المادة: فقه المجتمع
mp3:
الملف: Microsoft Office document icon 046.doc

المبحث الرابع في أحكام التعارض بين مصالح الجيران

حيث يتعارض فيها دليلان أحدهما يقول الناس مسلطون على أموالهم وأنفسهم والثاني يقول بلا ضرر فكما لو أراد الجار أن يتصرف بملكه من دار أو محل تجاري أو مزرعة لتأمين مصالح فيبني البناء أو يقيم جداراً أو يحفر بئراً فإن مقتضى الأصل هو السلطنة وأنه له حق فيه لأنه مسلط على ذلك الملك لكن يسبب هذا التصرف تضرراً للجار فهل تبقى السلطنة حينئذٍ فيجوز له العمل بذلك وإن سبب ضرراً للجار أم يحكم بتقدم دليل لا ضرر فيمنع عن سلطنة المالك وكذا الكلام فيما لو أراد الجار أن يمارس بعض الأعمال المسببة للضرر لجيرانه بتعسف باستعمال الحق فيبني داره عالياً فيسد النور والهواء والمنظر الجميل على جاره أو يرفع جداره أمام دار الجيران بحيث يمنع اشراف هذا الدار على البحر أو على الغابة أو على الحديقة وما أشبه ذلك ومثله كذلك فيما لو أراد أن يوجد أصواتاً مزعجة للجيران بسبب رحى أو معمل أو ارتفاع أصوات المذياع أو التلفزيون. أو يقيم احتفالات تضر أصواتها أو تجمعاتها بالجيران أو تكون له السيارة فيوقفها أمام بيت الجار بحيث تمنع عنهم الطريق وما أشبه ذلك ومثله أيضاً أن يوجد معملاً يسبب اهتزاز جدار الجيران أو يوجب التعفن بسبب الدبغ واحراق النفايات إلى غير ذلك من أعمال وتصرفات مقتضى الأصل الأولي فيها أن الإنسان مسلط في التصرف عليها لأنها ماله فيجوز له التصرف فيها لكن لو تعارضت هذه مع الإضرار بالجيران فحينئذٍ ينبغي البحث فيها في أي الدليلين يتقدم في المسألة هنا أقوال متعددة:

القول الأول: وهو ما ذهب إليه جمع من الفقهاء ومنهم العلامة في التذكرة والشهيد في الدروس والسيد علي الطباطبائي رضوان الله عليه في الرياض وغيرهم حيث قالوا بتسلط الإنسان على التصرف في داره وإن أضر ذلك بالجار وهذا هو المحكي عن الشيخ وفي القواعد صرح بأن لكل منهم التصرف في ملكه بما شاء وإن تضرر صاحبه وأنه لا ضمان عليه ولو جعل بيته بيت حداد أو قصاب أو حمام على خلاف العادة وعن التذكرة أنه قال والأقوى أن لأرباب الأملاك التصرف في أملاكهم كيف شاءوا فلو حفر في بيته بئر بالوعة وفسد بها ماء بئر الجار لم يمنع منه ولا ضمان ولكنه يكون قد فعل مكروهاً ومثل له أيضاً لو دقّ شيئاًَ في داره دقاً عنيفاً ينزعج منه جدار الجار أوحبس الماء في ملكه بحيث تنتشر منه النداوة لحيطان الجار أو اتخذ داره مدبغة  أو حانوته مكبسة حيث لا يعتاد وكذا البحث في إطالة البناء ومنعه الشمس والقمر وتبعه في ذلك في الدروس.

القول الثاني: وهو للكفاية حيث قال أن تصرف المالك في داره أو أرضه إذا سبب تضرراً فاحشاً للجار يمنع منه لأدلة نفي الضرر والضرار في الإسلام ودليل نفي الضرر من الأحاديث المعمول بها بين الخاصة والعامة والمشهور بينهم.

القول الثالث: ما قاله في الجواهر وهو التفصيل بين ما كان بفعله يتولد الضرر على الجار فيمتنع وبين ما لو كان تصرفه في حال لا توليد له للضرر بل كان الضرر مقارناً لذلك فإنه في هذه الصورة لا يمنع، قال والمسألة لا إجماع فيها إجماعاً مطلقاً فلا مانع عن التفصيل وعليه فإنه يستظهر من تفصيل الجواهر بين ما إذا كان تصرف الجار في ملكه سبباً مباشراً للأضرار لجاره فيمنع لدليل لا ضرر وأما إذا كان تصرفه لا يسبب ضرراً مباشراً إلى الجار فإنه لا يمنع عملاً بقانون السلطنة ولعل هذا ما يستظهر من المالك أيضاً حيث فرق بين التصرف الذي يضر بحائط الجار فقال بالمنع وبين التصرف الذي لا يسبب ذلك كمثل حفر البالوعة التي تفسد ماء بئر الجار بها فقال بالجواز وكأن مرجع ذلك إلى التسبيب المباشر وعدمه.

