الحدود و التعزيرات وأثرها في استقرار المجتمع (حد الحرابة إنموذجاً)
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وآله الطيبين الطاهرين.
إن الهدف الأسمى للشريعة الإسلامية هو الحفاظ على الأمن والاستقرار وترسيخ ذلك في المجتمع فهو مطلب أكدت عليه النصوص القرآنية والسنة الشريفة، قال تعالى:)وَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً(، وبالإضافة إلى الأمن والاستقرار أكدت الشريعة السماوية أيضاً على الحفاظ على ضرورات الإنسان وهي الدين والعقل والنفس والعرض والمال والحفاظ عليها يكون بإقامة العقوبات الشرعية من الحدود و التعزيرات في حق الجناة، وأما إذا ضيعت حدود الله أو أسقطت أو فرّق فيها بين الغني والفقير أو شفع فيها شافع وقُبلت شفاعته بعد أن رفعت إلى القاضي فهذا يؤدي إلى عواقب لا تحمد عقباها، مما يؤدي إلى وقوع الأزمات والكوارث والحروب بين المذاهب والطوائف، ومن هذه الحدود التي يفترض تسليط الضوء عليها والبحث فيها لأنها موضع حاجة للمجتمع الإسلامي بصورة عامة والمجتمع العراقي بصورة خاصة نظراً للظروف القاهرة التي يمر بها هذا البلد هو حد الحرابة، فهي من الجرائم العظيمة وهي قطع الطريق وتهديد الناس بالسلاح لأخذ أموالهم ويطلق على هؤلاء قطاع الطرق فهم يخرجون على الناس بأنواع الأسلحة، قال تعالى )إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ يَسْعَوْنَ فِي الأْرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَ أَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأْرْضِ ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا وَ لَهُمْ فِي الآْخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ(، هذه الآية هي من آواخر ما نزل من القرآن أي بعد أن عالج القرآن كل ما يتعلق بالانحرافات الفردية والاجتماعية فهذه الآية لا تتكلم عم موضوع عادي أو جريمة كالجرائم المعروفة التي تحصل في المجتمعات المؤمنة وغير المؤمنة وإنما جريمة لها أثرها على الفرد والمجتمع، فقطاع الطرق عصابات مختلفة تختلف بإختلاف جرائمهم كعصابات القتل والسرقة وعصابات الخطف ويدخل في حكمهم كل ما يقع من ذلك سواء كان تهديداً بالسلاح أو زرع المتفجرات أو حرق المباني ونسفها، وأخذ الرهائن فكل هذه الأمور محرمة لما فيها من ترويع للناس والاعتداء عليهم بغير الحق لهذا كانت عقوبة الحرابة من أقسى العقوبات لكن لكل نوع من هذه العصابات حد خاص بها حسب نوع الجريمة التي ارتكبتها.
فالشريعة الإسلامية اشتملت على أفضل المبادئ والعقوبات التي تكفل للإنسان سعادته في الدارين، فأقامتها (الحدود) رحمة بالجناة والمجتمع الذي يعيشون فيه وبث روح العدل بين الناس كي لا تضطرب الأمور والحد لا يقام إلا إذا ثبت على الشخص البالغ العاقل المتعمد العالم بالتحريم والملتزم بأحكام الإسلام.
أقتضت طبيعة البحث تقسيمه على ثلاث مباحث:
المبحث الأول: مفهوم الحدود والتعزيرات في الفقه الإسلامي.
المبحث الثاني: مفهوم الحرابة والمحارب وشرطهما.
المبحث الثالث: الأثر المترتب على حد الحرابة ودوره في استقرار المجتمع.