المادة: فقه المجتمع
mp3:
الملف: Microsoft Office document icon 007.doc

المبحث الثاني من الفصل الأول في العقد وشروطه:

يشترط في النكاح الصيغة بمعنى الإيجاب والقبول اللفظي، وهذا ما لا خلاف فيه بين الفقهاء ففي المستند يجب في النكاح الصيغة باتفاق علماء الإسلام وهذا الكلام كالنص في إجماع المسلمين بلا خصوصية لطائفة أو فرقة من الفرق – بل الضرورة من دين خير البشر قامت على ذلك.

وفي الحدائق: أجمع العلماء من الخاصة والعامة. على توقف النكاح على الإيجاب والقبول اللفظيين.

وكذا قال الشيخ المرتضى (رضوان الله عليه): أجمع علماء الإسلام كما صرح به غير واحد على اعتبار أصل الصيغة في عقد النكاح على الإيجاب فلا يباح النكاح بالإباحة أو المعاطاة وهذا ماأدعاه أيضاً جملة من العلماء.

فبناءً على هذا لا إشكال بين المسلمين في أن إجراء عقد النكاح يتوقف على الصيغة اللفظية، والأدلة على ذلك كثيرة.

الدليل الأول: هو الإجماع المذكور كما عرفتم.

الدليل الثاني: هو الضرورة أي ضرورة الدين القائمة على ذلك.

الدليل الثالث: أصالة تحريم الفرج إلى أن يثبت سبب الحل شرعاً وهذا ما استدل به الجواهر في بعض فروع هذه المسألة.

الدليل الرابع: أن اللفظ هو الفارق بين النكاح والسفاح وعليه فإنه إذا كان هناك وطي ولم يكن لفظ كان سفاحاً فالحد الفيصل بين النكاح وبين السفاح هو الصيغة وقد ورد في النص: (إنما يحلل الكلام ويحرم الكلام) الدال على إن الصيغة تحلل وجوداً وتحرم عدماً.

الدليل الخامس: رواية العجلي حيث سأله عن الآية المباركة من سورة النار: ((وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً)) حيث إن الميثاق نوع تعهد لا يكون إلا باللفظ وفي رواية العجلي سأل الإمام عن الآية الشريفة قال (عليه السلام): (الميثاق هو الكلمة التي عقد بها النكاح). كما رواه الحرّ العاملي (رضوان الله عليه) في كتاب الوسائل. 

الدليل السادس: السيرة المتصلة بزمان المعصومين (عليهم السلام) في أجزاء النكاح بالألفاظ كما ورد في جملة من الروايات أيضاً وهي مستمرة إلى يومنا هذا.

الدليل السابع: ما دل على اتفاق النكاح دائماّ إذا لم تذكر المدة فيه بمعنى إن عقد المتعة (النكاح المؤقت) المشروط بذكر المدة فإذا لم تذكر المدة ينقلب العقد دواماً وهذا يدل على ضرورة ذكر الصيغة.

في العقد.

الدليل الثامن: ما دل على أن هبة المرأة نفسها للرجل لا تحل إلا لرسول الله (صلى الله عليه وآله) كما في نص الآية الشريفة لأنها من مختصاته صلى الله عليه وآله وما ورد في ذلك من الأخبار مما يؤيد ذلك بل يدل عليه.

فعن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: (لا تحل الهبة – أي الهبة بالنكاح- لأحد بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله)).

وفي حديث محمد بن قيس عنه (عليه السلام) قال: (فأحل الله هبة المرأة نفسها لرسول الله (صلى الله عليه وآله) ولا يحل ذلك لغيره).

وجه الاستدلال أنه إن لم يحتج النكاح إلى الصيغة الخاصة لم يكن وجه لعدم صحة الهبة إلا لرسول الله (صلى الله عليه وآله).

الدليل التاسع: إن النكاح موضوع عرفي قد أمضاه الشارع والعرف لا يرى النكاح إلا بالصيغة.

