تصنیف البحث: القانون
من صفحة: 160
إلى صفحة: 191
النص الكامل للبحث: PDF icon 180421-162858.pdf
البحث:

خطة البحث

المقدمة

المبحث الاول:- أنظمة الاجراءات الجنائية في القضاء الدولي الجنائي

      المطلب الأول:- التعريف بأنظمة الاجراءات الجنائية

      المطلب الثاني:- النظام الاتهامي ومدى الاخذ بهفي القضاء الدولي الجنائي

      المطلب الثالث:- نظام التحري والتنقيب ومدى الاخذ به في القضاء الدولي الجنائي

المبحث الثاني:- الجهات المختصة بمباشرة اجراءات التحقيق

      المطلب الاول:- الادعاء العام

      المطلب الثاني:- دوائر المحكمة

      المطلب الثالث:- اللجان الخاصة

المبحث الثالث:- اجراءات الدعوى الجزائية في مرحلة التحقيق في القضاء الدولي الجنائي

      المطلب الاول:- تحريك الدعوى

      المطلب الثاني:- اهم الاجراءات في مرحلة التحقيق

      المطلب الثالث:- الكشف المتبادل عن الادلة في نهاية التحقيق

الخاتمة

مقدمة

يعد موضوع أقامة جهاز قضائي دولي ذا اختصاص جنائي من الموضوعات التي طالما استحوذت على اهتمامالفقهاء والكتاب التقليديين والمحدثين في ميدان القانون الدولي بل وحتى في ميدان القانون الجنائي، وقد دل التطور التاريخي لانشاء هذا الجهاز بما لا يثير الشك على تبلور فكرة انشاءهعبر مراحل متعاقبة ظهرت بشكل بارز في عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية حيث أنشئت محاكم لمعاقبة مرتكبي الجرائم وهي محاكم، نورمبرغ وطوكيو وان اصطبغت بصبغة عسكرية.

تلى ذلك وبعد فترة ليست بالقصيرة أنشاء محاكم خاصة لمحاكمة مرتكبي الجرائم في بعض الاقاليم التي شهدت نزاعات مسلحة فظهرت الى الوجود محاكم يوغسلافيا السابقة ورواندا لمحاكمة مرتكبي جرائم الحرب في اقاليم كل من هاتين الدولتين ومع ذلك بقيت هذه المحاكم محاكم خاصة، وبقيت تجربة قاصرة بسبب الولادة الضعيفة لهاتين المحكمتين.

ثم توج هذا التطور بأنشاء محكمة جنائية الاساسي دولية دائمة في عام 1998 باقرار نظام روما، وقد دخلت هذه المحكمة الى الميدان العملي من خلال احالة الجرائم المرتكبة في السودان وتحديدا في اقليم (دار فور) للمحكمة المذكورة ومحاسبة مقترفي هذه الجرائم، بوصفها جرائم أبادة جماعية تدخل ضمن الاختصاص الموضوعي للمحكمة أعلاه.

يثير الجهاز القضائي في نطاق القانون الدولي الكثير من التساؤلات والاشكاليات ابتدا من التسمية فهل هو قضاء دولي جنائي ام قضاء جنائي دولي،وقد يخطى من يظن بان الاختلاف في ا لتسمية لا يعني شي، فالاختلاف هنا يعني الشيء الكثير,فقهاء القانون الدولي يرون بانه قضاء دولي جنائي، في حين ان بعض فقهاء القانون الجنائي يرون انه قضاء جنائي دولي.

 ومن الاشكالات الاخرى التي يثيرها القضاء الدولي الجنائي هو، كيف يمكن تنفيذ احكام هذا القضاء، وهل هناك جهاز دولي للتنفيذ، ايضا كيف يتعامل هذا القضاء مع العقبة الاكبر في القانون الدولي وهي (السيادة الوطنية)، ولعل من اهم الامورالتي يثيرها هذا القضاء والتي تتعلق بمراحل الدعوى المنظورة امام القضاء المذكور، وهل هناك مرحلة تحقيق([1]) فيها ام ان مرحلة التحقيق غير موجودة في ظل القضاء الجنائي، واذا كانت موجودة فمااجراءاتها ومن يتولاها وهل هناك جهاز متخصص في ظل القضاءالدولي الجنائي لمباشرة هذه المرحلة، واذا وجد فماالصلاحيات الممنوحة له وكيف يباشرها وان لم يوجد فمن يباشر مرحلة التحقيق والتي يسميها البعض مرحلة ما قبل المحاكمة، وما هو نظام الاجراءات الذي تبناه القضاء الدولي الجنائي هو النظام الاتهامي الانكلوسكسوني ام النظام المسمى بنظام التحري (التنقيب اللاتيني)، وهذه النقطة ايضا مثار جدل.

مبررات بحث الموضوع:-

كل هذه الاسباب ولاسباب اخرى ولاهمية مرحلة التحقيق كمرحلة من مراحل الدعوى الجزائية والتي يتم فيها اعداد الادلة القانونية الصحيحة وتقديمها بين يدي القضاء المتخصص بالحكم والفصل، ولان اغلب من بحث هذا الموضوع ودخل في تفاصيل واجراءات الدعوى الجزائية المنظورة امام القضاء المذكور، لم يتطرق بالتفصيل لهذه المرحلة او سلموا تماما بما سبق ان توصل اليه غيرهم من نتائج، ولمسنا من الاطلاع على اغلب هذه البحوث انهم يتوسعون اكثر في مرحلة المحاكمة ويكتفون بالاشارة الى مرحلةالتحقيق اشارت بسيطة بل وحتى يتجنبون الاشارة اليها تحت تسمية (مرحلة التحقيق) بل يسمونها بـ (مرحلة ما قبل المحاكمة) لكل هذه المبررات ولاجل الاستزادة في المعلومات عن هذه المرحلة اخترنا هذا الموضوع أي موضوع (مرحلة التحقيق في القضاء الدولي الجنائي) كموضوع لهذا البحث، رغم ما احاط بحث هذا الموضوع من عقبات تتجلى بغموض هذه المرحلة واختلاطها بمرحلة المحاكمة،وقد حاولنا دراسة هذة المرحلة في اكثر من نظام اساسي فقد حاولنا بحث كل نقطة من نقاط هذا الموضوع في ثلاثة انواع من المحاكم وهي المحاكم العسكرية (نور مبرغ وطوكيو) والمحاكم الخاصة (يوغسلافيا السابقة ورواندا) والمحكمة الدائمة (محكمة روما).

خطة البحث:ـ

تقسم خطة البحث على ثلاثة مباحث تليها خاتمة وعلى النحو الاتي:-

 المبحث الاول:- فسوف نكرسه لدراسة نظام الاجراءات الجنائية المتبعفي القضاء الدولي الجنائي وسنبدأ المبحث المذكور بالتعريف بهذه الانظمة ثم مدى الاخذ بالنظام الاتهامي في القضاء الدولي الجنائي، ثم مدى الاخذ بنظام التحري والتنقيب في القضاء الدولي الجنائي وذلك على ثلاثة مطالب.

المبحث الثاني:- وسنتناول فيه الجهات المختصة بمباشرة اجراءات مرحلة التحقيق، بدءاً من الادعاء العام مرورا بدوائر المحكمة وانتهاءا باللجان الخاصة وعلى مطالب ثلاثة

اما المبحث الثالث:- فسنتناول فيه اجراءات الدعوى الجزائية في مرحلة التحقيق وسنتناول فيه تحريك الدعوى واهم اجراءات الدعوى بعد تحريكها ثم الكشف عن الادلة بعد انتهاء مرحلة التحقيق، وذلك على ثلاثة مطالب.

ونختم البحث بخاتمة تتضمن اهم الاستنتاجات والاقتراحات التي ستكون حصيلة بحث هذه الموضوع والتي نعتقد بان من شأن إيرادها جعل هذه المحاكم اكثر دقة وعدالة وفعالية.

واخيرا نورد حديث سيد الانبياء (ص) "اذا حكم الحاكم فاجتهد ثم اصاب فله اجران، واذا حكم فاجتهد ثم اخطا فله اجر) والحمد لله ولي الحمد.

الباحثان

المبحث الاول: أنظمة الاجراءات الجنائية في القضاء الدولي الجنائي

كي نتمكن من الاطلاع على حقيقة مرحلة التحقيق في القضاء الدولي الجنائي، لابد لنا بادئ ذي بدء من ان نكون تصورا عن انظمة الاجراءات الجنائية المتبناة في ظل القضاء الدولي الجنائي والتعرف عن كثب على النظام الاجرائي الذي ساد هذا القضاء بمحاكمه المختلفة.

ومن المعروف ان هناك نوعين من الانظمة الاجرائية المختصة في العالم وهما النظام الاتهامي ونظام التحري والتنقيب، وسوف نحاول في هذا المبحث التعرفعلى هذين النظامين وخصائصهما ومدى اخذ القضاء الدولي الجنائي بهما وذلك على ثلاثة مطالب متتالية.

المطلب الاول: التعريف بانظمة الاجراءات الجنائية

ذكرنا من قبل ان القوانين الجنائية الاجرائية عرفت ثلاثة انواع من انظمة الاجراءات الجنائية هي النظام الاتهامي ونظام التحري والتنقيب و نظام ثالث وهو النظام المختلط([2]).

ولكننا نرى ان النظام الثالث في الحقيقة ما هو الا مزاوجةواقتباس من النظامين السابقين وتكوين حالة وسط وليس نظام مستقل قائم بذاته وعلى الرغم من اهمية هذا النظام الا انة ليس نظام مستقل ذو قواعد خاصة، وفيما يلي سنبين كل من النظامين الرئيسين:-

الفرع الأول: النظام الاتهامي(الانكلوسكسوني)

يعد هذا النظام من اقدم انظمة الاجراءات الجنائيةوقد كان سائدا في العصور القديمة([3]).

يستمد هذا النظام تسميتة من الجهة التي تضطلع بمحاكمة المتهم وملاحقته وهي (جهة الاتهام)، فالقضية منذ بدايتها حتى نهايتها تدور بين المتهم وهو الشخص الملاحق وبين خصمه الذي يتهمه بارتكاب الجريمة وهي جهة الاتهام، وقد عرفت الشعوب القديمة هذا النظام اذ عرفه الرومان واليونانيين، كما كان سائدا في اوربا في العصور الوسطى و لا تزال بعض البلدان تاخذ به كما هو الحال في البلدان الانكلوسكسونية.

مقتضى هذا النظام هو ان يتقدم المدعي الى القاضي بطلب توقيعه الجزاء على المدعى عليه وذلك لارتكابه لفعل يعاقب عليه القانون لذا لابد من ان ينال هذا الشخص جزاء لما اقترفت يداه، ويدعم المدعي حقه بما هو موجود لديه من ادلة، والمدعى عليه له الحق في ان ينفي هذه الادلة بكل الوسائل المتوافرة لديه([4]).

ان النظام الاتهامي ينسجم الى درجة كبيرة مع الانظمة الديمقراطية لانه يسمح لعدد كبير من المواطنين بالمساهمة في الشؤون العامة ويحفظ مكان مهم للفردولحقوقه في العلاقات القائمة في اطار الدولة وهو يمنحالمدعي الحرية الكاملة في اثباتدعواه بمختلف الادلة دون تحديدادلة معينة وفي المقابل يمنح المدعى عليه ذات الحرية في اثباتبراءته بمختلف الوسائل، يلاحظ بان تحريك الدعوى في ظل النظام الاتهامي يكون منوط بجهة الاتهام، إذ لابد من وجودجهة تتهم وتطلب من السلطة العامة التدخل، ويلاحظ ان الجهة التي تقوم بمهمة الاتهام في ظل النظام الاتهامي ليست واحدة في كل المراحل التي مر بها هذا النظام في تطوره، ففي المراحل الاولى كان تحريك الدعوى ومباشرتها يقع على عاتق الضحية، فهو الذي يتولى بنفسه مهمة مباشرة اجراءات الدعوى([5]).

 وكان الغرض الاول والاخير للضحية هو معاقبة الجاني والانتقام منه او الحصول على تعويض للضرر الذي لحق به، الا ان التطبيق لهذه الالية كشف عن مبادئ كثيرة، فالمجنى عليه لم يكن تواق دائما لتحريك الدعوى لعدم رغبته في ذلك تارة او لخوفه من انتقام الجاني تارة اخرى لاسيما اذا كان الجاني من ذوي السطوة والنفوذ وقد ادت هذه الاعتبارات في كثير من الاحيان الى افلات الجاني من العقاب، لذا جاء التطور التالي في هذا النظام، فظهرت الى الوجود جهة جديدة تتولى عملية الاتهام وهي (جهة الاتهام) حيث يلجئ اليها اصحاب العلاقة فتقوم بمباشرة الدعوى حتى نهايتها ولكي لا تقصر هذه الجهة بواجباتها، نجد ان الرومان الذين طبقوا هذه الطريقة كانوا يلجئون الى تحليف الشخص الذي يباشر هذه الوظيفة, اليمين بان يباشر القضية المعروضة امامه من بدايتها حتى نهايتها، بعد ذلك ظهر في فرنسا ما يسمى بـ (المدعي العام) الذي كان يضطلع بتحريك الدعوى الجزائية، ولكن يلاحظ ان دور المدعي العام وظهوره في الدعوى لم ينفي دور وظيفة الاتهام الخاصة والمقصود بها هنا المجنى عليه او المتضرر من الجريمة فكل منهم يمتلك حقا في مباشرة دعواه([6]).

طبقا لما تقدم يمكننا القول ان اهم خصائص النظام الاتهامي تتلخص بالاتي:-

  • يمتاز النظام الاتهامي بصفة العمومية وكذلك العملية فهو يحاول اشتراك الشعب في اجراءات الدعوى، ويجعل المتهم هو الذي يقوم بالمحاولة بالتحقيق وتحريك الدعوى، أي ان هذا النظام يعطي للشعب دور كبير فهو لا يهتم بالاجراءات الفنية بقدر اهتمامه بالنتيجة وهي معاقبة الجاني وحصول المجنى عليه على حقوقه، وتهدئة روع الجماهير من الجريمة الحاصلة.
  • يعطي هذا النظام حقوقا كبيرة للمتهم ويجعله في نفس مرتبة المدعي والمرافعات تكون شفوية علنية وبحضور الطرفين، ودور القاضي سلبي فهو لا يتدخل في تحقيق الادلة انما يقوم به الطرفان، ودور القاضي هو الحكم بعد اقتناعه بالادلة التي ساقها الطرفان، وغالبا ما يستند في تكوين رايه الى هيئة من المحلفين.
  • الصفة التناقضية:- أي ان كل من المتهم والخصم يواجه احدهما الاخر فيتجادلان ويتناقشان على قدم المساواة امام حكم غير متحيز، وينبغي ان يكشف كل من الخصمين عن ادلته للاخر قبل المحاكمة.
  • ان النظام ألاتهامي تكون فيه الدعوى الجزائية مرحلة واحدة أي مرحلة المحاكمة فقط اما مرحلة التحقيق في النظام ألاتهامي فهي غير واضحة حيث انه يتم في مرحلة المحاكمة انجاز اغلب اعمال الدعوى كاستجواب الشهود والمتهمين واخذ راي الخبراءوغيرها من الاجراءات، الامر الذي دفع البعض الى القول بعدم وجود مرحلة التحقيق في النظام الاتهامي([7])ونعتقد بان مرحلة التحقيق في ظل النظام الاتهامي هي ليست كما يرى البعض غير موجودة، فهذا القول يتنافى مع الحقيقة الثابتة حتى في ظل بعض الانظمة التي تبنت النظام الاتهامي كانكلترا والولايات المتحدة

الفرع الثاني: نظام التحري والتنقيب

وهو النظام الثاني من انظمة الاجراءات الجنائية، وهذا النظام على النقيض من النظام الاول، فيه تتولى الدولة مباشرة اجراءات الدعوى، وهي التي تقيد من حرية المتهم وتحاول اثبات الجرم عليه، ويهتم هذا النظام بالجانب الفني قدر الامكان بحيث ان الاجراءات يجب ان تسير وفق شكلية معينة، ومخالفة هذه الشكلية قد يقيد اجراءات الدعوى، وهذا النظام في بدايته كان يعتمد على الاعتراف باعتباره الدليل الاساسي ويسعى لانتزاعه بكل السبل([8])

يستمد هذا النظام تسميته من المرحلة الاولى من مراحل الدعوى الجزائية وهي مرحلة التحري وطبيعة الاستدلالات، وكانت له آثار واضحة في الانظمة الرومانية واليونانية القديمة، وفي فرنسا نشأ هذا النظام تحت ظل القانون والقضاء الكنسي, ثم اعتبر بعد ذلك في قضاء الدولة العلماني.

في عهد الامبراطورية الرومانية اتبع هذا النظام باعتباره اجراء غير عادي يتخذ بالنسبة للعبيد والمنتمين الى الطبقة السفلى، فكانت الدولة هي التي تتبنى مباشرة الاجراءات الجنائية، ولم يكن للاعتراف عند الرومان قوة ملزمة بل كان يترك التقدير القاضي، وانتقل هذا النظام بعد ذلك الى العصور الوسطى حيث تبناه في فرنسا رجال الدين وادخلوه الى المحاكم الكنيسة، بعد ذلك امتد الى المحاكم الملكية التي امتد اختصاصها واتسع، بل الاكثر من ذلك فقد تخصص بعض القضاة لمباشرة اجراءات الدعوى الجزائية ابتداءا باسم المجتمع ولصالحه، حيث صدر عدة مرات في فرنسا اوامر تنظم الاجراءات امام المحاكم استنادا الى هذا النظام، فصدر الاول عام 1539، ثم صدر الثاني في عهد لويس الرابع عشر سنة 1670، وكل هذه الاوامر تبنت نظام التحري والتنقيب.

