تصنیف البحث: القانون
من صفحة: 305
إلى صفحة: 346
النص الكامل للبحث: PDF icon 180605-181215.pdf
خلاصة البحث:

النمو الحاصل في العلاقات القانونية الخاصة العابرة للحدود، أدى إلى أن تخفف كل دولة من التمسك بمبدأ الإقليمية المطلقة في تطبيق قوانينها، والسماح لمحاكمها وسلطاتها بتطبيق قوانين الدول الأخرى على العلاقات والروابط التي تتصل بها. وهذه المسألة تحتاج إلى الترجيح بين القوانين التي تتصل بها العلاقة القانونية ذات العنصر الأجنبي، سواء من ناحية أشخاصها أو موضوعها أو سببها أي الواقعة المنشئة لها.وهذا ما يسمى بالتنازع الذي يستلزم تفضيل أحد القوانين الوطنية أو الأجنبية وتطبيقه على النزاع، ويتم ذلك بالرجوع إلى قواعد الإسناد (تنازع القوانين من حيث المكان)، التي يضعها المشرع الوطني، فكل دولة تضع لنفسها ما تراه ملائما من قواعد الإسناد. وتؤدي حرية الدول في اختيار قواعد تنازع القوانين إلى تنوع هذه القواعد واختلافها بالنسبة للعلاقة الواحدة.، خاصة بعد التحولات الجذرية التي حصلت في العراق عام 2003، والانفتاح في جميع النواحي لاسيما الاقتصادية منها والتعاملات المالية والتجارية، لما يحتاجه العراق من المشاريع الاستثمارية التي يمكن أن تساهم في إعادة بناه التحتية وإعادة أعمار البلد.

Abstract

The growth of the legal relations of cross-border, led to the ease of each State to adhere to the principle of absolute territorial in the application of its laws, and allow the courts and powers of the application of laws of other countries on the relations and links to which they relate. This issue needs to weigh up the laws that relate to the legal relationship with a foreign element, both in terms of their subjects or subject matter or caused by any incident establishing them. This is called Balthazar which requires preference for a national law or foreign and applied to the conflict, and this is done by reference to the rules Attribution (Conflict of laws in terms of location), established by the national legislature, each state sets for itself as it deems appropriate rules of attribution. And lead the freedom of States to choose the conflict of laws rules to the diversity of these rules and different for each relationship., especially after the radical transformations that took place in Iraq in 2003, and openness in all aspects, especially in the economic and financial and commercial transactions, what Iraq needs investment projects that can contribute in the recons traction of its infrastructure and rebuilding the country.

البحث:

المقدمة

إن القانون بمفهومه الضيق والواسع معا، لم يكن يوما علما مغلقا أو جامدا يستمد سبب وجوده ومضمونه، ليس من ذاته بل من الظروف الواقعية للحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية...ولما كانت مصالح الأفراد وظروف الحياة تختلف من مجتمع إلى آخر، فإنه من المنطقي أن تختلف القواعد القانونية السارية أو المطبقة في مجتمع معين عن تلك السائدة في مجتمع آخر، وأن القواعد القانونية تسري داخل حدود إقليم المجتمع الذي نشأت أو صنعت له. وبالتالي النمو الحاصل في العلاقات القانونية الخاصة العابرة للحدود، أدى إلى أن تخفف كل دولة من التمسك بمبدأ الإقليمية المطلقة في تطبيق قوانينها، والسماح لمحاكمها وسلطاتها بتطبيق قوانين الدول الأخرى على العلاقات والروابط التي تتصل بها. وهذه المسألة تحتاج إلى الترجيح بين القوانين التي تتصل بها العلاقة القانونية ذات العنصر الأجنبي، سواء من ناحية أشخاصها أو موضوعها أو سببها أي الواقعة المنشئة لها.وهذا ما يسمى بالتنازع الذي يستلزم تفضيل أحد القوانين الوطنية أو الأجنبية وتطبيقه على النزاع، ويتم ذلك بالرجوع إلى قواعد الإسناد (تنازع القوانين من حيث المكان) التي يضعها المشرع الوطني، فكل دولة تضع لنفسها ما تراه ملائما من قواعد الإسناد. وتؤدي حرية الدول في اختيار قواعد تنازع القوانين إلى تنوع هذه القواعد واختلافها بالنسبة للعلاقة الواحدة.

وقد نظم المشرع العراقي هذا الموضوع في القانون المدني رقم 40 لسنة 1951الم، الذي نسلط عليه الضوء في بحثنا هذا بصفة أساسية على قواعد تنازع القوانين فيه، لنرى مدى كفايته أو نقصه أو حاجته للتعديل أو الإضافة.لكون تنازع القوانين يعتبر من أهم موضوعات القانون الدولي الخاص، وتزداد هذه الأهمية مع مرور الزمن لأن الدول لا يمكن أن تعيش منعزلة فتوصد أبوابها في وجه الأجانب وتمنعهم من الدخول والإقامة أو التوطن فيه، خاصة بعد التحولات الجذرية التي حصلت في العراق عام 2003، والانفتاح في جميع النواحي لاسيما الاقتصادية منها والتعاملات المالية والتجارية، لما يحتاجه العراق من المشاريع الاستثمارية التي يمكن أن تساهم في إعادة بناه التحتية وإعادة أعمار البلد.كذلك إنشاء محكمة متخصصة في نظر النزاعات التجارية الخاصة الدولية في بغداد، وحاجة القضاة إلى قواعد من شأنها أن تساعد وترشد القاضي في اختيار القانون الواجب التطبيق في النزاعات المعروضة على المحكمة. وبالتالي هذا كله قد ينتج عنه نوع من النزاعات ذات الطابع الدولي لعلاقات الأشخاص والشركات الاستثمارية الأجنبية. التي تستلزم إيجاد الحلول المناسبة لها.

لذا سنتبع في هذا البحث المنهج الوصفي التحليلي للوصول إلى نتائج يمكن أن تساهم في تصحيح مسار القانون وجعله يتلاءم مع التطورات الحاصلة في العراق.

المبحث الأول: البناء الفني لقاعدة الإسناد

أن الطابع الفني في قاعدة الإسناد الذي سنتعرض له تفصيلا فيما بعد، مقتضاه أن الحل الموضوعي للنزاع لا تقدمه تلك القاعدة، بل يقدمه القانون الوطني أو الأجنبي، الذي تحدده قاعدة الإسناد، فهي أذن قاعدة وسيطة Règle Médiate بين القاضي المختص والقانون واجب التطبيق على العلاقة محل النزاع([1]).

ويجسد الطابع الفني القول بأن قاعدة الإسناد هي أداة مفاضلة Préférentiel بين القوانين التي تتزاحم لحكم العلاقة القانونية ذات العنصر الأجنبي، وأداة إرشاد إلى القانون الملائم، فمن خلالها يتم الموازنة والترجيح بين أسباب كل منها في حكم العلاقة القانونية. وتلك المفاضلة يفرضها أمران، الأول أن قانون القاضي lex Fori ليس هو الأفضل دائما في أحكامه، التي قد لا يتلاءم مع حاجات المعاملات التي تتم عبر الحدود، بالنظر إلى أنها موضوعة أصلا لتنظيم المعاملات الوطنية التي تتم داخل إقليم البلد، والثاني أن كافة قوانين دول العالم بما فيها قوانين الدول التي تتصل بها العلاقة محل النزاع، لديها قدر و القابلية للتطبيق وتقديم حل موضوعي معين لذلك النزاع([2]).

ولغرض الوقوف على تفصيلات أكثر، سوف نبين في مطلب أول ماهية قاعدة الإسناد، وفي مطلب ثان نبين من خلاله نطاق قاعدة الإسناد.

المطلب الأول: ماهية قاعدة الإسناد

تعتبر قاعدة التنازع قاعدة قانونية de Droit Règle بالمعنى الصحيح، وهي تشترك مع القواعد القانونية العامة في بعض مكونات ماهيتها، إلا أنها تتميز عنها فيما وراء ذلك.ولغرض بيان ماهية قاعدة الإسناد يقتضي أن نتعرض لمفهوم قاعدة التنازع في مطلب أول، وبيان أركانها في مطلب ثان، وخصائصها في مطلب ثالث.

الفرع الأول: مفهوم قاعدة الإسناد

من المسلم فيه أن قواعد الإسناد هي قواعد وضعية Règle Positive، أي من وضع السلطات المختصة في كل دولة حسب ما تراه مناسباً ويحقق مصلحتها ومواطنيها في آن واحد([3]). وهذا يعني أن لكل دولة قواعد إسناد خاصة فيها، والتي قد تختلف عن القواعد النافذة في الدول الأخرى. كما أن طابعها الوضعي لا يعني دائما أنها من صنع المشرع، فقد تكون من صنع القضاء كما هو الحال في فرنسا وانكلترا وغيرهما، بل إن أغلب هذه القواعد نشأ في الأصل نشأة عرفية. كما أنها يمكن أن يكون مصدرها في الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالقانون الدولي الخاص([4]).

اولا/ تعريف قاعدة الإسناد

يمكننا تعريف قاعدة الإسناد بأنها (قاعدة قانونية وضعية ذات طبيعة فنية، تسري على العلاقات الخاصة الدولية، فتصطفي أكثر القوانين مناسبة وملائمة لتنظيم تلك العلاقات، حينما تتعدد القوانين ذات القابلية للتطبيق عليها).([5])

وهذا التعريف لا يغنى عن حقيقة أن قاعدة الإسناد هي التي تسند العلاقة إلى نظام قانوني معين، أو هي القاعدة التي تحدد القانون الواجب التطبيق بالنسبة لعلاقة قانونية تشتمل على عنصر أجنبي، من خلال اختيار القانون الملائم إذا وقع تنازع بين القوانين.

 ثانيا/ وظيفة قاعدة الإسناد

يرى بعض من الفقه الحديث([6])،أن القانون كالقضاء كل منهما يمثل مظهراً من مظاهر سيادة الدولة.فلكل دولة نطاق اختصاص إقليمي تمارس فيه سلطتها التشريعية، ويسري فيه القانون الذي تصدره، ولا يقبل داخل هذا النطاق الإقليمي سريان قانون دولة أجنبية.

والأمر كذلك فان قاعدة التنازع لا يكون لها غير وظيفة سياسية la Fonction Politique، وهي تحديد السيادة التشريعية الوطنية، وعدم ترك ذلك للدول الأخرى. ولكن يجب عند إعمال تلك القاعدة وفض تداخل السيادات التشريعية، مراعاة أكبر قدر من الاحترام المتبادل بين تلك السيادات، وهذا يتم باختيار أوثق القوانين ارتباطا بالعلاقة القانونية ذات العنصر الأجنبي([7]).

عندما نمعن النظر بالرأي السابق للفقه، فلا يمكن التسليم به كون وظيفة قاعدة الإسناد ليست حل التنازع بين سيادات الدول التي تتصل بالعلاقة القانونية ذات العنصر الأجنبي. فمن جهة يلاحظ أن فكرة السيادة في حد ذاتها غير محددة المضمون، وهي فكرة سياسية أكثر منها قانونية. وتوحي بأن الأمر يتعلق بتنازع مصالح عامة للدول التي تتصل بها العلاقة محل النزاع. والحقيقة غير ذلك، فالمشكلات التي تعنى بحلها قاعدة الإسناد هي تلك التي لا تمس مصالح الدول، وإنما التي تتصل بالمصالح الخاصة للأفراد. وإذا قلنا بأن قاعدة الإسناد تختار القانون الملائم والمناسب، فالمقصود هو الملاءمة والمناسبة بالنسبة لتلك المصالح والعمل على نموها عبر الحدود، وذلك بغض النظر عما إذا كان ذلك القانون يلبي الحاجات والمصالح الذاتية للدول من عدمه.ونصل إلى القول أن قاعدة الإسناد لهل وظيفة قانونية la Fonction Juridique بالدرجة الأساس([8])، وتتمثل بثلاثة أمور هي:-

الأول / مشاركة كل دولة في تنظيم الروابط والعلاقات التي تتم بين الأفراد عبر الحدود. أي تترجم نصيب كل دولة مع الدول الأخرى في تنظيم العلاقات الخاصة الدولية.

الثاني / تحقيق الآمان في تنظيم العلاقات الخاصة الدولية، وذلك عن طريق اختيار القانون الملائم والمناسب لذلك التنظيم، حتى ولو كان هذا القانون قانونا أجنبيا وليس قانون القاضي.

الثالث / تبرير تطبيق القانون الأجنبي، فقاعدة الإسناد تقدم الأساس أو التبرير القانوني المقبول لتطبيق قانون دولة أجنبية من جانب محاكم دولة معينة، بالأفضلية على قانونها الوطني، أي أن قاعدة الإسناد تفتح الباب أمام نفاذ قانون دولة أمام سلطات دولة أخرى، وتعكس تسامح المشرع الوطني في تطبيق السلطات الوطنية لقانون من وضع مشرع أجنبي. ولكن كيف تترجم صياغة قاعدة الإسناد هذا التسامح...؟هذا ما نحاول الرد عليه من خلال بحث أركان قاعدة الإسناد.

الفرع الثاني: أركان قاعدة الإسناد

إنَّ قاعد الإسناد تشترك مع سائر قواعد القانون في الأركان التي لا يمكن لقاعدة قانونية أن تقوم بدونها. غير أنها تفترق عنها في ذاتية تظهر خصوصيتها، وتساعدها على النهوض بوظيفتها التي أناطها المشرع بها على نحو ما اشرنا إليه من قبل. لذا سنخصص النقطة الأولى لبحث الأركان الخارجية وفي النقطة الثانية للأركان الداخلية لقاعدة الإسناد.

اولا/ الأركان الخارجية

الأركان الخارجية في القاعدة القانونية عموما هي:-

  1. ركن الفرض:- الثابت في الفن القانوني أن القاعدة القانونية la Règle de Droit قاعدة عامة مجردة، أي أنها عند نشأتها تخاطب الأفراد والأشياء بصفاتهم وليس بذاتهم، ولا تقصد فردا بعينه أو شيئا محدد.

وعند التطبيق تسري على الجميع ما لم يرد استثناء يقيد عمومها، بالنسبة للأفراد أو الأشياء أو الوقائع. وصفة العمومية والتجريد في القاعدة القانونية يعني أنها قاعدة فرضية Règle Hypothétique ([9])، بمعنى أن عنصر الأمر الذي تتضمنه يرتبط بصفة في الشخص أو الشيء أو الحدث، ولا يسري حكم ذلك الأمر إلا في الفرض الذي تتوفر في الشخص أو الشيء أو الحدث تلك الصفة. وعلى هذا الأساس يمكن القول أن ركن الفرض هو، عبارة عن وصف لوضع معين أو مجموعة من الأوضاع مثل إبرام زواج أو ارتكاب عمل خاطئ أو إبرام عقد.... ويحتوي الفرض على شروط انطباق القاعدة القانونية.

أما ركن الفرض في مجال تطبيق قواعد الإسناد، فهو مسألة أو وضع معين أو مجموعة المسائل والأوضاع الواقعية. وهذا يشكل النطاق أو الإطار l étendue لعمل قاعدة الإسناد. من ذلك مثلا الحالة المدنية وأهلية الشخص، أو الشروط الموضوعية للزواج أو الطلاق والتفريق أو النسب أو شكل التصرفات.... وفي مجال العلاقات والروابط ذات العنصر الأجنبي أو الطابع الدولي، فأن الوصف القانوني لا يلقها إلا بمقتضى القانون واجب التطبيق عليها، والذي تختاره وتحدده قاعدة الإسناد([10]). فتلك القاعدة بذاتها لا تضفي الوصف القانوني على العلاقات والروابط التي تحدد نطاق إعمالها ولعل هذا هو السبب في ميلاد مشكلة التكييف Qualification.

2- ركن الحكم:- هو الحكم أو الأثر القانوني le dispositif – effet juridique، أي الحل الذي يقرره القانون بالنسبة للوضع الواقعي أو مجموع الأوضاع الواقعية، وينطبق الحكم عند توفر عدة شروط وظروف محددة في الفرض([11]). بحيث القاعدة القانونية تقيم علاقة شرطية Relation conditionnelle بين ركن الفرض وركن الحكم فيها، بحيث إذا توفرت شروط الفرض وجب إعمال الحكم. فمثلا تنص المادة(204) من القانون المدني العراقي على أن (كل تعد يصيب الغير بأي ضرر آخر غير ما ذكر في المواد السابقة يستوجب التعويض). ومقتضى النص هذا أنه إذا سبب شخص بخطئه ضررا للغير(ركن الفرض)، فأنه يتعين إلزامه بالتعويض (ركن الحكم). أما في قاعدة الإسناد فيعني الحكم هو الإرشاد إلى القانون الذي يحكم العلاقة أو الرابطة محل النزاع، ويظهر ركن الحكم بصيغ مختلفة، فبالنسبة للحـالة والأهلـــــية للأشـــخاص (ركن الفرض)يسري عليها قانون الدولة التي ينتمون إليها بجنسيتهم (ركن الحكم)، وبالنسبة لآثار الزواج (ركن الفرض) يسري قانون الدولة التي ينتمي إليها الزوج وقت انعقاد الزواج (ركن الحكم)، وهكذا...

غير أنه ينبغي توجيه النظر إلى أن ركن الحكم في قاعدة الإسناد ينطوي على الإلزام الموجه للمخاطب بقاعدة الإسناد بتطبيق القانون الذي ترشد إليه وتختاره تلك القاعدة، والأمر يتعلق هنا بالتزام Obligation حقيقي([12])، ونقصد بالمخاطب هنــا بقاعــدة الإسناد هــو سلطات الــدولة الصادرة عـنـهـا

وبالدرجة الأولى محاكم تلك الدولة، لكونها يجب أن تلتزم دون غيرها بتطبيق تلك القاعدة عند توفر الشرط الأساسي لذلك، وهو وجود علاقة ذات عنصر أجنبي. ويمكن القول أن أطراف العلاقة هذه هم المخاطبون بقاعدة الإسناد بطريق غير مباشر. عندها تسمح قاعدة الإسناد لهم بتحديد القانون الواجب التطبيق، أو يتمسكون بتطبيق قانون معين أمام الجهات القضائية وغيرها.ويبدو أن ركن الحكم هو المميز الأصيل لقاعدة الإسناد ويظهر في ذات الوقت الأركان الذاتية لها، كما سنرى في الفرع التالي.

ثانيا/ الأركان الداخلية

قاعدة الإسناد هي قاعدة قانونية لها طبيعة فنية ووظيفة خاصة([13])، هي اختيار القانون الملائم والمناسب كما قلنا سابقا لحكم العلاقات الخاصة الدولية. وإذا حللنا إحدى قواعد الإسناد التي أوردها المشرع العراقي في القانون المدني، تبين لنا أنها تقوم على ثلاثة أركان هامة. فمثلا تنص المادة (19/2) على أنه (يسري قانون الدولة التي ينتمي إليها الزوج وقت انعقاد الزواج على الآثار التي يرتبها عقد الزواج بما في ذلك من أثر بالنسبة للمال). والأركان الداخلية التي احتواها النص السابق هي:-

1) موضوع الإسناد أو الفكرة المسندة Notion Rattachée، وهو الوضع أو الحالة الواقعية التي تشكل مضمون ركن الفرض السابق بيانه، وتتعدد بشأنه الحلول القانونية بسبب اتصاله بالنظام القانوني لأكثر من دولة([14]).