القول الرابع: وهو لسماحة السيد الشيرازي في الفقه هو التفصيل بين الاضرار لأن الاضرار تختلف بنظر العرف فالأضرار على نحوين بعض الأضرار يتسامح في مثلها العرف لأنها اضرار بسيطة أو تكون ملازمة للتصرفات العادية للجيران وهذه لا تمنع من سلطنة الإنسان على ماله. والتضررات الكبيرة غير المتعارفة لا يتسامح فيها العرف مثل إذا سبب تصرف الجار في ملكه الضرر بجاره فيمنع لدليل الضرر والأول ما كان متعارفاً وعليه السيرة مثل بكاء الطفل المانع من نوم الجار وإخراج الرواشن والشبابيك المطلة على بيت الجار وسراية شيء قليل من النداوة من حديقة الجار على جاره فإن مثل هذا القدر متعارف بين الجيران خاصة البيوت الملاصقة لبعضها فلا يشملها دليل لا ضرر لانصرافه عن مثلها بل جواز التزاحم في الحياة اليومية كما تتزاحم السيارات في الطريق ويتزاحم الناس في الشارع أو تتزاحم المشاة الأسواق فكذلك قد تتزاحم بعض الاضرار بين الجيران المتلاصقة بيوتهم بل قد يقال أن هذا حتى لو كان من الضرر فإنه ضرر متدارك بفوائد الجار من تحصيل الأمن واعطاء الحاجة والأنس والعناية والرعاية بل هو قد يقال أنه من حقوق الجيرة الذي القدر المتيقن منها تحمل الجار في مثل هذه الأضرار خصوصاً وأنها مقابلة بالمثل أيضاً فإن هذا الجار يتأذى أيضاً ببكاء طفل جاره وبالعكس فإذن القضية ليست من طرف واحد بل طرفينية ولذلك في العرف يتسامح في مثلها فيقال بتقدم قانون السلطنة على قانون لا ضرر فلا يمنع المالك من التصرف وأما القسم الثاني وهو الضرر غير المتعارف كإزعاج حيطان الجار وصدعها بشدة الدق العنيف أو إفساد ماء بئره بسبب البالوعة أو تسريب الرطوبة كثيراً بسبب الحديقة هذا التصرف ممنوع بسبب دليل لا ضرر الذي يشمل هذه الموارد بلا اشكال إضافة إلى قول الصادق (عليه السلام) أن الجار كالنفس غير مضار ولا آثم) مضافاً  الى روايات التوصية بالجار التي ظاهر بعضها الوجوب فتنافي مثل هذه الأضرار والظاهر قوة هذا القول إذ ما يذكر من أدلة للأقوال الأخرى أنها محل نظر أما القول الأول وهو الذي ذهب إلى الجواز وعدم منعه من التصرف به وإن سبب ضرر للجار فإنه استدل بأدلة:                 

الدليل : الأول قانون السلطنة

الثاني : قال بأصالة الجواز

 الثالث:  قال لو لم يجز لم يصح لإنسان أن يفتح دكاناً إلى جانب دكان آخر لأنه يوجب ضرره حيث ينقسم المشترون إليهما وذلك ضرر للأول مع أن ذلك جائز ضرورة.

وبأنه إذن ما يصنع صاحب الحديقة في داره والمحتاج إلى البالوعة والى الدق وإلى الرحى المزعج وإلى المقصب للحيوانات وإلى القصارة ونحوها فإن هذه من لوازم الحياة التي يحتاجها الملاك في التصرف بأملاكهم ولا مجال للمنع من هذا.

 الدليل الرابع : السيرة على وجود مثل هذه الأضرار في المدن وفي المناطق السكنية والأحياء وما أشبه ذلك .

 هذه مجموعة الأدلة التي استدل بها القائلون بالقول الأول الا ان هذه الأدلة محل نظر  .

إذ أنه يرد على الدليل الأول بأن دليل السلطنة أولي ودليل الضرر ثانوي وتقدم غير مرة من أن الحكم الثانوي يقدم على الحكم الأولي وبذلك أيضاً يظهر الجواب على أصالة الجواز لأن أصالة الجواز هي مقتضى الأصل الأولي ، لكنه إذا تعارض مع دليل الضرر الذي هو حكم ثانوي فيتقدم عليه الضرر وأما الأمثلة التي ذكرت فقد تبين الجواب عنها من تقدم دليل لا ضرر على السلطنة  ، نعم في بعض الأحيان يلزم التزاحم بين السلطنة وبين الضرر بحيث يكون منع المالك من التصرف في داره هو ضرر أيضاً على المالك يستلزم عسراً وحرجاً عليه لكنه لو تصرف الجار يسبب ضرراً عليه أيضاً فيدور الأمر بين ضرر المالك وضرر الجار والمسألة في هذه الصورة لها صور.

الأولى: أن يتعارض ضرران متساويان بينهما ففي هذه الصورة يتقدم قانون لا ضرر لأن التصرف مستلزم ضرراً بالجار  فيكون حراماً لحرمة الاضرار مطلقاً فضلاً أنه من مصاديق الظلم قال سماحة السيد الشيرازي إذا تعارض ضرر الإنسان وضرر جاره وكان الضرر متساوياً كما إذا دار الأمر بين جفاف حديقته وفساد سرداب جاره فاللازم تقديم ضرر النفس على ضرر الجار لأن ضرر الجار يمنعه لا ضرر والظلم فيتقدم على لا ضرر النفس بل هذا من مرتكزات العقلاء قبل بيان الشارع إلا أن المشهور الذي ذهبوا إلى جوازه لاحظوا الضرر القليل بالنسبة إلى الجار لا الكثير.

الثانية: أن يتعارض ضرر الإنسان مع ضرر جاره مع كثرة ضرر الإنسان كما إذا دار الأمر بين جفاف بستانه ما قيمته ألف دينار مع بلل سرداب جاره مما قيمته عشرة ففي هذه الصورة يتقدم تصرف الإنسان في ملكه دفعاً للضرر الكثير في مقابل الضرر القليل وحينئذٍ يجمع بين الحقين بأن يقال بأن المالك حينما سبب ضرر ولو قليلاً بالنسبة إلى جاره بالقياس إلى منافعه فإنه عليه الضمان لأن دليل لا ضرر دليل امتناني فكما يمتن على صاحب السلطنة ويجيز له التصرف لا يعقل أن لا يمتن على هذا الجار الذي يتضرر فمقتضى الجمع بين الحقين أن يقال لصاحب الدار أن يتصرف وعليه أن يضمن للمتضرر قيمة ما أضر به.

