من صفحة: 272
إلى صفحة: 283
النص الكامل للبحث: PDF icon 170624-105225.pdf
البحث:

 

المقدمة

يمكن القول بان حرية الصحافة تمثل دعامة اساسية وضرورية في دولة ديمقراطية، ولامجال للحديث عن حرية الصحافة في ظل انظمة دكتاتورية وبمعزل عن نظام ديمقراطي يؤمن بالحريات. وتكتسب حرية الصحافة اهمية خاصة وتعتبر من اهم ممارسات حرية التعبير عن الراي، كما ان لطابعها السياسي جعل للصحافة دورا مهما في مجال الرقابة على سياسات واعمال الحكومة وتوجيهها من خلال النقد البناء اللازم لبناء الدولة. ولما كانت الحقوق والحريات لاتعطي ولاتمنح من قبل الحاكم، وانما تمثل حقوق اساسية لابناء الشعب.لذا يجب على الحاكم الاقرار بها لهم.

لقد شهد العراق بعد 2003 تحولا سياسيا كبيرا من النظام الدكتاتوري الى نظام ديمقراطي، ووجدت الصحافة ارضا خصبة لامتلاك مساحة كبيرة من الحرية الواقعية تمثلت بالانفتاح الاعلامي الكبير، وقد جاء دستور العراق لسنة 2005 ليعترف بحرية الصحافة ويضمن ممارستها وبما لايخل بالنظام العام والاداب العامة. الا ان الاشكال الذي يطرح هو هل التنظيم القانوني لحرية الصحافة وفقا لقانون العقوبات العراقي رقم  111  لسنة 1969 وقانون المطبوعات العراقي رقم  206  لسنة 1968 يصلح لان يقدم لهذه الحرية الضمانات القانونية المطلوبة ام ان الامر يحتاج الى تدخل المشرع واصدار التشريعات اللازمة لذلك؟  وسنحاول الاجابة على هذا التساؤل من خلال تقسيم البحث الى ثلاثة مباحث. نخصص المبحث الاول للبحث في ماهية حرية الصحافة والمبحث الثاني لبحث الاثار الاجرائية للجريمة الصحفية في التشريع العراقي ونخصص المبحث الثالث لبحث الاثار الجزائية للجريمة الصحفية في التشريع العراقي ونخلص في نهاية البحث لخاتمة نطرح فيها اهم النتائج والمقترحات.

المبحث الاول: ماهية حرية الصحافة

الصحيفة لغة هي مايكتب فيه من ورق او نحوه، اما اصطلاحا فهي المطبوع الذي يحمل اسما معينا، ويصدر بصفة منتظمة او غير منتظمة ليحمل للقراء ماتيسر من الانباء والاراء.والصحافة تعرف بأنها وسيلة مكتوبة للتعبير عن الراي واداة اساسية في تكوين الراي العام فضلا عن كونها وسيلة  للابلاغ ونشر الاخبار([1]).

ولكلمة الصحافة ( press ) مدلولان اولهما يحمل معنى ضيق لايتعدى المفهوم التقليدي للصحافة بحيث يجعلها تقتصر على الصحافة المكتوبة كالمطبوعات والصحف الدورية اليومية او الاسبوعية والمعنى الاخر للصحافة هو المفهوم الواسع للصحافة بحيث اصبحت تضم الى جانب الصحافة المكتوبة، الصحافة المرئية او المسموعة وكذلك الصحافة الالكترونية كما هو الحال في صحافة الانترنيت.

وبالرغم من التطور التكنولوجي لاتزال تحتل الصحافة المطبوعة او المكتوبة اهمية كبيرة في الاتصال وتبادل الافكار وتعد ركيزة اساسية في الاعلام.

وللتعرف على ماهية حرية الصحافة يقتضي ذلك البحث في جوهر حرية الصحافة، وماهي اهم الحريات والحقوق التي ينطوي عليها ممارسة حرية الصحافة، وكذلك البحث في اهم الضوابط القانونية التي تمارس بموجبها حرية الصحافة دون المساس بالمصالح المحمية قانون وسنخصص لذلك المطلبين الاتيين :

المطلب الاول:  جوهر حرية الصحافة.

المطلب الثاني:-  حرية الصحافة ومحظورات النشر.

المطلب الاول: جوهر حرية الصحافة

تعد حرية الصحافة فرعا مهما من فروع حرية االراي والتعبير وتمتاز باهميتها الخاصة نظرا لدورها المهم والاساسي في تكوين الراي العام لدى افراد المجتمع، ولانها ذات طابع سياسي، فغالبا مايتم من خلالها نقد اعمال الحكومة وكشف اخطائها امام الراي العام.

وتعني حرية الصحافة عدم جواز تدخل الحكومة فيما ينشر اوعدم فرض أي نوع من انواع الرقابة على الصحافة، وعدم فرض ارادة الحكومة في نشر او عدم نشر الاخبار مادامت الصحافة لم تتجاوز حدود القانون. ويقال ان حرية الصحافة تعتبر العجلة الاساسية التي تسير عليها الديمقراطية، فلا وجود للديمقراطية بدون صحافة حرة، بل اكثر من ذلك يرى البعض من الكتاب الغربيين([2]). بانه لامجال للحديث عن حرية للصحافة الا في بلد ديمقراطي حر لان حرية الصحافة لها مضمون سياسي مباشر.

 ويمكن تبرير ممارسة حرية الصحافة اذا ماتم تحليل العملية الصحفية ذاتها، فالصحافة في حقيقتها هي ممارسة لحرية التعبير من جهة، والحق في الاطلاع للجمهور من جهة اخرى وهي اخيرا تعتبر منفذا لممارسة الحق في الاتصال.

