من صفحة: 8
إلى صفحة: 19
النص الكامل للبحث: PDF icon 4-1.pdf
البحث:

 

المقدمة:

كنت أمر ببعض الروايات حول خلق السموات والأرض فلم أدرك مضمون الرواية التي تشير إلى أنّ مصدر الوجود هو الماء، وان الماء تحول إلى نار، ثم خمدت النار فخلق السموات من الدخان، وخلق الأرض من الرماد، وكلما حاولت أن أتصور هذه المضامين وأرسم معادلة في ذهني عن كيفية تحول الماء إلى نار، وكيفية تحول الدخان إلى سموات، والرماد إلى ارض، فكنت اعجز عن إدراك تلك المعاني فأستسلم إلى قول المعصوم لأنه نابع من قول النبي، وان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، واستمرت حيرتي في فهم روايات الخلقة حتى وقع يدي على كتاب العالم البريطاني ((فرنك كلوز، Frank Close)).

End Cosmic Cafastrophe And The Fate Of The Universe.

فقد أجاب هذا الكتاب على الكثير من التساؤلات، وسلط الضوء الكافي على بداية الخلقة، مع ان الكتاب يتعرض لموضوع انتهاء الخلقة لكنه يذكر في طيات دراسته الشيقة والمفيدة أفكاراً حول بداية الخلقة، وكيفية نشوء الكون.

نظريتا النشوء؛

يذكر (فرانك كلوز) أفكارا قيمة حول بداية النشوء، وهو يتعرض إلى هذا الموضوع بصورة مستطردة، ويمكن أن نستنبط من أفكاره نظريتين حول بدأ الخلق هما:

أولا: نظرية الانفجار الكبير.

يرى أكثر العلماء ان بداية نشوء الكون وقع نتيجة انفجار كبير في النجوم التي تسمى بـ(سوبرنوفا) وهي نجوم تقلصت في داخلها نتيجة الانفجار الهائل ونتج عن هذا الانفجار قذف كمية هائلة جدا من جسيمات النيوترون التي أخذت بتكوين العناصر بترتيب عدد الالكترونات والبروتونات.

ويرى فرانك كلوز ان المنظومة الشمسية تكونت من حدوث سوبرنوفا منذ خمسة ملايين سنة[1].

نشأ من انفجار السوبرنوفا سحابة غاز أولية، ومن هذه السحابة نشأت المنظومة الشمسية، وقد يدلل على صحة هذه النظرية بوجود تطابق بين كمية الايريديوم من النظير 193 يوازي تقريبا ضعف كمية الايريديوم من النظير 191 والنسبة نفسها نجدها في المقدار الذي أطلق من السوبرنوفا مما يؤكد ان مصدر العنصر يعود الى السوبرنوفا.

اما عن كيفية تكوين النجوم والكواكب حيث تختلف في المادة المكونة لها، فيذكر ـ كلوز.

((وفي اللحظات الاولى من الانفجار الكبير حيث الكون ساخن بما لا يمكن تصوره، أي اسخن كثيرا من اي نجم الان، فأية جسيمات ساخنة سوف تندفع فيما حولها مثل كل شيء آخر، ولكن الكون بردت حرارته بأسرع مما يبرد قدح القهوة في سيبيريا وبالتالي تجدمت الجسيمات الثقيلة الساكنة خلال ثوان، اما الجسيمات الاخرى الاخف فهي تتجمع لتبني المجرات والنجوم ثم تبني في النهاية المادة المألوفة لنا اليوم، واثناء ذلك تكون أبناء عمومتها من الجسيمات البطيئة قد ترسبت معا بالجاذبية لتشكل تكتلات قد تكون في شكل نجوم كشمسنا أو قد تنحو نحوها الخاص بها.

والحقيقة ان احدى النظريات تقول: ان هذه الكتل الضخمة هي البذور التي اوقعت في شباكها الجسيمات سريعة الحركة خفيفة الوزن، اي الالكترونات والنيوترونات والبروتونات لتشكل تجمعات من كل مقاس، ابتداءً من تجمعات النجوم حتى تجمعات المجرات المنفردة أو مجموعات المجرات، وتنشأ التجمعات الصغيرة منها أولا ثم تندمج فيما بعد في تجمعات اكبر، ويعرف هذا السيناريو باسم (من اسفل لاعلى) ويبدو ان هذا هو مايشبهه الكون الحقيقي))[2].