هذه جملة من الأدلة التي ذكرها الفقهاء على لزوم انعقاد النكاح بالصيغة ولا يخفى إن لبعض الفقهاء مناقشة في هذه الأدلة إلا انه لا يسعنا المجال لتناولها بالبحث ونكتفي بما ذهب إليه المشهور بل لعله المتفق عليه من اشتراط النكاح بالصيغة فبناءً على هذا لا يكفي التراضي الباطني بين الزوج والزوجة في النكاح بل لابد من الصيغة. لأنه بالإضافة إلى إن التراضي لا لفظ له فإنه لا مظهر له، وعليه ينبغي أن يكون الرضا الذي هو من الكيف النفساني الحاصل في النفس له مظهر ومبرز في الخارج.

والمظهر للرضا والمبرز له في الخارج هو اللفظ والعبارة.

وقد اتفقت كلمة الفقهاء على إن المظهر للرضا والإنشاء شرط في المعاملات التي هي أقل رتبة من النكاح فكيف به في النكاح إذ النكاح أهم في نظر الشرع ونظر العرف والعقلاء من سائر المعاملات لأنه بالنكاح استحلال الفروج ومن هنا أيضاً يظهر إنه لا يكفي الإيجاب والقبول الفعليين بأن يشاطر الزوج والزوجة بما يدل على التراضي بالنكاح بينهما بل لا بد من الصيغة.

فمثلاً، المعاطاة بين الزوجين سواء كان الفعل عملاً كالوطي والقبلة أو ما أشبه ذلك فإنه لا يكفي في وقوع النكاح ما لم يظهر ذلك بالألفاظ هذا في أصل اشتراط النكاح بالصيغة.

  صيغة العقد:

وأما أصل الصيغة فيشترط أن تكون بلفظ النكاح أو التزويج إيجاباً لأنهما أي النكاح والتزويج لفظان وردا في الشريعة كتاباً وسنة كما قال تعالى: (زوجناكها) وليس المراد من التزويج هذا الوطي أي المزاوجة اللغوية بل المقصود منه العقد كما قال تبارك وتعالى: (ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم).

والمراد من النكاح هنا الزواج لا الوطي والجماع وذلك لبداهة حرمة منكوحة الأب على الابن إذ لو كان المراد الوطي في هذه الآية لم تدل الآية على حرمة المنكوحة مطلقاً وهذا واضح البطلان وكيف كان فإن الاثنين تدلان على أن صيغة النكاح والتزويج وردتا في الآية الشريفة.

ومقتضى القاعدة كفاية الإيجاب بلفظ النكاح أو التزويج ومعنى التزويج جعل الزوج والزوجة قرينين لبعضهما مقارنة على نحو خاص ومعنى النكاح جعلهما ذوي علاقة بحيث يصح أن يطأ الزوج الزوجة.

وهذا ما يستفاد من ظاهر الكلمة واتفقت عليه الفتوى أما لفظ المتعة في النكاح الدائم بأن تقول الزوجة في الدائم (متعتك نفسي) مثلاً ويقول الزوج (قبلت) فهل يكفي إيقاع النكاح بلفظ المتعة في النكاح الدائم أولا ؟

فيه قولان:

القول الأول: وهو المشهور حيث ذهبوا إلى عدم كفاية لفظ (متعت) في صيغة النكاح الدائم كأن تقول المرأة (متعتك نفسي دائماً) فيقول الرجل (قبلت).

ووجه عدم قبول المشهور لذلك جعله من الأدلة.

الدليل الأول: أصالة عدم الانقضاء إذ في النكاح شوب عبارة وهو توقيفي لأن العبادات توقيفية، فيتوقف في صيغة النكاح على ما ورد في الشريعة وقد عرفت إن صيغة التزويج والنكاح وردت في الشريعة إلا إن صيغة (متعت) لم ترد في صيغة النكاح الدائم و إن وردت في صيغة النكاح الموقت.

مضافاً إلى هذا إن إطلاق لفظ المتعة على الزواج الدائم إطلاق مجازي وليس حقيقي والعقود اللازمة لا تقع بالمجازات.

هذا يقابل هذا قول غير المشهور حيث ذهبوا إلى كفاية لفظ المتعة في النكاح الدائم.