2) ضابط الاختيار Critère de Choix أو ظرف الإسناد Circonstances، وهو الذي يحدد بطريقة مجردة القانون الواجب التطبيق([15]). وهذا الضابط هو أو المعيار الذي يظهر فيه المشرع تفضيله لقانون معين، أو إعراضه عن باقي القوانين التي تعرض حلولها الموضوعية لتنظيم العلاقة ذات العنصر الأجنبي. ومن المعروف أن أي علاقة أو رابطة تتكون من ثلاثة عناصر، الأطراف والمحل والسبب أو الواقعة. فالسؤال الذي يمكن أن يثار هنا، كيف يمكن أن يستمد ضابط الاختيار من عناصر العلاقة القانونية...؟

فمن ناحية عنصر الأطراف les parties، يلاحظ أنه أهم العناصر في العلاقة التي تتصل بالشخص أو ما يسمى علاقات الأحوال الشخصية مثل، الأهلية والزواج والنسب والنفقة... ويكون من البديهي أن يختار المشرع ضابط الاختيار انطلاقا من عنصر الأطراف، باعتباره العنصر الذي يمثل مركز الثقل في العلاقة، فيتخذ من جنسية أو موطن الشخص أو الزوج أو الولد ضابطا لاختيار القانون واجب التطبيق، فيكون قانون الدولة التي ينتمي إليها الشخص بجنسيته هو ذلك القانون([16]). وهذا ما عمله القانون العراقي عندما جعل من ضابط الجنسية الوسيلة التي يتحدد بمقتضاه، ويتم اختيار القانون الواجب التطبيق على مسائل الأحوال الشخصية، وذلك في المواد (18-23) من القانون المدني العراقي.

ومن ناحية عنصر المحل l’objet، فيبرز دوره في مجال الأشياء محل التعامل أو الأموال عموما. ويقدر المشرع عادة أن مسائل الملكية ونقل الحقوق العينية على الأموال أوثق صلة بقانون الدولة التي يقع بها المال محل التعامل أكثر من أي قانون آخر، فيتخذ من موقع المال ضابطا اختيار القانون واجب التطبيق على تلك المسائل. فيقرر المشرع أنه يسري على الملكية وسائر الحقوق العينية قانون موقع المال المنقول أو العقاري([17])، وهذا ما أتجت إليه أغلب القوانين في العالم ومنها القانون العراقي (م 24) مدني.

ومن ناحية عنصر السبب la cause،أو الواقعة المنشئة للعلاقة أو الرابطة بين الأطراف. فيبدو أنه العنصر الهام الذي يزود المشرع بضابط الاختيار، بالنظر إلى صعوبة تركيزه مكانيا. وتحتل الإرادة مركز الثقل في التصرفات القانونية، أو الاتفاقات والعقود عموما، فيكون قانون الإرادة الذي تختاره الأطراف هو ذلك القانون الواجب التطبيق. كما تحتل الواقعة المادية أو العمل الضار أو النافع أهمية خاصة في مجال المسؤولية المدنية غير التعاقدية([18]). ونجد أن تلك المسؤولية أوثق صلة بقانون مكان حدوث تلك الواقعة أو العمل. فيتخذ من ذلك المكان ضابطا لاختيار القانون واجب التطبيق، فيقول أنه يسري على المسؤولية عن العمل الضار أو النافع قانون البلد الذي وقع فيه العمل المنشئ للالتزام (م 27) مدني عراقي.

الفرع الثالث: خصائص قاعدة الإسناد

إنَّ قاعدة الإسناد كأي قاعدة قانونية أخرى،لها خصائص يستدل بها عليها وتميزها عن غيرها. وهذه الخصائص يمكن أن نصنفها بنوعين الأولى عامة والأخرى ذاتية. وسوف نبحث كلا منها في فرع مستقل.

 اولا/ الخصائص العامة

بالإضافة إلى أتصاف قاعدة الإسناد بالخصائص المألوفة للقاعدة القانونية عموما، كقاعدة عامة لتنظيم السلوك الاجتماعي، إلا أن هناك من الخصائص العامة الأخرى، ما يثير بعض التساؤلات بخصوص قاعدة الإسناد بالذات وهي:-

1) قاعدة الإسناد قاعدة ملزمة([19]):- Règle Obligatoire

في المنازعات الوطنية، إذا عرض على القاضي الوطني نزاعا مجردا من أي عنصر أجنبي، وجب عليه الفصل فيه ورد الاعتداء عن الحق أو المركز القانوني المدعى به، بتطبيق حكم القواعد القانونية في قانونه، أي هناك التزاما على عاتق القاضي بتطبيق القانون، وأن خالفه عد منكرا لأداء العدالة وترتبت مسؤوليته القانونية.

أما في المنازعات الخاصة الدولية، فالأمر مختلف، فهنا تثار مشكلة اختيار القانون واجب التطبيق. فإذا تمسك أحد الخصوم بتطبيق قانون أجنبي معين، وتمسك الآخر بتطبيق قانون القاضي أو قانون أجنبي لدولة ثانية، فهل يستطيع القاضي أن يحل تلك المشكلة بتطبيق قانونه الوطني في قواعده الموضوعية مباشرة، متفاديا تعقيد الموقف ومستبعدا أو متجاهلا الرجوع إلى المنهج الفني Méthode Technique المشار إليه أصلا لحل المشكلة المذكورة...؟

وبعبارة أخرى هل يلتزم القاضي بإعمال قاعدة الإسناد من تلقاء نفسه، طالما توفر الشرط الأساسي لذلك الإعمال، وهو وجود منازعة تتعلق بعلاقة ذات عنصر أجنبي أو طابع دولي.؟

للإجابة عن هذا الإشكال... يجب أن نفرق بين فرضين: الأول، أن يتمسك الخصوم بتطبيق قاعدة الإسناد، وهنا لا مفر أمام القاضي من الرد بالإيجاب وتطبيق القاعدة المناسبة في قانونه. أما الفرض الثاني، أن يتجاهل الخصوم أو ينسى الطابع الدولي للمنازعة ولا يتمسكون أو حتى يلمحوا إلى وجوب تطبيق قاعدة الإسناد. نرى في الفرض الأول لا يثير مشكلة كونها محسومة بتطبيق القاضي لقاعدة الإسناد المناسبة. ولكن المشكلة تثار في الفرض الثاني، حيث نرى أن قاعدة الإسناد قاعدة ملزمة ويتعين على القاضي إعمالها من تلقاء نفسه، وعدم التقاعس حتى يطلب منه الخصوم ذلك، ونستند في ذلك كون قاعدة الإسناد قاعدة قانونية بالمعنى الصحيح ولا تختلف في غايتها عن أي قاعدة من قواعد القانون الوطني، فهي تهدف إلى اختيار القانون الملائم لحكم العلاقات ذات الطابع الدولي بين الأفراد عبر الحدود.

إن اعتبار قاعدة الإسناد جزء من قواعد القانون الداخلي للقاضي، يوجب عدم تسويغ إعفاء القاضي من إعمالها من تلقاء نفسه، مثلما هو ثابت من عدم إعفائه من الالتزام بتطبيق سائر قواعد القانون([20]). ونقول هنا أنه يقع على عاتقه التزاما قانونيا بتطبيق تلك القاعدة وليس التزاما طبيعيا. وهنا يستلزم القول بأن على قضاة الموضوع الالتزام بإعمال قاعدة الإسناد من تلقاء أنفسهم، وعليهم في سبيل ذلك أن يستظهروا العناصر الأجنبية في النزاع، حتى ولو لم يثيرها أو يسكت عنها الخصوم، فإن تقاعسوا عن ذلك وطبقوا القواعد الموضوعية في قانون القاضي، فقد خالفوا القانون بما يستوجب الطعن بأحكامهم. كما يمكن الإشارة إلى أننا نرى إمكانية التمسك بإعمال قاعدة الإسناد في أي حال تكون عليها الدعوى، ولو لأول مرة أمام محكمة التمييز، حتى وإن لم يتمسك بذلك الخصوم. تعين على تلك المحكمة تطبيق القاعدة من تلقاء نفسها متى كان واضحا من الوقائع أمام محكمة الموضوع أن النزاع يشتمل على عنصر أجنبي.

2) قاعدة الإسناد قاعدة مجردة أو محايدة:- Règle abstraite ou neutre

بينا سابقا أن ضابط الاختيار الذي يمثل الركن الجوهري الذي بموجبه تنهض قاعدة الإسناد بوظيفتها، يأتي دائما مجردا لا يحدد قانون دولة معينة بالذات ليكون هو الواجب التطبيق، بل يرشد إلى وجوب تطبيق قانون الدولة التي يتركز فيها العلاقة أو الرابطة محل النزاع وتبدو أنها وثيقة الصلة بها أكثر من غيرها([21]).

وطابع التجريد caractère abstrait في ضابط الاختيار يجعل قاعدة الإسناد ذاتها تكتسب خاصية التجريد، بحيث أن تلك القاعدة لا تختار قانون دولة معينة بالذات، بالنظر إلى مضمون أحكامه وقواعده، ليبين النظام القانوني للعلاقة محل النزاع، بل تكتفي بالتفضيل بطريقة مجردة بين القوانين التي تتصل بالعلاقة وتبدي قابليتها لحكمها واختيار أنسبها وأجدرها([22]).

ثانيا/ الخصائص الذاتية

يمكن الإشارة هنا إلى نوعين من الخصائص الذاتية، الأولى كونها ذات طابع إرشادي والثانية ذات طابع ثنائي الجانب، وسوف نبين هذين الخاصيتين لقاعدة الإسناد بالتتابع:-

1) قاعدة الإسناد قاعدة إرشادية:-

إذا قلنا أن قاعدة الإسناد يتم بموجبها اختيار القانون الواجب التطبيق، فهذا يعني إنها ذات طابع إرشادي Caractère indicatif ([23])، أي تكتفي بالإشارة أو الإرشاد إلى القانون المختار الذي يقدم الحل الموضوعي للنزاع، وهي بذاتها لا تقدم الحل. فإذا ثار نزاع حول أهلية أحد الأجانب، فإن إعمال قاعدة الإسناد في قانون القاضي (م18) مدني عراقي، لا يقود إلى تحديد السن التي يكون عندها الشخص بالغا سن الرشد، بل إلى تحديد القانون الداخلي الذي يبين لنا ذلك السن وهنا يصدق ما سبق أن قلناه، من أن قاعدة الإسناد هي قاعدة وسيطة، بين القاضي المختص والقانون واجب التطبيق على العلاقة محل النزاع.

2) قاعدة الإسناد قاعدة ثنائية الجانب([24]):-

بينا فيما سبق أن قاعدة الإسناد هي قاعدة اختيار أو مفاضلة، وذلك الاختيار وتلك المفاضلة يمكن أن تكون لصالح قانون القاضي الذي يفصل بالنزاع، كما يمكن أن تكون لصالح قانون دولة أجنبية. وهذا هو المراد بالطابع الثنائي أو المزدوج لقاعدة الإسناد. فهذه الأخيرة لا تقرر دائما وجوب تطبيق قانون القاضي على المنازعات ذات العنصر الأجنبي، لأنه طالما كان القصد هو اختيار القانون الأصلح والأنسب لحكم العلاقة أو الرابطة محل النزاع، فإنه لا يمكن القطع بأن تلك الصلاحية تثبت دائما لقانون القاضي، بل قد تكون لمصلحة قانون أجنبي. لذلك تصاغ قاعدة الإسناد على نحو يعطي هذا الأخير فرصة للتطبيق. وتلك الصياغة تتجسد في التجريد الذي يكتسبه ضابط الاختيار أو الإسناد.

نعتقد أن طابع الثنائية في قاعدة الإسناد، هو الأرجح على الرغم من أن هناك رأيا([25])، يشير إلى أنه يجب أن تكون قاعدة الإسناد ذات طابع إسنادي إنفرادي، أي تكون ذات طابع أحادية الجانب، تقتصر على تحديد متى يكون قانون القاضي واجب التطبيق على منازعات العلاقات ذات العنصر الأجنبي، ولا شأن لها بتحديد حالات وجوب تطبيق القانون الأجنبي، حيث يجب أن يترك ذلك التحديد لقواعد الإسناد في ذلك القانون.

المطلب الثاني: نطاق قاعدة الإسناد

إنَّ انعدام التوافق بين القوانين الوطنية، مع حاجات الحياة الدولية للأفراد، خصوصا في جانبها الاقتصادي، أصبح هناك ضرورة وحاجة ملحة إلى إيجاد حلول موضوعية أو مادية، تتلاءم مع المعطيات الجديدة والتي تعمل على تلافي الاختلافات الناتجة عن تباين القوانين الوطنية. ومن أمثلة أدوات التجارة الدولية الحديثة التي لا تتلاءم مع القواعد القانونية الوطنية، نذكر منها العقود الدولية للإنتاج والتوريد وعقود نقل التكنولوجيا وعقود تسليم مفتاح باليد أو إنتاج في اليد وعقود التعاون الصناعي والمساعدة الفنية وكذلك عقود الاستثمار التي بدأ العراق فيها مؤخرا.

ولكن الذي نريد بيانه أن لكل قاعدة قانونية نطاق تطبق في حدوده. سواء كنا نتكلم عن النطاق ألزماني domaine temporal، أي الوقت الذي تكون فيه واجبة التطبيق وحكم صدور قاعدة جديدة على نفاذها، أو النطاق المكاني domaine spatial، الذي يبحث فيه عن نوع تنازع القوانين المكاني الذي تنهض لتسويته، وهل التنازع الدولي وحده، هل التنازع في المسائل الأصلية دون الأولية. وهناك كذلك النطاق الموضوعي domaine objectif أي المسائل الموضوعية ونوع العلاقات والروابط ذات العنصر الأجنبي، التي تنهض لفض النزاع بشأنها، هل هي علاقات ضمن القانون الخاص أم علاقات القانون العام([26]).

وتبدو أهمية تحديد نطاق سريان قاعدة الإسناد من ناحيتين، أولهما: إهمال المؤلفات العامة في هذا المجال بحث مشكلات نطاق سريان قاعدة الإسناد. وثانيهما: ظهور بعض الجوانب الجديدة التي تستدعي البحث، كتنازع القوانين في مجال القانون العام، وتنازع القوانين في المسائل الأولية، وكلها جوانب تثير الجدل حول فعالية قاعدة الإسناد ذاتها وجدواها في الإرشاد إلى القانون الواجب التطبيق. لذا سنبين هذا النطاق في ثلاث مطالب بالتتابع، في الأول لبيان النطاق الزمني، والثاني للنطاق المكاني، والثالث للنطاق الموضوعي.

الفرع الأول: النطاق الزمني

إذا حدث تعديل تشريعي في الدولة الوطنية، وترتب عليه تغير قاعدة الإسناد السارية من قبل، فإن الأمر يتعلق بتحديد القانون الواجب التطبيق، فهل يطبق هذا التعديل التشريعي تطبيقا فوريا أم لا...؟

فقد كان القانون الشخصي في ألمانيا حتى عام 1900 هو قانون الموطن، ثم حدث تعديل تشريعي تم بمقتضاه الأخذ بقانون الجنسية. وكذلك الحال في فرنسا سنة 1804. يتجه الرأي الغالب في الفقه ([27])،إلى استعارة الحلول المعمول بها في القانون الداخلي عندما يحدث تعاقب قانونين في داخل الدولة الواحدة بالنسبة لمسألة ما.

ومن الطبيعي أن يطبق في مجال تنازع القوانين نفس الحلول التي تطبق على الروابط القانونية الداخلية. إذ أن قواعد الإسناد تعد قواعد وطنية تقوم الدولة بوضعها على الرغم من تعلقها بالروابط الخاصة الدولية. فيكون المبدأ في حالة تعاقب قانونين متعلقين بتنازع القوانين هو تطبيق القانون الجديد بأثر فوري. وبالتالي يتعين على القاضي الوطني الذي يفصل في منازعات العلاقات الدولية للأفراد، كغيرها من المنازعات عموما أن يأخذ في الحسبان عنصر الزمن، لكونه يترك أثرا خطيرا في الحل النهائي للنزاع، خاصة إذا تعاقب بين قانونين أجنبيين أو أحدهما فقط وقانون القاضي، لا كنتيجة لتعديل قاعدة الإسناد ذاتها، بل كنتيجة لانتقال أو تغيير ضابط الاختيار أو الإسناد، وهذا هو التنازع المتحرك للقوانين conflit mobile ([28])، لذا سنبين ماهية التنازع المتحرك وكيفية حل هذا التنازع بنقاط متتالية.

 اولا/ التنازع المتحرك

بينا سابقا أن قاعدة الإسناد تقوم على ثلاثة أركان داخلية، هي الفكرة المسندة وضابط الاختيار أو الإسناد والقانون الواجب التطبيق. ولو ركزنا في الحديث على ضابط الاختيار أو الإسناد، لوجدناه يمثل عصب قاعدة الإسناد، حيث يلزم من وجوده وجودها ويلزم من عدمه عدمها. و عن طريقه تنهض قاعدة الإسناد بوظيفتها وتحدد القانون الواجب التطبيق، وبالتالي تغييره لأي سبب كان يولد مشكلة التنازع المتحرك... ولكن كيف...؟

يتكون ضابط الاختيار أو الإسناد من عنصرين هما: عنصر واقعي élément de fait، وعنصر قانوني élément de droit، فضابط الجنسية مثلا عنصره الواقعي هو تمتع الشخص بجنسية دولة معينة، أما العنصر القانوني فهو الجنسية ذاتها كنظام يفيد الانتماء إلى تلك الدولة، وكذلك ضابط موقع المال فعنصره الواقعي هو وجود المال ذاته في إقليم دولة معينة، أما عنصره القانوني فهو فكرة الموقع أي الحيز من المكان في دولة ما والذي يستقر فيه المال([29]).

وما تقدم يشير إلى إمكانية الأفراد في بعض الأحيان تغيير العنصر الواقعي من ضابط الاختيار أو الإسناد، وبالتالي يمكن القول أن ضوابط الاختيار عموما تقسم إلى نوعين هما: الأول، ضوابط قابلة للتغيير ومنها ضوابط الجنسية والموطن ومحل الإقامة وموقع المال المنقول وإرادة المتعاقدين. والثاني، ضوابط ثابتة لا تقبل التغيير، سواء كانت بطبيعتها كموقع المال العقاري، أو كنتيجة للتحديد القانوني لنطاقها الزمني كجنسية المتوفى في المواريث ووقوع الفعل الضار أو النافع. أذن مع القدرة على تغيير ضابط الإسناد وخلق مشكلة تزاحم عدد من القوانين، بالتأكيد يؤدي هذا التغيير إلى أن العلاقة القانونية بعد إن كانت مركزة في قانون دولة ما، أصبحت متركزة في مجال قانون دولة أخرى. وبالتالي على القاضي المعروض عليه النزاع أن يبحث عن حل ناجع لهذا النوع من التنازع.

