوله: «...والعطف على اللفظ أجود للمشاكلة ».([89]) فقراءة الرفع المشهورة تقتضي القطع، وهو يقتضي تقدير محذوف، أي: (فهو يغفر، ويعذب).أما قراءة أبي عمرو فلا تقتضي شيئًا من ذلك. وتفضيلهم هذه القراءة لهذا السبب لا يكفي؛ لأن الأسلوب القرآني له خصوصيته وتفرده، فالقطع في القرآن الكريم له ما يسوغه دائما، والرفع في القراءة المشهورة يجعل جواب الشرط جملة اسمية تناسب دوام أثر الحساب على أعمال الخلق الظاهرة والباطنة، أما القراءة بالجزم فهي تكتفي بأن تقرن الحساب بالعمل. والله العالم.

الخاتمة:

بعد هذه الدراسة النحوية لقراءة أبي عمرو بن العلاء ومراجعة كتب القراءات، وطائفة من كتب التفسير، والنحو استعرضت آراء طائفة من النحويين والمفسرين في قراءات أبي عمرو، مدليًا دلوي، مبديا رأيي في المعاني النحوية لقراءاته، وقد توزع رأيي بين تأييد لهذا، ومخالفة لذاك،وترجيح لرأي دون غيره،، وآمل أن أكون في عملي هذا قد تناولت قراءة هذا الرجل من باب مختلف هو باب معاني النحو وما يتعلق به من نحو وإعراب. وأمل أن يمثل هذا البحث إضافة مفيدة لموضوع القراءات القرآنية من جانبها اللغوي التركيبي، بعد أن ابتعدت عمَّا تناوله غيري في دراسته لقراءة أبي عمرو.

إن اختلاف قراءات أبي عمرو من ياء الغائب إلى تاء الغائبة، ومن البناء للمجهول إلى البناء للمعلوم هنا أفاد تحوُّلاً في الإسناد، تبع هذا التحول تحولا في الدلالات النحوية رصده الباحث في مواضعه. فعلى سبيل المثال قوله تعالى:{فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ}[الأحقاف: 46/25] (يُرَى) بياء مضمومة (مساكنُهم) بالرفع، التي قرأ بها يعقوب وحمزة وعاصم وخلف. و(تَرَى) بالتاء وفتحها على الخطاب ونصب (مساكنهم) التي قرأ بها أبو عمرو والباقون. وقراءة أبي عمرو: {لا تَرى إلا مساكنَهم} بفتح التاء ونصب مساكنهم الحجة فيها لمن فتح التاء ونصب أنه جعل الخطاب للرسول صلى الله عليه وآله، ونصب {مساكنهم} بتعدي الفعل إليه، والحجة لمن ضمَّ أنه دل بذلك على بناء ما لم يسم فاعله، ورفع الاسم بعده لأن الفعل صار حديثا عنه. أيْ أنَّ القراءة بالمبني للمعلوم أفادت تحوُّلاً في الإسناد، وجعلت الاهتمام بالحدث وصاحبه معًا خلافا للقراءة المشهورة بالبناء للمفعول التي حصرت الاهتمام بالحدث دون صاحبه.

ثمة قراءات لأبي عمرو لاقت عند طائفة من النحويين والمفسرين قبولا؛ لأنها كفتهم مؤونة التأويل؛ إذ جاءت موافقة لأصول النحو عنهم منها: قوله تعالى: {فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ}-[البقرة:2/ 284].إذ قرأه أبو عمرو بالجزم (فَيَغْفِرْ) إذ إن هذه القراءة جاءت على الأصل عندهم، وهو العطف على اللفظ، وهو قوله: {يحاسبهم} لما في الكلام من مشاكلة تنأى به عن التقدير والتأويل. فالنحويون يرون أن العطف على اللفظ أجود. دون الالتفات إلى خصوصية النص القرآني وأسراره.

والله الموفق وهو المستعان.