وهو ما صرح به سماحة السيد الشيرازي (دام ظله) في كتابه الفقه وكذلك السيد السبزواري (قده) في كتابه مهذب الأحكام حيث ذهبا إلى كفاية لفظ المتعة لإفادته مفهوم النكاح وورد هذا في باب النكاح المنقطع ولا دليل على الفرق بين النكاح المنقطع والنكاح الدائم في الصيغة مضافاً إلى هذا فإن المناط في ألفاظ العقود هو الظهور العرفي ولو كان بالقرينة فإذا كان هناك ظهور عند العرف بأن الزوجة إذا قالت لزوجها (متعتك نفسي دائماً) فهم منه العقد الدائم بلا فرق في ذلك بين لفظة التزويج أو النكاح أو المتعة وحيث إن العقود تنصب إلى المتعارف يكفي لأن أدلتها إمضائية كما هو واضح.

هذا مضافاً إلى الأدلة العامة والمطلقة الواردة في إجراء النكاح والزواج بأي صيغة كانت مادام هناك صدق عرفي وشرعي كما يشهد ما ورد من إنقلاب المنقطع دائماً مع نسيان ذكر الأجل، والذي يريد أن يراجع الروايات التي ذكرها صاحب الوسائل (قده) في باب النكاح يجد إن هذه العمومات والإطلاقات تشمل حتى إجراء العقد بلفظ المتعة بلا فرق في ذلك.

  في اشتراط إيقاع العقد باللغة العربية:

المسألة الأخرى، في إن الصيغة التي تجري في عقد النكاح هل يشترط أن تكون باللغة العربية أم يجوز إجراء الصيغة باللغات الأخرى أيضاً ؟

في المسألة قولان:

القول الأول: يقول باشتراط أجراء الصيغة باللغة العربية مع التمكن منها وهذا ما اختاره جمع من الفقهاء بل عن المبسوط والتذكرة الإجماع عليه وكذا في المستند قال: (وفاقاً لغير من شذ وندر بل بإجماعنا) إلى أن قال: (خلافاً للمحكي عن أبن حمزة فاستحب العربية واختياره في المفاتيح وهو اختيار غيره أيضاً).

واستدلوا لذلك بأمور:

الأول: أصالة عدم الانعقاد بغير اللغة العربية.

الثاني: إن في النكاح شائبة عبادة فهي توقيفية.

الثالث: إن الآيات والروايات الواردة في النكاح كلها وردت بالعربية وهذا يؤكد التوقيفية.

الدليل الرابع: هو الإجماع.

الخامس: إن الاحتياط في الفروج يقتضي ذلك.

القول الثاني: وهو عدم اشتراط اللغة العربية في ذلك وهو ما ذهب إليه جمع من فقهائنا المتأخرين والمعاصرين منهم السيد الحكيم (قده) في المستمسك والسيد السبزواري (قده) في المهذب وسماحة السيد الشيرازي (دام ظله) في الفقه فانهم ذهبوا إلى عدم اشتراط اللغة العربية في الصيغة ففي المستمسك قال: (إن البناء على غير العربي هو المتعين).

وفي المهذب والفقه ما يقارب ذلك وأشكلوا على ما أستدل به المشهور بجملة إشكالات.

أما الأصل الذي استدل به المشهور أي أصالة عدم انعقاد النكاح بغير العربية فقالوا فيه: إن الأصل لا يجري فيما نحن فيه لأن هذا الأصل لا يجري بعد شمول الإطلاقات وأصالة عدم الاشتراط جارية فتمنع من جريان ذلك الأصل وعليه تبقى إطلاقات أدلة النكاح جارية.

إن قلت: كما في الجواهر إن هذه الاطلاقات الواردة في باب النكاح منصرفة إلى العربية دون غيرها.

