الملف: PDF icon monadhamat.pdf

الفصل الأول : التعريف بالمنظمة الدولية: -
المبحث الأول : في التطور التاريخي للمنظمات الدولية: -
تعد المنظمات الدولية وليدة القرن التاسع عشر بالتزامن مع تبلور فكرة الدول القومية وتطور مفهوم
المصالح والعلاقات الدولية. إذ أن تطور هذه العلاقات يقتضي وجود تنظيم لها ، وذلك لأن حالات الحرب
والسلم تتطلب إطارا معينا تحل في نطاقه تلك الحالات.
فلو عدنا إلى الحقبة الزمنية التي سبقت القرن الرابع عشر لوجدنا أن المجتمعات كانت صغيرة منغلقة
تعيش حالة من الاكتفاء الذاتي وكان هذا منطقيا في ظل تباعد المسافات بين تلك المجتمعات مع قلة وسائل
الاتصال بل وحتي انعدامها في بعض الأحيان ، ولذلك لم يكن من المتصور قيام احتكاك أو اتصال ولو بشكل
بسيط بين تلك الجماعات ومن ثم لا يمكن الكلام عن علاقات بين تلك الجماعات ، غير أن تطور تلك الجماعات
من خلال : ) 1 ازدياد عدد نفوسها واستقرارها... - 2 دخول التنظيم السياسي على حياتها... - 3 وجود وسائل -
وأساليب الاتصال والانتقال وتطورها( أدى إلى تقاربها ومن ثم احتكاكها ، أما بصورة التناقض والصراع أو
بصورة التعاون.
ان شكل الاحتكاك الأول كان بصورة الصراع ، اذ احتاجت المجتمعات البدائية إلى التوسع والانتشار
ولجأت إلى صيغة العنف والحروب الطاحنة أما دفاعا عن النفس أو لتحقيق مصالح مادية عبر الغزو. ومثلت
هذه الوقائع الصورة الأساسية لنمط العلاقات الدولية التي تطلبت إيجاد نوع من المعالجات لتنظيم تلك الأمور
كالهدنة وانهاء القتال وتبادل الأسرى ودفع الفديات والتعويضات والصلح....
ومن الجانب الثاني ، دفعت الصراعات والحروب بالعلاقات الدولية باتجاه صورة أخرى هي صورة التعاون
بينها والمتمثلة بالاتفاقيات والتحالفات لتحقيق القوة المادية اللازمة للحصول على المكاسب عن طريق الهجوم
أو الدفاع عن النفس من أجل البقاء والاستمرار.
وشكلت هاتان الحالتان )أ ي التناحر والتعاون( نوعا من العلاقات البدائية التي لم ترتق إلى مستوى
العلاقات السائدة الآن بين الدول. لكنها مثلت البداية ، إذ أن وجود هذه العلاقات انما يقتضي بالضرورة وجود
تنظيم لها يتلاءم معها ، ذلك لأن حالات الحرب والسلم والهدنة والاحلاف والاتفاقيات تتطلب إطارا معينا تحل
في نطاقه تلك الحالات ، غير أن ذلك لا يعني حتما وجود منظمات تقوم بهذا الدور ، لأن المنظمات هي صورة
من صور التنظيم الدولي ووسيلة من وسائله وليست هي التنظيم ذاته.
واستمر الحا ل على ذلك حتى القرن الرابع عشر ، إذ بدأت الدعوات بالتصاعد لإيجاد م نظمات دولية تتسم
بصفة الثبات والاستقرار لتنظيم العلاقات بين الدول ، وتم فيما بعد طرح العديد من المشاريع لذلك ومنها على
سبيل المثال :-
1 - مشروع الوزير الفرنسي )سلي( سنة 1603 م لإنشاء جمهورية مسيحية كبرى تضم شعوب أوربا
جميعها.
2 - معاهدة صلح وستفالي ا (Westphalia) في عام 1648 وهي من أهم المعاهدات آنذاك في تنظيم
العلاقات بين الدول ، إذ تمخض عنها جملة قرارات منها:-
أ انهاء الحروب الدينية بين الكاثوليك والبروتستانت والمساواة بينهم وإتاحة الحرية الدينية. -
ب التأكيد على سيادة الدولة على إقليمها وعدم الاعتراف بالسيادة الدينية. -
2020 إعداد الأستاذ الدكتور كمال عبد حامد آل زيارة - محاضرات مادة المنظمات الدولية للعام الدراسي 2019
2
ج إنشاء سفارات دائمة. -
ويعبر هذا المبدأ الأخير عن حقيقة أساسية تتمثل في رغبة الدول في إقامة علاقات التضامن والتعاون
من أجل تحقيق مصالحها .
وكانت تلك الدعوات والمشاريع مدفوعة بعوامل متعددة منها:-
1 - الحاجات الإنسانية إلى الاستقرار والامان وذلك لكثرة الكوارث التي أصابت تلك المجتمعات نتيجة
الحروب والاقتتال ، في حين لم تكن التحالفات أو الصلح أو الاتفاقيات لتمنع وقوع الحرب والقتال بل
هي تحاول اصلاح اضرارها فضلا عن كونها حلولا وقتية غير ملزمة لا تضمن بقاء حالة الأم ن
والسلم.
2 - معرفة المجتمعات الإنسانية بأنواع من المعاهدات التضامنية والتحالفات التي فتحت الطريق لإيجاد نوع
من المؤسسات التي تحقق الاستقرار لتلك الدول.
3 - الأديان السماوية والدور الذي مارسته من خلال إيجاد الأرضية للتقارب بين معتنقيها والتي تقوم على
مبادئ التعاون والسلام والاحتكام للعقل والمنطق. فعلى الرغم من استغلال رجال الكنيسة الديانة
المسيحية لغير إيجاد روابط المحبة والخير ، ولحساب مصالحهم ، إلا أن المسيحية بحد ذاتها أوجدت
سببا لقيام تكتلات تقوم في إطارها وهو ما تطور إلى منظمات في فترات لاحقة.
أما الإسلام فقد كان عاملا أساسيا في تجسيد روابط مبنية على أساس مبادئ إنسانية كالتعاون والمحبة
والصدق والوفاء بالعهد والعدالة....قال تبارك وتعالى في كتابه الكريم: "يا أيها الناس إنا خلقناكم من
ذكرٍ وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم".
إن هذه العوامل وغيرها هي التي رسخت الدعوة لقيام منظمات دولية ، ولكن ما تم طرحه حتى القرن
التاسع عشر كان مجرد مشاريع ، إذ بدأت الدول الأوربية بعد الحرب النابليونية تضع فكرة إيجاد منظمات
دولية موضع التنفيذ ، وذلك عن طريق المؤتمرات. فشهدت أوربا بشكل خاص عقد مؤتمرات خلال الفترة
الممتدة منذ انهيار فرنسا ونفي نابليون خارج أوربا.... وحتى الحرب العالمية الأولى ومنها على سبيل المثال
مؤتمر فينا عام 1815 للدول المنتصرة على نابليون )بريطانيا ، بروسيا ، روسيا ، النمسا( ثم تعددت
المؤتمرات بعد ذلك في الدول الأوربية ومنها مؤتمر : )برلين 1878 ، لاهاي 1899 و 1907 ، لندن
1912 - 1913 .)
وعلى الرغم من أهمية هذه المؤتمرات إلا أنها لم تكن كافية لتحقيق الأمن والسلم والتعاون الدولي وذلك
لأسباب منها:-
1 - انها تعقد لتحقيق غايات محدودة ، فهي وقتية لمعالجة حالات آنية وتنتهي بمجرد بلوغ الغرض منها أو
استحالة تنفيذه.
2 - غالبا ما يكون انعقادها بعد وقوع الحدث ، ومن ثم فحلولها علاجية وليست وقائية وبخاصة في حالة
الحرب.
3 - لا ينبثق عنها أجهزة لمتابعة تنفيذ قراراتها ، لذلك يبقى الكثير من هذه القرارات حبرا على ورق.
عزز قصور نظام المؤتمرات الدولية من فكرة إنشاء المنظمات الدولية الثابتة والمستقرة، لكن فكرة التنظيم
الدولي السائدة في القرن التاسع عشر هيمن عليها الطابع الإقليمي العنصري، لذلك ظهرت تلك المنظمات على
أساسين هما :-
2020 إعداد الأستاذ الدكتور كمال عبد حامد آل زيارة - محاضرات مادة المنظمات الدولية للعام الدراسي 2019
3
أولا: منظمات إقليمية تقتصر العضوية فيها على الدول الأوربية فقط استنادا إلى المؤتمرات المشار إليها سابقا -
، بالإضافة إلى قارة أمريكا التي نظمها مؤتمر بنما عام 1826 .
ثانيا: منظمات متخصصة غالبا ما يقتصر نشاطها على القضايا الفنية وليس السياسية وذلك بسبب تمسك الدول -
بمبدأ السيادة المطلقة ورفضها أن تعرض قضاياها السياسية على منظمات دولية.
واقتصر ظهور هذه المنظمات المتخصصة على :-
1 - منظمات التحكيم الدولية نتيجة لكثرة المنازعات ، وأول معاهدة وضعت أسس التحكيم هي اتفاقيتي
لاهاي التي ظهرت على أثرها محكمة التحكيم الدولية الدائمة عام 1900 .
2 - اللجان المنظمة للأنهار الدولية وتتركز مهماتها على تنظيم الملاحة في بعض الأنهار الدولية مثل لجنة
الدانوب عام 1856 بعد حرب القرم.
3 - اللجان الإدارية وكانت تهدف إلى تحسين مج الات الاتصالات والتطورات العلمية مثل اتحاد البريد
العالمي عام 1878 .
واستمر واقع المنظمات على هذا المنوال حتى القرن العشرين ، إذ ظهرت منظمات عالمية العضوية )ليست
إقليمية( وعامة الأهداف )غير متخصصة بجانب واحد( ، ففي أعقاب الحرب العالمية الأولى تم إنشاء عصبة
الأمم ثم ظهور الأمم المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية.
واستنادا لما تقدم يمكن القول أن ظهور المنظمات الدولية وتطورها يعود إلى عاملين أساسيين هما:-
1 - حالات الصراع والحروب التي عاشتها أوربا وعجز سياسة المؤتمرات والاحلاف وقصورها في
تحقيق الأمن والسلم الدوليين.
2 - التطورات العلمية والتكنولوجية وبخاصة في الميدان الاقتصادي وما لعبته من دور في التقارب بين
القارات.
تكمن أهمية المنظمات الدولية في وقتنا الراهن في الدور الذي تمارسه في العلاقات الدولية وذلك من
خلال:-
1 - انها المكان الذي تلتقي فيه الدول لمناقشة الأمور التي تهمها على أساس رابطة العضوية.
2 - الاسهام في حل المشاكل الدولية في المجالات المختلفة وبخاصة منها التي تهدد الأمن والسلم الدوليين.
3 - انها أداة من أدوات تقنين قواعد القانون الدولي وتطويرها من خلال ما تضعه من معاهدات واتفاقيات
تشكل مصدرا من مصادر القانون الدولي العام.
المبحث الثاني: تعريف المنظمة الدولية وعناصر قيامها: -
أصبحت المنظمات الدولية إحدى الأدوات الفاعلة المهمة في العلاقات الدولية المعاصرة ، سواء أكانت في
صورتها العالمية أم الإقليمية ، لتحقيق التعاون الدولي وحفظ الأمن والسلم الدوليين وتقدم المجتمع الدولي
وازدهاره. ومع ذلك فإن مسألة وضع تعريف شامل لها أمرا لا يخلو من الصعوبة لكونها حديثة النشأة نسبيا .
واستُخدِم مصطلح "المنظمة الدولية" للمرة الأولى عام 1927 من قبل المحكمة الدائمة للعدل الدولي في
رأيها الاستشاري المتعلق بقضية اللجنة الأوربية للدانوب.
2020 إعداد الأستاذ الدكتور كمال عبد حامد آل زيارة - محاضرات مادة المنظمات الدولية للعام الدراسي 2019
4
وذهب الكتّاب والباحثون في اتجاهات متعددة لتعريف المنظمة الدولية حسب وجهة نظر كل واحد منهم.
لكن أغلب هذه التعاريف كان قاصرا من خلال التركيز على جانب واحد دون الجوانب الأخرى.
فهناك من ركز على الهدف أو الغاي ة للمنظمات الدولية ، ومن ثم فإنه أغفل الجانب الشكلي في تكوين هذه
المنظمات ، كما في تعريف هوفمان : "جميع أشكال التعاون بين الدول التي تريد أن تجعل من تعاونها نوعا من
النظام يسود في الوسط الدولي ، على أن تكون أشكال التعاون هذه قد نشأت بإرادتها ، وتعمل في وسط تكون
فيه الدول أشخاصا قانونية مستقلة".
وهناك من عرّف المنظمة الدولية بصفتها القانونية بوصفها شخصا من أشخاص القانون الدولي العام ، إذ
عرّفها الدكتور مفيد شهاب بأنها : "شخص معنوي من أشخاص القانون الدولي العام ينشأ من إرادات مجموعة
من الدول لرعاية مصالح مشتركة دائمة بينها ، ويتمتع بإرادة ذاتية في المجتمع الدولي وفي مواجهة الدول
الأعضاء".
وعرّفها الدكتور محمد طلعت الغنيمي بأنها : "مؤتمر دولي الأصل فيه أن يكون على مستوى الحكومات
مزودا بأجهزة لها صفة الدوام وممكنة التعبير عن إرادته الذاتية". وهذا التعريف تنقصه الدقة لأنه جعل
المنظمة الدولية مؤتمرا دوليا، في حين تم التطرق سابقا )في إطار السياق التاريخي( إلى أن المنظمة تختلف
عن المؤتمر في نواح متعددة.
وعرفها الدكتور عبد العزيز سرحان بأنها : "وحدة قانونية تُنشِ ئها الدول لتحقيق غاية معينة وتكون لها
إرادة مستقلة يتم التعبير عنها عبر أجهزة خاصة بالمنظمة ودائمة". وهنا يلاحظ أن الأستاذ سرحان استخدم
مصطلح الوحدة القانونية الذي يحتاج إلى تفسير لما يراد به ، بخاصة وإنه أشار في التعريف إلى أن هذه
الوحدة لها إرادة تعبّر عنها بأجهزة.
