تصنیف البحث: القانون
من صفحة: 235
إلى صفحة: 253
النص الكامل للبحث: PDF icon 180417-154105.pdf
خلاصة البحث:

بسبب نشوب الحربين العالميتين الأولى والثانية التي جرفت في تيارها معظم دول العالم  وكبدت شعوبها ملايين القتلى والجرحى والمشوهين وبما لا يقدر من الخسائر المادية ظهر التنظيم الدولي العالمي الذي تمثل في عصبة الأمم سابقا  و منظمة الأمم المتحدة التي مازالت قائمه تعمل بجد وثبات وتكافح من اجل  الحفاظ على السلم والأمن الدوليين وتجنب البشرية ويلات كوارثيه جديدة،  فقد قامت منظمة الأمم المتحدة على أنقاض التنظيم الدولي المنهار (منظمة عصبة الأمم)، ومع ذلك كان عهد العصبة سابقة تاريخية في التنظيم الدولي، وتعتبر منظمة الأمم المتحدة نسخه منقحة من منظمة عصبة الأمم، فكثير من الخطوط الرئيسية والملامح الأساسية للعصبة تتجلى في منظمة الأمم المتحدة وعملية التنقيح والتعديل التي أنجزها واضعو الميثاق الأممي الجديد تدل على رغبتهم الصادقة في تلافي ما كان يشوب العصبة من عجز وقصور، وبالتالي فقد اقتبس مؤسسو منظمة الأمم المتحدة كثيراً من الهياكل والمؤسسات التي كانت موجودة بالعصبة، ومن أهم تلك الهياكل مجلس العصبة، لذلك أوجد المؤسسون لمنظمة الأمم المتحدة مجلساً سموه مجلس الأمن، ورغبة في تمكين هذا المجلس من تحقيق أهدافه وإدراك غاياته الأساسية اعترف له ميثاق الأمم المتحدة بحق إصدار القرارات الملزمة وبسلطة التدخل في المنازعات الدولية بغض النظر عن موافقة أو اعتراض الدول المتنازعة.

وفي السنوات الأخيرة أكدت معظم الدول في أكثر من مناسبة على أن الأمم المتحدة بشكل عام ومجلس الأمن الدولي تحديداً يمر اليوم بواحدة من أخطر الأزمات التي واجهته منذ إنشائه بعد أن فقد معظم صلاحياته، وبالأصح انتزعت منه أهم الصلاحيات التي أنشئ من أجلها، وهي الحيلولة دون قيام الحروب والمحافظة على السلم والأمن الدوليين خصوصاً في ظل هيمنة أحدى الدول العظمى على القرار العالمي وانتهاكها المستمر للمواثيق الدولية وعلى رأسها مبدأ امتناع الأعضاء عن استعمال القوة أو التهديد فيها في العلاقات بين الدول خارج إطار الشرعية الدولية، وقد كان تدخل مجلس الأمن الدولي في السنوات الأخيرة في أكثر من مشكلة دولية وتخطية صلاحياته الممنوحة له في ميثاق منظمة الأمم المتحدة سبباً وجيهاً بأن تستمر مطالبة أغلبية أعضاء المجتمع الدولي بضرورة إصلاحه، فقد جعل موضوع إصلاح مجلس الأمن بما في ذلك نظام التصويت  وبالذات حق النقض الفيتو فيه يكتسب أهمية أكبر وجعله أكثر إلحاحاً عن ذي قبل.

ولأهمية هذا الموضوع وما يثيره من إشكاليات على الساحة الدولية فقد تم دراسته من خلال ثلاث مباحث احتوى الأول والذي يتعلق ببيان مفهوم حق النقض الفيتو مطلبين تناول الأول الأساس القانوني له والثاني لأنواعه، واحتوى المبحث الثاني الذي خصص لدراسة استعمال حق النقض الفيتو مطلبين وضح الأول آلية استعماله والثاني مدى إمكانية تقييد استعماله، واحتوى المبحث الثالث الذي تم فيه بيان تقويم حق النقض الفيتو مطلبين أيضا بين الأول مزاياه وعيوبه والثاني محاولات إصلاحه، وأخيرا فان هناك خاتمة تتضمن على مجموعه من الاستنتاجات والتوصيات .

البحث:

بسبب نشوب الحربين العالميتين الأولى والثانية التي جرفت في تيارها معظم دول العالم  وكبدت شعوبها ملايين القتلى والجرحى والمشوهين وبما لا يقدر من الخسائر المادية ظهر التنظيم الدولي العالمي الذي تمثل في عصبة الأمم سابقا  و منظمة الأمم المتحدة التي مازالت قائمه تعمل بجد وثبات وتكافح من اجل  الحفاظ على السلم والأمن الدوليين وتجنب البشرية ويلات كوارثيه جديدة،  فقد قامت منظمة الأمم المتحدة على أنقاض التنظيم الدولي المنهار (منظمة عصبة الأمم)، ومع ذلك كان عهد العصبة سابقة تاريخية في التنظيم الدولي، وتعتبر منظمة الأمم المتحدة نسخه منقحة من منظمة عصبة الأمم، فكثير من الخطوط الرئيسية والملامح الأساسية للعصبة تتجلى في منظمة الأمم المتحدة وعملية التنقيح والتعديل التي أنجزها واضعو الميثاق الأممي الجديد تدل على رغبتهم الصادقة في تلافي ما كان يشوب العصبة من عجز وقصور، وبالتالي فقد اقتبس مؤسسو منظمة الأمم المتحدة كثيراً من الهياكل والمؤسسات التي كانت موجودة بالعصبة، ومن أهم تلك الهياكل مجلس العصبة، لذلك أوجد المؤسسون لمنظمة الأمم المتحدة مجلساً سموه مجلس الأمن، ورغبة في تمكين هذا المجلس من تحقيق أهدافه وإدراك غاياته الأساسية اعترف له ميثاق الأمم المتحدة بحق إصدار القرارات الملزمة وبسلطة التدخل في المنازعات الدولية بغض النظر عن موافقة أو اعتراض الدول المتنازعة.

وفي السنوات الأخيرة أكدت معظم الدول في أكثر من مناسبة على أن الأمم المتحدة بشكل عام ومجلس الأمن الدولي تحديداً يمر اليوم بواحدة من أخطر الأزمات التي واجهته منذ إنشائه بعد أن فقد معظم صلاحياته، وبالأصح انتزعت منه أهم الصلاحيات التي أنشئ من أجلها، وهي الحيلولة دون قيام الحروب والمحافظة على السلم والأمن الدوليين خصوصاً في ظل هيمنة أحدى الدول العظمى على القرار العالمي وانتهاكها المستمر للمواثيق الدولية وعلى رأسها مبدأ امتناع الأعضاء عن استعمال القوة أو التهديد فيها في العلاقات بين الدول خارج إطار الشرعية الدولية، وقد كان تدخل مجلس الأمن الدولي في السنوات الأخيرة في أكثر من مشكلة دولية وتخطية صلاحياته الممنوحة له في ميثاق منظمة الأمم المتحدة سبباً وجيهاً بأن تستمر مطالبة أغلبية أعضاء المجتمع الدولي بضرورة إصلاحه، فقد جعل موضوع إصلاح مجلس الأمن بما في ذلك نظام التصويت  وبالذات حق النقض الفيتو فيه يكتسب أهمية أكبر وجعله أكثر إلحاحاً عن ذي قبل.

ولأهمية هذا الموضوع وما يثيره من إشكاليات على الساحة الدولية فقد تم دراسته من خلال ثلاث مباحث احتوى الأول والذي يتعلق ببيان مفهوم حق النقض الفيتو مطلبين تناول الأول الأساس القانوني له والثاني لأنواعه، واحتوى المبحث الثاني الذي خصص لدراسة استعمال حق النقض الفيتو مطلبين وضح الأول آلية استعماله والثاني مدى إمكانية تقييد استعماله، واحتوى المبحث الثالث الذي تم فيه بيان تقويم حق النقض الفيتو مطلبين أيضا بين الأول مزاياه وعيوبه والثاني محاولات إصلاحه، وأخيرا فان هناك خاتمة تتضمن على مجموعه من الاستنتاجات والتوصيات .

المبحث الأول: مفهوم حق النقض(الفيتو)

حق النقض الفيتو لغة هو كلمه لاتينية معناها (أنا لا سمح  أو أنا امنع) هو حق إجهاض وعدم تمرير أي مشروع قانون أو قرار  مقترح،  أي اعتراض شخص أو هيئة على إصدار تشريع مقترح،  فبعض الدساتير منحت الملوك و الرؤساء حق الفيتو، مثل الدستور الانجليزي الذي منح الملك هذا الحق، و كذلك الدستور الأمريكي الذي منح الرئيس حق النقض على مشروعات القوانين التي يقترحها الكونجرس.  هو صفة تعزى إلى القوة، أو هو القدرة على وقف النتائج غير المرغوب فيها. ثم إنه قدرة توجد لدى طرف واحد، مع أن الفاعلين قد يتعاونون على ممارسة مشتركة للفيتو. ويمكن إضفاء الطابع الشرعي على الفيتو بالنص عليه في القوانين الداخلية والدولية  ([1])  .

ومن وجهة نظر القانون الدولي يُعرف حق النقض الفيتو على انه حق الاعتراض الذي تستخدمه إحدى الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن عند التصويت على أي مشروع قرار يتعلق بالمسائل الموضوعية(المهمة) دون المسائل الاجرائيه التي تعرض أمام مجلس الأمن دون إبداء الأسباب، و أن هذا النظام في التصويت اعتمد في مجلس الأمن لتشجيع  الدول الكبيرة والمؤثرة في العلاقات الدولية  على المشاركة في الأمم المتحدة عقب الحرب العالمية الثانية، بعد أن تبين  لها أنها قد تخسر بعض الامتيازات في حال شاركت في منظمة تحترم الديمقراطية.  ومنح  هذا الحق للأعضاء الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، وهم: روسيا، الصين، المملكة المتحدة، فرنسا، الولايات المتحدة ([2]) .وهو في واقع الأمر ليس مجرد اعتراض على مشروع القرار المعروض أمام مجلس الأمن فحسب بل هو  إسقاط  للقرار([3]). و قد أصبح هذا الاصطلاح متداولا منذ قيام الأمم المتحدة عام  1945 وبالذات في مجلس الأمن الدولي ولأعضائه الخمسة الدائمين العضوية الذين يمتلكون هذا الحق بمواجهة أي مشروع قرار يعرض للتصويت  في المجلس، إذ يكفي لعدم تمرير أو إصدار أي مشروع قرار اعتراض أي دوله من هذه الدول حتى لو وافق عليه جميع الأعضاء الآخرين وحتى وإن كان مقبولاً للدول الأعضاء الأربعة عشر الأخرى ([4])  الدائمين وغير الدائمين في مجلس الأمن. ويتناقض هذا النظام عموماً مع القواعد الأساسية التي تشترطها النظم الديمقراطية، فناهيك عن أن الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن لم تنتخب لعضوية هذا المجلس بصورة ديمقراطية، فهي أيضاً لا تصوت على القرارات بنظام الأغلبية المعروف. وأن نظام التصويت المتبع في مجلس الأمن ساهم في إضعاف بل وتقويض نزاهة الأمم المتحدة، وقد أدى الإسراف في استخدام حق النقض الفيتو من جانب بعض الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن إلى إصابة منظمة الأمم المتحدة بالعجز في تحقيق أهدافها([5]). ويرى البعض أن التوافقات التي يتطلبها صدور القرارات في مجلس الأمن تحت ظل الفيتو، تضعف من النزاهة والموضوعية لتلك القرارات ([6]) .، لذلك فقد ظهرت في السنوات العشر الأخيرة آراء تطالب بتعديل ميثاق الأمم المتحدة من خلال زيادة أعضاء مجلس الأمن الدائمين دون المساس بحق النقض  بإضافة دول أخرى مقترحة كاليابان وألمانيا والبرازيل، وآراء أخرى تنادي بمنح مقعد دائم لكل من دول أفريقيا وأمريكا الجنوبية وينبغي الإشارة كذلك  إلى إن الدول العربية هي الأخرى  تقدمت بمطلب تسعى فيه للحصول على ثلاث مقاعد في مجلس الأمن منها مقعد دائم ومقعدان غير دائمين بما يتناسب مع تعداد سكانها، وآراء أخرى تدعو إلى وضع ضوابط لمنع إساءة حق النقض واتخاذه أساسا للاسترسال في عدم المساواة وإيقاع الظلم بالآخرين والسيطرة على مقدرات العالم، وهناك بعض الآراء الداعية إلى تعديل أو إلغاء حق الفيتو واعتماد نظام أكثر شفافية وديمقراطية وتوازن عند التصويت على مشروعات القرارات في مجلس الأمن. ولغرض الإلمام أكثر فأكثر بمفهوم حق النقض الفيتو فان ذلك يقتضي منا توضيح أساسه القانوني ومن ثم تحديد أنواعه،  وسنقوم بشرح كل ذلك في مطلب مستقل وكالاتي. 