نقول: لو سلم الانصراف فهو بدوي ولذا إشكال السيد السبزواري (قده) عليه بأن هذا الانصراف لا وجه له لأن لكل قوم نكاح من أول البعثة إلى زماننا هذا فيدل على عدم وجود هذا الانصراف خصوصاً وان اللغة العربية لها إطلاقات مختلفة في هذا المجال. وعلى فرض وجوده فهو انصراف إلى الغالب أي إن غالب الصيغ تقع باللغة العربية لا باللغات الأخرى وهذا لا يضر بصحة وقوعه باللغات الأخرى لما ثبت في محله من عدم الاعتبار الانصراف الناشيء من غلبة الوجود أو غلبة الاستعمال هذا أولاً.. وثانياً عن دليلهم الثاني حيث قالوا إن النكاح فيه شائبة عبادة والعبادة توقيفية فهو ممنوع من ناحية الصغرى ومن ناحية الكبرى.

أما من ناحية الصغرى فإن النكاح معاملة عقلائية وإذا ورد (إن لكل قوم نكاح) هذا مضافاً إلى الإشكال من ناحية الكبرى أيضاً لأنه إذا كانت العبادات توقيفية فإن النكاح ليس بعبادة صرفة على قول أصحاب القول الأول وإنما يقولون أنه فيه شائبة عبادة فإذن هو موضوعاً ليس بعبادة فإذا كان ليس بعبادة لا ينبغي فيه التوقف والآيات والروايات التي ذكروا إنها وردت باللغة العربية لا يمكن الاستدلال بها هنا على اشتراط العقد باللغة العربية لأن الآيات والروايات لسانهما العربي كما في سائر المعاملات وهذا لا يدل على انحصار وقوع النكاح بهذه اللغة.

أما الإجماع المدّعى في المقام فهو مستند أو محتمل الاستناد إذ يحتمل استناد هذا الإجماع إلى أصالة عدم الانعقاد أو أصالة الاحتياط في الفروج كما ذكر.

نعم الاحتياط حسن على كل حال إلا إن هذا لا يعني عدم جواز إيقاع صيغة النكاح باللغة الفارسية أو الإنكليزية أو الفرنسية مثلاً وإنما يفضل إيقاعه بالعربية أو يستحب.

وبهذا يظهر أيضاً بطلان القول الثالث الذي ذهب إلى التفصيل والذي مفاده أن النكاح يقع لكل قوم بلغتهم ولسانهم إذ بعد أن عرفت إن العمومات والإطلاقات تشمل كل ما أدى إلى النكاح بلا فرق في إجراءه بين الأقوام المختلفة واللغات المختلفة فحتى إذا كان الإنسان إنكليزياً وأجرى عقد النكاح باللغة العربية فلا إشكال في صحته وكذلك إذا كان فارسياً وأجرى عقد النكاح باللغة الإنكليزية فلا إشكال في ذلك أيضاً مادام العقد والإنشاء والتراضي موجودة.

نعم الأحوط ملاحظة العربية مطلقاً خصوصاً إذا كانت لغة العاقد لغة عربية أو كان العقد يتكلم باللغة العربية أو يتمكن من تقليد هذه اللغة.

نعم عند من يشترط وقوع الصيغة بالعربية وهو لا يتمكن من هذه اللغة فعليه التوكيل حينئذ لمن يقدر على ذلك لأن التوكيل نوع من التمكن عرفاً.

لكن في صورة عدم التمكن من اللغة العربية حتى في صورة التوكيل كما لو لم يعثر على وكيل يجيد هذه اللغة العربية فيكفي حينئذ غير اللغة العربية من الألسنة بل عن التذكرة الاتفاق هنا على الجواز مع عدم القدرة على اللغة العربية وعدم إمكان التعلم.

نعم: ينبغي أن يترجم لفظة النكاح والتزويج حينئذ من اللغة الأخرى أما في صورة عدم إمكان الترجمة فعليه أن يأتي بمعناها ويفيد معنى النكاح والتزويج.

وكذلك يضاف على معنى اللفظ المتعة بناءً على القول الذي يقول بكفاية هذه اللفظة في النكاح.