في حين وضع الدكتور بطرس بطرس غالي تعريفا للمنظمة الدولية يختلف عن التعريفات السابقة ، إذ
وصفها بأنها هيئة دائم ة ، كما أنه أسهب في التعريف ليدخل في الغاية والنتائج ، إذ جاء في تعريف المنظمة
بأنها : "هيئة دائمة تشترك فيها مجموعة من الدول رغبة منها للسعي في تنمية بعض مصالحها المشتركة ببذل
مجهود تعاوني تتعهد بسببه أن تخضع لبعض القواعد القانونية لتحقيق هذه المصالح".
وذهب الدكتور عبد الله العريان إلى منحى مشابه ، إذ عرفها بأنها : "هيئة من الدول ، تأسست بمعاهدة ،
وتمتلك دستورا وأجهزة عامة ولها شخصية قانونية متميزة عن شخصية الدول الأعضاء".
من خلال ما تقدم يبدو جليا أن للمنظمة الدولية جانبين أساسيين لا يمكن إغفال أحدهما:-
الجانب الشكلي: والمتمثل في وجود هيئة دائمة هي التي تتمتع بالإرادة الذاتية والشخصية القانونية ، وتقوم هذه
الهيئة باتفاق الدول الأعضاء ، وعليه فإنها تجسّ د المظهر المادي للمنظمة الدولية ، أي بمثابة الجسد للإنسان أو
الكائن الحي.
الجانب الغائي أو الوظيفي: والمتمثل في الأهداف المشتركة التي تسعى المنظمة إلى تحقيقها والتي تهم الدول
الأعضاء فيها .
ومن ثم فإن اقتصار المنظمة الدولية على الجانب الشكلي لا يمكن أن يعطيها الحياة والحركة ما لم يستكمل
بالجانب الوظيفي الذي يجسّ د الروح التي يجب أن تتوافر للجسد كي يكون حيا.
2020 إعداد الأستاذ الدكتور كمال عبد حامد آل زيارة - محاضرات مادة المنظمات الدولية للعام الدراسي 2019
5
واستنادا لما تقدم يمكن القول أن المنظمة الدولية هي عبارة عن:
}شخص قانوني اعتباري ينشأ بإرادة الدول واتفاقها لتحقيق أهداف مشتركة{
وانطلاقا من ذلك يمكن تمييز المنظمة الدولية عن كل من النظم الدولية والتنظيم الدولي والمؤسسات الدولية
على النحو الآتي:-
- تمييزها عن النظم الدولية:
تعني النظم الدولية مجموعة القواعد القانونية المنظّمة لموضوع معين بشكل رئيس. مثل النظام
القنصلي والدبلوماسي.
وقد يمثل هذا المصطلح كافة التقاليد والقواعد الأساسية المميزة لجماعة معينة والتي اعتمدتها
أسلوبا ينظم روابطها وعلاقاتها. كالنظم الإسلامية والكنسية.
- تمييزها عن التنظيم الدولي:
يقصد بالتنظيم الدولي الهيكل العام للجماعة الدولية من وجهة نظر ديناميكية تشمل احتمالات
تطوره إلى ما هو أفضل أو انحداره إلى ما هو أسوأ. ومن ثم فإنه أوسع من مفهوم المنظمات.
بمعنى آخر فإن التنظيم الدولي يشمل كل مظاهر العلاقات الدولية )مثل إنشاء العلاقات الدبلوماسية
والقنصلية وإبرام المعاهدات الدولية وعقد المؤتمرات وإدخال نظم التحكيم الدولي وغيرها من الأنظمة
القانونية الدولية( وعليه فإن التنظيم الدولي هو الكل وإن المنظمات الدولية هي الجزء منه. ومن ناحية
أخرى فإن التنظيم الدولي هو الغاية التي تسعى إليها المنظمات الدولية.
- تمييزها عن المؤسسات الدولية:
المؤسسة الدولية هي عبارة عن منشأة أو مرفق عام تنشئه دولتان أو أكثر يهدف إلى فرض
التزامات على عاتق الأفراد عند استغلالهم للأموال العامة المشتركة للدول أو تنظيم كيفية استعمالها
ويكون مستقلا عن الحكومات الأعضاء.
وتمارس المؤسسات العامة الدولية عملا لا تقوم به منظمة دولية ومن أمثلة تلك المؤسسات
"المنظمة الأوربية لتأمين الملاحة الجوية"
ويمكن تحديد أبرز نقاط الاختلاف بين المنظمة الدولية والمؤسسة بما يأتي:-
1 - المؤسسة الدولية هي أداة للتنفيذ المادي ، تعتمد على أركانها الذاتية لتحقيق عمل محدد هو إدارة
المرفق الدولي ، فهي مرفق متحرر من هيمنة الحكومات والكلمة الأخيرة لأجهزة المرفق لا للدول
الأعضاء ، لأن المستفيدين من نشاطه هم الأشخاص الذين تقدم لهم الفوائد والتسهيلات التي يقوم بها
المرفق العام.
2 - للمؤسسة وسائلها الخاصة التي تضمن استمراريتها وفقا لدستورها ، وان اجهزتها لا تتألف من ممثلين
ومندوبين يمثلون الدول فحسب ، وانما لهم استقلالهم الذاتي.
3 - للمؤسسة العامة الدولية مواردها المالية المستقلة عن الدول الأعضاء ، كما أنها هي التي تقرر كيفية
الإفادة من الخدمات التي تقدمها. بالعكس من المنظمات الدولية التي تعتمد في ميزانيتها بشكل أساسي
على حصص الدول الأعضاء فيها .
4 - تخضع المؤسسات العامة لقانون دولة المقر وبذلك تختلف عن المنظمة الدولية التي تتمتع بحصانات
وامتيازات تجاه دولة المقر.
2020 إعداد الأستاذ الدكتور كمال عبد حامد آل زيارة - محاضرات مادة المنظمات الدولية للعام الدراسي 2019
6
عناصر قيام المنظمة الدولية "شروط قيام المنظمة الدولية":
من خلال مجمل التعاريف السابقة يمكن القول أن للمنظمة الدولية عناصر أساسية لابد منها لقيام المنظمة
وتتمثل هذه العناصر "أو الشروط" بما يأتي:-
أولا: الصفة الدولية : المنظمة الدولية عبارة عن هيئة تنشأ باتفاق دول ، وهذا يعني أن العضوية فيها تقتصر
على الدول )كاملة السيادة( فقط ، ومن ثم فلا يجوز أن تضم الأفراد أو الشركات الخاصة أو هيئات الصليب
الأحمر أو الهلال الأحمر. ومن هنا أطلق عليها البعض تسمية المنظمات الحكومية لتمييزها عن المنظمات غير
الحكومية التي تقوم بين أفراد أو هيئات من دول مختلفة بقصد التعاون في المجالات كافة. ومن أمثلتها منظمة
الصليب الأحمر الدولية ، والاتحاد البرلماني الدولي والاتحاد النسائي العالمي...الخ.
وعلى الرغم من الفرق بين النوعين من المنظمات )الحكومية وغير الحكومية( ، إلا ان ذلك لا يمنع من
وجود تعاون بينها ، ومن أمثلة ذلك ما جاء في قرار في عهد عصبة الأمم )م 25 ( حول التعاون مع منظمات
الصليب الأحمر الدولية ، وما ورد في ميثاق الأمم المتحدة )م 71 ( حول امكانية تشاور المجلس الاقتصادي
والاجتماعي )التابع للأمم المتحدة( مع الهيئات غير الحكومية ذات الاختصاص المشترك.
وإذا كان شرط أن تكون العضوية مقتصرة على الدول كاملة السيادة ، إلا أننا نلاحظ وجود بعض
الاستثناءات على ذلك ومنها:-
1 - الدول التي تتواجد على أراضيها قوات أجنبية وإن كان ذلك يشكل احتلالا وانتقاصا لسيادتها ، وتعليل
ذلك هو وجود حكومة وطنية تطلب ذلك الانضمام .
2 - هناك بعض المنظمات المتخصصة مثل: )اتحاد البريد العالمي( تمنح بعض الأقاليم المسماة أقاليم ما
وراء البحار حق العضوية فيها ، وذلك لامتداد نشاط هذه المنظمات ليشمل تلك الأقاليم.
3 - هناك بعض المنظمات الدولية تقبل في عضويتها بعض المناطق التي لا تحظى بصفة دولة لأسباب
سياسية ، مثل المنظمة الأوربية للتعاون الاقتصادي التي قبلت في عضويتها إقليم الترست للسنوات
1947 - 1954 والذي كان محل نزاع بين )يوغسلافيا( وايطاليا.
4 - تقبل بعض المنظمات المتخصصة حق التمثيل فيها لأشخاص طبيعيين مثل محكمة العدل الدولية )وهي
الجهاز القضائي للأمم المتحدة( التي تختار أعضاء لها من الأشخاص ذوي الصفات الخلقية العالية
والمؤهلين للمناصب القضائية الرفيعة.
5 - تقبل بعض المنظمات مندوبين يمثلون جهات غير حكومية في الدولة مثل منظمة العمل الدولية التي
يكون التمثيل فيها ثلاثي يشمل ممثلين عن الحكومة وأرباب العمل والعمال .
ثانيا: الصفة الرضائية : تقوم المنظمة الدولية على أساس رضا الدول بالانضمام إليها ، انسجاما مع المذهب
الإرادي الذي يتجسد في التزامها بقواعد القانون الدولي ويتفق مع مبدأ سيادة الدول ومساواتها. وعليه يجب أن
تكون الدول المنتمية للمنظمة راضية بالالتزاما ت التي تقررها تلك المنظمة وأن تعلن رغبتها واستعدادها
للالتزام بميثاق المنظمة الدولية.
وهنا لابد من الإشارة إلا أنه لا يمكن تصور إجبار دولة ما على الانتماء إلى المنظمة الدولية ، فالعضوية
في هذه المنظمات اختيارية ، على الرغم من وجود حالات تلتزم بمقتضاها الدول طوعا ببعض المبادئ التي
تقررها المنظمة الدولية حتى وإن لم تكن عضوة فيها.
2020 إعداد الأستاذ الدكتور كمال عبد حامد آل زيارة - محاضرات مادة المنظمات الدولية للعام الدراسي 2019
7
ان نطاق مبدأ الرضائية يقتصر على العضوية من حيث الانضمام أو الانسحاب ، ولا يشمل ما يصدر عن
المنظمة من قرارات والتي تخضع لأحكام التصويت وقاعدة الأغلبية.
وتترتب على مبدأ أو صفة الرضائية النتائج الآتية:-
1 - أن يكون للمنظمة ميثاق )دستور أو عهد أو غير ذلك( يصدر نتيجة اتفاق الدول الأعضاء المؤسسة ،
وهذا الميثاق يحدد عمل المنظمة وطرق الانتساب إليها وشروط العضوية والصلاحيات والأجهزة.
2 - ان الأعضاء متساوون من حيث التمثيل والتصويت بغض النظر عن قوة الدولة وعدد سكانها
ومساحتها ومواردها.
3 - يكون للمنظمة مجلس أو جهاز رئيس )هيئة عامة ، مجلس ، مؤتمر( يمثل فيه الأعضاء كافة بالتساوي
في عدد الممثلين والصلاحيات والتصويت ويأخذ على عاتقه رسم سياسة المنظمة.
4 - تساهم الدول الأعضاء جميعها بميزانية المنظمة الدولية.
5 - لا تكون سلطة المنظمة فوق سلطة الدول الأعضاء ، لأن الدول هي التي أنشأت المنظمة بموجب
م مارستها للحقوق السيادية والتي لا تسمح بوجود سلطة أعلى من سلطة الدول الأعضاء.
ثالثا: الإرادة الذاتية : تمتلك المنظمة الدولية إرادتها الخاصة بها والمتميزة عن إرادة الدول الأعضاء فيها ،
وذلك بمجرد قيامها ، وهذه نتيجة منطقية لاعتبار المنظمة شخصية معنوية قانونية. وهو ما يعني وجود الإرادة
المستقلة لهذه الشخصية. على العكس من المؤتمر الدولي الذي لا يحظى بمثل هذه الإرادة وتعبّر قرارته عن
مجموعة إرادات الدول المشاركة فيه.
وهناك رأي لبعض الكتاب ينكر فيه وجود الإرادة المستقلة للمنظمة ، ويقول انها عبارة عن إرادات الدول
الأعضاء فيها جميعها ، ويعطي دليلا على ذلك بصدور القرارات بالإجما ع ، في حين أن هذا البعض من
الكتاب يؤكد وجود الإرادة المستقلة للمنظمة في حالة صدور القرارات بالأغلبية.
وهنا يمكن الرد على هذا الرأي من خلال ما يأتي:-
1 - تنصر ف إرادة الدول إلى مجرد واقعة التصويت على تكوين المنظمة ، بينما تمتد إرادة المنظمة بعد
تكوينها إلى عمل معين.
2 - في أية منظمة هناك قرارات بالإجماع وأخرى بالأغلبية ، ولذلك ليس من المنطقي الاعتراف بالإرادة
المستقلة للمنظمة في حالة الأغلبية وانكارها في حالة الإجماع.
إذن يمكن القول أن المنظمة الدولية لها إرادتها الذاتية الخاصة بها والمستقلة عن إرادة الدول الأعضاء ، الأمر
الذي تترتب عليه النتائج الآتية:-
1 - تُن س ب الأعمال الصادرة عن المنظمة جميعها إلى هذه المنظمة ولا تنصرف إلى الدول الأعضاء فيها .
2 - تتحمل المنظمة مسؤولية ما يصدر عنها من تصرفات على وجه الاستقلال ولا تتحمل الدول الأعضاء
مسؤولية ذلك.
3 - يمكن للمنظمة أن تحتج باستقلال إرادتها تجاه الدول الأعضاء والهيئات والمنظمات الأخرى جميعها.
4 - يكون القرار الصادر بالأغلبية ملزم للدول الأعضاء كلها بما في ذلك الدول التي لم تصوت إلى جانب
القرار.
