تصنیف البحث: علوم القرآن
من صفحة: 87
إلى صفحة: 118
النص الكامل للبحث: PDF icon 180605-162725.pdf
خلاصة البحث:

يتناول هذا البحث بالتحليل الآيات القرآنية المقدسة التي ضمّنها الشعراء في مراثيهم للعبّاس عليه السلام، ومن ثمّ المقارنة بين النصوص القرآنية التي ذكرها الشعراء سواء كانت أحداثاً أو شخوصا (كموسى، وسليمان، ويعقوب،  عليهم السلام )، أو قصصاً (كقصة مريم، وأصحاب الفيل)، وبين ما جرى على أبي الفضل العباس عليه السلام، وما قام به في واقعة الطف، ومن ثم بيان الرابط بينها وبين شخص العباس  عليه السلام .

ABSTRACT

This research is a technical and academic study that deals with the analysis of the Holy Quranic verses that poets have included some in their eulogy pomes written for (AL-Abbas ibn Ali ibnAbitalib (as)), The study we are about is to compare the Quranic texts quoted by poets whether they are about people like (Moses, Solomon and Jacob) or an events like (Mary's story or The owners of the Elephant) with what happened to Abbas, and what AL-Abbas did in the day of Ashura, and then clarify the relationship between them and Abbas characteristic.

البحث:

المقدمة

الحمد لله الذي جعل القرآن منبعا للعلم وأصلاً له، ونوراً لا يطفأ مصباحه، ومنهجا لا يضلّ سالكه، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى العبد الصالح البار الأمين سيّدنا ومولانا أبي الفضل العباس ابن أمير المؤمنين.

فلا يخفى إنّ أهل البيت هم القرآن الناطق، والعباس  عليه السلام هو قمر من تلك الأقمار، وفرع من ذلك الأصل الذي يقول: (أنا القران الناطق)([1]).

وبما إنّ القرآن هو مصدر من مصادر الإلهام الشعري (للشعراء(، ورافدا أساسياً من روافد النص الإبداعي، ومنهلاً للذين يسعون إلى إثراء خطاباتهم الأدبية، فقد استقوا منه بعض الآيات القرآنية التي تَمثَّل بها شخص العباس  عليه السلام ، وكان من أحد مصاديقها، فجمعوا من خلال ذلك بين القرآنيين الصامت والناطق، معبرين من خلال الصور الفنية، والدلالات الموحية، عن القيم القرآنية السامية المتجسدة في شخص العباس عليه السلام .

وقد سعى الباحث للدخول في خضم هذا الكم الهائل من الأشعار التي قيلت في حق العباس عليه السلام من أجل استخراج ما يخص موضوعي هذا.

وقُسم على مقدمة وتمهيد في القرآنية من حيث المفهوم والدلالة، وبناؤها في مراثي العباس عليه السلام، ومن ثم المبحث الأول في نمط القرآنية المباشرة المحوّرة، وجاء في موردين الأول: القرآنية المباشرة المحوّرة المحورية، والثاني: القرآنية المباشرة المحوّرة غير المحورية.

أما المبحث الثاني فجاء فقام على الدراسة القرآنية غير المباشرة المحوّرة، وهو على موردين الأول: القرآنية غير المباشرة المحوّرة البسيطة، و الثاني: القرآنية غير المباشرة المحوّرة العميقة، ومن ثم خاتمة في النتائج التي توصل إليها البحث.

التمهيد: (القرآنية):

يعد مفهوم القرآنية من المفاهيم الحديثة التي ظهرت على ساحة الأدب العربي.

ويتجلى هذا المفهوم في تعامل الشعراء المعاصرين مع النص القرآني المقدس من حيث أنهم يقومون باستحضار النص القرآني وإضافته في النص الشعري، سواء كانت هذه الإضافة بشكل مباشر أو غير مباشر.

ويُعد الدكتور مشتاق عباس معن أول من طرح هذا المصطلح في بحثه الموسوم بـ (القرآنية في شعر محمّد حسين آل ياسين([2]))، وعرّفه بقوله:)) القرآنية: آلية من الآليات التي يتوسّل بها المبدع في تشكيل نصوصه الإبداعية من جهتي الرؤيا والأنساق (بنية وإيقاعاً) بحسب ما مرسوم في الكتاب المقدس(القرآن))) ([3]).

والقرآنية تعني كذلك: الإفادة النصية من لدن الشعراء وغيرهم من المبدعين من القرآن الكريم، ويشكل هذا المورد المقدس أحد مدارك إنتاجية النص عند الشعراء الذين رثوا العباس  عليه السلام ([4]).

وإن مسألة الأخذ من القرآن الكريم هي ممارسة كبيرة عريقة، تمتد إلى جذور العصور الإسلامية الأولى، فضلاً على كون المأخوذ منه نصاً مقدساً ذا أثر كبير في نفسية المرسل والمتلقي – ولا سيما إذا كانا مسلمين - ([5]).

وتُبنى القرآنية على أساس اتكاء النصوص الشعرية، على النص القرآني المقدس، وإذا ما قورن هذا المصطلح مع غيره من المصطلحات التي تشترك بالمعنى، نجده أدق من جهة الدلالة على المفهوم المراد، ومن جهة أخرى نجد هذا المصطلح حافظ لنا على التسمية الموروثة للقرآن الكريم، ولم يتجن عليها ([6])، كما هو الحال في التّناص القرآني، والتّناص الديني.

والذي حدا بهذا المفهوم(القرآنية) أن يكون كذلك هو توفر المماثلة بين مدلولي هذه اللفظة اللغوي والاصطلاحي، وعدم تعدد دلالاته، وعدم تركيبها مع لفظة أخرى، فضلاً عن كونه مصطلح تراثي علمي غير مولَّد، وهذه هي الشروط والقواعد الأساسية لوضع المصطلح.([7])

ولم ينقد هذا المصطلح، أو لم يتهم من طبّقه وعمل عليه بالـسرقة وذلك لأنه يستعمل وفق الحدود التي رسمها نقادنا القدامى لموضوع الـسرقة.

فقد جاء في كتاب(الإتقان) للسيوطي (ت 911هـ(، وعلي بن محمد الحموي)ت 837هـ): الاقتباس من القرآن على ثلاثة أقسام مقبول ومباح ومردود فالأول ما كان في الخطب والمواعظ والعهود ومدح النبي  صلى الله عليه وآله وسلم  ونحو ذلك والثاني ما كان في الغزل والرسائل والقصص والثالث على ضربين أحدهما ما نسبه الله تعالى إلى نفسه ونعوذ بالله ممن ينقله إلى نفسه كما قيل عن أحد بني مروان أنه وقع على مطالعة فيها شكاية من عماله إن إلينا إيابهم ثم إن علينا حسابهم والآخر تضمين آية كريمة في معنى هزل ونعوذ بالله من ذلك كقول القائل:

أوحى إلى عشاقه طرفه
وردفه
ينطق من خلفه
 

 

هيهات هيهات لما توعدون
لمثل
ذا فليعمل العاملون([8])
 

 

وهذا ما عمل عليه الشعراء، فقد ابتعدوا عن هذا النوع المردود من الاقتباس، وعملوا على المقبول المباح، وما بالك إذا كان ذلك الاقتباس في التعبير عن خصائص المولى أبي الفضل العباس، وشخصيته العظيمة. أما بنائية (القرآنية) في مراثي العباس عليه السلام فقد مثلت انعطافة جديدة، عند الشعراء الذين رثوا العباس عليه السلام، وبينوا المواقف البطولية له، وما أبداه في معركة الطف الخالدة،، لذا كانت القرآنية وسيلتهم لذلك، فقد هيمنت على نصوصهم، فربطوا بين النص والقران من حيث الأحداث، والشخوص كـ (موسى، وسليمان)، والقصص كـ (قصة اصحاب الفيل) وغيرها من آليات الرمز، والأمثال، والدعاء، وابتكار الصورة، مما يشير إلى إمكانياتهم الفنية الكبيرة.

وقد وضعنا هذا المصطلح في الدراسة وأجريناه على مراثي العباس عليه السلام ، وسعينا في سبيل العثور على النصوص الشعرية التي تخص موضوعنا، وعثرنا على الكثير وانتقينا الأصلح والأروع منها وأجرينا عليه الدراسة.

المبحث الأول: نمط القرآنية المباشرة المحوّرة:

لقد شكل هذا النوع من الأنماط النسبة الأكبر في مراثي العباس عليه السلام حيث عمد أغلب الشعراء إلى التعامل مع النص القرآني تعاملا مباشراً، واستدعوا من خلال هذا التعامل النصوص القرآنية وضمنوها في قصائدهم.

ويعرف هذا النمط بأنه: (أن يعمد الشاعر فيها لاستدعاء البنية القرآنية واستضافتها في خطابه الشعري، وجعلها ممتزجة معه عن طريق العملية التصويرية للنص القرآني، لفظاً ودلالةً، حذفاً وتوليداً، تكثيفا وتوسيعاً ([9]) (.

ويقسم هذا النوع من الأنماط إلى قرآنية مباشرة محورة محورية، وقرآنية مباشرة محورة غير محورية، وقد اعتمدنا هذا في هذا التقسيم على ما طرحه الدكتور مشتاق عباس معن ([10]).

أولاً: القرآنية المباشرة المحوّرة المحورية:

وهو أن يعمد الشاعر إلى النصّ القرآنيّ فينقله بنصّه ومعناه، أي: بتركيبه ودلالته، فهو يستسلم لتراكيبه فيوظفها في قصيدته على ما هي عليه، ولسبب نزوله وما أراده، ليذهب معه إليهما أيضًا في أبياته، فلا يجد المتلقي عناءً في فهم ما يريده الشاعر([11]).

وبتعبير آخر أن يتعامل الشاعر تعاملاً لفظيا ودلاليا، ولكنه يحيل النص القرآني المستقر والمبدع إلى نص قلق البناء يفقد بناءاته الأولى، فهو يحور في الألفاظ ويقدم ويؤخر([12]).

وقد خص الشعراء في هذا المبحث عدة صفات لأبي الفضل العباس عليه السلام وهي: (الشجاعة)، و(سمو المنزلة)و (والدور الرسالي)، (وانتصار الدم على السيف).

ومن اجل التعبير عن شجاعة العباس التي ثبتت له في كل موقف من مواقفه، اتجه الشعراء إلى نصوص مختلفة من القران، وألفاظ، وقصص ومن ذلك قول الشاعر (محمد عبد الرضا الحرزي) في قصيدته الموسومة بـ (بقيّة السيف):

(البسيط)

عباسُ لمّا أتته زينبٌ وشكتْ
أخيّ مثلُكَ عارٌ لو دُعي لبلا
فقرّبَ المُهرَ وانتاش اللوا وتلا

 

 

ضجّت أراملُ جيشِ الكفرِ بالبلدِ
والفضلُ في الجود قبل السّؤل إن تجدِ
اليومَ قد خُلق الإنسانُ في كَبَدِ([13])

 

 

إنّ العبارة الشعرية (قد خُلق الإنسانُ في كَبَدِ) تشير في أول وهلة إلى الآية القرآنية:﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ﴾([14])، و الكبد في الأصل بمعنى الشدة ولذا يقال للبن إذا استغلظ تكبد اللبن وقيل ألم يصيب الكبد، ثم اطلق على كل ألم ومشقة([15]).

ويعني كذلك إن الله خلق الإنسان في تعب ومشقة، فإنه يكابد مصائب الدنيا وشدائد الآخرة، ولكن لا يتوهم بأن لا يقدر عليه أحد، وهنا تكمن العلاقة بين العباس عليه السلام والنص وهي إذا قام العباس وانتاش لواء الحرب وتقدم للخصوم في الحرب فإنه كان أخا الحرب حافظ الكتيبة في يوم الكريهة، ذلك الإنسان الشديد، فإذا تقدم نزل العذاب والعسـر والشدة على الأعداء، ومن جانب آخر لا يتوهم الأعداء بأن لا يقدر عليهم أحد، فهذا أبو الفضل الذي شهد الأعداء بشجاعته.