اولا - حرية الصحافة من اهم تطبيقات حرية التعبير

تتميز حرية الراي بانها ذات مضمون نفسي داخلي شانها في ذلك شان حرية العقيدة لذلك مثل هذا النوع من الحرية لايحتاج الى ضمانات قانونية الا اذا تم ممارسة هذه الحرية  بصورة او باخرى، كما في  حرية التعبير عن الراي بمختلف الوسائل المشروعة قانونا وفي مقدمتها من حيث الاهمية الصحافة.

ولكل الفرد الحق في التعبير عن ارائه من خلال الصحف سواء كان بامكانه اصدار صحيفة خاصة به او بواسطة الصحف لمملوكة للاخرين، الذين قد يمارسوا بدورهم نوعا من الرقابة او التحكم  في الاراء التي تنشر، وعلية ستنتقص حرية التعبير عن الراي في هذه الحالة.

ان اصحاب روؤس الاموال والذين بامكانهم اصدار الصحف، يعملوا على استغلال صحفهم لتحقيق مصالحهم الخاصة عن طريق التاثير في الراي العام، ومن المتصور اساءة استخدام الملكية الخاصة  للصحف في حدود معينة، الا ان ذلك لايبرر حرمان الافراد من حق اصدار الصحف، بل ذلك يدعو المشرع الى وضع الانظمة القانونية التي من شانها منع تلك الانحرافات والتصدي لما قد يقع منها([3]).

ثانيا - حرية الصحافة كحق للقارئ

ان حق افراد المجتمع في ان يطلع على ماصدر من اراء في الصحف المختلفة، وان يقارن بينها وان يختار منها ما يلائم مع اتجاهاته وميوله الفكرية. ليتمكن كل فرد في نهاية الامر من تكوين الراي الذي يفضله ويساهم به في الحياة.

تعد الثورة الفرنسية عام (1789) اول من ضمنت هذا الحق في المادة (11) من اعلان حقوق الانسان والمواطنة حيث التاكيد على حرية اتصال الاراء والافكار والتي لايمكن تحقيقها من حيث الواقع مالم يتوفر للقاريء العدد الكافي من الصحف ذات الاتجاهات المختلفة والطبيعة المتنوعة. ثم جاء قانون الصحافة عام (1881) ليؤكد على حرية الصحافة ويحررها من كافة القيود الاساسية والادارية التي كانت تكبلها، فنص على ان الطباعة والصحافة حرتان، وان لكل فرد الحق من اصدار صحيفة دون ترخيص سابق او ايداع تامين نقدي، واوكل امر اصدار الصحف الى القضاء،ولم يتطلب من صاحب الصحيفة الامجرد اخطار يتقدم به الى النيابة العامة يتضمن البيانات الصحفية المطلوبة للاصدار([4]).

ثالثا - حرية الصحافة والحق في الاتصال

ظهر حديثا في اوساط الفقة الفرنسي الكلام عن حق جديد من حقوق الانسان اطلقوا علية الحق في الاتصال، وهو حق طبيعي يقوم على حاجة اجتماعية ضرورية لكل انسان باعتباره كائنا اجتماعيا لابد له من الاتصال بالاخرين، وهذا الحق ذو مضمون واسع فهو يشمل الى جانب حرية الرايء والتعبير عنه، حرية الاعلام وحق ابلاغ الاخرين وحق الحصول على المعلومات الصحيحة وحق الاجتماع بالاخرين وتكوين الجمعيات وحرية التنقل ([5]).

ويتضمن الحق في الاتصال فكرة الحركة ( الديناميكية ) التي ينبغي ان تواكب المعلومات فتجعلها في حالة ذهاب واياب واخذ وعطاء أي ارسال واستقبال. فقد كان التركيز في الماضي ينصب على مضمون ارسال المعلومات للاخرين وذلك بممارسة حرية التعبير عن الراي بمختلف الوسائل المشروعة قانونا والتي من اهمها الصحافة دون تحقيق تفاعل حقيقي بين الصحافة والجمهور. لكن حرية الصحافة اليوم تحولت من وسيلة للاعلام فقط الى وسيلة للاتصال مع افراد المجتمع وتبادل الاراء والمعلومات فقط اصبح للصحافة دور مهم في استقبال اراء وتوجهات الجمهور ولذلك يلاجظ على الصحافة اليوم سواء كانت مكتوبة او  مسموعة او مرئية او صحافة انترنيت ان ابوابها مفتوحة امام تلقي مشاركات الجمهور وقنوات حقيقية لتبادل الاراء بين الافراد.

المطلب الثاني: حرية الصحافة ومحظورات النشر

ان حرية الصحافة مقيدة بعدم تجاوز الحدود التي رسمها القانون. وقد جرمت اغلب التشريعات الجنائية ومنها قانون العقوبات العراقي النشر اذا تضمن مساسا بالمصلحة العامة او مساسا بالمصلحة الخاصة للافراد، واعتبرها جرائم تستوحب قيام المسؤولية الجنائية وقرر لها العقاب المناسب ويمكن رد الاخبار المحظور على الصحافة نشرها والتي تعد جرائم بمقتضى نصوص القوانين العقابية الى الامور التالية:-

اولا - عدم المساس بالأمن الداخلي

يجب ان تمتنع الصحافة عن نشر أي خبر او معلومة او امر من شانه المساس بالامن الداخلي للدولة كالتحريض على قلب نظام الحكم وتجنيد وترويج المذاهب التي ترمي الى تغيير مباديء الدستور الاساسية او النظم المنصوص عليها في المادة (200 /2) ثانيا من قانون العقوبات وجريمة تحريض الجنود على الخروج عن الطاعة المنصوص عليها في المادة (199) من قانون العقوبات، وجريمة التحريض على بغض او كراهية طائفة من الناس المنصوص عليها المادة (200) من قانون العقوبات ([6]).

ثانيا - عدم المساس بالامن القومي الخارجي

لايجوز للصحافة نشر أي معاومات او اخبار من شانها المساس بالامن القومي الخارجي سواء تعلق الامر باسرار الدفاع او العلاقات الودية بين الدول.

