تصنیف البحث: العلوم الإسلامية
من صفحة: 118
إلى صفحة: 130
النص الكامل للبحث: PDF icon 180424-131301.pdf
البحث:

المقدمة

منذ النصف الثاني من القرن العشرين، تصدرت علوم الطب والبيولوجيا مكان الصدارة في مجال التقدم العلمي المتسارع، بعد فقدان العلوم التجريبية وفي مقدمتها الفيزياء لهذه المكانة، عندما تطورت الادوات التقنية والطرائق المخبرية للتجريب على الحي والمستعارة من العلوم التجريبية الفيزيائية والكيميائية، وتعود اهمية العلوم الحيوية الى كونها ترتبط ارتباطا علاجيا وانطولوجيا واخلاقيا بحياة الانسان وبالتالي فأن هذه النهضة العلمية ادت الى تغير النظرة الى الانسان، من كائن مقدس الى انه ظاهرة خاضعة للتجريب، مما اثار تساؤلات حول قيمة الانسان ومصيره ووظيفته في هذا الوجود، وهذه التساؤلات لم يجد لها العلم اجوبة مناسبة بالرغم مما يمتلكه من وسائل. لذلك كان على علماء الدين والفلسفة والقانون ان يقوموا بمهمة البحث عن تلك الاجابات، حتى ان بعض العلماء البيولوجيين قد تحولوا الى فلاسفة، مستوحين فلسفتهم من الابحاث البيولوجية بغية الوصول الى حلول للمشكلات التي تتمخض عن التقدم والتطور الذي شهدته العلوم، خاصة في مجال الطب والبيولوجيا وكيفية علاجها.

يتناول هذا البحث الجانب الاخلاقي للبحوث والتجارب العلمية في مجال الطب والبيولوجيا، لما لهذا الموضوع من اهمية بالغة تعود على الانسان بفوائد جمة. فقد احدث تطور الوسائل والتقنيات في هذا المجال قفزة نوعية هائلة في عملية التشخيص المبكر للأمراض الوراثية والكشف عن التشوهات الخلقية للأجنة وامكانية اتخاذ القرار في الوقت المناسب حول الاحتفاظ بها، او امكانية العلاج للامراض المستعصية.

يبدأ الفصل الاول بتمهيد عن طبيعة المنهج التجريبي واهميته بالنسبة للأنسان و مراحل تطوره، ثم سيادة علوم الحياة والطب على العلوم التجريبية لارتباطها الوثيق بحياة الانسان، ثم ياتي بعد ذلك المبحث الاول ليبين تطور هذه العلوم ومدى تأثيرها على مصير البشرية، لان من طبيعة العلم  انه يعتبر سلاح ذو حدين اذا ما اخفق الانسان في تسخيره لأهداف سامية تصب في صالح الانسان.

وبعد ان نبين في المبحث الاول اهمية الكشوف العلمية وضرورة قيامها على مبدأ احترام الكرامة الانسانية، ناتي في المبحث الثاني على تعريف مفهوم الاخلاق الحيوية  وما هي الاسباب التي ادت الى ظهوره، واعتماده في قواميس اللغة. ثم ننتقل الى المبحث الثالث و بيان وجهة النظر القانونية لطبيعة البحوث العلمية والبيولوجية و دور القانون في تطوير الاخلاقيات الحيوية، ومساهمته في وضع المبادئ القانونية الاخلاقية، التي تحكم اخلاقيات الطب وعلوم الحياة من خلال مجموعة الاعلانات والمواثيق الدولية التي اشتركت في كون غايتها النهائية، حماية حقوق المرضى والتأطير الاخلاقي لمهنة الطب وترجيح مبدأ سمو الكائن البشري وصون الكرامة الانسانية.

اما الفصل الثاني فيتناول في مبحثه الاول علاقة الاخلاق بالأبحاث الطبية وكيف نشأت هذه العلاقة بعد الكشف عن مجموعة من التجارب العلمية  في اجواء يغيب عنها الوازع الخلقي، مما اثار قلق فلاسفة الاخلاق والمثقفين والرأي العام كما حدث في الولايات المتحدة في حقبة الستينيات، والعودة الى اسس هذه العلاقة في الحضارات القديمة.

اما المبحث الثاني فنبين فيه اثر التقنيات البيولوجية في الاخلاق وفي مقدمتها الهندسة الوراثية، وما هي الغاية من معرفة تفاصيل الطاقم الوراثي للأنسان، هل هي غاية علاجية ؟ ام هي غايات اخرى كشفت عنها ابحاث الهندسة الوراثية ؟.

 في المبحث الثالث، تناول توضيح اهم تقنيات الهندسة الوراثية كألاستنساخ والعلاج الجيني وعلم الاجنة والانجاب الاصطناعي، وما لهذه التقنيات من اثار في المعايير والاراء الفكرية والاخلاقية، وبيان الموقف من عملية الاستنساخ والعلاج الجيني الذي وقع بين رافض ومؤيد وبحث اهم الجوانب الايجابية والسلبية، والنتائج التي توصل اليها العلماء في مجال الابحاث العلمية واثارها الاخلاقية.