وكانت الدعوى الجزائية بمقتضى هذا النظام تمر بثلاثة مراحل:-

الاولى:- مرحلة التحريات فيها يتم دخول اولى المعلومات عن الجريمة الى الجهة المختصة وبداية لجمع المعلومات عن الجريمة.

الثانية:- مرحلة التحقيق وهي مرحلة اعداد الدليل القانوني والبحث عن المتهمين وجمع ادلة ادانتهم او برائتهم على السواء.

الثالثة:- مرحلة المحاكمة وهي مرحلة مناقشة الادلة واعطاء الحكم([9]).

من كل ذلك يمكننا القول انه في ظل نظام التحري والتنقيب فان الدعوى الجزائية تصل الى المحاكمة وهي على وشك النهاية فقد اتضحت الصورة تماما فالجهات المختصة بالتحقيق تقوم باعداد الادلة القانونية الموثوقة عن الجريمة والمجرم وبناء على كفاية او عدم كفاية هذه الادلة يتم احالة القضية للمحاكمة.

يتضح من ذلك ان نظام التحري والتنقيب يمتاز الصفات الاتية:

  • ان نظام التحري والتنقيب يتفق مع النظام السياسي المركزي، حيث تقدم فيه مصلحة الدولة على مصلحة الافراد، وان الدولة هي صاحبة الحق الاول في مقاضاة المجرمين وملاحقتهم لا لاخذ حق الافراد الذين اعتدى عليهم بل من اجل اخذ حق المجتمع.
  • ان هذا النظام يغلب عليه الطابع الفني والعاملون في التحقيق يجب ان يكونوا في جميع الاحوال متخصصين ولديهم معلومات قضائية كافية.
  • تبرز في ظل هذا النظام مرحلة التحقيق بصورة جلية وتعد المرحلة الاساسية وتصبح مرحلة المحاكمة هي المرحلة المتخصصة حيث ان الادلة يتم اعدادها وتجهيزها في مرحلة التحقيق وتقتصر مرحلة المحاكمة على النظر في هذه الادلة واصدار الاحكام.
  • ان اجراءات التحقيق في ظل هذا النظام تكون سرية والاجراءات كتابية ولا تقوم على اساس المناقشة، ويلعب القاضي فيها دورا ايجابي كما ان المتهم في ظل هذا النظام لا يكون على قدم المساواة مع جهة الاتهام انما يكون هو الطرف الضعيف.

تلك اهم الانظمة الاجرائية المتبعة في النظم الداخلية، و سنحاول في المطلبين التاليين بيان أي النظامين تم تبينه من قبل المحاكم الدولية الجنائية، وذلك عن طريق استجلاء اهم ما تميزت به مرحلة التحقيق من خصائص ومدى مطابقة هذه الخصائص لما تميز به كلا النظامين السابقين من صفات.

المطلب الثاني: موقف القضاء الدولي الجنائي من تبني النظام الاتهامي

لبيان مدى اخذ القضاء الدولي الجنائي أي المحاكم الدولية الجنائية المختلفة بنظام الاتهام، لابد لنا من بيان مدى انطباق الخصائص التي تميز بها النظام الاتهامي على مرحلة ما قبل المحاكمة (التحقيق) في القضاء الدولي الجنائي، وهذا يعني استعراض مواقف المحاكم الدولية الجنائية من هذا النظام ابتداءا بمحاكم نورمبرغ وطوكيو([10]), ومرورا بمحاكم يوغسلافيا السابقة السابقة ورواندا([11])، انتهاءا بالمحكمة الدولية الجنائية الدائمة([12]) وعلى النحو الاتي:-

أولا:- صفة العمومية ومدى تحققها في القضاء الدولي الجنائي.

ان لصفة العمومية فضلا عن كون الاجراءات التي تتخذ في مرحلة التحقيق هي اجراءات معلنة ومعروفة معنى اخر وهو اشتراك الشعب بالاجراءات المتخذة وان يكون هدف هذه الاجراءات هو الجمهور وذلك عن طريق تهدئة وطمأنينة نفوس افراد المجتمع عن طريق تتبع الجريمة ومعاقبة مرتكبها، ونجد ان هذه العمومية متحققة في ظل القضاء الدولي الجنائي وبكيفيات مختلفة.

ففي ظل محكمة نورمبرغ ومحكمة طوكيو، حرص الحلفاء في ذلك الوقت على اضفاء طابع العمومية على محكمتهم، وقد حاولوا من خلال هذا النهج اعطاء فكرة عن ان محاكمات نورمبرغ وطوكيو هي في الحقيقة ليست محاكم المنتصر والمهزوم، انما هي محاكمة مجرمي الحرب من قبل شعوب الامم جميعها عن الجرائم التي ارتكبها هؤلاء المجرمون، وان غايتها هي ارجاع الضمير العالمي والراي العام الذي تاثر من مثل هذه الجرائم، بل الاكثر من ذلك حاول الحلفاء جعل الية تشكيل هذه المحاكم تميل الى العلنية فنصت المادة (5) من اتفاقية لندن "بوسع حكومات جميع الامم الانظمام الى هذه بواسطة اشعار يرسل بالطرق الدبلوماسية الى حكومة المملكة المتحدة...."([13]).

وفي الحقيقة فان اباحة الانضمام الى هذه الاتفاقية لجميع الدول يستفاد منه محاولة اضفاء الطابع العام لهذه المحاكمات، ويعزز ذلك ما اشارت اليه المادة (3) من ميثاق محكمة نورمبرغ الذي اشار الى ان القضاة في المحكمة يعدون اشخاص تجردوا من قوميتهم واصبحوا امميين، وان القاضي لا يمثل الا مصالح العدالة مع استبعاد كل اعتبار اخر ذي طابع سياسي او وطني([14]).

كذلك ما أشارت اليه القاعدة (4) الفقرة (ب) من قواعد الاجراءات والاثبات الخاصة بمحكمة نورمبرغ حيث نصت "اذا لم يكن الشاهد او الوثيقة موجودة في القطاع الخاضع لسلطات الاحتلال عندئذ تستطيع المحكمة ان تطلب من الموقعين والحكومات المنظمة ان تقوم بما يلزم سواء للاستماع للشهادات بالنيابة او استنساخ الوثائق حسب الامكان مما تقدر المحكمة انه ضروري ويستفيد منه الدفاع"([15]).

اما من حيث علنية الاجراءات، فالملاحظ ان الاجراءات في ظل محكمة نورمبرغ هي علنية ومكتوبة، فنجد ان المادة (15) الفقرة (ب) من ميثاق المحكمة نشير الى امكانية كتابة شهادة الشاهد بالنص "هذا وتقبل المحكمة الشهادات الاخرى مكتوبة..." كما يمكن القول الى ان اغلب الاجراءات امام المحكمة هي مكتوبة وتدل على ذلك لائحة قواعد الاجراءات والاثبات فقد خصصت القاعدة (1) لمسالة حفظ الوثائق والقاعدة (9) للوثائق الخطيرة وهذا يعني ان اغلب الاجراءات كانت تتم كقاعدة عامة بالاستناد للوثائق وليس شفاها كما يشترط ذلك النظام الاتهامي([16]).

ونفس الحكم ينطبق على المحاكم الجنائية الدولية الخاصة بيوغسلافيا السابقة ورواند، فصفة العمومية متحققة اصلا في الغاية من انشاء هذه المحاكم الخاصة فانشاء هذه المحاكم كان وحسب ما يراه مجلس الامن هو تدبير من التدابير التي يتخذها مجلس الامن استنادا الى الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة، ذلك من اجل الحفاظ على السلم والامن الدوليين، ولا شك في كون هذا الهدف هو هدف عام يهم كل الشعوب بالدرجة الاساس ولهذا فان انشاء هاتين المحكمتين لمحاكمة مجرمي الحرب في يوغسلافيا ورواندا هو هدف عام يتعلق بالمحافظة على السلم والامن الدوليين ([17]).

اما من حيث علنية الاجراءات، فنجد ان الأصل في الاجراءات امام هذه المحاكم علنية ويتم أحاطتها بالسرية في ظروف خاصة وخير دليل على ذلك مسالة الكشف المتبادل عن الادلة والتي سنتناولها بالتفصيل في المطلب الثالث من المبحث الثالث المتعلق بأجراءات الدعوة الجزائية في مرحلة التحقيق.

اما في اطار المحكمة الدولية الجنائية الدائمة فصفة العمومية لاجراءات مرحلة التحقيق واضحة، فضلا عن طابع هذه المحكمة العام والذي يمكن استنتاجه من ديباجة اتفاقية نظام روما الاساسي لعام 1998، والذي اشار بصورة لا لبس فيها الى عمومية المحكمة من خلال أشارته الى خطورة الجرائم التي تعاقب عليها المحكمة وتاثيرها على الرفاه الانساني، كذلك اشارته الى مسالة كون الاتفاق حاصل بين المجتمع الدولي على ان هذه الجرائم يجب ان لا تمر دون عقاب([18]).

كذلك ما قضت به المادة(1) من النظام الاساسي للمحكمة أعلاه من ان المحكمة تختص بالمعاقبة على الجرائم التي تكون موضع اهتمام دولي أذ نصت على أنه"تنشا بهذا محكمة جنائية دولية (المحكمة) وتكون هيئة دائمة لها السلطة لممارسة اختصاصها على الاشخاص ازاء اشد الجرائم خطورة موضع الاهتمام الدولي.... "([19]).

اما من حيث علنية الاجراءات فنجد ان النظام الاساسي للمحكمة قد قرر ان العلنية في مرحلة ما قبل المحاكمة هي الاصل وان السرية هي الاستثناء ويستشف ذلك من عدة نصوص منها البند (هـ، و) من الفقرة (3) من المادة (54) من النظام الاساسي والتي تنص "للمدعي العام..... ان يوافق على عدم الكشف في اية مرحلة من مراحل الاجراءات عن اية مستندات او معلومات يحصل عليها بشرط المحافظة على سريتها ولغرض واحد وهو استقاء ادلة جديدة ما لم يوافق مقدم المعلومات على كشفها" وقد اشار البند و "... ان يتخذ او يطلب اتخاذ التدابير اللازمة لكفالة سرية المعلومات او لحماية أي شخص للحفاظ على الادلة".

اما عن الاسلوب الشفاهي المعروف في ظل النظام الاتهامي فلا نجد له تطبيق واسع في مرحلة ما قبل المحاكمة (التحقيق)، حيث يغلب الاسلوب الكتابي في هذه الاجراءات، وهذا بالتحديد ما اشارت اليه المادة (56) في البند (ب) من النظام الاساسي للمحكمة في فقرتها (2) التي تنص " يجب ان تشمل التدابير المشار اليها في الفقرة (1) (ب) ما يلي...... ب – الامر باعداد سجل بالاجراءات.... "([20]).

من كل ذلك يمكننا ان نقول بان المحاكم الدولية الجنائية المختلفة وان كانت قد اخذت بصفة العمومية التي يتسم بها النظام الاتهامي فانها لم تاخذ بها بصورة مطلقة ففي بعض الاحيان تكون الاجراءات قبل المحاكمة سرية حسب مقتضى الحال، كما انها خرجت عن نهج النظام الاتهامي فاعتبرت اجراءات ما قبل المحاكمة مكتوبة كأصل عام بخلاف ما يتميز به النظام الاتهامي الذي تكون فيه الاجراءات شفوية.

ثانيا:- صفةعدم وجود مرحلة تحقيق ومدى تحققها في القضاء الجنائي الدولي.

ان من مميزات النظام الاتهامي هو اختفاء مرحلة التحقيق أي ان الدعوى الجزائية تمر بمرحلة واحدة وهي مرحلة المحاكمة، فالادلة ترفع مباشرة امام المحاكمة ولا تمر بمرحلة التحقيق، ولذا فان مرحلة المحاكمة هي المرحلة الاساسية في ظل النظام الاتهامي، ومع تحفظنا بشان هذه الصفةوالتي سبق ان بيناه في حينه فلا بأس من استعراض موقف المحاكم الجنائية الدولية من هذه الصفة.

ومن جانبنا نعتقد بانه رغم كون مرحلة التحقيق في القضاء الدولي الجنائي موجودة ومقتضبة ومختزلة الا انها موجودة فعلا بخلاف ما ذهب اليه البعض من الفقهاء حول تبني المحاكم الدولية الجنائية للنظام الاتهامي وزوال مرحلة التحقيق بسبب هذا التبني.

ونعتقد بعدم صحة هذا الطرح وان مرده هو ان هؤلاء الفقهاء يرون بان القضاءالدولي الجنائي يتبنى النظام الاتهامي بصورة مطلقة، وهذا ما لا نتفق معه ونعتقد بان مرحلة التحقيق موجودة فعلا في ظل القضاء الدولي الجنائي وان كانت مقتضبة ولكنها موجودة في ظل كل المحاكم الدولية الجنائية وعلى النحو الاتي.

في ظل محاكم نورمبرغ وطوكيو كانت مرحلة التحقيق تمثل بجمع المعلومات عن الجرائم المرتكبة ومعرفة مرتكبيها والتحقيق من وقوعها ثم البدء بملاحقة مرتكبيها تمهيدا لتقديمهم للمحاكمة، ونظرا لان مجرمي الحرب الالمان واليابانيين معروفين سلفا للحلفاء، ولكونهم من ذوي المراكز العليا في الدولة، فلم تطول مرحلة التحقيق طويلا ومع ذلك انشئت المحكمة لجنة خاصة بالتحقيق سميت بـ (لجنة التحقيقات) وملاحقة كبار مجرمي الحرب، كان من اهم وظائفها، تحديد مجرمي الحرب الذين يجب تقديمهم المحكمة، واعداد وثائق التهم ([21]).

فضلا عن ذلك فان ميثاق المحكمة اناط بالادعاء العام مهمة مباشرة التحقيقات قبل المحاكمة فنصت المادة(15) من ميثاق محكمة نورمبرغ على مهام الادعاء العام التي ابرزها البحث عن الادلة الضرورية وتجميعها قبل المحاكمة وخلالها واعداد وثيقة الاتهام، والقيام باستجواب اولي للشهود الضروريين واستجواب جميع المتهمين([22])

ونفس الحكم ينطبق على محكمة طوكيو فقد تضمنت هي الاخرى احكام خاصة بانشاء لجنة التحقيقات وجمع الادلة الضرورية ولابد من الاشارة الى انه في ظل محكمة طوكيو فقد تضمنت وثيقة استسلام اليابان في عام 1946، شرط تسليم اليابان لمجرمي الحرب الذين يحددهم الحلفاء([23]).

اما في ظل محكمة يوغسلافيا فنجد ان هناك مرحلة تحقيق تسبق مرحلة المحاكمة، وهذا ما استندت اليه مواد النظام الاساسي لمحكمة يوغسلافيا والتي اشارت لمرحلة التحقيق تحت تسمية مرحلة ما قبل المحاكمة فنصت المادة(15) من النظام الاساسي لمحكمة يوغسلافيا "لاغراض الدعاوى التي ترفع امام المحكمة الدولية يضع قضاة المحكمة الدولية لائحة القواعد الاجرائية وقواعد الاثبات التي تتبع في مراحل ما قبل المحاكمة من اجراءات الدعوى...."([24]).

كذلك الحال في المادة (16) ف (1) من نظام محكمة يوغسلافيا السابقة التي تحدثت عن مهام الادعاء العام والتي نصت "بتولي المدعي العام مسؤولية التحقيق مع الاشخاص المسؤولين عن الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الانساني([25]) المرتكبة في اقليم يوغسلافيا السابقة من (1) كانون الثاني 1991 " وبذلك يكون للمدعي العام سلطة استجواب المتهمين والضحايا والشهود وجميع الادلة واجراء التحقيقات في الموقع، واذا تبين للمدعي العام بعد اجراء التحقيقات ان للقضية وجاهتها فانه يعد لائحة الاتهام([26]).

ذات الحكم ينطبق على محكمة رواندا، والذي جعل نظامها الاساسي مهام تولي مرحلة التحقيقات (مرحلة ما قبل المحاكمة)، من مهام المدعي العام، وذلك في الفقرة (1) من المادة (17) من النظام الاساسي لمحكمة رواندا والتي جعلت من مهام الادعاء العام الحصول على اية بيانات او معلومات ولاسيما من الحكومات واجهزة الامم المتحدة والمنظمات الحكومية، حول الجرائم المرتكبة ويقيم المدعي العام هذه المعلومات ويقرر اذا ما كان هناك اساس كافي لاجراء المحاكمة ام لا.

كما نجد ان المادة (15) من نظام محكمة رواندا اشارت صراحة الى مرحلة التحقيق بالقول " يتولى المدعي العام مسؤولية التحقيق مع الاشخاص المسؤولين عن الانتهاكات الجسمية للقانون الدولي الانساني المرتكبة في اراضي رواندا والمواطنين المسؤولين عن ارتكاب هذه الانتهاكات في اراضي الدول المجاورة بين(1كانون الثاني 1994 و13 كانون الاول 1994 واقامة الدعوى ضدهم, اما فيما يتعلق بالمحاكم الدولية الدائمة، فنجد ان مرحلة التحقيق أي مرحلة ما قبل المحاكمة منصوص عليها بشكل لا لبس فيه، فقد خصص النظام الاساسي للمحكمة الباب الخامس للتحقيق والمحاكمة، تحت "التحقيق والمقاضاة" وهذا يدل على الاستقلال والانفصال بين هاتين المرحلتين في ظل النظام الاساسي للمحكمة، كما نجد ان النظام الاساسي للمحكمة قد اشار صراحة لمرحلة التحقيق، وكان بذلك اكثر تطورا من انظمة الى الاخرى، والتي ظلت مترددة بين مصطلحي (مرحلة ما قبل المحاكمة) ومصطلح التحقيق، فنجد ان المادة (52) من النظام الاساسي للمحكمة قد اشار صراحة الى واجبات المدعي العام في مرحلة التحقيق وجاءت تحت عنوان " الشروع في التحقيق"، في حين ان المادة (54) جاءت تحت عنوان "حقوق الاشخاص اثناء التحقيق "([27])، أما المادة (56) قد بينت دور الدائرة التمهيدية في مرحلة التحقيق فجاءت تحت عنوان " دور الدائرة التمهيدية فيما يتعلق بوجود فرصة فريدةللتحقيق"([28]).