5 - تجري المنظمة ما تشاء من التصرفات القانونية في حدود ميثاقها ، كعقد المعاهدات والاتفاقيات ،
بغض النظر عن موافقة الدول الأعضاء
2020 إعداد الأستاذ الدكتور كمال عبد حامد آل زيارة - محاضرات مادة المنظمات الدولية للعام الدراسي 2019
8
6 - تكون لها شخصيتها القانونية وذمتها المالية المستقلة ، فلها حقوقها وعليها التزاماتها بحدود الميثاق.
وأخيرا لا بد من التنويه ان إرادة المنظمة الدولية هي إرادة اختصاصية أو وظيفية يحكمها ميثاق المنظمة ،
وإذا خرجت عن حدود الميثاق خالفت الشرعية ، بينما تتمتع الدول بإرادة مطلقة.
رابعا: مبدأ الاستمرارية : تعبّر المنظمة الدولية عن إرادة لتحقيق أهداف مشترك ة بين الدول الأعضاء ، لعل
في مقدمتها تحقيق الأمن والسلم الدوليين. وبما أن هذه الأهداف دائمة ومستمرة فإن الأداة )المنظمة( التي
تستخدم لتحقيقها يجب أن تكون دائمة أيضا. وتمت الإشارة سابقا أن صيغة المؤتمرات الدولية لم تكن كافية
لتحقيق الأهداف لكونها صيغة مؤقتة.
وليس المقصود من دوام المنظمة أن تعمل أجهزتها كل الوقت من أجل تحقيق أهدافها. بل يكفي أن يكون
لها كيان خاص دائم ومستقر ، بحيث يمكّنها من ممارسة نشاطها في أي وقت تراه مناسبا.
التكييف القانوني للمنظمة الدولية:
يقصد بالتكييف القانوني هنا الوصف القانوني للمنظمة الدولية، أي هل تعد المنظمة الدولية شخصا من
أشخاص القانون الدولي العام أم لا؟ والكلام عن الشخصية القانونية يحدد إمكانية إيجاد حقوق للمنظمة الدولية
وتحملها الالتزامات. فإذا كان الفقه قد استقر على أن الدول لها شخصية قانونية دولية، فإن هناك تباين في
وجهات النظر بشأن الشخصية القانونية للمنظمة الدولية، وانقسم الفقه إلى ثلاثة اتجاهات:-
1 - الاتجاه التقليدي: ويرى أن شخص القانون الدولي العام الوحيد هو الدول، ومن أصحاب هذا الرأي -
الفقيه الفرنسي )فوشي(، الذي عرّف القانون الدولي العام بأنه : "مجموعة القواعد التي تحدد حقوق -
الدول وواجباتها في علاقاتها المتبادلة". ومن ثم فإن المنظمة الدولية وفقا لهذا المذهب ليس شخصا من
أشخاص القانون الدولي. وهذا الرأي فيه نوع من التطرف في ظل اتساع نطاق القانون الدولي وقيام
المنظمات الدولية وازدياد أهميتها.
2 - الاتجاه الموضوعي: وذهب باتجاه متطرف آخر، إذ يرى أصحاب هذا المذهب، أن الفرد الإنسان هو -
شخص القانون على الصعيدين الوطني والدولي، لذلك أنكر على المنظمات وحتى الدول صفة الشخص
القانوني من منطلق أن الشخصية المعنوية هي مجر د افتراض لا وجود له هذا من ناحية، ومن ناحية
أخرى أن القانون الذي يتضمن الحقوق والالتزامات يتوجه إلى من يدرك هذه الحقوق والالتزامات
الأمر الذي ينطبق فقط على الشخص الطبيعي الذي يملك العقل والادراك. ووفق هذا الرأي أيضا لا تعد
المنظمات الدولية من أشخ اص القانون الدولي. ويلاحظ على هذا المذهب التطرف وعدم الدقة أيض ا ،
وذلك لأن الإنسان لا يستطيع أن يمارس الحقوق والالتزامات التي يقررها القانون الدولي بصورة
مباشرة وانما عن طريق دولته. ومن جهة أخرى فإن انكار الشخصية المعنوية فيه الكثير من المبالغة
لأن مثل هذه الشخصية قد تأكدت وانها تؤدي وظائف وتفسر ظواهر قانونية.
3 - الاتجاه الثالث: وهو المذهب الذي يوسع من أشخاص القانون الدولي ليشمل الدولة والمنظمات الدولية -
وحتى الأفراد، ونعتقد أن هذا هو الاتجاه الأصلح والأقرب للتطور القانوني واتساع نطاقه .
والجدير بالذكر هنا أن أول من نادى بضرورة الاعتراف للمنظمات بالشخصية القانونية الدولية هو الكاتب
"بروسبيرو فيدوزي" عام 1897 عندما قال بتمتع الاتحادات الإدارية الدولية بهذه الصفة. وكان رأي محكمة
العدل الدولية الاستشاري الذي أصدرته عام 1949 في مسألة قتل "الكونت برنادوت" وسيط الأمم المتحدة في
فلسطين المحتلة قد أكد وبشكل قاطع تمتع المنظمات الدولية بالشخصية القانونية الدولية. ويبدو أن هذا الرأي
2020 إعداد الأستاذ الدكتور كمال عبد حامد آل زيارة - محاضرات مادة المنظمات الدولية للعام الدراسي 2019
9
كان هو الأساس الذي تم الاستناد إليه لإعطاء المنظمات الدولية جميعها الشخصية القانونية الدولية، وأيضا هو
الرأي الغالب في الفقه الدولي.
نطاق الشخصية القانونية الدولية للمنظمات الدولية:
ان الاعتراف للمنظمة الدولية بالشخصية القانونية الدولية لا يعني أن هذه الشخصية مطلقة مثل ما تتمتع به
الدول ، بل هي شخصية من طبيعة خاصة محددة بإطار قدرتها على أداء المهام الملقاة على عاتقها والمثبتة في
ميثاقها ، ذلك لأن الشخصية القانونية المقررة لها هي التي تمكنها من ذلك. ومن ثم فلا مجال لزيادتها عن القدر
الملائم لأداء تلك الوظائف ، وعليه فهي أذن شخصية قانونية ووظيفية ، وهو ما ذهبت إليه محكمة العدل
الدولية ، إذ ميّزت بين الشخصية القانونية الدولية لكل من المنظمة الدولية والدولة ، وأكدت أن الاعتراف
للمنظمة الدولية بهذه الشخصية لا يعني اطلاقا اعتبارها بمثابة الدولة فيما لها من حقوق والتزامات ، وانما
يشير إلى إمكانية اكتسابها الحقوق وتحمّ لها الالتزامات وبالقدر اللازم لممارسة وظائفها وعلى النحو الذي
استهدفته الدول من انشائها.
النتائج المترتبة على تمتع المنظمة بالشخصية القانونية الدولية:
بما أن المنظمة الدولية تتمتع بالشخصية القانونية الدولية الوظيفية ، كما تقدّم ذكره ، فإنها تكون أهلا
لاكتساب الحقوق وتحمّ ل المسؤولية وفي إطار الميثاق المنشأ لتلك المنظمة ، وتتمثل حقوق المنظمة الدولية
ومسؤوليتها على النحو الآتي:-
أولا: حقوق المنظمة الدولية:
على الرغم من تسليمنا بتمتع المنظمة الدولية بالشخصية القانونية الدولية الوظيفية ، فإن ذلك لا يعني أن
لهذه المنظمة الحقوق جميعها التي يحظى بها أشخاص القانون الدولي ، فالمنظمة الدولية تمارس حقوقها في
مجالين أساسيين هما:-
1 - مجال العلاقات بينها وبين الأشخاص الدولية الأخرى وفقا لقواعد القانون الدولي العام.
2 - مجال العلاقات بينها وبين الدول وفقا لميثاق المنظمة ذاتها.
1 - مجال العلاقات وفقا لقواعد القانون الدولي:
أ حق عقد الاتفاقيات والمعاهدات والقيام بالتصرفات وفقا لقواعد القانون الدولي وبالحدود التي تخدم -
الأهداف التي يحددها ميثاقها، سواء أكانت مع الدول الأعضاء فيها أو غير الأعضاء )دولا أو منظمات
أخرى( بمقتضى شخصيتها الذاتية. ومن أمثلة ذلك ما ورد في ميثاق الأمم المتحدة حول اتفاقية وضع
أحد الأقاليم تحت وصايتها )م 77 ( ، كذلك ما تبرمه المنظمة عن طريق مجلس الأمن )م 43 ( لمد
المجلس بما يلزمه من قوات ومساعدات وتسهيلات لحفظ الأمن والسلم الدوليين، وأيضا اتفاقيات المقر
كما حصل عندما قامت الأمم المتحدة من عقد اتفاق مقر مع سويسرا سنة 1946 لإنشاء مقرها
الأوربي في جنيف، وهناك أيضا اتفاقيات التعاون بين المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع لهيئة
الأمم المتحدة والوكالات المتخصصة )م 63 .)
2020 إعداد الأستاذ الدكتور كمال عبد حامد آل زيارة - محاضرات مادة المنظمات الدولية للعام الدراسي 2019
10
ب ممارسة الحماية الدبلوماسية لموظفيها والعاملين بها ، أي حق تحريك دعوى المسؤولية للمطالبة -
بالتعويض عما قد يصيب المنظمة أو أحد العاملين فيها من الضرر ، وهذا هو رأي محكمة العدل
الدولية عام 1949 بصدد مقتل وسيط الأمم المتحدة في فلسطين المحتلة الكونت برنادوت.
ج حق التقاضي وفقا لقواعد القانون الدولي العام، وذلك في حدود الاختصاصات الممنوحة لها والتي -
تمكنها من القيام بمهامها. فلها حق التقاضي أمام محاكم التحكيم والمحاكم الدولية ، في حين لا يحق لها أن
تكون طرفا مدعيا أو مدعى عليه أمام محكمة العدل الدولية ، وانما يجوز لها أن تطلب رأيا استشاريا .
2 - مجال علاقاتها وفقا لميثاقها:
تستم د المنظمة حقوقا أيضا من ميثاقها مباشرة في مواجهة الدول الأعضاء وغير الأعضاء فيها إذا ما
اعترفت تلك الدول لها بذلك أو رغبت بالتعامل معها. وهذا ما أشارت إليه المادة الأولى من اتفاقية مزايا
وحصانات الأمم المتحدة )سنة 1946 ( إذ نصت على: " تتمتع هيئة الأمم المتح دة بشخصية قانونية، فلها :
أ حق التعاقد ب شراء العقارات والأموال المنقولة وبيعها ج التقاضي ". - - -
وبنا ء على ذلك فإن للمنظمة الدولية الحقوق الآتية:
أ حق التملك: فلها ذمة مالية مستقلة عن ذمم الدول الأعضاء، وبذلك تستطيع أن تمتلك الأموال الثابتة -
والمنقولة وأن تتصرف فيها بالبيع والشراء والإيجار والهبة ....بما لا يتعارض مع ميثاقها، ولها
إصدار وبيع النشرات والمطبوعات والأفلام لكل أنشطتها .
ب حق التعاقد لتسيير أمورها اليومية: سواء أكان هذا التعاقد على سلع أم خدمات لأداء وظائفها . -
ج حق التقاضي: فلها أن تكون مدعية أو مدعى عليها أمام المحاكم الوطنية بشخصيتها الخاصة ، سواء -
أكان في دولة عضوة أم غير عضوة.
ثانيا: مسؤولية المنظمة الدولية:
يمكن أن تقوم هذه المسؤولية نتيجة لإخلال المنظمة بالتزام عقدي مما يوجب مسؤوليتها العقدية ، واما
أن تقوم هذه المسؤولية نتيجة لإخلالها بالتزام قانوني مما يوجب مسؤوليتها التقصيرية في ثلاثة مجالات ،
هي :-
1 - مسؤولية المنظمة في نطاق القانون الدولي العام:
في هذه الحالة يكون الإخلال بالالتزام العقدي أو القانوني الذي يوجب المسؤولية العقدية أو التقصيرية ، في
مواجهة شخص من أشخاص القانون الدولي العام )دولة أو منظمة دولية أخرى( ، فقد تخل المنظمة الدولية بعقد
أو اتفاق مع دولة أو منظمة أخرى ، وقد يصدر منها تصرفا يصيب أحدهما بضرر معين. فتقوم مسؤولية
المنظمة شأنها في ذلك شأن مسؤولية الدولة العقدية أو التقصيرية ، الا أنه يجب التنويه إلى أن الفقه ذهب
باتجاهات مختلفة في تقرير مسؤولية المنظمة الدولية أو مسؤولية الدول الأعضاء فيها وعلى النحو الآتي:-
2020 إعداد الأستاذ الدكتور كمال عبد حامد آل زيارة - محاضرات مادة المنظمات الدولية للعام الدراسي 2019
11
أ الاتجاه الأول: يرى أن المنظمة إذا تصرفت تصرفا يوجب مسؤوليتها فإن الدول الأعضاء هي التي - -
تتحمل المسؤولية فقط وبصورة مباشر ة، لأن الدول هي التي أنشأت تلك المنظمة أي انها أوجدت
السبب الذي أحدث الضرر. ومن ثم تكون المسؤولية تضامنية للدول الأعضاء بالنسبة لأعمال المنظمة.
ولكن ما يؤخذ على هذا الاتجاه انه ينكر الشخصية القانونية للمنظمة الدولية وهذا غير مقبول.
ب الاتجاه الثاني: يرى أن المنظمة الدولية وحدها تملك حق التصرف تجاه الدول أو المنظمات الدولية - -
الأخرى، ومن يملك حق التصرف يتحمل عبء المسؤولية. وهكذا تتحمل المنظمة بما تملكه من إرادة
ذاتية بموجب ميثاقها المسؤولية عن أعمالها، لوجود العلاقة بين الشخصية القانونية والمقدرة على
تح مل المسؤولية.
ج الاتجاه الثالث: يرى أن المنظمة تكون هي المسؤولة عن تصرفاتها لكن من الممكن أن تتحمل الدول - -
الأعضاء هذه المسؤولية بصفة احتياطية "كضامنين" للمنظمة طالما انها هي التي أنشأت المنظمة وان لها
على المنظمة سلطة التوجيه والرقابة. ويستند هذا الرأي إلى ما يشير إليه ميثاق الجماعة الاقتصادية
الاوربية من أن الاتفاقات التي تبرمها تلزمها هي والدول الأعضاء. ولكن هذا المذهب لا يمكن تعميمه
للسبب نفسه الذي تم الرد به على المذهب الأول.
