تصنیف البحث: السياسة, تاريخ
خلاصة البحث:

محمد تقي الشيرازي، هو أحد أبرز مراجع الشيعة ، وأحد مفجري ثورة العشرين ضد الاحتلال البريطاني للعراق ولد آية الله محمد تقي بن الحاج محب علي بن ميرزا محمد علي كلشن الحائري الشيرازي، عام 1256 هـ- 1840 م بمدينة شيراز في إيران.

وغادر شيراز إلى العراق وهو في الخامسة عشرة من عمره" 1271هـ" وأقام في كربلاء وتدرج في الدراسة وتحصيل العلوم الدينية،

وسافر إلى سامراء فقرأ على يد المجدد الشيرازي حتى أصبح من أجلاء تلاميذه وأركان بحثه، وكان إلى جانب ذلك مدرسًا وأستاذًا لجمع من أفاضل تلاميذ المجدد الشيرازي وعندما احتلت القوات البريطانية مدينة سامراء في مارس 1917 م وأخذتها من أيدي الأتراك كان هو آخر من يضطر إلى مغادرة هذه المدينة واتجه إلى مدينة الكاظمية؛ حيث مكث فيها مدة من الزمن ثم توجه إلى كربلاء في منتصف سنة 1336هـ 23 فبراير 1918م

ومن نشاطاته الفكرية هي إنشاء ودعم الجمعيات المختلفة التي تنشر الوعي بين أبناء الأمة وتقف بوجه التيارات المنحرفة .ففي أواخر 1918 أسس الشيخ محمد رضا الشيرازي نجل الميرازا محمد تقي الشيرازي ما يسمى بالجمعية الإسلامية في كربلاء، وضمت في عضويتها السيد محمد علي هبة الدين الشهرستاني والسيد حسين القزويني والسيد عبد الوهاب الوهاب والشيخ محمد حسن أبو المحاسن وعبد الكريم العواد وعمر العلوان وعبد المهدي القمبر وغيرهم، وكانت هذه الجمعية تمتاز بالجراءة والفعالية وكانت اية الله الشيرازي يشرف عليها؛ الأمر الذي دفع الإنجليز إلى اعتقال عدد من أعضائها في الأول من يوليو 1919،

كما أصدر الشيرازي فتوى أخرى ضد انتخاب (السير برسي كوكس) المندوب السامي البريطاني؛ ليكون رئيساً لحكومة العراق، قائلا: «ليس لأحد من المسلمين أن ينتخب ويختار غير المسلم للإمارة والسلطنة على المسلمين».

ولما عرف العراقيون فتواه حول موقفه من انتخاب المندوب السامي البريطاني ليكون رئيساً لحكومة العراق، نهضوا في وجه السلطة الجائرة وحاربوهم بأسلحتهم البسيطة المعروفة في ثورة العشرين الشهيرة والخالدة.

تناول محمد تقي الشيرازي، العديد من القضايا الفكرية في كتبه ومجالسه،فكان يرى أن حاجة الأمة إلى الخبرة الخارجية والاتكاء على الخارج فيما نحتاجه من الخبرات يجر الأمة إلى هيمنة خارجية، أو تلاعب بحقيقة صلاحية الخبرات التي نستهلكها من الخارج، فيقول: "وواحدة من أبرز مشاكل بلادنا الإسلامية هي هذه، أي عدم وجود خبراء محليين في مستوى عال من الخبرة، فهي فقيرة في هذا الجانب؛ ولذلك فهي تستعين بالخبراء الأجانب، وجرت عادة الاستعمار أن يجنّد هؤلاء الخبراء للعمل معه ولغير الغاية المنشودة منهم، فيجعل من بعض هؤلاء الخبراء جواسيس، يتجسسون على البلاد التي يعملون فيها، ويرفعون المعلومات الخطيرة عن ذلك البلد

وضع العراق قبل إندلاع الثورة

كان العراق ما قبل الحرب العالمية الأولى قد شهد  اتجاهات ونشاطات سياسية بين أوساط المثقفين المتعلمين والعاملين في الحقول السياسية والاقتصادية والاجتماعية وكان هناك من يطمح إلى الخلاص من الهيمنة العثمانية . وقد اختلفت مواقف القوى فيه وتوزعت على مجموعتين:

المجموعة الأولى (مجموعة القومية العربية): كانت هناك مجموعة العراقيين ترغب في الخلاص التام من الدولة العثمانية باعتبارها استعماراً تركيا مفروضاً على العراق وباقي الدول العربية الخاضعة بالقوة للهيمنة العثمانية ،لإن الأتراك بذلوا أقصى جهودهم من أجل تتريك المنطقة والعراق من جهة , وجماعة أخرى كانت تريد الحفاظ على العراق ضمن الدولة العثمانية "المسلمة" , خوفاً على فقدان الوحدة الإسلامية حتى من حيث الشكل والخشية من الوقوع تحت سيطرة "الكفار!" المسيحيين الإنكليز , مع ضرورة تمتع العراق بالحكم المستقل نسبياً أو الإدارة الذاتية من جهة أخرى. وإذا كان الاتجاه الأول قومياً عربياً إلى حدود ملموسة إذ لم يكن الوعي القومي , سواء العربي أم الكُردي قد تبلور حينذاك .