لهذا نرى بان مرحلة التحقيق موجودة في ظل القضاء الدولي الجنائي وتباشر فيها جميع مهام جمع واعداد الادلة لمباشرة اجراءات المحاكمة واستجواب الشهود والمتهمين والمجنى عليهم، من قبل جهات محددة كالادعاء العام ولجان التحقيق الخبراء، لذا فليس من الصحيح القول بعدم وجود مرحلة التحقيق.

كما نرى ان تسميتها من قبل البعض بـ (مرحلة ما قبل المحاكمة) وان كانت لا تختلف في شيء عن تسمية (مرحلة التحقيق) الا ان فيها نوعا من التردد والشك في وجود مرحلة التحقيق([29]).

لذا فالاوفق تسمية الاشياء حسب مسمياتها الصحيحة وتسمية هذه المرحلة بمرحلة التحقيق وهو ما اعتمدناه في البحث الا انه سنبقي مع ذلك الاعتراف بان هذه المرحلة في ظل القضاء الدولي الجنائي مرحلة قصيرة وموجزة، لذا فان المحاكم الدولية الجنائية تكون في هذه الحالة اقتربت من النظام الاتهامي وانها لم تتطابق معه بشان زوال مرحلة التحقيق.

ثالثا:- المساواة بين المتهم والمدعي ومدى تحققها في القضاء الدولي الجنائي.

سبق وأن أوضحنا ان من خصائص النظام الاتهامي هو توفر كثر المتهم والتساوي التام بين الخصوم([30]).

فلا يعد المتهم طرفا ضعيفا في الدعوى وتقرر له كل الضمانات اللازمة للمحافظة على حقوقه، وهذا ما نجده في ظل القضاء الدوليالجنائي ففي ظل محكمة نور مبرغ تم كفالة حقوق كل من الاتهام والدفاع ومنحت فر صة للمتهم لان يعرض مزاعمه بصورة اكثر حرية([31]).

ومن الضمانات التي تقوي موقف المتهم هو وجوب ان تتضمن وثيقة الاتهام التهم الموجهة اليه بصورة واضحة وبلغة يفهمها، وكذلك حقه بالاستعانة بمحامي للدفاع عنه ([32]).

وقد اعطت المحكمة للمتهم حق استجواب شهود الاثبات، وحق الاطلاع على وثائق التحقيق، وقد نصت المادة (24) الفقرة (ج) "يستطيع الاتهام والدفاع استجواب كل شاهد وكل متهم يحضر بصفة شاهد"([33]).

ونفس الحكم ينطبق على محكمة طوكيو التي يعد نظامها كبير الشبه بنظام محكمة نورمبرغ. اما ما يتعلق بمحكمة يوغسلافيا فنجد ان نظامها الاساسي قد تضمن الكثير من الضمانات للمتهم تجعله في مرتبة مساوية لمرتبة الاتهام (الادعاء العام)، فمثلا اشترطت المحكمة لاصدار امر القبض ان يكون صدوره من جهة قضائية وليس من الادعاء العام وذلك في المادة (18) الفقرة (4) منها، كما سهلت للمتهم مهمة اعداد دفاعه وذلك بحصوله مسبقا على نسخة من لائحة الاتهام([34])، كما ان النظام الاساسي للمحكمة مكن المتهم من الحصول على ادلة البراءة التي تعثر عليها جهة الاتهام، وكذلك اية صور او وثائق او شهود تنوي استدعائهم، وذلك عن طريق مما يسمى بـ (الكشف المتبادل عن الادلة والذي سنتناوله تفصيلا في المبحث الاخير من البحث.

هذه الضمانات نفسها نجدها مقررة في ظل النظام الاساسي لمحكمة رواندا والذي نص هو الاخر على حقوق المتهم بالاطلاع على الادلة وحقه بالاستعانة بمحامي، وحقه بجمعه أدلة البراءة، وحقه بأن لا يصدر عليه أمر بالقبض إلا من جهة قضائية. أما في ظل النظام الاساسي للمحكمة الجنائية الدولية الدائمة فنجد النص الصريح على حقوق المتهم التي تجعله في مركز مساوي امام مركز الاتهام وذلك في المادة (55) والتي اشارت الى حالات عدم جواز اجبار الشخص على تجريم نفسه، أو الاعتراف بأنه مذنب، وعدم جواز استعمال وسائل العسر والاكراه ضده, وحقه بالحصول على مترجم في حالة اختلاف اللغة، وعدم جواز القبض والاحتجاز التعسفي بحقه، ضرورة أبلاغه قبل استجوابه، وحقه في التزام الصمت دون ان يفسر ذلك بكونه مترتبة ضده، وحقه بالاستعانة بمحامي او خبير قانوني، وعدم جواز استجوابه إلا بحضور محاميه ما لم يتنازل هو من ذلك وغيرها من الأمور، كلها جعلت المتهم في مركز مساوي لمركز الاتهام([35]).

الا أننا نرى بأنه وأن كان سبق ان اشرنا له إن من حقوق المتهم هي القاعدة العامة التي تجعل الخصمان متساويان في المركز أمام القضاءالدولي الجنائي، الا انه نجد القضاء الدولي الجنائي وبمحاكمه المختلفة شذ عن قاعدة المساواة المطلقة التي يتصف بها النظام ألاتهامي والذي يعد من مقتضياتها بقاء المتهم حر طليق بدون تقييد لحريته لحين صدور حكم بإدانته, ونجد ان المحاكمالدولية الجنائية المختلفة تقرر القبض الاحتياطي عليه وتوقيفه، وهذا ما نصت عليه قوانين وانظمة المحاكم الدولية الجنائية الدائمةوبذلك خرجت عن القاعدة العامة المقررة في ظل النظام الاتهامي وعلى ذلك نعتقد بأن القضاء الدولي الجنائي لم يتبنى بصورة مطلقة النظام الاتهامي كأساس للاجراءات في مرحلة ما قبل المحاكمة (التحقيق) رغم كونه كان قريب جدا منه، فهناك الكثير من الاحكام في القضاء الدولي الجنائي لا نجدها تنطبق على مثيلاتها في النظام الاتهامي أننا نجد اساسها فينظام التحري والتنقيب.

المطلب الثالث: موقف القضاء الدولي الجنائي من تبني نظام التحري والتنقيب

لقد انتهينا من قبل بأن القضاء الدولي الجنائي لم يأخذ بالنظام الاتهامي بحذافيره، وانما جاء بأحكام تخرج بعض الشيء عن مقتضيات هذا النظام، والأن ينبغي لنا ان نبين مدى تأثر القضاء الدولي الجنائي بنظام التحري والتنقيب، على العكس من النظام الاتهامي نجد ان نظام التحري والتنقيب لم يكن له دور كبير في التأثير بالقضاء الدولي الجنائي فرغم كوننا لا نسلم بالقول القائل ان النظام الاتهامي كان هو الذي تم تبينه في ظل القضاء الدولي الجنائي, فهذا لا يعني بأن نظام التحري والتنقيب هو الذي تم تبينه في ظل هذا القضاء فمثلا زعم ان القضاء الدولي الجنائي لم يجعل اجراءات التحقيق علنية بصورة مطلقة،فهو لم يجعلها سرية بصورة مطلقة ايضا, انما تبنى موقف عوان بين اثنين فالقاعدة العامة هي علنية والاستثناء هو جعل هذه الاجراءات سرية، في حالات وظروف خاصة تقررها المحكمة حسب نظامها الاساسي، وغالبا ما يكون ذلك لحماية اجراءات التحقيق وللحيلولة دون الحصول على فرصة لهرب المجرم وافلاته من العقاب.

 فالمحاكم الدولية الجنائية وان كانت قد اخذت بقاعدة المساواة والتوازن بين المهتم وجهه الاتهام باقرارها حقوق سبق وان اشرنا اليها في حينها للمتهم، الا انها لم تجعل هذا التساوي او التوازن على اطلاقه وعلى هذا النحو الذي يقرره النظام الاتهامي بجعل المتهم حرا طليقا لحين ادانته، فأنها في نفس الوقت لم تأخذ بما ذهب اليه نظام التحري والتنقيب.

ورغم ان القضاء الدولي الجنائي بمحاكمه المختلفة كمحاكم نورمبرغ وطوكيو, يوغسلافيا ورواندا،والمحكمة الدولية الجنائية الدائمة يعرف مرحلة التحقيق او مرحلة ما قبل المحاكمة والتي يتم فيها جمعه الادلة واعدادها وبيان ما اذا كانت كافية لأجراء المحاكمة أم لا، إلا أنه عرف هذه المرحلة بصورة مختزلة أو مقتضبة بحيث ان الثقل الرئيس للدعوى يكون في مرحلة المحاكمة، فأنه لم يعرف النظام المعروف في التحري والتنقيب الذي تمر فيه الدعوى الجزائية بثلاث مراحل وهي مرحلة التحري وجمعه الادلة ومرحلة التحقيق ومرحلة المحاكمة، بحيث ان الثقل الرئيسي في الدعوى يكون في مرحلة التحقيق، بحيث تصل الادلة الى مرحلة المحاكمة جاهزة.

فضلا عن ذلك فأن المحاكم الدولية الجنائية لم تنشأ جهاز خاصا يتولى مرحلة التحقيق وانما اناطت هذه المهمة بمهمة الادعاء العام او الدوائر المحكمة الاخرى بخلاف الحال مع نظام التحري والتنقيب الذي تتولى فيه الدولة مباشرة مرحلة التحقيق من خلال جهاز خاص وعلى هذا يمكن القول ان النظام الاتهامي كان اقرب وان القضاء الدولي الجنائي لم يتبنى نظام التحري والتنقيب كما هو معروف في الانظمة الداخلية، و قد يتبادر الى الذهن في ضوء النتائج السابق السؤال الاتي:-

إذ كان القضاء الدولي الجنائي لم يأخذ بالنظام الاتهامي بحذافيره فبأي نظام قد أخذ؟ فنعتقد بأن القضاء الدولي الجنائي ومن خلال مسلك المحاكم الدولية الجنائية قد رسمنظام خاص اقترب به من النظام الاتهاميببعض الصفات اكثر من اقترابة من نظام التحري والتنقيب، قد يلجئ البعض الى تسميته بالنظام المختلط ولكننا لا نرى هذه التسمية صائبة، لأنه في الحقيقة مجرد اقتباس عن النظامين المعروفين، وليس نظام مستقل قائم بذاته، وهو بالنسبة للقضاء الدولي الجنائي اقرب الى النظام الاتهامي منه لنظام التحري والتنقيب

 وعليه نعتقد ان اهم الملامح التي اتسم بها نظام الاجراءات الذي تبنته المحاكم الدولية الجنائية الدائمة على النحو الآتي:-

  1. أنه تبنى صفة العمومية النسبية حيث يجوز تقييدها في حالات كثيرة.
  2. الاجراءات في مرحلة التحقيق تكون مكتوبة في بعض جوانبها وشفوية في جوانب اخرى.
  3. قرر حقوق كبيرة للمتهم على نحو يجعله في مركز مقارب لمركز الاتهام مع جواز تقييد حريته لمصلحة التحقيق.
  4. عرف مرحلة التحقيق الموجزة المقتضبة.
  5. لم ينشأ جهة او جهاز خاص يتولى مباشرة واجراءات التحقيق انما اناط مهمة مباشرتها الى جهة الاتهام والى جهات اخرى مساعدة.

المبحث الثاني: الجهات المختصة بالتحقيق في القضاء الدولي الجنائي

 اشرنا في المبحث الاول الى ان من سمات النظام الذي يتبناه القضاء الدولي الجنائي يتميز بانه لم يوكل مرحلة التحقيق لجهة تحقيق خاصة انما أناطت بهذه المهمة الى جهات متعددة وبصورة متفاوتة ولا تعدو هذه الجهات ان تكون جهة واحدة او اكثر من الجهات الثلاثة الاتية: الادعاء العام، دوائر المحكمة، واللجان الخاصة، وسنحاول في هذا المبحثبيان دور هذه الجهات الثلاثة سالفة الذكر وعلى ثلاثة مطالب متتالية.

المطلب الاول: الادعاء العام

 ان تنظيم المحكمة الدولية يعكس الوظائف التي تقوم بانجازها، بما ان المحكمة الدولية مسؤولة عن محاكمة الاشخاص المسؤولين عن انتهاكات خطيرة القانون الدولي الانساني وارتكاب جرائم دولية، فأن كل اجهزة المحكمة يجب ان تنشئ وفق غير من المحكمة، كما لا بد لهذه المحاكم منجهاز يعمل على تهيئة الوسائل والتسهيلات اللازمة بسير الدعوى الجزائية امام القضاء الدولي الجنائي, ولا شك في كون هذا الجهاز هو الادعاء العام، ان جهاز الادعاء العام في القضاء الدولي الجنائي هو جهاز منفصل يعمل بصورة مستقلة عن اجهزة المحكمة الاخرى وبذلك فان المحاكم الدولية الجنائية كانت اقرب في هذا المضمار الى النظام الاتهاميحيث جعلت الادعاء العام طرفا مستقلا من اطراف الدعوى، وهو خصم حقيقي يجلس في مواجهة الدفاع وليس بجانب القضاة([36])

والمدعي العام لا يعد في هذه الحالة ممثل للمتهمين كما هو عليه الحال في القضاء الداخلي ([37])

ولبيان دور جهاز الادعاء العام في مرحلة التحقيق, فلا بد من بيان كيفية تشكيل هذا الجهاز ثم اختصاصاته وواجباتهوفي فرعين مستقلين وعلى النحو الاتي:-

الفرع الأول: تشكيل جهاز الادعاء العام

لاتكاد تخلو محكمة من المحاكم الدولية الجنائية من جهاز الادعاء العام حيث يعد احد الاجهزة الرئيسية لكل المحاكم الدولية ابتداءا من محكمة نورمبرغ وطوكيو انتهاءا بالمحكمة الدولية الجنائية الدائمة وان كانت طريقة تشكيل جهاز الادعاء العام تختلف من محكمة لأخرى ففي ظل محكمة نورمبرغ، انشئت لجنة خاصة سميت بـ (لجنة التحقيق وملاحقة كبار مجرمي الحرب) وذلك بموجب المادة (14) من ميثاق محكمة نورمبرغ، فقد اشارت هذه المادة الى انه يعين كل موقع مدعيا رئيسيا للتحقيق بالتهم والادعاءات الموجهة لكبار مجرمي الحرب.

وهذا يعني ان هناك اكثر من مدعي عام واحد للمحكمة وبالتحديد اربعة مدعيين عامين، ولقد ادى تعدد المدعيين العاميين في المحكمة الى تقسيم العمل، والمدعيين العاميين في محكمة نورمبرغ اربعة (مدعي عام امريكي، ومدعي عام سوفيتي، ومدعي عام انكليزي، ومدعي عام فرنسي) وكان المدعي العام يعيينمن قبل الدولة الطرف، وهذا يعد من المأخذ التي تؤخذ على محكمة نورمبرغ.([38])

والحال نفسه بالنسبة لمحكمة طوكيو والتي انشئت بقرار من القائد العسكري الامريكي في الشرق الاقصى (ماك ارثر) وكانت تتألف من (11) قاضي.

اما في ظل محكمة يوغسلافياالسابقة فأن جهاز الادعاء العام يتألف من اربعة اقسام (مكتب المدعي العام، قسم التحقيقات، قسم الخدمات القانونية، قسم المعلومات والتسجيلات) ويلاحظ ان هناك مدعي عام واحد في محكمة يوغسلافيا بخلاف الحال بالنسبة لمحكمة نورمبرغ حيث رأينا ان هناك مدعي عام لكل دولة من دول الحلفاء.

 ويلاحظ ان المدعي العام في ظل محكمة يوغسلافيا يعين من قبل مجلس الامن بعد ان يسميه الامين العام للامم المتحدة، ونفس الحكم ينطبق على محكمة رواندا فكل من المحكمتين تشتركان بمدعي عام واحد ودائرة استئنافية واحدة، فليس لمحكمة رواندا مدعي عام مستقل، انما المدعي العام لمحكمة يوغسلافيا هو ذاته المدعي العام لمحكمة رواندا، ويدير المدعي العام لمحكمة يوغسلافيا وظيفة الادعاء العام في محكمة رواندا من مقره في لاهاي في حين ان مقر محكمة رواندا في (أروشا) في رواندا، ويعين المدعي العام في محكمتي يوغسلافيا ورواندا لمدة اربعة سنوات قابلة للتجديد وتنطبق عليه شروط الخدمة الخاصة بالامين العام للامم المتحدة، وهو بالتحديد ما اشارت اليه المادة (16) ف (4) من النظام الاساسي لمحكمة يوغسلافيا، وموظفي مكتب المدعي العام يتم تعينهم ايضا من قبل الامين العام بعد ترشيحهم من قبل المدعي العام ([39]).