المصادر والمراجع

القرآن الكريم
  1. إتحاف فضلاء البشر فى القراءات الأربعة عشر، شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد الغني الدمياطي الشهير بالبناء(ت1117ﻫ)، تحقيق أنس مهرة، الطبعة الأولى دار الكتب العلمية، لبنان، 1419ﻫ - 1998م.
  2. أثر القراءات في الأصوات والنحو العربي، د. عبد الصبور شاهين، ط1، مكتبة الخانجي بالقاهرة 1408ﻫ - 1987م.
  3. إملاء ما من به الرحمن، أبو البقاء العكبري (ت616ﻫ)، الطبعة الأولى،  دار الكتب العلمية، بيروت،  لبنان، 1399 ﻫ- 1979 م.
  4. البحر المحيط، لأبي حيان الأندلسي (ت745ﻫ)، تحقيق الشيخ عادل أحمد عبد الموجود، والشيخ علي محمد معوض، شارك في التحقيق د. زكريا عبد المجيد النوفي، ود. أحمد النجولي الجمل، دار الكتب العلمية، لبنان – بيروت 1422ﻫ - 2001م.
  5. التبيان في إعراب القرآن، العكبري(ت616ﻫ)، أبو البقاء محب الدين عبدالله بن أبي عبدالله الحسين بن أبي البقاء عبدالله بن الحسين العكبري تحقيق: علي محمد البجاوى إحياء الكتب العربية، مصر.
  6. التبيان، لأبي جعفر محمد بن الحسن بن علي الطوسي (ت460ﻫ)، تحقيق أحمد حبيب قصير العاملي، ط 1، أوفسيت من الطبعة البيروتية 1409 ﻫ.
  7. تفسير البيضاوي , ناصر الدين أبو الخير عبد الله بن عمر بن محمد البيضاوي (ت682ﻫ)، دار الفكر، بيروت، (من دون ذكر لتاريخ النشر).
  8. تفسير الثعلبي، للإمام أبي محمد بن عاشور الثعلبي (ت427ﻫ)، مراجعة وتدقيق الأستاذ نظير الساعدي، الطبعة الأولى، دار إحياء التراث العربي، بيروت – لبنان 1422ﻫ - 2002م. (7 أجزاء)
  9. تفسير السمرقندي، أبو الليث السمرقندي(ت383ﻫ)، تحقيق: د. محمود مطرجي، بيروت، دار الفكر.
  10. تفسير مفاتيح الغيب للإمام أبي بكر المعروف بالفخر الرازي (ت606ﻫ) الطبعة الثالثة، مصر.
  11. تهذيب الكمال، للمزي (ت742ﻫ)، تحقيق وضبط وتعليق: الدكتور بشار عواد معروف، الطبعة الرابعة، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان 1406ﻫ - 1985 م.
  12. التيسير في القراءات السبع، الإمام أبو عمرو عثمان بن سعيد بن عثمان بن سعيد بن عمرو الداني(ت444ﻫ)، الطبعة الثانية، دار الكتاب العربي - بيروت - 1404ﻫ - 1984م.
  13. جامع البيان عن تأويل القرآن، محمد بن جرير الطبري (ت310ﻫ)، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت – لبنان 1415ﻫ- 1995م.
  14. الجامع لأحكام القرآن، محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي (ت671ﻫ)، دار إحياء التراث العربي، بيروت – لبنان 1405ﻫ - 1985م. (12 جزءًا)
  15. الجرح والتعديل، للرازي (ت327ﻫ)، ط 1، دار إحياء التراث العربي، بيروت 1372ﻫ - 1952 م.
  16. الجمل، أبو القاسم عبد الرحمن بن إسحاق الزجاجي (ت 337ﮪ)، تحقيق ابن أبي شنب، مطبعة كلنكسيك، ط2، باريس 1957م.
  17. حجة القراءات، عبد الرحمن بن محمد بن زنجلة أبو زرعة (ت403ﻫ) تحقيق: سعيد الأفغاني، الطبعة الثانية مؤسسة الرسالة - بيروت 1402 – 1982.
  18. الحجة في القراءات السبع، ابن خالويه، تحقيق د. عبد العال سالم مكرم، ط4، دار الشروق، بيروت 1401هـ.