فقد جرم المشروع العراقي تحريض الجند على الانخراط في خدمة دولة اجنبية في المادة (161) عقوبات عراقي وكذلك مساعدة العدو على دخول البلاد باضعاف روح المقاومة في المادة (160) عقوبات عراقي وحظر افشاء اسرار الدفاع في المادة ( 17 / ف 6) من قانون المطبوعات العراقي رقم 206 لسنة 1968 وعاقب على ذلك في المادة (188) عقوبات عراقي.

ثالثا - عدم المساس بالمصالح الاقتصادية للدولة

لايجوز كذلك نشر اخبار من شانها الاضرار بالمصالح الاقتصادية للدولة والنيل من المكانة المالية للدولة المحظورة في المادة (180) من قانون العقوبات.

رابعا - عدم المساس بحسن سير القضاء.

لقد جرم المشروع العراقي كل نشر بواسطة الصحافة من شانه التاثير في حسن سير العدالة حيث نصت المادة (16) من قانون المطبوعات.لايجوز ان ينشر في المطبوع الدوري مامن شانه التأثير على الحكام ( القضاة ) بصدد القضايا التي ينظرون فيها او التاثير على الادعاء العام او المحامين او المحققين او الشهود او الراي العام في قضية معروضة على القضاء.

وقد جرم المشروع العراقي الجرائم الماسة بحسن سير القضاء في المواد (233- 242 ) من قانون العقوبات.

خامسا - عدم المساس بالشعور الديني

نصت المادة (16 ف 16 ) من قانون المطبوعات لايجوز ان ينشر في المطبوع الدوري مايشكل طعنا بالاديان المعترف بها في جمهورية العراق : وقد جرم المشروع العراقي اهانة أي معتقد ديني معترف به رسميا في المادة (210) عقوبات عراقي، كذلك اهانة الرمز او الشخص موضوع التقديس لدى طائفة دينية في المادة (372) عقوبات عراقي ([7]).

سادسا - عدم المساس بالشف والاعتبار للافراد

يجرم المشروع العراقي أي نشر يتضمن امورا من شانها المساس بالشرف او الاعتبار للافراد فقد منعت المادة (16) من قانون المطبوعات نشر مايعد ماسا برئيس الجمهورية او رئيس الوزراء اومن يقوم مقامهم وقد جرم ذلك في المادة (225) من قانون العقوبات.

كما جرم فعل القذف اذا تضمن النشر اسناد وقائع تستوجب العقاب في المادة ( 433/ 1 و2) من قانون العقوبات، وكذلك اذا اسندت امورا مشينة او معيبة لشخص مما قد يستوجب الاحتقار لدى الاخرين في جريمة السب المنصوص عليها في المادة 434 من قانون العقوبات ([8]).         

المبحث الثاني: الاثار الإجرائية للمسؤولية الجنائية عن الجريمة الصحفية

يترتب على ثبوت ارتكاب جريمة مامن قبل شخص معين، قيام حق المجتمع في فرض العقاب علية، ويتم الوصول الى ذلك من خلال اتباع مجموعة من الاجراءات والاصول التي يقررها المشرع. وحيث ان حرية الصحافة تنتهي حيث تكون ضمن محظورات النشر التي يقررها القانون، فنكون عند ئذ ازاء الجريمة الصحفية والتي تخضع لبعض القواعد الخاصة من الناحية الاجرائية لتحقيق ضمانات اكبر للصحفي تتناسب مع مقتضيات حرية الصحافة، والتي تمثل خروجا على القواعد العامة سواء في مرحلة التحقيق او في مرحلة المحاكمة ومنها مدى جواز توقيف الصحفي من عدمه  وكيفية استجوابة  في مرحلة التحقيق والسرعة التي يقررها المشرع في حسم الدعوى  الجزائية الصحفية ([9]). كذلك تثار مسالة الاختصاص في نظر الدعوى الجزائية ولبحث هذه الامور ارتأينا تقسيم هذا المبحث الى ثلاثة مطالب

المطلب الاول : قيود رفع الدعوة الجزائية عن الجريمة الصحفية

المطلب الثاني : اجراءات التحقيق في الجريمة الصحفية

المطلب الثالث: قواعد الاختصاص في المحاكم عن الجريمة الصحفية

المطلب الاول: قيود رفع الدعوى الجزائية

ان الادعاء العام هو الجهة التي تمتلك الحق في إقامة الدعوى الجزائية نيابة عن المجتمع من حيث الاصل، الا ان المشرع قد يستلزم لذلك تقديم شكوى من المجني علية او صدور طلب او اذن من جهة معينة في يعض الجرائم ومنها الجرائم الصحفية كما ان هناك بعض الحالات التي ينتهي فيها الحق في اقامة  الدعوى الجزائية لذلك سنبحث ذلك من خلال الفرعين الاتيين:

الفرع الأول: الإجراءات الخاصة بإقامة الدعوى الجزائية

نصت المادة (3) من قانون اصول المحاكمات الجزائية العراقي على طائفة من الجرائم التي لايمكن تحريك الدعوى الجزائية فيها الا بناءا على شكوى المجني علية اومن يقوم مقامه قانونا.ثم ذكر المشرع هذه الجرائم على سبيل الحصر لا المثال وينص البند ثانيا من المادة ( 3/2) من القانون  1- لايجوز تحريك الدعوى الجزائية الا بناءا على شكوى من المجني علية او من يقوم مقامه قانونيا في الجرائم الاتية : القدف او السب اوافشاء االاسرار او التهديد بالقول او الايذاء الخفيف اذا لم تكن الجريمة قد وقعت على مكلف بخدمة عامة اثناء قيام بواجبه او بسببه. وذلك يعني ان الدعوى الجزائية في جريمة القذف والسب وغيرها من الجرائم المذكورة في المادة (3) من قانون اصول المحاكمات لايمكن تحريكها ما لم يتقدم المجني علية بشكوى، فاذا تعدد المجني عليهم فيكفي ان يتقدم احدهم بشكوى، اما اذا تعدد المتهمون وكانت الشكوى مقدمة ضد احدهم تعتبر مقامة عليهم جميعا ([10]).