ويتضح لنا التوافق التام بين رؤية الشاعر والنص القرآني من خلال شبكة التعالق بين النصّين:

النصّ الشعريّ                             النصّ القرآنيّ

قــــــــد                                             لقد

خلق                                            خَلَقْنَا

الانسان                                     الْإِنسَانَ

في كبد                                          فِي كَبَدٍ

لم يقدّم أو يؤخر الشاعر كثيرًا في نصّه الشعريّ عن الأصل في النصّ الأوّل سوى بعض التلاعب الذي لم يؤدي الى الانحراف عن المعنى فقد أعاد الشاعر تشكيل النصّ القرآنيّ بدرجة بسيطة، في حين أبقى على معناه لدعم ما يريد أن يصل إليه.

ومن الشواهد الأخرى على هذا النوع من القرآنية في تصوير شجاعة أبي الفضل العباس  عليه السلام ، قول الشاعر السيّد جعفر الحلي من قصيدة في ذكر وقعة كربلاء وقد خصت بالذكر أبا الفضل العباس  عليه السلام :

(الكامل)

بطل تورّث من أبيه شجاعة
يلقى السلاحَ بشدة من بأسه
عرف المواعظَ لا تفيد بمعشـر
فانصاع يخطب بالجماجم والكُلى

 

 

فيها أنوفُ بني الضلالة ترغم
فالبيضُ تُثلمُ والرماحُ تحطّم
صموا عن النبأ العظيم كما عموا
فالسيفُ ينثرُ والمثقفُ ينظم([16])

 

 

من الواضح إن الشاعر في البيت الثالث ينفتح على قوله تعالى: ﴿عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ ۞عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ﴾([17])، والشاعر في هذا الموضع قد توافق تماماً مع قصدية الآية القرآنية، إذا ما علمنا ان المقصود في الآية هو الإمام علي بن أبي طالب عليه  عليه السلام  فقد ورد عن الإمام الصادق  عليه السلام  أنه قال: (النبأ العظيم علي وفيه اختلفوا لانّ رسول الله ليس فيه اختلاف) ([18]).

فالشاعر يعقد مقارنة بين الإمام علي  عليه السلام وولده العباس عليه  عليه السلام ، فكما إن الإمام علي كان ناصحا لقومه، والذي لم يهتد، ولم يسلم، ضربه بسيفه كونه ممن ختم الله على قلبه، بل هم صم بكم وهذا فيه اشارة الى قوله تعالى: ﴿صم بكم عمي فهم لا يرجعون﴾([19])، كذلك العباس  عليه السلام  بعد ما رأى القوم مع نصيحتهم لآخر لحظة في المعركة لكنهم لم يهتدوا إلى سواء السبيل، فانصاع يخطب في جماجمهم وكلاهم، وهي صورة جميلة لشجاعة العباس  عليه السلام ، كما إن هناك إشارة واضحة للدور الرسالي والإرشادي الذي كان للسيّد العباس  عليه السلام ، فقد كان ناصحا لقومه في دعوته ولم يرد إلا ما فيه خير دنياهم وعقباهم.

وآخر قول نذكره ممّا خص بشجاعته عليه للشاعر سعيد العسيلي من قصيدة في رثاء العباس عليه السلام، متحدثاً بها عن لسان العباس  عليه السلام :

(الكامل)

لو واجهوني والمهند في يدي
لكنهم خلف النخيل تستروا
وأنا الذي أعجزت كل كماتهم
يشوي وجوه الغادرين بحده
 

 

لجعلتهم عصفاً به مأكولا
والغدر أنبت في القلوب نخيلا
ورأوا بأني صارماً مصقولاً
وأكون وحدي للألوف عديلا([20])
 

 

لقد وظف الشاعر بقوله: (لجعلتهم عصفاً به مأكولا) الآية القرآنية: ﴿فجعلهم كعصف مأكول﴾([21])، متمثلة بقصة أصحاب الفيل، والشاعر قد عمد إلى هذه القصة، وحور بعض الألفاظ في الآية، للدلالة على الشجاعة التي كان يمتلكها العباس، فهو جعل الكفار في يوم الطف كزرع أكل حبه وبقي تبنه، كما فُعل ذلك بأصحاب الفيل، الذين ارسل عليهم الله طير ابابيل ترميهم بحجارة من سجيل، فهو يرسم لنا صورة للعباس معبرة، ولا يكتفي بذلك للتعبير عن شجاعته بل اضافة إلى كون العباس رمى الكفار وجعلهم كعصف مأكول، هو كان يشوي وجوههم بقوله: (يشوي وجوه الغادرين بحده)، فيه اشارة إلى قوله تعالى: ﴿ وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا﴾([22]).

ففيه إشارة واضحة إلى الشجاعة الفائقة التي أبداها أبو الفضل العباس  عليه السلام يوم الطف.

أما ما يخص منزلته الرفيعة عند الله سبحانه وتعالى فقد قال الشيخ عبد الواحد المظفر من قصيدة بعنوان (المزارات الأربعة لأبي الفضل العباس  عليه السلام ):

(البسيط)

بابُ الحسينِ أبو الفضل بنُ حيدرةٍ
ثلاثةٌ بربوعِ الطفِّ عمّرَها
فأصبحت مثلَ بيتِ اللهِ طاف بها
مزارُ كفيه معروفٌ ومشهده

ترى الملوكَ على أبوابِ حـضرتهِ
 

 

اللهُ شادَ له أسمى مزارات
بالزائرين وفرداً عندَ شاماتِ
مِن كل فجٍ أناسٌ أهْلُ حاجاتِ
ملاذُ زوّارِهِ في كل أوقات
ترمي بتيجانِ تمليكٍ ثمينات([23])

 

 

لقد شبه الشاعر مزار العباس عليه السلام ببيت الله، واستعان بألفاظ القران، مضمن الآية القرآنية:

﴿وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق﴾([24]). مشير إلى معناها المقصود، مشبها بها مزار العباس  عليه السلام ، إذن فإيراد (من، كل، فج، أناس)، والمعنى وهو حج بيت الله إذا أعلن وقته، فالناس يؤتون إليه من كل حدب وصوب، هو قرآنية مباشرة دائرة في دائرة النص القرآني.

وقد استعمل الشاعر بعض الفاظ القران لتقريب فكرته مع بعض التحوير والتقديم والتأخير لكي يتناسب مع البيت الشعري ولتوضيح ذلك نذكر التعاليق الآتية:

النصّ الشعريّ                           النصّ القرآنيّ          

                                         وأذن في

مِن                           الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين

كل                           من

فجٍ                           كل

أناسٌ                               فج عميق

فالشاعر أخر بعض الألفاظ واستعمل (أناس) بدل (الناس) كما في النص القرآني.

أما عن وجه التقارب بين بيت الله ومزار العباس  عليه السلام ، فكما إن فضل الكعبة واستحباب النظر إليها والبكاء حولها وفيها وفضل ما يتعلق بها من الركن والمقام أكدته الكثير من الروايات([25]) فالعباس  عليه السلام  يقصد بالزيارة ويطاف به ويتبرك فيه كما يتبرك بركن البيت الأعظم ويلثم كما يلثم الحجر الأسود ويلتزم ويستلم كما يمسك الملتزم ويستلم ركن الحطيم.([26])

وفضلا عن ذلك إن العباس أصبح باب من أبواب الله في الدنيا، فهو باب معنوي وروحي إلى مدينة المعنويات، والمعارف والروحانيات والفضائل، وإلى حصن الإيمان والتقوى والقرب إلى الله تعالى، وإلى رسوله  صلى الله عليه وآله  وإلى أوليائه  عليهم السلام  ([27]).

ومن الشواهد الأخرى التي ركزت على بيان الدور الرسالي للعباس عليه السلام قول الشاعر (فاهم هاشم محمد العيساوي) في قصيدته (سبحان جودك):

(الكامل)

عباس فوق الطف كنت حمامة
قمرا يوزع في السماء أصابعا
ما قال ربك للملائكة اسجدوا

 

 

بيضاء من قرأ ارتفاعك أبـصرك
سبحان ربك كيف شاء فصوّرك
لولا انسكابك للحسين فقدرك([28])

 

 

إنّ القارئ للعبارة الشعرية (ما قال ربك للملائكة اسجدوا)، توحي له من أول قراءة لقوله عزّ وجل: ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ﴾([29])، ولكن الشاعر لكي يتناسب الوزن، تـصرف ببعض الألفاظ وحذف الآخر فاستبدل (وإذ) بـ (ما) النافية، وقرنها بـ(لولا) الـشرطية وحذف (آدم) للـضرورة الشعرية وجعله مقدرة عند السامع كونه واضح المعنى، ونفى السجود لآدم  عليه السلام ، لولا الموقف البطولي، والتفاني الذي قدمه العباس في سبيل الإسلام، والمعنى إن الله جعل للإنسان منزلة كبيرة، وفضله على سائر المخلوقات، للمواقف والخصائص والدور الذي يقوم به، لذلك أمر الملائكة أن تسجد له تقديراً له، هذا على نحو العموم، أما على وجه الخصوص ففيه اشاره لتفضيل أئمة أهل البيت  عليهم السلام  على سائر الخلق، وممّا يؤكد هذا المعنى ما ورد عن رسول الله  صلى الله عليه وآله : (إنَّ الله تبارك وتعالى خلق آدم فأودعنا صلبه وأمر الملائكة بالسجود له تعظيماً لنا وإكراماً، وكان سجودهم لله عزّ وجلّ عبوديّة ولآدم  عليه السلام  إكراماً وطاعةً لكوننا في صلبه، فكيف لا نكون أفضل من الملائكة وقد سجدوا لآدم كلَّهم أجمعون) ([30]).

أما يخص الانتصار الذي كان للحسين والعباس  عليهما السلام  فمن ذلك قول الشاعر (سيف الذبحاوي)، في قصيدته (راحل إلى البياض):

(البسيط)

مثل الفراش تجذر في وسامته
تلك الاناجيل: أرواح معلقة

ارقل خطاك نخيلا، أرض حيرته
والأمنيات اعطها إيماءة علويـ
نـصر من الله جند ما هنالك مهـ
 

 

حيث الجراح: ورود تنزف السورا
لكن قناديل نور الله فيه ترى
قد فتشت عنك خصبا تستر الصحرا
ـةً، لترسم فرشاة المنى الظفرا
ـزوم وفتح قريب من رؤاك سرى([31])
 

 

البيت الأخير في المقطوعة ينقلك مباشرة إلى قوله تعالى: ﴿نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ﴾([32])، وفي النص إشارة إلى الانتصار الذي تحقق على يد الحسين والعباس  عليهما السلام  وكل من شارك في معركة الطف.

وقد انتصر العباس  عليه السلام  بكل مواقفه ونال كلتا الحسنيين: غلبة السيف على الظلم، وغلبة الدم على السيف الظالم، وفاز هو ومن معه بالشهادة العليا، فهو نور يضئ إلى الآن ولم يستطيع ظلم التحريف أن يغطيه.

ثانياً: القرآنية المباشرة المحوّرة غير المحورية:

وهو أن يعمد الشاعر إلى النصّ الأوّل (القرآنيّ) فيأتي بتراكيبه ولكن بتوظيف جديد؛ أي: دلالة أخرى، وهي مرحلة أعلى في التوظيف من القرآنية المباشرة المحورة المحورية، أمّا في هذه القرآنية فإنّ الأمر يتوقف على درجة واحدة وهي النصّ دون المحورية، وذلك لأنّ الاستسلام للنصّ في الحالة الأولى كان على درجتين وهي النص والدلالة.

وهي (تقوم على مجاراة النصّ الشعريّ للنصّ القرآنيّ، ومن ثمّ الانحراف إلى مقصديّة مختلفة)([33]).

ومن الخصائص العباسية التي صورها الشعراء من خلال القرآنية في هذا المبحث هي: (الشجاعة)، (منزلة العباس عند الحسين)، (دروه الرسالي).

فمما ورد عن شجاعته قول الشاعر(محمد عبد الرضا الحرزي) ([34])، في قصيدته الموسومة بـ (بقيّة السيف):

(البسيط)

وجاء يعدو إلى جيش العدى غضباً
فلو رأتْهُ النصارى يومَ غارته

 

 

أفديهِ محتشداً يدعو لمحتشدِ
قالتْ هو اللهُ لم يُولدْ ولم يلدِ([35])

 

 

ونلحظ في هذا النص العبارة الشعرية(لم يولد ولم يلد) تشير في أول وهلة إلى الآيات القرآنية: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾([36]).