  19. الدراسات اللغوية والنحوية في قراءات عبد الله بن أبي إسحاق الحضرمي، د. علي جابر المنصوري
  20. زاد المسير، لابن الجوزي (ت597ﻫ)، تحقيق محمد عبد الرحمن عبد الله، الطبعة الأولى، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت 1407ﻫ - 1987 م.
  21. السبعة في القراءات، أبو بكر أحمد بن موسى بن العباس بن مجاهد التميمي البغدادي (ت243ﻫ)، تحقيق: د. شوقي ضيف، الطبعة الثانية، دار المعارف، القاهرة 1400ﻫ.   
  22. فتح القدير بين فني الرواية والدراية من علم التفسير، للشوكاني محمد علي بن محمد(1255ﻫ، أو1250ﻫ)،  طبعة عالم المعرفة (من دون ذكر لتاريخ النشر).
  23. الفعل زمانه وأبنيته، د. إبراهيم السامرائي، الطبعة الثانية، مؤسسة الرسالة بيروت 1400هـ - 1980م.
  24. كتاب سيبويه، أبي بشر عمرو بن عثمان بن قنبر(ت180ﻫ)، تحقيق وشرح عبد السلام محمد هارون، ط1، دار الجيل، بيروت، (من دون ذكر لتاريخ الطبع).
  25. مجمع البيان الشيخ الطبرسي (ت548ﻫ) تحقيق وتعليق لجنة من العلماء والمحققين الأخصائيين، تقديم: السيد محسن الأمين العاملي، الطبعة الأولى، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات - بيروت – لبنان،  1415ﻫ - 1995 م.
  26. المحتسب في تبيين وجوه شواذ القراءات والإيضاح عنها، لأبي الفتح عثمان بن جني (ت392ﻫ)،  بتحقيق علي النجدي ناصف والدكتور عبد الحليم النجار والدكتور عبد الفتاح إسماعيل شلبي، لجنة إحياء كتب السنة، القاهرة 1424ﻫ - 2004م.
  27. المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، ابن عطية الأندلسي (ت546ﻫ)، تحقيق عبد السلام عبد الشافي محمد، الطبعة الأولى، دار الكتب العلمية، لبنان – بيروت 1413ﻫ - 1993م.
  28. مشكل إعراب القرآن، مكي بن أبي طالب القيسي، تحقيق: د. حاتم صالح الضامن، الطبعة الثانية، مؤسسة الرسالة – بيروت، 1405ه.
  29. معالم التنزيل، لأبي محمد الحسين بن مسعود البغوي (ت510ﻫ، أو 516ﻫ) تحقيق: خالد عبد الرحمن العك، بيروت - دار المعرفة (من دون ذكر لتاريخ النشر).
  30. معاني القراءات، تصنيف الشيخ الإمام العلامة أبي محمد بن أحمد الأزهري (ت 370ﻫ)، حققه وعلق عليه الشيخ أحمد فريد المزيدي، الطبعة الأولى، منشورات محمد علي بيضون، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان 1420 ﻫ - 1999 م.
  31. مغني اللبيب عن كتب الأعاريب، ابن هشام الأنصاري (ت671ﻫ)، قدم له ووضع حواشيه وفهارسه حسن حمد، أشرف عليه وراجعه د. أميل بديع يعقوب، الطبعة الأولى، منشورات محمد علي بيضون، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان 1418ﻫ - 1998 م.
  32. المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني أبي القاسم الحسين بن محمد (ت502ﻫ)، تحقيق صفوان عدنان داودي، ط2، دار القلم بدمشق والدار الشامية ببيروت 1422ﻫ - 1997 م.
  33. المفصَّل في صنعة الإعراب، تأليف أبي القاسم جار الله محمود بن عمر الزمخشري (ت 538ﻫ)، قدم له ووضع هوامشه وفهارسه الدكتور أميل بديع يعقوب، الطبعة الأولى، دار الكتب العلمية 1420ﻫ - 1999م.