ونجد في القانون المصري بعض الجرائم الصحفية التي تحتاج الى طلب لتحريك الدعوى الجزائية بموجب المادتين الثامنة والتاسعة من قانون الاجراءات الجزائية ويقصد بالطلب التعبير عن ارادة سلطة عامة في اتخاذ الإجراءات القانونية عن جريمة ارتكبت إخلالا بقوانين تختص هذه السلطة بالسهر على تنفيذها.

ولم يورد المشرع العراقي نصا مشابها لذلك في القانون، الا ان المادة (31) من قانون المطبوعات تنص على انه يقيم المدعي العام الدعاوي العامة الناشئة عن مخالفة الأحكام بطلب من الوزير وموافقة وزير العدل ([11]).

ومقتضى المادة المذكورة عدم جواز إقامة الدعوى الجزائية الا بعد ورود طلب أليه من جهة محددة وليس للادعاء العام مفاتحتها لأخذ موافقتها وإنما لابد من ان تتقدم هي بالطلب. واشترط كذلك الحصول على اذن وزير العدل.ويلاحظ ان اغلب الجرائم التي يشترط فيها الطلب هي من الجرائم المضرة بالمصلحة العامة  لذلك ينتقد موقف المشرع العراقي في اشتراط تقديم طلب من الوزير والإذن من وزير العدل ومن الأفضل ان يشترط المشرع لتحريك الدعوى الجزائية تقديم طلب من ممثل الهيئة او السلطة المتضررة من الجريمة. ونرى انه يجب ان لايشترط المشرع هذه القيود لتحريك الدعوى الجزائية او بعض إلاجراءات الخاصة للبدء  بالتحقيق كالطلب او الحصول على اذن من جهة معينة.

الفرع الثاني: حالات انقضاء الدعوى الجزائية

تنقضي الدعوى الجزائية في الجرائم الصحفية في حالة عدم تقديم الشكوى عند مرور ثلاثة أشهر من يوم علم المجني علية بالجريمة او زوال العذر القهري الذي حال دون تقديم الشكوى. أي ان انقضاء هذه المدة دون تقديم الشكوى يترتب عليه عدم قبول تقديمها بعد ذلك ([12]). وبالتالي عدم جواز تحريك الدعوى الجزائية.

وكذلك تنقضي الدعوى الجزائية في حالة وفاة المجني عليه اذا لم يكن قد تقدم بالشكوى في حال حياته. اما اذا حصلت الوفاة بعد تقديم الشكوى فلا تؤثر على سير الدعوى الجزائية ولاينتقل الحق في تقديم الشكوى الى الورثة.

ومن الاسباب الاخرى لانقضاء الدعوى الجزائية تنازل المجني عليه عن الشكوى بعد تقديمها في أي مرحلة من مراحل الدعوى الجزائية وقبل صدور الحكم النهائي المكتسب الدرجة القطعية. وفي حالة تعدد المجنى عليهم اذا تنازل احدهم او بعضهم فلا تنقضي الدعوى الجزائية ولا يعتد بهذا التنازل مالم يصدر من جميع المجنى عليهم اما اذا تعدد المتهمون فالتنازل الذي يحصل لمصلحة احدهم لايعد تنازلا عن بقية المتهمين ما لم ينص القانون على خلاف ذلك ([13]).

اما الدعاوي الجزائية التي يتطلب المشرع لاقامتها التقدم بطلب  او الحصول على اذن من جهة معينة فلا تنقضي الدعوى بمرور مدة معينة او بالتنازل عنها بعد التقدم بالطلب لان التقادم المسقط للدعوى الجزائية لم ياخذ به المشرع العراقي.

المطلب الثاني: استجواب المتهم في الجريمة الصحفية

نص المشرع العراقي على اجراءات استجواب المتهم في المواد (123- 129) الاصول الجزائية. ومن خلال امعان النظر في تلك النصوص نجد ان المشرع لم يخص الصحفي بأي ضمانات او امتياز او حكم خاص يميزه عن غيره من المتهمين في الجرائم غير الصحفية. لا ينسجم هذا الموقف مع الاحكام الخاصة المقررة لاستجواب الصحفيين في القوانين الاخرى كالقانون المصري والقانون الفرنسي.

فقد خص المشرع المصري الجرائم التي ترتكب عن طريق الصحف باجراء خاص عند استجواب المتهم عن جريمة قذف في حق موظف عام او مكلف بخدمة عامة في المادة (123/2) من الاجراءات الجزائية، حيث قضت بانه في حالة تكليف المتهم في جريمة قذف من هذا النوع بالحضور امام المحكمة وجب عليه ان يعلن النيابة العامة والمدعي بالحق المدني ببيان الادلة التي تؤيد الفعل المسند الى الموظف العام خلال الخمسة ايام التالية لاعلان التكليف بالحضور. والا سقط حقه في اقامة الدليل ([14]).

كما ان المشرع الفرنسي قد قرر ذات الحكم الخاص في المادة (55) من قانون الصحافة الفرنسي حيث سمح للمتهم القيام باثبات الحقيقة الخاصة بالأفعال مضمون جريمة القذف بحق الموظف العام خلال عشرة ايام من تكليفه بالحضور ان يعلم النائب العام او المدعي بالحق المدني بانه ينوي اثبات الحقيقة ومستعد لتقديم  الادلة المتوفرة لديه لاثبات ذلك.

كما يقرر المشرعين المصري والفرنسي مبدأ اخر وهو مبدأ السرعة في حسم الدعوى الجزائية عن الجريمة الصحفية خلال مدة لاتزيد على ثلاثين يوما ولا يجوز تأجيل الدعوى اكثر من مرة واحدة ([15]).