والعبارة فيها مبالغة وإفراط، وهي مخالفة للمراد من الآية القرآنية، وهو التأكيد على اثبات وحدانية الله تعالى، والإخلاص في عبادته والتوجه اليه وحده، وانه لا يقصد في الحوائج غيره، وتنزيه عن سمات المحدثات، وهنا يكمن الإنحراف عن النص المقدس، من حيث ان الشاعر نقل النصّ القراني من واقعه الأوّل إلى واقع جديد وهو العباس  عليه السلام  ولكن باستثمار الكلمات والتراكيب نفسها.

فمن الناحية العقائدية في البيت الشعري نلحظ هناك تنافراً تام بين الآية القرآنية(لم يلد ولم يولد)، والعبارة الشعرية(هو الله)، فهي قرآنية غير محورية كونها بعيدة عن محور الآية، وهذا يخل بالعقيدة الإسلامية، لكون الآية تفيد اختصاص الألوهية بالله عز اسمه، ووحدته فيها وحدة تليق بساحة قدسه تبارك وتعالى، وتستبعد إمكان فرض العدد، لكن التعليم القرآني ينفي ذلك لأنه يثبت من الوحدة ما لا يستقيم معه فرض أي كثرة وتمايز لا في الذات ولا في الصفات، وكل ما فرض من شيء في هذا الباب كان عين الاخر لعدم الحد فذاته تعالى عين صفاته، وكل صفة مفروضة له عين الأخرى، تعالى الله عما يـشركون، وسبحانه عما يصفون([37]).

والعبارة (لم يلد) تعني لم يخرج منه شيء كثيف، كالولد، ولا سائر الأشياء الكثيفة التي تخرج من المخلوقين،(ولم يولد) أي ولم يتولد من شيء، ولم يخرج من شيء، كما تخرج الأشياء الكثيفة من عناصرها، كالشيء من الشيء، والدابة من الدابة، والنبات من الأرض، وهذه من الصفات الألوهية الخاصة بالله سبحانه وتعالى، واطلاقها على شخص العباس من باب التعظيم للشخص الكريم([38]).

وفضلاً عن ذلك إن الشاعر يتحدث عن لسان حال النصارى الذين هم موحدون في عين التثليث ويذعنون من الوحدة وحدة عددية لا تنفى الكثرة من جهة أخرى فهم يقولون: إن الأقانيم (الأب والابن والروح) (الذات والعلم والحياة) ثلاثة وهي واحدة كالإنسان الحي العالم فهو شيء واحد لأنه إنسان حي عالم وهو ثلاثة لأنه إنسان وحياة وعلم.

وهذا المعنى نجده مؤكداً في قوله تعالى: ﴿وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِؤُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ﴾ ([39]).

ولا يخفى إنّ النصارى ذهبوا إلى القول بأنّ المسيح ابن الله مستدلين على ذلك من خلال تولده عليه السلام من غير أب. قال الله سبحانه وتعالى: ﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِؤُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ﴾ ([40]).

ولقد توهم من ظنّ السيّد المسيح كان رجل عبادة ونسك وآخرة فحسب، بل انه كان رجل ثورة ضد الظلم والاستبداد والحكام الفاسيدين، وانه عذب وطرد وهجر في سبيل الرسالة الدينية التي تحدث ثورة تغيرية في شتى مناحي الحياة ([41]).

ومن هنا نفهم مقصد الشاعر ان النصارى لما رأوا ما لعيسى من الخصوصيات، والكرامات والشجاعة، قالوا هذا ابن الله.

ولكن هؤلاء النصارى إذا رأوا شخص العباس عليه السلام  يوم غارته ورأوا ما له من الكرامات والفضائل و الخصائص، قالوا هذا هو الله، والتعبيران (ابن الله) (هو الله) مجازيان يراد منهما التعظيم من الشاعر لشخص العباس عليه السلام .

ومن جانب ان النصارى إذا رأوا العباس وهو أبو الفضل والفضائل، قالوا هذا (هو الله) اي هو ابٌ لسيدنا المسيح وأصلٌ في الفضائل والشجاعة، وهو الذي استقى منه المسيح، وذلك لانبهارهم بشخصه الكريم.

ولكي يتضح ما تقدم من التعالق بين رؤية الشاعر والنص القرآني من خلال شبكة التعالق بين النصّين:

النصّ الشعريّ                   النصّ القرآنيّ          

قالت هو الله                    قل هو الله

لم يولد                          لم يلد

ولم يلد                          ولم يولد                      

فنلحظ الشاعر مع محافظته على الملفوظ القديم للآية نقل الدلالة من صورتها في النصّ الأوّل إلى صورة جديدة في النصّ الثاني يلغي تشكيل مفردات سابقة ويرسم صورًا جديدة.

ومن الشواهد الأخرى عن شجاعته قول الشاعر السيّد مهدي الحلي في قصيدة انشأها في رثاء العباس  عليه السلام :

(الكامل)

وغشى بأسمره النعاسُ عيونَ أبـ
وكأن قائمَ سيفه، مذ سلّه
لما رأى الأعداءُ شامخَ بأسِه
دعوا النجاء، ولا نجاءَ لمن غدتْ
فرأوا قد انسد الفضاءُ كأن مِن الـ

 

 

طالِ الكفاح ولات حينَ نعاس
في كف (حيدرةٍ) شديدُ الباس
من ذلك الطودِ العظيم الراسي
بِيِدِ الورى مقطوعةَ الأنفاس
غبرا إلى أم السماء رواسي([42])

 

 

نلحظ في هذا النص الشعري الآية القرآنية ﴿كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ﴾([43])، معناه لات حين فرار من العذاب، وقيل: المناص المنجاة([44]) فالعباس  عليه السلام  عند دخوله ساحة الميدان جعل النعاس يحوي عيونهم بسيفه، فصاروا ينظرون الى العباس نظرة المغشي عليه او المغمى عليه، استغاثوا عند نزول العباس  عليه السلام  الى ساحة الميدان وقالوا ليس الآن وقت النعاس بل هو وقت الفرار من الموت الذي سيلحق بنا، ومن العذاب الذي وقع علينا.

فهم كما يقول السيّد جعفر الحلي:

(الكامل)

وثنى أبو الفضل الفوارس نكصا
ماكر ذو بأس لـه متقـدا

 

 

فرأوا أشـد ثباتهم أن يهزموا 
إلا وفـر ورأسـه الـمتقـد([45])
 

 

وفي الواقع انهم توهموا عندما ظنوا إنهم يستطيعون الفرار من الغضب الرباني وقالوا الآن وقت الفرار، ولكنهم وجدوا الارض والسماء قد سُدت امامهم فاستسلموا للموت المحتّم عليهم.

وفي النص إشارة واضحة للموقف البطولي الشجاع للعباس  عليه السلام ، فهو في تقدمه نحو الاعداء كالشخص الذي يفر من الموت في ساحة المعركة.

كما يقول السيّد جعفر الحلي:

(الكامل)

وله إلى الإقدام سرعة هارب
 

 

فكأنما هو بالتقدم يسلم([46])
 

 

فهو المثل الأعلى للشجاعة ووصفها الأكمل ونعتها الأتمّ.

ولتوضيح الاختلاف بين الآية والنص الشعري نذكر هذه التعاليق الآتية:

النصّ القرآني                     النصّ الشعري          

ولات                            ولات

حين                             حين

مناص                           نعاس

فنلحظ بعد ان ضمّن الشاعر معنى الآية وهو الفرار، انحرف ويكمن هذا الانحراف باستبدال كلمة (مناص) والتي تعني (المنجاة) الى كلمة (نعاس)، فضلا عن ذلك الاختلاف الموجود بين معنى الكلمتين ودلالتهما، فالشاعر طور في المعنى واضاف لإبراز الموقف البطولي لشخص العباس  عليه السلام .

أما ما يخص منزلة العباس عند الحسين  عليهما السلام ، فمن ذلك قول الشاعر الشيخ عبد الحسين الحويزي راثياً العباس بن علي  عليه السلام  على لسان الإمام الحسين  عليه السلام :

(الكامل)

فلأ ندبنَّك حيث إنّك للهدى
أأخيّ بعدَ جمالِ وجهك لا يرى
تقـضي وأنت على الظما طاوي الحشا
أرجو الحياة وأعيُني لك شاهدتْ
مَن ذا يصون من الفواطم خدرَها

 

 

ندبٌ وأُعْوِلُ (بكرة وأصيلا)
قلبي بكَ الصبر الجميلَ جميلا
ويعود جسمك بالدماء غيلا
بدنا على وجه الصعيد جديلا
ويكون في طلباتها مأمولا([47])

 

 

نلحظ ان الشاعر ضمن النص المقدس مباشرة وهو قوله (بكرة واصيلا)، وقد ورد هذا اللفظ في الآيات القرآنية التالية:

﴿وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا﴾([48])

﴿وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا﴾([49])

﴿لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا﴾([50])

﴿وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا﴾([51])

والبكرة: أول النهار إلى طلوع الشمس([52])، أما الأصيل: فهو ما بعد الـعصر إلى المغرب ([53])، والمعنى في الآيات القرآنية دار حول (الإملاء، والتسبيح، والذكر)، وإذا ما علمنا إن الشاعر قصد الندب والبكاء والعويل، نلحظ الاختلاف التام في المعنى وان حصل الاتفاق في اللفظ، فالاختلاف وارد مع المعنى العام للآية.

والمعنى إن الإمام المعصوم الحسين الشهيد  عليه السلام  بعد فقد أخيه العباس  عليه السلام ظلّ يندبه طيلة الوقت، وقد أكدت الروايات هذا المعنى فقد روي ان الامام الحسين  عليه السلام  لما رأى العباس  عليه السلام  صريعا بكى وحمله الى الخيمة وقال: (الآن انكـسر ظهري وقلت حيلتي)([54]).

فالحسين  عليه السلام  وقف عند أخيه العباس  عليه السلام  ورآه مقطوع اليدين من الزندين، مفضوخ الهامة فأستاء له وأحترق قلبه حزناً وترقرقت عبرته وجداً عليه.

ولا شك إن من أجرى افتقاده دمعة الحسين الصبور وأسبل مصابه عبرة الإمام الأبي الغيور، هو في أعظم الدرجات سمواً وارتفاعا وأسماها مفخراً، فهو يستحق ان تستدر العظماء عليه حلب أجفانها، وتبكي عليه بدل الدموع دما.

أما ما يخص الدور الرسالي الذي قام به العباس  عليه السلام  فنجده بقول الشاعر (مهدي النهيري) في قصيدة (واقف على شرفة المعنى):

(الطويل)

على نهر الأحلام ينوي اخـضراره
ويبتكر الأشياء ثمّ يعافها
لقد جاء من أقصى المدينة شاعراً
به آمن النخل العراقي وانتمى

 

 

ويملأ بالماء النبيّ جراره
لتنمو وكالأسماء يبقى ابتكاره
يمارس في صمت الوجوه انتشاره
إليه سمواً واستطال مداره([55])

 

 

ان الشطر الأول من البيت الثالث (لقد جاء من أقصى المدينة شاعراً) ينبئنا من أول وهلة بقوله تعالى: ﴿وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ﴾([56]).

وهناك علاقة تمثيل بياني بينمهما واقتباس بلاغي واضح، فالشاعر يشبه العباس  عليه السلام ، بذلك الرجل الذي جاء من اقـصى المدينة هاديا وناصح لقومه، وفي ذلك تأكيد واضح على الدور الرسالي الذي كان يمارسه العباس  عليه السلام .

المبحث الثاني:نمط القرآنية غير المباشرة المحوّرة:

ومعناها (أنّ يستلهم الشاعر لفظة أو لفظتين لتوظيفهما في انزياح لغويّ جديد)([57])، ولأنّ القرآن هو المصدر الاول الملهم لشعراء أهل البيت  عليهم السلام ، فقد هيمن على ذاكرتهم، فسرعان ما تحال ذاكرتهم على آية من آيات القرآن أو سورة من سوره، لمجرد أن تتلقف أذناه كلمة أو كلمتين ممّا يدور في هذا الكتاب المقدّس.

وفي طور بحثنا هذا وجدنا مراثي العباس  عليه السلام  في القرآنية غير المباشرة، مختلفة المستويات من حيث تغيب النص القرآني، فهناك تغيب بسيط، وهناك تغيب عميق.