وعلى اساس هذه النظرية فان جسيمات البروتون والنيترون مرت بمرحلتين مرحلة الانصهار ثم مرحلة التبريد، فعلى اثر الانفجار الكبير انصهر كل شيء حتى البروتونات والنيترونات، وادى هذا الانصهار الى تحرر جسيمات (الكواركات) وهي المكونات الاساسية للبروتون والنيترون، وفي حالة البرودة الفائقة نشأت الجسيمات النووية، وتتكهن هذه النظرية ان الجسيمات سائرة نحو التجمد الحقيقي في يوم من الايام عندما سيتغير الكون، الى شكل آخر كما يتجمد الماء الى ثلج، وقد م حساب كمية هذه الجسيمات والوقت الذي استغرقه هذا التحول، فكمية البروتون (موجب الشحنة) هي(1075) وهي التي تندمج مع الالكترونات ذات الشحنة السالبة، محيدة شحنتها الكهربائية فتتكون نيوترونات، وهذه الاخيرة لها كتلة ثقيلة وتظل باقية لتكوين نجم النيوترون وجسيمات النيوترينو التي تنطلق بعيدا، ويحدث هذا كله في اقل من الملي من الثانية (واحد من 1000 من الثانية)

ثانيا نظرية الانتفاخ

ترى هذه النظرية ان الكون كله ابتدء بمقدار محدود من المادة لايتجاوز (10) كيلو غرامات في حجم هو جزء من البليون من النواة الذرية مركزة بشكل كثيف حيث لاتوجد بين الجسيمات، وتقول هذه النظرية: أن كوننا انتفخ في اول جزء من الثانية انتفاخا هائلا قبل ان يستقر على تمدده ببطء في العشرين بليون سنة الاخيرة.

تقول النظرية ( ان في داخل المادة الاصلية للكون تسود حالة ما وراء الاستقرار، واذا اخذت الحالة في الداخل تمر في تغير طوري لتصل الى حالة الاستقرار التي نحن عليها الان فإن الداخل يكتسبه طاقة وذلك بفضل صفة مميزة لنظرية الكم.

ويشبه التأثير هنا ما يضاد الجاذبية، تنافر ضخم ونمو للطاقة الخالصة حتى تستقر في الطور الحالي، ويكون ما يتبقى من تمددها هو الحفرية المتخلفة عن هذه الصدمة، وهكذا فقد تولد قدر من الطاقة يكفي لان يضخم هذه الكيلو غرامات العشرة الابتدائية الى كل ذلك الكون الذي نراه الان)[3].

واساس هذه النظرية تقوم عل فكرة: ان المسافة بين البروتونات والنيترونات الموجودة في النواة وبين الالكترونات هي كالمسافة بين الكواكب نسبة الى حجم هذه الكواكب، فالمسافات الشاسعة بين جسيمات الذرة هي التي تعطيها هذا الحجم الكبير، فلو افترضنا اضمحلال هذه المسافات فأن المادة المركزة ستكون بحجم صغير جدا يثير الاستغراب والتعجب.

وهذه النظرية لاتنكر حدوث الانفجار فهي تقول بأن المادة الاساسية ذات الحجم المحدود انفجرت وتسبب الانفجار في تباعد المسافات داخل الذرة.

وعلى ضوء هذه النظرية قدم فرانك كلوز نظرية صنع كون جديد فيقول: (وعلى ذلك فإذا كان الكون يمكن ان ينبثق مما لايزيد على حقيبة سفر، فهل يمكننا ان نصنع مرجلا في منطقة محددة من المكان وان نرتب له بحيث يكون في حالة ما وراء الاستقرار ثم بعدها يندفع انفجار، وتنفجر هذه المنطقة الصغيرة لتصبح كونا له تطور في المستقبل يشابه تطورنا نحن، لقد بدأ الامر كله من وسط طاولة فحص المتاع الداخل للطائرة)[4].

ماهو رأي الروايات والاحاديث؟

بعد الاستعراض السابق الذي بينا فيه اهم الاراء التي جاء بها العلماء حول بداية الخلقة نستطيع الان ان نمر على الروايات التي وردت في هذا المجال:

اولا: رواية الامام الباقر (عليه السلام).

روى في الكافي:( كان كل شيء ماء، وكان عرشه على الماء، فامر الله تعالى الماء فاضطرم نارا، ثم امر النار فخمدت فارتفع من خمودها دخان فخلق الله السموات من ذلك الدخان، وخلق الارض من الرماد)[5].

ثانيا: رواية الصادق (عليه السلام)؛

في خبر اخرجه علي بن ابراهيم في تفسيره،( كان عرشه على الماء، والماء على الهواء، والهواء لايحد ولم يكن يومئذ خلق غيرهما، والماء يومئذ عذب فرات، فلما اراد ان يخلق الارض أمر الرياح فضربت الماء حتى صار موجا، ثم ازبد فصار زبدا واحدا فجمعه في موضع البيت، ثم جعله جبلا من زبد، ثم دحا الارض من تحته، فقال: { إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ [6]}.