ولانجد نصا مماثلا في قانون اصول المحاكمات العراقي يتطلب تدخل المشرع العراقي لتقرير هذا الحكم الخاص بالجريمة الصحفية سواء ما تعلق بالدفع باثبات الحقيقة او مبدأ سرعة الحسم في الدعوى المقرر لمصلحة حرية الصحافة.

الفرع الثاني: توقيف المتهم في الجريمة الصحفية

لم يخص المشرع العراقي المتهم بارتكاب جريمة صحفية باحكام خاصة فيما يتعلق باجراءات التوقيف، وهذا يعني ان الصحفي يخضع للقواعد العامة في جواز توقيفه تبعا لنوع الجريمة التي قام بارتكابها.

وبالرجوع الى احكام التوقيف المقررة في المواد (109-120) من الاصول الجزائية يتضح ان القاعدة العامة هي جواز اطلاق سراح المتهم بكفالة او بدونها والاستثناء هو التوقيف وبحسب مقتضيات سير التحقيق، او ان التوقيف يصبح واجبا في جرائم معينة ولايجوز اطلاق سراح المتهم فيها. ولم يخص المشرع العراقي الصحفي بحكم خاص فيما يتعلق عدم جواز توقيفه عن الجريمة الصحفية.

ازاء هذا الموقف نجد ان المشرع المصري قد قرر حكما خاصا في المادة ( 134 ) في الاجراءات الجزائية وهو عدم جواز حبس الصحفي احتياطا الا عند ارتكاب احدى الجرائم المنصوص عليها في المواد ( 173، 179، 180) من قانون العقوبات. والحبس الاحتياطي في هذه الجرائم امر جوازي لقاضي التحقيق وليس وجوبي.

نجد ذات الحكم يقرره المشرع الفرنسي في المادة (52) من قانون الصحافة الفرنسي حيث لايجوز توقيف المتهم في الجريمة الصحفية فيما عدا جرائم معينة. وهي الجرائم الماسة بامن الدولة الداخلي والخارجي وجرائم القذف والاهانه الموجهة ضد رؤساء الدول الاجنبية ومبعوثيها الدبلوماسيين ([16]).

ونرى في وجوب تضييق نطاق اجراء التوقيف بحق الصحفي الا في حالات معينة على سبيل الحصر يحقق ضمانة حقيقية لحرية الصحافة في العراق مما يقتضي تدخل المشرع لاضافة هذا المبدا في قانون اصول المحاكمات الجزائية.

المطلب الثالث: قواعد الاختصاص القضائي في الجريمة الصحفية

يعرف الاختصاص بانه ولاية المحكمة بالنظر في الدعاوى بحسب نوع الجريمة او شخص المتهم او مكان معين ([17]). ولذلك يقسم الاختصاص الى ثلاثة انواع الاختصاص النوعي والاختصاص الشخصي والاختصاص المكاني وقد وضع المشرع القواعد العامة التي تحكم الاختصاص الشخصي في نظر الدعاوى الجنائية عموما ولم ينظم قواعد للاختصاص في نظر الدعاوى الناشئة عن الجرائم الصحفية

وبخلاف ذلك فقد اهتم كل من المشرع الفرنسي والمصري بتنظيم احكام خاصة للاختصاص في الجرائم الصحفية خاصة فيما يتعلق بالاختصاص النوعي والمكاني لذلك سنبحث ذلك في الفرعين الآتيين.

الفرع الاول:- الاختصاص المكاني.

الفرع الثاني: الاختصاص النوعي.

الفرع الاول: الاختصاص المكاني

لم يفرد المشرع العراقي الجريمة الصحفية بقواعد خاصة تحكم الاختصاص المكاني بصدد الدعوى الجنائية عنها. ولذلك فان القواعد العامة المقررة في  المادة ( 53/ أ ) من الاصول الجزائية تحكم مسألة الاختصاص المكاني للقضاء في نظر الدعوى الجنائية عن الجريمة الصحفية.

القاعدة العامة بهذا الخصوص ان الاختصاص المكاني ينعقد لقاضي التحقيق ومن ثم المحكمة في المكان الذي يرتكب فيه أي فعل من الافعال المؤدية الى ارتكاب الجريمة او مكان حصول النتيجة اوالمكان الذي وجد المجني عليه فيه.

بينما يحدد المشرع المصري يحدد الاختصاص المكاني في المادة (17) من الاجراءات الجزائية بالمكان الذي وقعت فيه الجريمة او الذي يقيم فيه المتهم او الذي يقبض عليه فيه ([18]).

وحيث ان وسائل الصحافة تتميز بانها واسعة الانتشار لذلك فمن غير المعقول ان يثبت الاختصاص المكاني لكل محكمة تصلها هذه الصحيفة، لذلك نرى ضرورة وضع قواعد خاصة تحكم الاختصاص المكاني في نظر الجريمة الصحفية وهي ذات القواعد المقررة في المادة (17) من قانون الإجراءات الجنائية المصري.

الفرع الثاني: الاختصاص النوعي في الجريمة الصحفية

 يقصد بالاختصاص النوعي هو تحديد سلطة المحكمة بالفصل في الدعاوى الجزائية من حيث نوع الجريمة فيما اذا كانت جناية او جنحة او مخالفة. وفي نطاق الجرائم الصحفية يوجد ثلاثة انظمة من الاختصاص في نظر هذا النوع من الجرائم وقد اختلفت التشريعات في الاخذ بها وهي:

النظام الاول - يقرر هذا النظام خضوع الجرائم الصحفية للقواعد العامة في الاختصاص النوعي شانها شان الجرائم الاخرى. ومن الدول التي اخذت بهذا النظام انكلترا ويوغسلافيا وتركيا واغلب القوانين العربية ومنها العراق.

