2010/10/11

صدرت الطبعة العربية الأولى من كتاب « السياحة في العراق ودورها في التنمية والأعمار » للدكتور المهندس رؤوف محمد علي الأنصاري المستشار السابق لهيئة السياحة في العراق والخبير في فنون العمارة الإسلامية، ويتألف الكتاب من 512 صفحة.

يُعيدنا هذا الكتاب إلى صورة العراق النموذجية المعافاة أيام كان قبلة الأنظار والباحثين في أصول الحضارات والحالمين بالرحيل إلى بلاد الأحلام والجمال والأساطير.

بتفاؤل واضح يشق الكتاب طريقه باحثاً ومؤشراً بين دخان الواقع واضطرابه إلى مشروعٍ أساسي: أن يُعاد بناء العراق على ما لديه من قاعدة متينة وأُسس عريقة كانت تجتذب السياح، وزوار المراقد الدينية، وأن ما لديه من ثرواتٍ طائلة يمكن أن يستثمر جانباً كافياً منها في مضمار صناعة السياحة لتظل تعطي الكثير، فثروة النفط ناضبة بينما ثروة الأرض العامرة الجميلة المجتذبة للسياح تظل مثمرة للأجيال الحالية والقادمة.

يبرز الكتاب تلك المؤشرات التي تقول: إن العراق يمكن أن يصبح مركزاً سياحياً رائداً في منطقة الشرق الأوسط بسبب مكانته التاريخية والحضارية والدينية المتنوعة وموقعه الجغرافي المتميز وطبيعته الخلابة بوجود نهري دجلة والفرات والأهوار والبحيرات والبساتين والجبال والسهول الخضراء والمصايف الجميلة.

ويمضي الكتاب في بحوث موسعة تتناول أهم القضايا المتعلقة بالسياحة كصناعة حضارية جديدة برزت في العالم وجعلت العديد من الدول تعتمد عليها في زيادة دخلها وتعزيز مكانتها الدولية والحضارية وحتى دورها السياسي. فهو في حديثه عن تاريخ السياحة في العراق يؤكد المؤلف الدكتور الأنصاري أن السياحة عُرفت في العراق منذ أكثر من سبعة آلاف سنة ولكن من قبل العراقيين كسائحين أكثر من مستقبلين فهم بحكم تطورهم الحضاري ورفاهيتهم قد نشطت لديهم غريزة حُبّ الاستطلاع والتنقل بين مدنهم بحثاً عن المعرفة أو المتعة أو الاتصال بالشعوب والأقوام الأخرى ربما لأغراض تجارية في البدء ثم صارت سياحة لذاتها.

يعتمد الكتاب في مفهومه لمعنى السياحة تعاريف عديدة، مبتدئاً بالتعريف الذي تبنتهُ منظمة السياحة العالمية، الذي يقول: « إن السياحة هي مجموعة الأنشطة التي يمارسها الأشخاص المسافرون أو المقيمون في الأماكن غير المعتادة لهم طلباً للمتعة والترويح والتي لا تزيد مدة إقـامتهم فيها عن عـام ».

ويُعرّف السائح على أنه أي زائر يأتي للبلد لأي غرض غير الإقامة ولا تتجاوز مدة إقامته سنة واحدة ولا تقل عن اليوم الواحد.

وفي حديثه عن أنواع السياحة يتحدث الدكتور الأنصاري عن السياحة الثقافية والترفيهية والدينية والرياضية. يقول عن السياحة الثقافية: « إنها رغبة في التعرّف على أنماط أخرى من العلاقات الاجتماعية وثقافات وعادات وتقاليد الشعوب. إنها تساعد على تكوين الشخصية المبدعة والخلاقة وأداة تقريب المسافات بين الشعوب ». من هنا، يرى المعماريون والفنانون أن السياحة والعمارة متلازمتان مع الجمال والروح وعبق التاريخ والحضارة والقيم والعادات والتقاليد.

وفي هذا الحقل يُشير المؤلف إلى أن العراق هو مصدر غني سياحي ثقافي كبير، ففيه معالم ثقافية وحضارية عظيمة فهو مهد أقدم الحضارات الزاخرة بالمنجزات الثقافية التي أثرت في ثقافات العالم وفيه آثار وقبور كبار الشعراء والفقهاء والعلماء في اللغة ومختلف العلوم، لذا فإن التجول فيه كالتجوال في كتاب هائل كبير الأحرف ساطع المعاني.