الصورة الثالثة: وهي فيما إذا كان الضرر الذي يقع على صاحب السلطنة أقل من الضرر الذي يقع على الجار فإنه في هذه لصورة تقدم دليل لا ضرر على السلطنة واضح، ولعل القائلين بالجواز أرادوا الضرر القليل الذي يتسامح فيه الناس عادة لهذا يمكن أن نرجع الأقوال طراً إلى ما ذكره سماحة السيد من التفصيل بين الاضرار المتسامح بها والاضرار غير المتسامح بها.

إذ قد عرفت أن الضرر الكثير لا يمكن أن يصحح بمثل دليل السلطنة ونحوه ولعل عدم الحق في الضرر الكثير يعد من الضروريات ومن ذلك يعرف أنه يحق للدولة المنع عن العمل الموجب للضرر الكثير كما هو مقتضى سيرة المتشرعة والعقلاء على ذلك كما لو كان دكان الخباز يوجب كثرة حرارة الجار مما يفقدها عن الانتفاع أو جعل المحل مدبغة يوجب الأمراض أو بناء الأبنية الرفيعة بما يوجب حجب الهواء والنور أو نصب معملاً بحيث يوجب خراب حيطان الجيران أو يزعج الجار بصوته وما أشبه ذلك. بل حتى مثل بناء الحمام والمغتسل لانزعاج الجيران من أصوات المشيعين وأصوات الباكين أو تأثير الرطوبة والحرارة المتزايدة في بيوت الجيران أو الدخان المتصاعد من الاتون أو التنور أو ما أشبه أو كثرة الضجيج الناشيء من المقهى أو المنتزه أو الكازينو أو محل الاحتفالات التي تسبب أذى للجار وتسبب الأضرار فإن في مثل هذه الموارد لا يجوز لصاحب السلطنة التصرف إذا سبب مثل هذه الاضرار.

 نعم إذا كانت الاضرار بنحو قليل بحيث يتسامح ويتعارف عند العرف ففي مثل هذه الصورة يجوز وأما الأضرار الناشئة من اقدام الناس على بعض الأعمال أو شراء بعض الأملاك في موارد موضوعة للضرر أو ملازمة للضرر ففي مثل هذه الصورة لا يمنع صاحب السلطنة من التصرف كالبيوت والنباتات الواقعة على الطرقات العامة والشوارع المفتوحة فإنه لا اشكال أن كثرة السيارات المارة في الشوارع تسبب التأثير على حيطان البيوت وما أشبه ذلك وتزعج أهلها بصوتها وتزعجهم بإثارة الغبار والتراب على أصحابها فإن ذلك من الأمور المتعارفة للدور كما كان سابقاً بالنسبة إلى الدور المحتفة بالطرقات التي تمر عليها الدواب والقوافل وما أشبه ذلك فإن أمثال هذه البيوت مما يتعارف أنها تصاب بالاضرار بسبب أنها واقعة على الطريق العام فحينئذٍ لا مجال لأهل هذه الدور أن يمنعوا المرور في هذه الشوارع أو مرور السيارات وما أشبه ذلك لأنها تلازم الضرر عادة.

نعم بالنسبة إلى الدولة ينبغي عليها أن تخرج المنافع العامة كالمصانع والمعامل والمطارات ومواقف السيارات وما أشبه ذلك التي تسبب اضراراً بالناس وتزعجهم ينبغي عليها أن تجعل لها محلات خارجة عن الدور السكنية وعن المجتمعات السكنية جمعاً بين الحقين.

المسألة الثانية: في تعارض السلطنة مع ضرر الجار في البساتين والمزارع والحدائق ونحو ذلك فمثلاً إذا زرع الإنسان أرضاً أو بستاناً ثم امتدت الجذور إلى بستان الغير أو إلى أرضه فنمت هذه الجذور فصارت شجرة فالكلام يتم فيها بأربع صور.

الصورة الأولى: الظاهر أن الشجرة تكون لكليهما لأنها حاصلة من الجذور ومن الأرض فلا وجه لما اشتهر بينهم من أن الزرع للزارع وهو يكون غاصباً فإن الزرع حاصل من البذر والأرض ولذا فإن الماء لو كان لثالث كان هو أيضاً شريكاً بقدره.

الصورة الثانية: إذا لم يكن امتداد الجذر بعلم صاحب الجذر وعمده وكان ما حصله من الشركة في الشجرة ليس أقل من حقه عند تقسيم الشجرة بين صاحب الجذر وصاحب الأرض لم تكن لصاحب الجذر أجرة على صاحب الأرض لعدم أمره بالزرع وعدم استفادته من مال غيره والمفروض أن ما يحصله في الشركة بقدر حقه.

وعليه فيكون أحدهما أخذ شيئاً من التراب وأعطى شيئاً من الجذر وليس لصاحب الأرض حقان فيكون له أجرة ويكون له بعض الشجرة أيضاً وأما إذا كان بعلم صاحب الجذر وعمده كما لو زرعه على حافة الحد بين البستانين مع علمه بأن هذه الأشجار من قبيل الأشجار التي تمتد بجذورها في أطناب أرض الجار ففي مثل هذه الصورة يكون ما حصله صاحب الأرض أقل من حقه فحينئذٍ لصاحب الأرض على صاحب الجذر التفاوت بين ما حصله صاحب الأرض من الشجرة وبين الأجرة، فمثلاً إذا كانت الشجرة تساوي ديناراً وقال المقوم الخبير أن نصفها لصاحب الأرض وكانت أجرة أرضه ثلاثة أرباع الدينار فإن الواجب على صاحب الجذر اعطاء ربع دينار لصاحب الأرض لأن صاحب الجذر بعمده فوّت على صاحب الأرض ثلاثة أرباع الدينار وحيث حصل صاحب الأرض على نصف دينار من الشجرة بقي له ربع دينار، ومن الواضح أن يتفاوت حق الأرض وحق الجذر فربما تكون الأرض غالية الثمن مما لا يكفي حصتها من نصف الشجرة لأجرتها وربما تكون الأرض رخيصة حتى أن بعض الشجر الذي يحصله صاحب الأرض يكون أكثر من قيمة أجرة أرضه.

