المادة: العقائد
mp3:
الملف: Microsoft Office document icon 006.doc

بطلان التسلسل

رأينا الدليلين السابقين كانا يعتمدان على إبطال التسلسل، ورغم أن بطلانه من الأمور الواضحة المتسالم عليها في المنطق، فقد سلك الفلاسفة طرقاً عديدةً للبرهنة على بطلان التسلسل في العلل والمعاليل بمعنى عدم انتهائها إلى حدّ معين نقف عنده.

وقد فصّل العلامة الحلي في (كشف المراد) هذه الأدلة فمن أراد التفصيل فليراجع (1) وإليك تخطيطاً يوضح التسلسل في العلل والمعاليل.

علة و

و علة هـ

هـ علة د

د علة جـ

جـ علة ب

ب علة   أ

أ معلول

ولنا أن نستغني عن البراهين الفلسفية المطوّلة بالمثال الآتي:

لنفرض أن طلاب إحدى المدارس قرروا أن يجمعوا التبرعات لإغاثة إخوانهم المشرّدين أو المنكوبين، ولم يتقدم واحد منهم لهذا الأمر، بل أوكّل كل منهم قيامه بجمع التبرعات أي قيام زميله، وهكذا الطالب الثاني جعل قيامه بهذا الأمر متوقفاً على قيام الثالث، وكذا الثالث اعتمد على رابع، والرابع على خامس... وهكذا حتى الطالب الثلاثين الذي هو بدوره قال: إني لا أبدأ بجمع التبرعات ما لم يُقدم على هذا الأمر غيري من طلاّب سائر المدارس وهكذا...

ماذا ستكون النتيجة؟ لا شيء.

إنّما نحصل على النتيجة عندما يقوم أحد الطلاّب ليقول: إني أجمع التبرّعات من دون توّقف على الغير.

وهنا تتقطع السلسلة وتقف عن الاستمرار إلى اللانهاية..

هذا المثال يوضّح لنا بطلان الاستمرار في سلسلة الممكنات إلى ما لا نهاية له، ويدلّنا على الحاجة إلى (واجب الوجود) الذي لا يتوّقف وجوده على غيره، ولا يحتاج إلى علّة.

3ـ طريقة الحكماء أيضاً:

وتستند إلى البحث عن حقيقة النفس إذ أن النفس الناطقة مجرّدة بذاتها من المواد والجهات والأوضاع والزمان ونحوها من القيود المادية ولكنها من جهة أخرى حادثة فهي مفتقرة إلى العلّة.

ويستحيل أن تكون العلّة المُوجدة للنفس الناطقة جسماً، لأن الجسم لو كان له صلاحية إيجاد النفس الناطقة لأوجدها أي جسم كان، إذ الأجسام متماثلة والأمثال متساوية فيما ينبغي لها أو لا ينبغي، في حين أننّا نجد خلاف ذلك.

إذن لابد أن تستمدّ النفس الناطقة وجودها من مصدرٍ وراء الطبيعة، مجرد بذاته، لا يحدّه شيء على الإطلاق، وهو الله تعالى.

والأدلة على تجرّد النفس كثيرة أهمّها:

1- إن وعي النفس لذاتها وصفاتها وأفعالها من نوع العلم الحضوري الذي لا يحتاج إلى ارتسام صورة الشيء لدى الذهن، بعكس العلم الحصولي الذي هو عبارة عن ارتسام صور الأشياء وانطباعها لدى الذهن.

فوعي الذات (الأنا) من نوع العلم الحضوري، وهو دليل التجرّد.

2- كما أننا نستطيع وعي مفهوم العدد الذي هو غير محدود، وإن كان مصداقه محدوداً، أي أن الأشياء التي تقبل العدّ في الخارج محدودة متناهية، لكن العدد نفسه لا نهاية له، فكل عدد فرضته النهاية فهو قابل لأن يضرب في 10، ولأن يضاف إليه عدد آخر.

3- والرؤيا الصادقة سند آخر حي لتجرّد النفس، وقدرتها على اختراق الفواصل والحدود الزمانية والمكانية.

ـــــــــــ

الهامش

 (1)ـ كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد ص 67-68.