أولاً: القرآنية غير المباشرة المحورة البسيطة:

ويعني هذا النوع ان يحشر الشاعر لفظة واحدة من الفاظ القران الكريم في عباراته الشعرية، وإنّ هذا الملفوظ الواحد يقوم بدور الإشارة إلى النصّ القرآنيّ بعينه، وهذا النوع أقل وضوحا من القرآنية المباشرة، الذي لا يحتاج إلى عناء كبير لمعرفة مكامن التقاطع فيه مع النصوص.

وفي هذا النوع يحتاج المتلقي إلى ثقافة أكبر وإحاطة بالنصّوص القرآنية أعظم ممّا هي الحال في القرآنية المباشرة، إذ لا دليل علىها غير إشارة واحدة، وهو أكثر وضوحًا من القرآنية المباشرة العميقة.

أما الخصائص العباسية التي صورها الشعراء من خلال القرآنية في هذا المورد من الفصل الثاني فهي: (الإيثار)، و(كونه المستغاث)، و(جوده وكرمه)، و(شجاعته).

فمما يخص إيثاره  عليه السلام  قول الشاعر كاظم سبتي في قصيدته التي قالها منتدباً الإمام المهدي عجل الله فرجه، ويختمها في رثاء أبي الفضل العباس  عليه السلام :

(الكامل)

قد حق قولُ الحق فيه لدى الظما
ذكر الحسينَ وكيف ينسى قلبَه
ملأ المزادةَ لم يذقْه وقلبُه
وقد انتـضى بتارَه وحماهم

 

 

و يؤثرون ألا ترى إيثاره
رهنَ الظما وكباره وصغاره
كالجمر شبّ به الأوامُ أواره
يومَ الوغى ان يـنتضي بتاره([58])

 

 

في البيت الأول ينفتح الشاعر على الآية القرآنيّة في ملفوظ (ويؤثرون)؛ وذلك في قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ ([59]).

وقد أكد الشاعر تضمينه للنص المقدس داخل البيت الشعري، ولفت انتباهنا بقوله:(حق قول الحق فيه) وقول الحق هو القران الكريم، ومن ثم اورد النص المقدس (و يؤثرون) فهذه الكلمة تجعلنا نستحضر من أول مرة.

وفي الواقع ان اللفظة لها ايحاء مميز لا تمتلكه جميع الألفاظ، وذلك لأنها ملفوظ قرآنيّ أصلا وإلاّ فـ: ((الألفاظ المفردة لا يمكن أن تكوّن تعالقاً نصّيًّا إلا في بعض المفردات ذات الإيحاءات المميزة التي ترتبط بنصّ معين مثل (مشكاة) و (هاروت) و (القدر)))([60])، أو تلك الألفاظ التي تكون مشتركة بين ما يقوله الناس وما هو في القرآن إلاّ أنها توظف في سياق ومطلب قرآنيّ فتحسب على ملفوظات القرآن، إذ: (إنّ الأسلوب وجه من وجوه المعنى)([61])، وهنا ملفوظ (وَيُؤْثِرُونَ) جاء مقروناً بأجواء مشابهة لأجواء النصّ القرآنيّ.

والإيثار من صفات وخصائص سيدنا ومولانا ابي الفضل العباس  عليه السلام ، فقد روي في هذا المعنى عن الإمام علي بن الحسين  عليه السلام  أنه قال: ((رحم الله العباس، فلقد آثر وأبلى وفدى أخاه بنفسه حتى قطعت يداه فأبدله الله عز وجل بهما جناحين يطير بهما مع الملائكة في الجنة كما جعل لجعفر بن أبي طالب، وأن للعباس عند الله تعالى منزلة يغبطه بها جميع الشهداء يوم القيامة)) ([62]).

ولا يخفى إن سيدنا العباس عليه السلام  قد آثر بنفسه وعلى نفسه، أما ايثاره بنفسه فواضح من أراجيزه

إذ يقول:

*نفسي لنفس الطاهر الطهر وقا*

وأمّا إيثاره للحسين  عليه السلام  على نفسه فذاك حين رمى الماء من يده كأنه يقول: لا ذقت الماء وابن رسول الله عطشان مع كونه قد أشرف على التلف من الظمأ، وذلك واضحٌ جليٌ في أرجوزته المشهورة:

يا نفس من بعد الحسين هوني
هذا حسين شارب المنون

 

 

وبعده لا كنت أن تكوني
وتـشربين بادر المعين([63])

 

 

قد صرّح  عليه السلام  في هذا الشعر أنّه آثر أخاه الحسين  عليه السلام  ليس على سبيل الارتكاز الجبلّيّ لا بداعي الطبع الفطريّ ولا طاوع فيه الخلق الغريزيّ وإنّما كان ذلك عن فقه في الدين وعلم بما للمؤثر على نفسه من عظيم الأجر وبالأخصّ إذا كان الإيثار للإمام المفترض الطاعة ذلك حيث يقول فيه:

وليس هذا من شعار ديني
 

 

ولا فعال صادق اليقين([64])
 

 

ولقد استطاع الشاعر أن يتوافق برؤيته مع قصديّة الآية الكريمة، فكانت هذه القرآنية، متفقة مع النص في المعنى والدلالة، فهي قرآنية غير مباشرة محورية ان صح التعبير.

اما كونه  عليه السلام  المستغاث والملتجئ الذ ي يستغاث به فمن ذلك قول الشاعر السيّد حسين بحر العلوم في شكوى وجهها إلى العباس  عليه السلام  بعنوان (يا أبا الفضل): يستغيث به، بعد ان يبين منزلته عند الله:

(الخفيف)

أنتَ أسمى مِنْ أنْ تكونَ بخيلَ
أنتَ لو شئتَ تغمرُ الجَدْ
أنتَ لو شئتَ لم يكن غير ماشِئْـ
وقضاءُ الإلهِ يجري بكفّيْـ
بك جاهٌ عندَ الآلهِ عظيمٌ
إذ شرى اللهُ منكَ نفساً تسامتْ
هيَ نفحٌ من روضةِ الجَنَّاتِ
مسّني الضـرُّ- يا أبا الفضلِ- واليأ
مسّني الضـرُّ يا أبا الفضلِ حتّى
عُدْتُ مِنْ وطأةِ الزمانِ هشيماً
وغدا مجديَ المؤثَّلُ نهشاً

 

 

الجاهِ، وَقْرَ الآذان للطلباتِ
بَ وتحيي النفوسَ بعد المماتِ
ـتَ، فيُطوي ماضٍ ويُنشـرُ آتِ
ـكَ نميراً في المحوِ والإثبات
قَدْ تَسَنَّمْتَهُ بأقدسِ ذاتِ
في مراقي الكمالِ والقرباتِ
وهيَ لمحٌ من آيةِ المِشْكاةِ
ـسُ مِنَ الخيرِ عمَّ ستَّ جهاتي
سخرتْ بي معارفي ولداتي
بَعْثَرَتْهُ الرياحُ في الفلواتِ
بينَ فكّي عواذلي وعداتي([65])

 

 

الملاحظ على هذا النص هو احتوائه على الكثير من مواطن القرآنية غير المباشرة، وهي بسيطة كونها اشتملت على اشارات واضحة، توحي لنا بالنص القرآني المقدس.

وأول هذه الإشارات العبارة الشعرية (وتحيي النفوسَ بعد المماتِ) والتي تشير في أول وهلة إلى قوله تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾([66])، وهي صفة من صفات الله سبحانه وتعالى.

ومن جانب آخر فقد اوحت لنا بالبر الذي كان يمتلكه شخص العباس  عليه السلام  والذي ليس فوقه بر اضافة الى غيرها من الصفات كالشجاعة التي تمثلت بامتلاكه مجازا صفة الطوي للماضي والنشر للآت كما في العبارة (فيُطوي ماضٍ ويُنشـرُ آتِ) وهي توحي لنا بقوله تعالى: ﴿ يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاء كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ ﴾([67]) وهي صفة من صفات الله، وكذلك اعطاء القدرة الإلهية في المحو والاثبات كما في العبارة الشعرية (في المحوِ والإثبات) فهي تشير في اول وهلة الى قوله تعالى: ﴿يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ﴾([68])، ولا شك ان من جعله الله يكتسب هذه الصفات الالهية هو على علاقة وطيدة وتجارية تقوم على البيع والشـراء، وفقط مع الذين اختارهم الله يكونون معه في هذا التجارة، وأبو الفضل من أولئك الذين رقوا الكمال فاختارهم الله واشترى منه نفسه، وهذا واضح بالعبارة الشعرية (إذ شرى اللهُ منكَ نفساً) والتي توحي بالآية القرآنية: ﴿إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾([69])، ولا شك ان النفس التي تكون لمح من آية المشكاة كما عبر الشاعر عن نفس العباس  عليه السلام  بقوله (وهيَ لمحٌ من آيةِ المِشْكاةِ)، فهي على علاقة كبيرة مع الله، وقول الشاعر يوحي من اول وهلة الى قوله تعالى: ﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ... ﴾ ([70]) والتي تعني أهل البيت عليهم السلام ([71])، فهو فرع من تلك الشجرة، وهو وسيلة من الوسائل التي أمرنا الله ان نبتغيها إليه بقوله تعالى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ﴾ ([72])، لذلك نجد الشاعر قد جعل من العباس  عليه السلام  وسيلة إلى الله بقوله (مسّني الضـرُّ- يا أبا الفضلِ-) وهي توحي بقوله تعالى ﴿وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾([73])، فالنبي  عليه السلام  كونه معصوم تراه يناجي ربه مباشرة اما نحن العاصون فنجعل من أهل البيت  عليهم السلام  والعباس  عليه السلام  وسيلة إلى الله سبحانه وتعالى نقدمها امام حاجتنا وطلباتنا عسى الله ان يستجيب ويتقبل لنا بحقهم.

وقد اتخذ الشعراء من قصة السيدة مريم صورة للتعبير عن بعض الصفات المتجسدة بشخص العباس كالجود والكرم والعطاء، وكونه المستغاث والملجئ في الشدائد، مصورين ذلك من خلال النصوص القرآنية التي تحدثت عن السيدة مريم  عليها السلام ، ومن ذلك قول الشاعر (مجتبى التنان) في قصيدته: (عناقٌ في السماء الثامنة):

(الكامل)

وكانّ رايتك الأبية نخلة
من الف عام والعراق محبة
ولانت من منح المحبة قلعة

 

 

هزت بها كف العراق ومريم
في الروح يبذرها الفؤاد المغرم
مهما طغى الارهاب لا تتهدم ([74])

 

 

جعل الشاعر من لفظ (النخلة، ومريم) جـسراً للوصول إلى النص القرآني المقدس، ليلفت المتلقي بشكل سريع وبسيط من غير عناء من خلال الدلائل الإشارية.

فقراءة البيت الأول من المقطوعة يحيلك مباشرة إلى قوله تعالى: ﴿وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا﴾([75]).

ولا يخفى انه لم تحظ شجرة في تراثنا العربي بما حظيت به النخلة من تكريم حتى أنها عدة رمزا للشموخ والأصالة والعطاء المتجدد، ومن هنا شبّه الشاعر راية العبّاس  عليه السلام  بالنخلة من حيث الوفاء والعطاء، فهي راية ما زال عطاؤها، وما زالت تلقي بظلالها على رؤوس المؤمنين.

وكذلك في نفس المعنى المتقدم تقول الشاعرة: (رنا محمد الخويلدي) في قصيدة (رسالة من كفين قطيعين لم تقرأ بعد):

(الكامل)

طرسي أتى لرحاب ذكرك محرما
ونبضت في صدري..والقينا على
فكم انتظرتك في غياهب عتمة
وأنا أمشط بالرموش دجنّة
فلعلني ألقى أكفا تحتوي

 

 

ويراعتي جاءت لجذعك مريما
كرسيّه جسدا لكي يتنظما
والعين في أفق الكواكب حيثما
ليمر عيني المنام وتحلما
عمر اخضـرار قد توكأ مهرما([76])

 

 

استعملت الشاعرة ألفاظاً بسيطة مثل (جذعك، ومريم)، ذاهبة بالسامع إلى الآية القرآنية ﴿وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا﴾([77]).