 ونعتقد بانتشكيل هيئة الادعاء العام في محكمتي يوغسلافيا ورواندا ايضا بالمقارنة مع تشكيل دوائر المحكمة الاخرى في نفس المحكمتين, يثير العديد من التساؤلات، فوظيفة المدعي العام لا تقل خطورة عن وضيفة القاضي، الامر الذي يجعلنا نعتقد بأن تعيين المدعي العام بالمحكمة وايكال مهمة التعيين لمجلس الامن قد اريد به اضفاء نوع من الخضوع من جانب المحكمة للتيارات والتجاذبات والقوى المسيطرة في مجلس الامن، في الوقت الذي كان من الافضل لضمان حياد واستقلال المحكمة ابعادها عن مجلس الامن.

 ومن جانب أخر فأن اشتراك المحكمتين بمدعي عام واحد يعد هو الاخر عقبةفي طريق كلتا المحكمتين، حيث انه ينطوي على اثقال كاهل المدعي العام المشترك من جهة، كما ان التباعد المكاني بين المحكمتين جعل اداء الادعاء العام لعمله امر عسير ايضا، الامر الذي يترتب عليه بطئ في عمل كلتا المحكمتين.

أما في ظل النظام الاساسي للمحكمة الدولية الجنائية الدائمة، فأن المدعي العام هو عبارة عن جهاز يعمل بشكل مستقل عن اجهزة المحكمة، ويرأس هذا المكتب مدعي عام واحد يعاونه في عمله نائب مدعي عام واحد او اكثر يناط بهم الاضطلاع ببعض المهام، ويكون المدعي العام ونوابه من جنسيات مختلفة، ويشترط فيهم شروط خاصة تتعلق بحسن السلوك والاخلاق والخبرة والكفاءة([40]).

 وقدر تعلق الأمر بطريقة اختيار الادعاء العام فانه يتم عن طريق الانتخاب ويرشح المدعي العام المنتخب نواب يتم اختيارهم عن طريق الانتخاب ايضا ويستمر المدعي العام ونوابه باداء وظائفهم لمدة (9) سنوات وكما ينص النظام الاساسي على كيفية نتيجة نواب المدعي العام وكذلك المدعي العام([41]).

ويلاحظ ان الطريقة التي يتم بموجبها اختيار الادعاء العام في ظل نظام روما الاساسي تعد تطورا ملحوظا بالمقارنة مع المحاكم الخرى فلم يعتمد هذا النظام اسلوب التعين الذي سبق لنا انتقاده، لذا نرى بان الاسلوب الذي تبناه النظام الاساسي للمحكمة الجنائية الدولية الدائمة هو الافضل في اختيار المدعي العام، فهو فضلا عن كونه اسلوب ديمقراطي، فانه ايضا اسلوب يضمن حياد واستقلال هيئة الادعاء العام في المحكمة ويجعله بمنى عن الضغوطات السياسية وبالتالي ضمان سلامة احكام المحكمة.

 

الفرع الثاني: واجبات المدعي العام

 للمدعي العام واجبات حددتها الانظمة الاساسية للمحاكم الدولية الجنائية وعلى نحو متباين.

فقد اشار ميثاق محكمة نورمبرغ بان كل مدعي عام يلتزم بجملة واجبات بعضها ذو طابع جماعي والاخر ذو طابع فردي فالواجبات ذات الطابع الفردي تتمثل بجمع وفحص الادلة وتقديم الادلة الضرورية قبل او في اثناء المحاكمة، ثم اعداد تقرير الاتهام لتقديمه الى لجنة المدعين الرئيسية بالاضافة الى استجواب تمهيدي لجميع الشهود الذين يرى ضرورة سماعهم، والقيام بدور النيابة العامة امام المحكمة.([42])

 اما الواجبات ذات الطابع الجماعي فتتمثل بقيام لجنة المدعين باقرار خطة عمل شخصية للمدعين الرئيسيين، وتحديد مجرمي الحرب الذين سيحاكمون امام المحكمة بصفة نهائية والتصديق على ورقة الاتهام واحالتها مع الوثائق المتصلة بها الى المحكمة واخيرا تضع مشروع لقواعد الاجراءات([43]).

اما فيما يتعلق بمحكمة يوغسلافيا فان دور المدعي العام ومهامه قد حددتها الفقرة (1) من المادة (16) على النحو الاتي "يتولى المدعي العام مسؤولية التحقيق مع الاشخاص المسؤولين عن الانتهاكات الجسمية للقانون الدولي الانساني في اقليم يوغسلافيا منذ 1 كانون الثاني 1999 ومقاضاتهم "([44]) والمدعي العام هو الذي يتولى اجراءات التحقيق بحكم منصبه وبناء على معلومات يتم الحصول عليها من أي مصدر، وتكون له سلطة في استجواب المتهمين والضحايا والشهود وجمع الادلة وفحصها والمدعي العام بعد استكماله للتحقيقاتاما ان يقرر بان للقضية وجاهتها الظاهرة، وفي هذه الحالة فان عليه ان يعد لائحة الاتهام تتضمن كل البيانات اللازمة وتقدم الى قضاة المحكمة.

ويلاحظ ان نفس الواجبات الملقاة على عاتق الادعاء العام لمحكمة يوغسلافيا ملقاة على عاتقه في محكمة رواندا لانه وكما أسلفنا أن المدعي العام في المحكمتين واحد. اما في ظل المحكمة الدولية الجنائية الدائمة فان المدعي العام يكون هو رئيس للمكتب ويتمتع بالسلطة الواسعة في ادارة المكتب ويلاحظ انه ضمان لصحة اجراءات التقاضي فقد حرم نظام روما على المدعي العام ونوابه مزاولة أي نشاط يحتمل ان يتعارض مع مهام الادعاء العام، او من شانه التاثير على سمعتهم او استقلالهم، كما لا يحق لهم مزاولة أي عمل ذي طابع مهني.

"يمكننا ايجاز دور الادعاء العام امام المحكمة الدولية الجنائية الدائمة على النحو الاتي:-

في حالة ارتكاب جريمة من الجرائم الداخلة في اختصاص المحكمة تحال القضية الى المدعي العام عن طريق الدولة الطرف او عن طريق مجلس الامن او عن طريق دولة غير طرف([45]).

بعد الإحالة يقوم المدعي العام بالمحكمة الدولية الجنائية بمباشرة التحقيقات ان تأكد من وجود اسباب ملائمة للسير في الاجراءات وفقا للنظام الاساسي للمحكمة، وقد يلجأ المدعي العام الى مباشرة اجراءات التحقيق بنفسه دون الاحالة اليه من جانب الاطراف السابق ذكرها، ويقوم المدعي العام بجمع المعلومات عن القضية المحالة اليه وذلك عن طريق مصادر موثوقة كالدول والمنظمات الدولية والمنظمات الحكومية وغير الحكومية ويقوم المدعي العام ايضا بتلقي شهادات شفوية او تحريرية بغير المحكمة او أي جهة اخرى ويجوز للمجني عليهم المرافعة امام الدائرة التمهيدية، هذا ويقوم المدعي العام بمباشرة التحقيق بعد قيام الدائرة التمهيدية بالاقرار بوجود اساس معقول للشروع بالتحقيق كما يحق للادعاء العام اجراء تحقيقات في اقليم الدولة، وفقا لاحكام الباب (9) من النظام الاساسي للمحكمة وذلك بعد الحصول على اذن من الدائرة التمهيدية، ومن واجبات المدعي العام ايضا هو اتخاذ ما يلزم من تدابير واجراءات وابرام اتفاقات لا تتعارض مع النظام الاساسي للمحكمة تيسيرا لتعاون احدى الدول او المنظمات الحكومية الدولية او احد الاشخاص، ومن صلاحياته ايضا عدم الكشف عن المعلومات المتحصلة من التحقيق شرط المحافظة على سير التحقيق واستقاء ادلة جديدة، وله ان يتخذ اية تدابير تكفل ضمان سرية المعلومات او لحماية المعلومات والحفاظ عليها([46]).

وامام كل هذه المهام الكبيرة المتاحة لهيئة الادعاء العام في ظل القضاء الدولي الجنائي كان لا بد ان تولي المحاكم اهمية كبيرة لمسئلة حياد هيئة الادعاء العام واستقلالها وهذا ما لا نجده في محكمة نورمبرغ وطوكيو او محاكم يوغسلافيا ورواندا،فالاولى كانت هيئة الادعاء العام تمثل الدول الاربعة المنتصرة في الحرب فكانت هيئة الادعاء مكونة من اربعة مدعين عامين يمثل كل منهم احد الدول الاربعة الكبرى، وكان المدعي العام يعين من قبل كل دولة، ولا يجوز رده او تنحيته.

اما في ظل محاكم يوغسلافيا ورواندا فهيئة الادعاء العام تعين من قبل مجلس الامن بعد اقتراح الامين العام للامم المتحدة، فلا يجوز رد المدعي العام او طلب تنحيته كون أختياره قد تم عن طريق التعيين.

اما في ظل المحكمة الدولية الجنائية الدائمة فنجد انها تلافت هذا الانتقاد ففضلا عن ان المدعي العام يتم اختياره بالانتخاب فانها تقرر ايضا امكانية قيام هيئة الرئاسة في المحكمة ان تعفي المدعي العام او احد نوابه بناء على طلبه من العمل في قضية معينة، كما حظر النظام الاساسي للمحكمة على المدعي العام الاشتراك في اية قضية يكون حيادهم فيها محل شك معقول لاي سبب كان ويجب تنحيتهم عن اية قضية اذا كان قد سبق لهم الاشتراك في هذه القضية باي صفة ([47]). كما اجازت للشخص الذي يكون محل تحقيق او مقاضاة ان يطلب في أي وقت تنحية المدعي العام او احد نواب المدعي العام، لاسباب سبق ذكرها. ونعتقد ان الافتقار الى مثل هذه الاحكام يمكن ان تسجل كعيب على محاكم نورمبرغ وطوكيو ويوغسلافيا ورواندا، في حين ان تضمين النظام الاساسي للمحكمة الدولية الجنائية الدائمة لهذه الاحكام يعد نقطة في صالحها ويعد تطور جيد لصالح المؤسسة القضائية اعلاه كما نعتقد بان ايكال مهمة التحقيق لجهاز الادعاء العام من قبل الانظمة الاساسية لكل المحاكم الدولية الجنائية, اسلوب غير صائب وبحاجة الى اعادة نظر ولذا لا بد من انشاء جهاز خاص بمرحلة التحقيق في ظل المحاكم الدولية الجنائية، يتولى بنفسه عملية مباشرة مرحلة التحقيق بكل اعبائها واذا علمنا ان الادعاء العام هو جهة اتهام امام المحكمة وانه يعد خصما حقيقيا في الدعوى، فانه يمكننا القول بانه ليس من الصواب ولا من المصلحة ايكال مهمة التحقيق لجهة الاتهام فالجمع بين وضيفتي الاتهام و التحقيق امر غير محبذ حتى في ظل المحاكم الوطنية، لان جهة الاتهام بطبعها تميل الى جمع ادلة الاثبات الكفيلة بأدانة المتهم اكثر من ميلها لجمع ادلة البراءة، لذا كان الاولى اناطة مهمة مباشرة الدعوى قبل المحاكمة واجراء التحقيقات لجهة اخرى.

 

المطلب الثاني: دوائر المحكمة

رغم ان الادعاء العام هو الجهة الاكثر تحملا لاعباء مرحلة المحاكمة وما قبلها (التحقيق) الا ان بعض المحاكم قد أقحمت تشكيلات اخرى للمحكمة في مرحلة التحقيق.

 ان الكلام عن دور دوائر المحكمة في مرحلة التحقيق يعني حصر الكلام بالتحديد في النظام الاساسي للمحكمة الدولية الجنائية الدائمة لانها المحكمة الوحيدة من بين المحاكم الدولية الجنائية التي سمحت لدوائر المحكمة ان تدلي بدلوها في مرحلة التحقيق فالمتتبع للانظمة الاساسية للمحاكم الدولية الجنائية لا يجد مثل هذا الدور لدوائر المحكمة ففي ظل محكمة نورمبرغ وطوكيو نجد بان الادعاء العاميختص بملاحقة كبار مجرمي الحرب وهويمتلكبصورة حصرية مباشرة اجراءات ما قبل المحاكمة (التحقيق)، فمحكمة نورمبرغ تألفت من الهيئات التالية (هيئة القضاة تألفت من اربعة قضاة لكل قاض رديف، وهيئة الادعاء العام تتألف من اربعة مدعين عامين، والهيئة الادارية وتتالف من السكرتير العام، أمناء سر القضاة، مراقب عام للمحكمة، كتاب ضبط المحكمة، حجاب المحكمة، الموظفون المكلفون بالترجمة الفورية, الموظفون المكلفون بتسجيل المرافعات، مكتب الإعلام والصحافة([48]).

وكانت مهمة مباشرة التحقيقمحصورة فقط بجهاز الادعاء العام. وليس لأي من دوائر المحكمة دور في مرحلة التحقيق، اما في ظل محكمة يوغسلافيا وكذا الحال في محكمة رواندا فالادعاء العام المشترك بين المحكمتين والذي تضمنت كيفية مباشرته لعمله المادة (16) من النظام الاساسي لمحكمة يوغسلافيا هو الذي تناط اليه مهمة مباشرة اجراءات التحقيق المشترك بين المحكمتين، و كما هو معلوم فهومعين من قبل الامين العام للامم المتحدة، اما باقي دوائر المحكمة فلا دور لها في مرحلة التحقيق وهيئات محكمة يوغسلافيا كما هو معلوم هي (هيئة قضائية تتالف من (11) قاضي، يجدون في دائرتي المحاكمة والدائرة الاستئنافية، وهيئة الادعاء العام وتتالف من مدعي عام واحد ونوابه، وقلم المحكمة).

ونعتقد ان الغاية من عدم اشراك دوائر المحكمة الاخرى في اجراءات مرحلة ما قبل المحاكمة (التحقيق) خصوصا في ضوء غياب جهاز تحقيقي متخصص، وذلك في المحاكم السابقة على المحكمة الدولية الجنائية الدائمة، كان راجعا الى محاولة فرض هيمنة جهة الادعاء العام على مرحلة جمع الادلة وتوجيه الاتهام، وهي مرحلة حساسة وبالنتيجة خضوع هذه المرحلة لهيمنة الدول الاربع المنتصرة في الحرب في محاكم نورمبرغ وطوكيو ولهيئة مجلس الامن في ظل محاكم يوغسلافيا السابقة رواندا، فقد سبق وان اشرنا الى ان طريقة اختيار الادعاء العام في ظل هذه المحاكم يجعل هذا الجهاز غير حيادي وغير مستقل في عمله وهذا الامر قد تلافاه النظام الاساسي للمحكمة الدولية الجنائية الدائمة، وقد احسن فعلا في ذلك، فقد اشرك هذا النظام احد دوائر المحكمة مع الادعاء العام في مباشرة بعض الاجراءات التحقيقية، فقد نص النظام على هذه الحالة تحت عنوان (دور الدائرة التمهيدية فيما يتعلق بوجود فرصة فريدة للتحقيق) وذلك في المادة (56)([49]).

ان التحليل الدقيق لهذه المادة يكشف لنا بأن دور الدائرة التمهيدية في مرحلة التحقيق يكون في حالتين تتدخل فيهما الدائرة التمهيدية:-

الحالة الاولى: وتكون بناء على طلب المدعي العام بان حالة معينة تتيح فرصة جيدة للحصول على ادلة او اقوال شاهد او لفحص وتمحيص هذه الادلة، قد لا تتكرر، عند ذلك يخبر الادعاء العام الدائرة التمهيدية في مرحلة مبكرة حتى تتدخل عن طريق اصدارها عدد من التدابير كاصدار اوامر باتخاذ اجراءات معينة او فتح سجل لمباشرة الاجراءات، او تعيين خبير او الاذن بالاستعانة بمحامي او الاذن بالقبض على احد المتهمين واستجوابه بصورة والاكثر من ذلك ان الدائرة التمهيدية قد تتدخل مباشرة في سير الاجراءات في مرحلة التحقيق، وذلك عن طريق قيامها بانتداب احد قضاتها، او عند الحاجة احد قضاة الشعبة الابتدائية او الشعبة التمهيدية لكي يقوم بمراقبة الرخص واصدار التوصيات والاوامر بشان الاجراءات الهامة في التحقيق، او اتخاذ الاجراءات التي تلزم لحفظ الادلة كما اشارت لذلك المادة (32) من لائحة الاجراءات.

الحالة الثانية:- وتعد تطورا كبيرا في ميدان اشتراك الدائرة التمهيدية في اجراءات التحقيق، وهذه الحالة تتدخل فيها الدائرة التمهيدية حتى بدون طلب من المدعي العام للقيام باتخاذ الاجراءات الضرورية لسير التحقيق ففي حالة عدم طلب الادعاء العام اتخاذ هذه الاجراءات الضرورية لسير التحقيق، وكانت الدائرة التمهيدية ترى بان هناك فرصة فريدة للتحقيق جاز لها ان تستفسر عن سبب عدم طلب الادعاء العام مثل هذا الاجراء وكانت الدائرة التمهيدية قد توصلت الى راي بعدم كفاية الاسباب التي قدمها الادعاء العام فان لها اتخاذ الاجراءات اللازمة بمبادرة منها دون حاجة لموافقة او طلب الادعاء العام، هذا فضلا عن اختصاصات اخرى للدائرة في مرحلة التحقيق نصت عليها المادة (57) من النظام الاساسي للمحكمةالدولية الجنائية الدائمة([50]) ونعتقد بان هذا المسلك الذي سلكته المحاكم الدولية الجنائية الدائمة في نظامها الاساسي هو مسلك صائب لانه يحقق مصلحتين

الاولى:- ان من شان هذا الاسلوب تخفيف العبء عن كاهل جهاز الادعاء العام الذي تناط به مهام كبيرة بالتحقيق والاتهام ومباشرة اجراءات المحاكمة ومباشرة اجراءات ما بعد المحاكمة.