المطلب الأول: الأساس القانوني لحق النقض

لغرض بيان الأساس القانوني لحق النقض فان ذلك يقتض الإجابة عن الأسئلة التالية،هو كيف حصلت الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن على حق النقض ؟ هل حصلت عليه بسبب بموجب صفقه سياسيه شاملة لترغيب الدول الكبرى للانضمام لمنظمة دوليه ديمقراطيه لا تجني من الانضمام إليها إلا المتاعب  وبمقابل هذا تُمنح الدول الكبرى حق النقض؟ أم إنها حصلت علية بموجب اتفاق كانت فيه الدول الكبرى هي الأقوى في العقد وهي التي تفرض شروطها على الدول الصغيرة([7]) ؟  أم إنها حصلت عليه بموجب اتفاق إرادات الدول جميعا على منح هذا الحق للدول الكبرى ؟

لا شك إن نظام  التصويت في مجلس الأمن كانت من أصعب المسائل التي واجهتها الأمم المتحدة عند صياغة الميثاق في) مؤتمر دمبارتون أوكس (Dumbarton Oaks Conference  1944. وبقيت هذه المسألة معلقه حتى انعقاد)مؤتمر يالطا   1945 (Yalta Conference بين كل من  فرانلكين روزفلت رئيس الولايات المتحدة الامريكيه و ونستون تشرشل رئيس وزراء بريطانيا والزعيم السوفيتي  جوزيف ستالين، في هذا المؤتمر عرض الرئيس روزفلت مقترحا أيدهُ  ستالين  و تشرشل وقبلت به الصين فيما بعد وهو المقترح الذي جاءت صياغته (في المادة 27) من الميثاق والتي عرفت فيما بعد  بصيغه يالطا ([8]). ولكن المادة 27 قد أثارت جدلا واختلافات حادة في وجهات النظر في(مؤتمر سان فرانسيسكو(San Francisco Conference   1945.هذه المادة وليدة مؤتمر يالطا كما سبق أن اشرنا إليها لدرجة إنها تعرف بصياغة يالطا وهي في نفس الوقت أساس ما يسمى بحق النقض الفيتو وأمام اعتراض الدول المدعوة في مؤتمر سان فرانسيسكو على صيغة المادة 27 قامت الدول الداعية بإصدار ما يمكن اعتباره مذكرة تفسيرية  لنص المادة 27 من الميثاق في سنة 1945 ([9]).كان هذا هو اقتراح الولايات المتحدة الامريكيه وتطابق موقف بريطانيا مع هذا الطرح وقد عارض الاتحاد السوفيتي هذا المقترح ودافع عن فكرته القائلة إن القرارات المتصلة بالمشكلات الأكثر أهميه لحفظ السلام والأمن بين الدول يجب أن تتخذ بالموافقة الجماعية للدول الثلاث المنتصرة (الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الامريكيه وبريطانيا) وكذلك كل من الصين وفرنسا بوصف الدولتين تتمتعان بحقوق العضوية الدائمة ([10]) .

وهوجمت امتيازات الدول الكبرى في مسألة التصويت في المجلس من جانب الدول الأخرى إلا إن الدول الكبرى تمسكت بالصيغة التي أقرتها في مؤتمر يالطا، وفي مؤتمر سان فرانسيسكو عرض الحال على المجتمعين فاندلع الخلاف من جديد بينهم، وحملت الدول الصغرى على الامتيازات التي أقرتها الدول الكبرى لنفسها، ولم تأبه الدول الكبرى باعتراضات الدول الصغرى وان الاعتراضات لم تغيير شيئا من صيغة الاتفاق الذي اتخذه الكبار في مؤتمر يالطا.  إلا إن الدول الدائمة العضوية  قد أكدوا في إثناء المناقشات على أنهم لن يستعملوا حق النقض إلا في أضيق الحدود  وعلى أنهم في استعمالهم لهذا الحق سيحدوهم دائما الشعور بمسؤولياتهم تجاه الدول الصغرى وسيأخذون بعين الاعتبار حقوق  تلك الدول، وبعد وضع الميثاق وتطبيقه اختلف الكبار أنفسهم على الأسس التي اتفقوا عليها، ومازالت هذه المسألة تؤرق جفون المنظمة العالمية وتقف حجر عثرة في سبيل تفاهم أعضاؤها وإصدار القرارات ([11]).

وحق النقض  يشتق من الناحية الدستورية من نص المادة 27 من الميثاق التي تتحدث عن كيفية إجراء التصويت في مجلس الأمن، فهي بعد أن تقرر أن لكل عضو من أعضائه صوتا واحد([12])، فإنها تمييز بين نوعين من القرارات  فبموجب الفقرة الثانية فان القرارات التي تتعلق في المسائل الإجرائية (غير المهمة) تصدر بموافقة أغلبية تسعة أعضاء على الأقل دون تمييز بين أصوات الأعضاء الدائمين وأصوات الأعضاء غير الدائمين. وبموجب الفقرة الثالثة فان القرارات التي تتعلق في المسائل الأخرى(المهمة أو الموضوعية) فإنها تصدر بموافقة تسعه على الأقل من الأعضاء بشرط أن يكون من بينها أصوات الأعضاء الدائمين متفقه ([13]).  وهذا يعني إن كل عضو دائم في المجلس يملك حق النقض الفيتو عند التصويت على مشروعات القرارات الموضوعية، فإذا اعترض بمفرده، أو إذا اعترض الأعضاء الدائمون مجتمعين، على قرار في مسألة موضوعيه فان المجلس لا يمكنه إصدار قرار في هذا المسألة. أما العضو غير الدائم فلا يملك هذا الحق بمفرده.

إن ما اتفقت عليه الدول الكبرى في مؤتمري يالطا وفرانسيسكو والذي تم تدوينه في المادة 27 من ميثاق منظمة الأمم المتحدة يعد الأساس القانوني لحق النقض الفيتو الذي يتمتع به الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن، فعندما اجتمع المشرعون الدوليون في مؤتمر سان فرانسيسكو من 25 نيسان وحتى 26 حزيران 1945 وجدوا إن المادة 27 من الميثاق التي تمنح هذا الحق للدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن قد أدرجت  في الميثاق ولم يكونوا أحراراً في رفضها أو تعديلها لأنه جرى إفهامهم أن الدول الخمس لن توقع على المشروع إذا جرى أي مساس بهذه الامتياز الذي منح لهم بموجب هذه المادة، الأمر الذي أدى إلى أن تقوم الدول على التوقيع على الميثاق دون الاعتراض على منطوق المادة 27 من الميثاق. وبهذا يمكن تكييف الاتفاق الذي تم بموجبه منح حق النقض الفيتو للدول الكبرى والذي ثبت في ميثاق الأمم المتحدة في المادة 27 الفقرة 3 بأنه اتفاق إذعان اعتمد على ما أعدته الدول الكبرى بصورة منفردة من شروط  تم بموجبه منحها حق النقض الفيتو باعتبارها طرفا في العلاقة التعاقدية ليعرض على الطرف الآخر وهي الدول الصغرى التي ليس لها إلا الموافقة على الاتفاق كما هو أو رفضه دون أن يكون لها حق تغير العبارات الواردة  فيه أو الشروط والأحكام التي يتضمنها ولا أن تدخل في مفاوضة أو مساومة حقيقية على شروطه مع الطرف المُعد لهذا الاتفاق.

المطلب الثاني: أنواع حق النقض(الفيتو (

في سياق الحديث عن مفهوم حق النقض الفيتو فان الأمر يقتضي الإشارة إلى بيان أنواع الفيتو والتي يمكن تقسيمها على النحو التالي:

الفيتو الحقيقي أو المبسط:

وهو يعني التصويت السلبي من قبل عضو من الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن على مسألة موضوعيه، أي انه في حالة ما إذا صوتت أي من الدول الأعضاء الدائمين  سلبا ضد أي مشروع قراريتعلق بالمسائل الموضوعية فان القرار لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يصدر، وهذا الفيتو هو النوع المألوف والشائع الاستعمال في أروقة مجلس الأمن  ويسمى الفيتو الحقيقي أو الافتتاحي.

الفيتو المزدوج:

لم ترد المسائل الإجرائية ولا المسائل الموضوعية على سبيل الحصر في الميثاق، لذلك فانه ولغرض تكييف مسألة معينه يصار إلى عرضها أمام مجلس الأمن للتصويت عليها لبيان طبيعتها هل هي مسألة إجرائية أم موضوعيه. وأثناء التصويت يقوم العضو الدائم الذي يريد الحيلولة دون صدور قرار معين من مجلس الأمن لصالح تلك المسألة يكيف تلك المسألة على أساس أنها موضوعيه وليس إجرائية، وذلك باستخدام حق النقض بقصد تحويل المسألة المعروضة المراد تكييفها من إجرائية إلى موضوعية. ولقد ظهر الاعتراض المزدوج استنادا إلى اعتبار مسألة التكييف القانونية مسألة موضوعية حيث تستطيع الدول الدائمة استعمال حق النقض سواء عند البحث في موضوع التكييف وسواء عند دراسة الموضوع ذاته.