الفصل الاول: اهمية العلوم التجريبية وتطورها

تمهيد:

يعتبر المنهج التجريبى  منهجا قديما قدم الانسان على سطح الارض، عندما بدأ في التعامل مع الطبيعة،  فعن طريق الملاحظة والتجريب استطاع الوصول إلى ابعد مما كان يتصور. وبعد ان كان الانسان الاول يفكر في امكانية التكيف واستثمار الطبيعية للسيطرة على كوكب الارض اصبح الان يتجه إلى الكون ليكتشف ما فيه. والمنهج العلمي (Scientific method) عبارة عن مجموعة من التقنيات والطرق المصممة لفحص الظواهر والمعارف المكتشفة أو المراقبة حديثا، أو لتصحيح وتكميل معلومات أو نظريات قديمة، وتستند هذه الطرق أساسا على تجميع تأكيدات رصدية وتجريبية تخضع لمباديء الاستنتاج([1]).       

ومع أن طبيعة وطرق المنهج العلمي تختلف حسب العلم المعني فإن هناك صفات ومميزات تميز البحث والتقصي inquiry العلمي عن غيره من أساليب التقصي وتطوير المعارف. عادة يضع الباحث العلمي فرضية hypothesis أو مجموعة فرضيات كتفسير للظاهرة الطبيعية التي يدرسها ويقوم بتصميم بحث علمي research تجريبي لفحص الفرضيات التي وضعها عن طريق فحص تنبؤاتها ودقتها.

اذن يمكننا القول ان أكثر مناهج البحث اهمية بالنسبة للإنسان هو المنهج التجريبى لان هذا المنهج ساعده على التطور وبناء حضارته عن طريق الملاحظة والتجريب والوصول إلى النتائج الصحيحة ومعرفة الطرق السلمية للتعامل مع الظواهر وتفسيرها ([2]).

وقد تربعت علوم الطب وعلوم الحياة على رأس العلوم التجريبية  وفي مقدمتها لأنها ارتبطت بصلة مباشرة بحياة الانسان ومصيره. و قد عرف النصف الثاني من القرن العشرين تقدما في مجموعة من الميادين العلمية النظرية والتطبيقية ومنها على وجه الخصوص ميادين الطب وعلوم الصحة وعلوم الحياة. بعد ان كانت علوم الفيزياء هي الرائدة في بدايات ذلك القرن، الا ان الثورة البيولوجية بدأت تبشر باكتشافات اكثر اهمية واشد خطورة مما توصلت اليه الفيزياء، فتداخلت العلوم البيولوجية مع العلوم الاخرى لدرجة ظهور فروع اخرى مرتبطة بها وبهذه العلوم، وقد استطاعت كل هذه الفروع ان تصبح علما قائما بذاته وقوانينه، رغم حاجة كل منها للفروع الاخرى، ومنها على سبيل المثال علم الكيمياء الحيوي  وعلم المناخ الحيوي و الفيزياء الحيوية، والجغرافية الحيوية وعلم الاجنة، وعلم الخلايا، واخيرا الهندسة الوراثية ([3])، ولم تكن اهمية هذه العلوم  فقط بسبب تأثيرها على حياتنا من خلال تطويرها للطب وخلق علم جديد في مجال التغذية  انما ايضا بسبب تأثيرها على مواقفنا وارائنا حول طبيعة الحياة.

المبحث الاول: تطورالعلوم الحيوية ومصير الانسان

مع تقدم العلم وتطوره لم تعد الظواهر المحيطة بألانسان هي المجال الوحيد الخاضع للفحص والتجربة، بل اضحى الانسان نفسه هو الظاهرة الخاضعة للدراسة والتجربة العلمية، فقد اثارت البحوث العلمية والتجارب الطبية حول الإنسان جدلا بين متطلباته البيولوجية الحديثة في مجالات الطب والجراحة والأبحاث العلمية التجريبية، وبين حتمية توافر الحد الأدنى من الاحترام و القدسية للجسم البشري والحفاظ على الكرامة الإنسانية الآدمية، وذلك لا يكون إلا بصياغة تشريعات 'بيوأخلاقية' جديدة، لتحديد الضوابط الشرعية والقانونية والأخلاقية والإنسانية للبحوث العلمية والتجارب الطبية على الإنسان الذي اصبح ولأول مرة في تاريخه، يتوفر على وسائل علمية دقيقة لأستكشاف اسرار الوراثة وفك رمزها لمعرفة التركيب الوراثي للبشر والوقوف على احتمالات حدوث امراض وراثية في مرحلة ما قبل الولادة، بل وتوصل الى التحكم في تلك الموروثات وامتلاك القدرة على تطويعها بما يرضي فضوله وطموحاته ([4]).