وبنا ء على ما تقدم يمكن القول أن المنظمة ال دولية هي التي تتحمل المسؤولية الدولية التعاقدية أو التقصيرية
تجاه الدول الأعضاء وغير الأعضاء والمنظمات والهيئات الدولية الأخرى بموجب قواعد القانون الدولي
للمسؤولية ، إلا إذا وجد نص بخلاف ذلك في ميثاق المنظمة الدولية.
2 - مسؤولية المنظمة بمقتضى ميثاقها:
بما أن لكل منظمة دولية ميثاق خاص بها فإن المسؤولية التي تتحقق في مواجهة دولة أو أكثر من
الأعضاء فيها سيحكمها ذلك الميثاق أو ما يلحق به من اتفاقيات ولوائح. ويكون لهذه المصادر أولوية التطبيق
حتى في حالة تعارضها مع قواعد القانون الدولي المتعلقة بالمسؤولية ، لأن هذه القواعد ليست من النظام العام
)أي ليست من القواعد الآمرة( بحيث لا يجوز الاتفاق على ما يخالفها.
أما في مواجهة الدول غير الأعضاء، فلا يمكن الاحتجاج بها إلا إذا كانت تلك الدول تعترف بالمنظمة
الدولية، أما إذا لم تكن تعترف بها فإن العلاقة تخضع للقواعد العامة فقط ولا تلتزم الميثاق.
كما تحددت مسؤولية المنظمة بموجب ميثاقها في علاقاتها مع موظفيها والعاملين لديها ، فهي تكون
مسؤولة عن تصرفاتها والإجراءات الإدارية التي تتخذها ضدهم.
3 - مسؤوليتها وفقا للقانون الداخلي للدول:
من المعلوم أن للمنظمة الدولية أن تجري من التصرفات )في حدود ميثاقها( ما تشاء من بيع وشراء وتعاقد
وكذلك بعض التصرفات التي تحتاجها لتسيير شؤونها اليومية، وقد تقوم بعض هذه التصرفات في دولة المقر أو
في دولة أخرى سواء من الدول الأعضاء أم في غيرها.
فإذا ما تصرفت المنظمة تصرفا ترتب عليه مسؤولية )تقصيرية أو عقدية( وفقا لقواعد التشريع الوطني
لتلك الدولة، وتكون مسؤوليتها هنا كمسؤولية الاشخاص العادية أو المعنوية في نطاق هذه الدولة فسوف تطبق
عليها القوانين السارية فيها ، مع ملاحظة ما تتمتع به تلك المنظمات من مزايا وحصانات وما تتضمنه اتفاقيات
المقر عادة.
2020 إعداد الأستاذ الدكتور كمال عبد حامد آل زيارة - محاضرات مادة المنظمات الدولية للعام الدراسي 2019
12
وفي هذه الحالة لا تقوم المسؤولية الدولية إلا إذا استنفذ المتضرر من هذا التصرف طرق الطعن التي له أن
يلجأ إليها وبدون جدوى ، وهنا تتدخل دولته لحمايته والحفاظ على حقوقه ، فيخضع النزاع عندها إلى قواعد
القانون الدولي.
وعلى الرغم مما تقدم إلا أنه يجب القول بأن المسؤولية الدولية للمنظمة الدولية لا تتحقق إلا إذا توافرت
الشروط الآتية:-
أ صدور تصرّ ف غير مشروع )من قبل المنظمة الدولية( وفقا لقواعد القانون الدولي ، سواء أكان -
الإخلال بالتزام قانوني دولي أم كان الإخلال مصدره القانون الداخلي ، مع عدم إمكانية المتضرر من
الحصول على حقوقه وفقا لقواعد القانون الداخلي وتدخل دولته للوصول إلى تلك الحقوق ، إذ يتحول
النزاع إلى نزاع وفق قواعد القانون الدولي.
ب نسبة العمل غير المشروع إلى المنظمة: فالمنظمة الدولية مسؤولة عن كل تصرف يصدر من أجهزتها -
ومن العاملين لحسابها )ممثليها الذين يعملون طبقا لتعليماته ا ورقابتها (، وهي غير مسؤولة عن
تصرفات الأشخاص والاجهزة التابعة للدول الأعضاء )مندوبين أو ممثلين أو خبراء( ومن ثم فإن آثار
تصرفهم تنصرف إلى دولهم وليس للمنظمة.
ج استنفاذ طرق التقاضي ، وهو شرط لازم لقيام المسؤولية الدولية للمنظمة ، ويط بّق على المنظمة -
الدولية أيضا في الدعاوى التي ترفع على المنظمة من قبل الدول أو الأفراد ما دامت هذه المنظمات قد
أنشأت هيئات للطعن سواء أكانت تلك الهيئات تابعة للمنظمة ذاتها أو أنها داخلية لإحدى الدول كدولة المقر
أو كانت محاكم تحكيم أو حتى دولية دائمة أو خاصة بالمنظمة الدولية كالمحكمة الإدارية للأمم المتحدة
للنظر في مثل تلك الدعاوى والنزاعات.
مزايا المنظمات الدولية وحصاناتها:
إذا أنشئت المنظمة الدولية كشخص قانوني دولي فإنه بالإضافة إلى حقوقها سابقة الذكر يلاحظ تمتعها
ببعض المزايا والحصانات للقيام بمهامها وبشكل مستقل عن دولة المقر ومحاولات الضغط عليها، وعلى
الرغم من تشابه هذه المزايا والحصانات للمنظمات الدولية مع المزايا والحصانات الدبلوماسية إلى حد كبير
إلا أنها تختلف عنها من حيث:-
1 - لا يمكن للدبلوماسي أن يتمسك تجاه دولته بهذه المزايا والحصانات لأنها تقرر أصلا لمصلحة الدولة لا
ممثلها ، بينما يمكن أن تتمسك بها المنظمة وموظفوها تجاه الدول الأعضاء جميعها وحتى دولة
المواطن.
2 - تحدد المزايا والحصانات الدبلوماسية بين الدول على أساس مبدأ المعاملة بالمثل بينما لا تقوم مثل هذه
الرابطة بين المنظمة ودولة المقر أو الدول الأعضاء.
3 - يتم منح المزايا والحصانات المقررة في إطار قانون المنظمات الدولية تلقائيا دون اشتراط قبول الدولة
المضيفة ، بينما يحظى هذا القبول بأهمية في إطار العلاقات الدبلوماسية بين الدول.
وهنا يمكن التساؤل عن مصادر المزايا والحصانات للمنظمة الدولية ، وهل أنها تكمن في الاتفاقات فقط أم
أن العرف يشكل مصدرها الآخر؟ وتكمن أهمية هذا الموضوع فيما يأتي:-
2020 إعداد الأستاذ الدكتور كمال عبد حامد آل زيارة - محاضرات مادة المنظمات الدولية للعام الدراسي 2019
13
اولا إذا قامت المنظمة أو نشاط لها على إقليم دولة غير عضوة فيها ، هنا قد يغفل اتفاق المقر بعض المزايا -
والحصانات دون النص عليها أو قد يشير هذا الاتفاق إلى اتفاقات أخرى .
ثاني ا إذا قامت المنظمة على إقليم دولة عضوة ، ونص ميثاقها بشكل عام )دون تفصيل( على تمتعها بمزايا -
وحصانات هنا تظهر أهمية المصادر الأخرى بخاصة العرف.
ثالث ا كذلك الحال إذا نصّت القوانين الداخلية لبعض الدول على تمتع المنظمات الدولية بمزايا وحصانات دون -
تحديدها على وجه الدقة.
ويمكن توضيح كل من المصدر الاتفاقي والعرفي لهذه المزايا والحصانات كما يأتي:-
1 - المصدر الاتفاقي لمزايا المنظمات الدولية وحصاناتها:
درج العمل الدولي على تحديد مزايا المنظمة الدولية وحصاناتها بموجب اتفاقيات دولية أو عن طريق
التشريعات الداخلية للدول وعلى النحو الآتي:-
أ فقد تحدد المزايا والحصانات في صلب ميثاق المنظمة )كما في م - 105 من ميثاق الأمم المتحدة(.
ب قد تعقد بعض المنظمات اتفاقيات عامة تتضمن تل ك المزايا والضمانات. -
ج اتفاقيات المقر التي تعقدها المنظمة الدولية مع الدولة المض يّفة. -
د قد تنص بعض القوانين الداخلية للدول على مزايا المنظمة الدولية وحصاناتها، ويحصل ذلك بمناسبة -
وجود اتفاقية المقر مع الدولة.
2 - المصدر العرفي لمزايا المنظمات الدولية وحصاناتها:
بالنظر لكون المنظمات الدولية حديثة النشأة نسبي ا ، فإن القواعد العامة التي تحكمها لم تتبلور بعد في قواعد
عرفية وبخاصة فيما يتعلق بمزايا تلك المنظمات وحصاناتها، لذلك فقد ذهب قسم من الفقهاء إلى إنكار وجود
عرف بهذا الصدد. ولكن بعد ظهور الأمم المتحدة وتطور المنظمات الدولية عالميا وإقليميا بدأ ظهور قواعد
عرفية بهذا الخصوص.
إن هذه المبادئ وإن كانت حديثة النشأة إلا أنها استقرت في الاتفاقيات العامة والخاصة واتفاقيات المقر التي
عقدتها المنظمات بالإضافة إلى التشريعات الداخلية وأحكام المحاكم مما يعني وبتكرار النص عليها، توافر
الركن المادي للعرف الدولي وأن شعور الدول بإلزامها يعني توافر الركن المعنوي لها.
وإذا ما استقرأنا تلك الاتفاقيات والأحكام نجد أن أهم هذه المزايا والحصانات هي: -
أ حرمة أبنية المنظمة ومقراتها وملحقاتها: فهي تعامل معاملة السفارات ومقرات البعثات الدبلوماسية فلا -
يجوز اقتحامها أو تفتيشها أو محاصرتها من قبل دولة المقر، ويجب على دولة المقر حماية تلك
المقرات والمقيمين فيها، إلا أن هذه الحصانة لا يجب أن تكون مبررا لجعل مقر المنظمة مكانا يهدد
أمن دولة المقر أو مصالحها .
والسؤال الذي يثار هنا: هل يجوز إعطاء الأشخاص المطلوب القبض عليهم، من جانب دولة المقر،
الملجأ السياسي أو الالتجاء إلى مقر المنظمة؟ والجواب ان ه ذا الحق مقرر للبعثات الدبلوماسي ة، على أساس
2020 إعداد الأستاذ الدكتور كمال عبد حامد آل زيارة - محاضرات مادة المنظمات الدولية للعام الدراسي 2019
14
قاعدة عدم الإقليمية ، لكن هذه القاعدة لا يمكن التمسك بها من قبل المنظمات الدولية، كما أن معظم مواثيق
المنظمات واتفاقيات المقر تنص صراحة على عدم جواز أن يصبح مقر المنظمة مأو ى للأشخاص الهاربين
من القانون أو من تنفيذ الأحكام الصادرة بحقهم. أما في حالة عدم وجود نص بذلك فالأمر متروك لمسؤول
المنظمة الإداري في إعطاء مثل هذا الحق من عدمه . وفي كل الأحوال لا يجوز لدولة المقر أن تقتحم مقر
المنظمة لإخراج ذلك الشخص، لأن ذلك يمس بحصانتها، ولكن يجوز لها محاصرتها لمنع هروب الشخص
منها.
ب تكون وثائقها ومحاضر جلساتها مصونة، كما تكون وثائق الغير التي تحت يدها في حكم وثائقها، سواء -
أكانت هذه الوثائق في بناية المنظمة الرسمية أو مقراتها الأخرى.
ج الحصانة القضائية: إذ تتمتع أموال المنظمة وموجوداتها بالحصانة القضائية )ما لم يتنازل عنها الأمين -
العام أو من يخوله(، عدا الحصانة ضد الاجراءات التنفيذية التي لا يجوز التنازل عنها مطلقا، فلا يجوز
الاستيلاء عليها أو على أموالها أو مصادرتها أو نزع ملكيتها أو حتى التدخل فيها بأية صورة باستثناء
النص في الميثاق على خلاف ذلك.
د لا تخضع أموال المنظمة المنقولة وغير المنقولة للضرائب والرسوم الجمركية، ولا يجوز إصدار -
الأوامر بتقييد الاستيراد والتصدير فيما يتعلق بأعمال المنظمة الرسمية والتي تفرضها دولة المقر.
ه يعد بريد المنظمة الدولية بريدا دبلوماسيا ويجوز لها استخدام الحقيبة الدبلوماسي ة، ويعفى من رسم -
الطابع ويكون له الأولوية على باقي الرسائل.
و يتمتع العاملون فيها وممثلو الدول ومندوبوها بامتيازات وحصانات. -
2020 إعداد الأستاذ الدكتور كمال عبد حامد آل زيارة - محاضرات مادة المنظمات الدولية للعام الدراسي 2019
15
الفصل الثاني : حياة المنظمة الدولية: -
المبحث الأول : ميثاق المنظمة الدولية: -
من أهم الأمور التي يثيرها إنشاء المنظمة الدولية هو ميثاقها، إذ أن هذا الميثاق هو الذي يق يّمها ويحدد
معالمها وأهدافها ووسائلها وأجهزتها وكل الأحكام العامة المتعلقة بحياتها .
وتطلق على ميثاق المنظمة تسميات مختلفة، فقد يطلق عليه تسمية دستور )منظمة الصحة العالمية( أو
اتفاقية )منظمة الطيران المدني الدولية( أو عهد )عصبة الأمم( أو النظام الأساس ي )صندوق النقد الدولي( أو
ميثاق )منظمة الأمم المتحدة ، الجامعة العربية(.
ويكون هذا الميثاق عبارة عن معاهدة دولية بين عدد من الدول، وبذلك يختلف نشوء المنظمة الدولية عن
نشوء الدولة، إذ لا تقوم المنظمة إلا بهذه المعاهدة خلافا للدولة التي تقوم عند توافر أركانها المادية الثلاثة
)الشعب والإقليم والسلطة(.