ثم مكث الرب تبارك وتعالى ماشاء، فلما اراد ان يخلق السماء أمر الرياح فضربت البحور حتى ازبدت بها فخرج من ذلك الموج والزبد من وسطه دخان ساطع من غير نار، فخلق منه السماء، وجعل فيها البروج والنجوم، ومنازل الشمس والقمر، وأجراها في الفلك وكانت السماء خضراء على لون الماء الاخضر، وكانت الارض غبراء على لون الماء العذب، وكانتا مرتوقتين ليس لهما أبواب )[7].

ثالثا: هناك رواية للباقر (عليه السلام):

( وخلق الشيء الذي جميع الاشياء منه، وهو الماء الذي خلق الاشياء منه فجعل نسب كل شيء الى الماء، ولم يجعل للماء نسبا يضاف اليه، وخلق الريح من الماء، ثم سلط الريح على الماء، فشققت الريح متن الماء حتى صار من الماء زبد على قدر ماشاء ان يثور، فخلق من ذلك الزبد أرضا بيضاء نقية ليس فيها صدع ولاثقب ولاهبوط ولاشجرة، ثم طواها فوضعها فوق الماء، ثم خلق الله النار من الماء فشققت النار من الماء حتى ثار من الماء دخان على قدر ماشاء الله ان يثور، فخلق من ذلك الدخان سماء صافية نقية ليس فيها صدع ولاثقب)[8].

تدرجنا في هذهِ الأحاديث بصورة تفسر بعضها البعض الاخر.

ويمكننا ان نستنتج من الروايات السابقة:

1ـ المادة الاولى التي استمد منها الكون وجوده هي الماء، فلم يكن قبل الماء شيء آخر اذ لم يجعل الله للماء نسبا يضاف اليه، وكل شيئ خلق من الماء.

2ـ هناك اشارة في رواية الصادق الى وجود الماء فوق الهواء، فما هو المقصود بالهواء ؟

اكتفت الرواية بذكر صفتين للهواء، الصفة الاولى انه يحد الماء من تحته والصفة الثانية انه لايحد أي حد.

وهذين الوصفين لاينطبقان الا على شيء ليس بمادة فالماء هو المادة الاساسية والوحيدة الموجودة، ولما لاتحد فهي لاتمتلك الابعاد التي تتصف بها المادة من طول وعرض وما شابه ذلك.

فإذا لم يكن الهواء شيء مادي. فما هو اذن ؟

ربما كان المقصود بالهواء الفضاء الواسع الذي نشأ فيه التفاعل الاول للنشأة الاولى.

3ـ تشير الروايات الى نشأة الكون من تحول الماء الى دخان ورماد والسؤال كيف تم ذلك ؟

تشير الروايتان (2و3) ان هذا التحول قد تم بتدخل الريح التي شققت متن الماء، أي حولته الى اجزائه من اوكسيجين وهيدروجين، ثم نفخت الريح التركيب الجديد حتى صار كبيرا جدا، فإذا بالزبد الذي نتج عن اصطدام الريح بالماء يتحول الى ارض بيضاء نقية ليس فيها صدع ولاثقب ولاصعود ولاهبوط ولاشجرة، اي ليس فيها حياة اي المادة الاولى للكون قد تكونت، إلا ان الحياة بحاجة الى عناصر كثيرة فهي بحاجة الى الحديد واليورانيوم والنحاس والمنغنيز..الى آخره وهذه العناصر لاتتكون الا بوجود طاقة هائلة، فصنع الله تلك الطاقة من الماء، ثم خلق الله النار من الماء وهذه هي المرحلة الثانية من التكوين حيث كانت هناك كمية من الماء تحولت الى نار (طاقة) وهذه الطاقة استخدمت في احداث الاندماج النووي حيث اخذت في صنع العناصر الرئيسية للكون المادي، وهذا التحول لم يتم الا باحداث انفجار هائل، وهذا ماتشير اليه عبارة الرواية (حتى ثار من الماء دخان على قدر ماشاء الله ان يثور) هكذا تم هذا التحول.

4 ـ تشير الروايتان (1و3) ان الانفجار الذي أحدثته النار في الماء نتج عنه الدخان والرماد. والدخان هو اشارة الى الغازات التي انبعثت من الانفجار والتي كونت الشموس التي لازالت حتى يومنا هذا تمنحنا الدفء وربما كان منطوق السموات في الرواية الاولى اشارة الى الشمس او النجوم التي تضيء من خلال سلسلة العمليات النووية التي تجري في قلبها.

أما الرماد ففيه اشارة الى العناصر التي كونت المادة الاساسية للارض وهي العناصر الكيمياوية والمعروفة لدينا، وهي الكاربون والحديد والمنغنيز والالمنيوم وماشابه ذلك.