وربما يمكننا القول بأن ( الاستشارة الوراثية ) التي اصبحت  متاحة بفضل امكانية التنبؤ الوراثي هي صيغة معاصرة لحكمة فلسفية قديمة تقول: ( اعرف نفسك بنفسك) فالتنبؤ يعني ان كل فرد  سوف يتمكن عمليا من  ان يعرف أي من الامراض هو المستهدف للأصابة بها، وستتيح هذه البرامج للناس ان يتحكموا اذا شاءوا في حياتهم ([5])، فخريطة الانسان الوراثية ستمكن الانسان من معرفة الجينات التي تسبب الامراض النادرة. مع النظر الى الجانب الاهم وهو تحديد هوية الجينات الخاصة بالأمراض الشائعة. وعندما تتوفر لدينا خريطة وراثية مفصلة , سنتمكن من تحديد هوية زمركاملة من الجينات تؤثرفي النواحي العامة لكيفية نمو الجسم اوعجزه عن اداء وظائفه. وستمكن هذه الخريطة من معرفة ان القابلية والاستعداد للأصابة بألأمراض الشائعة ترجع الى اصول وراثية ([6]).

ولكن اذا ما كانت امكانية التنبؤ الوراثي تحمل مزايا ايجابية،  فانها بالتالي افرزت مشاكل اخلاقية، واهمها قضية سرية المعلومات المتاحة من طريق الفحوص، فما ضمان بقائها طي الكتمان وانها لن تفشى فتصبح عرضة لاغراض غير علمية ؟ فتتعدد احتمالات سوء الاستغلال في نشر اطروحات التمييز العرقي، او حرمان فئات معينة من المجتمع من الوظائف ومن التأمين الصحي، او استغلال شركات

التأمين  لرفع اسعارها بالنسبة لأولئك الاشخاص الذين تثبت فحوصاتهم انهم مهددون في المستقبل للأصابة بأمراض وراثية خطيرة وربما يحرمون نهائيا من حق التأمين على الحياة ([7]).

   لذلك يرى المفكرون والفلاسفة ان التقدم العلمي ضرورة لابد منها، ولكنه ليس هو كل شيء، فالحاجة الى قيم وضوابط اخلاقية تؤطر هذه العلوم هو ما تحتاجه البشرية تماما، حتى تتجنب مساوئ استخدام العلم. ومن اجل ذلك فأن القوانين ما تزال الى الان تمنع جميع الفحوص الجينية التي تمكن من معرفة مدى استعداد شخص ما للأصابة ببعض الأمراض او لنقل مرض وراثي. ولا يسمح بالبحث ألا في حالة وجود مبررات مشروعة، ويشترط في هذه الحالة  ان تتم الفحوص بموافقة المعنيين بالأمر، وكذلك في حالات قضائية معينة كالتعرف على هويات المتهمين عن طريق البصمات الجينية، او تحليل عينات الشواهد في الميدان الجنائي، او تحديد هوية الأباء المجهولين. تلك كانت بعض المحاولات للتأطير الاخلاقي والقانوني للأبحاث الطبية. ومن الطبيعي ان التقدم في الابحاث والتكنولوجيا الطبية لم يتوقف. فقد تحققت في هذا المجال انجازات اخرى ادت بدورها لظهور مشاكل اخلاقية جديدة. فظهرت مشاكل الولادة والانجاب الاصطناعي، ومشاكل الابحاث حول الاجنة البشرية، ومشاكل الموت والالم، ومشاكل زراعة الاعضاء البشرية وكانت نتائجها تقف امام مواجهة صريحة مع المبادئ الاخلاقية والقيم الاجتماعية الراسخة والمتجذرة في المعتقدات والثقافات الانسانية منذ غابر الازمان ([8]).

   وتبقى حركة الصراع على حالها بين الاخلاق والعلم مستمرة منذ بداية الثورات العلمية الكبرى الى اخر نقطة يصل اليها العلم في تقدمه، فالعلم يتسم بطابع ثوري تجددي اما الاخلاق بطابعها المحافظ تأبى مسايرة طفرات العلم، لكننا لابد ان نذكر ان العلم ساهم في تحرير الانسان في عصر الانوار، وان فلاسفة ذلك العصر نظروا الى سيرورة المعارف والعلوم نظرة تفاؤل، وحتى فلاسفة هذا العصر نظروا هذه النظرة على الرغم من وجود ما يبرر تخليهم عن هذه النظرة بعد ان اخذت تلك العلوم السير في اتجاهات اخرى غير الاتجاه الذي وجدت من اجله.

واخيرا نصل الى ان الثورة العلمية البيولوجية بكل ما تحمله من ايجابيات وسلبيات في حياة الانسان، فأنها تفتح الاذهان الى معرفة ان هذا الانسان الكائن المعقد، المكون من الجينات الحاملة للصفات ن والمسؤلة عن نقل هذه الصفات عبر تعاقب الاجيال لايعني ان سبب جريمة ترتكب هو الدافع الجيني، او ان يكون الانسان نبيلا فهذا من صنع جيناته. هذه الحتمية الوراثية غير حكيمة، لكن يبقى التساؤل حول كم من تركيبنا تمليه البيئة، وكم تمليه الوراثة، وكم تمليه الارادة والعزم ([9]).