وعلى سبيل التمثيل لا الحصر في عام 1946 تقدمت كل من بريطانيا واستراليا إلى مجلس الأمن بمشروع قرار مؤداه إبقاء المسالة الاسبانية على جدول أعمال المجلس وكما هو معروف فان جدول الأعمال - في غالب الأمر- يكون من الأمور الإجرائية، إلا إن مندوب الاتحاد السوفيتي أراد أن يحول هذا الموضوع من مسالة إجرائية إلى مسالة موضوعيه  ليحول بذلك دون أن يتخذ المجلس قرارا في هذا الشأن. وكان رأي رئيس المجلس إن هذه المسالة هي مسألة إجرائية أي إبقاء المسالة الاسبانية على جدول أعمال المجلس،  لكن مندوبي الاتحاد السوفيتي السابق وفرنسا في ذلك الوقت صوتوا سلبيا ضد مشروع قرار التكييف مستخدمين حق النقض،وبذلك تكيفت المسالة بأنها موضوعيه وليست إجرائية ولو طرحت المسالة للمناقشة وأراد المجلس أن يتخذ قرارا في شان هذا الموضوع لاستخدام الاتحاد السوفيتي أو فرنسا أو الاثنين معا حق النقض ليحولا  دون صدور قرار بذلك، ويسمى الفيتو في هذه الحالة بالفيتو المزدوج.

وفي مثال آخر كان على جدول أعمال المجلس طلب انضمام كل من حكومة ألبانيا ومنغوليا إلى عضوية الأمم المتحدة، واقترحت الولايات المتحدة الأمريكية تأجيل التصويت على الطلبات المذكورة،وعلى ذلك قرر رئيس المجلس أن طلب الولايات المتحدة الأمريكية يعتبر إجرائيا، ولكن بالتأكيد هناك اعتراض على هذا الرأي، وفي هذا الشأن قرر الرئيس طرح الموضوع للتصويت بالطريقة الآتيه : (أني أطلب من الأعضاء الذين يعتبرونها مسألة إجرائية أن يرفعوا أيديهم). فكانت النتيجة إن هناك خمس دول صوتت لصالح إجرائية المسالة ولكن اعترضت أربع دول أخرى على ذلك التكييف وكل تلك الدول الأربع أعضاء دائمة في مجلس الأمن أي أن هذه الدول قد استخدمت حق الفيتو ضد قرار تكييف المسألة، وعند النظر في طلب أي من الحكومتين للانضمام للأمم المتحدة فان الأمر يقتضي استخدام حق النقض في قبول عضوية هذه الدول أو تلك ويطلق على هذا النوع من الفيتو أيضا الفيتو المزدوج.

الفيتو المستتر:

الفيتو المستتر يعني الدفع بثلث الأعضاء للامتناع عن التصويت او التصويت ضد مشروع القرار المعروض أمام مجلس الأمن، وهذا النوع من الفيتو صورة تكشف واقع العمل في مجلس الأمن خصوصا بالنسبة لنظام التصويت. وتفسير ذلك إن الولايات المتحدة تمكنت عن طريق السيطرة على عدد كاف من الأصوات داخل المجلس من منع صدور أي قرار من المجلس يتعارض مع مصالحها أو يقف دون أطماعها، ومن دون أن يستعمل أي من الأعضاء الدائمين حق النقض، وتأسيسا على ذلك يكون الاختلاف بين كل من الاتحاد السوفيتي(السابق) والولايات المتحدة اختلافا شكليا أو ظاهريا أكثر منه اختلافا حقيقيا أو واقعيا. فكلا الطرفين استعمل حق الفيتو وان كانت روسيا قد استعملت حق الفيتو القانوني أي الظاهري إلا إن الولايات المتحدة استعملت ما يمكن تسميته بالفيتو الواقعي أي المستتر([14]).

الفيتو بالوكالة :

يمكن استعمال الفيتو بالوكالة أو بالنيابة عندما  تقدم دولة دائمة العضوية على استعمال حق النقض الفيتو لصالح دولة أخرى من الدول الدائمة العضوية، فبموجب المادة 27 فقره 3  تشترط انه في القرارات المتخذة تطبيقا لإحكام الفصل السادس والفقرة 3 من المادة 52 يمتنع من كان طرفا في نزاع عن التصويت([15])، فعضو مجلس الأمن الدولي الدائم الذي يكون طرفا في  نزاع  معروض على المجلس الامتناع عن التصويت ويمكن أن ينيب  هذا العضو عضو آخر في مجلس الأمن  باستخدام حق النقض، وهذا التصرف يعرف بالفيتو بالوكالة، وأكثر الدول التي تمارس هذا النوع من الفيتو هي الولايات المتحدة الأمريكية ([16]).

الفيتو الجماعي:

يمكن للأعضاء غير الدائمين في مجلس الأمن أن يكون لهم الحق في نقض أي مشروع قرار يعرض أمام المجلس، فمتى ما رفض أكثر من ستة أعضاء غير دائمين في المجلس مشروع القرار أثناء التصويت عليه  فان الأغلبية المطلوبة من تسعة أصوات لا يمكن أن تتحقق حتى لو صوت كل الأعضاء الدائمين لصالح مشروع القرار، وهذا النوع من الفيتو نادر الحصول.

المبحث الثاني:  استعمال حق النقض الفيتو

في هذا المبحث سوف نحاول أن نبين آلية استعماله ومدى إمكانية تقييد استعماله وسنخصص لكل منها مطلب مستقل.

 

المطلب الأول: آلية استعمال حق النقض

لمجلس الأمن في منظمة الأمم المتحدة كما هو الحال بالنسبة للجمعية العامة جملة من الضوابط الخاصة بالإجراءات وحق عرض الموضوعات والمراحل التي تمر فيها هذه الموضوعات حتى بدأ عملية التصويت النهائي عليها. إن نظام التصويت في مجلس الأمن من أهم المسائل في منظمة الأمم المتحدة، كما أثارت شكوك الدول المدعوة في مؤتمر سان فرانسيسكو لاحتمال إخلال مجلس الأمن بوظائفه بسبب استعمال هذا النظام في التصويت وقد ظهر بجلاء تحقق هذين الأمرين حيث ظل نظام التصويت مظهر من مظاهر عدم المساواة كما ظل سببا رئيسيا وراء العجز الذي أصاب المجلس في كثير من الأحيان.

ويقوم نظام التصويت في المجلس طبقا للمادة 27 من ميثاق الأمم المتحدة على الآتي :

1.  يكون لكل عضو من أعضاء مجلس الأمن صوت واحد.

2.  تصدر قرارات مجلس الأمن في المسائل الإجرائية بموافقة تسعة من أعضائه.

3. تصدر قرارات مجلس الأمن من المسائل الأخرى كافة بموافقة أصوات تسعة من أعضائه يكون بينها أصوات الأعضاء الدائمين مجتمعة بشرط انه في القرارات المتخذة تطبيقا لأحكام الفصل السادس والفقرة الثانية من المادة 52 يمتنع من كان طرفا في النزاع عن التصويت.

وهكذا جاء نص المادة 27 الذي وضع نظاما للتصويت يختلف حسب طبيعة المسائل المعروضة على المجلس هل هي مسائل إجرائية أم إنها مسائل موضوعية،وللتعرف على طبيعة هذه المسائل والنظام القانوني المتبع للتصويت على كل منها سوف نبحثها في الفقرة الآتية.  

أولا: التمييز بين المسائل الإجرائية والمسائل الموضوعية

1. المسائل الإجرائية:

 يثير التصويت على المسائل الإجرائية أي المتعلقة بالإجراءات تساؤلات عديدة من أهمها تحديد المقصود بالمسائل الإجرائية ونظام التصويت عليها.

المقصود بالمسائل الإجرائية :

المسائل الإجرائية هي كما تشير إلى ذلك التسمية، الأمور المتعلقة بالإجراءات بصفة عامة ومع ذلك فان هذه التسمية تثير الكثير من الشكوك خاصة بالنسبة للأمور التي يمكن إدخالها في زمرة المسائل الإجرائية. ومما ساعد على ذلك إن الميثاق نفسه لم يحدد المقصود بالمسائل الإجرائية. ويستند الفقه عادة في تحديد المسائل الإجرائية إلى ما جاء بمذكرة الدول الكبرى بتاريخ 7 يونيو 1945 السابق الإشارة إليها. فقد تضمنت هذه المذكرة إن المسائل التي وردت في المواد 28، 29، 30، 31، 32 من الميثاق تعتبر من المسائل الإجرائية وانطلاقا من هذا تعتبر مسائل إجرائية كل من :  إقرار تعديل قواعد الإجراءات، تحديد طرق اختيار الرئيس، تنظيم المجلس لنفسه على نحو يجعله قادرا على أن يعمل باستمرار، اختيار الأوقات والأماكن لاجتماعاته العادية الخاصة،  إنشاء الاجهزه والوكالات التي يراها مناسبة لقيامه بوظائفه، دعوة دولة عضو في الأمم المتحدة غير ممثل في المجلس لحضور مناقشات تهمها، دعوة دوله للاشتراك في مناقشة البند المطروح على جدول الأعمال إذا كانت تلك الدول طرفا في النزاع موضوع البحث.

كما انه بحكم السوابق والممارسات في مجلس الأمن فقد اعتبرت الموضوعات الآتية من الأمور الإجرائية أيضا : إضافة بند إلى جدول الأعمال، تنظيم إدراج المواضيع على جدول الأعمال، تأجيل مناقشة بند مطروح على جدول الأعمال، قرار رئيس المجلس في أية مسألة تثار أمام المجلس، تعليق و رفع جلسات المجلس، دعوة المشاركون في المناقشات في المجلس، إدارة الجلسات، قرار المجلس بدعوة الجمعية العامة للانعقاد طبقا للمادة 20، وعموما كل ما يتعلق بالعلاقات بين الأجهزة الرئيسة لمنظمة الأمم المتحدة والتعاون بينها يعتبر من قبيل المسائل الإجرائية.

 آلية التصويت على المسائل الإجرائية :

 المسائل الإجرائية تصدر القرارات أو التوصيات بشأنها بأغلبية تسعة أصوات من بين الخمسة عشر عضوا في مجلس الامن وعلى ذلك فهي أغلبية ثلاثة أخماس. ولا يشترط غير ذلك من الشروط حيث يجوز أن يكون من بين هؤلاء كل أو بعض الدول ذات المقاعد الدائمة، كما يجوز أن يكون ذلك قاصرا على تسعة أعضاء من بين العشر أعضاء غير الدائمين بالمجلس.

2. المسائل الموضوعية :

 يثير التصويت على المسائل الموضوعية تساؤلات عديدة من أهمها تحديد المقصود بالمسائل الموضوعية ونظام التصويت عليها وما يثيره في العمل من مشاكل عديدة.