5 ـ في الرواية رقم (2) يظهر في الوهلة الاولى شيء من الاختلاف بينها وبين الرواية (1)و(3) لكن بشيء من التأمل ينتهي هذا الاختلاف فالرواية تشير الى ان الزبد الذي نشا من الريح كان في البداية متعددا ثم اصبح واحدا فتكونت منه أرض مكة المكرمة التي كانت أول أرض نشأت في كرتنا الارضية.

ثم بعد ذلك نشأت السموات والنجوم واستقرت في البروج فالرواية لاتختلف في كيفية الأرض والسماء عن الروايتين الاخريتين إلا أنها تركز على فكرة تكوين الأرض قبل السماء.

وهذا لايتناقض مع ماتوصل إليه العلم الحديث إذ أن برودة العناصر المادية التي تتكون منها الأرض أسرع من برودة العناصر الغازية التي تتكون منها النجوم والشموس.

6ـ جاء في الروايات لفظ الريح كعامل لشق الماء، فما هو المقصود بالريح هنا، هل هو الهواء المعروف لدينا الآن وقد تبين ان الكون في بداية أمره كان خاليا من كل شيء سوى الماء، ام انه نوع من انواع القوة التي أوكل لها مهمة احداث التغيرات في جسيمات الذرة والتي نتج عنها الطاقة الهائلة. عندما نبدا بوصف الروايات علميا سنعرف ماهو المقصود بالريح في هذه الرواية وأن اللفظ لايعني الريح المعروفة لدينا وإنما استخدم الإمام اللفظ من باب تسهيل الفكرة لايصالها بصورة واضحة الى ا ذهان الناس في ذلك الوقت الذي لم يكن يسوده العلم والثقافة.

رواية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام):

ذكر امير المؤمنين (عليه السلام) وصفا دقيقا لعملية خلق السموات والارض وقد أ ورد الشريف الرضي هذا الوصف في نهج البلاغة في الخطبة الاولى، وقد جئنا على ذكر هذه الخطبة في نهاية الحديث عن الروايات الثلاثة السابقة التي بينت بشيء من الوضوح فكرة بداية الخلق، وكانت تمهيدا لفهم الخطبة التي فيها شيئا من التفصيل والتبيين.

قال امير المؤمنين(عليه السلام)( ثم أنشا سبحانه فتق الاجواء، وشق الارجاء وسكائك الهواء، فأجرى فيها ماءً متلاطما تياره متراكما زخاره، حمله على متن الريح العاصفة، والزعزع القاصفة، فأمرها برده، وسلطها على شدَِه، وقرنها الى حده، الهواء من تحتها فتيق، والماء من فوقها دفيق، ثم انشا سبحانه ريحا اعتقم مهبها، وادام مُربَّها واعصف مجراها، وابعد منشأها فامرها بتصفيق الماء الزخار واثارة موج البحار فمخضته مخض السقاء، وعصفت به عصفها بالفضاء، ترد اوله الى آخره، وساجيه الى مائره حتى عبَّ عبابه ورمى بالزبد رُاكامه، فرفعه في هواء منفتق وجو منفهق، فسوى منه سبع سماوات جعل سفلاهن موجا مكفوفا،، وعلياهن سقفا محفوظا وسمكا مرفوعا، بغير عمد يدعمها ولادسار ينظمها ثم زينها بزينة الكواكب، وضياءالثواقب وأجرى فيها سراجا مستطيرا وقمرا منيرا في فلك دائر وسقف سائر ورقيم مائر) [9].

ورد في الخطبة عدد من الالفاظ والعبارات التي تحمل معاني محورية في علم الفلك والفيزياء وهي:

فَتَقَ: بمعنى شَقَّ، واذ ذهبنا بعيدا في الكيمياء يصبح المعنى شطر انشطارا وهو مصطلح يدل على عملية تجرى داخل الذرة تتسبب في هروب الاكترونات وتسمى بالانشطار الذري الذي يرافقه طاقة هائلة.

الاجواء: جمع جو وفسر الجو بشيئين مابين السماء والارض، والفضاء الواسع لكن الصواب الثاني حيث ان كلامه (عليه السلام) عن الجو قبل خلق الارض والسماء[10].

سكائك الهواء: يقول ابن ابي الحديد في تفسيرذلك:( ان الفضاء الذي هو الفراغ الذي يحصل فيه الاجسام خلقه الله تعالى، ولم يكن من قبل وهذا يقتضي كون الفضاء شيئا لان المخلوق لايكون عدما محضا، وليس ذلك ببعيد فقد ذهب اليه قوم من اهل النظر، وجعلوه جسما لطيفا خارجا عن مشابه هذه الاجسام ومنهم من جعله مجردا )[11].