ومثل الترجمة إذا جاء بنص اللفظين مثلاً، كما لو قالت المرأة باللغة الفارسية (نكاح دادم خودم رأ به شما). أو قال الزوج (تزويج كردم شمارا). كل هذا أيضاً يصح للإطلاقات التي لم يخرج منها إلا صورة إمكان العربية إذ مادام الزوجان غير متمكنين من اللغة العربية فيصح ذلك منهما حتى ولو كان بالترجمة كما إنه يؤيد ذلك إن الظاهر كفاية العربي الغلط في صورة عدم إمكان الصحيح بل حتى في صورة إمكانه يكفي على قول فلو قال الزوج مثلاً (زوجتك نفسي) بكسر النون أو (جوزتك) كما هو المتعارف في بعض المجتمع اللبناني والسوري صح على مذهب جمع من الفقهاء منهم المرحوم السيد أبو الحسن الأصفهاني (قده) وسماحة السيد الشيرازي (دام ظله) في الفقه إذ لا دليل على لزوم صحة العربية.

نعم الاحتياط في مراعاة الصحة في اللغة العربية وكذا مراعاة حال العربي العامي مع الفارسية وإن كان العامي أقرب منه إلى العربية فلذلك إذا دار الأمر بينهما أي بين العامي وبين اللغة الفارسية كان العامي مقدماً.

ومنه أيضاً يعرف حال مختلف اللهجات مثل تبديل المصريين (الجيم) (بالكاف) فيقول بعضهم مثلاً (زوكت) بدل (زوجت).

 

   هل يشترط إجراء العقد بالماضي:

ومن الشروط: الماضوية بمعنى إيقاع العقد بلفظ زوجت وأنكحت بصيغة الماضي وفيه قولان:

القول الأول: اعتباره أي لابد من وقوع العقد بصيغة الماضي وهو المشهور بين المتأخرين واستدلوا بذلك بالاحتياط أولاً وبعد صراحة غير الماضي على وقوع العقد بين الطرفين.

والدليل الثالث إن المضارع والأمر ليسا موضوعين للإنشاء وإيجاد الاعتبار الخارجي لأن الأمر عبارة عن طلب والمضارع عبارة عن أخبار أما الإنشاء فلا يقع إلا في صيغة الماضي وحيث إنها لا يصحان تعيين الماضي لانحصار إمكان الإيقاع به من الثلاثة.

ويقابل هذا القول قول آخر وهو لم يشترط وقوع الصيغة بالماضي وهو المنسوب إلى أبن أبي عقيل (قده) من القدامى وكذا المحقق الحلي (قده) وتبعهم في ذلك المستئند والمستمسك أيضاً بلا فرق فيه بين المتعة والدوام إذ يكفي عندهم وقوع الصيغة بالمضارع والجملة الخبرية أيضاً كأن يقول أو تقول (أزوجك) أو (مزوجك فلانة) كما يصح في الطلاق (فلانة طالق) بالجملة الخبرية.

ويؤيد ذلك رواية إبان بن تغلب قال: (كيف أقول لها إذا خلوت بها ؟ قال: تقول أتزوجك متعة على كتاب الله وسنّة نبيه لا وارثة ولا موروثة كذا وكذا يوماً). إلى أن قال: (فإن قالت نعم وقد رضيت فهي امرأتك وأنت أولى الناس بها قلت فإني أستحي أن أذكر شرط الأيام – أي المدة – ؟ قال (عليه السلام) هو أضر عليك قلت وكيف قال (عليه السلام) فإنك إن لم تشترط كان تزويج مقام – أي تزويج دوام – ولزمتك النفقة في العدة وكانت وارثة).

والرواية وإن كانت واردة في باب العقد المنقطع إلا إنه قد عرفت فيما تقدم إن الاطلاقات لا تفرق بين الدائم وبين المنقطع فبناءً على هذا يجوز عند بعض الفقهاء إيقاع النكاح بصيغة المضارع.

  هل يشترط تقديم الإيجاب على القبول:

ثم هل ينبغي تقديم الإيجاب على القبول أم يستحب ذلك من باب الاحتياط الاستحبابي بل في المستند إن الأظهر الأشهر ، كما قيل بل بالإجماع كما عن المبسوط والسرائر عدم التوقف عليه فيجوز تقديم القبول وهذا هو الأقرب الذي ذهب إليه جمع من المعاصرين منهم السيد السبزواري (قده) وسماحة السيد الشيرازي (دام ظله) هذا وقد استدل القائلون بعدم تقديم الإيجاب على القبول بجملة أدلة.