النظام الثاني- تخضع الجرائم الصحفية بموجب هذا النظام الى قضاء خاص بها ولا تخضع للقواعد العامة في تحديد الاختصاص. على اساس طبيعة هذه الجرائم وخصوصية مرتكبيها تستلزم احاطتها بضمانات خاصة من خلال ايجاد قضاء متخصص بالنظر في الجرائم الصحفية ومن الدول التي اتبعت هذا النظام السويد وبلجيكا والنمسا ولبنان وايران.

النظام الثالث - ومقتضى هذا النظام فان الجرائم الصحفية تخضع لنظامين مختلفين حيث يتم اختياربعض الجرائم واخضاعها لقواعد خاصة والبعض الاخر تخضع للقواعد العامة في الاختصاص ومن هذه الدول رومانيا ومصر.

وقد اخذ المشرع العراقي كما اسلفنا بالنظام الاول الذي يقرر خضوع الجرائم الصحفية من حيث الاختصاص النوعي للقواعد العامة المقررة في قانون اصول المحاكمات الجزائية استنادا لنوع الجريمة أي جناية او جنحة او مخالفة. وفي راينا من الافضل لو يتم اسناد الاختصاص النوعي في النظر بالدعاوى الجنائية الناشئة عن الجريمة الصحفية الى محكمة الجنايات لوجود ضمانات حقيقية فيها اتجاه المتهمين واسوة بالتشريع المصري الذي يجعل اختصاص النظر في الجنح الصحفية لمحكمة الجنايات ما عدا الجنح المضرة بمصلحة الافراد بمقتضى المادة (216) من الاجراءات الجنائية ([19]).

المبحث الثالث: الجزاءات المقررة للجريمة الصحفية ومدى انسجامها مع مقتضيات حرية الصحافة

اذا ما ارتكبت الجريمة من خلال الصحف وبالتحديد في جرائم النشر، فان القانون يقرر فرض مجموعة من العقوبات بحق مرتكبها من جهة وبحق الصحيفة او وسيلة الاعلام من جهة اخرى.

وبالاضافة الى العقوبات الجنائية المقررة في قانون العقوبات نجد ان بعض القوانين تفرض عقوبات ادارية على الصحف اذا نشرت امورا تشكل جرائم ويمكن تسميتها بالجزاءات الادارية. ولذلك سنتطرق لبحث هذين النوعين من الجزاءات في المطلبين الاتيين.

المطلب الاول : الجزاءات الجنائية   .

المطلب الثاني : الجزاءات الادارية.

المطلب الاول: الجزاءات الجنائية المقررة للجريمة الصحفية

يتضمن الجزاء الجنائي الذي يفرض على الجرائم بشكل عام والجريمة الصحفية بشكل خاص نوعين، فهي اما ان تتخذ شكل العقوبة او التدبير الاحترازي. وتخضع هذه الجزاءات لمبدا الشرعية أي " لاجريمة ولاعقوبة ولاتدبير احترازي الابقانون"

وتفرض هذه الجزاءات بموجب قرارحكم قضائي صادر من محكمة مختصة. وعلية سيقسم هذا المطلب الى فرعين، نخصص في الفرع الاول لدراسة العقوبات المقررة للجريمة الصحفية ونخصص الفرع الثاني لدراسة التدابير الاحترازية.

الفرع الاول: العقوبة

العقوبة هي جزاء يوقع باسم المجتمع تنفيذا لحكم قضائي على من تثبت مسؤوليته عن الجريمة ([20]). تتخذ العقوبة صورة متعددة، فقد تكون عقوبة اصلية او عقوبة تبعية أي يحكم بها تبعا للعقوبة الاصلية او تكون تكميلية، اى يكون الحكم بها جوازا للمحكمة، ولا تطبق مالم ينص عليها قرار الحكم. ولاثير العقوبات الاصلية والتبعية مشاكل كثيرة لانها تخضع للقواعد العامة المقررة في علم العقاب. وانما العقوبات التكميلية التي نظمها المشرع في المواد (84، 101، 102) عقوبات عراقي.حيث عالجت هذه المواد عقوبات خاصة بالجرائم الصحفية وهي المصادرة والتعطيل ونشر الحكم وهو ماسنتطرق لبحثه في المطلب.

اولا - المصادرة

نص المشرع العراقي في المادة (101) عقوبات عراقي على عقوبة المصادرة وهي عقوبة جوازية للمحكمة ان تامر بها.وكذلك قررت المادة (84) عقوبات عراقي بانه اذا ارتكبت جناية او جنحة باحدى وسائل العلانية. جاز لقاضي التحقيق او المحكمة المنظورة امامها الدعوى بناءا على طلب الادعاء العام ان تامر بضبط كل الكتابات والرسوم..... وللمحكمة عند صدور الحكم بالادانة في موضوع الدعوى ان تامر بمصادرة الاشياء المطبوعة.

وهذه العقوبة يقررها كذلك المشرع الفرنسي في المادة (61) من قانون الصحافة الفرنسي وكذلك المشرع المصري في المادة (198) عقوبات مصري ([21]).

ثانيا - التعطيل

يقرر المشرع عقوبة التعطيل كعقوبة تكميلية لذلك يجوز للمحكمة بموجب نص المادة (84) عقوبات عراقي ان تقضي بعد صدور القرار بالادانة ان تقضي بتعطيل اصدار الصحيفة مدة لاتزيد عن ثلاثة اشهر ([22]).

ويؤخذ على ماقرره المشرع العراقي من احكام بصدد عقوبة التعطيل هو انه لم يفرق من حيث المدة بحسب ما اذا كانت الصحف او المطبوعات يومية او دورية او فصلية وكان الاحرى بالمشرع العراقي ان يراعي هذه المسالة في مدة التعطيل.

ثالثا - نشر الحكم

يمكن للمحكمة من تلقاء نفسها او بناءا على طلب الادعاء العام ان تامر بنشر الحكم النهائي الصادر بالادانة في جريمة القذف او السب او الاهانة باحدى وسائل النشر المذكورة في الفقرتين  ج و د من البند (3) من المادة 19.