المبحث الثاني: مفهوم الاخلاق الحيوية:

     لقد قدم العلم تطبيقات جديدة في كافة مجالات الحياة كالطب والهندسة والتصنيع والاقتصاد وغيرها، وقدم حلولا للمشكلات التي واجهت الانسان في كل مجال من هذه المجالات لكن السؤال هنا، هل قدم العلم حلولا للمشاكل الاخلاقية التي قد تعرقل سير التقدم العلمي ؟ وهل يأخذ العلم بنظر الاعتبار الابعاد الاخلاقية والانسانية للظاهرة العلمية من اجل صياغة قواعد اخلاقية عامة تضمن عدم اساءة استخدام منجزات العلم والتكنولوجيا المعاصرة ؟

وللأجابة عن هذه التساؤلات برزت مفاهيم جديدة تتناول قضايا مستحدثات التقنية الحيوية

ومن هذه المفاهيم، مفهوم الاخلاق الحيوية، او اخلاقيات الطب والبيولوجيا Bioethique، وكانت الولايات المتحدة الامريكية الموطن الاول لظهور هذا المفهوم  حيث تم استخدامه لاول مرة من قبل طبيب امريكي مختص في الاورام من جامعة  Wisconsin واسمه potter van Rensse lare، ومن الجدير بالذكر ان هذا المصطلح حديث العهد بالظهور والتداول، وقد كان غريبا عن القاموس الفلسفي والاخلاقي، وهو من حيث الاشتقاق يتألف من كلمة biologie  وتعني علم الحياة، والكلمة Ethique وتعني علم الاخلاق ومبادئ توجيه السلوك البشري. وقد بادرت القواميس والموسوعات الى اعتماده منذ سنة 1982. وتعرفه المصادر المختصة بانه دراسة القضايا الاخلاقية المترتبة عن التقدم الحاصل في التقنيات الجديدة في علوم الصحة والحياة، دراسة ترمي الى اقتراح مبادئ اخلاقية تضبط توجهات ذلك التقدم، ومراقبة وتوجيه جميع الابحاث والتدخلات المتعلقة بالكائن الحي منذ لحظة الاخصاب حتى لحظة الموت ([10]). كذلك يعرف بأنه  مجموعة القواعد التي يضعها المجتمع لنفسه من اجل الاحتفاظ بالمعنى الانساني  بمواجهة المشكلات الناجمة عن التقدم العلمي السريع في مجالات الطب والوراثة وعلم الاحياء. وتعد الاكتشافات العلمية التي ظهرت في مجالات الطب والوراثة وعلم الاحياء، والتي كانت نتاج ثورة بيولوجية جزيئية تجتاح العالم منذ سنوات الستينات من القرن العشرين، من اهم الاسباب التي ادت الى ظهور الاخلاق الحيوية. وتثير هذه الاكتشافات، على الصعيدين القانوني والاخلاقي مشكلات تتعلق بحقوق اساسية للفرد اعترفت بها الشرعية الدولية لحقوق الانسان، واهم هذه المشكلات تتعلق بالحق في احترام الكرامة الانسانية، والحق في الحياة وفي الخصوصية. وقد تؤثر من ناحية اخرى في انظمة قانونية راسخة في المجتمع كالزواج والاسرة والميراث ([11]).

   مما تقدم نتبين ان مفهوم الاخلاق الحيوية قد نتج عن تحول كبير في مجال الطب  بعد ان كان اقرب للعمل التجريبي في بداية القرن التاسع عشر منه الى كونه اصبح يمثل اهم التقنيات العلمية في منتصف القرن العشرين، ولم تعد تقتصر وظيفة الطب على علاج المرضى والعناية بصحتهم بل اخذت تتجه نحو التدخل بتركيبة الجسم البشري وتغيير معالمه، مما ادى الى البحث في جوانب اخرى غير الجانب العلمي على وجه العموم والجانب الصحي على وجه الخصوص، بل اصبحت هناك ضرورة لبحث الجانب الاخلاقي.

المبحث الثالث: الأبحاث العلمية وحقوق الانسان:

   يتميزعصرنا الحاضر بأهتمام متزايد بمسألة الديمقراطية، بل واخذ هذا الاهتمام يتفرع الى اهتمامات اخرى: منها اهتمام بالديمقراطية كأداة للتحرر السياسي وتوسيع مجال الحريات، والاهتمام بها كوسيلة لتحقيق العدالة ولأحترام حقوق الانسان، وكذلك الاهتمام بها كأداة لضمان مراقبة المجتمع لسيرورة النمو الاقتصادي ولتطور العلوم والتكنولوجيا، وبصفة عامة للحرص والسهر على عدم اساءة استعمال نتائج التقدم العلمي في الميادين المختلفة ([12]).