الأول: الاحتياط إذ إن الفروج من الوارد المهمة في الشريعة فينبغي فيها مراعاة الاحتياط.

الدليل الثاني: ما في مستمسك العروة للسيد الحكيم (قده) من أن القبول العقدي أي ما يقابل الإيجاب الذي يقوله الزوج مختص بما يتعلق بالإيجاب الماضي فيكون معنى القبول المقابل للإيجاب هو الرضا بما جعلته الزوجة وأنشأته أما الرضا بما يجعل وينشأ فلا يكون قبولاً بالمعنى المقابل للإيجاب فلذلك لم تقدم القبول على الإيجاب يكون قبول ليس في مقابلة إيجاد بهذا المعنى.

إلا أن الظاهر إمكان المناقشة في هذين الدليلين.

أما الاحتياط المذكور فقد عرفت أن الاحتياط إنما يلتزم به في مورد عدم وجود الدليل ومع وجود الاطلاقات الكافية في المقام والتي تدل على جواز تقديم القبول على الإيجاب لا تصل النوبة إلى الاحتياط وأما ما ذكره السيد الحكيم (رضوان الله عليه) فيمكن مناقشته من جهة إنه أن أراد إن القبول الانفعال والانفعال لا يعقل أن يتقدم على الفعل لأنه ردّ فعل ؟

ففيه: إن ذلك صحيح إلا إنه في الأمور التكوينية وليس في الأمور الاعتبارية وإن أراد غير ذلك فنحتاج إلى إثبات إن المحتاج إليه في العقود كون أحدهما موجباً والآخر قابلاً بهذا الشرط والقيد الذي ذكره (قده) وعدا هذا فإن الظاهر إن الزوج والزوجة كلاهما يبيح نفسه للآخر في إطار الشرع وكما يمكن للزوجة أن تبيح نفسها لزوجها يمكن بالعكس أيضاً بأن يبادر الزوج بإباحة نفسه للزوجة فيكون قابلاً أولاً وتكون الزوجة موجبة ثانياً أو تكون الزوجة موجبة أولاً  والزوج قابلاً ثانياً.

لأن هذا من الأمور الاعتبارية، والأمور الاعتبارية خفيفة المؤنة والعقود إنما تتبع القصود في هذه الصورة وعليه فلا يلزم من هذا الكلام ما يخل بالعقد أو يخل بوقوعه حينئذ.

هذا وقد ذهب المستند إلى وجوب أن يكون الإيجاب من جانب الزوجة والقبول من جانب الزوج إذن لا يصح وقوع الإيجاب من الزوج والقبول من الزوجة.

واستدل لذلك بدليلين.

الأول: قال أن الزوجة هي التي تأخذ العوض أي المهر فإذا كانت هي التي تأخذ العوض إذن تكون هي الطرف الموجب ،والذي يدفع العوض الطرف الآخر هو القابل ولا يمكن العكس.

الدليل الثاني: الأخبار إذ ما ورد في الأخبار يدل على إن المرأة هي الطرف الموجب  والرجل هو القابل ومقتضى القاعدة العمل بمقتضى النص والا كان اجتهاداً في مقابله.

إلا إن الظاهر أحكام المناقشة في هذين الدليلين أيضاً.

أما الدليل الأول: فلإمكان القول بأن العقد يقوم على ركنين هما:

الزوج والزوجة والمهر ليس ركناً في العقد بل هو أمر تشريفي جعله الشارع إكراماً للمرأة وليس بركن حتى أن المرأة هي التي تأخذ العوض أو ما أشبه ذلك ولذلك يصح وقوع العقد حتى وإن لم يسمّ المهر أو يذكر المهر فلذا أفتى الفقهاء بأن العقد إذا لم يذكر فيه المهر ينصرف إلى مهر المثل وأما الأخبار التي استدل بها فهي من باب المصداق إذ في الغالب تكون الزوجة هي طرف الإيجاب والزوج هو طرف القبول وعليه فلا تدل على الانحصار ويؤيده – أي جواز تقديم كلام الزوج على الزوجة ما في صحيحة زرارة في قصة تزويج آدم وحواء (عليهما السلام) حيث قال سبحانه لآدم: (قد زوجتكما فضمها إليك فقال آدم إليّ فأقبلي).