ولما كانت المادة الاولى غير متكونة فلا بد ان يكون المقصود من الهواء هو الفضاء الخارجي كما ورد في حديث الامام الباقر السابق، فيصبح معنى سكائك هو قوى الجذب التي تحاول ان تمسك الاشياء في خطوط ثابتة.

الزعزع: شديدة تزعزع الاشياء، اي لها قابلية محركة للاشياء تنقلها من حالة السكون الى حالة الحركة.

فأمر بردها: أي ان الله أمر الرياح ان تحفظ الماء وترده عن الجري الذي سبقت الاشارة اليه بقوله (فأجرى فيها ماء) ثم حمله الهواء من تحتها فتيق والماء من فوقها دفيق.

اي الهواء الذي هو محل الريح مفتوق اي مفتوح منبسط من تحت الريح الكاملة للماء، والماء دفيق من فوقها أي مصبوب مندفق والفرق انه سبحانه بقدرته ضبط الماء المصبوب بالريح الحاملة له كما ضبط الريح بالهواء المنبسط، وهو موضع العجبى[12].

وليس هناك عجب اذا عرفنا ان المقصود بالريح والهواء ليس المعنى المتعارف، بل شيء آخر سنتعرف عليه بعد قليل.

ريحا اعتقم مهبها: أي ريح عقيمة اي ليس فيها صفات الريح العادية.

وأدام مُرَبَّها: أي اقامتها في محلها من قولهم مرب الابل لمكان لزمته.

فأمرها بتصفيق: الصفق الضرب الذي يسمع له صوت[13].

والتصفيق هو ضرب الكفين ببعض، فيتولد منها صوت عال.

مخض السقاء: اي الحركة التي تدخل داخل السقاء عندما يراد خض اللبن لاستخراج الزبد.

(ورمى بالزبد) الفقاعة التي تتكون في الماء.

هواء منفتق: اي منشق يفسح المجال لتكون الزبد.

وجو منفهق: اي متسع يصبح بمقدور الزبد أن يأخذ أي حجم يريده.

(موجا مكفوفا) أي: ممنوعاً من السقوط وكان مهمة الموج وهو الامساك بالكواكب والنجوم حتى لاتسقط.

سقفا محفوظا اي: مانعا يمنع خروج الكواكب الى فوق.

زينة الكواكب: فالكواكب تبعث الزينة فهي تزين السماء بما تعكسه من نور.

فهي ليست مصدر للضوء بل هي عاكسة له

وضياء الثواقب: والثواقب التي تثقب السماء بضيائها وهي الشمس التي هي مصدر للضوء.

فلك دائر: الافلاك التي تتكون من الكواكب والنجوم.

وسقف سائر: وهناك نطاق من الجاذبية يمسك بالاجرام يمنعها من الانفلات لكنها في ذات الوقت تسير ايضا فتسير معها الكواكب والنجوم.

رقيم: بمعنى كتاب وهنا يأتي بمعنى الخريطة، اي الخريطة والمعادلة الفلكية التي تسير وفقها الكواكب والنجوم وهذه الخريطة من صفاتها أنها متحركة وغير ثابتة.

المعنى الإجمالي للخطبة

أشار الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) الى قدرته سبحانه وتعالى في شق الفضاء والإمساك بالأشياء من جانب، وتحريك الأشياء ومنها الماء من جانب آخر، فهذا هو الأساس الذي قام على أساسه الخلق الأول، فقبل ان يخلق سبحانه الخلق صنع الظروف الكفيلة اللازمة للإيجاد من: فتق الاجواء وشق الأرجاء وسكائك الهواء ولم يكن في الفضاء في تلك اللحظة الكونية سوى الماء وكانت الرياح هي التي تمسك بالماء من تحت ومن الاطراف، فكلما أراد الماء ان يجتاز حده منعته الرياح.

فالرياح هنا قوة نجدها من ناحية تمسك بالماء، ومن ناحية نجدها أنها تتسبب في خروج الماء أي قوة موجبة وقوة سالبة تعمل باتجاهين متعاكسين وهذه هي الجاذبية التي تمسك بالاجسام، اوتدفع بالأجسام الى الخروج من االدائرة.

وفي اللحظة التي شاءت ارادة الله خلق الكون امر هذه الرياح التي كانت قد خرجت هذه المرة عن القاعدة لم يكن لها مهب، ولم يكن لها مسار بل استقرت في المكان الذي انطلقت منه.

انها قوة ضاغطة هائلة مركزة موجهة نحو جزئيات الماء، حول الماء الى كفين نجم عن ذلك صوت كبير، وأخذت تفعل بالماء كما يفعل صانع الزبد بالسقاء المملوء باللبن.

ونتج عن هذه الحركة العنيفة الزبد، والزبد هو جزئيات متباعدة أخذت حيزا كبيرا في الفضاء حيث كانت الظرووف مواتية لذلك.