فنلحظ الشاعرة تخاطب العباس بألفاظ بسيطة في صياغتها تعبر فيها عن براءتها فكأنها تقول للعباس: كتابي أو صحيفتي البيضاء جاءتك لتكتب عنك، لكني فزعة أمام هذه الشخصية العظيمة التي لجأت إليها لتأمن روعتي وفزعتي، كما لجأت مريم  عليها السلام  إلى جذع النّخلة، كما أنها استغاثت بأبي الفضل العباس وشبهته بالنخلة التي استغاثت بها مريم  عليه السلام ، وأبو الفضل العباس هو المستغاث الذي يستغاث به.

وقد ضمن الشعراء الكثير من النصوص التي دلت دلالة واضحة على شجاعة العباس  عليه السلام  ومن ذلك قول الشواهد على ذلك قول الشاعر (أحمد العلياوي) في قصيدة((قصّة الجود والقرى)):

(الكامل)

صعب له الطرقات تنشر وسعها
وهو الذي إن شاء شاء كما يرى
حرب جناها نخلة وسمت له
وتصافح الشجر السقيب مباركاً
وإليه تنظر من بعيد غمامة
ورنا له القصص القديم حكاية
لجأت إليه الشمس يوم تكوّرت
ودعته يحمي الأُفق يغسل جبهة الـ
فاشتدّ فيه البأس يوم أجارها
ودجى عليهم لا يلين مراسه

 

 

لينال من خاف المكرّ فرارها
فأبرّ لم يخلف وزاد خسارها
رطباً تلفّ على يديه سوارها
من سوف يمنح للغصون ثمارها
مذ سلّ منها في الجديب فقارها
فيها يؤلف روحها وحوارها
جاءته تحمل ذلّها وقتارها
ضوء العتيق وأن يصون ذمارها
وأشاع من بأسائها أخبارها
فأحال عمياً في السيوف شفارها([78])

 

 

فقد تمثلّت الكناية داخل النص في أكثر من موضع ممّا جعل النص يفيض جمالاً عن طريق الإيجاز والاختصار والإيماء على وفق حالة الشاعر ورؤيته الخاصة وثقافته وتجاربه الذاتية ففي قوله (تنظر من بعيد غمامة، لجأت إليه الشمس، تلفّ على يديه سوارها) كلّها كنايات فيها دلالة واضحة عن صفتي الشجاعة والكرم التي تجسّدت في شخص المرثي  عليه السلام  فقد أعطت البطولة والشجاعة الشاعر قدرة على تخيل المعاني المبتكرة خيال دحض الأشياء بمعاني رائعة، ولا يخفى أنّ العبّاس  عليه السلام  من عائلة عرفت بالشجاعة والبطولة فوالده أمير المؤمنين  عليه السلام  فلا شكّ ولا ريب في أن يملك العبّاس شجاعة لا تجارى فهو فرع من ذلك الأصل فهو كما يقول السيّد جعفر الحلّي:

(الكامل)

بطل تورّث من أبيه شجاعة
 

 

فيها أُنوف بني الضلالة ترغم([79])
 

 

ولقد وصف أحد زعماء جند يزيد شجاعة العبّاس وأخوته وأصحابه بقوله: (ثارت علينا عصابة، أيديها على مقارض سيوفها، كالأُسود الضارية، تحطم الفرسان يميناً وشمالاً، وتلقي بنفسها على الموت، لا تقبل الأمان، ولا ترغب في مال، ولا يحول حائل بينها وبين حياض المنيّة أو النصر، فلو كففنا عنها رويداً لأتت على نفوس العسكر بحذافيرها)([80]).

وروي أنّ العبّاس  عليه السلام  لمّا قطعت يمينه أخذ السيف بيساره وواصل القتال وقتل بيد واحدة عدداً غير قليل([81]).

وقد صور الشاعر ذلك بقوله: ((حرب جناها وسمت له..)) الأعداد التي قتلها العبّاس  عليه السلام ، وكذلك يصوّر الانتصار الباهر وهو انتصار الدم على السيف.

ثانيا: القرآنية غير المباشرة المحورة العميقة:

يختلف هذا النوع عن القرآنية البسيطة من حيث ان الشاعر في هذا النوع يهيّئ أجواء النصّ لإعانة المتلقي على الذهاب إلى النصّ القرآني بمخيّلته ولا يعتمد على إضاءة الإشارة التي غالبًا ما تكون بسيطة، وفي الواقع ان الاشارة لا تغيب هنا، ولكنها تكون محورة بعض الـشيء وبعيدة ممّا يصعب التقافها.

وبتعبير آخر إن النص القرآني في هذا النوع يكون مغيب عن المتلقي غيابا قد يفقده حق الملكية الابداعية التي ورثها المبدع الجديد، اذ لا تكاد تقف على صرح النص القديم إلا على بعض اشارات قد يقوى ضوؤها ([82]).

وصور الشعراء من خصائص العباس  عليه السلام  في هذا المبحث الثاني من الفصل الثاني (شجاعة العباس وايثاره)، و(علمه وفضله)، و(صبره)، و(جوده)، و(عظمة الجرم الذي ارتكبه الأعداء)، و(كونه الحامي)، و(الشهيد الخالد)، (وتفانيه).

فمما خصت به الشجاعة والإيثار قول الشاعر الحاج الملا مهدي الشهابي الدرازي البحراني:

(الطويل)

وما ذاق طعم الما وقد كظه الظما
وآب الى نحو الخبا يحمل السقا
ولكنه لم يكفهم فاستقى لهم
كأنه سليمان البساط مذ استوى
تجافوا جميعاً خيفة وهو صامت
 

 

فدونكها صدق المواسات من خل
فكم طفلة روى حشاها وكم طفل
بذآك السقا طوراً أخيراً فتى الفحل
على اشهب كالريح والقوم كالنمل
فداس على انف اليافوخ بالنعل([83])

 

 

إنّ أجواء البيت الرابع تحيل إلى أجواء الآية القرآنية: ﴿وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ ﴾([84])، فالشاعر لا يكتفي بالإشارة الضعيفة في ملفوظ (سليمان) و(الريح) الذي يحيل إلى ملفوظ (ولسليمان الريح) في النصّ القرآنيّ، وإنّما عمد إلى إضافة العامل الآخر وهو معنى النصّ ودلالته الكليّة.

و تشير هذه الآية إلى جانب من المواهب التي منحها الله للنبي سليمان  عليه السلام  فتقول الآية: ولسليمان الريح عاصفة تجري بأمره إلى الأرض التي باركنا فيها وهذا الأمر ليس عجيبا، لأننا عارفون به وكنا بكل شئ عالمين فنحن مطلعون على أسرار عالم الوجود، والقوانين والأنظمة الحاكمة عليه، ونعلم كيفية السيطرة عليها، ونعلم كذلك نتيجة وعاقبة هذا العمل، وعلى كل حال فإن كل شئ خاضع ومسلم أمام علمنا وقدرتنا.

وفي الواقع أنها كانت موهبة إلهية خارقة وضعت تحت تـصرف هذا النبي العظيم، وما أكثر المسائل التي نعلم بوجودها الإجمالي، ونجهل تفصيلها؟! إن معلوماتنا في مقابل ما نجهله كالقطرة من البحر المحيط، أو كالذرة مقابل الجبل العظيم ([85]).

واما عن العلاقة بين الآية القرآنية والنص الشعري، فاذا ما نـظرنا الى المعجزة التي حصلت للنبي سليمان فهي أمر خارق للعادة فهي معجزة حقيقية ينطبق عليها تعريف المعجزة، كما يقول السيوطي: المعجزة أمر خارق للعادة، مقرون بالتحدي، سالم عن المعارضة ([86]).

فمن هذه الناحية لا توجد علاقة بين النص والعباس  عليه السلام  فهو لم يأت بأمر خارق للعادة وقوانين الطبيعة خاصة اذا ما علمنا ان اغلب العلماء يعلون عن أن قضية كربلاء لم تُبنَ على الإعجاز الغيبيّ، والّا لكان ليد الإعجاز ان تبيد الأعداء وان تحرق كياناتهم باصبع من الغيب! وأن يكون للحسين  عليه السلام  وكربلاء شأن آخر ([87]).

ولكن في الحقيقة العباس  عليه السلام  كان بحق هو معجزة الحسين  عليه السلام  بحق اذا كان الاعجاز من منظار الانتصار فيحصل الاتفاق بين النص القرآني والمعنى الذي قصده الشاعر من حيث الاعجاز، وذلك اذا ما علمنا ان الانتصار الحقيقي ليس بمجرد الاستمرار في الحياة والبقاء في الدنيا، بل هو انتصار الحق، بتحقق الأهداف المطلوبة من المواقف والوقائع، واستمرارها في كيان الانسانية وأداء اثرها، وهو ما قد حصل من كربلاء.

وان كانت المعجزة التي تحققت مع النبي سليمان هي السير على الرياح، فانّ المعجزة التي تحققت في كربلاء هي من نوع آخر، فإنّ أعلى مظاهر الإعجاز وأهمها في كربلاء هو (العباس  عليه السلام ) نفسه، حيث احتوى بمفرده على كل تلك المكارم والمآثر في سماته وسيرته؛ فبلغ من المقام والرفعة (درجة يغبطه بها الشهداء يوم القيامة)

فالعباس  عليه السلام  -بلا شك – كان أكبر معجزة لأخيه الإمام المعصوم، وذلك لأنّ قتل الحسين  عليه السلام  هو من دلائل النبوة، لأنّ النبي  صلى الله عليه وآله  أخبر عنه، وهو من أخباره بالغيب بأمور تحققت في المستقبل، كما اورده ارباب الكتب الجامع لدلائل النبوة.

فهذه كلها معجزات؛ لتحققها واقتران اخبارها باليقين، فليست الا من الوحي المبين من رب العالمين على نبيه الامين.

وبذلك فان وجود العباس  عليه السلام  في واقعة الطف في كربلاء – وهو من أعلامها واعيانها وعليه تدور أكثر قضاياها المهمة، ووجوده فيها وجود عضوي في انجازها، كل ذلك يدخله في المعجزة ويتحقق به الإعجاز ([88]).

فخروج العباس  عليه السلام مع الحسين  عليه السلام وقيامه بتلك المهمات وفي جميع ادوارها الحساسة، لهو من خوارق العادة، وعلى وفق هذا المعنى صح وجه التقارب والتمثيل بين العباس  عليه السلام  والنبي سليمان  عليه السلام ، ومن جانب اخر فيه بيان واضح للموقف البطولي الشجاع للعباس  عليه السلام .

ومن الشواهد الأخرى في هذا الباب التي خصت شجاعته عليه السلام قول الشاعر احسان محمد شاكر في قصيدته (مرثية للقمر) إذ يقول:

(المتقارب)

برُعبٍ تَجوسُ خلال القلوبِ
وتسطو تُزفُّ إليكَ الرِّقابُ
وتطفِقُ مَسحاً تخالُ الرؤوسَ

 

 

فتُملكُ مُصطَكَةً منكَ ذُعرا
فيفتضُّ ماضيك ما كان بِكرا
نِثارَ الدَّراهمِ في العُرس تُبرى([89])

 

 

ففي البيت الثالث إشارة إلى أن العباس  عليه السلام كان يبادر إلى قطع الرؤوس، وفي التعبير إشارة إلى قوله تعالى عن النبيّ داود  عليه السلام : (فطفق مسحا بالسوق والأعناق) ([90])

ومن الشواهد الاخرى التي خصت علم العباس  عليه السلام  وفضله وتقواه قول الشاعر الحاج الملا مهدي الشهابي الدرازي البحراني:

(الطويل)

سمو الفتى يا صاح بالعلم والعقل
محاسن فعل المرء عنوان فضله

ولا فضل كالتقوى اذا صانها الفتى
فمن حاز هذا الوصف ثم مدحته
 

 

فدونك قول الفصل ما هو بالهزل
كذلك مساويه عناوين للجهل
بعلم فأدى للفرائض والنفل
اصبت ولكن لا كفضل ابي الفضل([91])
 

 

في الشطر الثاني من البيت الأول ضمن الشاعر بشكل صريح آيتين قرآنيتين ففي قوله: (فدونك قول الفصل ما هو بالهزل)، يشير الى قوله تعالى: ﴿إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ ۞ وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ﴾ ([92])، ففي هذا البيت قرآنية مباشرة محورية، ولكنا أدرجناه في هذا المبحث لكون الشاعر أراد ان يقول لنا دونك اي يكفيك قول الفصل الذي هو ليس بهزل بل هو قول قرآني وانشد البيت الثاني: (محاسن....). فهو يشير إلى قوله تعالى: ﴿إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا﴾([93]).