والثانية:- انه يؤدي الى العدالة والحد من حالات تقاعس جهاز الادعاء العام وعدم رغبته او تباطئه باتخاذ الاجراءات التحقيقية الضرورية اللازمة وعدم ترك الامر ابتداءا وانتهاءا في اطار تقدير الادعاء العام كما نرى بان دور الدائرة التمهيدية هنا شبيه بعض الشيء بدور قاضي التحقيق، فقاضي التحقيق قد لا يباشر اجراءات التحقيق بنفسه في بعض الاحيان، عندما يقتصر دوره على منح اذونات خاصة ببعض الاجراءات التحقيقية، وفي احيان اخرى فان قاضي التحقيق يتدخل مباشرة للقيام بالاجراءات التحقيقية بنفسه ونعترف انه تشبيه مع الفارق.

كما نعتقد بان عدم وجود جهاز تحقيق خاص بمباشرة الاجراءات في مرحلة التحقيق يقتضي اشراك اكثر من جهة من جهات المحكمة بعملية التحقيق، على الاقل في ذلك تخفيف من المساوئ الناجمة عن منح صلاحية التحقيق والاتهام لجهة واحدة.

المطلب الثالث: اللجان الخاصة

لقد انيطت مهمة القيام ببعض الاجراءات التحقيقية الى اللجان الخاصة في ظل بعض المحاكم الدولية، وان كانت الاعمال التي تقوم بها هذه اللجان هي اعمال ثانوية او تمهيدية. فنجد انه في ظل محكمة نورمبرغ انشئت بموجب المادة (14) من النظام الاساسي للمحكمة الدولية الجنائية لجنة خاصة سبق ان اشرنا اليها وهي لجنة التحقيق وملاحقة كبار مجرمي الحرب، هذه اللجنة في حقيقتها ليست مستقلة عن الادعاء العام، فهي تتكون من المدعين العاميين الذين تعينهم كل دولة، الا ان عمل هؤلاء المدعين يكون تارة منفردا أي ان كل مدعي عام يباشر عمله بصورة مستقلة عن الاخرين، فمثلا المدعي العام الامريكي تولى التحقيق بجريمة (المؤامرة) والمدعي العام الفي سنس تولى التحقيق في جرائم الحرب المرتكبة في اوربا الغربية، والمدعي العام السوفيتي اختص التحقيق في جرائم الحرب في اوربا الشرقية.

وفي احيان اخرى يعمل هؤلاء المدعين بوصفهم لجنة خاصة لها مهامها المختلفة ولعل ابرزها، تحديد قائمة باسماء مجرمي الحرب، وضع مشروع لقواعد الاجراءات وتتخذ هذه اللجنة قراراتها بالاكثرية أي عن طريق التصويت ([51]).

برز دور للجان الخاصة في مرحلة التحقيق في ظل القضاء الدولي الجنائي بشكل خاص في ظل محكمتي يوغسلافيا ورواندا وسميت هذه اللجان باسم (لجان الخبراء)، ويبدو ان الطبيعة الخاصة لنشاة هاتين المحكمتين هي التي املت انشاء هذه اللجان من قبل مجلس الامن لتتولى مهام اجراء التحقيق وتقصي الحقائق وجمع الادلة عن الجرائم المرتكبة من قبل مجرمي الحرب في اقليم يوغسلافيا ورواندا، مع الاشارة الى ان هاتين المحكمتين لم تنص في انظمتها الاساسية على انشاء هذه اللجان.

ففي (6) اكتوبر من عام 1992 اصدر مجلس الامن قرار رقم (780) الذي انشا بموجبه لجنة الخبراء الخاصة بالتحقيق وجميع الادلة عن المخالفات (الجرائم) التي ارتكبت في اقليم يوغسلافيا، وكان من ابرز مهام هذه اللجنة هي جمع المعلومات والادلة الممكنة المتعلقة بالانتهاكات الجسمية لقواعد القانون الدولي الانساني وبالفعل قامت هذه اللجنة بمهام كبيرة، تضمنت القيام بزيارات ميدانية لموقع الحدث والبحث عن المقابر الجماعية واستجواب الشهود والضحايا، وقد كانت حصيلة هذا العمل الحصول على ادلة مهمة كالوثائق واشرطة التسجيل وادلة مادية عديدة، وعدت هذه اللجنة في حينها اكبر كيان دولي للتحقيق، وكانت هذه اللجنة تمول من ميزانية الامم المتحدة، ولم تنتهي اعمال هذه اللجنة حتى بعد انشاء محكمة يوغسلافيا، اذ كان المفروض ان تسلم هذه اللجنة الادلة المتحصلة من التحقيق الى الادعاء العام في المحكمة الا ان تأخر تعيين المدعي العام لمدة عام كامل ادى الى استمرار اللجنة في عملها([52]). أما بالنسبة لمحكمة رواندا فأنه تم في عام 1994 تشكيل لجنة الخبراء بموجب قرارا مجلس الامن الدولي ذي الرقم (935) وذلك بغية التحقيق في انتهاكات القانون الدولي في اقليم رواندا، وفي الحقيقة كانت لجنة الخبراء لرواندا أضعف من مثيلتها الخاصة بيوغسلافيا فقد حدد عمل لجنة رواندا بـ (3) أشهر فقط لا غير وهي مدة غير كافية بالمرة للتحقيق وجمع الادلة، كما كانت مهمتها الاطلاع على الحقائق فحسب، وعند اعداد اللجنة لخلاصة عملها فانها استندت في ذلك على تقارير المنظمات الانسانية ولمقالات منشورة في الصحف ولضيق المدة الزمنية، جاء تقريرها المرفوع الى الامين العام للامم المتحدة مهلهل وغير دقيق([53]).

 اما في ظل المحكمة الدولية الجنائية الدائمة فقد اختفى أي وجود لمثل هذه اللجان الخاصة واوكل امر مباشرة التحقيقات الى اللجان السابق بيانها.

ونعتقد ان سبب وجود هذه اللجان في محكمتي يوغسلافيا ورواندا واختفائها في ظل محكمة روما الدائمة، يعود لظروف نشاة هذه المحاكم فمحاكم يوغسلافيا ورواندا انشئت بعد وقوع الجرائم والانتهاكات التي تسعى هذه المحاكم للمعاقبة عليها، ولذا كان لابد من انشاء جهة تتولى عمليات التحقيق وجمع الادلة قبل زوالها او طمسها الى حين انشاء المحكمة، اما المحكمة الدولية الجنائية الدائمة فانها انشئت واكتملت قبل ارتكاب أي من الجرائم الداخلة في اختصاصها وعلى أي حال نعتقد انه في ظل غياب جهة تحقيقية مختصة في ظل القضاءالدولي الجنائي، فان هذه اللجان قد تفي بالغرض الذي يناط بها لذا لابد من تبينها وتطويرها، بدلا من حلها وازاحة مهامها بالادعاء العام، كما فعلت ذلك محاكم يوغسلافيا رواندا، لذا نعتقد انه كان من الافضل اعتبارها احد اجهزة المحكمة.

 

المبحث الثالث: اجراءات الدعوى الجزائية في مرحلة التحقيق في القضاء الدولي الجنائي

 تبدا اجراءات الدعوى في مرحلة التحقيق في القضاء الدولي الجنائي عند ارتكاب جريمة داخلة في اختصاص المحاكم الدولية الجنائية، وقد ذكرنا من قبل ان مرحلة التحقيق هي مرحلة موجزة امام المحاكم الدولية الجنائية وعليه فلا نتوقع اجراءات معقدة وطويلة امام المحاكم المذكورة فالاجراءات نقصد اجراءات مباشرة الدعوى في مرحلة ما قبل المحاكمة هي الاخرى موجزة تبعا لإيجاز المرحلة سالفة الذكر ذاتها،ونتناول في هذا المبحث بيان اهم هذه الاجراءات وعلى ثلاثة مطالب متتالية نكرس الاول لبيان كيفية تحريك الدعوى امام القضاء الدولي الجنائي، والثاني لاهم اجراءات الدعوى اما المطلب الثالث فنخصصه لمسألة الكشف عن نتائج وادلة مرحلة التحقيق بعد نهايتها.

المطلب الأول: تحريك الدعوى

يبدا تحريك الدعوى امام المحاكم الدولية الجنائية عادة باحالة القضية الى المحكمة من قبل جهة معينة مع احالة الادلة المتوافرة لدى تلك الجهة من اجل تدعيم طلبها باجراء تحقيق بشان الجريمة المرتكبة والامر يختلف بحسب كل محكمة.

ففي ظل محاكم نور مبرغ وطوكيو كان المدعي العام هو المسؤول المباشر عن تحديد كبار مجرمي الحرب الذين يجب احالتهم الى المحكمة فقد كان امر تحريك الدعوى في ظل هذه المحاكم منوط بجهة الادعاء العام فحسب وعلى النحو الاتي([54]):-

يقوم أي من المدعين العامين الاربعة بتحديد شخص المتهم المراد محاكمته، ثم يقوم ذات المدعي العام بجمع الادلة التي يستطيع الحصول عليها عن الجرائم الداخلة في اختصاص المحكمة المرتكبة من قبل الشخص، بعد ذلك يقوم المدعي العام بعرض اسم المتهم، والادلة المتوافرة لديه عن الجرائم المرتكبة من قبله والادلة المتوافرة لادانته على لجنة التحقيقات وملاحقة كبار مجرمي الحرب، حيث تقوم هذه الأخيرة مجتمعه بدراسة الادلة المتوافرة ضد هذا المتهم، بعد ذلك تتخذ اللجنة قرارا بشان المتهم عن طريق التصويت واعتمادا على الاكثرية، وفي حالة تعادل الاصوات ترجع كفه الجانب الذي فيه المدعي العام الذي قدم طلب الاتهام([55]).

ونعتقد ان هذا التركيز للاختصاص في تحريك الدعوى بيد الادعاء العام في محاكم نورمبرغ وطوكيو، وعدم السماح لاية جهة اخرى بمباشرة هذا الاختصاص، مرده هو ان هذه المحاكم اقتصرت على محاكمة مجرمي الحرب الالمان واليابانيين، وهم حصرا من قادة الدولة النازية والامبراطورية اليابانية، وهذا يجعل مجرمي الحرب معروفين ومشخصين ومعدودين، وقد تركت هذه المحاكم محاكمة مجرمي الحرب الاقل شانا من قبل الدول التي تقبض عليهم دون حاجة لاحالتهم الى المحكمة الدولية.

اما في ظل محاكم يوغسلافيا ورواندا فان الامر يختلف، حيث ان تحريك الدعوى وان كان يتم من قبل الادعاء العام الا ان ذلك يكون بناء على طلب مقدم من جهة معينة او بناء على ادلة او وثائق مقدمة من قبل أي مصدر، ونجد ان المصادر المقصودة في النظام الاساسي لمحكمة يوغسلافيا هي (الحكومات، اجهزة الامم المتحدة، المنظمات الدولية الحكومية، المنظمات الدولية غير الحكومية)، وبالفعل فقد تلقت المحكمة طلبات ومعلومات مقدمة من دول عديدة منها البوسنة والهرسك وكرواتيا والباكستان وايران ومن منظمة الامم المتحدة لحقوق الانسان، والمفوضية العليا لشؤون اللاجئين وعدد من المنظمات غير الحكومية مثل منظمة العفو الدولية ولجنة المحامين الدوليين لحقوق الانسان([56]).

وينطبق ذات الحكم على النظام الأساسي لمحكمة رواندا، حيث ان طلبات تحريك الدعوى تتم من خلال ذات الجهات التي سبق ذكرها ونعتقد ان هذا التوسع بالنسبة لأسلوب تحريك الدعوى يعود الى طبيعة نشأة هذه المحاكم حيث أنشئت بقرار من مجلس الأمن اما فيما يتعلق بالنظام الأساسي للمحكمة الدولية الجنائية الدائمة فان الاطلاع عليه يوحي بان تحريك الدعوى يتم من ثلاثة جهات وهي:-

  1. الدولة الطرف في النظام الأساسي.
  2. مجلس الأمن.
  3. الدولة غيرالطرف في النظام الاساسي.

ويلاحظ ان هذا النظام لم يمنح المنظمات الحكومية وغير الحكومية مباشرة هذا الاختصاص ويلاحظ أيضا ان المدعي العام قد يباشر مهمة التحقيق بنفسه دون الحاجة الى احالة من قبل الاطراف السابق ذكرها ([57])، ويلاحظ ان المدعي العام بعد تلقيه الاحالة من قبل الاطراف السابق ذكرها يقوم بتحليل هذه المعلومات وله في هذا السبيل ان يلتمس معلومات جديدة من الدول والمنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية ويقوم بتحليل وتمحيص هذه الادلة وهو بعد ذلك اما ان يقرر بان هناك اساس معقول للشروع في التحقيق وعندها يطلب الاذن من الدائرة التمهيدية للشروعبالتحقيق واما انيقرر انهليس هناكاساس معقولللشروع بالتحقيق

([58]),

او ان الدائرة التمهيدية ترى بانه ليس هناك ما يبرر التحقيق فيرفض الاذن([59]).

ويمكننا القول بان مباشرة المدعي العام اجراءات التحقيق يكون متوقف على امرين هامين.

1ـ عدم وجود طلب من مجلس الامن بارجاء التحقيق حيث ان وجود مثل هذا الطلب من شانه ان يؤخر مباشرة التحقق لمدة سنة كاملة وهذا بالتحديد ما اقرت له المادة (16) من النظام الأساسي للمحكمة الدولية الجنائية ([60]).

أن القيد أعلاه، أن صح تسميته بالقيد على مباشرة المدعي العام لأجراءات التحقيق، نرى غرابته من جهة، وعدم جدوى أيراده في النظام الاساسي للمحاكم الدولية الجنائية من جهة أخرى، كونه يؤدي الى النيل من حياد الاجراءات امام المحكمة،ذلك ان ايقاف الاجراءات ولاسيما اجراءات جمع الادلة وحفضها لمدة طويلة تمتد لسنة كاملة من شانه ان يساعد على طمس الادلة وتشويهها ويفتح المجال عادة للدخول في مساومات سياسية قد تحول دون مثول الجناة امام المحكمة، لذا نجد عدم اعطاء مثل هذا الحق لمجلس الامن، طالما ان نشاة المحكمة كانت بعيدة كل البعد عن مجلس الامن.

2- ان تقرر المحكمة مقبولية دعوى بان تكون الجريمة داخله في اختصاص المحكمة، ويلاحظ بان المحكمة ممكن ان تقرر عدم مقبولية الدعوى في حالات معينة اذا كان التحقيق يجري من قبل قضاء دولة لها ولاية عليها مالم تكن تلك الدولة غير راغبة باجراء التحقيق او المقاضاة، او سبق وان اجرت دولة معينة تحقيق او محاكمة بشانها وقررت عدم محاكمة الشخص المعني مالم يكن القرار ناجم عن عدم رغبتها او عدم قدرتها او اذا كانت الدعوى غير خطيرةتبرر اتخاذ اجراء عاجل بشانها([61]).

ويلاحظ هنا ان هذه الحالات غير واضحة وتقديرية ولاسيما فيما يتعلق بعدم رغبة الدولة او عدم قدرتها على اجراء التحقيق والمحاكمة، وحتى المعابير التي جاءت بها الفقرة (2) من المادة (17) لتحديد عدم رغبة الدولة وعدم قدرتها فانها غير واضحة وهي بحاجة الى تحديد و ضبط، بل الاكثر من ذلك هو من المسؤول عن تحديد هذه الامور فمن يحدد حدوث تأخير لا مبرر له في إجراءات الدعوى ومن يحدد عدم نزاهة اجراءات التحقيق والمحاكمة التي حدثت فضلا عما في ذلك التقديرمن تدخل واعتداء على السيادة الوطنية للدولة وتدخل في شؤونها الداخلية.

 ونعتقد بأنه كان ينبغي الاكتفاء بماورد في المادة (18) من النظام الأساسي للمحكمةوذلك في ان يبلغ المدعي العام الدول جميعا،ان إجراءات التحقيق والمحاكمة في الدعوى ستبدأ في غضون شهر وينبغي على الدولة ان تقدم ردا في حالة استعدادها او بدئها التحقيق في القضية، وان تقوم تلك الدولة بتبليغ المدعي العام أول بأول عن التقدم المحرز بالتحقيق، وفي ذلك تنازل من جانب المحكمة لصالح الدولة صاحبه الاختصاص بمباشرة مهام التحقيق والمحاكمة.

ونعتقد ان الافضل انه حتى في حالة مباشرة الدولة صاحبة الاختصاص اجراءات التحقيق والمقاضاة فانه يجب ان تشارك المحكمة في هذه الاجراءات وذلك عن طريق تقديم المعلومات لتلك الدولة وتقديم التسهيلات لها ومساعدتها في تنفيذ اوامر القبض والتوقيف ولاسيما في اقاليم الدول الاخرى، بذلك تكون المحكمة قد اشتركت بصورة غير مباشرة في عملية التحقيق والمقاضاة حتى في حالة مباشرة الدولة صاحبة الاختصاص لهذه المهمة.