ان وجود الميثاق هو ال ذي يميّز المنظمة الدولية عن الهيئات الأخرى التي لا تقوم في الغالب على أساس
ميثاق، بل تقوم على أساس قرار من منظمة أخرى مثالها الهيئات التابعة لمنظمة الأمم المتحدة التي تتولى
تسيير أحد المرافق العامة الدولية كالصندوق الدولي لرعاية الطفولة. وتتمتع هذه الهيئات بإرادة مستقلة ولها
ميزانيتها الخاصة إلا انها لا تكون منظمة دولية.
ان إعداد مشروع الميثاق يتم عبر صورتين:-
الصورة الأولى: وضع مشروع الميثاق عن طريق مؤتمر دولي، وهي الصورة الغالبة في العمل الدولي، إذ -
يعقد مؤتمر دولي تمثل فيه حكومات الدول، وبعد المناقش ات ينتهي المؤتمر إلى وضع مشروع الميثاق )وقد
تخوّ ل بعض المواثيق المنظمة الدولية ذاتها سلطة الدعوة لمؤتمر عند الحاجة لتعديل أحكام الميثاق(. وغالبا ما
تقوم لجنة من الدول الأعضاء في المؤتمر بوضع ذلك المشروع، ثم يعرض على مؤتمر موسّ ع يضم أكبر عدد
من الدول التي تريد الانضمام إلى المنظمة. مثال ذلك ميثاق الأمم المتحدة الذي جاء في أعقاب ثلاثة مؤتمرات
دولية.
وإذا كان المفروض أن ينتهي المؤتمر بإقرار المشروع ليصبح اتفاقية، إلا أن المؤتمر قد ينتهي بتشكيل
جهاز يتولى القيام )بصفة مؤقتة( بوظيفة المنظمة التي يجري الإعداد لها، وفي هذه الحالة تتفق الدول في
المؤتمر على المسائل الأساسية وتترك بعض التفصيلات المختلف عليها لهذا الجهاز.
وبعد الإقرار النهائي للمشروع يصبح اتفاقية دولية يخضع للقواعد العامة من حيث التصديق وفقا للقواعد
الدستورية لكل دولة.
وبعد استكما ل التصديقات تودع الوثائق لدى طرف دولي متفق عليه، فقد يكون دولة من الدول الأعضاء،
كما هو الحال بالنسبة لميثاق الأمم المتحدة الذي انيط بالولايات المتحدة، وميثاق الجامعة العربية الذي انيط
بمصر. وقد يكون الإيداع لدى منظمة دولية، مثالها ميثاق منظمة الصحة العالمية الذي أودع لدى الأمم المتحدة.
الصورة الثانية: وهي أن تقوم منظمة دولية أخرى بوضع مشروع ميثاق المنظمة الدولية، وهذه الحالة -
محدودة، مثال ذلك ما تضمنه ميثاق الأمم المتحدة )م 59 (، إذ أجاز للمجلس الاقتصادي والاجتماعي إعداد
مشروعات مواثيق وكالات متخصصة جديدة كما هو الحال في منظمة الصحة العالمية .
2020 إعداد الأستاذ الدكتور كمال عبد حامد آل زيارة - محاضرات مادة المنظمات الدولية للعام الدراسي 2019
16
الطبيعة القانونية للميثاق: -
يتصف ميثاق المنظمة الدولية بصفتين أساسيتين، فهو ذو طبيعة مزدوجة؛ إذ أنه معاهدة دولية ذات طبيعة
تعاقدية من ناحية، وهو بمثابة القانون الأعلى أي الدستور بالنسبة للمنظمة من ناحية أخرى.
1 - الطبيعة التعاقدية للميثاق: يعد الميثاق عبارة عن معاهدة من نوع خاص، تعقد بين أطراف دولية
متعددة، فهي تخضع للقواعد العامة في إبرام المعاهدات وشروطها من حيث شروط الانعقاد والصحة
والتسجيل وتبادل التصديقات.
2 - الطبيعة الدستورية للميثاق: للميثاق من حيث الموضوع طبيعة دستورية، ذلك لأن هذا الميثاق هو الذي
ينشئ المنظمة ويحدد أهدافها ووسائلها وأجهزتها ويحكم حياتها ونشاطها، وهو بذلك المصدر الأعلى
أو القانون الأعلى الذي يتصدر مصادر المنظمة الأخرى، ويكون بمثابة الدستور في داخل الدولة.
تفسير الميثاق:-
قد يثير تطبيق الميثاق مسألة تفسيره وذلك في حالة ما إذا قام جهاز من أجهزة المنظمة أو دولة من الدول
الأعضاء بتطبيق الميثاق وفق مفهومه الخاص، ونازعه في هذا طرف آخر، في هذه الحالة يجب اللجوء إلى
جهة معينة لتفسير هذا الميثاق.
وغالبا ما تقوم تلك المواثيق في النص على اتباع إجراءات معينة أو تحديد الجهة التي لها حق التفسير، وقد
اختلفت مواثيق المنظمات الدولية في ذلك؛ فأخذ بعضها بمبدأ الإحالة على التحكيم مثل اتحاد البريد العالمي.
بينما أخذت بعض المواثيق بقاعدة اللجوء إلى محكمة العدل الدولية لحل المنازعات المتعلقة بميثاقها مثل
منظمة الصحة العالمية. وقد أجازت مواثيق بعض المنظمات الرجوع إما للتحكيم أو لمحكمة العدل الدولية مثل
ميثاق منظمة اليونسكو. وأخيرا قد تعطي بعض المواثيق هذا الحق لأحد فروع المنظمة، ولا تسمح للجهات
الخارجية بالت دخل في ذلك كما جاء في دستور كل من البنك الدولي للإنشاء والتعمير وصندوق النقد الدولي. فقد
جعلا حل كل نزاع يتعلق بتفسيرهما يتم فقط بقرار من المديرين ويجوز لكل دولة عضو أن تطلب عرض قرار
المديرين أمام مجلس المحافظين الذي يكون قراره نهائيا دون استئناف .
القواعد المتبعة في التفسير:-
بما أن ميثاق المنظمة الدولية هو عبارة عن معاهدة دولية لها خصوصيتها، كما تم ذكره، فإن ذلك يترتب
عليه خضوع تفسير هذا الميثاق للقواعد المعتمدة في تفسير المعاهدات الدولية، والتي وردت في المواد ) 31 -
33 ( من اتفاقية فينا لقانون المعاهدات 1969 ، والتي أقرت القواعد الآتية:-
1 - تفسير المعاهدة بحسن نية طبقا للمعنى العادي لألفاظها في الإطار الخاص بها وفي ضوء موضوعها
والغرض منها.
2 - الإطار الخاص بالمعاهدة لغرض التفسير سيمثل إلى جانب النص بما في ذلك الديباجة والملخصات ما
يأتي:-
أ أي اتفاق يتعلق بالمعاهدة ويكون قد عقد بين الأطراف جميعا بمناسبة عقد هذه المعاهدة. -
ب أية وثيقة صادرة عن طرف أو أكثر بمناسبة عقد المعاهدة وقبلتها الأطراف الأخرى كوثيقة لها صلة -
بالمعاهدة.
3 - يؤخذ في الاعتبار إلى جانب الإطار الخاص بالمعاهدة:-
أ أي اتفاق لاحق بين الأطراف بشأن تفسير المعاهدة أو تطبيق أحكامها. -
2020 إعداد الأستاذ الدكتور كمال عبد حامد آل زيارة - محاضرات مادة المنظمات الدولية للعام الدراسي 2019
17
ب أي مسلك لاحق في تطبيق المعاهدة يتفق عليه الأطراف بشأن تفسيرها. -
ج أي قواعد في القانون الدولي لها صلة بالموضوع يحكمه تطبيقها على العلاقة بين الأطراف . -
4 - يعطي معنى خاص للفظ معين إذا ثبت أن نية الأطراف قد اتجهت إلى ذلك.
5 - أجازت المادة ) 32 ( الالتجاء إلى وسائل مكملة في التفسير في حالة بقاء النص غامضا أو غير واضح
ويشمل ذلك الأعمال التحضيرية والظروف والملابسات لعقدها لتأكيد المعنى الناتج عن تطبيق القواعد
العامة وفقا للمادة ) 31 .)
6 - في حالة ما إذا كانت المعاهدة مكتوبة بأكثر من لغة فقد حددت المادة ) 33 ( الخطوات الآتية:-
أ يكون لكل نص من نصوصها الحجية نفسه ا ما لم يتفق الأطراف على خلاف ذلك. -
ب لا يكون لنص المعاهدة الذي يصاغ بلغة غير معتمدة أية حجية إلا إذا اتفق عليها الأطراف . -
ج في حالة عدم تغليب نص عند اختلاف النصوص في المعنى، يؤخذ بالمعنى الذي يتفق مع موضوع -
المعاهدة والغرض منها ويو فِّق بقدر الإمكان بين النصوص المختلفة.
تعديل الميثاق: -
من المعلوم أن كل معاهدة أو اتفاقية دولية شأنها شأن أي قانون لا يمكن أن تبقى دون تعديل. والقاعدة
العامة التي تحكم تعديل الميثاق هي أن تعديله لا يكون إلا بموافقة الدول الأطراف وذلك حينما تدعو الحاجة
لذلك )لكي تساير تلك المواثيق التطورات الحاصلة في العلاقات الدولية(. على الرغم من وجود بعض
المعاهدات التي تضع قيودا مشددة على التعديل، كاشتراط الإجماع )مثل معاهدة حلف شمال الأطلسي 1949
وحلف وارسو 1955 .)
ان المنظمة الدولية في عملية تعديل ميثاقها عليها الموازنة بين متطلبات المواكبة مع المتغيرات من خلال
التخفيف من شروط التعديل وإجراءاته، وبين مراعاة الاستقرار الذي يجنبها مخاطر التغيرات السريعة
والانفعالية، من خلال وضع قيود معينة لتعديل الميثاق، لذلك جعلت المنظمات الدولية مسألة تعديل الميثاق من
صلاحية الجهاز الرئيس للمنظمة الدولية.
أما بالنسبة لمسأ لة نصاب التعديل، فقد ع دل ت معظم المواثيق عن مبدأ الإجماع في النصاب وأحلّت محله
الأغلبية الموصوفة وغالبا ما تكون الثلثين لا الأغلبية البسيطة )النصف زائدا واحد( تجنبا للتعديلات السريعة.
وبالنظر للطبيعة الخاصة لميثاق المنظمة الدولية بوصفه معاهدة فإن جعل نصاب التعديل يتحقق بالثلثين لا
يعني إلزام الدول غير الموافقة على التعديل بما قررته الأكثرية، وذلك لبقاء الطبيعة التعاقدية للميثاق لكونه
معاهدة، لذلك فإن معظم هذه المواثيق أعطت للأقلية حق الانسحاب من المنظمة، وهذا ما أخذت به المادة ) 26 )
من عهد عصبة الأمم.
المبحث الثاني : سلطات المنظمة الدولية: -
في إطار سلطات المنظمة الدولية لابد من التأكيد على حقيقتين أساسيتين هما:-
1 - تتوقف هذه السلطات على ميثاق كل منظمة وأهدافها وعلاقة الدول الأعضاء ببعضها وبالمنظمة ذاتها،
فلا توجد قواعد عامة ملزمة تحدد هذه السلطات بحيث لا يجوز الاتفاق على ما يخالفها.
2020 إعداد الأستاذ الدكتور كمال عبد حامد آل زيارة - محاضرات مادة المنظمات الدولية للعام الدراسي 2019
18
2 - لا يوجد حد أعلى لهذه السلطات من حيث مداها وأنواعها، فهناك منظمات لا تمتلك سلطة حقيقية تجا ه
أعضائها )مجرد تبادل معلومات وإجراء بحوث ونشرها(، بينما يكون للبعض منها إصدار الآراء
الاستشارية أو التوصيات، في حين يكون لبعضها القليل حق إصدار قرارات ملزمة بحيث تحل المنظمة
محل الدول في تنفيذها، كما في سلطات مجلس الأمن وفق الفصل السابع من الميثاق. وقد يكون للمنظمة
أكثر من سلطة مثل إصدار توصيات لجهاز وإصدار قرارات لجهاز آخر مثل مجلس الأمن والجمعية
العامة .
وبشكل عام فإن سلطات المنظمات تتمثل في حقها بالدراسات والبحوث لكل المسائل التي تدخل في
اختصاصها، سواء تم ذلك عن طريق أجهزة المنظمة ذاتها أو عن طريق الدول الأعضاء فيها. ويمكن للمنظمة
كذلك أن تتخذ ما يأتي:-
أولا: التوصية: -
وهي " عبارة عن توجيه بصدد موضوع معين يصدر عن المنظمة موجها بشكل عام إلى الدول الأعضاء
أو إلى جهاز من أجهزتها أو لشخص آخر من أشخاص القانون الدولي ".
وتتميز التوصية بكونها غير ملزمة ومن ثم فإن مخالفتها لا ترتب المسؤولية الدولية، إلا إذا:
- نص الميثاق على خلاف ذلك ]قد يتضمن الميثاق إلزام الدول الأعضاء بالتصرف وفقا للتوصيات
الصادرة من أجهزتها[.
- أعلنت الدولة التي وجهت لها التوصية عن قبولها.
- وافقت الدول الأعضاء على ذلك، فيكون هنا سبب الإلزام على ذلك هو الاتفاق وليس التوصية ذاتها .
عدا ذلك فالتوصية غير ملزمة قانونا إلا أنها تتمتع بقوة الإلزام الذي بدوره يتفاوت باختلاف عدد الموقعين
عليها، وقدراتهم، ومدى فائدة التوصية، والحاجة إليها وتقبلها من الرأي العام.
أما من حيث مضمونها :
- فإنها قد لا تتضمن طريقة معينة لحل الموقف أو النزاع } م) 33 - 2( من ميثاق الأمم المتحدة {
- أو تكون التوصية متضمنة طريقة معينة لحل الموقف أو النزاع }م) 36 - 1( من ميثاق الأمم المتحدة {
- وقد تتضمن التوصية شروط إنهاء الموقف أو حل النزاع، وبذلك يمارس الجهاز سلطة قضائية مثل
}م) 37 - 1( من ميثاق الأمم المتحدة{ .