ونلاحظ إن هذه الرواية تقدم القبول على الإيجاب كما رواه الحر العاملي في كتاب الوسائل في مقدمات النكاح.

ومن الروايات التي تؤيد ذلك أيضاً رواية الهاشمي في تزويج خديجة (عليها السلام) من رسول الله (صلى الله عليه وآله) حيث قالت خديجة: (قد زوجتك يا محمد نفسي والمهر عليّ في مالي وذلك بعد أن خطب أبو طالب إلى عمها وتلجلج العم).

وهذه الرواية ظاهر أيضاً في إن في الخطبة كانت هي (عليها السلام) طرف القبول وكأنه تضمنت الخطبة دلالة القبول، وبعد ذلك قالت خديجة: (قد زوجتك يا محمد نفسي).

وفي رواية البغدادي في جواب أبي عبد الله (عليه السلام): (أنكحنا خاطبكم على أن لها من الصداق ما ذكرتم) وقد روى هذه الرواية الكليني (رضوان الله عليه) في الكافي تتضمن معنى تقدم القبول في ضمن الخطبة على الإيجاب.

  تفريعات:

وهنا تفريعات:

التفريع الأول: إن الأحوط أن يكون الإيجاب من جانب الزوجة والقبول من جانب الرجل وإن كان الأقوى جواز العكس لتقوّم الزوجية بالإثنينية سواءً قالت المرأة للرجل (زوجتك نفسي) أولاً ثم قال الرجل (قبلت).

وقد استعمل القرآن كلاً منهما فقال تعالى: ((وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ)) وقال تعالى: ((حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ)).

فنسب هذا النكاح إلى المرأة لا إلى الرجل.

و الأحوط استحباباً أن يكون القبول بلفظ (قبلت) لأنه حقيقة في المعنى والاقتصار في كلام جماعة عليه وللاحتياط ولا يبعد كفاية (رضيت) وغيره من الألفاظ التي تدل على القبول فإذا قال أحدهما (أنكحتك نفسي) وقال الآخر (رضيت) كفى.

ولا يشترط في ذلك ذكر المتعلقات فيجوز الاقتصار على لفظ (قبلت) و (رضيت) وما أشبه ذلك.

ولا يشترط ذكر المتعلقات لا في طرف الإيجاب ولا في طرف القبول للأصل أي أصالة عدم الاشتراط بعد تحقيق النكاح المجرّد من المتعلقات وغيرها لذلك يجوز الاقتصار على لفظ (قبلت) في القبول من دون أن يقول (قبلت النكاح إلى نفسي أو موكلي بالمهر المعلوم).

وهذا ما نسبه السيد الحكيم (قده) إلى الإجماع.

كما إن الأقوى كفاية الإتيان بلفظ الأمر كأن يقول (زوجني فلانة) فيقول (زوجتكها).

وذلك لصدق الاطلاقات عليه وهذا ما اختاره الشيخ أبن زهرة وأبن حمزة والمحقق في الشرائع (قدسه أسرارهم) ويدل عليه خير سهل الساعدي الذي رواه الخاصة والعامة بل في المسالك أنه المشهور بين الفريقين ورواه كل منهما في الصحيح (أن امرأة أتت رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقالت يا رسول الله وهبت نفسي لك وقامت قياماً طويلاً فقام رجل وقال يا رسول الله زوجنيهاإن لم يكن لك فيها حاجة ؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) هل عندك من شيء تصدقها إياه ؟ فقال: ما عندي إلا أزاري هذا فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) إن أعطيتها أزارك جلست لا أزار لك التمس ولو خاتماً من حديد فلم يجد شيئاً فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) هل معك من القرآن شيء ؟، قال: نعم سورة كذا وسورة كذا – السور التي سمّها – فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) زوجتك بما معك من القرآن) وفي صحيح محمد بن مسلم المروي في الكافي والتهذيب قال: (جاءت امرأة إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فقالت زوجني، فقال (صلى الله عليه وآله) من لهذه ؟ فقام رجل فقال: أنا يا رسول الله زوجنيها  فقال (صلى الله عليه وآله) ما تعطيها؟ فقال مالي شيء، قال (صلى الله عليه وآله) لا، فأعاد رسول الله الكلام فلم يقم أحد غير الرجل، ثم أعاد، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) في المرة الثالثة أتحسن من القرآن شيئاً ؟ قال الرجل: نعم، قال (صلى الله عليه وآله) زوجتكها على ما تحسن من القرآن فعلمها إياه).