بالإضافة إلى غيرها من الآيات التي ينبأ بها النص الشعري، ففي الشطر الأول من البيت الأول يتضح لنا قوله تعالى: ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾([94])، وقوله عز وجل كذلك ﴿أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ ﴾([95]).

وفي البيت الثالث نلحظ من الوهلة الأولى قوله تعالى: ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ﴾([96])، وكذلك قوله عز وجل: ﴿وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْاْ مَاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ خَيْراً لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ ﴾([97]).

والمعنى العام للنص الشعري الذي يقصده الشاعر، هو أنّ الشخص إذا صار يمتلك هذه المميزات يعني أن يكون رجلاً عالماً عاقلاً، وفاضلاً، ومتقياً ورعاً، فهو يستحق بأن تمدحه، ولكن لا يخفى عليك أيها المادح انه لا فضل ولا عطاء يضاهي فضل وعطاء وجود العباس  عليه السلام ، فهو الذي بذل مهجته في سبيل الدين، وأعطى كل ما يملك في سبيل إعلاء كلمة الحق.

ويستمر الشعراء في مراثيهم للعباس  عليه السلام  بالتركيز على القيم الانسانية والمواقف البطولية للعباس  عليه السلام  من خلال القرآنية العميقة والمتمثلة بصبره  عليه السلام  ومن ذلك قول الشاعر (غني جبّار العمار) في قصيدة (يا سيّد الماء... غيض الماء):

(الكامل)

رأس الفرات أتى إليك مطأطأ
أيّوب قافلتي وجرحي نخلة

 

 

ولنبل (حرملة) به امضاء
رفعت يديها والعذوق دعاء([98])

 

 

صور الشاعر لنا في البيت الأول وصول أبو الفضل العباس  عليه السلام  إلى المـشرعة واغترافه الماء وعدم شربه له، ويتحول في البيت الثاني متحدثا عن لسان العباس صلوات الله عليه بقوله: (أيوب قافلتي) وهذه العبارة توحي لنا بقوله تعالى عندما يخاطب النبي أيوب  عليه السلام : ﴿...إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾ ([99]). وفي قوله: (جرحي نخلة) تصوير لعظمة العطش الذي ألم به وقد شبهه بالشق الذي يفعلونه في النخيل لأجل أن يتسـرب عنه الماء المالح.

وان أبا الفضل سلام الله عليه انما أراد ان يقتل آخر صيحات النفس اللا معصومة في داخلهِ.. وكأنها كانت تجره بخيطِ الآدمية الى فعلٍ مباحٍ حَسنْ.. لا إشكال فيهْ.. وكأن الله اختبره بهذه المشقة التي ما بعدها مشقة في رفعةِ نفسهِ الى درجةِ العصمة.

وفي نفس هذا المعنى يقول الشاعر إحسان محمّد شاكر في قصيدته (مرثية للقمر):

(المتقارب)

فلو ألفُ أيوب في واحد
 

 

على بعض بلواك ما اسطاع صبرا([100])
 

 

فهو يصور عظمة موقف العباس  عليه السلام  وصبره العظيم، وفي تعبير الشاعر مبالغة، وتعبير مجازي يبغي منه التصوير العظيم للصبر البالغ الذي صبره العباس وهذا ما اكده الإمام المعصوم بقوله يصف العباس  عليه السلام : ((فَنِعْمَ الصّابِرُ المجاهِدُ المحامِي النّاصِرُ وَالأخُ الدّافِعُ عَنْ اَخيه))([101]).

ومن المعاني الأخرى هي التفاني من أجل الاسلام والإمام الحسين  عليه السلام وهذا المعنى نجده في قول الشاعر (احسان محمد شاكر) إذ يقول في قصيدته الموسومة (مرثية للقمر):

(المتقارب)

فأنتَ اصطُنِعتَ لنفس الحسينِ
وقلبُكَ روّضَهُ ذو الجلالِ

 

 

على عينِ حيدرَ خَلْقاً وأمرا
لدُنْهُ، فغذّاه عرفاً ونكرا([102])
 

 

فقد قال الحق تعالى مخاطباً النبي موسى  عليه السلام ﴿وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي﴾([103])، وقال ايضا: ﴿وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي﴾([104])، والمراد بـ (خلقا وامرا)، اي ظاهرا وباطنا، جاء في الآية: ﴿أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ﴾([105])، اي الظاهر والباطن. والعباس  عليه السلام  رجل خصه الله وخلقه من اجل كربلاء، وصنعه لنـصرة الاسلام والحق فقد روي ان الامام الحسين  عليه السلام قال للعباس  عليه السلام عندما سلّ سيفه في حادثة أخيه الحسن  عليه السلام قال له يا اخي اغمدن سيفك ليس هذا يومك وانما يومك في كربلاء.

اتجه الشعراء إلى تصوير عظمة الجرم الذي ارتكبه الأعداء وبشاعته ومن ذلك قول الشاعر (سجاد عبد الحميد عدنان):

(الطويل)

جذوعها ستر يأجوج الطغاة وكم
 

 

من مارقين على افيائها عكفوا ([106])
 

 

﴿قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا ﴾([107])، فقد شبه الشاعر الساتر الذي وضعه الاعداء وتستروا خلفه بهذا السد الذي ورد في النص القرآني وفي ذلك تصوير لموقف الغدر الذي قاموا به، والجبن الذي يتكبد في شخصيتهم.

ويقول الشاعر (خالد الداحي):

(البسيط)

لو جاءه سائل يوم بمسغبة
 

 

عيناه قالت قبل الراحتين نعم ([108])
 

 

يشعرك النص من اول قراءة بالنص المقدس ﴿أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ﴾([109])، ولا شك ولا ريب ان ابا الفضل العباس  عليه السلام هو التجسيد الحي لمبادئ القران الكريم، فهو الذي لا يرد أي سائل يطلب منه والشواهد على ذلك كثير.

وأكد هذا المعنى الشاعر (الشيخ محسن أبو الحب (الكبير)): عندما شبه العباس بالسيد المسيح بقوله من قصيدة في العَلَمِ الذي أهديَ إلى روضة العبّاس ابن أمير المؤمنين  عليه السلام :

(البسيط)

كان ابنُ مريمَ يبري كلَّ ذي عَمَهٍ
واليومَ ضاهأه العباسُ منقبةً
أما ترى الرجلَ الأعمى الذي فُتحتْ
مستشفعاً بأبي الفضلِ الكريمِ إلى
فكان للنّاس عيدٌ لا نظيرَ له

 

 

ويُخبر الناسَ عما كان مذخورا
مازال سعيُك يا عباسُ مشكورا
عيناه لمّا أتى العباسَ مذعورا
اللهِ الجليلِ فلم يُرجعْه مخسورا
والعيدُ ما عاد فيه المرءُ محبورا([110])

 

 

فالشاعر جعل العباس يضاهي السيد المسيح  عليه السلام  فكما كان السيد المسيح  عليه السلام  يبره الأكمه كما جاء في قوله تعالى: ﴿وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾([111])، فكما كان يقوم المسيح بهذه الاعمال بالعجزة بقدرة الله، صار العباس  عليه السلام  يشفي المرضى، ويقضي الحوائج بالكرامة بفضل الله وقدرته.

الخاتمة

وفي نهاية المطاف نود أن نذكر أهم النتائج التي توصل إليها البحث، وهي على النحو الآتي:

  1. القرآنية من المفاهيم الحديثة في الساحة الأدبية، وأهم ما فيها هو المحافظة على قدسية النص القرآني.
  2. إن تضمين الآية القرآنية في مراثي العباس  عليه السلام كان بدقة عالية من الشاعر ممتزج تمام الامتزاج، ومحتل موقعه في نسيج البيت الشعري.
  3. كان بناء النص القرآني في مراثي العباس  عليه السلام  بيّن المعالم وواضح كشف عن استعمال جيد من قبل الشعراء، ومن جانب آخر نجد فصل الآيات القرآنية عن البيت الشعري ليست بالعملية المعقدة بل هي بسيطة جداً لمن يقرأ النص الشعري قراءة نموذجية منتجة، وهذه العملية تسمى بـ(القراءة الاسترجاعية التأولية).
  4. تعددت أنواع القرآنية في مراثي العباس عليه السلام فمنها موافقه للنص في اللفظ والمعنى ومنها مخالفة، وتعدد المقصود منها فبعضها يشير للرمز، والبعض الآخر الاستغاثة، وضرب المثل، وابتكار الصورة، وهذا ما يدل على الإمكانات الفنية الكبيرة للشعراء.
  5. شكلت القرآنية غير المباشرة المحوّرة بنوعيها البسيطة والعميقة النسبة الأقل في مراثي العباس  عليه السلام .
  6. لقد وجد الشعراء في بعض القصص والأمثال القرآنية كـ (قصة موسى، وسليمان، ويوسف، ويعقوب  عليهم السلام ) وسيلة للتعبير عن بعض الخصائص العباسية كـ (الشجاعة، والإيثار، والصبر والتضحية).
  7. وأخيراً نحمد الله الذي وفقنا لإتمام هذا البحث، ونرجو منه أن يجعله موضع قبول سيدي ومولاي أبي الفضل العباس  عليه السلام .

ملحق بتراجم الشعراء الذين استشهد الباحث بنصوصهم في بحثه

  1. إحسان محمّد شاكر: شاعرٌ عراقيٌ ولائي، له (مرثيّة للقمر)، (مرثيّة الوادي المقدس)([112]).
  2. الدكتور أحمد العلياوي: شاعر عراقي وكاتب وإعلامي ولد في الكوفة سنة 1978م.([113]).
  3. السيّد جعفر الحلي: جعفر ابن السيّد أحمد ابن السيّد محمد حسن آل كمال الدين الحسيني الحلي(1277-1315)، شاعرٌ حاضر البديهة، متوقّد الذهن، نشأ في مدينة الحلة، من مؤلفاته: (الجعفريات)، ديوان شعر في رثاء أهل البيت  عليهم السلام ، توفي في سنة ١٣١٥، ودفن في النجف الأشرف عند قبر والده([114]).
  4. السيد حسين بحر العلوم: حسين ابن السيد محمد تقي بن حسن بن إبراهيم بحر العلوم الطباطبائي (1347 - 1422 هـ)، أديب فاضل، وشاعر مطبوع، نشأ في النجف الأشرف في ظل أسرة علمية دينية، من مؤلفاته: ديوان شعر - ط -، توفي سنة 1422ه([115]).
  5. خالد الداحي: شاعر عراقي مبدع ولد في ديالى سنة 1944م، يسكن في مركز الخالص في محافظة ديالى ([116]).
  6. رنا محمد الخويلدي: شاعرة عراقية من شاعرات النجف الأشرف([117]).
  7. سجاد بن عبد الحميد بن عدنان الموسوي: شاعر عراقي ولد في محافظة ذي قار في ناحية الفهود سنة 1981م ([118]).

الحاج سعيد الرشافي: سعيد بن عبد الحسن بن محمد بن يوسف بن حسين ابن الشيخ سلمان لعسيلي الرشافي العاملي (1348-1414هـ)، شاعر، ومؤرخ، نشأ في لبنان نشأة أدبية، تتلمذ على أبيه في فنون الشعر، نظم الشعر وهو في العاشرة من عمره، من مؤلفاته: ديوان شعر بعنوان: (ديوان الشاعر الحزين)، (ملحمة الإمامين علي والحسن  عليهما السلام )، (أبو طالب كفيل الرسول)، وغيرها، توفي سنة 1414هـ، ودُفن في بلده لبنان([119]).