 

 

 

المطلب الثاني: أهم الإجراءات في مرحلةالتحقيق

 كثيرة هي الإجراءات في مرحلة ما قبل المحاكمة (التحقيق)، فهي تشتمل على جمع الأدلة بأنواعها المختلفة واستجواب الشهود والخصوم والقبض والتوقيف والإحضار والتفتيش والاستعانة بالخبراء وسنحاول في هذا المبحث الاقتصار على بيان اهم هذه الاجراءات وهما الاستجواب والقبض والاحضار، لان هذين الاجرائين يضمان في طياتهما اغلب الاجراءات والاستجواب قد يكون للشهود او المتهمين والقبض قد يتضمن في طياته التفتيش عن المتهم.

الفرع الأول: الاستجواب

يعد الاستجواب اهم اجراءات الدعوى الجزائية في مرحلة التحقيق، والملاحظ عند الحديث عن الاستجواب في ظل المحاكم الدولية الجنائية وفي مرحلة التحقيق فاننا نقصد به الاستجواب الاولي الذي قد يكون بالنسبة للمتهمين أي الخصوم في الدعوى او بالنسبة للشهود، ويلاحظ ان الانظمة الاساسية للمحاكم الدولية الجنائيةتبين اسلوب واجراءات الاستجواب في مرحلة المحاكمة وكذلك فعلت قواعد الاجراءات الخاصة بكل محكمة ([62]).

ولكنها لم تتطرق الا بصورة موجزة لمرحلة الاستجواب الاولي ولا شك في كون مرحلة التحقيق مرحلة مقتضبة في ظل القضاء الدولي الجنائي جعلت اغلب الاجراءات التي تتم في هذه المرحلة هي اولية وبسيطة تتبعها اجراءات اخرى مماثلة في مرحلة المحاكمة.

وعلى أي حال نجد الاستجواب في ظل اغلب المحاكم الدولية الجنائية ان لم نقل جميعهاومنها محكمة نور مبرغ ويتبعها في ذلك محكمة طوكيو كانت مهمة الاستجواب الاولي مناطة للادعاء العام، الاستجواب في ظل هذه المحاكم اما ان يكون منصرف الى المتهم او الى الشاهد، فالنسبة للاول نجد ان المادة (15) من ميثاق المحكمة قد اشار الى قيام الادعاء العام بالاستجواب الاولي لجميع المتهمين بالنص "يقوم جهاز الادعاء العام بالواجبات التالية 3000000- القيام باستجواب اولي لجميع الشهود الضروريين واستجواب جميع المتهمين ايضا".

الا انه ينبغي ملاحظة بعض الامور الهامة وهو ان الاستجواب الاولي للمتهمين والشهود في ظل محكمة نورمبرغ ليس مطلق انما هناك بعض الضمانات المقررة لمصلحة هؤلاء المتهمين لعل ابرزها هو ان استجواب أي شاهد او متهم موقوف لدى احدى الدول لا يكون الا بموافقة هذه الدولة باخراجه من الحجز، ويلاحظ هنا ان الامر متروك لتقدير الدولة بالموافقة او عدم الموافقة على اخراج المتهم من الحجز وفي ذلك اعاقة لعملية الاستجواب الأولي للمتهمين.

اما بالنسبة لمناقشة الشهودالشهود في ظل محكمة نورمبرغ فما لا شك فيه هو ان تبني اسلوب استجواب الشهود يعد احد معالم التاثر بالنظام الاتهامي حيث ان الشاهد في ظل هذا النظام يتم استجوابه من قبل ثلاثة جهات وهي الطرف الذي استدعاه والادعاء العام والخصم، وهذا في مرحلة المحاكمة اما في مرحلة ما قبل المحاكمة (التحقيق) فان الاستجواب يكون من قبل الادعاء العام فقط([63]).

 اما في ظل محاكم يوغسلافيا ورواندا فنجد انه في مرحلة ما قبل المحاكمة يحق للمدعي العام استجواب المتهمين المشتبه بهم والمجني عليهم أي الضحايا والشهود، ويجب ان يتم الاستجواب الاولي بلغة يفهمها الشاهد او المتهم اذ لابد من توفير الترجمة اللازمة في حالة اذا كان الاستجواب بلغة لا يفهمها المتهم او الشاهد وما تجدر الأشارة اليه هنا أن توفير الترجمة لا يقتصر على مرحلة المحاكمة وما قبلها او يشمل الاستجواب فقط انما يشمل كل مراحل الدعوى الجزائية([64]).

 اما في ظل المحكمة الدولية الجنائية الدائمة فنجد ان النظام الاساسي لها قد اخذ ايضا باسلوب الاستجواب الاولي للشهود والمتهمين فنجد ان النظام الاساسي للمحكمة وفي المادة (54) الفقرة (3) البند (ب) اجاز للمدعي العام ان يطلب حضور الاشخاص محل التحقيق والمجني عليهم والشهود وان يستجوبهم، كما نجد ان المادة (55) اشارت الى انه يجري ابلاغ الشخص مقدما قبل استجوابه بان هناك اسباب تدعو للاعتقاد بانه ارتكب جريمة تدخل في اختصاص المحكمةوالتي نص عليها النظام الاساسي للمحكمة في المواد (8،7،6،5) وله الحق عند الاستجواب في التزام الصمت، وان يجري استجواب الشخص بحضور محامي.

الفرع الثاني: القبضعلى المتهم

يعرف القبض بانه اجراء من اجراءات التحقيق يرمي الى اتخاذ الاحتياطات اللازمة لتقييد حرية المقبوض عليه ووضعه تحت تصرف الجهة المخولة بالقاء القبض عليه لمدة زمنية مؤقتة بهدف منعه من الفرار تمهيدا، لاستجوابه من قبل الجهة المختصة، وتعد اوامر القبض والاحضار من اهم واخطر اجراءات التحقيق لما فيها من تقييد لحرية المتهم، لذا فنجد ان هذه الاوامر يجب ان تصدر من قاضي تحقيق مختص او من المحكمة وفي ذلك نوع من الضمانة المتهم، هذا في ظل القضاء الداخلي([65]).

اما في ظل القضاء الجنائي الدولي فنجد ان المحاكم الدولية الجنائية لم تسلك منهج مغاير للمسلك الذي نهجته المحاكم الداخلية.

ففي ظل محكمة نورمبرغ نجد ان هذه الاخيرة قد ناطت مهمة اعداد لائحة المتهمين الخاصة بالقبض للادعاء العام، فهي التي تحدد المتهمين من كبار المجرمين الذين يجب احالتهم الىالمحكمة وهي التي تقوم باعداد صك الاتهام والوثائق الملحقة به، ويحيل الادعاء العام هذه اللائحة للمحكمة لتتولى هي اصدار اوامر القبض وهذا بالتحديد ما اشار اليه ميثاق محكمة نورمبرغ في الفقرات

 (ب، ج، ء) من المادة (14)، كما نجد ان المادة (15) من الميثاق اشارت الى ان كل المتهمين الخاضعين لاختصاص المحكمة هم موقوفين أصلا، عندما اشارت الى مسئلة انه عند استجواب المتهم بصورة اولية يشترط ان توافق الدولة المحجوز لديها المتهم على اخراجه.

ومن الناحية العملية فانه عند اقامة المحكمة في 8/8/1945 فان اغلب المتهمين كانوا في حالة اسر لدى دول الحلفاء، لذا فكان من النادر اصدار اوامر القبض في اطار المحكمة، كذلك الحال في اطار محكمة طوكيو([66]).

اما في ظل محكمة يوغسلافيا فنجد ان اوامر القبض كانت مناطة بالمحكمة وليس للادعاء العام فكانت مهمة الادعاء العام هي اعداد لائحة الاتهام تحال بعد ذلك الى قاضي من قضاة دوائر المحكمة وهو الذي يقبل الاتهام او يرفضه، وهذه الالية هي ذاتها المتبعة بموجب المواد (17) الفقرة (4) و (18) الفقرة (1) من نظام محكمة رواندا([67]).

ويشترط في اطار محكمة يوغسلافيا ان يتضمن امر القبض جملة من البيانات التي من شأنها التعريف بالمقبوض عليه بشكل لا لبس فيه، بأن يحتوي على بيانات محدده كالمكان الذي يسكن فيه المقبوض عليه او المكان الذي يعتقد انه مناسب لوجوده، او المكان الذي شوهد فيه اخيرا، ويشترط ان يكون امر القبض موقع من القاضي ومختوم بختم المحكمة ويتضمن اسم المتهم وشهرته ولقبه ([68]).

ويلاحظ انه في ظل محكمة يوغسلافيا ورواندا فان اصدار امر القبض لا يكون الا في حالة وجود ضرورة ملحة تستدعيها القضية التي يجري التحقيق فيها, وفي هذه الحالة يطلب المدعي العام من الدولة التي يتواجد فيها المتهم القبض عليه مؤقتا للحفاظ على الادلة المادية او لمنعه من الفرار او منعه من الاضرار بسير التحقيقات ([69])اما بخصوص تنفيذ اوامر القبض فالملاحظ ان ما يملكه المدعي العام في اطار القانون الدولي الجنائي من سلطات لا ترقى الى السلطات التي يملكها المدعي العام او جهات التحقيق الداخلية، فالمدعي العام في القضاءالدولي الجنائي ليس له سلطة في تنفيذ اوامر القبض لذا ينبغي عليه في هذا الموضوع ان يعتمد على التعاون الدولي وحسن نية الدول التي يوجد فيها المتهمين([70]), كما انه انيطت مهمة تنفيذ اوامر القبض من الناحية العلمية في اقليم البوسنة والهرسك الى قوات حفظ السلام الدولية، باعتبار ان هذه الاوامر هي من اجراءات الانفاذ الخاصة بالفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة، ويلاحظ بانه في حالة امتناع الدول عن الاستجابة لطلبات التعاون المقدمة من المحكمة فان رئيس المحكمة يبلغ مجلس الامن الدولي بالامر([71])،ويختلف نظام روما بعضالشيء عن الانظمة التي سبقته، فقد اناط مهمة اصدار اوامر القبض للدائرة التمهيدية بناء على طلب المدعي العام وهي تصدر اوامر القبض في حالة اذا اقتنعت بان امر القبض ضروري وذلك لضمان حضور المتهم امام المحكمة ولضمان عدم عرقلة التحقيق او لمنعه من الاستمرار في ارتكاب الجرائم، ويلاحظ ان امر القبض يجب ان يتضمن جملة بيانات نصت عليها المادة (58) من النظام الاساسي للمحكمة كملخص للوقائع وموجز بالادلة، وسبب طلب القاء القبض([72]). ان الامر الذي جاء به نظام المحكمةالدولية الجنائيةالدائمة والذي لم تعرفه المحاكم السابقة هو انه امام المدعي العام وسيلة اخرى لضمان حضور المتهم امام المحكمة وعدم عرقلته سير التحقيق وهو امر الاحضار وهو بان يطلب المدعي العام من الدائرة التمهيدية امر بحضور الشخص امام المحكمة ونعتقد ان هذه الوسيلة تعد تقدما مقارنة مما اتيح للمحاكم السابقة ونرى انه من الافضل الاستعانة بأمر الاحضار بدل من القبض في حالة المجرمين غير خطرين او الذين لا يخشى فرارهم او عرقلتهم للتحقيق.

ويلاحظ ايضا انه في ظل المحكمة الدولية الجنائية الدائمة فان تنفيذ امر القبض يعتمد على التعاون الدولي مع المحكمة، وهذا ما اشارت اليه المادة (59) ولا بد من الاظافة هنا الى ان القبض كاجراء يستلزم حجز المقبوض عليه في مكان معين وهذا يعتمد على التعامل الدولي والتعاون مع المحكمة الى حد كبير([73]

المطلب الثالث: الكشف عن الأدلة في نهاية مرحلةالتحقيق

 بعد أن يباشر المدعي العام الاجراءات المتعلقةباستجواب المتهمين والشهود وجمع الادلة المادية والمعنوية واصدار اوامر القبض والاحضار، واحتجاز المتهمين، يكون قد تحصل على الادلة اللازمة لتوجيه الاتهام في جلسة خاصة للمحكمة تسمى بجلسة توجيه الاتهام ولان جهة الاتهام الممثلة بالمدعي العام تتاح لها من الفرص لجمع الادلة الاتهامية ما يتاح للمتهم من الفرص، ولان الانظمة التي تتبناها المحاكم الدولية الجنائية تفترض المساواة بين جهة الاتهام والمتهم ولتمكين المتهم من اعداد دفاعه بصورة صحيحة نجد ان جهة الاتهام والمتهم يجب ان يتبادلا الادلة وهذا بالتحديد ما تضمنته اغلب الانظمة الاساسية للمحاكم الدولية الجنائية فقد نصت على ضرورة الكشف المتبادل للادلة ما بين الاتهام والدفاع بغية تمكين الدفاع من الاطلاع على الادلة التي تستند اليها التهم التي ستوجه للمتهم.

لقد نصت لائحة القواعد الاجرائية وقواعد الاثبات الخاصة لمحكمة نورمبرغ في القاعدة (4) على ضرورة توفير وثائق الدفاع من اجل تقديم الدفاع الامثل عن المتهم كما اشترط نظام محكمة نورمبرغ ان يسلم المتهم نسخة مترجمة الى لغته من لائحة الاتهام، كما له الحق بالحصول على اجابه عن كل استفساراته كما ورد في محكمة طوكيو (تعمل المحكمة على توفير الادلة للدفاع)([74]) اما في ظل محكمة يوغسلافيا فنجد ان هذه العملية ظهرت واضحة حيث يجب على المدعي العام وفقا لقواعد يوغسلافيا ان يقدم لدفاع المتهم في مدة ثلاثين يوم من مثول المتهم امام المحكمة نسخة من بيانات الاتهام كذلك اسماء الشهود الذي ينوي استدعائهم، كما ان المدعي العام ليس ملزم فقط بان يكشف للمتهم عن ادلة الادانة التي في حوزته انما ملزم بالكشف عن ادلة البراءة التي تقع بحوزته، سواء اكانت صور او وثائق مادية([75])، وفي نفس الوقت الزمت قواعد الاجراءات والاثبات في محكمة رواندا الادعاء العام بتوفير كافة الادلة المتوفرة لديه تحت تصرف الدفاع (السماح له بالاطلاع عليها سواء اكانت للبراءة ام للادانة)([76])

أما في ظل النظام الاساسي للمحكمة الجنائية الدولية الدائمة، فنجد بأن المادة (61) من النظام نصت على قيام المدعي العام خلال فترة معقولة تزويد المتهم بصورة من المستند المتضمن للتهم التي يعتزم المدعي العام على اساسها تقديمه للمحكمة، وابلاغ الشخص بالادلة التي يعتزم المدعي العام الاعتماد عليها في جلسة اقرار التهم ويجوز للدائرة التمهيدية ان تصدر الاوامر بخصوص الكشف عن المعلومات.

ولا يقتصر الكشف عن الادلة في ظل نظام المحكمة الدولية الجنائية على ادلة الاتهام انما ينبغي ايضا على الدفاع ان يكشف ما لديه من الادلة وهذا ما اشارت اليه القاعدة (79) من قواعد الاجراءات للمحكمة الدولية الجنائية الدائمة والتي نصت (يسمح الدفاع للمدعي العام بفحص اية كتب او مستندات او صور او اشياء ملموسة اخرى في حوزة الدفاع او تحت امرته ويعتزم الدفاع استخدامها كأدلة لأغراض جلسة الاقرار اوعند المحاكمة).

ويلاحظ ان عملية الكشف عن الادلة عند نهاية مرحلة التحقيق ليست مطلقة انما ترد عليها قيود فمثلا في ظل محكمة يوغسلافيا فان المدعي العام له ان يمنعه عن الكشف عن الادلة اذا كان الكشف عن الأدلة يؤدي الى عكس النتيجة المرجوة منه كأن يؤدي للأضرار بسير التحقيقات او من شأن عدم الكشف حماية المعلومات المتعلقة بالأمن الوطني لأية دولة او ان عدم الكشف يؤدي لحماية الضحايا والشهود وقد ظهرت تطبيقات هذا الامر في اثناء محكمتي يوغسلافيا السابقة ورواندا ([77]).

هذه الاعتبارات مقررة أيضا في ظل نظام المحكمة الدولية الجنائية الدائمة فيجوز للادعاء العام التكتم على المعلومات اذا كان من شان الكشف عن هذه المعلومات تعريض سلامة شاهد لخطر جسيم([78]).

 ونعتقد ان فكرة الكشف التبادل عن الادلة بعد انتهاء مرحلة التحقيق يعد فكرة صائبة للغاية فهيتحقق فوائد لعل ابرزها:-

  1. تحقيق مبدأ المساواة بين الخصمين اثناء مرحلة المحاكمة التي تلي مرحلة التحقيق.
  2. تمكين المتهم من اعداد دفاعه بصورة دقيقة، وعدم مفاجئته بأدلة وتهم لم يسبق له التحضير لها.
  3. الحيلولة دون طمس وضياع ادلة البراءة التي قد يحصل عليها الادعاء العام اثناء بحثه عن ادلة الادانة، فأعتبار الادعاء العام خصم في الدعوى والطبيعة الاتهامية لعمله قد تجعله لا اراديا يهمل أدلة البراءة التي قد تكون في حوزته، الا انه في ظل نظام الكشف المتبادل عن الادلة ملزم بالكشف عن الادلة التي بحوزته.
  4. تمكين المتهم ودفاعه من الاستفادة بصورة غير مباشرة من الامتيازات والسلطات التي وضعت بيد الخصم الاخر بالدعوى وهوالادعاء العام، والذي يمكنه بما وضع تحت يده من وسائل منها تعاون الدولة معه ان يصل الى ما قد لا يصل اليه المتهم من ادلة.