    فأذن الغاية من مبحث الاخلاق الطبية هي التأطير الاخلاقي لعدد من الممارسات العلمية التي سمح بها تطور العلوم الطبية، ثم البيولوجيا الجزيئية والهندسة الوراثية وذلك من منظور مدى احترامها لحقوق الانسان. فربما اصبح الان من حق المجتمعات البشرية ومفكريها على حد سواء القلق من احتمالات اساءة استعمال الطاقة العلمية في ميادين الطب والهندسة الوراثية، كما سبق وان اسيء استخدام التقدم التكنولوجي بتدمير مدن بسكانها في اكبر كارثة انسانية عرفها التأريخ في مدينتي هيروشيما وناكازاكي ابان الحرب العالمية الثانية.

  ومن اهم الحقوق التي يمكن ان يهددها التقدم العلمي في مجال تطبيقات الأخلاقيات الحيوية بالخطر هو الحق في احترام الكرامة البشرية، والحق في الحياة، والحق في الحرية الفردية، والحق في حماية الجنس البشري. ولكن الحق في احترام الكرامة البشرية يحتل مكانة بارزة في مجال الاخلاقيات الحيوية. ويعد هذا الحق مبدأً اساسيا من مبادئ القانون الوضعي، الذي عرف نجاحا كبيرا بعد الحرب العالمية الثانية.

 ومن هنا وجد الكثيرمن الباحثين  بانه لابد من العودة الى هذه الاخلاقيات التي تؤكد على احترام حقوق الانسان بالدرجة الاولى وعلى العلاقة بين المريض والطبيب، كذلك اخدت بعض المنظمات الدولية الاقليمية تهتم بهذه المسألة للحرص على عدم اساءة استعمال نتائج التقدم العلمي، ونتيجة لذلك اخذت بعض الدول في اصدار قوانين خاصة لدراسة المشاكل المرتبطة بمنجزات هذا التقدم، وخاصة في الولايات المتحدة الامريكية وكندا واوربا. وأنشأت هذه الدول لجانا وطنية للأخلاقيات الطبية والحيوية.

  وقد لعب القانون دورا هاما في تطوير هذه الاخلاقيات، اذ ساهم رجاله بفاعلية في وضع المبادئ القانونية والاخلاقية التي تحكم اخلاقيات الطب وعلم الاحياء ([13])  فالقانون الفرنسي ينص على عدد من المبادئ الاساسية التي يجب ان تخضع لها التطورات العلمية التي حققتها الثورة البيولوجية. واذا القينا نظرة على مواده نجدها تكرس ثلاثة انواع من المبادئ الاساسية في هذا المجال، النوع الاول يتعلق بالشخص ذاته، في حين يتعلق النوع الثاني بجسد الشخص، واخيرا يتناول النوع الثالث الجنس البشري.

  وكذلك الحال بالنسبة للأعلان العالمي بشأن المجين البشري وحقوق الانسان الذي تبنته منظمة اليونسكو عام 1997 الذي شمل خمس وعشرين فصلا اقترحت فيها معايير كونية لضبط وتنظيم الابحاث العلمية في المحدد الوراثي البشري، وبشكل عام جميع الامكانيات العلمية الجديدة المتاحة في مجال تغيير طبيعة الاحياء ([14]) وفكرة الاعلان الرئيسية هي ضرورة البحث عن صيغة للتوفيق بين بين حرية عمل الباحثين العلميين وبين ضرورة احترام النفس البشرية وكرامة الانسان وحماية البشرية عموما من التجاوزات المتعددة التي يمكن ان تنشأ عن ابحاثهم وتجاربهم. وقد تعهدت الدول الموقعة عليه بأحترام المبدأ القاضي بأن (لكل فرد الحق في ان تحترم كرامته وحقوقه بغض النظر عن خصائصه الوراثية ) ([15]). واذا كانت الدول الموقعة على بنود الاعلان قد حثت على مواصلة البحث العلمي في مجال المحدد الوراثي للأنسان فانها في الوقت ذاته التزمت بمنع كل تصرف مسيء.

  وهكذا اصبحت الطريق ممهدة لصدور مجموعة من الاعلانات والمواثيق الدولية لحماية المرضى وللتأطير الاخلاقي لمهنة الطب. وقد اشتركت هذه الاتفاقيات على ان تكون الغاية النهائية من البحث العلمي هي سعادة الانسان ورفاهيته، ولا يجوز ان يرجح على مبدأ سمو الكائن البشري اية اولويات اخرى، وامام هذا التقدم العلمي في مجالات علم الاحياء والطب والوراثة يجب على المشرع ان يوفق بين متطلبات التقدم العلمي واحترام الانسان و الانسانية. والاداة الاساسية لهذه الحماية تكمن في صون الكرامة الانسانية للجنس البشري ([16]).