ومن هذا الزبد تكونت السموات السبع وانتظمت النجوم والكواكب التي اخذت تسير في مدارات منتظمة وفي حركة دائرية فكانت هناك حركتان: الاولى حركتها في مدار منظومة صغيرة وحركتها في منظومة اكبر وهذه اشارة الى حركة الكواكب في منظومة نجومية محدودة كالمنظومة الشمسية وحركة المنظومات النجومية في منظومة المجرة وهذا هو المعنى المستفاد من فلك دائر وسقف سائر.

تحليل للروايات على ضوء المفاهيم العلمية:

بعد ذلك التفصيل الذي أوردناه في المنظورين السابقين: منظور الاراء والنظريات العلمية ومنظور الاحاديث والروايات: حان الوقت لتحليل تلك الروايات على ضوء ماتوصل اليه العلم الحديث، لكن قبل كل شيء كان لابد من الاشارة الى نقطتين الاولى:

كل ماورد من معلومات حول بداية الخليقة لايخرج عن كونه مجرد فرضية، والفرضية قابلة للنقض سيما وان العلم البشري في تطور مستمر، وكلما زادت البشرية في علومها ازداد جهلها بالحقائق التي لم يكتشفها بعد وليس أدل على ذلك من قول العالم البريطاني فرانك كلوز حيث ذكر قائلا:( فنحن من ناحية نفهم الكون بأعمق ما فهمناه قط في تاريخ، ولدينا نظريات يمكن اختبارها تبين كيف انبثق الكون وكيف سيموت؟

الا اننا اصبحنا ايضا نعي اننا كلما زاد فهمنا زادت الاحتمالات الغريبة لجهلنا.

فالكون قد يكون في الحقيقة اغرب بكثير مما يمكننا ان ندركه) [14].

ثانيا: ان ماورد في الروايات والاحاديث بعد التدقيق في مصادرها تبين لنا حقائق الامور، الاحاديث فهي مطابقة للحقيقة التي ننشدها لانها صادرة عن رسول الله التي لايقول الا الحق ( لاينطق عن الهوى ان هو الاوحي يوحى) وهذا يجب ان نعتقد به بعد التيقن من وروده عن الامام ذلك لان ماورد على لسان الامام (عليه السلام)هو ماورد على لسان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و هو ماورد في كتاب الله عز وجل.

لكن مشكلة هذه الروايات تكمن في مجال اللغة فلان الامام كان يتحدث في ذلك الوقت قبل اربعة عشر قرنا مع اناس لم يكتشفوا الذرة ولم يعرفوا المكرسكوب الالكتروني ولاشيء من هذا القبيل فكان حديثه بلغة بسيطة تتكون في ألفاظ وتعابير تتناسب عقولهم.

فاستعمل لفظ الريح بمعنى القوة القاصفة التي تقصف اجزاء الذرة و الجو بمعنى الفضاء لان هذه المفاهيم لم تكن معروفة في السابق فكان على اي باحث يريد التوصل الى الحقائق ان ينشد معاني تقرب مفاهيم تلك الالفاظ الى ماقصد منها. وهو امر ليس بالهين على الباحثين والدارسين في علم النص.

بعد ذكر هاتين النقطتين المهمتين ناتي على ذكر هذه الحقائق المستمدة من خطبة الامام امير المؤمنين (عليه السلام) ومن الروايات والاحاديث السابقة التي ذكرناها.

أولا: الدمج بين نظريتي الانفجار الكبير و الانتفاخ:

يبدو من خطبة الامام امير المؤمنين (عليه السلام) والروايات التي ذكرناها ان البداية قد حدثت بشكل آخر يختلف عن نظرية علماء الفيزياء الفلكية الذين قالوا باحد الاحتمالين: اما الانفجار الكبير او الانتفاخ بينما ورد في الروايات الجمع بين الزبد ثم انفجر الزبد كما ينفجر البالون وهذا الانفجار حوّل الماء الى دخان ورماد.

يقول الامام الباقر (عليه السلام): (خلق الريح من الماء، ثم سلط الريح على الماء فشققت الريح متن الماء حتى صار من الماء زبداُ ثم ارضا بيضاء نقية ليس فيها صدع ولاثقب ولاصعود ولاهبوط ولاشجرة، ثم طواها فوضعها فوق الماء، ثم خلق الله النار من الماء فشققت النار متن الماء حتى صار من الماء دخان على قدر ماشاء الله ان يثور، فخلق من ذلك الدخان سماء صافية نقية ليس فيها صدع ولاثقب)[15].

ثانيا: نظرية النفخ، هي حقيقة مستمدة في القرآن الكريم ففي خلق الانسان جاء في كلام الله العزيز (فإذا نفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين).