الثالثة: هل لصاحب الأرض قلع الجذر مطلقاً سواء كان صاحب الجذر عالماً عامداً أم لا ؟ احتمالان:

الأول: جواز القلع وذلك لقاعدة السلطنة وللخبر المروي عنه (صلى الله عليه وآله) (ليس لعرقٍ ظالمٍ حق) بالتنوين فعلى المعنى الأول أي لعرق إنسان ظالم وعلى الثاني يكون المعنى لعرق تعدى حده ووصل إلى بستان الجار من باب الوصف لحال المتعلق الموصوف مجازاً.

الاحتمال الثاني: أن يقال بالتفصيل بما إذا كان صاحب الجذر عالماً عامداً فحينئذٍ يجوز قلع شجره لأنه قد تعدى في ذلك وتصرف في حق الغير أو في ملكه من دون إذنه فيجوز لصاحب البستان أن يقلع هذا الجذر إذا لم يسبب لمالكه ضرراً بالغاً لأنه لو سبب له ضرراً بالغاً أكثر من الضرر الذي نزل به فحينئذٍ مقتضاه الجمع بين الحقين لأنه مقتضى العدل والانصاف فإنه إما يقلع ويضمن له مقداراً من التفاوت أو ما أشبه ذلك أو يتم التراضي بينهما على شيء والتصالح فإن دليل السلطنة لا يجري في الاضرار بالغير كما عرفت كما أن الحديث يقول ليس لعرق ظالم حق أو ليس لعرقٍ ظالمٍ حق أن الظلم يتحقق مصداقاً في صورة العلم والعمد لا في صورة الجهل وأما الحديث العلوي المروي فظاهر في قضية طبيعية أي أن الحجر يسبب الخراب لا أن الحجر له الحق في التخريب مطلقاً حتى لو كان الواضع جاهلاً فإنه غير ظاهر في هذا المعنى خصوصاً ما إذا أدى التخريب إلى الاضرار الكبيرة ومن ذلك يعرف أيضاً لو امتدت جذور الأغصان إلى عين غيره أو بئره وشرب هذا الجذر الماء باختيار صاحب الجذر كان على صاحب الجذر ما خسر صاحب الماء لأنه اتلف ماله فعليه دفع البدل ويبقى الجذر لصاحبه وأما إذا نمى الجذر بسبب هذا الماء فالظاهر حينئذٍ اشتراكهما بالنسبة أي يرجع إلى أهل الخبرة فيعينوه كم لهذا الجذر لصاحبه وكم منه لصاحب الماء لأن ذلك من موارد الشركة القهرية هذا بالنسبة إلى الجذر وأما بالنسبة إلى الأغصان أو نفس الشجرة إذا امتدت كما إذا انحرفت فاخترقت بستان الجار أو اخترقت داره وسواء كانت الأغصان أوجدت الظل لدار الغير مما يتضرر به أو كانت الأغصان زاحمت داره أو بستانه أو طريقه بأخذها بعض المساحات من الدار أو من الفضاء أو من الطريق فإنها تنافي قاعدة السلطنة فتكون ضارة أو كانت الأغصان سبباً لصعود الأطفال عليها والاشراف على داره وأهله أو غير ذلك من أنواع الاضرار المنافية للسلطنة فدليلها يعطي المتضرر حق قطع الأشجار حينئذٍ.

 نعم: إذا كانت الشجرة بنفسها لم تخترق دار الجار بأن كانت في داره ولكن الظل يسري إلى دار الجار أو بستانه فإنه ليس للجار حق القلع لأن الظل بنفسه ليس خلاف دليل لا ضرر ولا دليل السلطنة إلا في موارد يطلق عليها ضرر كبير كما لو منعت عنه الأشجار ضوء الشمس أو نور النهار أو ما أشبه وعلى هذا فالأغصان في هذه المسألة على أربعة أقسام.

لأنها إما خلاف السلطنة وإن لم تضر كما إذا كانت ذات ظل مطلوب على دار الجيران فالجار لا يريدها فإذن له حق قطعها لقاعدة السلطنة وأما خلاف دليل لا ضرر وإن لم تكن خلاف السلطنة كما إذا كانت الرياح تهب فتوسخ داره من أوراق الأغصان وإن لم تكن مطلة على داره فإن دليل لا ضرر الجار يعطي له حق قطع تلك الأغصان واما أنها ليست ضارة بنفسها ولا خلاف السلطنة ولكن يستغلها اللص للقفز في داره أو يقصدها الأطفال فيرمونها لأجل ثمرها فتأتي الأحجار إلى داره فتضر بأهله أو بنائه أو ما أشبه فإن له قطعها باعتبار أن الضرر متوجه اليه بسببها والضرري غير مجعول كما عرفت إذن المدار على ذلك كله بتحقق الضرر بالجار فإنه إذا صدق عليه عرفاً أنه ضرر يتقدم على قانون السلطنة وهنا تفريع وهو أن الأشجار إذا سببت ظلاً زائداً على مقدار حريم الأشجار فجاء إنسان وزرع في ذلك الظل مما يسبب قطع الأغصان تضرر الزرع بالشمس ونحوها فهل لصاحبها القطع الظاهر الجواز إذ الناس مسلطون شامل لصاحب الأغصان إذا كان القطع فيه ضرر بالغ علم من الشرع عدم إرادته فاللازم الجمع بين الحقين بقدر الامكان ومثله مثلاً ما إذا ذهب رئيس الشرطة من هذه المحلة فصارت معرضاً لسرقة اللصوص حيث لا يوجب ذلك بقاء رئيس الشرطة إذ الناس مسلطون نعم إذا كان قلع الأغصان به موجباً لضرر الجار لأن القلع يكون بآلة توجب تحطم حيطان الجار كما في هدم الدار بالمعول الذي يوجب تحطم دار الجار لم يجز ذلك لأن عمل القالع سبب لذلك ، فاللازم تحمله الضرر حينئذٍ جمعاً بين الحقين ولذا لم يكن بأس بهدم الإنسان حائطه المتوسط بين داره ودار جاره مما يوجب كشف دار الجار لأهالي هذه الدار الثانية فإنه لا يؤمر بعدم الهدم لأنه ضرر على جاره بل هو مسلط فيتمكن أن يهدم وحينئذٍ يكون على جاره ستراً لحفظ داره عن أعين الناس.