ثانيا/ كيفية حل التنازع المتحرك

أما كيفية حل التنازع المتحرك، نجد أن المشرع العراقي حاله حال المشرعين في دول العالم، يقدم خدمة للقاضي إن أطلع هو بتحديد الوقت الذي يعتد فيه بضابط الاختيار أو الإسناد. والمتأمل في القانون العراقي وفي القوانين المقارنة، يدرك دور المشرع في حل التنازع المتحرك في كثير من الأحيان. ففي خصوص آثار الزواج، وهي حالة أو وضع قانوني مستمر نصت المادة (19/2) مدني عراقي على أن (يسري قانون الدولة التي ينتمي إليها الزوج وقت انعقاد الزواج على تلك الآثار). فتغيير الزوج لجنسيته بعد انعقاد الزواج لا يؤثر في وجوب تطبيق قانون الدولة التي أبرم الزواج في ظله. وفي مجال انحلال الزواج نصت المادة (19/3) مدني عراقي، بخصوص التطليق والانفصال على أن (يسري على التطليق والانفصال قانون الدولة التي ينتمي إليها الزوج وقت رفع الدعوى). أذن ليس العبرة بانتماء الزوج بجنسيته إلى الدولة التي سيطبق قانونها بوقت إبرام الزواج بل بوقت رفع الدعوى.فذلك القانون سيكون هو المختص ببيان أسباب التطليق أو الانفصال وآثار انحلال الزوجية([30]).

وفي مجال الأموال المنقولة نصت المادة (24) مدني عراقي على أن(يسري بالنسبة إلى المنقول قانون الدولة التي يوجد فيها هذا المنقول وقت وقوع الأمور الذي ترتب عليه كسب الحق أو فقده). ما تقدم في حالة تدخل المشرع لحل التنازع المتحرك. لكن السؤال يثار في حال تقاعس المشرع أو الاتفاقيات الدولية عن مواجهة المشكلة...؟

الحقيقة يوجد اتجاهان رئيسيان لحل مشاكل التنازع المتحرك للقوانين، الأول الذي ينادي باحترام الحقوق المكتسبة، ويقوم هذا الرأي([31]) على أن الحق الذي تم اكتسابه في دولة ما يتعين احترامه وعدم المساس به في الدول الأخرى. ويستند هذا الرأي إلى مبدأ سيادة الدولة. ووفقا لهذا الرأي فان قانون الدولة التي انتقل إليها المنقول أو الدولة التي اكتسب الشخص جنسيتها أو نقل موطنه إليها،هذا القانون لا يمكن أن يطبق بأثر رجعي على المراكز التي نشأت في دولة أخرى. لذلك إذا تزوج زوجان كلاهما يحمل الجنسية الاسبانية، ثم تجنس الزوجان معا الجنسية الفرنسية، فــان هذا التغيير في عنصر الإسناد (تغيير الجنسية)، ليس له أي تأثير فيظل النزاع خاضعا للقانون الاسباني، ومن ثم لا تقبل دعوى التطليق المرفوعة من أحد الزوجين تجاه الآخر في فرنسا، حيث أن الزواج غير قابل للانحلال في القانون الاسباني، في حين أن القانون الفرنسي يقبل العلاقة الزوجية.

وهناك رأي ثاني يتجه إلى استعارة الحلول المعمول فيها بالقانون الداخلي، وهـــو الرأي السائد في الفقـــه ([32]) إلى حل التنازع المتحرك للقوانين الصادرة من دولتين مختلفتين، عن طريق الرجوع إلى الحل المتبع في القانون الداخلي في تحديد مجال انطباق قانونين يتعاقبان في داخل الدولة. ويتلخص هذا الحل في أن قانون الدولة الجديدة يطبق فقط على الآثار المتعلقة بالتصرف القانوني الذي يتحقق في ظله، بينما يطبق قانون الدولة القديمة على الآثار التي تكون قد تحققت بالفعل في ظل قانون الدولة القديمة. و لا يوجد هنا تطبيق للقانون الجديد بأثر رجعي فهو يطبق تطبيقا فوريا لأن آثار المركز القانوني لم تتحقق في الدولة القديمة، وإنما في الدولة الجديدة.

ففي المثال المتعلق باكتساب زوجين أسبانيين للجنسية الفرنسية، يطبق القانون الاسباني في شأن صحة الزواج وفي آثار الزواج الأخرى التي تحققت قبل اكتساب الجنسية الفرنسية. أما طلب التطليق فهو باعتباره أثر لم يتحقق في ظل القانون الاسباني، فلا يطبق عليه هذا القانون وإنما يطبق عليه القانون الفرنسي، وهو قانون الدولة الذي يحدث الأثر في ظله([33]).

والواقع أن هذا الرأي يتفق مع الواقع وما ينبغي أن يوفر من استقرار في المراكز القانونية، كما أنه يقود إلى ازدهار علاقات التجارة الدولية. أما التمسك بسيادة الدولة القديمة لتطبيق القانون القديم على المراكز القانونية فهو غير صائب، فالذي يتعارض مع سيادة الدولة هو إخضاع الآثار المترتبة فيها لقانون الدولة الجديدة، ولكن الأمر على خلاف ذلك، إذ لا يخضع لقانون الدولة الجديدة سوى الآثار المستقبلية التي لم تترتب في الدولة القديمة، ومن الطبيعي خضوع هذه الآثار الجديدة لقانون الدولة الجديدة، لأن عدم خضوعها يتعارض من ناحية مع مبدأ السيادة الذي تتمتع فيه هذه الدولة، كما أنه يؤدي إلى عدم استقرار المراكز القانونية. ونأخذ مثالاً على ذلك بقاعدة (الحيازة في المنقول سند الملكية)([34])،فإذا افترضنا أن المنقول قد نقل من دولة تجهل هذه القاعدة إلى أخرى تقرها، فان عدم مراعاة القاعدة بحجة خضوع المنقول للقانون القديم سيؤدي إلى مطالبة الشخص بتقديم دليل على أن المنقول الذي تحت يده يدخل في ملكيته، وهو ما يتعارض مع الظاهر والذي من أجله وضعت القاعدة المشار إليها. ومن شأن ذلك أن يزرع عدم الثقة في المعاملات التي تتم على هذا المنقول باعتباره قادم من دولة أخرى، مما يهدد استقرار المراكز القانونية ويهدد أيضا تطور ونمو التجارة الدولية.

الفرع الثاني: النطاق المكاني

قد تتخطى العلاقات الخاصة (للأفراد)عبر حدود أكثر من دولة، وبالتالي قد تصبغ بالطابع الدولي أي تدخل في نطاق عمل القواعد القانونية لأكثر من دولة. وبما أنه لكل دولة سيادة على إقليمها وما تفرضه قواعد الإسناد في نظامه القانوني في اختيار أو الإشارة إلى القانون الواجب التطبيق، لذا قد يحدث تزاحم بين قانونين أو أكثر لحكم هذا النوع من العلاقات ذات العنصر الأجنبي. أما ذلك التزاحم أو التنازع أو التعدد الحاصل بين الشرائع المختلفة في دولة واحدة، فيبدو أنه خارج عن إطار عمل تلك القاعدة، وداخل في إطار عمل قواعد التنازع الداخلي في القانون المختار([35]).

وإذا كانت قاعدة الإسناد تهتم بتعدد القوانين الراجع إلى ظاهرة سيادة كل دولة على إقليمها، فهل يقتصر هذا الاهتمام على الاختيار بين القوانين بخصوص المنازعة الأصلية أم يمتد فيما وراء ذلك للاختيار بين القوانين التي تحكم المسائل الأولية، اللازم معرفة نظامها القانوني قبل فض التنازع الدولي بشأن المنازعة الأصلية، خصوصا إذا كانت القوانين التي تبدي قابليتها لحكم المسائل الأولية هي قوانين دول مختلفة، وبالتالي هل يفلت هذا التنازع من هيمنة قاعدة الإسناد في قانون القاضي، ليدخل في نطاق عمل قواعد الإسناد في القانون واجب التطبيق على المسألة الأصلية...؟

للإجابة عن هذه التساؤلات، سنبحث في نقطة أولى قاعدة الإسناد الوطنية وتعدد الشرائع، وفي النقطة الثانية نخصصه لقاعدة الإسناد والمسائل الأولية.

اولا/ قاعدة الإسناد الوطنية وتعدد الشرائع

من المشكلات أساسية التي قد تعترض القاضي الوطني، هو أن قاعدة الإسناد الوطنية تؤدي إلى اختيار قانون دولة أجنبية ذات نظام قانوني مركب([36])، أي تتعدد فيها الشرائع الداخلية تعددا إقليميا أو شخصيا وبيان تلك المشكلة وكيفية مواجهتها ونطاق عمل قاعدة الإسناد الوطنية بخصوصها، يقتضي منا التفصيل وعلى النحو التالي:

التنازع الدولي بين القوانين conflit international،هو ذلك التزاحم الناشئ بين قوانين صادرة عن دول ذات سيادة، وهو ما تهتم بفضه قاعدة الإسناد باختيار أنسبها لحكم منازعات الحياة الدولية للأفراد([37]). غير أن نعت (الدولي) يوحي بأن هناك تنازعاً داخلياً conflit interne، والتنازع الداخلي بين القوانين على ثلاثة أنواع هي:

1.من ناحية التنازع الزمني، وهو ما يثار عندما يصدر قانون جديد ليعقب قانونا آخر ويحل محله، وتتكفل قواعد القانون الجديد بتحديد نطاق سريان كل منهما في الزمان.

2.من ناحية التنازع المكاني، وهو ما يثار عندما تتعدد القوانين داخل الدولة الواحدة، ويكون كل قانون منها نافذا في جزء أو إقليم معين من الإقليم العام للدولة. مثل الدول الفدرالية كالولايات المتحدة الأمريكية وسويسرا وكندا وأستراليا وألمانيا.

3.ومن ناحية التنازع الشخصي، ويتحقق هذا النوع من التزاحم في الفرض الذي تتعدد فيه القوانين داخل الدولة الواحدة، ويكون كل قانون منها نافذا في مواجهة مجموعة معينة من الأشخاص تجمعهم صفات مشتركة تقوم على انتمائهم إلى دين أو أصل أو جنس معين. وهذا نجده في الدول التي تخضع مسائل الأحوال الشخصية للقواعد الدينية. مثل مصر والجزائر وتونس ولبنان والمغرب، حيث توجد الشريعة الإسلامية والمسيحية واليهودية([38]).

أذن كيف تثور مشكلة تعدد الشرائع...؟ نأخذ أمثلة لتقريب المعنى، أذا طرح أمام القاضي العراقي نزاعا يتعلق بتركة أمريكي متوطن في العراق ومتوفى فيه. فان قاعدة الإسناد العراقية تشير بتطبيق القانون الأمريكي بوصفه قانون الجنسية وقت الوفاة (22) مدني عراقي، وهنا يثار التساؤل ما هو المراد بالقانون الأمريكي، قانون المواريث في ولاية تكساس أم في ولاية لوس أنجلس أم في ولاية كاليفورنيا...؟ هذا فرض التنازع الإقليمي.

وكذلك إذا عرض على القاضي الفرنسي دعوى نفقة من زوجة عراقية مسيحية على زوجها العراقي المسلم أو غير المسلم، فإن قاعدة التنازع الفرنسية تشير باختصاص القانون العراقي، قانون الجنسية المشتركة للزوجين، وهنا يثار التساؤل ما هو المراد بالقانون العراقي هل الشريعة الإسلامية أم المسيحية أو غير ذلك...؟ وهذا فرض التنازع الشخصي.

ومن الجدير بالذكر أن المشرع العراقي تنبه لمشكلة التنازع الداخلي أو تعدد الشرائع الداخلية في القانون واجب التطبيق بمقتضى قواعد التنازع العراقية، وما كان بوسعه أن يتجاهلها والنظام القانوني العراقي ذاته من النظم القانونية المركبة، الذي تتعدد فيه القواعد الداخلية تعددا شخصيا، خصوصا بشأن مسائل الأحوال الشخصية، فأورد ضمن المواد المنظمة لسريان القانون من حيث المكان في المادة (31 /2) من القانون المدني العراقي على أنه (وإذا كان هذا القانون الأجنبي هو قانون دولة تتعدد فيها الشرائع فأن قانون هذه الدولة هو الذي يقرر أية شريعة من هذه يجب تطبيقها).

 ثانيا/ قاعدة الإسناد الوطنية والمسائل الأولية

تعتبر مسألة أولية كل مسألة يكون الفصل فيها أولا لازما للبت في المسألة الأصلية، وهذا اللزوم يعني أن هناك درجة معينة من الارتباط بين المسألتين، سواء تحقق هذا الارتباط عن طريق عنصر أطراف العلاقة محل النزاع، أو عنصر الموضوع أو عنصر السبب. وتحديد ما يعد مسألة أولية وتقدير مدى ارتباطها بالمسالة الأصلية ولزوم الفصل فيها للبت في تلك الأخيرة، أمر يخضع للسلطة التقديرية للقاضي الذي ينظر الدعوى، على اعتبار النزاعات الخاصة الدولية فيها التكييف مسألة أولية لازمة للفصل في الدعوى([39]). ولغرض بيان ذلك نسوق المثال التالي:-

إذا رفعت دعوى ثبوت النسب الشرعي لشخص (مسألة أصلية)،فانه يلزم أولا بحث مدى صحة رابطة الزوجية بين الوالدين (مسألة أولية)المدعي الانتساب إلى أحدهما أو كلاهما. أيضا إذا رفعت دعوى المطالبة بالحق في ميراث تركة زوج أو أب (مسألة أصلية)، فانه يلزم أولا بحث صفة الزوجة أو الوالد الشرعي، أي ثبوت قيام رابطة زوجية صحيحة أو ثبوت رابطة النسب (مسألة أولية) مع المتوفى.

ما أشرنا إليه أعلاه، يشير إلى أنه لا تثار صعوبة في القانون الداخلي، إذ أن كلتا المسألتين الأصلية والأولية تخضعان لسلطان ذات النظام القانوني. أما في إطار نظرية تنازع القوانين، فان الأمر مختلف فقد تخضع المسألة الأصلية لقانون دولة معينة، بينما تخضع المسألة الأولية لقانون دولة أو لقوانين دول أخرى، فكيف يتم التنسيق بينهما...؟ فإذا كان تعدد أو تنازع القوانين بخصوص المسألة الأصلية يفض بإعمال قواعد الإسناد الوطنية في قانون القاضي، فهل يفض التنازع المثار بشأن المسألة الأولية بنفس الطريقة...؟

سنحاول تقديم مثالا من القضاء الاسترالي، (تزوج المدعو عبده الهندي الجنسية مسلم الديانة، والمتوطن في استراليا من المدعوة عذراء الهندية مسلمة الديانة. أبرم الزواج في أستراليا طبقا لأحكام الشريعة الإسلامية كما هي مطبقة في الهند، والتي تختلف عن القانون الاسترالي.هذا في الوقت الذي كان فيه الزوج متزوجا من زوجة أخرى وله منها ولدان. عاد الزوج إلى موطنه بالهند، حيث توفي هناك تاركا ثروة منقولة في أستراليا.

رفع ولداه دعوى ميراث أمام القضاء الاسترالي، تلك هي المسألة الأصلية التي قرر القضاء إخضاعها للقانون الهندي، قانون موطن المتوفى، وطبقا لأحكام الشريعة الإسلامية في هذا القانون، لا يرث من الأولاد إلا من كان ولدا شرعيا. هنا طرحت على القضاء الاسترالي مسألة أولية، هي التثبت من شرعية نسب الأولاد)([40]). وثار التساؤل وفقا لأي قاعدة تنازع تخضع تلك المسألة حتى يتحدد القانون واجب التطبيق عليها، قاعدة التنازع في القانون الهندي واجب التطبيق على المسألة الأصلية طبقا للقانون الاسترالي، أم قاعدة التنازع في هذا الأخير باعتباره قانون القاضي الذي يفصل في القضية...؟ هذا ما سنجيب عليه في السطور التالية:-

أتجه بعض الفقه الألماني وتبعه البعض من الفقه الفرنسي والفقه الايطالي([41])، إلى القول بأن تنازع القوانين بخصوص المسائل الأولية يجب أن يفض بإعمال قواعد الإسناد في القانون الأجنبي واجب التطبيق، أما المسألة الأصلية نلجأ إلى إعمال قواعد الإسناد في قانون القاضي، فتقرير أو اختيار ذلك القانون الأجنبي ليحكم تلك الأخيرة يعني وضع كل المنازعة مسائلها الأصلية والأولية في كنفه، فإذا أثير تنازعا بين القوانين بخصوص المسالة الأولية، فيكون فضه من اختصاص ذلك القانون، إذ أن قاعدة التنازع في قانون القاضي المختص بنظر تلك المنازعة، قد انتهى دورها بتحديد القانون المشار إليه.

وعلى خلاف الرأي المتقدم هناك من يرى أن الرأي الراجح([42])، أن تنازع القوانين بخصوص المسائل الأولية يتم فضه بإعمال قواعد الإسناد في قانون القاضي،على غرار فض التنازع بخصوص المسألة الأولية، دون النظر إلى قواعد التنازع في القانون الأجنبي واجب التطبيق على تلك الأخيرة. فالمسألة الأولية يجب أن تعامل من ناحية حل تنازع القوانين بشأنها كأنها مسألة مستقلة عن المسألة الأصلية، ويسري عليهما قواعد التنازع في النظام القانوني لدولة القاضي.

وإذا كان النظام القانوني العراقي الحالي يمنع بنص صريح، تطبيق قواعد التنازع الأجنبية على مسائل تنازع القوانين، التي تثار أمام القضاء العراقي (31/1) مدني([43])، إلا أننا لا نبتغي المصادرة على التطور المستقبلي لذلك النظام، ونقول استنادا للفوائد التي يمكن أن يحققها الأخذ بنظرية الإحالة، أنه من الأسلم عدم وضع قاعدة عامة تطبق في كل الأحوال. فقد توجب اعتبارات العدالة وحماية توقعات الأفراد والتبصر بمصالحهم، تطبيق قواعد الإسناد في قانون القاضي من أجل تحديد القانون واجب التطبيق على المسألة الأولية، كما هو الحال بالنسبة للمسألة الأصلية. وفي ظروف أخرى قد تستلزم نفس الاعتبارات، تطبيق قواعد الإسناد في قانون القاضي على المسألة الأصلية، وتطبيق قواعد التنازع في القانون المختص بتلك الأخيرة على المسألة الأولية، أو حتى خلق قواعد تنازع احتياطية جديدة تتلاءم مع تلك المسألة.

الفرع الثالث: النطاق الموضوعي

موضوع L objet قاعدة الإسناد، هو تنظيم العلاقات الدولية للأفراد أو العلاقات الخاصة الدولية، باختيار القانون الملائم واجب التطبيق عليها. وهذا التنظيم قاصر لأن قواعد الإسناد ذاتها قليلة، إذ لا توجد قاعدة خاصة بكل علاقة من العلاقات الدولية للأفراد، بل جمع المشرع كل مجموعة من تلك العلاقات وخصها بقاعدة إسناد واحدة([44]). وهنا ظهرت ضرورة تحديد الموضوع الذي تسري عليه قاعدة الإسناد، ويتم ذلك عن طريق ما يسمى بتحديد الأوصاف أو الطبيعة القانونية للمسألة محل النزاع، وتلك هي مشكلة التكييف القانوني.