النشر في القراءات العشر، لابن الجزري (ت833ﻫ)، أشرف على تصحيحه ومراجعته علي بن محمد الضبع شيخ عموم المقارئ المصرية، دار الكتب العلمية، بيروت لبنان (من دون ذكر لتاريخ النشر).

 

[1]- السبعة في القراءات ، لأبي بكر بن مجاهد: 84.

[2]- المصدر نفسه: 81.

[3]- الفعل زمانه وأبنيته، د. إبراهيم السامرائي: 15.

[4]- كتاب الجمل، للزجاجي: 17.

[5]- المفصل في صنعة الإعراب: 311.

[6]- ينظر: الفعل زمانه وأبنيته: 18.

[7]- معاني القراءات ، أبو منصور الأزهريّ : 51 .

[8]- النشر في القراءات العشر، ابن الجزري : 2 / 245.

[9]- المحتسب ، لأبي الفتح عثمان بن جني : 1/ 146.

[10]- ينظر: معاني القراءات، لأبي منصور الأزهري: 91، ومجمع البيان، للطبرسي: 2/ 213.

[11]- ينظر: السبعة في القراءات: 279، وحجة القراءات: 280.

[12]- ينظر: حجة القراءات ، لابن أبي زرعة (ت403هـ) :1 /  462.

[13]- ينظر: حجة القراءات: 1 / 463.

[14]- معاني القراءات: 335.

[15]- ينظر: حجة القراءات، لأبي زرعة:  1/ 499.

[16]- ينظر: المصدر نفسه: 500.

[17]- ينظر: المصدر نفسه ، والصحيفة نفسها.

[18]- المحتسب: 2 / 229.

[19]- المصدر نفسه:1 / 237 - 238.

[20]- ينظر: النشر في القراءات العشر لابن الجزري: 2/ 413.

[21]- ينظر: الحجة في القراءات السبع: 327.

[22]- مجمع البيان، للطبرسي: 7 / 248.

[23]- ينظر:معاني القراءات: 191– 192.

[24]- ينظر:معاني القراءات : 220.

[25]- ينظر: السبعة في القراءات، لابن مجاهد (ت324هـ) : 279، ومعاني القراءات : 473، والنشر: 2/420.

[26]- معاني القراءات: 473.

[27]- ينظر: حجة القراءات لأبي زرعة : 631.

[28]- ينظر: السبعة في القراءات: 393، ومعاني القراءات: 268.

[29]- ينظر:حجة القراءات لأبي زرعة: 593.

[30]- ينظر: كتاب معاني القراءات: 480.

[31]- ينظر: مجمع البيان: 9/ 384 – 385.

[32]- ينظر: حجة القراءات لأبي زرعة: 698.

[33]- ينظر: السبعة في القراءات: 529، وكتاب معاني القراءات : 392.

[34]- ينظر: معاني القراءات : 397.

[35]- ينظر: معاني القراءات : 167.

[36]- ينظر: تفسير الرازي: 13/ 166.

[37]- ينظر: جامع البيان، للطبري: 13/ 207، ومعاني القراءات: 232- 233، وتفسير السمرقندي(ت383ه):2/229، والتبيان للطوسي(ت410هـ):6/ 256، ومجمع البيان للطبرسي (ت548هـ): 6/ 42، وزاد المسير لابن الجوزي (ت597هـ): 4/ 246 .

[38]- جامع البيان: 13/ 211.

[39]- ينظر : تفسير القرطبي: 9 / 323.

[40]- ينظر: معاني القراءات: 268.

[41]- ينظر: مجمع البيان : 6 / 350.

[42]- هو مطرف بن معقل أبو بكر الشقري السعدي روى عن الحسن  والشعبي وابن سيرين وقتادة ، روى عنه عبد الصمد بن عبد الوارث. ينظر: الجرح والتعديل للرازي: 8/313.

[43]- هو معروف بن مُشكان بن عبد الله بن فيروز مولى عامر بن نفيل الكندي المكي، أبو الوليد المقرئ من أبناء فارس، الذين بعثهم كسرى في السفن لطرد الحبشة. قرأ على ابن كثير، وقرأ عليه إسماعيل بن قسطنطين، وعليه مدار رواية قنبل. ولد سنة (100هـ)، وتوفي سنة (165هـ) تهذيب الكمال للمزي: 28/271.

[44]- ينظر: السبعة في القراءات: 534 ، والتبيان للطوسي: 8/ 429.

[45]- الحجة في القراءات السبع :296 .

[46]- ينظر: حجة القراءات السبع :592 .

[47]- ينظر: نفسه : 541، والنشر في القراءات العشر: 2 / 440.

[48]- قيل في الضريع : إنه يبيس الشبرق، وقيل نبات أحمر منتن الريح يرمى به البحر . مفردات غريب القرآن: 1/ 295 .