وبحسب المادة (102) عقوبات عراقي فان عقوبة نشر الحكم هي عقوبة تكميلية، بينما نجد ان المشرع المصري قد جعل عقوبة نشر الحكم عقوبة تبعيه وليست تكميلية.وبحسب المادة (198) عقوبات مصري يكون واجبا على رئيس التحرير او المسؤول عن النشر ان ينشر في صدر صحيفته الحكم الصادر بالعقوبة في الجريمة المرتكبة عن طريق صحيفته خلال مدة شهر من تاريخ صدور الحكم، مالم تحدد المحكمة ميعادا اقصر من ذلك، والا حكم بغرامة لاتتجاوز مائة جنيه وبالغاء ترخيص الجريدة ([23]).

ونعتقد بان موقف المشرع المصري في اعتبار عقوبة نشر الحكم عقوبة تبعية افضل من موقف المشرع العراقي في اعتبارها عقوبة تكميلية.

الفرع الثاني: التدابير الاحترازية

يمكن تعريف التدبير الاحترازي بانه اجراء او مجموعة من الاجراءات التي يحددها المشرع لمواجهة خطورة اجرامية تطويها شخصية مرتكب الجريمة لتدراها عن المجتمع ([24]).

وقدر تعلق الامر بالتدابير الاحترازية المقررة ازاء الجريمة الصحفية نجدان المادة 113 عقوبات عراقي قد تضمنت تدبيرا احترازيا يمكن ان يطبق على هذا النوع من الجريمة الا وهو اجراء حظر ممارسة العمل.

وبمقتضى نص المادة (113) عقوبات فان حظر ممارسة العمل يمكن فرضه على الصحفي عند ارتكابه جناية او جنحة تمثل اخلالا بواجبات مهنته على ان لاتكون العقوبة المفروضة عليه هي الحبس مدة لاتقل عن ستة اشهر.

وتكون مدة هذا الاجراء مدة لاتزيد على سنة عندما ترتكب الجريمة للمرة الاولى وفي حالة العود خلال الخمس سنوات التالية لصدور الحكم النهائي بالحظر فستكون مدة الحظر لفترة لاتزيد على ثلاث سنوات بشرط ان يكون العود متماثلا. وتبدأ مدة سريان الحظر من تاريخ انتهاء مدة تنفيذ العقوبة او انقضاءها.

المطلب الثاني: الجزاء الاداري

نجد في قانون المطبوعات العراقي رقم 206 لسنة 1968 ثلاث تطبيقات للجزاء الاداري في مواجهة الجريمة الصحفية. وتتمثل هذه الجزاءات بالانذار والتعطيل والغاء اجازة المطبوع الدوري ([25]).

والجهة التي لها حق توقيع هذه الجزاءات هي جهة ادارية تتمثل في وزارة الاعلام العراقية. وحيث ان ذلك يتناسب مع طبيعة المرحلة السياسية التي مر بها العراق فقد اصبحت هذه الجزاءات تمثل جانب تاريخي ولايمكن باي حال من الاحوال اذا ما اريد للصحافة ان تتمتع بالاستقلالية المطلوبة عن السلطة التنفيذية من السماح للاخيرة من فرض الجزاءات الادارية على الصحافة ([26]).

وحيث ان وزارة الاعلام قد الغيت بموجب امر سلطة الائتلاف رقم(3) لسنة 2003 لذلك اصبحت هذه النصوص المشار اليها انفا نصوصا معطلة. نرى بان يتضمن أي قانون يصدر في المستقبل ينظم حرية الصحافة نصا مماثلا لنص المادة (5) من قانون الصحافة المصري رقم 96 لسنة 1996 والذي ينص على انه " يحظر مصادرة الصحف او تعطيلها او الغاء ترخيصها بالطريق الاداري. ويمكن بالتالي الاكتفاء بالجزاءات الجنائية المقررة في قانون العقوبات او قانون المطبوعات وان تكون مفروضة من قبل القضاء المختص ولايمكن السماح للسلطة التنفيذية باتخاذ أي نوع من الجزاءات الادارية بحق الصحافة وذلك لكي تصبح الصحافة هي السلطة الراسية في الدولة الى جانب السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية وتمارس دورها في خلق راي عام حر.

وندعو الى تشكيل مجلس اعلى للصحافة مماثل لما هو عليه الحال في اغلب الدول الديمقراطية يتولى وضع ميثاق شرف للعمل الصحفي ويقوم باصدار التراخيص لمزاولة العمل الصحفي ويكون هيئة مستقلة عن السلطة التنفيذية وان نسمح له بتشكيل لجان انضباطية تحقق وتصدر قراراتها في صدد المخالفات الصحفية وفقا للقانون([27]).

الخاتمة

نلخص من بحثنا المتواضع هذا في مجال التنظيم القانوني لحرية الصحافة ومدى ملائمة الضمانات المقررة في التشريع العراقي ومقتضيات ممارسة هذه الحرية الى مجموعة مهمة من النتائج والمقترحات والتي نعرض لاهمها في هذه الخاتمة.

اولا - النتائج

  1. ان النظام القانوني الذي يرسم حدود ممارسة حرمة الصحافة يتمثل في القواعد الخاصة المقررة في العقوبات العراقية رقم 111 لسنة 1969 وقانون المطبوعات رقم 206 لسنة 1968. وان هذين القانونين قد شرعا في زمن تحكمه ظروف سياسية تتمثل بانفراد الحزب الواحد بالسلطة وعدم الاعتراف بتعدد الاراء، ولذلك لانرى بوجود ضمانات حقيقية لممارسة حرية الصحافة في العراق ضمن القوانين الجنائية العراقية.
  2. لم يتضمن قانون العقوبات العراقي و قانون اصول المحاكمات الجزائية او قانون المطبوعات قواعد خاصة تنسجم مع مقتضيات حرية الصحافة في حالة تجاوز الصحافي لحدود حرية الصحافة واسناد المسؤولية الجنائية عن جريمة صحفية اليه.