المقصود بالمسائل الموضوعية :

 لم يتضمن الميثاق تحديدا للمقصود بالمسائل الموضوعية بل انه لم يستعمل الكلمة ذاتها وهو ما يتضح من نص المادة 27 بعد تعديلها التي قررت إن  تصدر قرارات مجلس الأمن في المسائل الإجرائية بموافقة تسعة من أعضائه وتصدر قرارات مجلس الأمن في المسائل الأخرى كافة بموافقة تسعة من أعضائه يكون من بينها أصوات الأعضاء الدائمين متفقة، والميثاق الذي فرق بين المسائل الإجرائية والمسائل الموضوعية لم يضع معيارا للتفرقة ولم تتضمن المذكرة التفسيرية الصادرة عن الدول الكبرى لنص المادة 27 من الميثاق أي تحديد للمقصود بالمسائل الموضوعية. إن التصريح المشترك الصادر عن الكبار في مؤتمر سان فرانسيسكو قد ذكر صراحة أن المسائل التي ورد ذكرها في المواد 28 – 32 من الميثاق تعد من المسائل الإجرائية ([17])    وذكر كذلك انه تعد من المسائل الإجرائية مسالة الفصل في معرفة ما إذا كانت مسألة ما تعد من المسائل الإجرائية أم الموضوعية , غير إن الدول الكبرى تصر على اعتبار هذا المسألة من المسائل الموضوعية لكي يتسنى لها استعمال حق النقض عند الحاجة. وقد جرى عمل المجلس على إن المسائل الموضوعية هي تلك التي لم يرد ذكرها في المواد 28، 29، 30، 31، 32 من الميثاق. كما اعتمدت في العمل ما جاء بالمذكرة المشار إليها من إن مسالة التكييف تعتبر مسالة موضوعية والمقصود بالتكييف تقرير ماذا كانت مسالة معينة هي مسالة موضوعية أم مسالة إجرائية. هذا الفصل في طبيعة المسالة يعتبر في حد ذاته مسالة موضوعية يسري عليها كل ما يسري على المسائل الموضوعية من أحكام التصويت. من خلال ما تقدم نجد إن الميثاق لم يضع معايير واضحة ومحدده تبين المسائل الموضوعية التي تستطيع الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن استعمال حق النقض عليها والمسائل الإجرائية التي لا تستطيع معه تلك الدول استعمال حق النقض عليها.

التصويت على المسائل الموضوعية

 تصدر قرارات مجلس الأمن في المسائل الموضوعية بأغلبية تسعة أصوات بشرط أن يكون من بينهم أصوات الدول الخمس ذات المقاعد الدائمة ومعنى هذا إن اعتراض احد الدول الدائمة على نظر مسالة موضوعية معروضة على المجلس يترتب عليه عدم التعرض للمسالة المذكورة وكذلك إذا كان الاعتراض بعد البدء بالاقتراع، ترتب عليه الانعدام القانوني لوجود القرار.

ولا يرد على هذا النظام إلا استثناءات أربعة حددها الميثاق نفسه. الأول نصت عليه المادة 109 بخصوص الدعوة إلى عقد مؤتمر لتعديل الميثاق، والثاني نصت عليه المادة العاشرة من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية بخصوص انتخاب قضاة المحكمة في هاتين الحالتين لا تملك الدول الدائمة استعمال حق النقض. والثالث والرابع نصت عليهما المادة 27 من الميثاق بخصوص تطبيق الحلول السلمية طبقا لأحكام الفصل السادس من الميثاق أو تطبيقا للفقرة 3 من المادة 52. في هاتين الحالتين تمتنع الدولة التي تكون طرفا في النزاع وفي نفس الوقت عضوا دائما في المجلس عن التصويت. ولكن هذه الحالة الأخيرة تثير مسالة التفرقة بين النزاع والموقف بعض الإشكاليات ارتأينا الوقوف عندها لبحثها في الفقرة الآتية.

ثانيا : التفرقة بين النزاع والموقف

 نصت المادة 34 على إن (لمجلس الأمن أن يفحص أي نزاع أو موقف قد يؤدي إلى احتكاك دولي أو قد يثير نزاعا وقررت المادة 27 امتناع من كان طرفا في نزاع معروض على المجلس عن الاشتراك في التصويت عندما يتخذ المجلس قرارات طبقا لأحكام الفصل السادس أو المادة 52 الفقرة 3. وبتقريب الوضعين تظهر ضرورة التمييز بين النزاع والموقف حيث يتعين على من كان طرفا في نزاع الامتناع عن التصويت على حين لا يلتزم من كان طرفا في موقف بمثل هذا الالتزام.

ولكن الميثاق لم يتضمن صراحة ما يحدد هذه التفرقة المطلوبة بين النزاع والموقف. كذلك لم يقم المجلس بوضع ضوابط هذه التفرقة رغم إثارة المسالة أمامه في كثير من المناسبات. ويرى الاتحاد السوفيتي إن إطلاق مصطلح موقف أو نزاع على أي مسألة يقتضي اعتبار تلك المسألة (موضوعية) وبالتالي فأن على المجلس أن ينظر في تحديدها عن طريق التصويت ويتعين أن يصدر قراراته في هذا الشأن بأغلبية تسعة أصوات من بينهم جميع الدول الدائمة العضوية متفقه ولأي دولة لا ترغب في المشاركة في التصويت الحق بالتحفظ أو الامتناع عن المشاركة([18]) .ونحن نرى إن الأمرين من طبيعة واحدة حيث يتضمنا وجود خلاف بين دولتين أو أكثر. هذا الخلاف إذا تعثر حله بالطرق العادية لحل الخلافات بين الدول فانه يرتقي إلى مرتبة أعلى من مجرد الخلاف البسيط وهي مرتبة الموقف. فالموقف درجة من درجات الخلاف يظهر فيها التميز وتكوين فكرة شبه كاملة عن الخلاف، ومحاولة تحقيق هذه الفكرة، وانتهاج سياسة معينة من اجل ذلك بما يصحبها عادة من سوء العلاقات بين الدول الأطراف في الموقف. بحيث يرتقى الموقف إلى مرتبة أعلى وهي مرتبة النزاع والتي تظهر مع تحديد مطالب الأطراف والمطالبة فيها، وما قد يصحب ذلك من سحب البعثات الدبلوماسية أو تجميد نشاطها أو قد تصل إلى قطع العلاقات الدبلوماسية نهائيا أو عرض الأمر على القضاء الدولي. ولعل خطورة ما يصحب النزاع من مظاهر هي التي لم تمكن الفقه من التعمق في طبيعة النزاع وإدراك كيف انه يرجع إلى خلاف بين الدول ارتقى إلى مرتبة أكثر علوا هي النزاع وهذا الأخير يمكن أن يرتقى إلى مرتبة أعلى هي التشابك أو ما قرره الميثاق تحت اسم الاحتكاك. ولعلنا نفهم الآن نص المادة 34 الذي قرر إن لمجلس الأمن أن يفحص أي نزاع أو أي موقف قد يؤدي إلى نزاع أو قد تصل إلى إثارة احتكاك دولي. فصياغة هذا النص تتضمن إن النزاع يتطور إلى احتكاك كما إن الموقف يتطور إلى نزاع ويكون ترتيب درجات الخلاف بين الدول على النحو التالي خلاف ثم موقف ثم نزاع ثم احتكاك. وتأسيسا على ما سبق فان مجرد وجود خلاف مبدئي أو موقف لا يترتب عليه الامتناع عن التصويت على العكس بالنسبة لمن كان طرفا في نزاع ومن باب أولى من كان طرفا في احتكاك دولي. وأخيرا إن هذه التفرقة لا تظهر أهميتها إلا بالنسبة للدول ذات المقاعد الدائمة وبخصوص المسائل الموضوعية وبصدد فض المنازعات بالطرق السلمية وعلى ذلك لا يسري هذا الاستثناء على ما يصدر بشان تهديد السلم والأمن الدوليين أو الإخلال فيهما إذ يتعين موافقة كل الأعضاء الدائمين حتى ولو كانوا أطرافا في النزاع.

وكما أثارت مسألة التفرقة بين الموقف والنزاع بالنسبة للدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن بخصوص المسائل الموضوعية أثناء التصويت بعض الإشكاليات حيث يتعين على تلك الدول التي تكون طرفا في نزاع الامتناع عن التصويت على حين لا يلتزم من كان طرفا في موقف بمثل هذا الالتزام، فان مسالة  امتناع أو تغيب عضو دائم عن التصويت في مجلس الأمن هي الأخرى تثير بعض الإشكاليات ولغرض الوقوف عليها خصصنا لها الفقرة الآتية.

ثالثا: امتناع أو تغيب عضو دائم عن التصويت في مجلس الأمن

1. امتناع عضو دائم عن التصويت

ما اثر امتناع احد الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن  عن التصويت ؟ أو المقصود بلفظة "متفقة " الواردة في عبارة "يكون من بينها أصوات الأعضاء الدائمين متفقة " ؟ وهل يترتب على امتناع عضو دائم عن التصويت عدم إمكان إصدار القرار ؟

      قررت المادة 27 إن قرارات المجلس في المسائل غير الإجرائية(الموضوعية) يتعين صدورها بأغلبية تسعة من الأعضاء بشرط أن يكون بينهم أصوات الدول الأعضاء الدائمين متفقة. وعند تفسير هذا النص فهل يقصد فيه كل الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن  أم فقط كل الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن المشتركين في التصويت على مسالة موضوعية ؟ وهل هذا الامتناع عن التصويت يعتبر بمثابة اعتراض (نقض لمشروع القرار المعروض للتصويت) وبالتالي انعدام للوجود القانوني لقرار المجلس أم انه لا يعتبر كذلك ؟

الواقع إن التفسير الحرفي لنصوص الميثاق يجعل امتناع عضو دائم عن التصويت بمثابة استعمال لحق النقض حيث إن المادة 18 الفقرة 2  قررت إن الجمعية العامة تصدر قراراتها في المسائل الهامة بأغلبية ثلثي الأعضاء الحاضرين المشتركين في التصويت، في حين إن المادة 27 الفقرة 3  قررت إن مجلس الأمن يصدر قراراته في المسائل الموضوعية بأغلبية تسعة أعضاء من بينهم أصوات الدول الأعضاء الدائمين متفقة. وبالتقريب بين الوضعين يظهر إن المطلوب بالنسبة للجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة عند التصويت على مشروع قرار يتعلق بالمسائل الهامة هو الأعضاء الحاضرين المشتركين في التصويت وبالتالي فان من يمتنع عن التصويت لا يحسب داخل الأغلبية المطلوبة ([19])، أما بالنسبة للمجلس فالمطلوب أغلبية تسعة من بينهم الدول الدائمة مجتمعة.ولكن هذا التفسير الحرفي لنصوص الميثاق لم يجري العمل على الأخذ فيه، فإذا امتنعت أي دولة من الدول الخمس الدائمة العضوية عن التصويت فان القرار يصدر إذا حاز على الأغلبية المطلوبة وهكذا تظهر أهمية هذا الاعتبار العملي بالنسبة لقيام المجلس بأعباء اختصاصاته بالرغم من امتناع احد الأعضاء الدائمين عن التصويت.