كما أن ذلك التنظيم يثير التساؤل حول نطاق موضوع قاعدة الإسناد، ومدى الاختيار بين كافة القواعد القانونية التي تحقق التنظيم الذي تبتغيه. فهل يمكن لقاعدة الإسناد أن ترشد إلى قانون عام أجنبي، وهل يستطيع القاضي الوطني تطبيقه إذا بدأ أنه ملائم أو مكمل لتنظيم المسألة محل النزاع...؟ لذلك سنبحث في النقطة الاولى قاعدة الإسناد ومشكلة التكييف القانوني. وفي النقطة الثانية قاعدة الإسناد والقانون العام الأجنبي.

 اولا/ قاعدة الإسناد ومشكلة التكييف

إن التكييف عملية ضرورية لابد منها في كل نزاع يعرض على المحكمة، وسواء كان ذلك في العلاقات الوطنية أو المشوبة بعنصر أجنبي. وبالتالي عملية التكييف هي تفسير للعلاقة القانونية وتعمل على تحديد مفهومها المجرد، وبواسطته تهتدي المحكمة إلى حكم القانون الذي يجب أن يحكم هذه العلاقة.

لقد عرف الكاتبان الفرنسيان بييه ونبواييه التكييف بأنه (الطبيعة القانونية التي يعترف بها الحاكم لعلاقة ما، أو لنظام قانوني معين). كما يعرفه الكاتب الانكليزي جيشاير بأنه (تحديد أو تخصيص النزاع المرفوع أمام المحكمة إلى الصنف القانوني الصحيح، والغرض منه هو إظهار القاعدة القانونية لفرض مسألة قواعد الإسناد).([45])

ونلاحظ التعريفين السابقين متشابهين، لأن كل تعريف يهدف إلى تحديد العلاقة القانونية وتمييزها عن غيرها ثم إلحاقها بالنص القانوني الذي يلاءم طبيعتها أكثر،فالقاضي المعروض عليه النزاع يجب أن يحدد الأساس الصحيح الذي تقوم عليه دعوى المدعي، وبعد ذلك يتمكن من تطبيق قاعدة الإسناد تمهيداً لإسنادها إلى نظام قانوني. فمثلا إذا ثبت للقاضي أن هذا النزاع متعلق بالشكلية في التصرفات، فيرجع إلى قاعدة الإسناد الخاصة بالشكلية (شكل التصرف خاضع إلى دولة إبرامه)([46]).

أما إذا أتضح أن التصرف متعلق بالشروط الموضوعية أو الأهلية في العقود، فهنا يرجع إلى قاعدة الإسناد الخاصة بالأهلية مثلاً (الأهلية تحكم بقانون الجنسية أو الموطن)([47]).

لذلك يمكننا تعريف التكييف بأنه (عملية فنية تستهدف تحديد الطبيعة أو الوصف القانوني للمسألة التي تثيرها وقائع المنازعة ذات العنصر الأجنبي، ذلك بغية إدراجها في طائفة معينة من طوائف العلاقات القانونية التي وضع لها القانون قاعدة إسناد). وبالتالي لما كان التكييف لازما لتحديد القاعدة القانونية واجبة التطبيق، وصولا إلى الحل النهائي للنزاع، فإن للقاضي أن يستعين في ذلك بأطراف المنازعة في التعرف على التكييف الصحيح للمسألة المعروضة. غير أنه لا تثريب عليه إن طرح التكييف الذي اقترحوه، وأعطى الوصف القانوني السليم.

ثانيا/ قاعدة الإسناد والإحالة

إنَّ وجود العلاقات ذات العنصر الأجنبي الملازم لنمو الحياة الدولية للأفراد من علامات التطور في الوقت الحاضر، حيث لا توجد دولة تعيش بمعزل عن غيرها داخل حدودها. وكان لابد لكل نظام قانوني أن يعنى بمجابهة وتنظيم تلك العلاقات.ويتم ذلك عن طريق اشتماله على نوعين من القواعد القانونية (الموضوعية التي تحكم وتنظم العلاقات الوطنية و قواعد الإسناد التي تنظم وتحكم العلاقات الخاصة ذات العنصر الأجنبي). وهذا يعني إذا أرشدت قاعدة الإسناد في قانون القاضي أو اختارت قانونا أجنبيا معينا، كالقانون المصري أو الألماني أو الايطالي، فما هي القواعد الواجبة التطبيق في ذلك القانون؟ فهل تحدد قاعدة الإسناد الوطنية القواعد الموضوعية في القانون الأجنبي كالقواعد المنظمة لمسائل الأسرة أو العقود أو المسؤولية المدنية أو المواريث.... أم قواعد الإسناد في القانون المختار...؟

نأخذ مثلا لتقريب المعنى، هو أن ترفع دعوى ميراث تركة منقولة لمورث بلجيكي كان متوطنا وتوفى في العراق، أمام المحاكم العراقية التي ستحل النزاع طبقا للقانون البلجيكي،قانون دولة المورث وقت وفاته حسب قاعدة الإسناد العراقية (22) مدني، ولن تنظر إلى قواعد الإسناد البلجيكية لرفض القانون العراقي لفكرة الإحالة (31/1) مدني. وعلى فرض أن ذات الدعوى رفعت أمام المحاكم البلجيكية، فأن قواعد الإسناد البلجيكية ستشير باختيار القانون العراقي باعتباره قانون موطن المتوفى، غير إنها لن تطبق قواعد قانون الأحوال الشخصية العراقي مباشرة، بل ستعمل أولا قواعد الإسناد العراقية، حيث تتبنى تلك المحاكم نظرية الإحالة، وتلك القواعد تشير باختصاص قانون دولة المتوفى، أي القانون البلجيكي والذي ستطبقه في النهاية على موضوع النزاع([48]).

علما فكرة الإحالة تأخذ بها بعض الدول وأخرى رافضة لها، فالاتجاه القابل مقتضاه، أنه أذا اختارت قاعدة الإسناد في قانون القاضي قانونا أجنبيا ليحكم المسألة محل النزاع، فانه يجب البدء بإعمال قواعد الإسناد في ذلك القانون،لمعرفة هل تؤكد الاختصاص له ولقواعده الموضوعية،أم أن قانون دولة أخرى هو الأجدر بالتطبيق. أما الاتجاه الرافض مقتضاه، يتم تقرير التزام القاضي الوطني أن يطبق مباشرة القواعد الداخلية أو الموضوعية في القانون الأجنبي الذي اختارته قاعدة الإسناد الوطنية، غاضا الطرف عن قواعد الإسناد في ذلك القانون، وما قد يؤدي إليه إعمالها([49]).

أما موقف المشرع العراقي واضح من نص المادة (31/1) مدني، على أنه (إذا تقرر أن قانونا أجنبيا هو الواجب التطبيق فإنما يطبق منه أحكامه الموضوعية دون التي تتعلق بالقانون الدولي الخاص). وبذلك أنضم القانون العراقي إلى طائفة القوانين المقارنة الرافضة للإحالة. ونعتقد كان من الأوفق أن يتبنى المشرع العراقي موقفا أكثر مرونة، ويقرر رخصة الأخذ بالإحالة كلما بدأ ذلك ملائما بالنظر للمصالح الوطنية، خاصة فيما يتعلق بالطرف المسلم في قضايا الأحوال الشخصية، وكذلك لصالح عقود التجارة الدولية. لذا نقترح تعديل المادة (31) مدني وجعلها بهذا الاتجاه.

المبحث الثاني: التنظيم القانوني لقاعدة الإسناد

نقصد بالتنظيم القانوني لقاعدة الإسناد، هو كيف تلقى المشرع الوطني الأفكار الفنية التي سبق أن عرضناها في المبحث الأول، وما هي قواعد الإسناد التي أستقر عليها القضاء في ظل التنظيم المعاصر للعلاقات الخاصة الدولية؟ ورأينا أن تلك القواعد في أغلبها إن لم تكن جميعها، من وضع المشرع الوطني في كل دولة. وهو أمر تفرضه اعتبارات انعدام السلطة الدولية التي يمكن أن تنهض بمهمة وضع تنظيم موحد أو قواعد موضوعية لحكم هذه العلاقات القانونية،فضلا عن عدم ميل الدول إلى التقيد باتفاقيات دولية تقدم ذلك التنظيم، واستئثارها بوضع القواعد التي تعتقد إنها تحقق حماية مصالحها المختلفة. لذلك تتباين قواعد الإسناد من دولة إلى أخرى، وبالتالي اختلاف الحلول الموضوعية للعلاقات الخاصة الدولية. غير أن هناك العديد من قواعد الإسناد التي تعتبر مشتركة بين الكثير من الدول.وإذا تأملنا الوضع في القانون العراقي ندرك أنه قد أحتوى العديد من قواعد الإسناد المستقاة من القانون المقارن، خاصة القواعد المتعلقة بالتنازع من حيث المكان وكذلك الاختصاص التشريعي، وبذلك يكون المشرع العراقي قد حقق خطوة جيدة نحو التقارب والتناسق بين النظم القانونية المختلفة. لذا نقسم هذا المبحث إلى مطلبين، نتناول في الأول الحلول المقدمة من قبل قاعدة الإسناد للعلاقات القانونية المختلفة، والمطلب الثاني سنخصصه لدور القاضي في إعمال قاعدة الإسناد.

المطلب الأول: الحلول المقدمة من قبل قاعدة الإسناد

سنحاول تقديم الحلول الوضعية المتعلقة بمسائل الأشخاص كالحالة والأهلية وكذلك المتعلقة منها بالميراث والوصية، وهذا سيكون موضوع الفرع الأول. أما في الفرع الثاني سنتطرق للحلول الوضعية المتعلقة بالمعاملات المالية،سواء كانت الأموال المادية أو غير المادية. أما في الفرع الثالث سنخصصه لبيان الالتزامات التعاقدية وغير التعاقدية.

الفرع الأول: الحلول القانونية المتعلقة بمسائل الأشخاص

مسائل الحالة المدنية أو الأسرية للأشخاص، تثير العديد من مشاكل تنازع القوانين،بل الواقع العملي يدلل على أن تلك المشاكل تشغل الحيز الأكبر من القضايا التي تملأ ساحات القضاء. لذا سنبحث الحالة المدنية والأهلية في نقطة أولى، وفي النقطة الثانية سنخصصها لمسألة الميراث والوصية.

اولا/ الحالة والأهلية

جمع المشرع العراقي المسائل المتعلقة بالحالة بمعناها الخاص والأهلية في طائفة واحدة من قواعد الإسناد. ونعتقد أن المنطق القانوني تستدعي علاج تلك المسائل في هذا الفرع بنقطتين، الأولى للحالة والثانية للأهلية.

1) الحالة المدنية:- يقصد بالحالة (جملة الصفات التي تحدد مركز الشخص من أسرته ومن دولته، وهي صفات تقوم على أساس من الواقع كالسن والذكورة والأنوثة والصحة أو على أساس من القانون كالزواج والحجر والجنسية).([50]) من خلال التعريف السابق يتضح أن المقصود بالحالة المدنية هو الحالة الشخصية، وهي التي تتعلق بصفات لصيقة بالشخص من أسم وذكورة وأنوثة ومن أمور تتعلق بأسرة الشخص كالزواج. ومن المسلم به أن الحالة المدنية يطبق عليها القانون الشخصي للفرد،وهذا ما سار عليه القانون العراقي والمصري والفرنسي([51]). أما النوع الثاني من الحالة المذكورة في التعريف السابق، هو الحالة السياسية وهي تلك التي تتعلق بانتماء الفرد إلى الدولة، وهذه الحالة تخرج عن نطاق هذا البحث.

2) الأهلية:- هي صلاحية الشخص للتمتع بالحقوق والالتزام بالواجبات، ولأن يباشر بنفسه الأعمال والتصرفات القانونية المتعلقة بهذه الحقوق أو تلك الالتزامات. وجاءت المادة (18/1) مدني أنه بالنسبة للأشخاص (ألأهلية يسري عليها قانون الدولة التي ينتمي إليها الشخص بجنسيته). وبذلك وحد القانون العراقي بين القانون الذي يحكم حالة الشخص والقانون الذي يحكم أهليته. حيث تقتضي إلا تتأثر بالحدود السياسية، بحيث يلحق الشخص قانون دولته أينما ذهب، أي قانون الدولة التي هو من رعاياها. والثابت قانونا هو أن الأهلية المدنية capacité civile للشخص على نوعين([52]):

  • أهلية الوجوب capacité de jouissance، وهي صلاحية الشخص أن تثبت له حقوقا أو تقرر عليه التزامات. وتثبت هذه للشخص فور ولادته حيا. وجميع الأشخاص متساوون في أهلية الوجوب.
  • أهلية الأداء capacité d exercice،وهي قدرة أو كفاءة aptitude الشخص لمباشرة التصرفات القانونية. ومناط هذا المفهوم التمييز.

وعلى عكس أهلية الوجوب لا يتساوى الأشخاص في أهلية الأداء. فهي تتأثر من ناحية بالسن، فهناك الصبي غير المميز، والقاصر والبالغ الرشيد. وتتأثر من ناحية أخرى بسلامة العقل، فهناك المجنون والمعتوه يقتربان من وضع الصبي غير المميز، وهناك السفيه ذي الغفلة الذين يقتربان من وضع القاصر([53]).

بعد هذا الإيضاح المختصر، تثار مسألة خضوع كلا النوعين للأهلية للقانون الوطني، أي قانون الدولة التي ينتمي إليها من يثور نزاعا حول أهليته...؟

ونقول أن أهلية الأداء هي المقصودة، حينما تثار مسألة تنازع القوانين في الأهلية عموما. وهي التي تخضع للقانون الشخصي. والفقه الراجح يؤيد قصر قاعدة التنازع الخاصة بالأهلية على أهلية الأداء دون الوجوب. أي صلاحية الشخص للالتزام بمقتضى التصرفات الإرادية([54]).

أما بالنسبة للأشخاص الذين لم تكتمل أهليتهم سواء بسبب السن أو بسبب القصور العقلي. هذا يؤثر في حالة الشخص ووضعه في أسرته، وبتلك المثابة فهو من الأحوال الشخصية التي تخضع للقانون الوطني، أي قانون الدولة التي ينتمي إليها الشخص بجنسيته. وبهذا المعنى نصت المادة (20) مدني على أن (المسائل الخاصة بالوصاية والقوامة وغيرها من النظم الموضوعة لحماية عديمي الأهلية وناقصيها والغائبين يسري عليها قانون الدولة التي ينتمون إليها). وهذا ما أخذت به القوانين العربية([55]).

 ثانيا/ الميراث والوصية

أذا توفي شخص وترك وراءه أموالا وحقوقا مالية سميت تركة astate. وبعد أن يؤدى منها ما علق بها من حقوق، تنتقل ملكية ما يتبقى إلى خلفاء المتوفى. والخلافة في أموال التركة بسبب الموت mortes causa قد يكون مصدرها القانون، هذا هو الميراث الشرعيsuccession légitime، والوارث هنا هو الخلف الطبيعي للمتوفى. وقد يكون مصدرها تصرفا قانونيا منفردا أو اتفاقيا، وهذه هي الوصية testamentaire، أو التصرفات الأخرى المضافة إلى ما بعد الموت، كالهبة ونحوها([56]). لذا سنخصص للميراث والوصية لكل منهما نقطة مستقلة.

  1. الميراث:- تختلف النظم القانونية في تكييفها لطبيعة أيلولة التركة من المورث إلى الورثة بسبب الموت. فمنها يعتبر الأمر من مسائل الأحوال الشخصية، فقوامها الاعتبار الشخصي وصلة القرابة بين المورث ومن ستؤول إليه تركته. فالمصلحة العائلية وتنظيم الأسرة وكفالة التضامن بين أفرادها هو الذي يهيمن على أيلولة التركة. فالأمر يتعلق بخلافة أسرية succession familial أكثر منها ملكية مجردة للأموال([57]). فالاعتبارات الأسرية ودرجة القرابة هي الفيصل في تقرير مبدأ التوارث ذاته، وفي تحديد من هو الوارث وشروط توريثه ومرتبته ونصيبه..... وتلك المثابة، فأن القانون واجب التطبيق على الميراث هو القانون الذي يحكم عموما مسائل الأحوال الشخصية. أي هو القانون الشخصي، ولما كان المورث هو حجر الزاوية إذ لا تركة بدون مورث، فأن القانون الشخصي للمورث يكون هو الواجب التطبيق على الميراث،أي قانون الدولة التي ينتمي إليها بجنسيته، وهو يسري على مجموع التركة دون تفرقة بين منقول وعقار، وأيا كان موقع ذلك المنقول أو العقار. وهذا هو موقف المشرع العراقي في المادة (22) مدني على أنه (قضايا الميراث يسري عليها قانون المورث وقت وفاته...).

وعلى العكس من الاتجاه السابق، تذهب بعض النظم القانونية إلى اعتبار الميراث من مسائل الأحوال العينية، فقوامه مال أو شيء مالي يتم تملكه عندما يتحقق سبب الملكية الخاص به، وهو موت صاحبه والعبرة هنا بموضوع أو محل الملكية، وهو المال المكون للتركة، وليس للمورث ويجب أن يخضع تملك ذلك المال لذات الأنظمة المتعلقة بالملكية عموما، لما لذلك من أهمية اقتصادية واجتماعية وسياسية بالنسبة للمجتمع. وبهذا الاتجاه أخذت القوانين الفرنسية والبلجيكية والانكليزية والأمريكية والكندية والاسترالية([58]).

  1. الوصية:- هي تصرف قانوني بإرادة منفردة مضاف إلى ما بعد الموت، بمقتضاه ينقل الموصي إلى الموصى له على وجه التبرع ملكية كل أو بعض أمواله أو أي حق آخر من حقوقه المالية. وعلى خلاف الميراث تبدو الوصية وكأنها أداة يحدد بها الموصي مصير بعض أو كل أمواله بعد وفاته، على نحو مختلف عن ما كان سينظمه بها القانون، إذا مات من غير وصية. أما أهلية الموصي للايصاء من المسائل التي يحكمها قانون الموصي وقت موته، باعتبارها من الشروط الموضوعية لصحة الوصية، أو التصرف المضاف إلى ما بعد الموت([59]). وقد أشارت المادة (23/1) مدني (قضايا الوصايا يسري عليها قانون الموصي وقت موته...). ونحن نقترح حلا تخييري مقتضاه أنه يكفي أن تتوفر الأهلية لدى الموصي وقت أبرام الوصية، فإن كان ناقص الأهلية في ذلك الوقت وصار أهلا وقت الوفاة، فإن وصيته تكون صحيحة.أي الأخذ بالوقت الأصلح لصحة الوصية. أما عن أهلية الموصى له لتلقي الوصية، فهي تخضع لقانون الدولة التي ينتمي إليها وقت قبوله الوصية، لأن القبول عمل قانوني يلزم في صاحبه الأهلية وقت القيام به. ولما كانت الوصية لا تكون لازمة إلا بموت الموصي، فإن العبرة دائما بوقت قبول الموصى له، بعد موت الموصي.