[49]- ينظر: السبعة في القراءات: 60 ، والتيسير : 129 ، والتبيان للطوسي: 9/301 والإتحاف: 704 .

[50]- ينظر: أثر القراءات في الأصوات والنحو العربي، د. عبد الصبور شاهين نقلا عن مفردات الداني مخطوط: 48 – 49.

[51]- ينظر: معاني القراءات : 451.

[52]- ينظر: حجة القراءات لأبي زرعة : 667 – 668 .

[53]- ينظر: مغني اللبيب، 2 / 165- 179 .

[54]- مجمع البيان للشيخ الطبرسي (ت 548ھ) : 2 / 111.

[55]- جامع البيان، ابن جرير الطبري(ت 310ھ) : 2 / 674 .

[56]- معاني القراءات، لأبي منصور الأزهري : 77 - 78 .

[57]- التبيان، للشيخ الطوسي : 4 /  107.

[58]- ينظر: كتاب سيبويه : 3 / 44 .

[59]- ينظر: الدراسات اللغوية والنحوية في قراءات عبد الله بن أبي إسحاق الحضرميّ(29 – 117هـ): 187– 188.

[60]- ينظر: حجة القراءات، لأبي زرعة : 563، والتيسير في القراءات السبع : 116 .

[61]- ينظر: معاني القراءات : 377 .

[62]- ينظر: معاني القراءات : 377، وحجة القراءات لأبي زرعة : 563،  ومشكل إعراب القرآن ، لمكي بن أبي طالب القيسي (ت437ه) : 2 / 564 .

[63]- ينظر: معاني القراءات : 377، والتيسير : 116.

[64]- ينظر: معاني القراءات : 427، والتيسير : 124.

[65]- ينظر: جامع البيان للطبري: 2/ 83، ومعاني القراءات: 427، وحجة القراءات لأبي زرعة: 631، والتبيان للطوسي: 9/77، والبغوي: 4/98، ومجمع البيان: 8/442، والرازي: 27/67، والقرطبي: 15/315، والبيضاوي: 5/ 93.

[66]- ينظر: السبعة في القراءات: 191.

[67]- معاني القراءات، لأبي منصور الأزهري: 89 .

[68]- ينظر: تفسير الثعلبي (ت 427هـ): 2/ 273.

[69]- ينظر: تفسير البيضاوي: 571.

[70]- ينظر: النشر في القراءات العشر، لابن الجزري: 2/274.

[71]- ينظر : التبيان، للشيخ الطوسي : 2/ 512.

[72]- تفسير الرازي: 3/ 12.

[73]- ينظر: مجمع البيان، للطبرسي(ت548ھ): 2/ 135، وإملاء ما منَّ به الرحمن، للعكبري (ت 616ھ): 102، وزاد المسير، لابن الجوزي (ت597ھ): 255، والبحر المحيط، لأبي حيان (ت745ھ): 2/ 261.

[74]- ينظر: التبيان، للشيخ الطوسي: 2/ 285

[75]- ينظر: التبيان، للشيخ الطوسي: 3/ 553

[76]- ينظر: السبعة في القراءات: 305، ومعاني القراءات: 199.

[77]- ينظر: الجامع لأحكام  القرآن للقرطبي:  7/386 .

[78]- ينظر: مجمع البيان: 4/446.

[79]- الجامع لأحكام القرآن للقرطبي: 19/210 .

[80]- ينظر: المفصل في صنعة الإعراب، لجار الله الزمخشري: 282 .

[81]- ينظر: السبعة في القراءات: 407، معاني القراءات: 281، والتبيان للطوسي: 7/103، والنشر: 356.

[82]- ينظر: الحجة في القراءات السبع : 235 .

[83]- ينظر: معاني القراءات : 281.

[84]- ينظر: السبعة في القراءات : 663، كتاب معاني القراءات: 520 .

[85]- معاني القراءات : 520 .

[86]- ينظر: المحرر الوجيز: 5/ 411.

[87]- معاني القراءات، لأبي منصور الأزهري: 93 .

[88]- مجمع البيان: 2 / 225.

[89]- تفسير القرطبي: 3/ 424 .