وانطلاقا مما سبق جرى العمل في مجلس الأمن على عدم اعتبار الامتناع عن التصويت بمثابة استعمال لحق النقض وإنما طريقة للتعبير عن رغبة خاصة بشان عدم الاشتراك في قرار معين. وهكذا أعطى التطور العملي تفسيرا لعبارة المادة 27 الفقرة 3 الخاصة (بأصوات الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن مجتمعة) بأنها تعني (أصوات الأعضاء الدائمين المشتركين في التصويت) وفي هذه الحالة تؤخذ الأصوات وكأن العضو الممتنع غير موجود أصلا. وأن امتناع أحد الأعضاء الدائمين عن التصويت لا يحول دون صدور القرار إذا ما توافرت لصدوره الأغلبية التي يشترطها الميثاق، والواقع إن هذا التوجه ما هو إلا تنفيذ للتصريح المشترك للدول الكبرى في مؤتمر سان فرانسيسكو، والذي كان يقضي بأن الامتناع عن التصويت على قرار موضوعي لا يسقطه، وإن الذي يحدث هذا الأثر هو اعتراض احد الأعضاء الدائمين، ويذهب جانب من الفقه إلى أن اطراد العمل في المجلس على اعتبار امتناع العضو الدائم في مجلس الأمن عن استخدام حقه في الاعتراض مع توافر إمكانية استخدامه هو بمثابة الموافقة الضمنية على القرار موضوع البحث، واستمرار العمل بهذا المبدأ يعد تعديلا عرفيا للفقرة 3 من المادة 27 ([20]).

2. تغيب عضو دائم عن الاجتماع

ما اثر تغيب احد الأعضاء الدائمين عن حضور جلسات مجلس الأمن في القرارات التي يتخذها المجلس في المسائل الموضوعية ؟ وهل تعتبر هذه القرارات صحيحة إذا اتخذت في غياب احد الأعضاء الدائمين ؟

      يثير غياب عضو دائم عن حضور جلسة يتخذ فيها قرار في مسالة موضوعية جدلا في التفسير. وهل يمكن أن يعتبر غياب العضو من قبيل الامتناع عن التصويت ؟ أم إن الغياب له حكم آخر يختلف عن الامتناع ؟

ثارت هذه المسالة في العمل وأثارت معها الكثير من المناقشات عندما تغيب مندوب الاتحاد السوفيتي في مجلس الأمن عن حضور جلسات المجلس احتجاجا على رفض المجلس قبول مندوب الصين الشعبية محل مندوب الصين الوطنية ([21]). والرأي في فقه القانون الدولي يرى إن أثر التغيب  عن حضور جلسات مجلس الأمن لا يختلف عن الامتناع عن التصويت هو أكثر مراعاة للواقع الدولي من ناحية وتيسيرا للمجلس في القيام بأعباء اختصاصاته من ناحية أخرى وانطلاقا من الرغبة في تدعيم التنظيم الدولي، وتجنبا لتناقضات سياسة الدول الكبرى جرى العمل الدولي في مجلس الأمن على إن الامتناع  عن الحضور كالامتناع عن التصويت من حيث الآثار،  كلاهما لا يؤثر على التصويت في المجلس، فإذا ما تغيبت أي دوله عضو دائم في مجلس الأمن عن الحضور فان ذلك لا يؤثر على عملية التصويت في المجلس فان القرار يصدر إذا حاز على الأغلبية المطلوبة ([22]). وينبغي الإشارة هنا إلى أن الامتناع عن التصويت أو الغياب عن الجلسة لا يعتبران من قبيل استخدام حق النقض وهكذا مر القرار رقم 678 لعام 1991 الخاص بشن الحرب على العراق لإجباره على الانسحاب من الكويت بالرغم من أن جمهورية الصين الشعبية امتنعت عن التصويت عليه.‏

المطلب الثاني: تقييد استعمال حق النقض

 إن وجود حق النقض الفيتو الذي منح للدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن اوجد  وسيلة ملائمة للتعبير عن عدم الثقة بين الدول الكبرى فيما بينها وكذلك بينها وبين الدول الأخرى. ويمكن أن نتصور احتمال انكماش حجم عدم الثقة إذا لم يكن هناك وسيلة سهلة للتعبير عن ذلك خاصة إننا نعرف أهمية القاعدة القاضية بان لكل فعل رد فعل في مجال العلاقة بين الكتلتين. ولا شك إن حق النقض ليس السبب الوحيد في تبرير عجز المجلس عن القيام بوظائفه ولكنه مع ذلك السبب الأقوى والمباشر.

لذلك فان أغلبية فقهاء القانون الدولي تطالب بالبقاء على هذا الحق مع التضييق من مداه وأثاره وبحيث لا يعرقل عمل المجلس.مع إن حق النقض الفيتو دلاله على الاتجاه القومي المتزمت الذي ينبذ فكرة المساواة بين الدول، ومع انه مظهر لمقاومة الكبار لقاعدة التصويت بالأغلبية فلا يمكننا اعتباره سرطانا استشرى واستفحل في جسم منظمة الأمم المتحدة حتى باتت أيامها معدودة. لقد طبق هذا الحق حتى الآن باعتدال نسبيا، أو بطريقه أكثر اعتدالا مما كان منتظرا. ثم انه كان من حيث النتائج ذا اثر ضئيل. انه قيد مرهق ولاشك قد يحرم المنظمة العالمية لمده طويلة من القدرة على الجري، ولكنه لن يمنعها من الحركة والتقدم ببطيء نحو غاياتها ([23]).

واستنادا إلى هذا الواقع ظهرت تصريحات وتوصيات تدعو الأعضاء الخمس الدائمين  في مجلس الأمن المتمتعين بموجب الميثاق باستعمال حق النقض الفيتو إلى التقيد الذاتي في استعمال هذا الحق ولعل أهم هذه الدعوات تلك التي كانت توجهها الجمعية العامة للأمم المتحدة في صورة توصيات دعت فيها الدول الدائمة إن تعمل برضاها على التضييق والتخفيف من استعمال حق النقض، كعدم إعاقة عمل المجلس بإساءة استعمال هذا الحق، وتحديد المسائل التي لم تكن محل استعمال هذا الحق([24])، و تبادل وجهات النظر قبل التصويت في الموضوعات الهامة، ومثال ذلك توصيات الجمعية في 13 - 12 - 1946 وفي 14- 4 - 1949 أصدرت الجمعية العامة توصياتها رقم 267 بخصوص التصويت في مجلس الأمن والتي تضمنت دعوة الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن إلى عدم المغالاة في نعت مسائل ليست موضوعية بصفة الموضوعية وذلك لتبرير استعمالها للفيتو، وكذلك حدث نفس الشيء في العديد من المرات بعد ذلك. وقد حدث أن وافقت الدول الدائمة على مشروع قرار بريطاني في 18 - 10 - 1949 يقضي بتبادل الرأي بينها قبل التصويت على أي مشروع قرار موضوعي، ولكن هذا لم يمنع من تعدد الاستعمال لحق النقض. وتعددت اقتراحات الحد من استعمال حق النقض سواء بالتوسع في تعريف المقصود بالمسائل الإجرائية، وسواء بقصر استعماله على الأحكام الواردة في الفصل السابع بشأن تهديد السلم والإخلال فيه ووقوع العدوان وسواء بإخراج مسائل محددة من دائرة استعمال هذا الحق مثل مسألة قبول الأعضاء الجدد. كما قدمت اقتراحات عديدة تهدف كلها إلى تعزيز مجلس الأمن وتوجيه اهتماماته وجهوده إلى تحقيق الغرض الذي أنشئت من أجله المنظمة الدولية، ومنها مثلا: تتحقق من خلال تقييد استعمال حق النقض بوضع حدود متفق عليها للمسائل التي يجوز استعماله فيها. وأخرى تدعو إلى إدراج نص في الميثاق يُمكن العضو الدائم في مجلس الأمن من التصويت سلباً دون أن يُشكل ذلك استعمالا لحق النقض وهذا سيكون مماثلاً لممارسته الراهنة المتعلقة بامتناع العضو الدائم عن التصويت أو تغيبه عنها، وهو ما يمثل تقليصاً فعلياً لممارسة حق النقض.  وأخرى تنادي بزيادة أعضاء مجلس الأمن، وذلك بتوسيع وتوازن عضويته، حتى يساعد على انعكاس كل المصالح المهمة في العالم، ليؤكد أن أي اقتراح خلافي أو جدلي يمكن أن يحمل معه تأييدا عالميا عاما، ويصبح مجلس الأمن مكانا جذابا للمباحثات الدولية والوصول فيها إلى حل يرضي الجميع([25]).

وبالرغم من كل المحاولات السابقة وغيرها لم يتحقق شيء وظل حق النقض وسيلة سهلة لحماية المصالح وتنفيذ الأطماع حتى ولو اقتضى الأمر الإخلال بالميثاق وأحكامه. وهنا تكمن الخطورة التي ستظل قائمة طالما ظل التناقض بين مصالح وأطماع الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الامن. 

المبحث الثالث: تقويم حق النقض الفيتو

خصص هذا المبحث لتقويم حق النقض الفيتو في مجلس الأمن والذي تم العمل فيه لفترة ليست بالقصيرة استمرت لستين سنه ونيف نستعرض خلالها لايجابياته وسلبياته ومحاولات إصلاح حق النقض  فقد تم تقسيم هذا المبحث إلى مطلبين أيضا سنبين في الأول ايجابياته وسلبياته وسنسلط الضوء في الثاني على محاولات إصلاحه  وكالاتي.

المطلب الأول: ايجابيات و سلبيات حق النقض

أولا : الايجابيات

  1. بحجة الحفاظ على السلم والأمن الدوليين فان مجلس الأمن يمكنه إصدار قرار بتطبيق تدابير المنع والقمع الواردة في الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة([26]) يجيز فيه اتخاذ التدابير اللازمة في حالات تهديد السلم أو الإخلال فيه أو وقوع العدوان ويقدم توصياته في ذلك أو يقرر ما يجب اتخاذه لحفظ السلم والأمن الدوليين أو لإعادتهما إلى نصابهما،و مجلس الأمن يتمتع بسلطة تقديريه واسعة في تكييف ما يعرض عليه من وقائع، وبسبب ما خول به المجلس من سلطه تقدريه واسعة فيجعل منه صاحب الاختصاص المطلق في تحديد ما يعد تهديدا للسلم والأمن أو إخلالا به وفي تحديد معنى العدوان وتعيين المعتدي  وبدافع من رغبة بعض الدول الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن في إصدار قرارات  تتضمن إجازة التدخل أو استعمال القوه ضد الدول التي تعتقد أنها تهدد السلم والأمن الدوليين ليس بدافع الحفاظ على السلم والأمن الدولي وإنما لدوافع سياسية أو أيدلوجيه وغيرها من الدوافع التي تستخدمها بعض الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن  لدفع تلك الدول لتقديم التنازلات أو السير في ركبها، ومع ذلك وبسبب وجود حق النقض الذي تتمتع به الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن فان أي مشروع قرار يراد منه التدخل أو استخدام القوه ضد أي دوله من الدول سيصبح امرأ مرفوضا إذا ما استخدمت أي من الدول الدائمة العضوية لحقها في النقض الفيتو.
  2. أن استخدام  النقض الفيتو وسيله لحماية الدول الصغرى وضمان استقلالها وسيادتها فكما هو صمام أمان  للدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن التي تتمتع بهذا الحق  لإسقاط مشاريع القرارات التي تتعارض مع مصالحها، فهو كذلك وسيله لحماية مصالح حلفائها من الدول الأخرى التي لا تتمتع بهذا الحق، فهذه الدول سوف تكون بمأمن من أي قرار قد يصدره مجلس الأمن ضدها.  
  3. في غضون الخمس عشرة سنة التي تلت ظهور الأمم المتحدة لو لم يكن للإتحاد السوفييتي السابق، الحق القانوني لاستعمال الفيتو في مجلس الأمن،، فإنه كان من المشكوك فيه أن تعيش منظمة الأمم المتحدة حتى وقتنا هذا، والسبب هو إن الاتحاد السوفيتي السابق كان يعارض دائما إصدار القرارات التي تقدمها الولايات المتحدة والتي لو كتب لها إن صدرت لاستخدمتها الولايات المتحدة كأداة لتقوية نفوذها و سيطرتها على العالم وبالتالي تقويض السلم والأمن الدوليين([27]).