الفرع الثاني: الحلول الوضعية بشأن المسائل المتعلقة بالمعاملات المالية

المال في القانون هو الحق الذي يمكن تقويم محله بالنقود([60]). وينقسم المال إلى أموال مادية مثل العقار والمنقول وأموال معنوية مثل الملكية الفكرية (الأدبية والفنية والصناعية)،وأيا كان نوع المال فأنه قد يكون محلا لعلاقة قانونية تثير التنازع المشوب بعنصر أجنبي بين قوانين الدول المختلفة، مما ينبغي حل هذا التنازع بتكييف طبيعة موضوعه أولا وفقا لقانون موقعه، ومن ثم تعيين القانون الواجب تطبيقه عليه، بإعمال قواعد الإسناد الوطنية. ولهذا سنبحث في نقطة اولى القانون الذي يحكم الأموال المادية، والأموال غير المادية في النقطة الثانية على التوالي.

اولا/ الأمــوال الماديــة

لقد عرف المشرع العراقي المال بالمادة (65) مدني على أنه (هو كل حق له قيمة مادية). وتنص المادة (61) مدني على أنه (كل شيء لا يخرج عن التعامل بطبيعته أو بحكم القانون يصح أن يكون محلا للحقوق المالية). وسواء كان هذا الشيء ملموساً وله وجود مستقل عن وجود الإنسان ويمكن حيازته أو يمكن تملكه والانتفاع والتعامل به. من المعروف أن المشرع عموما في بناءه لقواعد الإسناد، يحدد ضابط الإسناد انطلاقا من العنصر الذي يشكل مركز الثقل في العلاقة القانونية ذات الطابع الدولي. وعنصر المحل أو الموضوع l objet هو مركز الثقل بخصوص المعاملات التي يكون المحل، أي موقع المال ضابطا لقاعدة الإسناد، يتحدد به القانون واجب التطبيق على منازعات الأموال، وبالتالي في مسائل الأموال المادية، يسري على النظام القانوني للأموال المادية قانون الدولة التي فيها موقع تلك الأموال([61]).والأموال المادية تقسم إلى عقار ومنقول، وسوف نرى طبيعة القوانين التي تطبق عليهما، أذا ما كان أحدهما محل للنزاع.

1) العقار:- نصت المادة (62) مدني معرفة العقار على أنه (1- العقار كل شيء له مستقر ثابت بحيث لا يمكن نقله أو تحويله دون تلف فيشمل الأرض والبناء والغراس والجسور والسدود والمناجم وغير ذلك من الأشياء العقارية).أما فيما يتعلق بالقانون الواجب التطبيق على العقار هو قانون موقعه، وهذه القاعدة أخذت بها جل التشريعات في العالم لاعتبارات عدة منها ذات طابع سياسي لكونه يمثل جزء من إقليم الدولة، ولاعتبار اقتصادي مقتضاه أن أحكام النظام القانوني للمال العقاري يتصل بالتنظيم الاقتصادي في الدولة وضبط مواردها والتعامل في ثروتها([62])، كذلك اعتبار قانوني حيث يجعل الاختصاص القضائي بالمنازعات المتعلقة بالمال العقاري لمحكمة موقع العقار (36) مرافعات عراقي([63])، بحسبان أن تلك المحكمة هي الأقدر على الفصل في تلك المنازعات لقربها من العقار.وكذلك تختص هذه المحكمة في تكييف طبيعة المال من حيث كونه منقولا أو عقارا، حيث يخضع للقانون العراقي كونه موقع المال، وتنص المادة (17/2) على أنه (ومع ذلك فأن القانون الذي يحدد ما إذا كان الشيء عقارا أو منقولا هو قانون الدولة التي يوجد فيها هذا الشيء). وهذا أصبح من المبادئ الشائعة في القانون الدولي الخاص.

2) المنقول:- تنص المادة (62/2) مدني على أنه (والمنقول كل شيء يمكن نقله أو تحويله دون تلف فيشمل النقود والعروض والحيوانات والمكيلات والموزونات وغير ذلك من الأشياء المنقولة). قبل كل شيء لابد من الإشارة إلى أن قانون موقع المال هو الذي يعتمد في تكييف المال موضوع النزاع من حيث أنه منقول أو غير منقول كما سبق أن ذكرنا ذلك.

أما بصدد القانون الواجب التطبيق في النزاع المشوب بعنصر أجنبي المتولد من التصرف في الأموال المنقولة. فقد اختلفت آراء الفقهاء وظهرت عدة نظريات، منها نظرية قانون مكان إبرام عقد التصرف في المنقول، ونظرية قانون موطن المالك، ونظرية القانون الأكثر ملاءمة، ونظرية قانون مكان وجود المال، وهذه النظرية الأخيرة هي الأرجح بنظر هؤلاء الفقهاء([64])، لكونها تذهب إلى ضرورة حكم الأموال المنقولة بقانون مكان وجودها، لأن هذا الحل يتفق مع توقعات كل شخص متوسط الحرص.كما ترجح هذه النظرية على غيرها خاصة مع اختلاف الموطن والجنسية لأطراف العلاقة، لأنها تؤمن الضمان والاطمئنان والاستقرار في المعاملات الدولية الخاصة بالأموال المنقولة.

 ثانيا/ الأموال غير المادية

هناك من الأموال ما لا يدرك باللمس، بل بالحواس الأخرى ويعترف بالحقوق التي تقرر عليها، وتسمى بالأموال المعنوية وما يرد عليها من حقوق هي حقوق معنوية غير مادية. والقانون يعطي سلطة مباشرة لشخص على هذا الشيء المعنوي، تمكنه من الوصول إلى منفعة مالية وأن يحتكر لنفسه هذه المنفعة المالية، التي يمكن أن تنتج من نشر تلك الفكرة أو استغلال ذلك الاختراع([65])، ومنه حق المؤلف على مصنفه الأدبي أو الموسيقي أو السينمائي أو المسرحي أو العلمي أو المتعلق ببرامج الحاسوب الآلي وغيرها وتسمى (الحقوق الأدبية والفنية). والملكية الصناعية، ومنها حق المخترع على اختراعه والنماذج الصناعية والعلامات التجارية وغيرها. وتنص المادة (70/1) مدني على أنه (الأموال المعنوية هي التي ترد على شيء غير مادي كحقوق المؤلف والمخترع والفنان). كما أن الفقرة (ب) من المادة (27) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عام 1948، نص على أن (لكل إنسان الحق في حماية مصالحه الأدبية والمادية الناشئة عن أي إنتاج أنتجه في ميدان العلوم والآداب والفنون).ومن قبله الاتفاقيات الدولية التي جاءت لتؤكد هذه الحماية، منها اتفاقية باريس لحماية الملكية الصناعية لعام 1883، واتحاد برن لسنة 1886 الخاص بالملكية الأدبية والفنية، واتفاقية مدريد الخاصة بالملكية الصناعية لسنة 1891 والمعدلة باتفاقية لندن لسنة 1934، والاتفاقية العالمية للملكية الفكرية الموقعة في ستوكهولم عام 1967([66]). لذا سنحاول بحث الحقوق الأدبية والفنية في نقطة أولى، وحقوق الملكية الصناعية في نقطة ثانية على التوالي.

  1. الحقوق الأدبية والفنية:- إن مشكلة حماية حق ملكية تلك الأنواع من مصنفات الإبداع الفكري، خاصة في الوقت المعاصر امتدت الحماية إلى صور جديدة لازمت التطور التقني والعلمي. حيث أصبح ضرورة ملحة في ظل التقدم المذهل لوسائل الاستنساخ والاتصال، ومن بث مباشر بالأقمار الصناعية. فمن المتعذر القول بأن الحق ألاستئثاري للمؤلف على مصنفه أيا كان نوعه، مازال مصونا مع تزايد حركة السرقات الأدبية وتقليد أو تزييف المصنفات عبر الحدود.

فلا شك أن الانتشار المروع للقرصنة الفكرية في مجال المصنفات الأدبية والفنية، ومجال التسجيلات الصوتية والسمعية البصرية والأفلام عبر الحدود، يثير مخاطر ليس فقط بالنسبة لحقوق المؤلفين الأدبية والفنية والمالية، بل كذلك بالنسبة لحركة الإبداع الثقافي والعلمي في كل دولة([67]). لذلك تظهر أهمية تحديد القانون الواجب التطبيق على النزاع فيما يتعلق بهذه المصنفات، ففي حالة النشر يطبق قانون الدولة التي تم فيها النشر الأول للمصنف، ولكن ما الحل لو تم النشر في وقت واحد في أكثر من دولة...؟ الرأي الراجح هو تطبيق قانون الدولة التي تم فيها النشر الرئيسي للمصنف، وهو قد يكون قانون الدولة التي تم فيها النشر قبيل تمام النشر في الدول الأخرى، أو الدولة التي تطرح فيها العدد الأكبر من نسخ المصنف. فأن تعذر الترجيح بين تلك الدول، كانت العبرة بقانون الدولة التي يتوطن فيها صاحب المصنف. أما في حالة عدم النشر فأن الأقرب هو تقرير الاختصاص للقانون الوطني أو الشخصي لصاحب المصنف. وهذا الحل أخذت به اتفاقية برن لعام 1886 والمعدلة في استكهولم عام 1967 في المادة (3/1)([68]). والمتأمل في كتابات الفقه العراقي يدرك أنه أقتصر على عرض الحلول في القانون المقارن، لاسيما التقليدية منها،دون إيضاح حقيقة الحل الواجب إتباعه في القانون العراقي، وذلك من خلال قواعد ذلك القانون المتعلقة بحماية حق المؤلف. وعلى أي حال فإننا نرى أن القانون العراقي لا تمانع نصوصه من الأخذ بالاتجاه المعاصر، في اختصاص قانون الدولة التي يطلب فيها الحماية، أي قانون القاضي.

  1. حقوق الملكية الصناعية:- لا يقتصر الإبداع الذهني على مجالات الآداب والفنون والعلوم الاجتماعية، بل يتعداها إلى مجالات العلوم التطبيقية الصناعية والطبية والزراعية... واليوم نسمع عن الثورة في التكنولوجيا التي توهجت بتقدم ونمو حركة الابتكار والاختراع، والاكتشافات العلمية، وكل ذلك أدى إلى التفاوت في مستويات النمو الاقتصادي والاجتماعي بين الدول. وظهر لنا دول تمتلك من الأسرار والابتكارات والاختراعات التكنولوجية وتعتبر دول متقدمة. بينما هناك نوع آخر من الدول التي لا تولي عناية بالطاقات الإبداعية والابتكارية لأبنائها، ولا تكفل لهم الحماية الواجبة. أما فيما يتعلق بالقانون الواجب التطبيق على هذا النوع من الأموال، هو القانون الخاص بالدولة التي منحت فيها براءة الاختراع([69])، وذلك لأن البراءة هي التي تنشئ حق المخترع.أما فيما يتعلق بالقانون الواجب التطبيق على الرسوم والنماذج الصناعية، هو قانون القاضي كما يسري هذا الأخير على الجزاءات الجنائية التي يمكن الحكم بها عندما تشكل أفعال الاعتداء جريمة معاقب عليها قانونا([70]). أما بالنسبة للحماية المقررة للعلامات التجارية، الحقيقة تخضع لمبدأ إقليمية الحماية([71])، بمعنى أنه إذا تم تسجيل علامة تجارية في دولة معينة، اقتصر حق احتكار المالك في استعمالها على حدود إقليم الدولة التي سجلت فيها العلامة، أي لا تمتد حماية العلامة إلى خارج ذلك الإقليم.

الفرع الثالث: الحلول الوضعية المتعلقة بالالتزامات التعاقدية وغير التعاقدية

التصرف القانوني هو إظهار للإرادة بغية تحقيق آثار قانونية، والالتزام التعاقدي هو حالة قانونية مصدرها العقد ويكون فيها على شخص القيام بعمل أو عدم القيام بعمل معين أو إعطاء شيء ذي قيمة مالية([72]). أما المقصود بالالتزامات غير التعاقدية، وهي الناشئة عن الفعل الضار الذي تبنى عليه المسؤولية التقصيرية، والالتزامات الناشئة عن الفعل النافع (الإثراء دون سبب مشروع)([73])،لذا سنبين القانون الواجب التطبيق في كل حالة على حدة بنقطتين، الأولى نخصصها للالتزامات التعاقدية، والثانية للالتزامات غير التعاقدية على التوالي.

 اولا/ الالتزامات التعاقدية

العقد فقها هو توافق إرادتين على إحداث أثر قانوني معين، يتمثل في التزام شخص أو أكثر في مواجهة شخص آخر بإعطاء شيء أو القيام بعمل أو الامتناع عن عمل([74]).أما تعريف العقد في القانون العراقي بالمادة (73) مدني على أنه (هو ارتباط الإيجاب الصادر من أحد العاقدين بقبول الآخر على وجه يثبت أثره في المعقود عليه). وإذا كان العقد يلعب في القانون الداخلي دورا أساسيا في تبادل وتداول الثروات والخدمات، فإن ذلك الدور يتعاظم في القانون الدولي الخاص.

فالعقود الدولية هي التي تسيير التجارة الدولية، ووسيلة المبادلات الاقتصادية عبر الحدود، وتتنوع تلك العقود بتنوع محلها، مثل عقد البيع الدولي وعقد التأمين وعقد القرض الدولي وعقود نقل التكنولوجيا وعقود الأشغال والتجهيز والتوريد وعقود التعاون الصناعي وعقود الاستثمار والتنمية وغيرها...

أما فيما يتعلق بالقانون الواجب التطبيق على هذا النوع من العقود، فقد أستقر في مختلف النظم القانونية مبدأ العقد شريعة المتعاقدين، في الحدود التي ينشأ فيها وفقا للقانون،إذ من الطبيعي أن يرتضى الشخص التعاقد كلما كان في ذلك مصلحته، فالرضا دليل وإن كان غير بات. وفي حدود المصلحة العامة ترك القانون للأفراد حرية تنظيم عقودهم وتضمينها من الشروط ما يكفل تحقيق مصالحهم. وهذا هو مبدأ سلطان الإرادة في علاقات القانون الداخلي([75]).بيد أن القانون قد ارتأى من الملائم تمديد العمل بمبدأ سلطان الإرادة إلى ميدان العلاقات الدولية والاتفاقات الخاصة ذات العنصر الأجنبي، بما أن للمتعاقدين حرية بناء وإنشاء عقدهم فلهم أيضا بخصوص العقود الدولية حرية اختيار القانون الذي يحكم تصرفاتهم الإرادية([76]).

فإذا كانت تلك التصرفات والعقود تتصل بالنظام القانوني لأكثر من دولة، فهذا يعني أنها توجد في فراغ قانوني، بل لابد أن تخضع في تكوينها وشروطها وأثارها لقانون أو نظام قانوني معين وتحديد ذلك القانون هو عمل المتعاقدين أنفسهم، فلهم اختيار القانون واجب التطبيق على عقدهم، وهذا هو مبدأ قانون الإرادة lex Voluntari في العقود الدولية([77]).و لكن نريد أن نبين أن إرادة الأشخاص مقيدة بوجود صلة بين العقد والقانون المختار، حيث يتصل العقد بالقانون المختار أما بجنسية أحد المتعاقدين أو بموطنه أو بمحل إبرام العقد أو محل التنفيذ، وقد تأتي الصلة بين العقد والقانون المختار من حاجة التجارة والمعاملات الدولية. وهنا يجب التفرقة بين موضوع العقد الذي يخضع لقانون الإرادة المشار إليه، وهذا ما أخذت به إيطاليا وفرنسا وانكلترا والدنمارك والمجر، ومن الدول العربية مصر وسوريا وليبيا ولبنان والأردن ([78])، أما موقف المشرع العراقي فكان واضحاً بالأخذ بهذا الاتجاه من خلال النص صراحة في المادة (25/1) مدني على أنه (يسري على الالتزامات التعاقدية قانون الدولة التي يوجد فيها الموطن المشترك للمتعاقدين إذا اتحدا موطنا، فإذا اختلفا يسري قانون الدولة التي تم فيها العقد هذا ما لم يتفق المتعاقدان أو يتبين من الظروف أن قانونا آخر يراد تطبيقه). يتبين لنا من هذا النص أن المشرع قد أخضع الالتزامات التعاقدية للقانون الذي يختاره المتعاقدان بإرادتهما الصريحة، إن أعلن عنها في العقد وإلا فبإرادتهما الضمنية، التي يمكن للقاضي أن يستخلصها من ظروف الحال، ومن خلال تقصيه للإرادة الضمنية وألا تخضع ل رقابة محكمة التمييز لأنها مسألة تتعلق بتفسير العقد([79]).

أما إذا لم توجد إرادة صريحة ولم يستطع القاضي أن يستكشف من ظروف الحال إرادتهما الضمنية، فقد أفترض القانون أن المتعاقدين قد أرادا قانون موطنهما المشترك هذا إذا اتحدا موطنا، أما إذا اختلفا موطنا فقد أفترض أن القانون المختار هو قانون الدولة التي يتم فيها العقد. وهذا هو اتجاه محكمة التمييز في العراق والأردن([80]).

أما المسائل التي تخرج عن قانون العقد، فهي كل من الأهلية والشكل، إذ قرر القانون العراقي إخضاع كل منهما إلى قاعدة إسناد خاصة بها، فالأهلية حسب المادة (18) مدني تخضع لقانون الجنسية، أما شكل التصرف فيخضع لقانون محل إبرام العقد، وهذا ما أشار إليه القانون العراقي بالمادة (26) مدني على أنه (تخضع العقود في شكلها لقانون الدولة التي تمت فيها).

ثانيا/ الالتزامات غير التعاقدية

ليست الأعمال التعاقدية الدولية وغيرها وحدها من أسباب ودلائل نمو العلاقات الاقتصادية والاجتماعية للأفراد عبر الحدود،بل توجد إلى جوارها الأعمال الضارةTORTIOUS ACTS، التي تستوجب المساءلة المدنية لمن تسبب بوقوعها، وتنظم مختلف القوانين المسؤولية المدنية للأشخاص ليس فقط عما يحدثونه من ضرر بأعمالهم الشخصية، بل أيضا عما يترتب على أعمال من يعتبر أنهم مسؤولون عنهم، أو على فعل الأشياء التي في حراستهم.