الفصل الثاني: الاخلاق في ظل التقنيات الطبية الحديثة

المبحث الاول: علاقة الاخلاق بألابحاث الطبية

للوقوف على الاسباب التي ادت الى نشأة اخلاقيات الطب والبيولوجيا بالأضافة الى الثورة البايولوجية والتسارع الحاصل في تقدم العلوم الطبية، لعله من المهم ان نعود الى الوراء حيث حقبة الستينيات وفي الولايات المتحدة بالتحديد. حين كشفت وسائل الاعلام عن وقائع في بعض المستشفيات الامريكية. تعلقت بتجارب اجريت على فئات من المرضى بدون علمهم ولا موافقتهم، مما اثار قلق فلاسفة الاخلاق والمثقفين عموما كما هز الرأي العام الامريكي. وفي هذا المناخ العام  ظهرت اخلاقيات الطب التي استلهمت مبادئها من تعاليم الديانات السماوية ومن الاعلان العالمي لحقوق الانسان ([17]).

وعقب الكشف عن الوقائع السالفة الذكر والنقاش الواسع الذي اثير حولها، تأسست مراكز الاستشفاء والبحوث الطبية ( لجان الاخلاقيات الطبية ) وهي لجان اصبحت لها مهمة محددة هي الدفاع عن المرضى وحماية حقوقهم، وفحص الجانب الاخلاقي للأبحاث الطبية والعلمية التي تقتضي اجراء تجارب على البشر ([18]).

ومن الجدير بالذكر ان العلاقة وثيقة بين الاخلاق والطب و لها جذور في القدم، فقد حاول الانسان منذ نشأة الحضارات ان يضع قوانين تحدد سلوكه ومعاملاته حماية للمجتمع من التدهور. وكان من بينها شريعة حمورابي ملك بابل ( 2100 ق. م ) التي شملت كل جوانب الحياة العملية حتى الطب ([19])، وكذلك عُرفت بعض الحضارات القديمة بأهتمامها بقدسية حياة الانسان فالزرادشتيون وضعوا قوانين مشددة حول العناية بالأنثى خلال فترة حملها سواء من البشر او الحيوانات معا ([20])

لكن هذه القوانين اندثرت مع اندثار تلك الحضارات، اما القواعد الطبية التي استمرت الى حد بعيد في الاوساط الطبية حتى عصرنا الحاضر، فيعود تاريخها الى المرحلة الذهبية من العصر اليوناني، الذي وضع فيه قسم ابيقراط وهو قسم وضع لتحديد سلوك الطبيب واخلاقياته. وقد انتقل هذا القسم من جيل الى جيل ومن عصر الى عصر، وفي كل مرة تضاف اليه قاعدة جديدة، او تحذف منه بعض البنود.

المبحث الثاني: الاخلاق والهندسة الوراثية :

     يتكون جسم الكائن الحي من مجموعة من الخلايا، كل خلية تحتوي على عدد من الكروموسومات، وضيفتها حمل المعلومات الوراثية، في مادة اساسية تعرف ب DNA وقد تمكن العالمان جيمس واطسون، وفرنسيس كريك في عام 1953 من اكتشاف الشكل الاساسي للحمض النووي DNA الذي ادى فيما بعد الى التعرف على الكثير من المعلومات حول كيفية قيامه بحفظ المعلومات الوراثية وكيفية نقلها من جيل الى اخر  ([21]).

  ومع اكتشاف الحمض النووي، ومعرفة الجينات ظهر علم جديد سمي بالهندسة الوراثية Genie genetique وهوعلم يهتم بدراسة التركيب الوراثي للخلية الحية  ويهدف الى معرفة القوانين التي تتحكم بالصفات الوراثية من اجل التدخل فيها واصلاح العيوب التي تطرأ عليها ([22]).

  ويسعى علماء الهندسة الوراثية من خلال ابحاثهم الى معرفة تفاصيل اكثر حول الطاقم الوراثي للأنسان لاجل التمكن من اعادة تغيير مخزونه ان اقتضى الامر ذلك  اما لغايات طبية علاجية او من اجل انتاج كائنات حية حسب مواصفات معينة. والجديد في عصرنا الحالي ان هذه الابحاث اصبحت تتناول جسم الانسان والتحكم في التركيب الوراثي وامتلاك القدرة على تطويعه، والكشف المبكر عن الاستعدادات الوراثية للأفراد للأصابة بالأمراض الخطيرة عن طريق التنبؤ الوراثي الذي اصبح ممكنا مع الفحوصات الجينية المسبقة. و من ابرز استخدامات الهندسة الوراثية هو العلاج الجيني، ولتوضيح الجانب الاخلاقي لهذا النوع من العلاج لابد لنا من التعرف على طبيعة هذا العلاج، وماهي الوسائل المستخدمة فيه، وما هي الجوانب الايجابية والسلبية الناتجة عنه ؟

   يعرف العلاج الجيني بأنه علاج الامراض عن طريق الجينات، وذلك يتم بأستبدال الجين المعطوب بأخر سليم، او امداد خلايا المريض بعدد كاف من الجينات السليمة  او حتى استئصال بعض الجينات المسؤولة عن احداث مرض معين او تشوه ما  ([23])

والجين هو الوحدة الوراثية في جسم الكائن الحي، اطلق عليه العالم جوهانسن هذا الاسم، وعلى اساسه سمي علم الوراثة بهذا الاسم ( Genatic ) ([24]).