ثانيا - المقترحات

  1. اصدار التشريع المنظم لحرية الصحافة بحيث يتضمن ضمانات حقيقية للصحفي في حالة تحمله عبء المسؤلية الجنائية عن جريمة صحفية.
  2. تضمين القوانين الجزائية ضمانة اساسية وهي عدم جواز توقيف الصحفي عن الجرائم الصحفية ما دام مقيما في العراق وموجود داخل اراضيه اسوة بالقوانين الاخرى.
  3. الغاء النص الذي يقرر الحصول على اذن من وزير العدل في بعض الجرائم الصحفية وابدال ذلك بتقديم طلب من الجهة المتضررة لاقامة الدعوى الجزائية.
  4. اقرار مبدأ السرعة في حسم الدعاوى الجزائية في الجرائم الصحفية، واسناد الفصل في تلك الدعاوى الى محاكم الجنايات وبصفه خاصة وان كانت الجرائم المسندة للصحفي هي من مستوى الجنح، وذلك لان فيها ضمانات اكبر للصحفي.

الغاء الجزاءات الادارية وحظر الرقابة الادارية بكل صورها واستبدال ذلك بالعقوبات الانضباطية وتشكيل هيئة وطنية للاعلام تتولى مهمة تنظيم ميثاق صحفي وفي حالة مخالفة الميثاق يخضع الصحفي لعقوبات انضباطية من قبل الهيئة.

 

 

[1]- د . ماجد راغب الحلو، حرية الاعلام والقانون، منشاة المعارف، الاسكندرية، 2006، ص 45.

[2]- DERIEUX ( Emmanuel ) . D roit  de  la  Communi  Cation , L . G . d . j , 1994 ,p44 .     

نقلا عن د. طارق سرور، دروس في جرائم النشر، دار النهضة العربية، القاهرة، 1997، ص 51

[3]- د. ماجد راغب الحلو، المصدر السابق، ص 90 .

[4]- د. ماجد راغب الحلو، المصدر السابق، ص 91 .

[5]- اول من اعلن عن وجود هذا الحق الفقيه الفرنسي جان دارسية عام 1969 . للمزيد انظر  د . ليلى عبد المجيد، تشريعات الاعلام في مصر - دراسة حالة مصر دار النهضة العربية، القاهرة، 2001 ,ص 60.

[6]- د . سعد ابراهيم الاعظمي، الجرائم المساسة بامن الدولة الداخلي، دراسة مقارنة , دار الشؤون الثقافية، بغداد، 1989، ص 9 وما بعدها .

[7]- عما تركي السعدون، الجرائم المساسة بالشعور الديني، دراسة مقارنة، رسال ماجستير كلية القانون, جامعة بغداد، 2000 , ص 80 وما بعدها .

[8]- سعد صالح الجبوري، مسؤلية  الصحفي الجنائية عن جرائم  النشر، دراسة مقارنة، رسالة ماجستير, جامعة الموصل 2000، ص 93 .

[9]- الاستاذ عبد الامير العكيلي، اصول الاجراءات الجنائية في قانون اصول المحاكمات الجزائية، ج1 ط 1، مطبعة المعارف، بغداد، 1975، ص 72 .

[10]- سعد صالح الجبوري، المصدر السابق، ص 124 .

[11]- يقصد بالوزير وزير الاعلام وحيث ان وزارة الاعلام قد حلت بموجب امر سلطة الائتلاف رقم    (3)     لسنة 2003، فذلك يعني وجود فراغ تشريعي يقتضي المشرع التدخل وتحديد الجهة المسؤولة عن تقديم طلب تحريك الدعوى .

[12]- الاستاذ عبد الامير العكيلي، المصدر السابق، ص 74 .

[13]- صبري محمد علي، الشكوى في القانون الجزائي، دراسة مقارنة، ط 1، مكتبة المنار الزرقاء، 1986،ص 254 وما بعدها .

[14]- حسن المرصفاوي، المرصفاوي في اصول الاجراءات الجنائية، مطبعة اطلس، منشأة المعارف، الاسكندرية، 1982، ص82 .

[15]- د . محمود نجيب حسين، شرح قانون الاجراءات الجنائية، دار النهضة العربية، القاهرة، 1982 ص 218 .

[16]- د . امال عبد الرحيم عثمان، شرح قانون الاجراءات الجنائية، دار النهضة العربية، القاهرة، 1975، ص 350 .

[17]- د . حسن المرصفاوي، المصدر السابق، ص 505 .

[18]- سعد صالح الجبوري، المصدر السابق، ص 134 .

[19]- د . عمر سالم،  نحو قانون جنائي للصحافة، القسم العام، ط 1، دار النهضة العربية، القاهرة، 1995، ص 246 .

[20]- د . محمود محمود مصطفى، شرح قانون العقوبات، القسم العام، ط 8، مطبعة جامعة القاهرة، القاهرة، 1984، ص 763 .

[21]- د . عمر سالم، المرجع السابق، ص 218 .

[22]- ينص المشرع العراقي في المادة ( 84) عقوبات عراقي على انه ......... واذا صدر حكم بالادانة في جناية ارتكبت بواسطة الصحف جاز للمحكمة ان تأمر بتعطيل الصحيفة مدة لاتزيد على ثلاثة اشهر " .

[23]- د . عمر سالم، المصدر السابق، ص224 .

[24]- د . فخري عبد الرزاق الحديثي، قانون العقوبات، القسم العام، مطبعة الزمان، بغداد، 1992، ص 526 .

[25]- انظر المواد ( 22، 23، 27 ) من قانون المطبوعات العراقي رقم 206 لسنة 1968 .

[26]- سعد صالح الجبوري، المصدر السابق، ص 150 .

[27]- Fromont  Michel > L< juge constitution   et  le  droit  penal  en  republique  d  Allemag ne , R . S .C  1985 , p 754 .