  1. سيف حسن حسين الذبحاوي: شاعر عراقي ولد في النجف الأشرف في مدينة الكوفة سنة 1982م. ([120])
  2. الشيخ عبد الحسين الحويزي: عبد الحسين بن عمران بن حسين بن يوسف بن أحمد بن دروش بن نصار آل قمر الحويزي الليثي الخياط (1287- 1377هـ)، شاعر شهير، وأديب فاضل، من مؤلفاته: ديوان شعر -ط-، (فريدة البيان في النبيّ والوصيّ)، توفي في كربلاء المقدسة، سنة 1377هـ ونقل إلى النجف ودفن بالصحن العلوي الشـريف. ([121])
  3. الشيخ عبد الواحد المظفر: عبد الواحد بن أحمد بن حسين بن جواد بن حسن بن باقر الشهير بالمظفر(1310- 1395هـ)، عالم، محقق، وباحث، ومؤرخ، وأديب، وشاعر بارع، من مؤلفاته: (بطل العلقمي)، ديوان شعر-خ-، توفي في الدير سنة 1395هـ، ونقل إلى النجف الأشرف ودفن بها.([122])
  4. غني جبار العمار: شاعر عراقي ولد في مدينة الكوت سنة 1953م، له عدة دواوين منها:(على باب سكر، الوقوف عدوا، تأخرت كثيرا ايها المطر، دموع العمار في مصائب الائمة الأطهار، بانتظار سبأ) ([123]).
  5. فاهم بن هاشم بن محمد العيساوي: شاعر عراقي، ولد في محافظة الديوانية سنة 1966م، له مجموعة شعرية بعنوان (الأشجار لا تحسن الموت) ([124]).
  6. كاظم السهلاني: أبو محمد الشيخ الكاظم بن أبي علي الحسن بن أبي الحسن علي بن سبتي السهلاني الحميري(1258 – 1342هـ)، من أشهر خطباء عصـره، ومن أفصح الذاكرين البلغاء، كان شاعراً فحلاً، من مؤلفاته: ديوان شعر كبير سماه (منتقى الدرر في النبي وآله الغرر) – ط–، أغلبه في أهل البيت  عليهم السلام ، توفي في النجف الأشرف عام 1342هـ، ودفن في الصحن العلوي الـشريف([125]).
  7. مجتبى التنان: مجتبى بن عبد المحسن بن علي التنان، شاعر بحريني، ولد في (المنامة) سنة 1983م، له طابعه الأدبي الخاص، تشكل القضايا الإنسانية محورا هاما في نصوصه ([126]).
  8. محمد عبد الرضا الحرزي: أحد شعراء الكويت المعاصرين، شاعرٌ مبدع، يُلقب بشبل الجواهري. ([127]).
  9. السيد مهدي الحلي: مهدي ابن السيد داوود ابن السيد سليمان بن داوود بن حيدر الشرع بن أحمد المزيدي، (1222- 1289هـ)، عالمٌ، وأديبٌ شاعر، ولغويٌ، ومؤرخٌ، له ديوان من جزأين الأول يخص أهل البيت  عليهم السلام  مدحاً ورثاءً، والثاني شعر المناسبات والأخوانيات، توفي سنة 1289هـ ([128]).
  10. مهدي شاكر محمود النّهيري: شاعر عراقي مقتدر، ولد في مدينة الكوفة سنة 1978م، بدأ في كتابة الشعر سنة 1991م، صدرت له المجموع الشعرية الأولى(هو في حضرة التجلي) والمجموع الشعرية الثانية (مواسم إيغال بخاصرة الأرض) ([129]).
  11. الشيخ الملا مهدي الشهابي: مهدي ابن الحاج محمد ابن الحاج احمد ابن الحاج احمد ال شهاب الدرازي البحراني، أديب كامل وشاعر مقتدر بارع، له ديوان شعر مطبوع بعنوان النصرة المهدية للعترة المحمدية ([130]).
  12. الشيخ محسن بن محمد أبو الحب الحائري: (1244-1305 هـ)، خطيبٌ فاضل، وشاعرٌ أديب، نشأ في كربلاء، تتلمذ في الفقه على الشيخ عبد الحسين الطهراني، وفي الأدب على الحاج محمد علي كمونة الحائري،من مؤلفاته: (الحائريات)، توفي سنة 1305هـ، ودُفن في الصحن الحسيني الشـريف([131]).

المصادر والمراجع

  1. القرآن الكريم.
  2. الإتقان في علوم القرآن: جلال الدين السيوطي(ت 911هـ)، تحقيق: سعيد المندوب، الناشر: دار الفكر/ ط1، 1416هـ.
  3. أدب الطف أو شعراء الحسين: جواد شبّر(ت بعد 1401هـ)، مؤسسة التاريخ العربي/ بيروت، ط1/ 1422هـ- 2001م.
  4. الأسلوب والأسلوبيّة: كراهام هاف، ترجمة: كاظم سعد الدين، مجلة آفاق، سلسلة كتب شهريّة تصدر عن دار افاق عربيّة، العدد1، كانون الثاني، 1985م.
  5. الأعلام: خير الدين الزركلي(ت 1410هـ)، الناشر: دار العلم للملايين/ بيروت، ط5/ 1980م.
  6. أعيان الشيعة: السيد محسن الأمين العاملي(ت 1371هـ)، تحقيق وتخريج: حسن الأمين العاملي، الناشر: دار التعارف للمطبوعات/ بيروت.
  7. الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل: الشيخ ناصر مكارم الشيرازي (معاصر).
  8. الأنوار العلوية: الشيخ جعفر النقدي (ت 1370هـ)، الناشر: مكتبة الحيدرية / النجف الأشرف، ط2/1381هـ.
  9. بحار الأنوار: محمد باقر المجلسي(ت 1110هـ)، الناشر: مؤسسة الوفاء/ بيروت، ط2/ 1403هـ.
  10. بطل العلقمي: العلامة الشيخ عبد الواحد ابن الشيخ أحمد المظفر(ت 1395هـ)، الناشر: انتشارات المكتبة الحيدرية/ ط1، 1425هـ.
  11. تأصيل النص: د. مشتاق عباس معن (معاصر)، الناشر: مركز عبادي، صنعاء/ ط1، 1424هـ.
  12. التبيان في تفسير القرآن: الشيخ الطوسي(ت 460هـ)، تحقيق وتصحيح: أحمد حبيب قصير العاملي، الناشر: مكتب الإعلام الإسلامي، ط1/ 1409هـ.
  13. تفسير الميزان: السيد الطباطبائي(ت1402هـ)، الناشر: مؤسسة النـشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين/ قم.
  14. التناص في شعر أبي العلاء المعري: د. ابراهيم مصطفى محمّد الدهون، عالم الكتب الحديث، اربد-الأردن، 2011م، ط1، 134.
  15. جامع أحاديث الشيعة: السيد البروجردي (ت 1383هـ)، 1399هـ.
  16. الجامع لأحكام القرآن: القرطبي (ت 671هـ)، تحقيق: تصحيح:أحمد عبد العليم البردوني، الناشر: دار إحياء التراث العربي - بيروت - لبنان.
  17. الجود: إصدار أدبي وثائقي خاص بمسابقة مهرجان الجود العالمي، يصدره قسم الشؤون الفكرية في العتبة العباسية المقدسة.
  18. حياة السيّد المسيح في القرآن الكريم: السيد حسين نجيب محمد، الناشر: دار الهادي، بيروت/ ط1، 1423هـ.
  19. خزانة الأدب: عبد القادر بن عمر البغدادي (ت 1093هـ)، تحقيق: محمد نبيل طريفي/إميل بديع يعقوب، الناشر: دار الكتب العلمية/ بيروت، ط1/ 1998م.
  20. الخصائص العباسية: محمد إبراهيم الكلباسي، الناشر: دار الحوراء، بيروت/ ط1، 1425هـ.
  21. ديوان الحويزي في مدائح ومراثي أهل البيت  عليهم السلام : الشيخ عبد الحسين بن عمران بن حسين بن يوسف بن نصار آل قمر الحويزي الليثي الخياط (ت 1396هـ)، جمع وتعليق: حميد مجيد هدّو، الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات/ كربلاء المقدّسة، ط1/ 1385هـ.
  22. ديوان السيد مهدي الحلي: السيد مهدي بن داود الحلي (ت 1289هـ)، دراسة وتحقيق: د. مضر سليمان الحلي، الناشر: شركة الأعلمي للمطبوعات، ط1، 1432هـ.
  23. ديوان الشيخ محسن أبو الحب (الكبير): الشيخ محسن بن محمد حسن بن محسن بن محمد الشهير بأبي الحب الخثعمي الحائري(ت1305هـ)، تحقيق: جليل كريم أبو الحب، الناشر: بيت العلم للنابهين/ بيروت، ط1/ 1424هـ.
  24. ديوان النصرة المهدية: الشيخ الملا مهدي ابن الحاج محمد الدرازي، الناشر: دار المرتـضى، بيروت/ ط1، 1431هـ.
  25. الذريعة إلى تصانيف الشيعة: العلّامة الشيخ آقا بزرك الطهراني (ت1389هـ)، الناشر: دار الأضواء/ بيروت، ط3/ 1403هـ.
  26. راقدون عند الحسين  عليه السلام : سامي جواد المنذري الكاظمي (معاصر)، الناشر: شركة دبوق / بيروت، ط1/ 1434هـ.
  27. الرسائل الأحمدية: الشيخ أحمد آل طعان البحراني القطيفي (ت 1315هـ)، الناشر:دار المصطفى  صلى الله عليه وآله وسلم  لإحياء التراث/ ط1، 1419هـ.
  28. زورق الخيال: السيد حسين آل بحر العلوم(ت 1422هـ)، الناشر: دار الزهراء/ بيروت، ط1/ 1397هـ.
  29. سحر بابل وسجع البلابل: السيد جعفر الحلي (ت 1315هـ)، تحقيق: الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء، الناشر: دار الأضواء، بيروت/ ط1، 1423هـ.
  30. شعراء الغري أو النجفيات: علي الخاقاني، الناشر: مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي / قم،ط2/1408هـ.
  31. شواهد التنزيل لقواعد التفضيل:الحاكم الحسكاني (ق5)، تحقيق: الشيخ محمد باقر المحمودي، الناشر: مؤسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي- مجمع إحياء الثقافة الإسلامية /ط1، 1411هـ.
  32. طبقات أعلام الشيعة: العلّامة الشيخ آقا بزرك الطهراني (ت1389هـ)، الناشر: دار إحياء التراث العربي/ بيروت، ط1/1430هـ.
  33. الطليعة من شعراء الشيعة: الشيخ محمد بن طاهر السماوي (ت1370هـ)، تحقيق: كامل سلمان الجبوري، الناشر: دار المؤرخ العربي/ بيروت، ط1/ 1422هـ.
  34. العباس أبو الفضل ابن أمير المؤمنين سماته وسيرته: السيد محمد رضا الجلالي (معاصر)، الناشر: مكتبة ودار مخطوطات العتبة العباسية المقدسة، كربلاء/ ط1، 1334هـ.
  35. العبّاس بطولة الروح وشجاعة السيف، السيد هادي المدرسي (معاصر)، الناشر: دار الهادي.
  36. العراقيات: رضا، وظاهر، وزين، جمع: أصحاب مطبعة العرفان بصيدا، الناشر: مطبعة العرفان/ صيدا، 1331هـ.
  37. علي في الكتاب والسنة والأدب: حسين الشاكري(ت 1430هـ)، تحقيق: فرات الأسدي، الناشر: المؤلف، ط1/ 1418هـ.
  38. القاموس الفقهي: الدكتور سعدي أبو حبيب (معاصر)، الناشر: دار الفكر - دمشق – سوريا / ط2، 1408هـ.
  39. القرآنية في شعر الروّاد: د إحسان الشيخ حاجم التميمي(معاصر)، الناشر: دار الشؤون الثقافية العامة/ ط1، 2013م.
  40. قمر بني هاشم: السيد أحمد شكر الحسيني(معاصر)، الناشر: دار الكتاب العربي، بيروت/ ط1، 1427هـ.
  41. كربلاء (ملحمة ادبية تاريخيه...): سعيد العسيلي(ت 1414هـ)، الناشر: دار الزهراء/ بيروت.
  42. ماضي النجف وحاضرها: الشيخ جعفر باقر آل محبوبة (ت1377هـ)، الناشر: دار الأضواء/ بيروت، ط2/ 1406هـ.
  43. مجمع البيان: الشيخ الطبرسي(ت 548هـ)، تحقيق: لجنة من العلماء والمحققين الأخصائيين، الناشر: مؤسسة الأعلمي / بيروت، ط1/ 1415هـ.
  44. مرثية للقمر: إحسان محمد شاكر (معاصر)، ط1، 1420هـ.
  45. المزار: للشيخ المفيد (ت 413هـ)، تحقيق: السيد محمد باقر الأبطحي، الناشر: دار المفيد، بيروت/ ط2، 1414هـ.
  46. مشاهير المدفونين في الصحن العلوي الشـريف: الشيخ كاظم عبود الفتلاوي (ت 1431هـ)، الناشر: منشورات الاجتهاد/ قم، ط1/2000م.
  47. معارف الرجال: الشيخ محمد حرز الدين (ت1365هـ)، تعليق: محمد حسين حرز الدين، الناشر: مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي/ قم، 1405هـ.
  48. معجم خطباء كربلاء: السيد سلمان هادي آل طعمة(معاصر)، الناشر: مؤسسة البلاغ/ بيروت، ط1/ 1419هـ.
  49. معجم رجال الفكر والأدب في كربلاء: سلمان هادي آل طعمة(معاصر)، الناشر: دار المحجة البيضاء/ بيروت، ط1/ 1420هـ.
  50. معجم الشعراء: كامل سلمان الجبوري(معاصر)، الناشر: دار الكتب العلمية/بيروت، ط1/1424هـ.
  51. معجم مؤرخي الشيعة/ الأمامية- الزيدية- الإسماعيلية: صائب عبد الحميد، الناشر: مؤسسة دائرة معارف الفقه الإسلامي/قم، ط1/ 1424هـ.
  52. معجم المؤلفين: عمر رضا كحالة، دار إحياء التراث العربي، بيروت لبنان.
  53. مقتل الحسين  عليه السلام : أبو مخنف الأزدي(ت 157هـ)، تحقيق: تعليق: حسين الغفاري، مطبعة العلمية – قم.
  54. المنتخب من أعلام الفكر والأدب: الشيخ كاظم عبود الفتلاوي (ت1431هـ)، الناشر: مؤسسة المواهب/ بيروت، ط1/ 1419هـ.
  55. منتقى الدرر في النبي وآله الغرر: الشيخ كاظم سبتي السهلاني، (ت 1342هـ)، الناشر: منشورات الشريف الرضي، ط1/ 1415هـ.
  56. موسوعة أدب المحنة أو شعراء المحسن بن علي  عليه السلام : السيد محمد علي الحلو (معاصر)، الناشر: مؤسسة دار الكتاب الجزائري/ قم، ط1 / 1419هـ.
  57. موسوعة شعراء الغدير: رسول كاظم عبد السادة (معاصر)، كريم جهاد الحسّاني (معاصر)، الناشر: العتبة العلوية المقدسة، النجف الأشرف/ ط1، 1431هـ.
  58. الوافي: الفيض الكاشاني (ت 1091هـ)، تحقيق: ضياء الدين الحسيني الإصفهاني، الناشر: مكتبة الإمام أمير المؤمنين علي  عليه السلام  العامة – إصفهان /، ط1/ 1406هـ.
  59. ينابيع المودة لذوي القربى: سليمان بن إبراهيم القندوزي (ت1294هـ)،تحقيق: سيد علي جمال اشرف الحسيني، ط1، 1416هـ.