ويتناول العلاج الجيني كلا من الانسان والحيوان والنبات، وما اختص بألانسان يسمى العلاج الجيني للخلايا البشرية. ومن خلال معرفة ان هذا العلاج يعتمد بالدرجة الاولى عملية نقل او استبدال الجينات، يتبين لنا اختلافه الواضح عن غيره من انواع العلاج التي تعمل اغلبها على تسكين المرض وليس شفاءه.

المبحث الثالث: الاخلاق بين العلاج الجيني والاستنساخ

تقنيات الهندسة الوراثية:

     مع تواصل ابحاث العلماء في مجال الهندسة الوراثية، ظهر مصطلح جديد في هذا المجال وهو ( الاستنساخ )، وهو ايضا من تقنيات الهندسة الوراثية لكنه يختلف عن العلاج الجيني في كونه يعمل على تكوين كائن حي مطابق من حيث الخصائص الوراثية والفسيولوجية والشكلية لكائن اخر. ويشترك في العلاج الجيني لاهميته في استنساخ الجينات اللازمة في العلاج ([25]).

  لقد كان الاعلان عن نجاح الباحث ( ايان ويلموث ) من معهد روزالين في اسكتلندا وبالتعاون مع شركة  pptللعلاجيات في تجربة الاستنساخ الوراثي للنعجة (دولي) بداية لنقاش مستفيض حول التقنية المستخدمة وامكانية استخدامها في استنساخ البشر وتطبيق الافكار المتطرفة حول تكوين الشعوب المنتخبة او في التهجين البشري – الحيواني او في استخدام تقنيات الهندسة الوراثية في تحسين النوع البشري فيما يعرف بالهندسة التعزيزية ([26]).

  فكان هذا الحدث بمثابة انقلاب كبير سواء على المستوى العلمي او من منظور المعايير الفكرية والاخلاقية. لقد اثار هذا الحدث دهشة وفضول الرأي العام الدولي كما اثار على الخصوص انصار اخلاقيات الطب والبيولوجيا. فأجمعو على ضرورة اتخاذ قرار دولي لتحريم تطبيق هذه التكنولوجيا الحيوية الجديدة على البشر  ويستند المعارضون لهذه التقنية الى كون الانسان يعتبر الى حد الان من طرف جميع الاديان اقدس المخلوقات. كما يحيلون الى ان كرامة كل انسان تقوم اساسا في كونه نسيج وحده لايشبه تماما اي فرد اخر من بني جنسه ويجب ان يظل كذلك كما يقول العالم الفرنسي رينيه فريدمان الذي اشرف على اول تجربة فرنسية ناجحة لاطفال الانابيب ([27]).

والى جانب الموقف الرافض للأستنساخ البشري، برز موقف اخر مؤيد لهذه التجربة العلمية عبرت عنه مجموعة من العلماء الامريكيين. وحجتهم ان البشرية اذا كانت تريد القضاء على العقم وعلى الكثير من الامراض الوراثية والجينية فمن الصعب جدا الاستغناء عن اللجوء الى الاستنساخ البشري فعلى سبيل المثال في حالة عقم الزوج ورفض الزوجة اجراء الاخصاب الاصطناعي سيكون من الممكن اخذ خلايا الرجل ووضعها في بويضة المرأة بعد افراغها من نواتها ([28]).

وما بين موقف رافض واخر مؤيد نبحث الجوانب الاخلاقية الايجابية والسلبية لاستخدام تقنية الخلايا الجنينية في العلاج والاستنساخ.

الجوانب الايجابية والسلبية للعلاج الجيني والاسنساخ:
 الجانب الايجابي:

اولا:  العلاج :

يتضمن اصلاح الكثير من الامراض الوراثية المستعصية على العلاج، فقد سبق ان ذكرنا ان طريقة العلاج  بأستخدام الجينات كدواء في حالات تسبب طفرتها مرضا فيستبدل الجين المعطوب بأخر سليم او امداد المريض بعدد كاف من الجينات السليمة الجمل الهندسة وابحاث البيئة ص306، او حتى استئصال الجينات المسببة للمرض. وبذلك تتحقق نتائج لايمكن لأي نوع من انواع العلاج المتعارف الوصول اليها، حتى في حالة استئصال العضو المصاب وهي اخر الاحتمالات المستخدمة في الطب عادة، والتي يكون فيها الاستئصال ليس حلا نهائيا وذلك لأحتمال عودة المرض كما هو الحال في مرض السرطان، لكن في الواقع لابد لنا من الاشارة الى ان طريق العلاج الجيني ليس معبدا على الدوام وانه محفوف بالمخاطر، ففي ايلول من عام 1999 حدثت انتكاسة في التطبيقات العلاجية لهذه التقنيات عندما توفي شاب في الثامنة عشر من عمره والمصاب بتشوه جيني  نادرفي مستشفى معهد العلاج الجيني في جامعة بنسلفانيا بعد خضوعه للعلاج الجيني، وعلى اثر ذلك اوقف معهد العلاج الجيني علاج 17 مريضا وتم الغاء اكثر من 400 بروتوكول علاجي ومن دون شك فأن انتكاسة مثل حالة الوفاة قد تؤخر التقدم السريع لتقنيات العلاج الجيني لكنها لن توقف مسيرة من شأنها ان تغير مجرى الحياة بالنسبة للكثيرين ([29]).