 

  • المبحث الخامس: في أحكام التعارض بين الجيران وفيه مسائل:

المسألة الأولى: يجوز إخراج الرواشن والأجنحة الى الطرق النافذة إذا كانت عالية لا تضر بالمارة ولو عارض فيها مسلم على الأصح والمقصود من الرواشن هي النوافذ التي تجعل للغرفة إلى الطريق لاكتساب النور والهواء وأشعة الشمس ونحو ذلك والأجنحة هو ما يخرج من البناء عن الحائط ويبنى عليه والمقصود من الطرق النافذة هي الطرق التي تتصل بغيرها من الطرق بعكس الطرق المسدودة قال في القواعد يجوز اخراج الرواشن والجناح ووضع الساباط واستجداد الأبواب ونصب الميازيب في الطريق النافذة مع انتفاء ضرر المارة وان عارضه مسلم وفي السرائر أن المسلمين من عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى يومنا هذا وهي سنة السبع وثمانين وخمسمائة لم يتناكروا فيما بينهم ذلك وفي الجواهر أن السيرة المستمرة في سائر الأعصار والأمصار من زمان النبي (صلى الله عليه وآله) إلى يومنا هذا جارية عليه وقد وضع هو (صلى الله عليه وآله) ميزاباً لدار عمه العباس.

 بل هي كذلك بلا حاجة إلى إذن من حاكم أو غيره ويدل على ذلك الكتاب والسنة والاجماع والعقل كما استدل له بالسيرة كما عرفت أما من الكتاب فآيات الحل وآيات التسخير واما من السنة فقسم كبير من الروايات والروايات التي تدل على المنع محمولة على الضرر جمعاً بين الأدلة فمن الدعائم عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال من أراد أن يحول باب داره عن موضعه أو يفتح معه باب غيره في شارع مسلوك نافذة فإن ذلك له إلا أن يتبين أنه في ذلك ضرراً بينا وإن كان في رائقة سكة غير نافذة لم يفتح فيه باباً ولم ينقله من مكانه إلا برضا أهل الرائقة وعن الصادق (عليه السلام) أنه نهى عن اخراج الجدار في طريق المسلمين قال من اخرج جدار داره إلى طريق ليس له فإن عليه رده إلى موضعه وقد ذكر صاحب الوسائل أنه ذكر جماعة من علمائنا منهم العلامة والشهيد الثاني أنه لا بأس باخراج الرواشن والأجنحة إلى الطرق النافذة إذا كانت لا تضر بالمارة واتفاق الناس عليه في جميع الأمصار والأعصار بلا نكيرعليه وسقيفة بني ساعدة وبني النجار أشهر من الشمس في رابعة النهار .

وقد كانت في المدينة في زمن النبي (صلى الله عليه وآله) ومتقضى القاعدة صحت كل ما لا يضر بالمارة من المبازيب والسراديب والرواشن والأجنحة والأعمدة تحت السقوف والبلاليع والسواقي تحت الأرض والأنابيب تحت الأرض والأرصفة والحدائق والأشجار وأعمدة الكهرباء والهاتف والأنهر والمداخن وأنابيب الماء الملتصقة بالحيطان وغيرها مما هو كثير وذلك لأصالة الإباحة الثابتة شرعاً وعقلاً إلا ما كان فيه ضرر على الجار أو على الغير فإذا كان ضرر لم يجز كل ذلك لدليل لا ضرر الحاكم على الأدلة الأولية وعليه فإن أصالة الإباحة والحل تدل على جوازان يتصرف الجار بذلك. والسؤال هنا هل يحق للجار الآخر أن يعترض على هذا فيه قولان:

الأول: وهو لصاحب الجواهر رضوان الله عليه وتبعه سماحة السيد الشيرازي دام ظله في الفقه إذ قالوا بعدم المنع وذلك لعدم ثبوت حق له في المعارضة لما عرفت من استمرار السيرة المعتضدة بالفتوى على فعل ذلك وعدم الالتفات إلى المعارض.

والقول الثاني وهو الجواز وهو المنسوب إلى الشيخ رضوان الله عليه في الخلاف والمبسوط حيث صرح أن لكل مسلم منعه لأنه حق للمسلمين وعنه لو سقط شيء منه ضمن وهو يدل على عدم جوازه إلا بشرط الضمان لأنه لا يملك القرار فلا يملك الهواء إلا أنه في هذه الوجوه المذكورة ما لا يخفى من النقاش لقيام النصوص والسيرة على خلافها وهذا يكفينا في الرد.

 نعم إذا كان مضراً بالآخرين منع بلا اشكال لأدلة الضرر الحاكمة على الأدلة الأولية حتى على مثل أصالة الحل والإباحة وهو ما صرح به في الجواهر والملاك من اعتبار عدم الضرر على المارة والمرجع في التضرر وعدمه هو العرف ويختلف في الطريق سعة وضيقاً على ما بينه الفقهاء في محله ولو فتح الجناح أو النافذة على الجار وتضرر الجار هل يمنع منه أو لا ؟ .