وفي بحثه عن السياحة الترفيهية، يتحدث الدكتور الأنصاري عن أنواعها، منها: البينية (بين العراق والدول المحيطة به)، والداخلية (المحلية) وسياحة المصايف في كردستان العراق، وكذلك السياحة النهرية والبحرية والصحراوية والسياحة في الأهوار، مبرزاً غنى العراق بكل مستلزمات هذه السياحة، وملائمة مناخه المتعدد المستويات لجعل السياحة فيها قائمة نشيطة على مدى فصول السنة. ويولي الكتاب اهتماماً خاصاً بالسياحة الدينية، مشيراً إلى أن العراق يحتضن معالم حضارية إسلامية بارزة، ومراقد أئمة لهم ملايين الأتباع في العالم، إضافة لشواهد دينية متميزة لأتباع الديانات الأخرى.

فهو يحتضن العديد من مراقد الأنبياء، إبراهيم ونوح ويونس أو (ذو النون) وجرجيس وهود وصالح وذو الكفل. ومراقد أئمة أهل البيت (ع): أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب (ع) في النجف الأشرف، والإمام الحسين وأخيه العباس (عليهما السلام) في كربلاء المقدسة، ومرقدي الإمامين موسى بن جعفر الكاظم ومحمد بن علي الجواد (عليهما السلام) في الكاظمية، وفي سامراء مرقدي الإمامين علي بن محمد الهادي والحسن بن علي العسكري (عليهما السلام) وفي بغداد مرقدي الإمام أبي حنيفة النعمان والشيخ عبد القادر الگيلاني، إلى جانب مراقد أحفاد أئمة أهل البيت (ع) ومراقد العلماء وشيوخ الطرق الصوفية المنتشرة في أرجاء العراق.

ويؤكد المؤلف على أهمية العناية بهذه المواقع المقدسة الكثيرة، وتوسيع الطاقة الاستيعابية المحيطة بها لاستقبال أكبر قدر من الزوار الذي سينشطون الحركة الاقتصادية في البلاد ويخلقون حراكاً اجتماعياً يسهم في تحسين العلاقات بين الأفراد والشعوب. إن مستقبلاً كبيراً ينتظر السياحة الدينية في العراق، كما يعتقد المؤلف، مما سيجعلها ذات أهمية بالغة في صناعة السياحة ومصدراً هائلاً للدخل القومي.

لكن المؤلف الدكتور الأنصاري يؤكد على ضرورة تنفيذ تصور استراتيجي من أجل السياحة في العراق يتمثل في: تشكيل مجلس وطني أعلى للسياحة، إعادة هيكلة المؤسسات والقطاعات السياحية، الاستفادة من الطاقات والكفاءات السياحية، التعاون مع المنظمات والمؤسسات السياحية والهيئات الأكاديمية العربية والإسلامية والعالمية والاهتمام بالتدريب السياحي والفندقي والسعي لتطوير المطارات ومراكز النقل البري والمائي، وربط العراق بالدول المجاورة والإقليمية بخطوط السكك الحديدية، وتمشية القطارات الحديثة والمريحة، وتبني شراكة بين القطاعين العام والخاص، ودعم وتشجيع الاستثمار السياحي، وتطوير الدعاية والترويج السياحي، وتوظيف الصناعات والحرف اليدوية في المجال السياحي.

يكرس الكتاب أكثر من مئتي صفحة للتعريف بمدن العراق السياحية خاصة بغداد والبصرة، ونينوى وبابل، والنجف وكربلاء، والسليمانية وأربيل وغيرها لما فيها من معالم وآثار ومصايف سياحية وبحيرات جميلة مثل: الحبانية والثرثار والرزازة وساوة ودوكان ودربندخان وخانقين.

ويُنبّه المؤلف إلى أهمية الأهوار من الناحية السياحية، بعد الاهتمام بها ورعايتها من مختلف الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والعمرانية والإنسانية، وكذلك ضرورة النهوض بكل العراق كوطن ومجتمع أولاً، إذ من غير المعقول أن يأتي السائح العربي والمسلم والأجنبي إلى العراق ليطلع على معالمه الحضارية والسياحية، ويرى التناقض الصارخ بين واقع الناس المزري والمعالم السياحية الجذابة.

 

الكلية / القسم: قسم السياحة الدينية
العام الدراسي: 2011-2010