الخاتمة

بعد هذا الاستعراض السريع في ثنايا موضوع (مرحلة التحقيق في القضاء الجنائي الدولي) نجد انفسنا قد وصلنا الى نهاية المطاف الامر الذي يملي علينا ادراج اهم ما تم التوصل اليه من استنتاجات ومقترحات كانت حصيلة سبر اغوار هذا الموضوع، والتي يمكن إيجازها بالآتي:-

أـ النتائج:-

  1. أثار موضوع تسمية القضاء الدولي المختص بالمعاقبة على الجرائم الدولية نقاشا حول التسمية الصحيحة فالتسمية دارت بين (القضاء الدولي الجنائي) كما ذهب اليه فقهاء القانون الدولي، و (القضاء الجنائي الدولي) كما يذهب اليه فقهاء القانون الجنائي والتسمية الاصح هو (قضاء دولي جنائي)، بذلك لانه اولا فرع من فروع القانون الدولي وليس فرع من فروع القانون الجنائي الداخلي، فهو يدخل في اطار القانون الدولي وليس القانون الداخلي، ثانيا، ان انشاء هذا القضاء وبحسب ما افاده التطور التاريخي، اما ان يكون باتفاقية دولية او بقرار دولي يستند الى اتفاقية دولية وكما هو معلوم ان الاتفاقيات الدولية هي مصدر من مصادر القانون الدولي وليس من مصادر القانون الداخلي، ثالثا ان وظيفة هذا القضاء هو المعاقبة على الجرائم الدولية وليس الجرائم الداخلية، ورابعا هو ان هذا القضاء هو جزء من نظام قانوني متكامل وهو (القانون الدولي الجنائي)، فوجود جريمة دولية يستلزم ان يعاقب على ارتكابها من قبل قضاء دولي ايضا، وهذا القضاء لابد ان يستند في معاقبتة على الجريمة الدولية على قاعدة قانونية تجرم هذه الجريمة، واذا تسائلنا هل ان هذه القاعدة موجودة في تشريع داخلي ام في قاعدة دولية، فان الاجابة لا تحتاج الى كثير من جهد فهي موجودة في اتفاقية دولية كاتفاقية تحريم ابادة الاجناس مثلا اذا فهي جزء من القانون الدولي الجنائي.
  2. لم تكن مسألة وجود مرحلة للتحقيق كمرحلة بارزة تمر بها الدعوى الجزائية محل اتفاق، فذهب البعض الى عدم زوال هذه المرحلة في ظل القضاء الدولي الجنائي لتبني هذا القضاء النظام الاتهامي الذي تزول فيه هذه المرحلة، بل حتى ان البعض لا يسميها الا بمرحلة ما قبل المحاكمة.
  3. ان النظام الذي تبناه القضاء الدولي الجنائي في مرحلة التحقيق كأساس للاجراءات الجنائية هو نظام مختلط قريب من النظام الاتهامي ولكنه لاينطبق عليه تماما فهو مزج بين خصائص هذا النظام وخصائص نظام التحري والتنقيب.
  4. كانت مرحلة التحقيق في ظل القضاء الدولي الجنائي مرحلة مقتضبة وقصيرة ولكنها موجودة وتسبق مرحلة المحاكمة.
  5. لم ينشأ القضاء الدولي الجنائي جهازا خاصا يأخذ على عاتقه مهام مباشرة اجراءاتها بين عدة جهات وفي مختلف المحاكم الدولية ابتدءا بمحكمة نورمبرغ مرورا بمحاكم يوغسلافيا ورواندا انتهاءا بمحكمة روما الدائمة، وهذه الجهات هي أما الادعاء العام او دوائر المحكمة او اللجان الخاصة، ولاشك في ان تشتيت مهمة مباشرة التحقيق بين هذه الجهات المختلفة وذات المسؤوليات العديدة يثقل كاهل هذه اللجان من جهة ويضر بعملية سير التحقيق من جهة اخرى.
  6. لقد شاب موضوع نزاهة هيئة الادعاء العام التي تباشر عملية التحقيق بشكل رئيس شك كبير في ظل محاكم نورمبرغ وطوكيو ويوغسلافيا ورواندا بسبب طبيعة نشأت هذه الهيئات في حين ان هذه الشك قد زال في ظل المحكمة الدولية الجنائية الدائمة بسبب الضمانات التي احاطتها هذه المحكمة واهتمامها بهيئة الاعاء العام وتكوينها.
  7. تباشر الدعوى الجزائية بادئ ذي بدء عن طريق تحريكها من قبل جهات متعددة حددتها المحاكم الدولية الجنائية في انظمتها الا ان ما يمكن تسجيله هنا على عملية تحريك الدعوى، هي اعطاء مجلس الامن في ظل المحكمةالدولية الجنائية الدائمة صلاحية ايقاف اجراءات التحقيق والمباشرة بها مدة سنة كاملة وهذا لا شك مساس بحياد واستقلال المحكمة اولا وبمصالح التحقيق ثابتا فضلا عما يؤدي اليه من ضياع الكثير من الادلة خلال هذه الفترة.
  8. يعد الاستجواب في مرحلة التحقيق وكذلك القبض اجراءان اوليان تباشرهما جهة التحقيق، واضاف نظام روما الاساسي للمحكمةالدولية الجنائية الدائمة الى اجراء القبض اجراء اخر وهو الاحضار في حين افتقدت الانظمة الاساسية للمحاكم الجنائية الدولية الاخرى لهذا الاجراء.

ب ـ المقترحات:-

  1. نعتقد ان من الافضل فيما يتعلق بتسمية هذا القضاء استخدام التسمية الادق وهو القضاء الدولي الجنائي، لان هذا القضاء هو فرع من فروع القانون الدولي وللاسباب التي اوردناها في نتائج هذه الخاتمة.
  2. فيما يتعلق بمسألة وجود او عدم وجود مرحلة التحقيق فنعتقد بان مرحلة التحقيق في ظل القضاء الدولي الجنائي هي مرحلة موجودة وقائمة وان كانت مقتضبة وموجزة واوضحنها في حينةعن طريق الكثير من الاشارات التي وردت في الانظمة السياسية للمحاكمالدوليةالجنائية لمرحلة التحقيق.
  3. لا نتفق بالراي مع القول بان القضاء الدولي الجنائي قد تبنى النظام الاتهامي كأساس للاجراءات الجنائية، ونعتقد بأنه من خلال تتبع مزايا النظام الذي اخذ به القضاءالدولي الجنائي ومقارنته مع النظام الاتهامي ونظام التحري والتنقيب ظهر ان هذا القضاء انما تبنى نظام مختلط ميال الى النظام الاتهامي.
  4. نأخذ على القضاء الدولي الجنائي مسئلة عدم إنشاء جهاز متخصص لمباشرة مرحلة التحقيق وكان الأولى إنشاء مثل هذا الجهاز لكي يتولى مباشرة هذه المرحلة الهامة من مراحل الدعوى الجزائية او على الأقل تطوير احد الأجهزة التي تتولى حاليا مباشرة إجراءات التحقيق وتحويلها الى جهاز متخصص ونعني بذلك اللجان الخاصة التي ظهرت في ظل محاكم يوغسلافيا ورواندا.
  5. يفضل إبعاد مجلس الأمن عن مسئلة تحريك الدعوى وتعطيل إجراءات التحقيق في ظل المحكمة الدولية الجنائية الدائمة، ضمانا لاستقلال المحكمة أولا ولسلامة التحقيقات ثانيا.
  6. يفضل ان تتضمن الأنظمة الأساسية للمحاكم الدولية الجنائية وبالأخص التي لا تزال قائمة ألان و تباشر عملها نصوصا خاصة بإنشاء هيئات تتولى التنسيق مع الدول من اجل ضمان سير ومباشرة الإجراءات الخاصة بمرحلة التحقيق بكل سير وسهولة وعدم الاكتفاء فقط بالنصوص العامة والتوجيهات والدعوات لهذه الدول بالتعاون.

 هذه أهم الملاحظات والانتقادات التي سجلناها في إطار الموضوع وهناك الكثير منها وردت في حينها وفي مواضعها في البحث.

وأخيرا نرجو أن نكون وفقنا في الإحاطة بهذا الموضوع، ونعتذر عما ورد من خلل او شطط لغوي او إملائي غير مقصود.

المصادر

اولا- الكتب:-

  1. حسن صادق المرصفاوي، التحقيق الجنائي، موسوعة الفقه والقضاء للدول العربية، بدون سنة طبع.
  2. حسنين ابراهيم صالح، القضاء الدولي الجنائي, ط1، القاهرة، دار النهضة، 1977.
  3. حميد السعدي، مقدمة في دراسة القانون الدولي الجنائي، بغداد، مطبعة المعارف، 1971.
  4. د.سهيل حسين الفتلاوي ود.عماد محمد ربيع, القانون الدولي الانساني,دار الثقافة,عمان, الاردن,2007.
  5. شريف عتلم،القانون الدولي الانساني دليل للاوساط الاكاديمية،اللجنةالدولية للصليب الاحمر, القاهرة، 2006.
  6. -شريف عتلم,المحكمة الجنائية الدولية,اللجنة الدولية للصليب الاحمر,بلا مكان طبع,2005.
  7. د عبد الواحد محمد الفار,الجرائم الدولية وسلطة العقاب عليها, دار النهضة العربية,القاهرة,2007.
  8. غسان جميل الوسواسي، الادعاء العام، بغداد، مطبعة العمال، 1988.
  9. لندة معمر يشوي,المحكمة الجنائية الدولية الدائمة واختصاصاتها,دار الثقافة,عمان,الاردن,2010.

10-مأمون محمد سلامة,الاجراءات الجنائية في التشريع المصري,ط1,دار الفكر العربي,القاهرة,1988.

11- محمد ظاهر معروف، المبادى الاولية في أصول الاجراءات الجنائية,ج1,دار النشر الاهلية,1972.

12-د.محمد فهاد الشلالدة,القانون الدولي الانساني’منشأة المعارف’الاسكندرية,2005.

13-محمود شريف بسيوني، المحكمة الجنائية الدولية،بلا مكان طبع 2001.

14 – يونس العزاوي,مشكلة المسؤولية الجنائية الشخصية في القانون الدولي,مطبعة شفيق, بغداد,1970.

ثانيا:- البحوث والمقالات

1 – درازان دوكتيش,العدالة في المرحلة الانتقالية والمحكمة الجنائية الدولية, بحث منشور في مختارات من المجلة الدولية للصليب الاحمر 2007, تصدرعن اللجنة الدولية للصليب الاحمر, القاهرة, 2009.

2 – ضاري خليل محمود,مبدأ التكامل في النظام الاساسي للمحكمة الجنائية,مجلة دراسات قانونية, تصدر عن بين الحكمة, بغداد,العدد الاول,السنة الاولى,1999.)

3- واثبة داود السعدي، نظره في المحكمة الجنائية الدولية، مقال منشور في مجلة الحقوق، المجلد الاول، العدد الاول، بحرين، بلا سنة طبع.

ثالثا:-االمجلات والدوريات

1- المجلة الدولية للصليب الاحمر, تصدر عن اللجنة الدولية للصليب الاحمر,السنة التاسعة, العدد148, 1996.

رابعا:- الرسائل الجامعية

  1. احمد غازي الهرمزي، المحكمة الدولية الجنائية الخاصة بيوغسلافيا السابقة، رسالة ماجستير، كلية القانون، جامعة بابل، 2000.
  2. بهاء الدين عطية، ضمانات المتهم في مرحلة ما قبل المحاكمة في القضاء الدولي الجنائي، رسالة ما جستير، كلية القانون، جامعة بابل، 2000.
  3. معاذ جاسم محمد جاسم العساف، ضمانات المتهم امام المحكمة الجنائية الدولية، رسالة ماجستير، كلية القانون، جامعة بغداد، 2001.

خامسا:- الاتفاقيات والمواثيق الدولية

  1. ميثاق الامم المتحدة لعام 1945
  2. اتفاقية جنيف الاولى بشأن تحسين حال الجرحى والمرضى العسكريين في الميدان لعام 1949
  3. اتفاقية جنيف الثانية بشأن تحسين حال الجرحى والمرضى والغرقى العسكريين في البحار لعام 1949
  4. اتفاقية جنيف الثالثة بشأن معاملة أسرى الحرب لعام 1949
  5. اتفاقية جنيف الرابعة المتعلقة بحماية المدنيين اثناء النزاعات المسلحة لعام 1949
  6. البروتوكول الاضافي الاول المتعلق بحماية ضحايا النزاعات المسلحة الدولية لعام 1977
  7. النظام الاساسي لمحكمة يوغسلافيا السابقة
  8. النظام الاساسي لمحكمة راوندا
  9. النظام الاساسي للمحكمة الدولية الجنائية الدائمة لعام 1998

الملخص

يعد موضوع أقامة جهاز قضائي دولي ذا اختصاص جنائي من الموضوعات التي طالما استحوذت على اهتمامالفقهاء والكتاب التقليديين والمحدثين في ميدان القانون الدولي بل وحتى في ميدان القانون الجنائي، وقد دل التطور التاريخي لانشاء هذا الجهاز بما لا يثير الشك على تبلور فكرة انشاءهعبر مراحل متعاقبة ظهرت بشكل بارز في عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية حيث أنشئت محاكم لمعاقبة مرتكبي الجرائم وهي محاكم، نورمبرغ وطوكيو وان اصطبغت بصبغة عسكرية.

تلى ذلك وبعد فترة ليست بالقصيرة أنشاء محاكم خاصة لمحاكمة مرتكبي الجرائم في بعض الاقاليم التي شهدت نزاعات مسلحة فظهرت الى الوجود محاكم يوغسلافيا السابقة ورواندا لمحاكمة مرتكبي جرائم الحرب في اقاليم كل من هاتين الدولتين ومع ذلك بقيت هذه المحاكم محاكم خاصة، وبقيت تجربة قاصرة بسبب الولادة الضعيفة لهاتين المحكمتين.

ثم توج هذا التطور بأنشاء محكمة جنائية الاساسي دولية دائمة في عام 1998 باقرار نظام روما، وقد دخلت هذه المحكمة الى الميدان العملي من خلال احالة ال ولاهمية مرحلة التحقيق كمرحلة من مراحل الدعوى الجزائية والتي يتم فيها اعداد الادلة القانونية الصحيحة وتقديمها بين يدي القضاء المتخصص بالحكم والفصل، ولان اغلب من بحث هذا الموضوع ودخل في تفاصيل واجراءات الدعوى الجزائية المنظورة امام القضاء المذكور، لم يتطرق بالتفصيل لهذه المرحلة او سلموا تماما بما سبق ان توصل اليه غيرهم من نتائج،لذا اخترنا هذا الموضوع ليكون مادة لبحثنا وسنتناول فية كل ما يتعلق بهذة المرحلة من نظام الاجراءات الخاص بها وانتهائا باهم اجراءاتها

 

[1]- يختلف التحقيق (موضوع البحث) , عن تحقيق آخر يجري في نطاق القانون الدولي ,ونعني فيه التحقيق المنصوص عليه في المادة (90) من البروتوكول الاضافي الأول لعام 1977 , أذ يختلفان في الجهة القائمة في كل منهما والاثار المترتبة عليه , فالأول تتولى القيام به المحاكم الدولية الجنائية , في حين تقوم في الثاني اللجنة الدولية الانسانية لتقصي الحقائق التي تكفلت المادة أعلاه ببيان تشكيلها وأختصاصها ,أما من حيث الآثار فالأول ملزم للجميع طالما ان القائم به هيئة قضائية ,في حين الثاني غير ملزم حيث تقرر اللجنة الدولية المذكورة توصيات ,وسيقتصر البحث في تغطية الجوانب القانونية المتعلقة بالأول دون التحقيق الذي تجريه اللجنة الدولية الانسانية لتقصي الحقائق.

[2]- ينظر: محمد ظاهر معروف، المبادئ الاولية في اصول الاجراءات الجنائية، الجزء الاول،دار النشر الاهلية،بغداد،1972، ص9.

[3]- ينظر:د. حميد السعدي، مقدمة في دراسة القانون الدولي الجنائي،، مطبعة المعارف، بغداد،1971، ص387.

[4]- ينظر: حسن صادق المرصفاوي، التحقيق الجنائي، موسوعة الفقه والقضاء للدول العربية، بدون سنة طبع,ص8-9.

[5]- ينظر:د. حميد السعدي، المصدر السابق، ص378-379.

[6]- ينظر: حسن صادق المرصفاوي، المصدر السابق، ص9.

[7]- ينظر: د.حميد السعدي، المصدر السابق، ص378-379.

[8]- ينظر: حسن صادق المرصفاوي , المصدر السابق , ص10.

[9]- المصدر نفسه، ص10-11.

[10]- تم الاتفاق بين الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية على محاكمة مجرمي الحرب من قبل محاكم تشكلها الدول المنتصرة,فتم تشكيل محكمتين هما نورمبرغ وطوكيو, انشئت الاولى((المحكمة الدولية العسكرية في نورمبرغ)) والتي سنشير اليها فيما بعد بمحكمة نورمبرغ في عام 1945 بموجب اتفاقية مجرمي الحرب الموقعة في لندن بين الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا والاتحاد السوفيتي,علىان تتخذ برلين مقرا لها, اما الثانية((المحكمة الدولية العسكرية بطوكيو)) والتي سنشير الها فيما بعد اختصارا بمحكمة طوكيو فنشئت بعد هزيمة اليابان في الحرب العالمية الثانية بناءا على اعلان اصدره الجنرال((مارك ارثر))بأعتباره القائد الاعلى للقوات الحلفاء في الشرق الاقصى –ينظر د.سهيل حسين الفتلاوي ود.عماد محمد ربيع, القانون الدولي الانساني,دار الثقافة,عمان, الاردن,2007,ص320 وكذلك لندة معمر يشوي,المحكمة الجنائية الدولية الدائمة واختصاصاتها,دار الثقافة,عمان,الاردن,2010,ص56 وكذلك د عبد الواحد محمد الفار,الجرائم الدولية وسلطة العقاب عليها, دار النهضة العربية,القاهرة2007 ,ص112.