فإذا كان خلق الانسان نشأ من نفخة الهية حوّلت حفنة الطين الى بشر بالمليارات، فلربما نشا الكون ايضا من هذه النفخة الالهية التي حدثت قبل الانفجار.

وفي الاحاديث اشارات الى ان الله سبحانه وتعالى هو الذي أمر الرياح بأن تنفخ في الماء فتصنع لنا الزبد الذي تكونت منه الاجرام والسموات فإذن: نشوء الكون من النفخ يؤيده القرآن الكريم.

ثالثا: ينتج الماء من تكون غازين هما الاوكسجين والهيدروجين فإذا سلطنا على مقدار من الماء طاقة عالية فهذه الطاقة تستطيع تجزئته الى هذين العنصرين ثمّ دخل الهيدروجين في سلسلة تفاعلات أدت الى نشوء النجوم، وايضا مصدر الطاقة في الكون كما يشكل التركيب الرئيسي لمادة الشمس ف 92% من الشمس يتكون من الهيدروجين و 7% من الهليوم والباقي يتكون من نوى عناصر ثقيلة هي الناتج العادم من التفاعلات الشمسية.

والذي يحدث في الشمس هو اصطدام ذرات الهيدروجين مع بعضها لتؤلف اربعة بروتونات فتنتج نواة واحدة من ذرة الهليوم، ولما كانت هذه الذرة اخف من البروتونات الاربعة فينطلق فارق الكتلة كطاقة نحس بها ونحن على سطح الكرة الارضية.

رابعا: تحت اي تأثير يتم الاندماج؟

اصبح من المعلوم لدى العلماء ان الانفجار الكبير الذي حدث هو نتيجة اندماج البروتونات، ولما كانت البروتونات جسيمات متنافرة فإن اندماجها لايتم بسهولة، فعندما يراد ان تلامس بروتون مع بروتون آخر كأنك لامست قطبين متشابهين للمغناطيس، وحتى يمكن التغلب على التنافر الكهربائي يتعين علينا ايجاد قوة داخل الذرة تستطيع ان تزيد من سرعة البروتونات بصورة كبيرة بحيث تتمكن هذه السرعة من التغلب على الشحنات المتشابهة فتصطدم البروتونات المتماثلة بعضها مع البعض الاخر في مقدار لايتجاوز جزء من البليون من جزء من الالف من الملميتر.

وسيتولد من هذا الاندماج الاحتراق.

والسؤال هو ماهي تلك القوة التي حملت بروتون من ذرة الهيدروجين أو بالاحرى من جزيئة الماء كما في الروايات ليصدم بروتونا آخر؟..فهل لفظ الريح الذي جاء في الرواية يستطيع ان يوضح لنا مايجري في الذرة من صدام بين البروتونات المتشابهة في الشحنة.

خامسا: بقي ان نعرف مصير الاوكسجين الذي انفصل عن ذرتين من الهيدروجين.

تشير معلومات العلماء: ان عملية الاصطدام حولت ذرة الاوكسجين الى نواة واحدة للهليوم ونواة للكربون، وهذا يفسر لنا وجود عناصر أخرى غير الهيدروجين في الشمس.

اما عن مصير الكربون فهو ايضا سيصبح هدفا للبروتونات الموجودة في كل مكان، فيمتص واحد منها ويتحول الى نيوتروجين، وبأصطدامين آخرين بالبروتونات ينبعث نشاط اشعاعي ينتج عنه الاوكسجين واشعة جاما وجسيمات اطياف ساخنة تسمى جسيمات النيوتريون تتدفق مع الشمس الى داخل الفضاء.

ويتم استهلاك البروتونات بمعدل 5 ملايين في الثانية على مدى يوم وسنة وقرن طيلة الدهر.

هذا هو بالضبط مايحدث في النجوم وما حدث في السوبرنوفا التي تركزت فيها الكتلة في حيز صغير مسببة ذلك الانفجار الذي يقول العلماء عنه انه اوجد الكون ونجم عن الانفجار طاقة هائلة وجسيمات النيوترينو.

سادسا: كيفية تكوّن الكواكب والنجوم؟

يشير العلماء الى ان الكواكب والنجوم وجدت بعد الانفجار الكبير الذي وقع منذ مايقرب من 10-20 بليون سنة وظل الكون شفافا بسبب هذا الاشعاع لنحو 700 الف سنة بعد الانفجار الكبير ومنذ ذلك الوقت اخذت المادة تتكتل معا في نجوم ومجرات.