ثانيا: التصريح: -
هو " عبارة عن إعلان يكشف عن أمر معين يستهدف غالبا تأكيد قواعد معينة وتحديدها أو وضع قواعد
جديدة ".
وتلجأ المنظمات إلى إصدار التصريح في حدود اختصاصها الذي يتضمنه الميثاق على الرغم من عدم
النص فيه على مثل هذا الأمر.
وتختلف التصريحات عن القرارات، بأن الأولى لا تهدف إلى تغيير القواعد الوضعية بينما تهدف الثانية
إلى ذلك.
2020 إعداد الأستاذ الدكتور كمال عبد حامد آل زيارة - محاضرات مادة المنظمات الدولية للعام الدراسي 2019
19
وقد يحمل التصريح قوة هائلة تفوق كثيرا التوصيات... ومن الأمثلة المهمة هنا )التصريح الخاص
بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والذي يحظى بأهمية كبيرة واحترام من قبل الحكومات والشعوب، كذلك
تصريح الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1960 بخصوص تصفية الاستعمار واستقلال البلاد المحتلة(.
ثالثا: الاتفاقيات: -
قد تعمد المنظمة الدولية إلى إبرام الاتفاقيات لكونها ملزمة قانونا ، وقد أكد التعامل الدولي بأن للمنظمات
هذا الحق، كما أجاز أن تكون طرفا في معاهدة دولية دون تمييز بين ما إذا كانت هذه المعاهدة بين المنظمات
ذاتها أو بينها وبين دولة أو دول أخرى .
وتمارس الأمم المتحدة هذه الصلاحية، على الرغم من خلو نص الميثاق من جواز ذلك لها، ومن الاتفاقيات
التي أبرمتها الأمم المتحدة: )اتفاقية منع إبادة الجنس، اتفاقية البعثات الدبلوماسية، واتفاقية حقوق
الإنسان....(.وتخضع هذه الاتفاقيات لما تخضع له المعاهدات الأخرى من قواعد كقاعدة وجوب التصديق.
رابعا: القرارات الملزمة: -
"يقصد بها إمكانية المنظمة الدولية في اتخاذ قرارات ملزمة". ويجب التمييز بين حالة ما إذا كان القرار
بصدد أمر داخلي خاص بالمنظمة الدولية وحياتها الداخلية )مثل القرارات الخاصة بالميزانية والانتخابات(،
وحالة ما إذا كان القرار يتعلق بأمور خارجية، إذ لا تستطيع المنظمة الدولية أن تصدر القرارات الملزمة إلا إذا
نص عليها في الميثاق بشكل صريح.
وتتصف القرارات الملزمة بصفة الإلزام القانوني الذي يوجب المسؤولية القانونية )وبذلك يختلف عن
التوصية والتصريح(، إذ أن القرار يلزم هنا من يوجه إليه سواء أكان دولة عضوة أم جهاز من أجهزتها أم
موظفا من موظفيها. والأصل في تلك القرارات أنها توجه لأشخاص القانون الدولي كالدول والمنظمات، ومن
ثم لا توجه إلى الأفراد العاديين أو من في حكمهم. ومع ذلك فقد تمتلك بعض المنظمات )الاوربية خاصة( هذا
الحق، إذ لها الحق في إصدار قرارات موجهة إلى مواطني الدول الأعضاء فيها دون حاجة إلى صدور أعمال
تشريعية أو تنفيذية من سلطات تلك الدول.
القيود التي ترد على سلطات المنظمة:
تحرص الدول غالبا على أن تحد من السلطات التي تتمتع بها المنظمة الدولية بما يتيح لتلك الدول حرية
التصرف. لذلك فإنها تحاول أن يكون الميثاق متوازنا، ففي الوقت الذي يضمن للمنظمة استقلالا ويمنحها
اختصاصات، فإنه قد يتضمن نصوصا تحد من هذه السلطات، ومن أهم تلك القيود:-
1 - تحديد سلطتها بإصدار التوصيات فقط:
تحد د معظم المواثيق سلطات المنظمة في إطار التوصيات غير الملزمة، لكي لا تتمكن المنظمة من أن
تفرض على الدول ما لا تريد الالتزام به لتعارضه مع مصالحها. مع استثناء للقلة من المنظمات ذات
الاختصاص بحل المنازعات السياسية وتحقيق الأمن الدولي والتي تمتلك سلطة إصدار القرارات الملزمة .
2 - منعها من التدخل بالشؤون الداخلية للدول:
2020 إعداد الأستاذ الدكتور كمال عبد حامد آل زيارة - محاضرات مادة المنظمات الدولية للعام الدراسي 2019
20
تحرّم معظم المواثيق على المنظمة التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء، وهذا ما أكدت عليه المادة
( 2 - 7( من ميثاق الأمم المتحدة، والتي بدورها وضعت استثنا ء على هذا المبدأ من خلال تطبيق تدابير القمع
الواردة في الفصل السابع.
3 - اشتراط الإجماع:
يعد اشتراط الإجماع لصدور القرار عن المنظمة الدولية ضمانا للدول الأعضاء كي لا تتفاجأ بقرارات لا
توافق عليها، غير ان هذا القيد يحد من حرية المنظمة الدولية ويضعف شخصيتها القانونية ويجعلها أقرب
للمؤتمر الدولي.
4 - القوانين الداخلية للدول الأعضاء:
قد تش كل القوانين الداخلية قيدا على سلطة المنظمة الدولية، وذلك إذا تطلبت تلك القوانين صدور قرارات
المنظمات الدولية على شكل تشريع داخلي لكي ينفّذ داخل الدولة أو على مواطنيها أو في إقليمها وهو ما يسمى
بقاعدة الاستقبال. كما جاء في المادة الثانية من ميثاق جامعة الدول العربية " ....... تنفّذ قرارات المجلس في
كل دولة وفقا لنظمها السياسية ".
5 - حق الدفاع الشرعي:
قد يتركز هذا القيد في المنظمات التي تقوم لحماية الأمن الجماعي والتي تحرّم استخدام القوة أو التهديد
باستخدامها، عندها تحاول الدولة الخروج عن أهداف المنظمة بحجة استخدامها لحق الدفاع الشرعي المقرر في
المادة ) 51 ( من ميثاق الأمم المتحدة. وصعوبة هذا القيد في مرونته وإمكانية تفسيره بشكل واسع.
المبحث الثالث : أنواع المنظمات الدولية: -
تختلف طريقة تصنيف المنظمات الدولية باختلاف الزوايا التي ينظر فيها إلى تلك المنظمات.
من حيث أهدافها
1 - منظمات عا مة
2 - منظمات متخصصة
من حيث نطاق العضوية
1 - منظمات عالمي ة
2 - منظمات إقليمي ة
من حيث نشاطها
1 - منظمات ذات
أهداف تشريعي ة
2 - منظمات ذات
أهداف قضائي ة
3 - منظمات ذات
أهداف تنفيذية
والجدير بالذكر هنا أن هذه التقسيمات وضعت لأغراض أكاديمية فهي ليست مستقلة بل تتداخل مع بعضها،
فالمنظمة العامة قد تكون منظمة عالمية أو إقليمية وقد تكون ذات نشاط إداري أو تشريعي أو قضائي، والمنظمة
الإقليمية قد تكون عامة أو متخصصة وقد تكون ذات أهداف تشريعية أو قضائية أو إدارية.
ويمكن تناول هذه المنظمات بشكل موجز على النحو الآتي:-
2020 إعداد الأستاذ الدكتور كمال عبد حامد آل زيارة - محاضرات مادة المنظمات الدولية للعام الدراسي 2019
21
أولا: من حيث أهدافها: -
1 - منظمات عامة: تكون المنظمة الدولية عامة إذا أتسع نطاق أهدافها لتشمل أوجها متعددة للتعاون
الدولي ]سياسي، اقتصادي، اجتماعي،...[ وهي قد تكون منظمات إقليمية مثل الجامعة العربية وقد
تكون عالمية مثل الأمم المتحدة.
2 - منظمات متخصصة: تكون المنظمة الدولية متخصصة إذا اقتصر نشاطها على هدف محدد، وهي ما
تسمى بالوكالات التخصصية، وتمتاز هذه المنظمات بكثرة عددها واتساع قاعدتها فقد تكون:-
أ منظمات اقتصادية: مثل البنك الدولي للإنشاء والتعمير وصندوق النقد الدولي. -
ب منظمات اجتماعية وإنسانية: مث ل منظمة الصحة العالمية واليونسكو. -
ج منظمات علمية: مثل وكالة الطاقة الذرية والمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم -
د منظمات للمواصلات: مثل منظمة الطيران المدني والإنماء الدولي للمواصلات السلكية. -
ويجب التنويه هنا أن هذه المنظمات أو الوكالات المتخصصة قد تكون عالمية وقد تكون إقليمية.
ثانيا: من حيث نطاق العضوية: -
1 - المنظمات العالمية: تكون المنظمة الدولية عالمية إذا كانت العضوية فيها مفتوحة للدول جميعها بحيث
تستطيع أية دولة الانضمام إليها ووفقا للشروط التي يحددها ميثاقها.
وعلى الرغم من هذه الصيغة العالمية لبعض المنظمات، إلا أنها تتفاوت فيما بينها من حيث شروط
الانضمام إليها وكسب العضوية. فمثلا يكون الشرط الوحيد للانضمام إلى الوك الات المتخصصة للأمم المتحدة
هو أن تكون الدولة عضوة في الأمم المتحدة. في حين ي شترط ميثاق الأمم المتحدة )م 4 ( للانضمام وجوب أن
تكون الدولة محبة للسلام وأن تقبل تحمل الالتزامات الواردة في الميثاق وقادرة على تنفيذها. بينما تمنح بعض
المنظمات سلطة تقديرية لأحد أجهزتها لتقدير مدى توافر الشروط في الدولة طالبة الانضمام .
2 - المنظمات الإقليمية: تكون العضوية فيها محدودة وتقتصر على مجموعة من الدول.
واختلف الكتّاب في معيار الإقليمية على ثلاثة اتجاهات:-
الاتجاه الأول: )المعيار الجغرافي(: ويقوم على أساس الجوار الجغرافي، بمعنى يقتصر هذا المعيار على
المنظمات التي تضم دولا متجاورة جغرافيا . وهناك منظمات ليست عالمية لكن لا ينطبق عليها هذا الوصف
الجغرافي مثل الأوبك والأوابك .
الاتجاه الثاني: )المعيار الجغرافي السياسي(: ويعطي، هذا الرأي، الإقليمية مفهوما سياسيا إلى جانب الموقع
الجغرافي، فهو يضيف إلى جانب الجوار الجغرافي شروطا أخرى تربط دول الإقليم كالدين واللغة والأصل
المشترك.
ويلاحظ على هذين المفهومين للإقليمية )الجغرافي والسياسي(، أنهما مفهومان ضيقان جدا بحيث يخرج
عن نطاقهما الكثير من المنظمات )التي لا يمكن اعتبارها عالمية( مثل منظمة الأوبك.
الاتجاه الثالث: )الاتجاه المرن للإقليمية(: ويذهب إلى اعتبار المنظمة إقليمية إذا تحدد نطاق العضوية فيها بعدد
من الدول وارتبطت مع بعضها بأية رابطة، سواء أكانت جغرافية أم سياسية أم قومية أم اقتصادية وبشكل دائم
2020 إعداد الأستاذ الدكتور كمال عبد حامد آل زيارة - محاضرات مادة المنظمات الدولية للعام الدراسي 2019
22
أو مؤقت. فإذا كانت الدول متجاورة جغرافيا }كانت جغرافية{، وإذا كانت من أصل واحد }كانت قومية{،
ويشمل هذا الاتجاه حتى الاحلاف العسكرية.
ثالثا: من حيث طبيعة النشاط: -
- تكون المنظمات ذات طبيعة تشريعية مثل )منظمة العمل الدولية(.
- وتكون ذات طبيعة قضائية مثل )محكمة العدل الدولية(.
- وذات طبيعة إدارية أو تنفيذية كما هو حال معظم المنظمات.
وقد تحتوي الكثير من المنظمات على هذه الاختصاصات مجتمعة.
الفصل الثالث : عمل المنظمة الدولية: -
المنظمة الدولية شخصية قانونية اعتبارية قامت بهدف تحقيق التعاون بين الدول الأعضاء لتحقيق أهداف
مشتركة، ويستن د عمل المنظمة على ثلاث ركائز هي: الأجهزة التي تتكون منها المنظمة الدولية، والعاملون
فيها، وميزانيتها. وسيتم تناول كل منها بمبحث مستقل.
المبحث الأول : أجهزة المنظمة الدولية: -
تطورت فكرة المنظمات الدولية عن المؤتمرات الدولية التي كانت تعقد بصورة وقتية ثم تنتهي، ونظرا
لتعدد المهام والحاجة إلى الاستمرار والدوام. وكانت المنظمات في بداية عهدها تتكون في الغالب من هيئة أو
جهاز واحد، إلا أن التطورات في العلاقات الدولية واتساع نطاق التعاون بين الدول وتزايد مشاركتها في تلك
المنظمات، قد أدى إلى تعدد أجهزة المنظمة الدولية وتحت تأثير عاملين أساسيين هما:
1 - تنوع المهام والأهداف التي تسعى المنظمات لتحقيقها. لذلك أصبحت المنظمات بحاجة إلى إنشاء المزيد
من الأجهزة التي يتولى فيها كل جهاز مهام معينة.
2 - ازدياد المشاركة الدولية في المنظمات 1 ، التي استوجبت زيادة عدد الأجهزة لتنفيذ القرارات أو النظر
في المشاكل التي تقع بين فترات الانعقاد العادي للجهاز الرئيسي. وكذلك تحقيق الموازنة بين المزايا
المعطاة لبعض الدول الأعضاء وبين تحقيق مبدأ المساواة بحيث يوجد جهاز يضم كل الأعضاء )مثل
الجمعية العامة( وآخر محدد العضوية تعطى فيه امتيازات لبعض الدول )مثل مجلس الأمن(.