وحيث ليس شيء من طرق الحديث، إن الرجل أعاد القبول كما هو ظاهر الرواية لأن الرجل قبلها من دون أن يعيد القبول فيستفاد منه إن قوله كأن قبولاً مقدماً على الإيجاب كما ذكره الجماعة.

وقد تقدم أنه يصح أن يكون إيجاب لعدم لزوم كون الإيجاب من المرأة وعلى كل حال فالأمر كاف سواء كونه قبولاً أو إيجاباً، هذا ما ربما يستظهر من مثل هذه الروايات.

 

  هل يكفي الكتابة في العقد ؟

التفريع الثاني: لا يكفي في الإيجاب والقبول الكتابة كما هو المشهور بل استدل له بالاحتياط والإجماع على اعتبار اللفظ وبما في جامع المقاصد إن الكتابة كناية ولا يقع النكاح بالكنايات إلا إن في مقابل المشهور هناك قول آخر بكفاية الكتابة وهو الذي ذهب إليه السيد الشيرازي (دام ظله) في الفقه والسيد السبزواري (قده) في المهذب.

قال السيد السبزواري (رضوان الله عليه) مقتضى اعتبار المبرز الخارجي في العقود كفاية الكتابة واللفظ إنما يكون إحدى طرق الإبراز لا الحصر لذلك قد تكون الكتابة أوثق من اللفظ.

ولكن ظاهر الفقهاء الاتفاق على عدم الكفاية ولعل عدم التصريح بكفايتها في النصوص وكلمات القدماء. لقلة وجود الكتابة عند متعارف الناس في العصور السابقة.

أم لو أصبحت من الموارد المتعارفة فالظاهر الكفاية ولذلك أشكل سماحة السيد الشيرازي (دام ظله) على الأدلة التي ذكرت للمشهور.

إذ قال (دام ظله) أما الاحتياط فلا مجال له بعد شمول دليل العقد فإذا كتب البيع ونحوه صدق عرفاً أنهما عقدا وليست المعاهدات الدولية المبرقة بالكتابة إلا قسماً من العقود.

أما الإجماع على اللفظ فهو محتمل الاستناد.

وكلام جامع المقاصد مخدوش صغرى وكبرى فبناء على هذا فإن القول بالكفاية ليس بالبعيد إلا إن سماحة السيد (دام ظله) قال: إن الفتوى به مشكلة جداً.

نعم يستثني من ذلك الآخرس فإنه لا إشكال إن الآخرس إذا كتب يكفي في وقوع العقد منه لأن الإشارة منه تكفي في وقوع الإيجاب والقبول كما ذهب إليه جمع من الفقهاء وذلك إذا أشرّ وقصد الإنشاء.

بل الظاهر إنه لا خلاف فيه حتى في صورة قدرته على التوكيل حيث قالوا بكفاية إشارته.

ويؤيده محتوى ما ورد في الطلاق.

ففي صحيح البزنطي عن الرضا (عليه السلام) في الأخرس الذي لا يكتب ولا يسمع كيف يطلقها ؟ قال (عليه السلام): (بالذي يعرف به من أفعاله).

ويظهر من إطلاقها عدم الفرق بين الخرس الدائم والمؤقت.

كما إنه إذا انعقد لسانه لمدة من جهة مرض ونحوه فلا إشكال أيضاً فيه، ومثله الكلام فيما لو كان الولي للطفل  أخرس وأراد زواجه إذ الإشارة إذا كانت كافية فكفاية الأخرس أيضاً تكون كافية. وهناك تفريعات أخرى في هذا المجال لا يسعنا المقام لبيانها.