وكذلك الفعل النافع الذي يترتب عليه إثراء شخص على حساب شخص أخر بشكل يؤدي إلى اغتناء الذمة المالية للثاني دون سبب مشروع([81])، وتثير المسؤولية عن الأعمال الضارة أو النافعة مشكلة تنازع القوانين، إذا تطرق إلى أحد عناصرها العنصر الأجنبي أو الطابع الدولي، ويدل الواقع العملي على تزايد عدد دعاوى المسؤولية ذات العنصر الأجنبي وتنوع أنماطها بتنوع مظاهر المدنية الحديثة، ونوع العلاقات التي تتم عبر الحدود([82]). أما فيما يتعلق بالقانون الواجب التطبيق على هذا النوع من الالتزامات غير التعاقدية، هو قانون الدولة التي وقع فيها ذلك العمل الذي سبب الاغتناء أو الأضرار للغير، وجاء القانون العراقي بهذا الاتجاه، حيث نصت المادة (27) مدني على أنه (الالتزامات غير التعاقدية يسري عليها قانون الدولة التي حدثت فيها الواقعة المنشئة للالتزام). فإذا كان الأمر كذلك، فبالتأكيد هناك صعوبات الفنية التي تعترض القاضي عند تشخيصه لذلك القانون وأعمال قاعدة الإسناد المقررة لاختصاصه([83]). فقد يقع العمل الضار في دولة ويترتب الضرر في دولة أخرى،فبأي قانون الدولتين يعتد...؟ وكذلك إذا وقع العمل في مكان لا يخضع لسيادة دولة محددة كالأعمال التي تقع على ظهر السفن أو على متن الطائرات وهي في أعالي البحار، أو في الفضاء الحر فوق تلك المناطق...؟

1) الحوادث التي تقع على ظهر السفن أو على متن الطائرات:-

بالنسبة للحوادث التي تقع في النطاق الإقليمي،لا خلاف في أنه إذا كانت السفينة أو الطائرة لا تزال وقت حدوث الواقعة المنشئة للالتزام بالتعويض، في المجال البحري أو الجوي للدولة المسجلة بها السفينة أو الطائرة أي دولة العلم. فإن قانون تلك الدولة يكون هو المختص.أما في حالة الارتطام بين سفينتين أو طائرتين في المياه الإقليمية أو الفضاء الجوي لدولة معينة، فإن الاختصاص يكون لقانون الدولة التي وقع حادث التصادم داخل نطاق إقليمها البحري أو الجوي، عملا بمبدأ إقليمية القوانين([84]).

أما بالنسبة للحوادث التي تقع في النطاق الحر، يكاد ينعقد الإجماع هنا على أن استحالة التركيز الإقليمي للأعمال الضارة تفرض اللجوء إلى تركيز مجازي لوسيلة النقل التي ارتكبت تلك الأعمال عليها، وبالتالي إعطاء الاختصاص لقانون العلم الذي تحمله تلك الوسيلة السفينة أو الطائرة.

أما إذا حدث تصادم بين سفينتين أو طائرتين في أعالي البحار أو الفضاء الحر،يجري القضاء الانكليزي على تطبيق قانون القاضي في هذا الخصوص، ونحن نؤيد هذا الاتجاه على اعتبار قانون القاضي يعد دائما صاحب الاختصاص الاحتياطي في حالة عدم وجود قاعدة إسناد تحدد القانون الواجب التطبيق([85]).

 بينما اتجاه الدول الأخرى، تميل إلى تطبيق قانون الدولة التي تحمل السفينة التي لحقها الضرر علمها، على أساس أن المضرور هو الطرف الأولى بالرعاية، كما وأن غاية القواعد المنظمة للمسؤولية المدنية عموما هو تعويض الضرر لا الجزاء على الأنشطة غير المشروعة([86]).

2) المسؤولية عن الإضرار البيئية:-

البيئة هي مجموع العناصر الطبيعية والصناعية التي تمارس فيها الحياة الإنسانية، أو هي الوسط الذي يعيش فيه الكائن الحي ويساعده على البقاء ودوام الحياة. وقد تتعرض مختلف عناصر البيئة لتهديد خطير لا يتأتى فقط من الاستنزاف الجائر وغير الرشيد لمواردها وثرواتها، بل من أنشطة التلوث التي تتفاقم أخطارها يوما بعد يوم([87]).

أذن الإضرار البيئية عادة ما تكون لها امتدادات ذات طابع دولي، خاصة ما يجري الآن بطمر النفايات النووية في بعض المناطق، والتي تمس المصالح المشروعة للعديد من الدول ولأفراد شعوبها، لذلك تحرص الدول على إبرام الاتفاقيات الدولية التي تتضمن قواعد موضوعية واجبة التطبيق على مسائل المسؤولية المدنية عن تلك الأضرار، مثل اتفاقية بروكسل لعام 1969 المتعلقة بالمسؤولية عن أضرار التلوث بالبترول، واتفاقية بروكسل لعام 1962 المتعلقة بمسؤولية مشغلي السفن النووية، واتفاقية فيينا لعام 1963 الخاصة بالمسؤولية المدنية عن الأضرار النووية. وإذا انعدمت الحلول الموضوعية في الاتفاقيات، تعين على القاضي البحث عن القانون واجب التطبيق طبقا لقواعد التنازع الوطنية، ولا خلاف في أن إعمال تلك القواعد سيقود إلى تقرير الاختصاص للقانون الوطني.

ولكن نحن نطرح سؤال...ماذا لو كان العمل البيئي الضار قد وقع في دولة من قبل شخص ورتب ضررا لشخص آخر كلاهما يتوطنا في دولة واحدة أو يحملان جنسية مشتركة، فيكون القانون الواجب التطبيق هنا، هو قانون الموطن أو قانون الجنسية المشتركة. وإذا اختلف مكان وقوع الفعل عن مكان تحقق الضرر وكأنه في دولة أخرى، فنعتقد هنا يكون ضرورة البحث عن القانون الأصلح للمضرور وتطبيقه على النزاع.

المطلب الثاني: دور القاضي في إعمال قاعدة الإسناد

إن بحث دور القاضي في تطبيق القانون الأجنبي، يقتضي أولا التعرف على دوره في إعمال قاعدة الإسناد. ذلك أن تطبيق القانون الأجنبي لا يعدو في حقيقة الأمر أن يكون إذعانا لأمر المشرع بمقتضى قاعدة الإسناد الوطنية. و يمكن القول بأن دور القاضي في تطبيق قانونه لا يختلف عن دوره عند تطبيق القانون الأجنبي. لذا سنبحث دور القاضي في إعمال قاعدة الإسناد من تلقاء نفسه في فرع أول، ودور القاضي في البحث عن مضمون القانون الأجنبي في فرع ثان، ودور القاضي في تفسير القانون الأجنبي في مطلب ثالث على التوالي.

الفرع الأول: دور القاضي في إعمال قاعدة الإسناد من تلقاء نفسه

يؤكد الفقه الحديث في كل من فرنسا ومصر التزام القاضي بإعمال قاعدة الإسناد من تلقاء نفسه، ومؤدى ذلك أن من واجب القاضي أن يطبق أحكام القانون الأجنبي المختص دون حاجة لتمسك الخصوم بأحكام هذا القانون. فالقاضي ملزم بتطبيق القانون الأجنبي من تلقاء نفسه([88])، لأن المشرع الوطني قد أمره بذلك بمقتضى قاعدة الإسناد الوطنية، التي لهذا القانون قوته الملزمة أمام القضاء الوطني. وبهذا فان واجب القاضي في إعمال قاعدة الإسناد وتطبيق القانون الذي تشير باختصاصه، سواء كان قانونا وطنيا أو أجنبيا غير مشروط بتمسك الخصوم بهذه القاعدة، وإنما يتعين على القاضي إعمالها من تلقاء نفسه أسوة بغيرها من القواعد القانونية، وعملا بدوره المعتاد في الدعوى المدنية، كما تعرفه المبادئ العامة في المرافعات.

على أن السؤال يبقى قائما حول إمكانية أعطاء حق للخصوم بالاتفاق على استبعاد القانون الأجنبي المختص بمقتضى قاعدة الإسناد، استنادا إلى عدم تعلقها بالنظام العام حين تشير باختصاص قانون أجنبي...؟

 اولا/ الاتجـاه الرافـض

ففي هذا الصدد يميل الفقه الفرنسي الغالب([89])، إلى رفض إعطاء هذا الحق للخصوم مفضلا القول بأنه ليس من حق الخصوم الاتفاق على استبعاد قاعدة الإسناد، إلا في الفروض التي لا تتعلق فيها هذه القاعدة بالنظام العام. ويتحدد مدى تعلق قاعدة الإسناد بالنظام العام من عدمه على هذا النحو، بحسب اتصالها بمسألة من المسائل الآمرة أو المكملة في القانون الداخلي، وليس بحسب إشارتها باختصاص القانون الوطني أو الأجنبي([90]). لذلك فان قواعد الإسناد المتعلقة بمسائل الزواج مثلا، تعد متعلقة بالنظام العام ولو أشارت بتطبيق قانون أجنبي، ومن ثم لا يجوز للخصوم الاتفاق على استبعادها لأن أحكام الزواج تعد في القانون الوطني من الأحكام الآمرة.

ثانيا/ الـــرأي الراجــــح

وذهب البعض من الفقه باتجاه آخر ونحن نؤيده ([91])، مقتضاه بأن قاعدة الإسناد تشير باختصاص القانون الأوثق صلة بالعلاقة الخاصة الدولية المطروحة من وجهة نظر المشرع الوطني، فلم يعد من الجائز الاتفاق على ما يخالفها ولو تعلق الأمر بمسألة من المسائل التي تحكمها قواعد مكملة في القانون الوطني. وإنما يجوز للخصوم الاتفاق على ما يخالف القواعد الموضوعية ذات الطابع التكميلي في القانون الذي تشير قاعدة الإسناد باختصاصه سواء كان قانونا أجنبيا أو كان هذا القانون هو القانون الوطني.

ونخلص من ذلك إلى تأكيد التزام القاضي بإعمال قاعدة الإسناد من تلقاء نفسه، ولو أشارت باختصاص قانون أجنبي دون أن يكون من حق الخصوم الاتفاق على استبعادها في هذا الفرض. علما التزام القاضي هذا ينتهي بمجرد أن يطلب من الخصوم أثبات أحكام القانون الأجنبي. فان لم يقدم هؤلاء ما يثبت مضمون هذا القانون فلا يترتب على القاضي بعد ذلك أي تقصير في أداء التزامه. وينحصر خطأ القاضي وتجاهله لتطبيق قاعدة الإسناد في حالة ما إذا لم يطلب من الخصوم تقديم الدليل على أحكام القانون الأجنبي، الذي أشارت هذه القاعدة باختصاصه.

الفرع الثاني: دور القاضي في البحث عن مضمون القانون الأجنبي

يقتضي حسن بيان وضع القانون الأجنبي أمام قضاء الموضوع، أن نفرق بين اتجاه يحمل العبء على الخصوم في إثبات مضمون القانون الأجنبي باعتباره واقعة. واتجاه آخر يلزم القاضي بالبحث عن مضمون القانون الأجنبي من تلقاء نفسه. وذلك بنقطتين متتاليين:

اولا/ الاتجاه الذي يحمل العبء على الخصوم في بيان مضمون القانون الأجنبي

لقد ذهب القضاء الفرنسي إلى عدم إلزام القاضي بالبحث عن أحكام القانون الأجنبي واجب التطبيق من تلقاء نفسه، وإلقاء عبء ذلك البحث على عاتق أطراف الدعوى([92]). فالقاضي الوطني لا يطبق ابتداء القانون الأجنبي، بل لا بد أن يطلب ذلك الخصوم، ويتحملون هم عبء بيان أحكام ذلك القانون. ويؤكد سلامة هذا القول أن القضاء الفرنسي الحديث، قد خول للقاضي حق تطبيق القانون الأجنبي من تلقاء نفسه، إذا كان يعلم مضمونه([93]). فهذا القضاء يؤكد مرة أخرى خطأ الرأي القائل بأن القانون الأجنبي يعامل في فرنسا معاملة الوقائع.إذ من المبادئ المستقر عليها في قانون المرافعات أنه لا يجوز للقاضي أن يقضي بعلمه الشخصي عن وقائع الدعوى.

أما القضاء المصري، يبدو أنه أستقر على إلقاء عبء بيان أحكام القانون الأجنبي على عاتق الخصم الذي يتمسك بتطبيقها، استنادا لأحكامها الصادرة عام 1967 وعام 1970، وكذلك الحكم الصادر عام 1977، الذي جاء به أنه (إذا كانت الطاعنة لم تقدم السند الذي يبيح لها طلب أبطال الوصية من نصوص القانون الاسباني عملا بالمادة 17 من القانون المدني، وكان الاستناد إلى قانون أجنبي على ما جرى به قضاء هذه المحكمة، لا يعدو أن يكون مجرد واقعة مادية وهو ما يوجب على الخصوم إقامة الدليل عليه، فإن النعي لا يكون مقبولا).كما نذكر حكمها في أول آذار 1978، وفي 7 نيسان 1981 اللذين تردد فيهما نفس الصيغة ونفس الاتجاه. وبذلك نرى أن القضاء المصري قرر أن القانون الأجنبي هو واقعة من الوقائع التي يقع عبء أثباتها على الخصوم، ولا يلزم القاضي بشيء في ذلك. ويدعم عدم التزامه أنه لا يفترض فيه العلم بقانون دولة خلاف دولته([94]).

ولكن عند الرجوع إلى حكم محكمة النقض المصرية في 6 شباط 1984، في شأن إحدى الدعاوى المتعلقة بمسائل القانون البحري، وحيث كان القانون الواجب التطبيق على الموضوع هو القانون الانكليزي المتضمن لأحكام معاهدة سندات الشحن الموقعة في بروكسل عام 1924، وحيث قضت محكمة استئناف الإسكندرية بحكمها في 7 آذار 1979، بأن صاحب المصلحة ملزم بتقديم الأدلة اللازمة لإثبات حكم القانون الأجنبي، وأن حكمه يتفق مع ما يدعيه، إذ أن القانون الأجنبي بالنسبة للقاضي الوطني مجرد واقعة يجب على من يتمسك بنص من نصوصه، أن يقيم الدليل عليه، جاءت محكمة النقض المصرية لتنقض الحكم المستأنف، وتقرر أنه (إذا كان من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن التمسك بقانون أجنبي لا يعدو أن يكون مجرد واقعة يجب إقامة الدليل عليها، وكان مرد هذا القضاء هو الاستجابة للاعتبارات العملية التي لا يتيسر معها للقاضي الإلمام بأحكام ذلك القانون، فإن مناط تطبيق هذه القاعدة أن يكون القانون الأجنبي غريبا عن القاضي، يصعب عليه الوقوف على أحكامه والوصول إلى مصادره، أما إذا كان القاضي يعلم بمضمونه أو كان علمه به مفترضا فلا محل للتمسك بتطبيق القاعدة)([95]).

الحقيقة أن محكمة النقض المصرية بهذا الحكم، لم ترد أن تتخذ خطوة متواضعة نحو تطوير قضائها المستقر في شأن إثبات القانون الأجنبي ومعاملته باعتباره مجرد عنصر من عناصر الواقع، بل فضلت المواجهة الصريحة لقضائها السابق، فألزمت القاضي بتطبيق القانون الأجنبي من تلقاء نفسه بل وافترضت فيه العلم بأحكامه في أحوال معينة. وبهذا الاتجاه يعد حكمها رائدا يستجيب للاتجاه الراجح في فقه القانون الدولي الخاص.

أما في العراق يذهب بنفس الاتجاه التقليدي الذي يقضي بأن القانون الأجنبي لا يطبق بوصفه قانونا بل باعتباره مجرد وقائع، لذا لا يلتزم القاضي أن يركن إليه ويطبقه من تلقاء نفسه([96])، وعلى المتقاضيين التمسك به و أثبات مضمونه. ونحن نرجح الأخذ بالرأي الذي يرى إلزام المحاكم بالبحث عن القانون الأجنبي الواجب التطبيق، حتى ولو لم يطلب إليها ذلك الخصوم. مستندين في ذلك إلى صيغ نصوص قواعد الإسناد في القانون المدني العراقي، التي لا تشعر بأن تطبيق القوانين التي تعينها يتوقف على طلب من أحد.

فقد أستعمل المشرع في قواعد الإسناد العبارات التالية (يسري، يرجع، تطبق، تخضع، تتبع، تعين المحكمة....) وهذه الصيغ لا تدل مطلقا على أن تطبيق القانون الأجنبي متوقف على إرادة الخصوم، بل العكس من ذلك يظهر منها أن تطبيق القانون الأجنبي محتم في جميع الأحوال التي تأمر بها قواعد الإسناد، والمحكمة ملزمة بالبحث عن القانون الأجنبي والتحقق منه.

ثانيا/ الاتجاه الذي يلزم القاضي بالبحث عن مضمون القانون الأجنبي

وعلى خلاف الوضع في فرنسا ومصر و العراق، اتجهت التشريعات الحديثة للقانون الدولي الخاص، إلى النص صراحة على التزام القاضي الوطني بالبحث من تلقاء نفسه عن أحكام القانون الأجنبي. فالمادة (5) من مجموعة القانون الدولي الخاص المجري لعام 1979، نصت على أنه (على المحكمة أو أية سلطة الاستعلام من تلقاء ذاتها عن القانون الأجنبي الذي تجهله، وعند الحاجة لها أن تأمر بالخبرة ويمكنها أيضا أن تأخذ في الاعتبار الأدلة التي يقدمها الأطراف، وبناء على طلب المحكمة أو أية سلطة أخرى يقدم وزير العدل معلومات عن القانون الأجنبي). كما نصت المادة (4) من مجموعة القانون الدولي الخاص النمساوي لعام 1979 على أنه (يجب أن يبحث عن القانون الأجنبي تلقائيا...).

وكذلك المادة (2) من مجموعة القانون الدولي الخاص التركي، والمادة (16/1) من مجموعة القانون الدولي الخاص السويسري لعام 1978، والمادة (7) من القانون الدولي الروماني لعام 1992، والمادة (14/1) من القانون الدولي الخاص الايطالي لعام 1995.([97]) هذه القوانين كلها أكدت على إلزام القاضي بالبحث عن مضمون القانون الأجنبي من تلقاء نفسه، وعدم جواز تنصله من ذلك، إلا إذا استحال عملا الوصول إلى بيان مضمون القانون الواجب التطبيق، وأثبت ذلك في حكمه وأوضحه بتسبيب كافٍ.

الفرع الثالث: دور القاضي في تفسير القانون الأجنبي

لا يكفي لإعمال القانون الأجنبي الكشف عن أحكامه والوصول إلى فهم لقواعده، فقد يكتنف تلك القواعد بعــض الغمــوض يصعب على القاضي الوطني فهمها، والربط بين حقيقة الأثر القانوني le dispositive في القاعدة القانونية الأجنبية والفرض في المسألة المعروضة أمامه([98]). والسؤال الذي يثار هنا، هل يقوم القاضي الوطني بتفسير القانون الأجنبي بنفس الأسلوب الذي يتبعه في تفسير قانونه الوطني، أم يجب عليه أن يتبع الأساليب والمعايير المتبعة في القانون الأجنبي المختص نفسه...؟ وهل يحق له ممارسة الرقابة على دستورية القانون الأجنبي المختص...؟وبعد هذا هل يحق لمحكمة التمييز أن تبسط ولايتها على تفسير القانون الأجنبي المختص، أم هذا الأمر متروك لمحكمة الموضوع وحدها...؟ سنحاول الإجابة من خلال النقطتين التاليتين:

اولا/ دور القاضي في التفسير

بالتأكيد أن للقاضي المعروض عليه النزاع دورا في عملية التفسير، فهو من ناحية ملتزم باحترام القانون الأجنبي في مجموعه (قواعده العرفية، حلوله القضائية)، بل عليه أن يعيش جو ذلك القانون، يفهمه ويخرج من النطاق الوطني وينظر إلى القانون الأجنبي كما يراه قاضيه. وهو من ناحية أخرى أمين على احترام قواعد التفسير الأصلية المستقرة،([99]) ومقتضى ذلك:

أولا/ أن للقاضي سلطة تقدير التفسير الذي يقدمه الأطراف أو الخبير، فيرفضه إن كان يستند إلى قضاء أو فقه مهجور، أو كان تفسيرا واسعا لا تحتمله قواعد القانون الأجنبي. كما أنه لا يتقيد باتفاق الخصوم على تفسير معين ما دام قد أوضح ذلك بتسبيب كافٍ([100]).