قولان في المسألة الأول هو المنسوب إلى التذكرة قال لو تضرر جاره بالإشراف فالأقرب هو المنع لأنه قد حصل به الضرر بخلاف ما لو كان الوضع في ملكه فإنه لا يمنع حتى لو حصل الضرر و في المسالك قال : أنه لا سيرة به كما إذا وضعه في ملكه واستلزم الأشراف عليه فإن المحرم التطلع عليه لا البناء المشرف عليه.

 القول الثاني: للفقه حيث قال باختلاف الموارد إذ الاعتبار أن يرى العرف حق السابق سواء كان ماراً أو جاراً فمن المتعارف مثلاً بناء طابقين أو ثلاث طوابق مما يأخذ شيئاً من نور الجار وهوائه بل من نور الطريق وهو أنه أما أن يكون بنظر العرف أنه مزاحم لحق الجار أو الجار فلا فرق بين الأمرين ولعله لما ذكرناه أشار الجواهر حيث أنه بعد نقله عن المسالك وغيره أنه لا عبرة بتضرر الجار وأنه كما أنه لو وضعه في ملكه قال يمكن أن يكون بناء العلاقة بأن المسلمين باحيائهم الطريق صار هو وفضاؤه وهواؤه ملكاً لهم أجمع أو كالملك فلا يجوز التصرف لأحدهم دون إذن منهم أو إذن وليهم إلا أن السيرة جرت على فعل ذلك والمتيقن منه الخالي عن ضررهم من جهة الاستطراق وغيره أما عن ضرر الاستطراق خاصة دون غيره فلا سيرة عليه فيبقى على أصل المنع ولا يخفى أن لا يراد بالضرر بالنسبة إلى الجار أو المار إلا ما يطلق عليه الضرر عرفاً ومن الضرر أن يجعل سردابه في الطريق بحيث يكون سقف محلاً لترجرج السيارات ونحوها فإن ذلك ضرر عرفاً وحق السائرين حينئذٍ مقدم على ذلك وأما عمل السرداب في الطريق النافذ إذا أحكم أسجه ولم يحفر الطريق من وجهها بحيث يضر المارة فقد صرح غير واحد بجوازه حينئذٍ نعم لا يجوز ذلك في المرفوع إلا بإذنهم وأن احكم ومثلها الساقية من الماء وإن يكن لها رسم قديم لكن الفاضل منع من عملها في النافذ وإن احكم الاسج عليها وأما إن عملها بغير اسج يمنع من عملها اجماعاً كما في الدروس وهل يجوز إزالتها لكل احد قال في الجواهر نعم لكن قد يقال بالعدم لأن هذه من الأمور العامة التي لا يتمكن لكل فرد من التصرف فيها إلا بإذن الحاكم الشرعي لأنه مثار التنازع ولأنه للجميع فلا يجوز لكل احد التصرف إلا بإذن الحاكم الشرعي الذي هو ولي الجميع.

نعم يجوز الإزالة بما لا تعد الإزالة تصرفاً في حق الآخرين كما لو وضع حجراً في طريق المسلمين فأزاله أحدهم وكذلك إذا ربط دابته أو أوقف سيارته أو ما أشبه ذلك في الطريق العام فإن لكل فرد حق الإزالة إذا لم يكن من شأنه التخاصم مما يكون عرف من شؤون الحاكم الموضوع مشرعاً لمثله أما مثل بناء البالوعة أو السرداب في طريق المسلمين مما يضر بالطريق فإنه ليس لأحد حق ردمها وإنما هو شأن الحاكم الشرعي فإنه الولي فإن الردم إذ يعد تصرفاً في حق سائر المسلمين أيضاً. ثم أن الاختلاف في إنشاء السرداب ونحوه تحت الطريق فيما إذا لم يكن تحت الطريق أيضاً للعامة وكذلك كغصب الساباط والعريش ونحوهما فوق الطريق وإلا لم يجز كل ذلك كما يتعارف الآن من جعل ما تحت الطرق انفاقاً وفوقها جسور لمرور السيارات أو القطارات وما أشبه فإن الدليل الدال على حرمة، الاستطراق لسبق حقوق المسلمين آت أيضاً هنا في فوق الطرق وتحت الطرق ولما تقدم في حرمة كل من الاضرار والتصرف في حقوق الآخرين مما يراه العرف حقاً ، ومنه يعرف حمل رواية الدعائم على غير صورة الاضرار فقد روي عنه (صلى الله عليه وآله) أنه سئل عن الرجل يطيل بناءه فيمنع جاره الشمس قال ذلك له وليس هذا من الضرر الذي يمنع ويرفع جواره ما أحب إذا لم يكن نظر منه إليهم.

وفي رواية أخرى عنه (صلى الله عليه وآله) أنه قال (ليس أحد أن يفتح كوة في جداره ينظر منها إلى شيء من داخل دار جاره فإن فتح للضياء في موضع يرى منه لم يمنع من ذلك) فإن الجمع بين الأدلة يقتضي أنه إذا لم يكن ضرراً وسبق حق جاز وإلا فلا.