[11]- لقد ادت المذابح التي صاحبت الصراعات المسلحة التي اندلعت بين جمهوريات يوغسلافيا السابقة السابقة والانتهاكات الجسيمةلقواعد القانون الدولي الانساني ابانها الى مبادرة مجلس الامن الدولي بأنشاء المحكمة الدولية الجنائية ليوغسلافيا السابقة السابقة بقراريها رقم808في 2فبراير1993و827في 25مايو1993 لمحاكمة مجرمي الحرب ,والتي سنشير اليها فيما بعد بمحكمة يوغسلافيا السابقة, وعلى اثر اعمال ابادة الجنس البشري والانتهاكات الاخرى للقانون الدولي الانساني التي ارتكبت في اراضي رواندا والاراضي المجاورة لها للفترة من 1يناير-31ديسمبر1994,انشى مجلس الامن وبموجب قراره955 في 8نوفمبر1994 المحكمة الدولية الجنائية لروانداوالتي سنشير اليهافيما بعد بمحكمة رواندا-ينظر د.محمد فهاد الشلالدة,القانون الدولي الانساني’منشأة المعارف’الاسكندرية,2005.ص370 وكذلك شريف عتلم,المحكمة الجنائية الدولية,اللجنة الدولية للصليب الاحمر,بلا مكان طبع,2005,ص134.

[12]- انتهت اللجنة التحضيرية المشكلة من قبل الجمعية العامة للامم المتحدة من اعداد مشروع الاتفاقية المتعلقة بأنشاءالمحكمة الدولية الجنائية واحالته الى مؤتمر دبلوماسي في 3 ابريل 1998, وعقد المؤتمر المذكورللفترة من 15يونيو-17يوليو1998 وشارك فيه وفود 160 دولة ,واعتمد المؤتمر اعلاه في 17 يوليو1998 النظام الاساسي للمحكمة وفتح باب التوقيع عليه حتى 3 ديسمبر 2000 ودخل حيز النفاذ بتاريخ 1/7/2002 بعد المصادقة عليه من60 دولة,وما تجدر الاشارة اليه هنا ان المحكمة المذكورة ترتبط بأتفاقية وصل مع الامم المتحدة(المادة2)منالنظام الاساسي للمحكمة المذكورة.-ينظر محمد فهاد الشلالدة,المصدر السابق,ص372,373 وكذلك شريف عتلم, المصدر السابق,ص26.

[13]- انظر: المادة (5) من اتفاقية لندن المعقودة في (8/8/1945).

[14]- انظر: المادة (3) من ميثاق محكمة نورمبرغ.

[15]- انظر: القاعدة (4) من لائحة قواعد الاجراءات والاثبات الخاصة بمحكمة نورمبرغ.

[16]- ينظر: القاعدتين (9، 10) لائحة قواعد الاجراءات والاثبات الخاصة بمحكمة نورمبرغ.

[17]- ينظر: محمود شريف بسيوني، المحكمة الدولية الجنائية، بلامكان طبع,2001، ص50-61، كذلك نص ميثاق الامم المتحدة، الفصل السابع الذي يتضمن المواد من (39) الى (51).

[18]- ينظر: ديباجة اتفاقية النظام الاساسي للمحكمة الدوليةالجنائية الدائمة نظام روما لسنة 1998.

[19]- ينظر المادة (1) من النظام الاساسي للمحكمة الدولية الجنائية الدائمة.

[20]- ينظر المادة (56) من النظام الاساسي للمحكمة الدولية الجنائية الدائمة.

[21]- ينظر المواد (14) و (15) من ميثاق محكمة نورمبرغ.

[22]- ينظر: المواد (14) و (15) من ميثاق محكمة نورمبرغ.

[23]- ينظر: يونس العزاوي، مشكلة المسؤلية الجنائية الشخصية في القانون الدولي، بغداد، مطبعة شفيق، 1970، ص155.

[24]- ينظر: المادة (15) من النظام الاساسي لمحكمة يوغسلافيا السابقة.

[25]- ورد في ما يعتبر من قبيل الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الانساني في المادة (50) من أتفاقية جنيف الأولى لعام 1949 , والمادة (51) من أتفاقية جنيف الثانية لعام 1949 والمادة (131) من أتفاقية جنيف الثالثة المتعلقة بأسرى الحرب لعام 1949 والمادة (147) من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 والمتعلقة بحماية المدنيين أثناء النزاعات المسلحة والمادة (85) من البروتوكول الاضافي في الاول لعام 1977 المتعلق بحماية ضحايا النزاعات المسلحة الدولية , لمزيد من التفصيل حول الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الانساني راجع المواد المذكورة.

[26]- ينظر المادة (16) من النظام الاساسي لمحكمة يوغسلافيا السابقة.

[27]- ينظر المواد (15، 17) من النظام الاساسي لمحكمة رواندا.

[28]- ينظر المواد (52، 54، 55، 56) من النظام الاساسي للمحكمة الدولية الجنائية الدائمة.

[29]- ينظر في هذا الصدد: بهاء الدين عطيه، ضمانات المتهم في مرحلة ما قبل المحاكمةفي القضاء الدولي الجنائي، رسالة ماجستير، كلية القانون، جامعة بابل، 2000، ص20. كذلك انظر: احمد غازي الهرمزي، المحكمة الجنائية الدولية الخاصة بيوغسلافيا السابقة، ماجستير، كلية القانون، جامعة بابل، 2000، ص79-80.

[30]- ينظر: مامون محمد سلامة، الاجراءات الجنائية في التشريع المصري، ط1، الفكر العربي ,القاهرة 1985، ص15.

[31]- ينظر: حميد السعدي، مصدر سابق، ص387.

[32]- لقد استعان اغلب المتهمين بمحامين كان بعض هؤلاء المحامين اعضاء في الحزب النازي ومعذلكلم تمنعهم وضيفتهم من مباشرة مهامهم , كما استعان المتهم (فون بابن) بأبنه للدفاع عنه , ينظر: حميد السعدي , المصدر السابق ,ص388.

[33]- ينظر: المادة (24) من ميثاق محكمة نورمبرغ.

[34]- ينظر: الفقرة(4) من المادة(18) من النظام الاساسي لمحكمة يوغسلافيا.

[35]- ينظر: المادة (55) من النظام الاساسي للمحكمة الدولية الجنائية الدائمة.

[36]- ينظر: أحمد غازي الهرمزي , مصدر سابق , ص80.

[37]- لمزيد من التفاصيل عن التطور التاريخي لوظيفة الادعاء العام , ينظر: غسان جميل الوسواسي , الادعاء العام , بغداد , مطبعة العمال , 1988 , ص16-17.

[38]- سمى الاتحاد السوفيتي السابق الجنرال (رودنكو) كمدعي عام له، وعينت فرنسا(منتون) في حين كان المدعي العام الامريكي هو القاضي (جاكسون)، والمدعي العام الانكليزي هو السير (شاوكروس)، ينظر:- حميد السعدي، مصدر سابق، ص 399- 401.

[39]- ينظر: المادة (16) من النظام الاساسي لمحكمة يوغسلافيا.

[40]- ينظر المادة (42) ف (2) و (3) من النظام الاساسي للمحكمة الدولية الجنائيةالدائمة.

[41]- ينظر المادة (42) من النظام الاساسي للمحكمة الدولية الجنائية الدائمة.

[42]- ينظر المادة (15) من ميثاق محكمة نورمبرغ.

[43]- ينظر المادة (16) من ميثاق نورمبرغ.

[44]- ينظر لمزيد من التفاصيل، بهاء الدين عطيه، مصدر سابق، ص22.

[45]- ينظر: واثبة داود السعدي، نظره في المحكمة الجنائية الدولية، مقال منشور في مجلة الحقوق، المجلد الاول، العدد الاول، بحرين،بلا سنة طبع, ص335.

[46]- ينظر: المادة (53) و (54) من النظام الاساسي للمحكمة الدولية الجنائية الدائمة.

[47]- ينظر: المادة (42) الفقرة (7) من النظام الاساسي للمحكمة الدولية الجنائية الدائمة.

[48]- ينظر:حميد السعدي , مصدر سابق,ص332-339.

[49]- ينظر المادة (56) من النظام الاساسي للمحكمة الدولية الجنائية الدائمة.

[50]- ينظر المادة (57) من النظام الاساسي للمحكمة الدولية الجنائية الدائمة.

[51]- ينظر لمزيد من التفصيل عن محاكم نورمبرغ وطوكيو د.حسنين ابراهيم صالح,القضاء الدولي الجنائي ,ط1,دارالنهضة العربية, القاهرة,1997,ص84-91.

[52]- جمعت لجنة الخبراء الخاصة بيوغسلافيا ما يقارب (6500) صفحة من الوثائق , و(300) ساعة من شرائط التسجيل و (3300) صفحة من التحليلات , وقد تسلم فعلا المدعي العام هذه المعلومات من اللجنة , انظر: محمود شريف بسيوني , مصدر سابق ,ص50-54 كذلك ص59 هامش رقم(149).

[53]- ينظر: د. محمود شريف بسيوني، المصدر السابق، ص61.

[54]- لمزيد من التفاصيل ينظر ما سبق ان اشرنا اليه في المطلب الاول من المبحث الثاني حول واجبات المدعي العام، ص26_29.

[55]- ينظر المادة (14) من ميثاق محكمة نورمبرغ.

[56]- ينظر لمزيد من التفاصيل احمد غازي الهرمزي، مصدر سابق، ص87، كذلكانظر المادة(76)من النظام الاساسي لمحكمة يوغسلافيا

[57]- لقد اثارالدور الذي انيط بالمدعي العام ((سلطته القضائية بالتصدي للقضايا)) العديد من المشاكل اثناء مؤتمر روما,اذ احدث جدل كبير بين مؤيد لهذا الدور وبين معارض لوجود المدعي العام من حيث الاساس,اذ برر الفريق المعارض ذلك بتخوفه من ان يصبح المدعي العام لعبة سياسية بيد الدول , وقد حسم هذا الخلاف بأقرار نص المادة 15/فق1 من النظام الاساسي للمحكمة الدولية الجنائية والتي قررت حق المدعي العام في مباشرة التحقيق من تلقاء نفسه وعلى اساس المعلومات التي قد يحصل حول الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة – ينظر لندة معمر يشوي , المصدر السابق,ص236,237.

[58]- واذا ما قرر المدعي العام واستنادا الى نص المادة (15/فق1,2) من النظام الاساسي للمحكمة الدولية الجنائية,ومن تلقاء نفسه عدم مباشرة التحقيق بعد اجراءه تحقيقا اولي , وجب عليه ان يبلغ مقدمي المعلومات بذلك,فعلى سبيل المثال جرى الاعلان عن قرارات المدعي العام حول الاتصالات لكل من فنزويلا والعراق, وفي القضيتين اشار المدعي العام الى عدم تحقق الشرط القائم على معيار توافر اساس معقول للاعتقاد بأرتكاب جريمة من الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة.ينظر درازان دوكيتش,العدالة في المرحلة الانتقالية والمحكمة الجنائية الدولية ,بحث منشور في مختارات من المجلة الدولية للصليب الاحمر 2007,تصدر عن المجلة الدولية للصليب الاحمر ,القاهرة,2009,ص175.

[59]- ينظر: واثبة السعدي، مصدر سابق، ص335، كذلك ينظر: المواد (13، 15، 53) من النظام الاساسي للمحكمة الدولية الجنائية الدائمة.

[60]- ينظر المادة (16) من النظام الاساسي للمحكمةالدولية الجنائية الدائمة.

[61]- ينظر المادة (17) من النظام الاساسي للمحكمةالدوليةالجنائية الدائمة.

[62]- لمزيد من التفاصيل ينظر: لائحة قواعد الاجراءات والاثبات في كل من محاكم نور مبرغ 1945 ,ويوغسلافيا 1993، ورواندا 1994، ونظام روما الاساسي 1998.

[63]- ينظر: ما سبق ان اشرنا اليه في الحديث عن النظام الاتهامي، ص6 – 9.

[64]- ينظر: بهاء الدين عطيه، مصدر سابق، ص22.

[65]- ينظر: معاذ جاسم محمد جاسم العساف، ضمانات المتهم امام المحكمة الجنائية الدولية، رسالة ماجستير، كلية القانون، جامعة بغداد، 2001، ص115.

[66]- بلغ عدد المتهمين امام محكمة نورمبرغ (24) جميعهم كانوا موقوفين لدى قوات الحلفاء قبل انشاء المحكمة عدا متهم واحد هارب وهو بورمان , بل ان احد المتهمين وهو هيس كان موقوف لدى الحلفاء قبل انتهاء الحرب منذ 1941 , لمزيد من التفاصيل ينظر: حسنين ابراهيم صالح , مصدر سابق , ص84-89.

[67]- ينظر: المواد (17 , 18) من النظام الاساسي لمحكمة رواندا.

[68]- ينظر القاعدة (55) من لائحة قواعد الاجراءات لمحكمة يوغسلافيا والقاعدة (33) من لائحة رواندا.

[69]- ينظر القاعدة (40) من قواعد الاجراءات لمحكمة يوغسلافيا والقاعدة (40) من لائحة رواندا.

[70]- ذ توجد احكام محددة للتعاون في سياق النظم الاساسية للمحاكم الدولية, اذ يجب القيام بهذا التعاون اما بمقتضى المعاهدة كما هو الحال بالنسبة للنظام الاساسي للمحكمة الدولية الجنائية المواد(86-181), او تنفيذ لقرارات ملزمة صادرة عن مجلس الامن (قراره 827بخصوص التعاون مع محكمة يوغسلافيا السابقة وقراره955 بخصوص التعاون مع محكمة راوندا) – مشار اليها عند جون –ماري هنكرتس واخرون, القانون الدولي الانساني العرفي,اللجنة الدولية للصليب الاحمر, القاهرة,2007,ص541.

[71]- قامت القوات الدولية في يوغسلافيا (أيفور بـ(13) عملية القاء قبض طلعت متهمين بارزين في حين تم القبض على (43) متهم امام محكمة رواندا من قبل بعض الدول الافريقية , ينظر: بهاء الدين عطية , مصدر سابق , ص42 , ينظر كذلك: ضاري خليل محمود , مبدأ التكامل في النظام الاساسي للمحكمة الجنائية الدولية , مجلة دراسات قانونية , بيت الحكمة , العدد الاول , السنة الاولى , بغداد , 1999م , ص29-30.

[72]- ينظر المادة (58) ف (2) و (3) من النظام الاساسي للمحكمة الدولية الجنائية.

[73]- انشئت في ظل محكمة يوغسلافيا وحدة خاصة تابعة للامم المتحدة لاحتجاز المقبوض عليهم وبلغ عدد المقبوض عليهم في الوحدة عام 1999 (28) متهم وقد عقدت اللجنة الدولية الصليب الاحمر مع محكمة يوغسلافيا اتفاقية بمقتضاها يسمح للجنةالمذكورة زيارة المحتجزينلمزيد من التفصيل ينظر: بهاء الدين عطية , المصدر السابق , ص42 , كذلك ينظر: اتفاق بين المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا واللجنة الدولية للصليب الاحمر بشان شروط زيارة الاشخاص المحتجزين تحت مسؤولية المحكمة ,المجلة الدولية للصليب الاحمر, السنة التاسعة , العدد 148 , 1996 , ص33-36.

[74]- ينظر: المادة (9) الفقرات (ا, د , ج) من ميثاق محكمة طوكيو.

[75]- الا انه وقدر تعلق الامر بمحكمة يوغسلافيا,اكدت الدائرة الاستئنافية للمحكمة المذكورة((عندما يسعى الدفاع الى ايجادعلاج لعدم امتثال المدعي العام للالتزام بالافصاح عن دليل نفي التهم بموجب القاعدة(68)يجب عليه اولا ايضاح ان الادعاء تصرف بما يخالف التزاماته بموجب القاعدة سالفة الذكر وثانيا ان قضية الدفاع عانت اضرارا مادية نتيجة ذلك ,كما اكدت الدائرة اعلاه ان قراءة القاعدة (68) ببساطة يتضح معها ان الادعاء يلتزم فحسب بالافصاح عن وجود مواد ومعلومات وفقا للقاعدة(68) وليس تقديم المواد او المعلومات نفسها – ملخص حكم الدائرة الاستئنافية الصادر في 19/ابريل/2004 في قضية المدعي العام ضد رادسيلاف كرستيش المقيدة بسجل المحكمة برقم IT-98-33-A – مشار اليه عند شريف عتلم ,القانون الدولي الانساني دليل للاوساط الاكاديمية ,اللجنةالدولية للصليب الاحمر, القاهرة , 2006, ص143,144.

[76]- ينظر القواعد (68,66) من لائحة قواعد الاجراءات والاثبات لمحكمة يوغسلافيا والقواعد (68 , 66) لمحكمة رواندا.

[77]- ينظر القواعد (66 , 69 , 70)من لائحة قواعد الاجراء والاثبات لمحكمة يوغسلافيا(والمواد ذاتها من لائحة رواندا).

[78]-ينظر: بهاء الدين عطية , مصدر سابق , ص115.