الرسائل والأطاريح

  1. التناص الديني في شعر السيد الحِميري: عبد الأمير ماذي مذكور، رسالة ماجستير، كلية الآداب، الجامعة المستنصرية، 1434هـ.
  2. التناصّ في الشعر الأندلسي في عهد دولة بني الأحمر: إسراء عبد الرضا عبد الصاحب كلية التربية للبنات/جامعة بغداد/2006م.
  3. خصائص الأسلوب في شعر السّيّد الحِميريّ: رافد جاسب /كلية التربية الأساسية/الجامعة المستنصريّة/2011م.

المجلات والدوريات

  1. المصطلح النقدي: د. أحمد مطلوب، مجلة المجمع العلمي العراقي، مج 38، ج4، 1408هـ.

المواقع الالكترونية

(موسوعة شعراء أهل البيت عليهم السلام  www.shoaraa.com).

 

[1] - ينابيع المودة لذوي القربى: 1/ 214.

[2] - القرآنية في شعر الرواد: هامش: ص21.

[3] - تأصيل النص: 171.

[4] - تأصيل النص: 152.

[5] - ينظر: تأصيل النص: 139.

[6] - القرآنية في شعر الروّاد.23:

[7] - المصطلح النقدي: 104- 105.

[8] - الإتقان في علوم القرآن: 1/ 297، خزانة الأدب وغاية الأرب: 442.

[9] - القرآنية في شعر الروّاد: 45.

[10] - تأصيل النص: 183.

[11] - التناصّ الدينيّ في شعر السّيّد الحِميريّ: 45.

[12] - تأصيل النص: 183.

 [13]- موسوعة (شعراء أهل البيت عليهم السلام www.shoaraa.com).

[14] - سورة البلد: آية 4.

[15] - الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل: 20/ 208.

[16] - سحر بابل وسجع البلابل:429-432.

[17] - سورة النبأ: آية 1و2.

[18] - شواهد التنزيل لقواعد التفضيل: 2/418.

[19] - سورة البقرة: آية 18.

[20] - كربلاء (ملحمة ادبية تاريخيه...) 512.

[21] - سورة الفيل: آية 5.

[22] - سورة الكهف: آية 29.

[23] - بطل العلقمي:3/286.

[24] - سورة الحج آية: 27.

[25] - ينظر: جامع أحاديث الشيعة: 10/ 61.

[26] - بطل العلقمي:3/283.

[27] - الخصائص العباسية: 99.

[28] - الجود: 3/ 100.

[29] - سورة البقرة: آية 34.

[30] - الرسائل الأحمدية: 1/173.

[31] - الجود: 4/ 102.

[32] - سورة الصف: آية 13.

[33] - خصائص الأسلوب في شعر المديح عند السّيّد الحِميريّ: 101.

[34] - مرت ترجمته: في هامش رقم: 13.

 [35]- موسوعة (شعراء أهل البيت : www.shoaraa.com).

[36] - سورة الإخلاص: آية 1 – 4.

[37] - تفسير الميزان: 1/394، 6/90 – 91.

[38] - مجمع البيان: 10/ 488.

[39] - سورة التوبة: آية: 30.

[40] - سورة التوبة: آية: 30.

[41] - ينظر: حياة السيّد المسيح في القرآن الكريم: 269.

[42] - ديوان السيد مهدي الحلي:1 /290- 294.

[43] - سورة ص: آية:3.

[44] - التبيان في تفسير القرآن: 8/542.

[45] - ديوان السيّد جعفر الحلي:430.

[46] - ديوان السيّد جعفر الحلي:431.

[47] - ديوان الحويزي:2 /175-177.

[48] - سورة الفرقان: آية: 5.

[49] - سورة الأحزاب: آية: 42.

[50] - سورة الفتح: آية: 9.

[51] - سورة الإنسان: آية: 25.

[52] - القاموس الفقهي: 41

[53] - الجامع لأحكام القرآن: 5/ هامش 312.

[54] - بحار الأنوار: 45/ 42.

[55] - الجود: 1 / 54.

[56] - سورة يس: آية 20.

[57] - التناص في شعر أبي العلاء المعري: د. ابراهيم مصطفى محمّد الدهون، عالم الكتب الحديث، اربد-الاردن، 2011م، ط1، 134.

[58] - ديوان منتقى الدرر في النبي واله الغرر ج1 ص36- 39.

[59] - سورة الحشر: آية: 9.

[60] - التناص في الشعر الأندلسي في عهد دولة بني الأحمر:3.

[61] - الأسلوب والأسلوبيّة: كراهام هاف، ترجمة: كاظم سعد الدين، مجلة آفاق، سلسلة كتب شهريّة تصدر عن دار افاق عربيّة، العدد1، كانون الثاني، 1985م، 23.

[62] - الأنوار العلوية: 442.

[63] - مقتل الحسين عليه السلام: 179.

[64] - بطل العلقمي: 3/373.

[65] - زورق الخيال:182-185.

[66] - سورة الحج: آية 6.

[67] - سورة الانبياء: آية 104.

[68] - سورة الرعد: آية 39.

[69] - سورة التوبة: آية 111.

[70] - سورة النور: آية35.

[71] - ينظر: الوافي: 3/ 511.

[72] - سورة المائدة: آية35.

[73] - سورة الأنبياء: آية83.

[74] - الجود:4/ 64.

[75] - سورة مريم: آية25.

[76] - الجود:1/120.

[77] - سورة مريم: آية25.

[78] - الجود: 3 / 67.

[79] - سحر بابل وسجع البلابل: السيّد جعفر: 431.

[80] - العبّاس بطولة الروح وشجاعة السيف، هادي محمّد: 81.

[81] - ينظر: قمر بني هاشم، سيدنا ومولانا أبو الفضل العباس، السيد أحمد شكر الحسيني:256.

[82] - تأصيل النص: 183.

[83] - ديوان النصرة المهدية: 18-20.

[84] - سورة الأنبياء: 81.

[85] - الامثل في تفسير كتاب الله المنزل: 10/222.

[86] - الإتقان في علوم القران: 2/ 116.

[87] - العباس أبو الفضل ابن أمير المؤمنين سماته وسيرته: 236.

[88] - العباس أبو الفضل ابن أمير المؤمنين سماته وسيرته: 236.

[89] - مرثية للقمر: 5-36.

[90] - سورة ص: 33.

[91] - ديوان النصرة المهدية: 18-20.

[92] - سورة الطارق آية: 13 و 14.

[93] - سورة الإسراء: آية 7.

[94] - سورة الزمر: آية 9.

[95] - سورة ص: آية 28.

[96] - سورة الحجر: آية 45.

[97] - سورة النحل: آية30

[98] - الجود: 1 / 80.

[99] - سورة ص: آية 44.

[100] - مرثية للقمر: 3.

[101] - المزار، للشيخ المفيد: 124.

[102] - مرثية للقمر: 5-36.

[103] - سورة طه: 41.

[104] - سورة طه: 39.

[105] - سورة الأعراف: 54.

[106] - الجود: 2/ 84.

[107] - سورة الكهف: 94.

[108] - الجود: 1/66.

[109] - سورة البلد: 14.

[110] - ديوان الشيخ محسن أبو الحب (الكبير): 95-96.

[111] - سورة آل عمران: 49.

[112] - ينظر: أدب المحنة أو شعراء المحسن بن علي: 691.

[113] - ينظر: الجود:3/66.

[114] - ينضـر: أدب الطف: 8/104، طبقات أعلام الشيعة: 13/288، العرايقيات: 1/155.

[115] - ينظر: شعراء الغدير: 3/ 254، علي في الكتاب والسنة والأدب: 5/295.

[116] - ينظر: الجود:2/64.

[117] - ينظر: الجود:1/120.

[118] - ينظر: الجود:3/82.

[119] - ينظر: معجم الشعراء لكامل سلمان الجبوري: 2/326، موسوعة شعراء الغدير: 6/211، معجم مؤرخي الشيعة: 1/359، المنتخب من أعلام الفكر والأدب: 160.

[120] - ينظر: الجود: 4/ 100.

[121] - ينظر: الطليعة: 1/ 485، نقباء البشـر: 1062، شعراء الغري:5 /231، مشاهير المدفونين في الصحن العلوي الشريف: 177 رقم 218.  

[122] - ينظر: ماضي النجف وحاضرها:3 /367، شعراء الغري:6 /161، المنتخب من أعلام الفكر والأدب: 302

[123] - ينظر: الجود:1/78.

[124] - ينظر: الجود:3/98.

[125] - ينظر: معارف الرجال: 2/165، ماضي النجف وحاضرها: 2/339، شعراء الغري 7 /150.

[126] - ينظر: الجود: 4/ 61.

[127] - ينظر: موسوعة شعراء أهل البيت عليهم السلام www.shoaraa.com).

[128] - ينظر: معارف الرجال:3 /101- 104، الطليعة:2 /355، أعيان الشيعة:6 /368، الذريعة:21 /100- 101، أدب الطف:7 /201.

[129] - ينظر: الجود:1 /52.

[130] - ينظر: ديوان النصرة المهدية في العترة المحمدية، مقدمة الديوان.

[131] - ينظر: معجم رجال الفكر والأدب في كربلاء: 178، الذريعة: 9/ق1/39، معجم خطباء كربلاء: 244، معارف الرجال: 2/181، راقدون عند الحسين: 225.