وإن كان بين دارين يجعل كوة في أعالي الجدار يأتي منها الضياء والهواء بدون أن يكون مشرفاً على دار الجار وإن يكون مؤذياً له أما أن يجعل كوة في أسفل الجدار بحيث يشرف على دار الجار عندما مروره ورواحه ومجيئه مما يعد تصرفاً في حق الجار أو إضراراً به فذلك لا يجوز والميزان في تحديد الاضرار وغيره هو العرف كما عرفت ولا يخفى أنه لا يلزم العلم بالضرر في مثل هذه الموارد بل يكفي احتمال الضرر احتمالاً عقلائياً لأن دليل لا ضرر يشمل مثل ذلك ولذا يمنع عن السفر إذا كان فيه خوف الضرر ويستدل على ذلك بدليل لا ضرر نعم في الاحتمال غير العقلائي لا يكون خوف الضرر معتبراً هنا وإن خاف فرد خوفاً شخصياً لوسوسة أو ضعف نفس أيضاً لا يعتنى به لأن المقصود من الضرر واحتمال الضرر وخوفه هو الاحتمالات العقلائية لا غير العقلائية ولو كان ضرر الأجنحة والرواشن بأن أظلم الطريق بأن ذهب الضياء عنه كما يلحظ ذلك في المناطق السكنية القديمة أو الأسواق القديمة ونحوها فإنه لا خلاف ولا اشكال في وجوب إزالتها بل بالمسالك الاجماع عليه وكذا ذهب على وجه يضر بالمارة ولو ضعيف البصر منهم ولو ليلاً فلا شك في أن اعتبار عدم الضرر هو المحكم أما إذا سبب ضرراً فإنه يمنع منه بل ويزال ، ومقتضى القاعدة أنه ضرر ولو احتمالاً ولو كان تصرف بحق الآخرين لم يجز سواءً كان ظلمة ما وسواء كان ضاراً لضعيف البصر أو لقوى البصر أو للدابة للدليلين المذكورين والمراد بذهاب الضياء أو بعضه ما هو لكل أوقات المرور أو بعضها ليلاً أو نهاراً لكل أحد أو بعض الناس كضعيف البصر والضرر أعم من أن يكون لخوف معتاد أو اتلاف شيء لبعض المارة ولا يندفع بوضع السراج وقد لا تذهب الظلمة به وقد ينطفيء وقد يموت وقد لا يفعله وارثه إلى غير ذلك من الموانع .

نعم وينبغي أن يستثنى من ذلك الطريق المرفوع الخاص بجماعة من الناس فإنهم إذا قبلوا بالضرر أو بدفعه بوضع الضياء أو ما أشبه جاز لأن الحق لهم والورثة إنما يتلقون الإرث منهم فلا حق لغيرهم حتى يكون كالطريق العام الذي لا يجوز لإنسان أن يفعل الضار بإجازة عموم من في البلد لأن الحق ليس لأهل البلد بل حق الطريق عام لمن يسكنه الآن ولمن يأتي بعد ذلك من الورثة أو غيرهم من المسافرين ونحوهم وحال الظلمة حال عدم نزول المطر كما لو جعل السقف من الزجاج مما لا يوجب الظلمة بل يوجب عدم نزول المطر فيما كان نزول المطر فائدة عامة استحقها المارون فلا يجوز لأحد منعها ، وكذا الحال بالنسبة إلى الأسواق إلا أن يرى العرف عدم الضرر ذلك وعدم منافاة لحق أهل السوق بل يرون فيه فائدة اتفق أهل السوق على ذلك وإن لم يكن السوق خاصاً بهم لأن السوق أيضاً من الطرق العامة ولذا جرت السيرة قديماً وحديثاً على تسقيف الأسواق لمنعها عن الحر الشديد والبرد الشديد والمطر وما أشبه فيختلف الحال في الأسواق عن الشوارع، أما جعل المظلات على حواشي الطريق لوقاية المارة عن الحر والبرد والمطر أو لانتظار السيارات الباصات والقطارات وما أشبه فالظاهر أن ذلك ليس مضراً بل بالعكس هو نافع فلذا لا يرى العرف أن الحاكم أو غيره الذي يضع هذه الأمور في الطريق فعل منافياً للحقوق أو أضر بالناس لذا لا يجوز لأحد المنع منها أو إزالتها.

المسألة الثانية: يجوز فتح الأبواب المستجدة إلى الطرق النافذة سواءً كانت لها باب آخر إليها أو إلى طريق مرفوع أو لم يكن لما عرفت أن المسلمين في ذلك سواء ولا يقدح في ذلك صيرورة المرفوعة نافذة بسبب الباب المفتوح في بعض الصور إذ أن ذلك يوجب نفوذ داره لا نفوذ الطريق لأنه لا يجوز دخول داره إلا بإذنه فلا يتحقق نفوذ الطريق بل لو تحقق فلا بأس به أيضاً للأصل وغيره ولا فرق فيه بين المسلم والكافر لأن حال الذمي حال المسلمين لأن له الاستفادة بشرائط الذمة على ما ذكره الفقهاء في كتاب الجهاد بل جاز للإنسان أن يفتح دكاناً هناك أيضاً ما لم يسبب ضرراً أو غمط حق بالنسبة إلى الجيران لما عرفت من استثنائهما عن الجواز بل يجوز للإنسان يجعل مكان داره أو نحوها منفذاً آخر إلى ذلك الطريق إذا هدم داره وجعله منفذاً حتى صار لداره ثلاثة منافذ أو أربعة منافذ منفذان سابقان ومنفذ جديد بسبب داره التي هدمها أخيراً وقد عرفت ذلك في رواية دعائم الإسلام ولا فرق في جعل بعض داره دكاناً بين أقسام الدكاكين من جعله بيطرة أو مطباً أو دكاناً لبيع البقول بالشرطين السابقين كما يجوز جعل الباب الجديد والكوة والدكة وما أشبه يجوز جعل بعض داره ساحة بتأخير جداره مقداراً بحيث يكون إمام داره ساحة فإذا أعرض عنها تكون من المباحات الأصلية وأما إذا لم يعرض عنها تكون له بهذه الكيفية ثم إذا أعرض عنها وصارت من المباحات الأصلية لم يحق لأحد استغلالها بما يضر الطريق أو الجيران أو يزاحم حقوقهم.

وكيف كان فإن ما اعتادت عليه بعض الحكومات في الحال الحاضر من المنع عن فتح باب جديد أو كوة أو جناح أو دكان أو ما أشبه خلاف الشرع لما عرفت من أنه لا بأس بما لا يسبب ازعاجاً لجاره مما كان متعارفاً وجرت عليه السيرة فإذا كان باب داره مبتعداً عن باب الجار مما لا يسبب ازعاجه عند الدخول والخروج أما إذا فتح باباً سبب إزعاجه إن كان على النمو المتعارف كما بيناه.