ثانيا : السلبيات

  1. إن الاستخدام الواسع لهذا الحق من قبل الأعضاء الخمس الدائمين في مجلس الأمن ساهم كثيرا في إضعاف مصداقية مجلس الأمن كجهاز رئيسي من أجهزة الأمم المتحدة وتقويضه في تحقيق مهامه المتمثلة في حفظ السلم والأمن الدوليين، فخلال الحرب الباردة استخدم الاتحاد السوفيتي السابق حق النقض الفيتو باستمرار وبشكل روتيني إلى درجة أن وزير الخارجية، أندريه غروميكو، أصبح يعرف بـ  " السيد لا " إلا أن الاتحاد السوفيتي بدا يستخدم هذا الحق اقل فأقل في الفترات اللاحقة.  وفي السنوات الأخيرة استخدمت الولايات المتحدة حق الفيتو باستمرار لحماية الحكومة الإسرائيلية من الانتقادات الدولية أو من محاولات تقييد أعمال الجيش الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة. فقد أصيب مجلس الأمن الدولي بالعجز حيث تعرقل في كثير من الأحيان مشروعات القرارات التي يجري التصويت عليها في مجلس الأمن بمجرد نقض إحدى الدول الدائمة العضوية للقرار
  2. بالغت الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن بالتعسف في استعمال حق النقض ضد إرادة الشعوب المغلوبة والضعيفة والفقيرة، حتى أهدرت مصالحها فحرم البعض من استقلاله ومن استرداد حقه في تقرير مصيره. وحرم البعض من استرجاع أوطانه السلبية من قبل الاستعمار، والسيطرة بالقوة من قبل الأنظمة العنصرية، كما هو حال فلسطين وقبلها جنوب إفريقيا وناميبيا وغيرها، كما تعرقل انضمام دول جديدة إلى المنظمة الدولية، كانت كلها متلهفة لأخذ مكانها في هذه المنظمة، وانطلاقا من أن الانضمام إلى الأمم المتحدة حق لكل الدول([28]). فجاءت الفقرة (2) من المادة 4 من الميثاق، لتؤكد أن انضمام دول جديدة إلى الأمم المتحدة، يتم بقرار من الجمعية العامة بناء على توصية من مجلس الأمن،  أن الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن، يسترشدون عند تصويتهم في قبول الدول الجديدة في الأمم المتحدة، باعتبارات مصلحيه صرفة، بحيث تقوي من مركزهم في الأمم المتحدة(أي مركز الدول التي تصوت والكتل التي تتبعها)ولهذا نجد أنه من عام 1950 إلى 1955 لم تدخل أية دولة جديدة إلى الأمم المتحدة بسبب التعسف في استخدام حق النقض من قبل الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي السابق،فخلال هذه الفترة  لم تحصل أي دوله على العضوية في الأمم المتحدة  حتى 15 كانون الأول 1955،عندما أقر مبدأ الصفقات الشاملة،وبتعبير أوضح كانت واشنطن تتبع سياسة(مجموعه واحده من الدول أو لاشيء)أما موسكو فكانت تتبع سياسة (المجموعتان معا أو لاشيء)ولذلك يمكن القول إن الولايات المتحدة كانت تسعى لإحراز نصر سياسي بينما كان الاتحاد السوفيتي السابق يسعى لتحاشي هزيمة سياسيه،وكل ذلك كان على حساب الدول الراغبة للانضمام للأمم المتحدة.
  3. إن منح حق النقض الفيتو  للدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن  وحرمان الدول الأخرى  يعد انتهاكا لمبادئ وقواعد القانون الدولي المتعلقة بالمساواة بين الدول بصوره عامه  وانتهاك للمبادئ التي قامت عليها منظمة الأمم المتحدة بصوره خاصة وبالذات ما جاء في  المادة 2 الفقرة 1 من ميثاق الأمم المتحدة التي تقضي بان  الأمم المتحدة تقوم على أساس المساواة في السيادة بين جميع أعضائها([29]).  حيث يذهب عدد من الباحثين إلى إن حق النقض حق هدام لا يخدم السلم والأمن الدوليين ويطالبوا بإلغاء هذا الحق لأنه يتنافى مع نصوص الميثاق الداعية إلى المساواة في السيادة ([30]).
  4. إن انتشار أسلحة الدمار الشامل هي مشكله حساسة ومحفوفة بالمخاطر لذلك فان مجلس الأمن وباعتباره الجهاز المسئول عن حفظ السلم والأمن الدوليين  يقوم بفرض عقوبات اقتصاديه أو التدخل العسكري المباشر في بعض الأحيان حيال الدول التي تخرق معاهدات حظر انتشار الأسلحة النووية  إلا انه وبسبب قيام بعض الدول الدائمة العضوية باستعمال حق النقض الفيتو لمصلحة دول تمتلك أو تريد امتلاك تلك الأسلحة كأن تقوم بنقض أي مشروع قرار يراد منه فرض عقوبات على الدول التي تنتهك معاهدات حظر انتشار الأسلحة النووية، فعلى سبيل التمثيل لا الحصر فان الولايات المتحدة عادة ما تستعمل حقها في النقض لصالح إسرائيل التي تنتهك معاهدة حظر انتشار الأسلحة  النووية، وبسبب استخدام أو التلويح باستخدام حق الفيتو من قبل روسيا تارة و الصين تارة أخرى فان كوريا الشمالية تنتهك هذه المعاهدة أيضا.

المطلب الثاني: إصلاح حق النقض

إن منظمة الأمم المتحدة تعاني كثيراً من القصور في عملها سواء من الناحية الوظيفية أم من الناحية التمثيلية, وعلى المجتمع الدولي تلافي هذا القصور وإلا كان مصيرها كمصير سابقتها (منظمة عصبة الأمم) التي عاشت بين 1920- 1939‏. وإن من أهم المسائل التي يجب معالجتها وإيجاد حلول لها هي تعديل حق النقض أو إلغائه. فعندما اجتمع رؤساء الدول الكبار (ستالين  وروزفلت  وتشرشل) في مؤتمر يالطا  1945 اتفقوا على الخطوط الهيكلية للمنظمة الدولية المزمع إنشاؤها لعالم ما بعد الحرب منظمة الأمم المتحدة وصمموا على أن يكون للدول الخمس الكبرى المنتصرة في الحرب(أميركا- بريطانيا- الاتحاد السوفييتي- فرنسا- الصين) ثلاثة امتيازات أساسية على غيرها من الدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة وهي :‏

1. إعطاء هذه  الدول الخمس صفة العضوية الدائمة في مجلس الأمن.‏

2. تمتع هذه الدول الخمس بحق استعمال النقض الفيتو في مجلس الأمن  لنقض أي مشروع قرار لا يتلاءم مع مصالحها أو مصالح حلفائها.‏

3. تتمتع هذه الدول الخمس بما يشبه حق الفيتو في الجمعية العامة حينما تريد هذه الأخيرة تعديل الميثاق.‏

ولما اجتمع المشرعون الدوليون في مؤتمر سان فرانسيسكو بين 25 نيسان حتى 26 حزيران 1945 وجدوا أمامهم هذه الامتيازات في صلب المشروع ولم يكونوا أحراراً في رفضها أو تعديلها لأنه جرى إفهامهم أن الدول الخمس لن توقع على المشروع إذا جرى أي مساس بهذه الامتيازات.‏ وهكذا جاء نص المادة 23 من الميثاق كالتالي: يتألف مجلس الأمن من خمسة عشر عضواً من الأمم المتحدة وتكون جمهورية الصين الشعبية وفرنسا واتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية والمملكة المتحدة لبريطانيا العظمى وشمالي ايرلندا والولايات المتحدة الأميركية أعضاء دائمين فيه.‏ كما أن المادة 27 منه والتي سبق ذكرها قصت على الآتي:‏ (.... 3. تصدر قرارات مجلس الأمن في المسائل الأخرى (المسائل الموضوعية) كافة بموافقة تسعة من أعضائه, يكون بينها أصوات الأعضاء الدائمين متفقة, بشرط أنه في القرارات المتخذة تطبيقاً للفصل السادس والفقرة 3 من المادة 52 يمتنع من كان طرفاً في النزاع عن التصويت).‏ وبالرجوع لفحوى هذه المادة  وعلى الرغم من أن نص الفقرة 1 من المادة 27 يقضي أن يكون لكل دولة عضو في مجلس الأمن صوت واحد وفي هذا احترام ظاهري لمبدأ المساواة بين الدول فإن الفقرة 3 من هذه المادة أوجبت موافقة الدول الخمس  الدائمة العضوية متفقه أو على الأقل عدم اعتراض احدها (بالإضافة لأربع دول من الأعضاء غير الدائمين في مجلس الأمن) عند التصويت على أي مشروع قرار يتعلق بالمسائل الموضوعية يعرض أمام مجلس الأمن.‏ و بعبارة أخرى فإنه حتى لو وافقت أربع عشرة دولة من أعضاء المجلس (10 أعضاء مؤقتين+ 4 أعضاء دائمون) واعترض العضو الخامس عشر إذا كان من الأعضاء الدائمين يسقط المشروع ويعتبر كأنه لم يكن, وهذا ما يسمى حق النقض الفيتو.‏