الاتجاه الثاني  (مجموعة الإسلاميين):كان إتجاههم في الغالب الأعم دينياً إسلامياً متزمتاً , وكلاهما كان قد تأثر بشكل واضح بالاتجاهات الوطنية والقومية العربية والتأثيرات الدينية والسياسية المباشرة وغير المباشرة لحركات المعارضة السياسية في كل من إيران وتركيا. أما في فترة الحرب العالمية الأولى فكانت الجماعات السياسية في العراق قد انقسمت إلى اتجاهين ملموسين أحدها يرفض التعاون مع بريطانيا باعتبارها دولة أجنبية غير إسلامية أو استعمارية مسيحية "كافرة!" , وكانت تمثله في الغالب الأعم المؤسسات والقوى الدينية ومجموعات من شيوخ العشائر التي تأثرت كثيرا بمواقف وفتاوى شيوخ الدين.

المجموعة الثانية :إن أنصار هذه المجموعة  يرون ضرورة التعاون مع بريطانيا وفرنسا ضد الدولة العثمانية المتحالفة مع ألمانيا من أجل الخلاص من الهيمنة العثمانية المتخلفة والقاسية على العراق وسكانه , وكانت القوى القومية الحديثة التكوين ومجموعات من المثقفين والمتعلمين والتجار هي المعبرة عن هذا الاتجاه. إن هذين التياران لا يتطلعان إلى أي شكل من أشكال الخضوع لهذه السيادة أو تلك بل من أجل حصول العراق على استقلاله الناجز. وقبل انتهاء الحرب العالمية الأولى وفي أعقابها تحول الموقف المتباين في الاتجاهات السياسية لتلك الجماعات في العراق إلى مجموعة أولى كانت ترفض بأي حال الهيمنة البريطانية وتريد الاستقلال التام والناجز , ومجموعة ثانية كانت تجد أن لا مناص من التعاون مع بريطانيا وتأمين استمرار وجودها في العراق لحماية العراق من التفكك ومساعدته على التقدم , وبمعنى آخر: كانت إحدى المجموعتين تقف بحزم وبلا مساومة ضد الانتداب وترى فيه نكثاً للعهد البريطاني إلى الشريف حسين بن علي ولا تقبل بغير الاستقلال الناجز , وأخرى كانت ترى في الاحتلال البريطاني والانتداب فرصة لحصول العراق على الوحدة والاستقلال من خلال التعاون مع بريطانيا. وقد تبلور هذان الاتجاهان نسبياً في المجموعة التي شكلت الحكومة ووافقت على الانتداب وأيدت فيما بعد عقد المعاهدة العراقية-البريطانية , في حين قادت المجموعة الأخرى انتفاضة السليمانية وثورة العشرين وناهضت الوجود البريطاني في العراق , رغم التباين في الأهداف بين قوى انتفاضة السليمانية وقوى ثورة العشرين حينذاك. وفي هذا الأمر الحيوي اشتد الخلاف وتمايزت القوى وتوزعت على هذين الاتجاهين حتى بعد قيام الدولة العراقية الجديدة , رغم أن عملية التبلور والاصطفاف بين جماعات الاتجاهين لم تكن سريعة ولا تامة , بل كانت حتى نهاية الحرب العالمية الثانية متداخلة وينتقل بعضهم من موقع إلى آخر دون أن يشعر بتغيير كبير في مواقفه أو تبدل في سياساته. ولا شك في أن قوى المجموعة الأولى قد توسعت بقوى جديدة واغتنت حركتها في مجرى النضال ضد الهيمنة البريطانية بمضامين سياسية واقتصادية واجتماعية وطنية وقومية جديدة , في حين غاص الاتجاه الثاني أكثر فأكثر وسنة بعد أخرى في عملية التعاون مع بريطانيا من مواقع عدم التكافؤ وتنفيذ إرادة الدولة المحتلة والمنتدبة على العراق وتأمين مصالحها في العراق على حساب مصالح الشعب والاقتصاد العراقي.

الشيرازي والغزو الفكري لإيران

أما الموقف الآخر من الميرزا محمد تقي الشيرازي هو من الغزو الروسي على إيران خصوصًا،ولما يحمله هذا الغزو في التأثير على الفكر الإسلامي هناك، خاصة وأن الغزو قد أشاع بأن القوات الروسية قامت بهتك المشهد الرضوي الشريف وتهديد البلاد الإسلامية، وقد أصدرت المراجع العليا في النجف الأشرف وكربلاء والكاظمية بضرورة الجهاد والدفاع عن البلاد الإسلامية، وكان الميرزا محمد تقي الشيرازي قد بعث بفتوى إثر قدوم القوات الروسية وقد جاء في إحدى فقراتها:» قررنا نحن خدمة الشرع المنير مع جميع العلماء الإعلام من النجف وسامراء وحسب مسئوليتنا الشرعية المجتمعون في الكاظمية لدراسة هذه الأمور التي تتعرض لها الدولة عسى أن نجد حلًّا لإنقاذ المسلمين من ظلم الأجانب وعدوانهم وأفكارهم الملحدة,وبهذا يكون المرجع الشيرازي حاضرا في الساحة الاسلامية وليس في العراق فقط من أجل التصدي للثقافات الشرقية والغربية التي راحت تغزو بلاد المسلمين آنذاك.

وفاته

قُتل في كربلاء في 13 ذي الحجة سنة 1338 هـ الموافق أغسطس 1920م، وتم تشيعه ودفنه في الحسين بكربلاء .