واثناء ذلك استمر الاشعاع يتمدد ويبرد وهو الان عند درجة حرارة 270 درجة مئوية ويهب هذا الاشعاع على جسمات المادة التي تشكل البنيات ذات المقياس الكبير في السموات. ويهبّ هذا الاشعاع على جسيمات مكونة في النهاية من الالكترونات والكواركات (بذور النوى الذرية) واشياء اخرى قليلة، تندمج كلها معا في الحرارة الاولية للانفجار الكبير عندما تكون درجة الحرارة بلايين عديدة من الدرجات.

وتتخثر الطاقات الى جسيمات وضديد الجسيمات:

اي كيانات من الكتلة نفسها، ولكن فيها شحنة كهربائية مضادة للجسيم المناظر.

وهكذا فإن الالكترون ذا الشحنة السالبة يتشكل ومعه نظيره ذو الشحنة الموجبة اي البوزيترون، وبالمثل فإن الكواركات التي تتجمع معا فيما بعد لتشكل البروتونات والنيوترونات، يتم تشكيلها ومعها ضديدات الكواركات (التي يصنع منها ضديدات البروتونات وضديدات النيوترونات والالكترونات إذ تحبط بالبروتونات تصنع ذرات المادة والبوزيترونات اذ تحيط بضديدات البروتونات وضديدات النيوترونات تصنع ذرات ضديد المادة)[16].

هذا مايقوله العلماء اما ماتقوله الروايات فإن جزئيات الماء عندما فرقتها النار تحولت الى دخان ورماد.

والدخان هنا اشارة الى الغازات التي تولدت من الماء منها غاز الهيدروجين غاز الاوكسجين ومن الهيدروجين تكون غاز الهليوم وهكذا ظلت عمليات الاندماج بين البروتونات قائمة حتى نتج منها بقية العناصر الثقيلة التي اصطلحت عليها الروايات بـ(الرماد) وهي مادة الارض.

وقد اشار (كلوز) الى هذه الحقيقة قائلا:(وفي هذه اللحظات الاولى من الانفجار الكبير حيث الكون ساخن بما لايمكن تصوره، اي اسخن كثيرا من اي نجم الان، فإن اي جسيمات ساخنة سوف تندفع فيما حولها مثل كل شيء آخر.

ولكن الكون بردت حرارته كما يبرد قدح القهوة في سيبيريا، وبالتالي تجمدت الجسيمات الثقيلة ساكنة خلال ثوان.

اما الجسيمات الأخرى الأخف فهي تتجمع لتبني المجرات والنجوم ثم تبني في النهاية المادة المألوفة اليوم)[17].

فالجسيمات الخفيفة واصلت اندماجها واحتراقها بينما الجسيمات الثقيلة استقرت على شكل كواكب وكويكبات.

النتيجة:

نجد بعد هذا الاستعراض كم تتطابق روايات واحاديث اهل البيت عليهم السلام مع معطيات العلم الحديث لانقول ذلك ضعفا،ولانريد من ذلك ان نستدل على صحة الروايات فهي صحيحة ومتينة حتى لو اخطأ العلم الحديث.

لكن مانريد ان نقوله هنا هو ضرورة العودة الى هذه الاحاديث والروايات لانها تشكل منظومة حقائق لايمكن ان نعيش بدونها حتى مع اقصى مايصل العلم من تقدم وتطور.

المصادر:

1. End Cosmic catastrophe And the fate of the Universe, frak Close, First published 1988, simon schuster, England.

2. الكليني، أبي جعفر محمد بن يعقوب: الفروع من الكافي، دار الكتب الاسلامية، إيران، 1350 هـ.ش.

3. القمي، علي بن إبراهيم: تفسير القمي، ط1، دار الحجة إيران قم.

4. علي بن أبي طالب: نهج البلاغة، دار المعرفة، بيروت لبنان.

5. التستري: بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة، دار أمير كبير، ط. طهران، 1418 هـ.ق.

6. ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة، مؤسسة اسماعيليان، قم، إيران.

7. المجلسي (محمد باقر) بحار الأنوار: المكتبة الإسلامية، ط2، طهران، 1394 هـ.ق.

8. الجوهري اسماعيل بن حماد: الصحاح، ط ع، دار احياء التراث العربي، بيروت، 2005م.

الهوامش

 


 

[1]- End Cosmic.page 214.

[2]- p.237

[3] Endp.287

[4]-Endp. 288

[5]- الكافي: 2/65ح86.

[6]- آل عمران/96.

[7]- تفسير القمي 2/69.

[8]- الكليني: الكافي 8/49ح76.

[9]- الخطبة الاولى من نهج البلاغة.

[10]- بهج الصباغة 1/418.

[11]- ابن ابي الحديد 1/27.

[12]- المجلسي: بحار الانوار 57/184

[13]- صحاح اللغة: الجوهري 4/1507

[14]- ص244.

[15]- الكليني: الكافي 8/94.

[16]- p.250.

[17]- ص37.