ثانيا/ أنه عليه أن لا يخرج من تفسيره عما هو مستقر في التطبيقات القضائية الأجنبية، ولا يسوغ له الاستناد إلى حكم بعينه بحجة أنه يقرر ما ينبغي أن يكون، أو يأخذ بتفسير غير رائج مازالت تتضارب بشأنه الأحكام أو صادر عن هيئة أو جهة إدارية أجنبية غير مخولة حق التفسير. وإذا كانت القاعدة الأجنبية لم تتعرض بعد لتفسير وتطبيق قضائي، التزم القاضي الوطني بتفسيرها على النحو الذي كان سيفسرها به القاضي الأجنبي، حسب قواعد التفسير الأجنبية، وكما قررت المحكمة الدائمة للعدل الدولي في قضية القروض البرازيلية عام 1929، على أنه (ليس هناك محل لا عطاء القانون الوطني واجب التطبيق معنى آخر غير ذلك الذي يعطيه له القضاء)([101]). وهذا القرار يدل إذا كان القانون الأجنبي غامضا، وجب أن يفسر ذلك القانون طبقا لقواعد ومبادئ التفسير المعمول بها في النظام القانوني الأجنبي. وعلى هذا النهج يسير القضاء الفرنسي والسويسري والانكليزي والاسترالي والبلجيكي والمصري والعراقي([102]).

ثانيا/ رقابة المحكمة الوطنية على دستورية القانون الأجنبي

الرقابة على دستورية القوانين عموما، هي وسيلة للتأكد من صحة التشريع شكلا وموضوعا. والأصل أن لا تكون الجهة التي تقوم بهذه الرقابة هي نفس السلطة التي تضع قواعد التشريع، نظرا لما يتسم به القضاء من استقلال وحياد ونزاهة. لذا قد تتمثل هذه الرقابة في امتناع المحكمة من تطبيق القانون غير الدستوري شكلا أو موضوعا، وقد تشمل الرقابة وقف العمل به، ورقابة دستورية القوانين مقررة للقضاء النرويجي ورومانيا والبرتغال وكندا وسويسرا والولايات المتحدة الأمريكية([103]).

أما في فرنسا فقد جرت محكمة النقض على رفض بسط رقابتها على تفسير القانون الأجنبي، بحسبان أن مسألة التفسير هي من اختصاصات قضاة الموضوع. وهذا يتماشى مع مذهب المحكمة التقليدي في رفضها الرقابة على إعمال القانون الأجنبي بوجه عام، غير أن تلك المحكمة قد أدركت مثالب موقفها، فأجازت استثناءا مقتضاه قبول الطعن في أحكام الموضوع التي تخطئ خطأ واضحا في تفسير القانون الأجنبي وفهم أحكامه، بما يؤدي إلى مسخ مضمونه وتشويه معناه الواضح([104]).

أما في مصر، أن مقتضى القول بفرض محكمة النقض رقابتها على إعمال قاعدة التنازع وتطبيق القانون الأجنبي الذي تختاره، امتداد تلك الرقابة إلى تفسير ذلك القانون من جانب قضاة الموضوع، للارتباط الوثيق بين تفسير القانون وتطبيقه، بل إن الخطأ في تفسير القانون الأجنبي هو في حقيقته خطأ في إعمال قاعدة الإسناد، وقواعد الإسناد من القواعد الوطنية التي تخضع تطبيقها وتفسيرها دون أدنى شك لرقابة محكمة النقض([105]).

أما في العراق ذهب بعض الفقه([106])، إلى أنه لابد من تفسير القانون الأجنبي المختص في هذه الحالة بنفس الأسلوب السائد في النظام القانوني لدولة القانون الأجنبي المختص ولو أتحدت أو تشابهت نصوصه مع نصوص قانون القاضي. لأن حرفية النصوص في دول مختلفة لا تعني في جميع الأحوال إتحادها في المعنى والمضمون. فقد يكون للظروف التاريخية وطرق الرقابة القضائية أثر في إسباغ معنى خاص للنص في دولة يختلف عما هو عليه في نص يشابهه في دولة أخرى، مما يجب التمسك بمعنى القانون الأجنبي المختص كما هو مطبق في دولته، للوصول إلى المعنى الذي يقصده مشرعه في بلده وزمنه. فالمشرع عندما ينص في قواعد الإسناد الوطنية على تطبيق قانون أجنبي، يريد بذلك حقيقة إتباع نفس الحلول القانونية السائدة في دولة هذا القانون، لأن القاعدة القانونية لا تعني النص القانوني وحده، وإنما تتضمن مبادئ واتجاهات وتفسيرات خاصة بها ولا بد من الرجوع إليها ككل.

أما بالنسبة لرقابة محكمة التمييز في العراق، فقد يختلف الوضع فيما إذا ينظر للقانون الأجنبي المختص كمجرد واقعة أو كقانون ملزم([107]). وقد بينا سابقا أن الفقه والقضاء يعتبر القانون الأجنبي بمثابة واقعة، وبالتالي لا يخضع عندئذ القرار الصادر بمقتضاه في النزاع من محكمة الموضوع الوطنية المختصة للتمييز لدى محكمة التمييز في العراق، لأن قرار محكمة الدرجة الأولى في الوقائع يعد نهائيا غير خاضع لرقابة وتدقيق محكمة التمييز، لكونه يدخل ضمن السلطات التقديرية لقاضي الموضوع.

وفي رأينا يجب إخضاع تفسير وتطبيق القانون الأجنبي المختص في جميع الأحوال لرقابة وتدقيق محكمة التمييز. شأنه في ذلك شأن القانون الوطني تماما، لأن مهمة محكمة التمييز هي المحافظة على وحدة التفسير والحلول وسلامة تطبيق القانون، وأن فهمها لقصد المشرع في القانون الأجنبي المختص، قد يكون أكثر من فهم القاضي المنفرد، بسبب الخبرة الطويلة المتوفرة لدى أعضائها، ولأن القاضي الوطني قد يهمل التحري عن القانون الأجنبي المختص وتفسيره إذا كان يعلم مسبقا أن قراره يعد باتا وغير قابل للطعن، وفي هذا ضرر محقق لصاحب الحق ومخالفة لروح العدالة وقواعد الإسناد الوطنية التي أمرت بتطبيق القانون الأجنبي المختص. وعليه فإن قرار القاضي العراقي في تفسير وتطبيق القانون الأجنبي المختص يجب أن يخضع لتدقيق محكمة التمييز العراقية، إذا كان القرار قد بني على مخالفة لأحكام هذا القانون أو خطأ في تطبيقه أو عيب في تأويله محافظة على سلامة تطبيقه، شأنه شأن القانون العراقي تماما.

الخاتمة

في نهاية هذا البحث نحاول أن نقدم استنتاجات التي توصل لها البحث، مع الإشارة إلى التوصيات التي يمكن أن تساهم في تعديل القانون المدني العراقي رقم 40 لسنة 1951،وجعلها تساير التطور الحاصل في مجال القانون الدولي الخاص، وخاصة قواعد الإسناد، وبالشكل التالي:-

أولا/ الاستنتاجات:-

  1. انعدام السلطة الدولية التي يمكن أن تنهض بمهمة وضع تنظيم موحد، أو قواعد موضوعية لحكم هذه العلاقات القانونية المشوبة بعنصر أجنبي. كذلك عدم ميل الدول للالتزام أو التقيد باتفاقيات دولية تقدم ذلك التنظيم.
  2. رفض الإحالة بشكل مطلق من قبل المشرع العراقي على وفق المادة (31/1) مدني غير سليم.
  3. في نطاق العقود الدولية الخاصة تكون للأطراف حرية في اختيار القانون الذي يحكم علاقتهم التعاقدية، ولكن هذه الحرية مقيدة بوجود صلة بين العقد والقانون المختار.
  4. في مجال الأضرار البيئية خاصة مع انتشار ظاهرة الطمر للمواد المشعة أو النووية، فعادةً يكون القانون الواجب التطبيق، هو القانون المشترك للطرفين سواءً كان قانون الموطن أو قانون الجنسية، وقد يطبق قانون القاضي المعروض عليه النزاع.
  5. التزام القاضي بتطبيق قاعدة الإسناد وتطبيق القانون الأجنبي الذي تشير باختصاصه، معلق على شرط تمسك الخصوم بأحكام هذا القانون.
  6. القاضي العراقي لا يطبق القانون الأجنبي بوصفه قانوناً، بل باعتباره مجرد وقائع، لذا لا يلتزم بالركون إليه ويطبقه من تلقاء نفسه، وعلى المتخاصمين التمسك به واثبات مضمونه.
  7. للقاضي العراقي سلطة تقديرية في التفسير الذي يقدمه الأطراف أو الخبير، فيما يتعلق بالقانون الأجنبي الواجب التطبيق، فيرفضه إذا كان يستند إلى قضاء أو فقه مهجور، أو كان التفسير واسعا لا تحتمله قواعد هذا القانون.
  8. بما أن القضاء العراقي يتعامل مع القانون الأجنبي باعتباره واقعة، وبالتالي يخرج والحال كذلك من رقابة محكمة التمييز ولا يحق الطعن بذلك أمامها.

ثانياً/ التوصيات:-

  1. التأكيد على التزام القاضي العراقي بإعمال قاعدة الإسناد من تلقاء نفسه، وتطبيق القانون الأجنبي إذا كان هو الواجب التطبيق، دون حاجة لتمسك الخصوم بأحكام هذا القانون.
  2. إلزام المحاكم بالبحث في مضمون القانون الأجنبي الواجب التطبيق، وعدم جواز تنصله من ذلك، إلا إذا استحال عليه وأثبت القاضي ذلك في حكمه وأوضحه بتسبيب كافٍ.
  3. نرى في حالة تحقق الأضرار البيئية، ضرورة البحث عن القانون الأصلح للطرف المضرور وتطبيقه على النزاع، لأنه أقرب لتحقيق العدالة.
  4. على القاضي أن لا يخرج في تفسيره عما هو مستقر في التطبيقات القضائية الأجنبية، وأن يلتزم بتفسيره على النحو الذي كان سيفسره بها القاضي الأجنبي.
  5. ضرورة إخضاع تفسير وتطبيق القانون الأجنبي المختص في جميع الأحوال، لرقابة وتدقيق محكمة التمييز في العراق، شأنه شأن القانون الوطني تماماً.
  6. كان من الاوفق أن يتبنى المشرع العراقي موقفا أكثر مرونة، ويقرر رخصة الأخذ بالإحالة كلما بدأ ذلك ملائماً بالنظر للمصالح الوطنية، خاصة بالطرف المسلم في قضايا الأحوال الشخصية، وكذلك لصالح عقود التجارة الدولية، لذا نقترح تعديل المادة (31) مدني وجعلها بهذا الاتجاه.
  7. نقترح حلاً تخييرياً مقتضاه أنه يكفي أن تتوفر الأهلية لدى الموصي وقت إبرام الوصية، فأن كان ناقص الأهلية في ذلك الوقت وصار أهلاً وقت الوفاة، فأن وصيته تكون صحيحة، لذلك نقترح تعديل المادة (23/1) مدني وجعلها بهذا الاتجاه.
  8. أما أهلية الموصى له لتلقي الوصية، فهي تخضع لقانون الدولة التي ينتمي إليها وقت قبول الوصية، لأن القبول عمل قانوني يلزم صاحبه وجود الأهلية وقت القيام به، وبما أن الوصية تكون لازمة بعد الـــموت (الموصي)، لذلك نقترح أمكانية القبول بعد وفاة الموصي، وتعديل المادة (23) مدني بإضافة فقرة ثالثة تنص على ذلك.

المصادر

أولاً/ المصادر باللغة العربية:-

أ) الكتب العربية:-

  1. د. أحمد مسلم - القانون الدولي الخاص المقارن في مصر ولبنان، منشورات الحلبي، بيروت، 1966.
  2. د. أحمد الخطيب، د. أحمد الكبيسي، د. محمد عباس السامرائي – قانون الأحوال الشخصية، بغداد، 1980.
  3. د. إبراهيم أحمد إبراهيم- القانون الدولي الخاص، تنازع القوانين، دار النهضة العربية، ط1، القاهرة، 2002.
  4. د. أحمد عبد الكريم سلامة- علم قاعدة التنازع والاختيار بين الشرائع (أصولا ومنهجاً)، ط1، مكتبة الجلاء الجديدة، المنصورة، 1996.
  5. د. أحمد عبد الكريم سلامة- القانون الدولي الخاص، التنازع الدولي للقوانين والمرافعات المدنية الدولية، ج2، دار النهضة العربية، القاهرة، 2001/ 2002.
  6. د. أشرف وفا محمد- الوسيط في القانون الدولي الخاص، ط1، دار النهضة العربية، القاهرة، 2009.
  7. د. بلحاج العربي- النظرية العامة للالتزام في القانون المدني الجزائري، ج1، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 1995.
  8. د. هشام علي صادق- تنازع القوانين، منشأة المعارف بمصر، القاهرة، 1974.
  9. د. هشام علي صادق- مركز القانون الأجنبي أمام القضاء الوطني، منشأة المعارف، القاهرة، 1968.
  10. د. هشام علي صادق- تنازع القوانين، دراسة مقارنة في المبادئ العامة والحلول الوضعية المقررة في التشريع المصري، منشأة المعارف، الإسكندرية، 1993.
  11. د. هشام علي صادق – الموجز في القانون الدولي الخاص، تنازع القوانين، دار الفكر الجامعي، الإسكندرية، 1998.
  12. د. هشام علي صادق- القانون الواجب التطبيق على عقود التجارة الدولية، دراسة تحليلية ومقارنة، منشأة المعارف، الإسكندرية، 1995.
  13. د. حسن علي الذنون – أصول الالتزام، بغداد، 1970.
  14. د. حسن محمد الهداوي- تنازع القوانين وأحكامه في القانون الدولي الخاص العراقي، بغداد 1972.
  15. د. ممدوح عبد الكريم حافظ- القانون الدولي الخاص، دار الحرية للطباعة، بغداد، 1977.
  16. د. محمد حسين عباس- الملكية الصناعية، دار النهضة العربية، القاهرة، 1976.
  17. د. عز الدين عبد الله- القانون الدولي الخاص، ج2، تنازع القوانين وتنازع الاختصاص القضائي الدوليين، ط9، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1986.
  18. د. عز الدين عبد الله- القانون الدولي الخاص، ط6، دار النهضة العربية، القاهرة،1972.
  19. د. عوض الله شيبة الحميد- الوجيز في القانون الدولي الخاص، دار النهضة العربية، ط2، القاهرة، 1997.
  20. د. عبد الرزاق السنهوري- الوسيط في شرح القانون المدني، ج1، نظرية الالتزام بوجه عام، دار النهضة العربية، القاهر ة، 1964.
  21. د. عكاشة محمد عبد العال- تنازع القوانين، دراسة مقار نة، دار المطبوعات الجامعية، الإسكندرية، 2002.
  22. د. عكاشة محمد عبد العال، د. هشام علي صادق- القانون الدولي الخاص، الإجراءات المدنية والتجارية الدولية وتنفيذ الأحكام الأجنبية وتنازع القوانين، دار المطبوعات الجامعية، الإسكندرية، 2008.
  23. د. عاطف عبد الحميد عبد المجيد ندا – الفكرة المسندة في قاعدة خضوع شكل التصرفات القانونية لقانون محل الإبرام، دراسة مقارنة في تنازع القوانين، ط1، دار النهضة العربية، القاهرة، 2006.
  24. د. عبد الباقي البكري-، د. زهير طه البشير- المدخل لدراسة القانون، دار الكتب للطباعة والنشر، جامعة بغداد، 1989.
  25. د. فؤاد عبد المنعم رياض، د. سامية راشد- القانون الدولي الخاص، دار النهضة العربية، القاهرة، 1974.
  26. د. فؤاد عبد المنعم رياض، د. سامية راشد – تنازع القوانين والاختصاص القضائي الدولي وآثار الأحكام الأجنبية، دار النهضة العربية، 1994.
  27. د. غالب علي الداودي- القانون الدولي الخاص، النظرية العامة وأحكام الجنسية العراقية، ط2، بغداد، 1987.
  28. د. غالب علي الداودي- القانون الدولي الخاص، النظرية العامة للموطن والمركز القانوني للأجانب وأحكامهما في القانون العراقي، بغداد، 1976.
  29. د. غالب علي الداودي – القانون الدولي الخاص الأردني، ج1، تنازع القوانين، ط4، دار وائل للنشر، 2005.
  30. د. غالب علي الداودي، د. حسن محمد الهداوي- القانون الدولي الخاص، تنازع القوانين وتنازع الاختصاص القضائي وتنفيذ الأحكام الأجنبية، ج2 العاتك لصناعة الكتاب، القاهرة، توزيع المكتبة القانونية، بغداد، 2009.
  31. د. صلاح الدين الناهي- الوجيز في الحقوق العينية الأصلية، بغداد، 1960/ 1961.

ب) المجلات القانونية:-

  1. د. عنايت عبد الحميد- أساليب فض تنازع القوانين ذي الطابع الدولي في القانون الوضعي المقارن (تحليل وتأصيل)، مجلة القانون والاقتصاد، السنة 1995، العدد 65.
  2. مجلة نقابة المحامين الأردنية، السنة 37، السنة 1998،العدد العاشر.

ج) النصوص القانونية:-

  1. القانون المدني العراقي رقم 40 لسنة 1951.
  2. قانون المرافعات العراقي رقم 83 لسنة 1969.

د) القرارات والأحكام القضائية:-

  1. قرار لمحكمة التمييز العراقية، بغداد، رقم 104 حقوقية، 1958 بتاريخ 28/5/ 1958، المنشور في مجلة القضاء، العدد الثاني.
  2. قرار لمحكمة التمييز العراقية، بغداد، المرقم 2403، حقوقية، 1966 بتأريخ 19/ 2/ 1967، المنشور في مجلة القضاء، العدد الأول.
  3. قرار محكمة التمييز الأردنية بموجب قرارها/ تمييز، حقوق، رقم 539 م 83 الصادر في 10/11/1983، المنشور في مجلة نقابة المحامين، السنة 22، العدد الرابع.
  4. قرار محكمة التمييز الأردنية، حقوق، رقم 470/ 1998، المنشور في مجلة نقابة المحامين، السنة 37، العدد العاشر.

ثانياً/ المصادر باللغة الأجنبية:-

1) Gilbert (L): problèmes techniques et commerciaux poses par la communication de know- how, Montpellier, 1977.

2) Mayer (p): Droit international prive, éd, Montchrestien, paris, 1977.

3) Henry (P): International pre- contractual obligation in (international contract) editors by Hans Smit and others, Mathew Bender, New York, 1981.

4) Battiffol (h) et Lagard (p): Droit International Prive, éd, Paris, 1983.