لاشك أن تتمتع الدول الكبرى الخمس بالعضوية الدائمة في مجلس الأمن بحق النقض الفيتو، واشتراط موافقتها الجماعية أو على الأقل عدم اعتراض احدها  على أي مشروع قرار يتعلق في  المسائل الموضوعية (المهمة) هو امتياز يحقق عدم المساواة الذي يقوم عليه التنظيم الدولي. فقد أدى تمتع الدول الكبرى بهذه الامتياز، إلى أن تتفق فيما بينها على حساب الدول المتوسطة والصغرى، التي حاولت مرارا وتكرارا التقليل من أثر استعمال حق الفيتو من قبل الدول الأعضاء الدائمين الخمسة، والذي شل أعمال المجلس وعرقل أداء المنظمة الدولية لواجبها الأساسي وهو حفظ السلام والأمن الدوليين، فلقد ظهر واضحا أن أكبر خطر يتعرض له السلم والأمن الدوليين، نتج عن المنازعات بين الدول الكبرى وعن عدم الاتفاق بينها خاصة في السنوات التي تلت تأسيس المنظمة الدولية، والتي أنقسم فيها العالم إلى كتلتين الأولى بقيادة الولايات المتحدة والثانية بقيادة الاتحاد السوفيتي السابق، أما في الوقت الحاضر فان الولايات المتحدة الأمريكية تقف على قمة هرم النظام العالمي الجديد، بل وتقود هذا النظام بمفردها كما أن نفوذها وتأثيرها على مجريات الأحداث العالمية في تزايد مستمر وسوف تنفرد بالزعامة العالمية لسنوات قادمة ليست بالقليلة قبل أن يتجه النظام الدولي ليصبح نظاماً متعدد الأقطاب.، الشيء الذي يتناقض مع ما أعلن عنه في مؤتمر سان فرانسيسكو والذي أوجب التعاون الكامل بين الأعضاء كشرط ضروري لفعالية المنظمة الدولية. ولما كان واضحا من أن أي انشقاق بين القوى العظمى يعرض فعالية  الأمم المتحدة إلى الخطر، أتفق في مؤتمر سان فرانسيسكو على أن لا يستخدم حق الفيتو إلا في القضايا الموضوعية، والمتسمة ببالغ الأهمية التي تتعلق بالأمن والسلم الدوليين. كما أصدرت الجمعية العامة في دورتيها الأولى والثانية، قرارات تدعو الدول الخمس الكبرى إلى أن تبذل من الجهد ما يضمن ألا يؤدي استخدام حق الفيتو إلى عرقلة مجلس الأمن. ومن البديهي إن الاستعمال المتكرر لحق النقض الفيتو  أو بالأحرى إساءة استخدامه قد جعل منه سلاحاً مخيفاً بيد الدول الكبرى تجاه الدول الصغرى وقد شل نشاط المجلس  وأثار حفيظة بعض الفقهاء وبعض الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة فقاموا يطالبون  تعديله  أو إلغائه، ومن هذا المنطلق أخذت مجموعة من الدول على عاتقها زمام المبادرة، ودعت إلى تعديل ميثاق الأمم المتحدة حتى يتمشى وواقع العالم كله الذي يتطلع فيه إلى اليوم الذي  تتمكن فيه من  تعديل أو إلغاء  حق النقض الفيتو  للدول الكبرى ذلك الحق التعسفي الذي يشبه الحق الإلهي لملوك العصور الوسطى. وتهدف المطالبة بتعديل أو إلغاء حق النقض الفيتو إلى المحافظة على ديمومة منظمة الأمم المتحدة وإلى تحقيق العدالة والمساواة، بين جميع الدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة.

ولهذا فانه يوما بعد يوم يتزايد الطلب بإلغاء أو على اقل تقدير تعديل حق النقض الفيتو ليكون متلائما مع التطورات السريعة في النظام العالمي الجديد، كأن يتم زيادة أعضاء مجلس الأمن الدائمين دون المساس بحق النقض بإضافة دول أخرى مقترحة كاليابان وألمانيا والبرازيل، أو بمنح مقعد دائم لكل من دول أفريقيا وأمريكا الجنوبية، أو حتى لإحدى الدول العربية. وكذلك ولكي يكون مجلس الأمن معبراً عن إرادة المجتمع الدولي يجب أن لا يكتسب حق النقض فاعلية إلاّ إذا مورس من أعضاء عديدين وليس عضو واحد كما هو حاصل الآن. أو أن  تعطى الجمعية العامة مثلاً حقاً في إعادة النظر في مشاريع القرارات التي أسقطها المجلس باستخدام حق الفيتو من قبل أحد الأعضاء الدائمين و إجازتها بقرار منها بأغلبية ثلثي أصوات الأعضاء الحاضرين المشتركين في التصويت وعلى غرار آلية التصويت على المسائل المهمة في الجمعية العامة مثلاً. أو أن يعطى الحق للجمعية العامة عند استخدام الفيتو بشكل عشوائي في مجلس الأمن أن تطلب رأي محكمة العدل الدولية  في  تلك المسألة القانونية ويمثل وجود هذا الاحتمال عائقاً أمام الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن من ممارسة حق النقض بشكل لا يتفق مع مبادئ وأهداف منظمة الأمم المتحدة .إلا إن ما يزيد  الأمر صعوبة هو أن أي مساس بحق النقض الفيتو الذي  منح للدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن بموجب المادة 27  يستوجب تعديل الميثاق، وتعديل الميثاق يستلزم صدور قرار من الجمعية العامة للام المتحدة بموافقة ثلثي الأعضاء الحاضرين المشتركين في التصويت وان يقترن صدور هذا القرار الخاص بتعديل الميثاق بشرط حصوله على مصادقة ثلثي أعضاء الأمم المتحدة على الأقل من بينها تكون الدول الخمس الكبرى الدائمة العضوية في مجلس الأمن ضمن هذه الدول التي صادقت على التعديل([31])  وكل حسب آلية التصديق على المعاهدات في دستور كل دولة. وبطبيعة الحال فان هذا الاحتمال ضعيف جداً فلا يمكن لهؤلاء أن يوافقوا على التعديل ويتخلوا بسهوله عن هذا الحق إذا كانوا يرون فيه امتيازا لهم. فالدول الخمس الكبرى تقف في وجه أية مطالبة جدية للمساس بهذا الحق، وعلى رأس المعارضين الولايات المتحدة الأميركية التي تهدد دوماً بقطع المعونة المالية عن الهيئة (25% من موازنة الهيئة السنوية) إذا أدخل أي تعديل على الميثاق لا ترضى عنه, وقد ورد في تصريح لمندوبها في اللجنة الخاصة بتعديل الميثاق في جلستها بتاريخ 4/5/2006 أنه لا يجب المساس بحقوق الأعضاء الخمسة الدائمين في منظمة الأمم المتحدة وخاصة حق النقض الفيتو.‏ إلا إذا تمت صفقة دولية كبرى حصلت فيها هذه الدول على امتيازات أخرى مقابل التنازل عن هذا الامتياز، وفي انتظار تحقق مثل هكذا احتمال  ليس أمام الدول الصغرى إلا تقوية المنظمات الإقليمية المساعدة (مثل منظمة المؤتمر الإسلامي- جامعة الدول العربية- مجلس التعاون الخليجي- دول عدم الانحياز)، والوكالات الدولية المتخصصة (اليونسكو- الفاو- منظمة الصحة العالمية- منظمة العمل الدولية) وانتظار ظروف أفضل لتقوية الجمعية العامة على حساب مجلس الأمن لإعادة شيء من التوازن بينها وبين مجلس الأمن والى حين تحقق تلك الظروف نعتقد صراحة بأن إبقاء هذه المنظمة والبقاء فيها أجدى للبشرية قاطبة.

الخاتمة:

في ختام دراسة حق النقض الفيتو توصلنا إلى مجموعه من الاستنتاجات والتوصيات يمكن تلخيصها في الآتي:

الاستنتاجات:-

إن تشكيل مجلس الأمن الحالي تعرض للانتقاد وأصبح غير قادر على التعبير عن إرادة المجتمع الدولي أو رسم خريطة عادلة للقوى في العالم، خاصة بعد المتغيرات السريعة في النظام الدولي وموازين القوى على الساحة الدولية. أي أن قدرة الأمم المتحدة على تحقيق أهدافها بل ومصيرها ذاته مرهوناً بضرورة القيام بإصلاح مجلس الأمن وإعادة هيكلته على أساس معايير جديدة وعلى نحو يضمن تمثيله للقوى الجديدة تمثيلاً صادقاً.

أن الولايات المتحدة الأمريكية تقف على قمة هرم النظام العالمي الجديد، بل وتقود هذا النظام بمفردها كما أن نفوذها وتأثيرها على مجريات الأحداث العالمية في تزايد مستمر وسوف تنفرد بالزعامة العالمية لسنوات قادمة ليست بالقليلة قبل أن يتجه النظام الدولي ليصبح نظاماً متعدد الأقطاب.

أن التحدي الحالي الذي يواجه سيادة الدول هو من طبيعة جديدة تختلف كلياً عن التحديات السابقة، كما أن أكثر المستجدات خطراً وأبعدها أثراً على مبدأ السيادة، تلك الممارسات المتمثلة في صور من التدخل الخارجي في أمور تعد من صميم اختصاص الدول الداخلي وذلك باسم القانون الدولي والأمن الجماعي أو تحت شعار حماية حقوق الإنسان تحت مظلة الشرعية الدولية.

التوصيات:-

1. إن إصلاح الأمم المتحدة بشكل عام ومجلس الأمن بشكل خاص هي عملية شاملة ومتكاملة لأن أحداث إصلاح جزئي لن يؤدي إلى تنمية  قدرة منظمة الأمم المتحدة على تحقيق أهدافها  في مواجهة التحديات التي تواجهها  خصوصاً في ظل ما يشهده النظام الدولي من متغيرات سريعة، وبطبيعة الحال فان هذا سوف يتحقق من خلال مشاركة جميع الدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة في الجهود الرامية إلى تحديد ملامح دور مجلس الأمن بهدف تقديم تصور جماعي للشكل الأفضل الذي ينبغي أن يكون عليه مستقبلا.

2. لكي يكون مجلس الأمن معبراً عن إرادة المجتمع الدولي يجب أن لا يكتسب حق النقض فاعلية إلاّ إذا مورس من أعضاء عديدين وليس عضو واحد كما هو حاصل الآن.

3.  يجب تقييد استعمال حق النقض بوضع حدود متفق عليها للمسائل التي يجوز استعماله فيها.

4.  وضع معايير واضحة ومحدده تبين المسائل الموضوعية التي تستطيع الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن استعمال حق النقض عليها والمسائل الإجرائية التي لا تستطيع معه تلك الدول استعمال حق النقض عليها.

5. يجب إدراج نص في الميثاق يُمكن العضو الدائم في مجلس الأمن من التصويت سلباً دون أن يُشكل ذلك استعمالا لحق النقض وهذا سيكون مماثلاً لممارسته الراهنة المتعلقة بامتناع العضو الدائم عن التصويت أو تغيبه عنها، وهو ما يمثل تقليصاً فعلياً لممارسة حق النقض.

6.  للجمعية العامة عند استخدام الفيتو بشكل عشوائي في مجلس الأمن أن تطلب رأي محكمة العدل الدولية  في  تلك المسألة القانونية، ويمثل وجود هذا الاحتمال عائقاً أمام الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن من ممارسة حق النقض بشكل لا يتفق مع مبادئ وأهداف منظمة الأمم المتحدة .

7. إعطاء الجمعية العامة حقاً في إعادة النظر في مشاريع القرارات التي أسقطها المجلس باستخدام حق الفيتو من قبل أحد الأعضاء الدائمين و إجازتها بقرار منها بأغلبية ثلثي أصوات الأعضاء الحاضرين المشتركين في التصويت وعلى غرار آلية التصويت على المسائل المهمة في الجمعية العامة

وبهذا نكون وبشكل مختصر قد سلطنا الضوء على مشكلة دولية عالقة في غاية الأهمية هي حق النقض " الفيتو Veto " في مجلس الأمن الدولي، وهي تعنينا فعلاً ومباشرة كجزء من عالم نتحمل مسئوليتنا نحوه.