وتختلف المنظمات من حيث عدد الأجهزة واختصاصاتها :
الجهاز الرئيس "الهيئة العامة" أو المؤتمر:
يطلق على هذا الجهاز تسميات عدة مثل: )الهيئة العامة، المؤتمر العام، الجمعية العامة، المجلس..الخ(
ويتألف هذا الجهاز في الغالب من الدول الأعضاء جميعها في المنظمة الدولية، ويكون التمثيل فيه متساوٍ
أي تتمتع كل دولة بصوتٍ متساوٍ مع الدول الأخرى إلا في حالات استثنائية ينص عليها الميثاق، كما في
1 مثلا أعضاء الأمم المتحدة يزيد الآن عن - 175 دول ة
2020 إعداد الأستاذ الدكتور كمال عبد حامد آل زيارة - محاضرات مادة المنظمات الدولية للعام الدراسي 2019
23
نظام وزن الأصوات الذي يكون فيه لكل دولة عضو عدد من الأصوات يعادل ما لها من أهمية في
المنظمة، كما في النظام الأساس ي لصندوق النقد الدولي 2 .
ويعد هذا الجهاز صاحب الاختصاص وله الأولوية العامة على المنظمة، فله أن يناقش الأمور كافة
المتعلقة بالمنظمة الدولية بما فيها صلاحيات الأجهزة الأخرى إلا إذا نص في الميثاق على خلاف ذلك 3 .
ويدخل في مهام الجهاز أيضا تقرير وسائل التعاون مع الهيئات الدولية، وكذلك ممارسة الرقابة على أجهزة
المنظمة الأخرى.
ويمك ن لهذا الجهاز أن يفوّض مباشرة هذه الاختصاصات أو بعضها لجهاز أو أكثر من أجهزة
المنظمة. إلا أنه يجب القول أن هناك اختصاصات لا يجوز تخويلها لأي جهاز آخر لأن الميثاق حصرها
بالجهاز الرئيس مثل: )وضع السياسة العامة للمنظمة، تعيين الأمين العام، إقرار الميزانية، إجراء التعديلات
على الميثاق...الخ(.
ويلاحظ أن هذا الجهاز لا ينعقد بصورة مستمرة وإنما يقوم بعقد دورات سنوية في الأصل ويحدد
ميثاق المنظمة مددها، فمثلا تحدد الجمعية العامة للأمم المتحدة دوراتها الاعتيادية سنويا ، بينما يعقد مجلس
الجامعة دوراته الاعتيادية كل ستة أشهر. وبالإضافة إلى الدورات الاعتيادية يعقد هذا الجهاز اجتماعات
استثنائية كلما دعت الحاجة لذلك وبدعوة اما من مجموعة من الدول الأعضاء أو الأمين العا م 4 .
ويكون لهذا الجهاز عادة مكتب يتألف من رئيس ونواب وقد يضم له بعض رؤساء اللجان أو الهيئات،
ويتولى هذا المكتب الإشراف على أعمال الهيئة العامة ومواعيد جلساتها وجدول أعمالها. مثال ذلك مكتب
الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي يرأسه رئيس الجمعية العامة ونوابه المكونين من 13 نائبا ورؤساء
اللجان السبع فيها. وقد تعمد الهيئة العامة إلى تشكيل لجان متخصصة تهتم كل منها بشأن من شؤون
المنظمة، وتتألف هذه اللجان من ممثلي الدول الأعضاء أو على النحو الذي يحدده الميثاق.
كما أن للهيئة العامة أو المجلس نظاما داخليا يحدد ديناميكية العمل في هذا الجهاز هو الذي يحدد سبل
إعداد جدول الأعمال أو المناقشة وتأجيلها وغلق المناقشة والتصويت، وضمان حرية الأعضاء وحريتهم
في التعبير عن آرائهم .
أخيرا لابد من القول أن الهيئة العامة تعقد اجتماعاتها في مقر المنظمة غير أن ذلك لا يمنع من عقد
هذه الاجتماعات خارج المقر سواء في الدولة المضيفة أو غيرها من الدول ما لم ينص على عكس ذلك في
الميثاق.
الجهاز التنفيذي للمنظمة:
يتولى الجهاز التنفيذي مهام قد تكون على درجة كبيرة من الأهمية والخطورة. ويتألف هذا الجهاز من عدد
محدود من الدول الأعضاء في المنظمة الدولية لكي ينهض بهذه المهام بسرعة بعيدا عن ضياع الوقت في
المناقشات.
2 يعطى لكل دولة عضو ) - 250 ( صوتا بالإضافة إلى صوت واحد عن كل حصة إضافية للدولة في رأسمال المنظمة عند التصويت في مجلس المحافظين .
كذلك ما تأخذ به منظمة العمل الدولية من إعطاء أصوات لممثلي الحكومات وممثلي العمال وأرباب العمل من أصوات منفردة في المؤتمر الع ام للمنظمة .
3 مثال ذلك ما ورد في م - 10 من ميثاق الأمم المتحدة من صلاحيات للجمعية العامة، وكذلك الصلاحيات الممنوحة لمجلس الجامعة حسب م 3 من ميثاق
جامعة الدول العربية .
4 جاء في المادة - 20 من ميثاق الأمم المتحدة: " تجتمع الجمعية العامة في أدوار انعقاد عادية وفي أدوار انعقاد خاصة بحسب ما تدعو إليها الحاجة .
ويقوم بالدعوة إلى أدوار الانعقاد الخاصة الأمين العام بنا ء على طلب مجلس الأمن أو أغلبية أعضاء الأمم المتحدة " .
2020 إعداد الأستاذ الدكتور كمال عبد حامد آل زيارة - محاضرات مادة المنظمات الدولية للعام الدراسي 2019
24
ويختلف الجهاز التنفيذي للمنظمة عن الجهاز الأول من حيث:
1 - التشكيل: فالجهاز الرئيس يتشكل من الدول الأعضاء جميعها، وبشكل متساوٍ في التمثيل والتصويت،
في حين يتشكل الجهاز التنفيذي من عدد محدود من الدول الأعضاء فقط.
2 - الاختصاصات: تكون للجهاز الرئيس الولاية العامة على الم نظمة في حين يمارس الجهاز التنفيذي
اختصاصات محددة.
3 - سير العمل: تكون اجتماعات الجهاز الرئيس سنوية أو نصف سنوية أو كل سنتين... فضلا عن
الاجتماعات الاستثنائية، بينما يمارس الجهاز التنفيذي أعماله بشكل دائم ومستمر.
إن ممارسة الجهاز التنفيذي لمهام واختصاصات مهمة وخطيرة في المنظمة، ومن ثم تكونه من عدد
محدود من الأعضاء سوف يخل بمبدأ المساواة بين الدول الأعضاء، ويزداد هذا الاخلال كلما قل عدد
مقاعد هذا الجهاز، ويظهر هذا الاخلال بصورة واضحة في الأجهزة التي تكون العضوية فيها دائمية .
فقد يشكَّل ه ذا الجهاز من أعضاء مؤقتين يتم انتخابهم في فترات معينة )كما في المجلس الاقتصادي
والاجتماعي التابع للأمم المتحدة م 61 من الميثاق، وكذلك ما أخذت به منظمة التغذية والزراعة ومنظمة
اليونسكو إذ يتكون المجلس في هاتين المنظمتين من 24 عضوا ينتخبهم الجهاز الرئيس(.
وقد تأخذ بعض المنظمات بثنائية تشكيل هذا الجهاز من أعضاء دائمين ومؤقتين )كما هو الحال في تشكيل
مجلس الأمن الدولي م 23 من ميثاق الأمم المتحدة(.
ويكون توزيع مقاعد الأعضاء غير الدائمين اما على أساس التوزيع الجغرافي )م 5 - 2 من دستور منظمة
اليونسكو، م 24 من ميثاق منظمة الصحة العالمية، م 6 من النظام الأساسي لوكالة الطاقة الذرية(، وقد يكون
على أساس مدى المساهمة في نشاط المنظمة ومقاصد الهيئة بالإضافة إلى التوزيع الجغرافي العادل )كما في
المادة 23 من ميثاق الأمم المتحدة المشار إليها أعلاه(.
وفي الغالب يكون للدول الأعضاء أصوات متساوية في هذا المجلس، غير أن هناك استثناءات على هذه
القاعدة، ومنها إعطاء حق الاعتراض أو النقض على بعض القرارات في مجلس الأمن، وكذلك الأخذ بنظام
وزن الأصوات في بعض المنظمات المالية والاقتصادية.
أخيرا لابد من القول هنا أن ديناميكية عمل الجهاز التنفيذي يحددها النظام الداخلي له.
الجهاز الإداري أو الأمانة العامة:
تعد الأمانة العامة بمثابة الجهاز الإداري للمنظمة الدولية. وتحظى بأهمية خاصة نتيجة لما تقوم به من
واجبات. ويتألف هذا الجهاز من رئيس أعلى )السكرتير أو الأمين العام( يتم تعيينه من قبل الهيئة العامة أو
الجمعية العامة بصورة منفردة أو بالاشتراك مع بعض الأجهزة الأخرى. }مثال ذلك تعيين الأمين العام للأمم
المتحدة )وهو الموظف الإداري الأكبر( من قبل الجمعية العامة بنا ء على توصية من مجلس الأمن م 97 .}
وتضم الأمانة العامة أيضا عددا من الموظفين والهيئات واللجان التي تتولى القيام ببعض الاختصاصات
حسب المهام الموكلة إليها .
ويختلف هذا الجهاز عن الأجهزة السابقة بأنه يتكون أساسا من موظفين دوليين بينما تتكون الأجهزة
الأخرى من ممثلي ومندوبي الدول الأعضاء.
2020 إعداد الأستاذ الدكتور كمال عبد حامد آل زيارة - محاضرات مادة المنظمات الدولية للعام الدراسي 2019
25
وتتولى الأمانة العامة نشاطات المنظمة اليومية وتقوم بالمهام الآتية استنادا لميثاقها :-
1 - تقوم بالاتصالات مع الدول الأعضاء والأجهزة والفروع واللجان الفرعية داخل المنظمة، أو مع الدول
والهيئات والمنظمات الأخرى.
2 - الإعداد لدورات وجلسات الهيئة العامة من خلال تهيئة التقارير ومحاضر الجلسات والقيام بأعمال
النشر والترجمة، وتقوم أحيانا بإعداد مشروعات القرارات التي تصدرها الهيئة العامة وإعداد الميزانية.
فضلا عن قيام الأمين العام بتقديم المشورة للهيئة العامة في القضايا الفنية والتخصصية بجانب دوره
السياسي.
3 - تتكفل الأمانة العامة متابعة تنفيذ قرارات الهيئة العامة. ويحدد النظام الداخلي لهذا الجهاز أسلوب عمله
ومهامه وروابط الموظفين بالجهاز واللجان المتخصصة بالمنظمة .
ان هذا الجهاز يقوم بواجباته بإشراف الهيئة العامة ومراقبتها والتي قد تمارس عليه أنواع الرقابة الآتية:-
أ الرقابة الإداري ة: تُلزم مواثيق المنظمات الأمانة العامة بتقديم تقارير سنوية أو خاصة إلى الهيئة العامة -
أو المجلس، كم يحق للمجلس تشكيل اللجان وإجراء التحقيق في أعمال الأمانة العامة.
ب الرقابة المالية: تُلزم الأمانة العامة بتقديم تقارير مالية للهيئة العامة ومصروفاتها وارصدتها، كما يحق -
للهيئة العامة تشكيل اللجان التحقيقية لهذا الغرض.
ج الرقابة القضائية: تمارس هذه الرقابة عن طريق محكمة مختصة تنشأ بموجب ميثاق المنظمة -
كالمحكمة الإدارية للأمم المتحدة، ومحكمة العدل العربية في ميثاق الجامعة العربية، لأجل ممارسة حق
الطعن في قرارات الأمانة العامة.
الأجهزة الأخرى:
إضافة إلى ما تقدم من أجهزة أساسية للمنظمة الدولية، هناك أجهزة أخرى تمارس عملها بموجب ميثاق
المنظمة، وتكون العضوية فيها عامة لكل الدول الأعضاء في المنظمة أو قد تتحدد العضوية فيها وفقا لشروط
يحددها الميثاق، وقد تكون عضوية تلك الأجهزة دائمية أو مؤقتة، وقد يتمتع بعض الأعضاء بامتيازات تقوم
على أساس القوة أو المساهمة المالية أو التوزيع الجغرافي أو الاختصاص الفني.
وقد يتم انتخاب الأعضاء فيها من قبل الهيئة العامة وبنسبة موصوفة كالثلثين أو الإجماع أو تكون العضوية
اختيارية.
وتتولى هذه الأجهزة في الغالب مهاما تنفيذية للمنظمة الدولية لذلك فإنها تتمتع بسلطات تمكنها من ذلك
وبموجب الميثاق. وغالبا ما تناط بها مهام الهيئة العامة وفي حدود اختصاصاتها في فترات ما بين دورات
الانعقاد للهيئة العامة، إذ أنها تعقد دوراتها بشكل مستمر أو حسب مقتضيات الحاجة.
ويكون لهذه الأجهزة أنظمة داخلية تحدد آلية عملها وصور تحركها وتحكم علاقاتها وتصرفاتها، كما أن
نظام الجهاز وميثاق المنظمة يحددان مكان انعقاد الاجتماعات واوقاتها وضبط جلساتها وطريقة التصويت
والمناقشة...إلخ.
وأخيرا لابد من التأكيد أن أجهزة المنظمة الدولية هي مسألة اختيارية يحددها ميثاقها، فهو الذي يقرر عدد
الأجهزة واختصاصاتها وصلاحياتها... وبما يتوافق مع أهدافها .
2020 إعداد الأستاذ الدكتور كمال عبد حامد آل زيارة - محاضرات مادة المنظمات الدولية للعام الدراسي 2019
26
المبحث الثاني : العاملون في المنظمات الدولية: -
يعمل في المنظمات الدولية عدد من الأشخاص الطبيعيين يقومون بنشاطات مختلفة، ويمكن تقسيم هؤلاء
العاملين إلى قسمين رئيسيين هما:
1 - طائفة المندوبين والممثلين للدول الأعضاء.
2 - طائفة المستخدمين فيها.