5) Kahn (ph): lex mercatoria et pratiqué des contrats international l expérience, française, le contrat économique, international, paris,1975.

 

[1] - د. عز الدين عبد الله- القانون الدولي الخاص، ط 6، دار النهضة العربية، القاهرة، 1972 ص 111.

[2] - د. هشام علي صادق- تنازع القوانين، منشأة المعارف بمصر، القاهرة، 1972، ص 45.

[3] - د. إبراهيم أحمد إبراهيم- القانون الدولي الخاص، تنازع القوانين، دار النهضة العربية، ط1، القاهرة، 2002، ص 151.

[4] - د. أحمد عبد الكريم سلامة- علم قاعدة التنازع والاختيار بين الشرائع (أصولا ومنهجا)، ط1، مكتبة الجلاء الجديدة، المنصورة، 1996، ص 98.

[5] - د. أحمد عبد الكريم سلامة- المصدر نفسه، ص 21.

[6] - د. غالب علي الداودي- القانون الدولي الخاص، النظرية العامة للموطن والمركز القانوني للأجانب وأحكامهما في القانون العراقي، بغداد، 1976، ص 88. وكذلك د. عز الدين عبد الله- المصدر السابق، ص 89.

[7] - د. هشام علي صادق- مركز القانون الأجنبي أمام القضاء الوطني، 1968، ص 64.

[8] - د. عز الدين عبد الله- القانون الدولي الخاص، تنازع القوانين وتنازع الاختصاص القضائي الدوليين، ط 9، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1986، ص 96.

[9] - د. هشام علي صادق- الموجز في القانون الدولي الخاص، تنازع القوانين، دار الفكر الجامعي، الإسكندرية، 1998، ص 54.

[10] - د. عكاشة عبد العال- تنازع القوانين، دراسة مقارنة، دار المطبوعات الجامعية، الإسكندرية، 2002، ص 106.

[11] - د. أحمد عبد الكريم سلامة- المصدر السابق، ص 32.

[12] - د. حسن الهداوي- تنازع القوانين وأحكامه في القانون الدولي الخاص العراقي، بغداد، 1972، ص 88.

[13] - د. فؤاد عبد المنعم رياض، د. سامية راشد- القانون الدولي الخاص، دار النهضة العربية، القاهرة، 1974، ص 123.

[14] - د. عاطف عبد الحميد عبد المجيد ندا- الفكرة المسندة في قاعدة خضوع شكل التصرفات القانونية لقانون محل إبرامها، دراسة مقارنة في تنازع القوانين، ط1، دار النهضة العربية، القاهرة، 2006، ص 133.

[15] - د. عاطف عبد الحميد عبد المجيد- المصدر نفسه، ص 134.

[16] - د. غالب علي الداودي- القانون الدولي الخاص، النظرية العامة وأحكام الجنسية العراقية، ط2، بغداد، 1987، ص 68.

[17] - د. صلاح الدين الناهي- الوجيز في الحقوق العينية الأصلية، بغداد، 1960/ 1961، ص48.

[18] - د. حسن علي الذنون- أصول الالتزام، بغداد، 1970، ص 110.

[19] - د. عكاشة عبد العال- المصدر السابق، ص 78.

[20] - د. عنايت عبد الحميد- أساليب فض تنازع القوانين ذي الطابع الدولي في القانون الوضعي المقارن (تحليل وتأصيل)، مجلة القانون والاقتصاد، السنة 1995، العدد 65، ص 22.

[21] - -Gilbert (L): problèmes techniques et commerciaux poses par la communication de know- how، Montpellier، 1977،p.98.

[22] - د. أحمد عبد الكريم سلامة- القانون الدولي الخاص، التنازع الدولي للقوانين والمرافعات المدنية الدولية، ج 2، دار النهضة العربية، القاهرة، 2001/2002، ص 143.

[23] - Mayer (p): Droit international prive، éd، Montchrestien، paris، 1977، p.231

[24] - د. أحمد عبد الكريم سلامة- المصدر السابق، ص 149.

[25] - Gilbert (L): op.cit. p. 99

[26] - د. هشام علي صادق- القانون الأجنبي أمام القانون الوطني، المصدر السابق، ص 122.

[27] - د. أحمد عبد الكريم سلامة- المصدر السابق، ص 155.

[28] - د. عوض الله شيبة الحمد- الوجيز في القانون الدولي الخاص، دار النهضة العربية، ط 2، القاهرة، 1997، ص 89.

[29] - د. فؤاد عبد المنعم رياض، د. سامية راشد- تنازع القوانين والاختصاص القضائي الدولي وآثار الأحكام الأجنبية، دار النهضة العربية، 1994، ص 153.

[30] - د. عبد الرزاق السنهوري- الوسيط في شرح القانون المدني، ج1، نظرية الالتزام بوجه عام، دار النهضة العربية، القاهرة، 1964، ص 188.

[31] - د. عز الدين عبد الله- تنازع القوانين وتنازع الاختصاص القضائي الدوليين، المصدر السابق، ص 191.

- د. عكاشة عبد العال- تنازع القوانين، المصدر السابق، ص 107.

[32] - د. ممدوح عبد الكريم حافظ- القانون الدولي الخاص، دار الحرية للطباعة، بغداد، 1977، ص 111.

- د. إبراهيم أحمد إبراهيم- المصدر السابق، ص 82.

 - د. هشام علي صادق- تنازع القوانين، المصدر السابق، ص 95.

[33] - -Henry (P): International pre- contractual obligation in (international contract) editors by Hans Smite and others، Mathew Bender، New York، 1981، p.158.

[34] - د. صلاح الدين الناهي- المصدر السابق، ص 166.

[35] - د. عكاشة محمد عبد العال، د. هشام علي صادق- القانون الدولي الخاص، الإجراءات المدنية والتجارية الدولية وتنفيذ الأحكام الأجنبية وتنازع القوانين، دار المطبوعات الجامعية، الإسكندرية، 2008، ص 244.

[36] - د. عز الدين عبد الله- تنازع القوانين وتنازع الاختصاص القضائي، المصدر السابق، ص201.

[37] - د. هشام علي صادق- تنازع القوانين (دراسة مقارنة)، المبادئ العامة والحلول الوضعية المقررة في التشريع المصري، منشأة المعارف، الإسكندرية، 1993، ص 198.

[38] - د. أحمد عبد الكريم سلامة- علم قاعدة التنازع والاختيار بين الشرائع، المصدر السابق، ص 210.

[39] - د. غالب علي الداودي- القانون الدولي الخاص الأردني، ج1، تنازع القوانين، ط4، دار وائل للنشر، 2005، ص 121.

[40] - د. أشرف وفا محمد – الوسيط في القانون الدولي الخاص، تنازع القوانين، ط1، دار النهضة العربية، القاهرة، 2009، ص 132.

[41] - د. عز الدين عبد الله- القانون الدولي الخاص، ج2 تنازع القوانين وتنازع الاختصاص القضائي الدوليين، المصدر السابق، ص 111.

- د. عكاشة محمد عبد العال- تنازع القوانين، المصدر السابق، ص 154.

[42] - د. أشرف وفا محمد- المصدر السابق،147.

- د. فؤاد عبد المنعم رياض، د. سامية راشد- المصدر السابق، ص 155.

- د. غالب علي الداودي، د. حسن محمد الهداوي- القانون الدولي الخاص، تنازع القوانين وتنازع الاختصاص القضائي وتنفيذ الأحكام الأجنبية، ج2، العاتك لصناعة الكتاب، القاهرة، توزيع المكتبة القانونية، بغداد، 2009، ص 120.

[43] - د. غالب علي الداودي، د. حسن محمد الهداوي- المصدر نفسه، ص 133.

[44] - د. مرتضى نصر الله- تنازع الهيئات وتنازع الاختصاص القضائي، دار الحرية للطباعة، 1965، ص 89.

[45] - أنظر د. ممدوح عبد الكريم حافظ- المصدر السابق، 257.

[46] - د. عاطف عبد الحميد ندا- المصدر السابق، ص 166.

[47] - المادة (18/1) من القانون المدني العراقي رقم 40 لسنة 1951.

[48] - Battiffol (h) et Lagard (p): Droit International Prive، éd، Paris، 1983. P.117

[49] - د. هشام علي صادق- تنازع القوانين دراسة مقارنة، ص 221.

[50] - د. أشرف وفا محمد- المصدر السابق، ص 264.

[51] - أشارت المواد من (18 _ 23) من القانون المدني العراقي ر قم 40 لسنة 1951. وأدخل من ضمنها إضافة إلى الصفات الطبيعية الأخرى العائلية مثل النفقة والوصايا والمواريث والنسب والزواج والطلاق والولادة.

- د. غالب علي الداودي، د. حسن محمد الهداوي- ج2، المصدر السابق، ص 88.

[52] - د. عبد الرزاق السنهوري- المصدر السابق، ص 154.

- د. حسن علي الذنون- المصدر السابق، ص 189.

[53] - د. عبد الباقي البكري، د. زهير طه البشير- المدخل لدراسة القانون، دار الكتب للطباعة والنشر، جامعة بغداد، 1989،ص 293.

[54] - د. عكاشة محمد عبد العال، د. هشام علي صادق- المصدر السابق، ص 289.

- د. أشرف وفا محمد- المصدر السابق، ص 241.

[55] - د. عبد الرزاق السنهوري- المصدر السابق، 154.

[56] - د. أحمد الخطيب، د. أحمد الكبيسي، د. محمد عباس السامرائي- قانون الأحوال الشخصية، بغداد، 1980، ص 141.

[57] - أحمد الخطيب، د. أحمد الكبيسي، د. محمد عباس السامرائي- المصدر السابق، ص 145.

[58] - Battiffol (h) et Lagard (p): op.cit.p.155

[59] - د. غالب علي ا لداودي- القانون الدولي الخاص، المصدر السابق، ص 187.

[60] - المادة 65 من القانون المدني العراقي رقم 40 لسنة 1951.

[61] - د. أحمد مسلم- القانون الدولي الخاص المقارن في مصر ولبنان، منشورات الحلبي، بيروت، 1966، ص 78.

[62] - ولهذه الأسباب أيضا لا تبيح قوانين بعض الدول الأجنبية تملك العقارات فيها إلا ببعض القيود، كاشتراط مبدأ المقابلة بالمثل وتحديد المقدار المسموح تملكه وضرورة استحصال إذن مسبق بذلك، كما في العراق والسعودية والسويد. وهناك دول أخرى تمنع تملك الأجنبي لنوع معين من العقارات فيها محافظة على الثروة الوطنية والاقتصاد القومي، كالأراضي الزراعية في مصر والعراق ورومانيا والأردن.

- د. غالب علي الداودي- القانون الدولي الخاص الأردني، المصدر السابق، ص 194.

[63] - نصت المادة 36 على أنه (تقام الدعوى في محكمة محل العقار إذا تعلقت بحق عيني وإذا تعددت العقارات جاز إقامة الدعوى في محل أحدها). قانون المرافعات العراقي رقم 83 لسنة 1969.

[64] - د. غالب علي الداودي- المصدر السابق، ص 196.

-كذلك أنظر د. ممدوح عبد الكريم- المصدر السابق، ص 308.

[65] - د. محمد حسين عباس- الملكية الصناعية، دار النهضة العربية،القاهرة، 1976،ص 138.

[66] - د. عز الدين عبد الله- القانون الدولي الخاص،ج2، ط9، المصدر السابق، ص 209.

[67] - د. عز الدين عبد الله- المصدر نفسه، ص 216.

[68] - د. غالب علي الداودي- المصدر السابق، ص 207.

[69] - (وهي الحق في الاستثمار بتطبيق اختراع صناعي). د. محمد حسين عباس- المصدر السابق، ص 110.

[70] - د. غالب علي الداودي- المصدر السابق، ص 208.

[71] - د. غالب علي الداودي، د. حسن محمد الهداوي- المصدر السابق، ص 141.

[72] - د. عبد الرزاق السنهوري- المصدر السابق، ص 254.

[73] - د. حسن علي الذنون- المصدر السابق، ص 201.

[74] - د. حسن علي الذنون- المصدر نفسه، ص200.

- د. عبد الرزاق السنهوري- المصدر السابق، ص 251.

- د. بلحاج العربي- النظرية العامة للالتزام في القانون المدني الجزائري، ج1، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 1995، ص 40.

[75] - د. أحمد عبد الكريم سلامة- علم قاعدة التنازع، المصدر السابق، ص 225.

[76] - د. غالب علي الداودي، د. حسن محمد الهداوي- المصدر السابق، ص 151.

[77] - د. فؤاد عبد المنعم رياض، د. سامية راشد- المصدر السابق، ص 375.

[78] - د. هشام علي صادق- القانون الواجب التطبيق على عقود التجارة الدولية، دراسة تحليلية ومقارنة، منشأة المعارف، الإسكندرية، 1995، ص 166.

[79] - د. عز الدين عبد الله- محاضرات في تنازع القوانين في العقد، (طلبة الدكتوراه في الكويت)، للعام الدراسي 1972/ 1973، ص 22.

[80] - جاء في قرار لمحكمة التمييز، بغداد، رقم 104 حقوقية، 1958 بتاريخ 28/5/ 1958. حيث أن العقد قد تم في لندن فيكون القانون الانكليزي هو المطبق.

- وجاء كذلك في قرارها المرقم 2403، حقوقية، 1966 بتأريخ 19/ 2/ 1967. أن القانون المنطبق على هذه الحادثة القضائية هو القانون الانكليزي لأنه قانون الدولة التي تم فيها العقد.

- أنظر د. حسن محمد الهداوي- المصدر السابق، ص 206.

- كذلك اتجاه محكمة التمييز الأردنية بموجب قرارها/ تمييز، حقوق، رقم 539 م 83 الصادر في 10/11/1983 والذي جاء فيه، (إذا لم يتحد الموطن الذي يقيم فيه المتعاقدان، فأن قانون الدولة التي تم فيها العقد هو الواجب التطبيق عملا بالفقرة الأولى من المادة (20) من القانون المدني، ولا يترتب على تسجيل فرع الشركة الأجنبية في الأردن اعتبار الأردن موطنا لمركز الشركة الرئيسي مادام أن العقد مبرم بين المدعي والمركز الرئيسي للشركة خارج الأردن).

- كذلك أنظر قرار محكمة التمييز الأردنية، حقوق، رقم 470/ 1998، المنشور في مجلة نقابة المحامين، السنة 37، العدد العاشر، ص 19- 20.

[81] - د. حسن علي الذنون- المصدر السابق،ص223.

[82] - د. هشام علي صادق- تنازع القوانين، المصدر السابق، ص 233.

[83] - د. غالب علي الداودي- المصدر السابق، ص 224.

[84] - د. غالب علي الداودي- المصدر نفسه، ص 229.

[85] - د. ممدوح عبد الكريم حافظ- المصدر السابق، ص 297.

[86] - وهذا ما أخذ به قرار صادر سنة 1927 من محكمة العدل الدولية الدائمة، في قضية الباخرة الفرنسية (لوتس) التي اصطدمت بالباخرة التركية (بوزكورت) في عرض البحر، اصطداما أدى إلى إحداث أضرار فادحة بالباخرة التركية وبأرواح طاقمها. وعندما رست الباخرة (لوتس) في ميناء تركي، قامت الحكومة التركية بمعاقبة ربانها ومساعديه وتقدير التعويضات عن الخسائر في الباخرة التركية (بوزكورت) وفي أرواح طاقمها وفقا للقانون التركي، فاحتجت الحكومة الفرنسية على ذلك وطالبت بإخضاع تقدير الأضرار الناتجة عن التصادم البحري في المياه الحرة لقانون الدولة التي تحمل الباخرة المسببة للضرر علمها. ولدى إحالة النزاع إلى محكمة العدل الدولية الدائمة، قضت المحكمة في قرارها ببطلان دفع الحكومة الفرنسية، لما لاحظته المحكمة من عدم وجود قاعدة تقضي بمسؤولية تركيا عن الإجراءات التي اتخذتها ضد الباخرة الفرنسية وفقا للقانون التركي. - نقلا عن د. غالب علي الداودي- المصدر السابق، ص230.

[87] - التلوث la pollution، هو إدخال الإنسان مباشرة أو بطريق غير مباشر لمواد أو لطاقة في الماء أو في الهواء أو في التربة، مما يسبب أضراراً بالصحة البشرية ويلحق الأذى بالموارد البيولوجية والنظم البيئية، وبالممتلكات المادية ويعوق الاستخدام المشروع لتلك الموارد والممتلكات، وينال من قيم التمتع بالبيئة بوجه عام.

- أنظر د. أحمد عبد الكريم سلامة- القانون الدولي الخاص، المصدر السابق، ص 506.

[88] - د. هشام علي صادق، القانون الواجب التطبيق على عقود التجارة الدولية، المصدر السابق، ص 148.

[89] - -Kahn (ph): lex mercatoria et pratiqué des contrats international l expérience، française، le contrat économique، international، paris،1975، p. 322

 Mayer (p): op. cit. p. 311

[90] - د. أحمد عبد الكريم سلامة- المصدر السابق، ص 476.

[91] - د. غالب علي الداودي، د. حسن محمد الهداوي- القانون الدولي الخاص، ج2، المصدر السابق، ص 151.

- د. هشام علي صادق، د. عكاشة محمد عبد العال- القانون الدولي الخاص، المصدر السابق، ص 151/ 152.

[92] - Kahn (ph): op. cit. p. 365

[93] - د. هشام علي صادق، د. عكاشة محمد عبد العال- المصدر السابق، ص 154.

[94] - د. هشام علي صادق- تنازع القوانين، دراسة مقارنة، المصدر السابق، 278.

[95] - د. هشام علي صادق، د. عكاشة محمد عبد العال- المصدر السابق، ص 161.

[96] - د. غالب علي الداودي، د. حسن محمد الهداوي- المصدر السابق، 209.

[97] - د. عكاشة محمد عبد العال- تنازع القوانين، دراسة مقارنة، المصدر السابق، ص 189.

[98] - د. عنايت عبد الحميد- المصدر السابق، ص 219.

[99] - د. أشرف وفا محمد- المصدر السابق، ص 287.

[100] - د. غالب علي الداودي، د. حسن محمد الهداوي- المصدر السابق، ص 217.

[101] - د. هشام علي صادق- مركز القانون الأجنبي أمام القضاء الوطني، المصدر السابق، ص199.

[102] - (عندما عرضت قضية زواج البنت الانكليزية من عراقي أمام محكمة عراقية، وتقرر حينها تطبيق القانون الانكليزي فيها، استدعت المحكمة العراقية المستشار القانوني في السفارة البريطانية ببغداد لبيان حكم القانون الانكليزي في القضية).

- أنظر د. غالب علي الداودي- القانون الدولي الخاص الأردني، المصدر السابق، ص265.

[103] - د. غالب علي الداودي- المصدر نفسه، ص 270.

[104] - Battiffol (h) et Lagard (p): op. cit. p.259

[105] - د. عز الدين عبد الله- القانون الدولي الخاص، ج2، المصدر السابق، ص 256.

[106] - د. غالب علي الداودي، د. حسن محمد الهداوي- المصدر السابق، ص 218.

[107] - د. غالب علي الداودي، د. حسن محمد الهداوي- المصدر نفسه، ص 209.