 

مراجع البحث

أولا: المصادر العربية
  1. د. محمد طلعت الغنيمي،التنظيم الدولي،الطبعة الأولى، منشأة المعرف، الإسكندرية،1974.
  2. د.إبراهيم احمد شلبي،المنظمات الدولية، دار النهضة العربية، القاهرة، 1958.
  3. د. مفيد محمود شهاب، المنظمات الدولية، دار النهضة العربية، بيروت، 1985.
  4. د. محمد صالح المسفر، منظمة الأمم المتحدة خلفيات النشأة والمبادئ، الطبعة الأولى، مكتبة دار الفتح، الدوحة، 1997.
  5. د. إبراهيم احمد شلبي، التنظيم الدولي دراسة في النظرية العامة والمنظمات الدولية، الدار الجامعية للطباعة والنشر، بيروت، 1984.
  6. د. محمد سامي عبد الحميد  د.محمد السعيد الدقاق، التنظيم الدولي، منشأة المعارف، الإسكندرية، 2004.
  7. د. محمد المجذوب، المنظمات الدولية و الإقليمية، المكتبة العربية للطباعة والنشر، بيروت، 1973.
  8. د. علي يوسف الشكري، المنظمات الدولية، الطبعة الأولى، المكتبة الحيدرية، 2008.

ثانيا: المصادر الأجنبية

  1. Chrles G. Fenwich , International Law , New York :Appleton – Century ,Crofts , 1965.
  2. Anjali V. Patil , The UN Veto in World Affairs 1946 – 1990, A Complete Record and Case Histories of the Security Council’s Veto, 1992.
  3. Syedney D. Bailey ,the procedure of the U.N.S.C.,Oxfoed ,Clarendon press,1975

ثالثا : مواقع الانترنيت

  1. <<论联合国安理会否决权的利弊及改革问题>> http://www.lw23.com/paper_102741031_5/
  2. <<论安理会中的否决权问题>> http://www.lw23.com/paper_144498811_3/
  3. http://www.elmokhtar./modules.php?name=News&file=article&sid=127
  4. <<حق الفيتو في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة>>

http://ar.wikipedia.org/wiki.

  1. << مجلس الأمن لمنظمة الأمم المتحدة>>

http://ar.wikipedia.org/wiki

<<الفيتو الامريكي يحتم توسيع عضوية مجلس الامن وضبط استخدام حق النقض >> http://www.aawsat.com/leader.asp?section=3&article=34771&issueno=8171.

 

[2]-<< مجلس الأمن لمنظمة الأمم المتحدة >> http://ar.wikipedia.org/wiki. last visit 2010-3-6

[3]- <<论安理会中的否决权问题>> http://www.lw23.com/paper_144498811_3/ ,2010年4月13日最后一次访问。

[4]-<<حق الفيتو في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة>> http://ar.wikipedia.org/wiki. last visit 2010-3-24.

[5]-<< الفيتو الأمريكي يحتم توسيع عضوية مجلس الأمن وضبط استخدام حق النقض >>

       http://www.aawsat.com/leader.asp?section=3&article=34771&issueno=8171,last visit 2010-04-08.

[6]- <<حق الفيتو في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة>> http://ar.wikipedia.org/wiki. last visit 2010-3-6.

[7]- يطلق على هذه العقد في القوانين المدنية بعقد الإذعان وهي صيغة من صيغ إبرام العقود تعتمد على استخدام نموذج نمطي للعقد يعده أحد طرفي العلاقة التعاقدية بصورة منفردة ويعرضه على الطرف الآخر الذي ليس له إلا الموافقة عليه كما هو أو رفضه دون أن يكون له أن يغير في العبارات الواردة  فيه أو الشروط والأحكام التي يتضمنها ولا أن يدخل في مجاذبة أو مساومة حقيقية على شروطه مع الطرف المعد لهذا العقد، ومن هذا وصفت هذه العقود "بالإذعان". وقيل إن أول من سماها بهذا الاسم الفقيه الفرنسي سالي في مطلع القرن العشرين.

 [8]-د. محمد طلعت الغنيمي،التنظيم الدولي،الطبعة الأولى، منشأة المعرف، الاسكندريه،1974،ص630.

[9]-  جاء بتلك المذكرة التفسيرية ما يأتي :1.حلول الإجماع الجزئي محل الإجماع الكامل الذي كان مقررا لمجلس العصبة وليس من شان هذا النظام تخويل الأعضاء الدائمين حقا جديدا هو حق النقض فقد كان أعضاء مجلس العصبة الدائمون يتمتعون به. كما إن (اتخاذ القرارات بأغلبية تسعة أصوات تجعل عمل المجلس اقل تعرضا للتعطيل عما كان عليه الحال في مجلس العصبة) 2. الدول الخمس الكبرى لا تستطيع بمقتضى هذا النظام للتصويت أن تتصرف وحدها إذ يلزم بجانب أصواتها أربعة  على الأقل من أصوات الأعضاء غير الدائمين. وبعبارة أخرى تستطيع سبعة دول من الأعضاء غير الدائمين أن تمارس جماعيا حق النقض 3. يفترض إن الأعضاء الدائمين وغير الدائمين لن يستعملوا حق النقض لتعطيل عمل المجلس عمدا لان التعمد يتنافى مع مبدأ حسن النية الذي يعتبر احد المبادئ الأساسية التي يقوم عليها الميثاق 4. لا يتوقع من الأعضاء الدائمين، بالنظر إلى المسؤوليات الأساسية التي ينهضون بها، أن يتصرفوا في مسائل خطيرة بحفظ السلم والأمن الدوليين نتيجة لقرار لم يوافقوا عليه. ولذلك فان السبيل الوحيد للأخذ بقاعدة الأغلبية في المجلس هو أن يشترط في المسائل الموضوعية إجماع الأعضاء الدائمين بالإضافة إلى صوت أربعة أصوات من أصوات غير الدائمين.

[10]-论联合国安理会否决权的利弊及改革问题http://www.lw23.com/paper_102741031_5 ,2010年4月22日最后一次访问。

[11]- Chrles G. Fenwich ,International Law , New York :Appleton – Century ,Crofts , 1965,P.215.

[12]- الفقره الثانيه من الماده 27 من ميثاق منظمة الامم المتحده.

[13]- الفقره الثالثه من الماده 27 من ميثاق منظمة الامم المتحده.

[14]- د. ابراهيم احمد شلبي، التنظيم الدولي دراسة في النظرية العامة والمنظمات الدولية، الدار الجامعية للطباعة والنشر، بيروت، 1984، ص313.

[15]- Decisions of the Security Council on procedural matters shall be made by an affirmative vote of nine members including the concurring votes of the permanent members; provided  that, in decisions under Chapter VI, and under paragraph 3 of Article 52, a party to a dispute shall abstain from voting.

[16]- د. محمد صالح المسفر، منظمة الأمم المتحدة خلفيات النشأة والمبادئ، الطبعة الأولى، مكتبة دار الفتح، الدوحة، 1997، ص 274.

[17]- إن الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن اتفقت في تصريح مشترك أعلنته في بداية حياة الأمم المتحدة وبالذات في مؤتمر سان فرانسيسكو على اعتبار المسائل التالية من المسائل الإجرائية وهي : (وجوب عقد اجتماعات دوريه للمجلس، عقد اجتماعات المجلس في غير مقر المنظمة، وضع النظام الداخلي للمجلس، تمثيل أعضاء مجلس الأمن تمثيلا دائما في مقر المنظمة، إنشاء أجهزه فرعيه تابعه للمجلس، اشتراك عضو من أعضاء الأمم المتحدة بدون تصويت في مناقشة أي مسألة تعرض على المجلس إذا تأثرت بها مصالح العضو بصفه خاصة، إدراج  أو شطب مسألة في جدول أعماله).

[18]- .د. مفيد محمود شهاب،المنظمات الدوليه، دار النهضه العربيه، بيروت، 1985، ص256.

 

[19]- لو فرضنا إن الأعضاء الحاضرين في الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة عند التصويت على مشروع قرار يتعلق بالمسائل الهامة كان 100 عضو، صوت منهم لصالحه 40 ورفضه 20 وامتنع عن التصويت 40 وكانت الأغلبية المطلوبة هي أغلبية الثلثين،فلو أخذنا بمعيار المادة 18 وأسقطنا من حساب الأغلبية الممتنعين عن التصويت فان القرار يعد صادرا لتوفر أغلبية ثلثي الأعضاء الذين صوتوا فعلا 40 من 60  أما إذا أدخلنا في حسابنا الدول الممتنعة عن التصويت لامتنع إصدار القرار نظرا لعدم توافر أغلبية الثلثين إذ تصبح النسبة عندئذ 40 من 100.انظر د. محمد سامي عبد الحميد  د.محمد السعيد الدقاق، التنظيم الدولي، منشأة المعارف، الإسكندرية، 2004، ص638.

[20]-  د. علي يوسف الشكري، المنظمات الدولية، الطبعة الأولى، المكتبة الحيدرية، 2008،ص129.

[21]- بدأت مشكلة تمثيل الصين في الأمم المتحدة منذ 1949 واستمرت حتى 1971 بحصول الصين الشعبية  بدلا من الموجودة حاليا في جزيرة تايوان على المقعد المخصص للصين  بعد أن صدر قرار من الجمعية العامة بأغلبية 76  ضد 35 وامتناع 17 تقرر بموجبه إعادة كل الحقوق إلى جمهورية الصين الشعبية والاعتراف بممثلي حكومتها الممثلين الشرعيين الوحيدين للصين لدى منظمة الأمم المتحدة وطرد ممثل حكومة تايوان الذي يمثل الصين الوطنية.

[22]- د.إبراهيم احمد شلبي،المنظمات الدولية، دار النهضة العربية، القاهرة، 1958، ص309.

[23]- د. محمد المجذوب، المنظمات الدولية والإقليمية، المكتبة العربية للطباعة والنشر، بيروت، 1973،ص209-210.

[24]- << الفيتو الأمريكي يحتم توسيع عضوية مجلس الأمن وضبط استخدام حق النقض >>

       http://www.aawsat.com/leader.asp?section=3&article=34771&issueno=8171,last visit 2010-04-02.

[25]-.  أن هناك دولا قويه  تستطيع أن تسهم في استتباب الأمن والسلم الدوليين مساهمة فعالة لاتقل إن لم نقل تزيد عن مساهمة الدول الدائمة العضوية حاليا. فهذا مثلا ” لال, LALL ” سفير الهند الأسبق لدى الأمم المتحدة، يقترح منح الهند واليابان والبرازيل مقاعد دائمة في مجلس الأمن، وكذلك الحال بالنسبة لدول الشرق الأوسط وإفريقيا، ولقد سبق لكل من إيطاليا والمكسيك أن تقدمت باقتراحات تكاد تكون قريبة نوعا ما من هذه الاقتراحات. كما سبق لليمن أن اقترحت بأن يكون للدول العربية مقعدان في مجلس الأمن أحدهما يمثل من قبل الدول العربية في آسيا والآخر يمثل من قبل الدول العربية في إفريقيا.

[26]- انظر الماده 2 الفقره 7 من ميثاق الامم المتحده.

[27]-论联合国安理会否决权的利弊及改革问题http://www.lw23.com/paper_102741031_5,2010年4月3日最后一次访问。

[28]- انظر المادة 4 من ميثاق الأمم المتحدة.

[29]-论联合国安理会否决权的利弊及改革问题http://www.lw23.com/paper_102741031_5,2010 年4月20日最后一次访问。

[30]- د. محمد طلعت الغنيمي،التنظيم الدولي،الطبعة الأولى، منشأة المعرف، الإسكندرية،1974،ص642.

[31]-. المادة 108 من ميثاق الأمم المتحدة.