أولا: مندوبو الدول وممثلوها في المنظمة:
تتكون هذه الطائفة من الأشخاص الذين تختارهم حكوماتهم لتمثيلها في المنظمة، سواء أكانوا من
الدبلوماسيين أم الخبراء والفنيين، وينحصر دور هؤلاء الأشخاص في رسم سياسة المنظمة واتخاذها لقراراتها،
ويكونون مقيدين في تصرفاتهم بتعليمات تصدر لهم من دولهم، ويتمتعون بحصانات وامتيازات المبعوث
الدبلوماسي.
وتختلف هذه الفئة من العاملين في المنظمة عن طائفة المستخدمين من حيث:
1 - أثر التصرفات: إذ تنصرف آثار تصرفاتهم إلى دولهم، فتصرفاتهم لا تنصرف إلى المنظمة بل إلى
حكومة المندوب.
2 - تبعيتهم: فهم يتبعون دولهم من حيث التعيين والمسؤولية، فالدولة هي التي تعينهم وتحدد رواتبهم
ودرجاتهم ولها حق محاسبتهم وسحبهم ومعاقبتهم، وأمامها تكون مسؤولياتهم .
3 - حصانتهم: ان حصانات مندوبي الدول وممثليها في المنظمة الدولية تقررها لصالح الدول المنتدبة.
فيمكن لهم أن يتمسكوا بهذه الحصانات تجاه دولة المقر والدول الأخرى وليس تجاه حكوماتهم .
ويحظى هؤلاء الأشخاص بالمزايا والضمانات نفسها التي يتمتع بها الممثلون الدبلوماسيون كل حسب
درجته، والتي يمكن إجمالها بما يأتي:
1 - الحصانة الشخصية: إذ لا يجوز إلقاء القبض عليه م أو حبسهم أو حجزهم أو التعرض لأمتعتهم
الشخصية.
2 - الحصانة القضائية: فلا يخضعون للقضاء ولا تتم مساءلتهم عن تصرفاتهم في أثناء أداء واجباتهم
حصرا، أما في تصرفاتهم الشخصية البعيدة عن مهام وظائفهم فإنهم لا يتمتعون بهذه الحصانة. فهذه
الحصانة تقرر للدولة وليس لصفته م الشخصية. وتبقى هذه الحصانة بهذا الشكل حتى بعد انتهاء
مهامهم.
3 - الإعفاءات والضرائب: يتمتع مندوبو الدول في المنظمة الدولية وعوائله م 5 بالإعفاء من الضرائب
المفروضة على الأفراد في دولة المقر، ومن قيود الإقامة واجراءات قيد الأجانب بما في ذلك الدول
التي يمرون عليها في أثناء قيامهم بعملهم .
4 - تتمتع محرراتهم ووثائقهم بالحرية ويحق لهم استعمال الرموز في رسائلهم وبرقياتهم .
5 - يتمتعون بالتسهيلات المتعلقة بالنقل والتحويل.
5 يشمل ذلك الزوجة والأولاد القصّر والبنات غير المتزوجات . -
2020 إعداد الأستاذ الدكتور كمال عبد حامد آل زيارة - محاضرات مادة المنظمات الدولية للعام الدراسي 2019
27
ثانيا: المستخدمون في المنظمات الدولية:
الكادر الوظيفي )الإداري والفني( الذي يشغل المراكز المختلفة لتسيير عمل المنظمة سواء بصفة دائمة أم
مؤقتة. وعرفتهم محكمة العدل الدولية بأنهم: " كل موظف بأجر أو بدون أجر، يعمل بصفة دائمة أم لا، يعين
بواسطة أحد فروع المنظمة للممارسة أو المساعدة في ممارسة إحدى وظائف المنظمة "، لذلك فإن الأشخاص
الذين تسند لهم المنظمة الدولية مهمة وقتية كخبير أو وسيط في مهمة يعتبرون وفقا لهذا التعريف )موظفا
دوليا(.
واستنادا للتعريف السابق وما ذهب إليه الفقه يمكن تحديد شروط الوظيفة الدولية على النحو الآتي:
1 - أن يؤدي العمل لحساب المنظمة الدولية دون غيرها، لذلك لا يعد موظفا دوليا من يعمل بخدمة دولة أو
مجموعة دول وإن كانت أعضاء في تلك المنظمة.
2 - أن يستهدف في عمله مصلحة المنظمة الدولية وحدها، ويشمل ذلك العمل في فرع للمنظمة في إقليم
دولة معينة.
3 - أن يكون ولاؤه في تأدية هذه المهام للمنظمة الدولية، فيقوم بهذه المهام تحت إشراف أجهزتها ويخضع
لميثاقها وأنظمتها وما تقرره من أهداف ويلتزم بها دون غيرها.
4 - أن يؤدي العمل بصورة مستمرة، فإن قام بالعمل بصورة وقتية أو أدى مهمة معينة بذاتها فإنه يعد
مستخدما لا موظفا )حسب رأي بعض الفقهاء(، وليس هناك فرق بين الصفتين من حيث الحصانة
والامتيازات.
وهناك على العموم شروط للموظف الدولي يمكن الإشارة إليها كما يأتي:-
1 - الكفاءة والنزاهة والإخلاص للمنظمة والتجرد في أداء العمل، والاشكالية هنا تتمثل في الجهة التي تقرر
ذلك هل هي الدولة أم المنظمة الدولية؟ ونتيجة لاحتمالية عدم تطابق المقاييس بين الجهتين، فقد ذهبت
معظم مواثيق المنظمات إلى إعطاء حق التعيين أو الرفض للمنظمة بالنسبة لمن ترشحه الدول
الأعضاء، وبخاصة للمناصب المهمة، إذ تم اشتراط التصويت في الهيئة العامة أو موافقة جهاز معين
من أجهزة المنظمة.
2 - اشتراط اختصاص معين حسب طبيعة النشاط الذي سيمارسه الموظف، ويكون ذلك بشكل خاص في
المنظمات المتخصصة. كما في م 2 من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية بصدد اختيار القضاة .
3 - قد يشترط في الموظفين أن يمثلوا توزيعا جغرافيا أو إقليميا معينا. أو قد يحدد عدد معين لكل دولة من
الدول الأعضاء كموظفين في المنظمة الدولية. )م 101 - 3 ( من ميثاق الأمم المتحدة.
المبحث الثالث : ميزانية المنظمة الدولية: -
ان من أبرز النتائج التي تترتب على تمتع المنظمة الدولية بالشخصية القانونية المستقلة عن الدول الأعضاء
فيها، هو تمتعها بذمة مالة مستقلة وذلك لثبوت أهليتي الوجوب والأداء لها بالحدود التي يحددها ميثاقها.
فالمنظمة عند قيامها بالأنشطة تحتاج إلى نفقات تغطي هذه النشاطات، لذلك فإنها تعمد إلى وضع ميزانية
خاصة بها، تحدد فيها مصادر إيراداتها ونفقاتها.
2020 إعداد الأستاذ الدكتور كمال عبد حامد آل زيارة - محاضرات مادة المنظمات الدولية للعام الدراسي 2019
28
وإذا كان الميثاق يحدد موارد المنظمة وأوجه الصرف، فإن وضع الميزانية للمنظمة الدولية يخضع للقواعد
العامة في وضع ميزانيات الدول من الناحية الحسابية. أما الشروط الشكلية والتكميلية، المتعلقة بإعداد الميزانية
من حيث الاقتراح والتصديق والتصويت فإن مواثيق المنظمات تختلف فيما بينها .
والسؤال الآن هو كيف يجري إعداد الميزانية للمنظمة الدولية؟ والجواب على ذلك أن العمل يجري غالبا في
المنظمات الدولية بأن تقوم لجان فنية مختصة بوضع مشروع الميزانية، بعد دراسة احتياجات أجهزة المنظمة
وواقع مواردها، ويتولى الأمين العام تقديم المشروع للهيئة العامة أو الجهة المختصة لغرض المناقشة والإقرار
بعد التصويت، ويلاحظ أن معظم المنظمات تأخذ بالأغلبية الموصوفة )وليس الإجماع(، فقد أخذ ميثاق الأمم
المتحدة في )م 18 - 2 ( بقاعدة الثلثين في المسائل الخاصة بالميزانية، في حين أخذ ميثاق الجامعة العربية بمبدأ
الأغلبية العادية في )م 16 .)
وتختلف المواثيق في المدد الزمنية للميزانية، فقد تكون سنوية كما هو الحال بالجامعة العربية، وقد تكون
لسنتين مثل ميزانية منظمة الزراعة والأغذية الدولية )الفاو( ومنظمة اليونسكو، وقد تكون أربع سنوات
كميزانية منظمة الصحة العا لمية .
وعلى الرغم من أن ميزانية المنظمة الدولية تخضع للقواعد العامة، إلا أن هناك بعض الاستثناءات إذ
تتمتع الأجهزة الرئيسية في منظمات معينة بميزانية خاصة مثل صندوق الأمم المتحدة للطفولة، وبرنامج الأمم
المتحدة للتنمية، ووكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين.
ويمكن تحديد أبرز إيرادات المنظمة الدولية ونفقاتها على النحو الآتي:-
أولا: إيرادات المنظمة الدولية: -
هناك موارد ثابتة )عادية( للمنظمات الدولية وأخرى موارد استثنائية. وتتكون مصادر الإيرادات الثابتة
عادة من: -
1 - اشتراكات الدول الأعضاء، وهو المورد الأساس للمنظمة الدولية، إذ تلتزم هذه الدول بتقديم نصيبها
الذي يفرضه الميثاق. ولا توجد قاعدة موحدة في تحديد الأنصبة، فمثلا تعمل قلة من المنظمات بمبدأ
المساواة مثل )الأوابك ( 6 . في حين انتهجت المنظمات الأخرى معايير مختلفة تراعي مصالح الدول
الأعضاء، ولعل القاعدة التي سارت عليها الأمم المتحدة في توزيع الأنصبة هي الأقرب لتحقيق العدالة
وهي قاعدة )المقدرة على الدفع( التي تعتمد أساسا على مقدار الدخل القومي للدولة مع الأخذ بنظر
الاعتبار متوسط دخل الفرد وحصيلة الدولة من العملات الصعبة وما تشهده كل دولة من أزمات
اقتصادية.
وتُرتّب المنظمات جزا ء على الدولة التي تمتنع عن دفع حصتها من الميزانية، قد تصل إلى حد فصل
الدولة العضو من المنظمة، أو منعها من التصويت، وقد أخذ ميثاق الأمم المتحدة بالجزاء الأخير في
)م 19 ( إذ يحرم العضو من التصويت في الجمعية العامة إذا تأخر عن دفع الاشتراك ات المستحقة عليه
لآخر سنتين أو أكثر، إلا إذا اقتنعت الجمعية بأن عدم الدفع ناشئ عن أسباب لا قبل للعضو بها.
2 - استغلال رأس مال محدد في مشاريع تدرّ عائدا أو ربحا ثابتا على المنظمة الدولية، مثل القيام بتداول
الأسهم والسندات من قبل البنك الدولي للإنشاء والتعمير.
6 منظمة الأقطار العربية المصدرة للنفط . -
2020 إعداد الأستاذ الدكتور كمال عبد حامد آل زيارة - محاضرات مادة المنظمات الدولية للعام الدراسي 2019
29
أما الموارد الاستثنائية فتتحقق للمنظمة الدولية أحيانا من:-
1 - التبرعات التي تقدم للمنظمة الدولية من قبل الدول الأعضاء وغير الأعضاء وبموجب ميثاقها، إذ قد
تبيح مواثيق المنظمات لها أن تتقبل التبرعات أو لا تجيز، وقد تجيزها بشروط معينة من أهمها موافقة
الهيئة العامة كي لا يكون وسيلة ضغط أو تأثير على المنظمة الدولية.
2 - القروض التي تلجأ إليها بعض المنظمات لسد جزء من نفقاتها الطارئة، وقد يكون الاقتراض لأجل
تمويل عمليات قد تدر أرباحا على المنظمة أو تدخل ضمن اختصاصاتها، لاسيما في المنظمات ذات
المهام الاقتصادية والمالية.
3 - واردات ما تصدره المنظمة من كتب ونشرات ووثائق وغيرها، إضافة إلى إصدار الطوابع البريدية.
4 - فرض رسوم وضرائب معينة حسب ما يحدده الميثاق، وتكون حالات نادرة، ومنها ما تفرضه المنظمة
من ضرائب على رواتب موظفيها، وهو ما تأخذ به الأمم المتحدة
ثانيا: نفقات المنظمة الدولية: -
تحدد ميزانية المنظمة الدولية وميثاقها أوجه نفقاتها والتي تشمل :-
- رواتب وأجور العاملين فيها من موظفين ومستخدمين وعمال.
- التأثيث والبناء والإيجارات لمقراتها وأجهزتها.
- نفقات النشاطات المختلفة التي تكون من اختصاصاتها، أو تمارسها بنا ء على هذه الاختصاصات.
وحاولت بعض الدول التمييز بين الإنفاق الذي تقوم به المنظمة إلى النوعين الآتيين:-
1 - النفقات العادية التي يتطلبها عملها اليومي الاعتيادي، كالأجور والرواتب وإيجارات الأبنية واحتياجات
المنظمة من تأثيث وقرطاسية وخدمات بريدية وهاتفية. وتكون هذه النفقات ملزمة للجميع برأي هذه
الدول.
2 - النفقات الاستثنائية التي تنتج عن أداء المنظمة لمهامها وممارستها لاختصاصاتها وهذه النفقات لا
يستلزمها نشاط المنظمة اليومي كنفقات التدخل من قبل المنظمة وفق ميثاقها، إذ ترى هذه الدول عدم
الالتزام بها .
والمسألة التي دفعت هذه الدول لوضع التقسيم أعلاه هو الموقف من قوة الطوارئ الدولية التي تنشئها
المنظمة الدولية في ظروف معينة )كما حصل إبان العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 وكذلك عمليات
الأمم المتحدة في الكونغو(، إذ ترى هذه الدول طبقا للتقسم المذكور انها غير ملزمة بدفع تكاليف قوات
الطوارئ، مما حدا بالمنظمة إلى طلب رأي استشاري من محكمة العدل الدولية، التي أصدرت فتواها عام
1962 بأن هذه النفقات تعد من نفقات هيئة الأمم المتحدة التي يلتزم بها الأعضاء جميعهم في المنظمة .

العام الدراسي: 2019-2020