وأما الطرق المرفوعة والمراد بها الطرق التي لا تنتهي إلى طريق آخر ولا مباح بل إلى ملك الغير وهو ملك حقيقة أربابها الذين لهم أبواب نافذة إليها من دون أن يلاصق داره ولهم حائط إليها من دون نفوذ فلهم سدها عن السكة والارتفاق بها كغيرها من املاكهم كما أن لهم قسمتها فيما بينهم وإدخال كل منهم إلى داره وذلك لأنها لهم أو هم مختصون به وعلى كل حال يصح ذلك إذا رضي الجميع وكذلك الحال الذين هم في آخر الطريق المروفوعة أن يفعلوا بما هو مختص بهم نحو ذلك لأن ما هو في الأخير ليس ملكا عاما بل هو خاص بمن هم في الأخير.

 هذا ولكن عن بعض الشافعية المنع من سدّ الطريق المرفوع لأن أهل الطريق يلتجأون إليها إذا عرض عليهم سبب من زحمة وشكلها وعن المقدس الاردبيلي (رض) التأمل في ملك الطرق المرفوعة لأهلها وذكر الحدائق الوجه في ذلك لأن التصرف دليل الملك لكن في الشوارع لما لم يكن المتصرف متعيناً لم يترتب عليه الملك بخلاف الطرق المرفوعة وفي مفتاح الكرامة قد يقال بأن الطريق المرفوعة ملك لأربابها إذا كان مستند الملك بأن أبوابهم شارعة إليه وانه محل ترددهم ومثل ذلك صرح به في التذكرة والظاهر أن الطريق المرفوعة على ثلاثة أقسام:

الأول: إن كان ملكاً لبعضهم أو لجميعهم أخرج أو أخرجوا لهذه المنفعة الخاصة وفي هذه الصورة لا اشكال في أنه ملكهم ولا وجه لسقوط الملك مع عدم أعراضهم وجعله طريقاً لا يؤدي إلى ذلك كما إذا جعل إنسان داره طريق كما إذا كان بين شارعين مثلاً فلا يسبب زوال ملكه بل له أن يبنيه مجدداً فينقطع ما بين الشارعين.

الثاني: أن يكونوا قد أحيوه مع سبق الحق كما إذا أحيوا دوراً حول عتبة مقدسة كانت تلك ممراً إلى العتبة مجيئاً وذهاباً بحيث لم يكن احياء الدور مزاحماً للمارة فصار في وسطها طريق مسدود فإنه لا دليل على صيرورة الزقاق ملكه بل الأصل بقاؤه لكل إنسان.

الثالث: ما لم يكن في القسمين السابقين وهذا لا يبعد في أن يكون ملكاً لهم لأنهم حازوه عرفاً فيشمله دليل من سبق وبذلك يظهر أن تأمل المقدس الاردبيلي في محله في الجملة ولا فرق في هذا الحكم بين من لا حق له في الطريق المذكور كالجار الملاصق لها في حائطه وله باب فيها إذا أراد احداث باب آخر ادخل من بابه لاشتراكهما في عدم استحقاق المرور في المحل الذي فتح فيه الباب ويحتمل ضعيفاً الجواز .

ويأتي الكلام هنا في الصور المتقدمة في الطريق أولاهما أن يكون الطريق لهم جميعاً بالملك وهذا لا ينبغي الاشكال في جواز فتح الباب إذا لم يكن زائداً على حقه بالنسبة إلى الأمر المشترك فإن الأمر المشترك لكل واحد حق فيه بقدر حق الآخر ولا يصح الزيادة على حقه فإذا أراد فتح باب أو بابين أو ما أشبه زائداً على حق الآخرين كان له الحق إذا لم ير العرف أنه يتصرف في المشترك بأكثر من حقه وإلا لم يجز حسب القواعد الأولية.

الثانية: ما ذكرناه من الأزقة حول حرم المعصومين عليهم السلام وهنا ينبغي القول أيضاً بالجواز إذ لا وجه للقول بعدم الجواز بعد أن عرفت تساوي الناس فيه على الأصل.

الثالثة: أن يستملكوا الزقاق بالإحياء في إطرافه بالبناء وأمثاله وفي المثال لا بأس بفتح الباب الأقرب إلى رأس المرفوعة بالنسبة إلى من له في المرفوعة الباب لأنه ليس تصرفاً في حق الآخرين وإنهما الاشكال في فتح باب ادخل أو فتح باب لمن لا باب له ودليل المشهور على المنع أصالة العدم ولأنه ملك لغيره فلا يحق التصرف فيه وللشبهة كما ذكره في الشرائع ومراده من الشبهة ما قاله في المبسوط من أن فتحه في الجملة دليل على الاستطراق وثبوت الحق في ذلك وخصوصاً إذا حضرت عليه مدة وماتت الشهود فكان فيه مفسدة من غير فرق بين من لاحق له في الطريق المذكور كالجار الملاصق لحائطه وبين من له باب فيها إذا أراد فتح باب أدخل من بابه لاشتراكهما في عدم استحقاق المرور في المحل الذي فتح فيه الباب ولكن لا يخفى ما في أدلة المشهور من النظر إذ كون الأصالة هي المنع غير ظاهر بعد كون الأصل الجواز فإنهم لما أحيوا الأرض كان لكل واحد واحد منهم أن يجعل بابه أدخل وغير ادخل وان يفتح بابين وأكثر وأقل فهذا الأصل مستصحب إلى أن يعلم بالمزيل ولا علم هنا به وكذلك بالنسبة إلى صاحب الحائط الذي لم يحدث فيه باباً فإنه أي فرق بين أن يحدث في أول الأمر الباب أو يحدثه بعد ذلك إلى غير ذلك من المناقشات.