 

ثانيا: الحد من ظاهرة الاجهاض

     مؤخرا بدأت تنتشر في الكثير من المجتمعات ظاهرة الاجهاض واحد اسباب الاجهاض ان الطب بدأ يكشف حالة المرض او التشوه للجنين في مرحلة مبكرة، مما يترتب على ذلك التخلص من الجنين، فأذا امكن علاج المرض او التشوه جينيا فأن ذلك سيحد من هذه المشكلة. اما في بعض الحالات للأمراض الوراثية المرتبطة بالجنس فانه اذا تبين ان هذا الجنين من جنس معين يتم اجهاضه لما في ذلك من خطورة، لكن اذا تمكن العلماء عن طريق العلاج الجيني من تبديل الجين المسؤول عن تحديد الجنس فبالتالي سوف يحد ذلك من اجهاضه ([30]).

الجانب السلبي:

بالاضافة الى المخاطر المترتبة على هذا النوع من العلاج ولعل ابرزها، ان اي مشكلة تحدث في عملية العلاج الجيني ينتقل اثرها الى الاجيال المتعاقبة، كما ان اي زرع جيني ينتقل الى الاجيال سوف يجعلنا امام معضلة اخلاقية تتمثل بأختلاط الانساب. فأن هناك جوانب اخرى نذكر منها:

اولا:  عمل بنوك لتخزين الجينات والخلايا واستغلالها تجاريا دون ضوابط او لوائح مهنية مما يترتب عليه معرفة الاسرار الخاصة بكل انسان فيما يتعلق بخارطته الجينية ([31]).

ثانيا:  تجاوز بعض الباحثين لحدود تكريم الانسان واخضاعه للتجريب ([32]).

كما حدث في المستشفيات الامريكية ومثلها في معسكرات الاعتقال في المانيا ابان الحرب العالمية الثانية.

ثالثا:  احتكار بعض الاثرياء لهذا النوع من من العلاج واستخدامه في المتاجرة واستغلال حاجة الناس اليه لاسيما ان معظم ابحاث هذا المجال تمول من الشركات الخاصة ([33]).

  فتقنية الانجاب الاصطناعي مثلا لم تعد مجرد وسائل تكنولوجية متقدمة لمعالجة مشكلة العقم، بل اصبحت تتجه الان الى ان تصبح صناعة ذا مردود مالي ووسيلة للأغتناء والشهرة بالنسبة للممارسين في هذا الميدان. كما انها ساهمت في خلق مهن اخرى جديدة كمهنة النساء الحاضنات والمستأجرات لأرحامهن، والنساء البائعات لبويضاتهن، والرجال المتاجرين في حيواناتهم المنوية. فضلا عن الطابع التجاري لزراعة اعضاء الجسم البشري التي ادت في بعض الاحيان لدفع الفئات الفقيرة من الناس الى بيع بعض اعضائهم. ان الحديث عن الاتجاه الجديد لمنطق البحث العلمي يدفعنا الى القلق من انحراف مسار العلم وتحوله من وسيلة لخدمة الانسان الى وسيلة تخضع غايتها لمنطق حاجات القوى التي حولت العلم الى نسق حضاري مادي وتقنية سيطرة ([34]).

  وهناك اوجه اخرى لتطوير هذه البحوث لتتجه نحو اساءة استخدام المخزون الوراثي للانسان مما قد يفضي الى الإخلال بالقيم السائدة في المجتمعات البشرية وما يترتب على ذلك من فوضى في عملية التطور الطبيعي للإنسان، فبعملية الإستنساخ من الممكن ان يتم استنساخ كائنات معدلة وراثيا لتقوم بمهمات استثنائية، او قد يساعد على انتاج سلاح جيني مدمر لحياة سلالات بشرية معينة. وفي اضعف الافتراضات يمكن ان يستخدم لأنتاج كائنات بشرية صالحة للأستعمال، اي كائنات بشرية توفر رصيدا احتياطيا من اجزاء الجسم البشري واجهزته لتلبية ارتفاع وتزايد الطلب عليها في سوق زراعة الاعضاء.

   ان تزايد الوعي بالنتائج الاجتماعية والاخلاقية التي حققها التقدم العلمي في ميادين الطب وعلوم الحياة والهندسة الوراثية، اصبحت من سمات العصر الحالي، واذا كانت هذه التطورات قد انعشت الامال في امكانية تحسين ظروف حياة الانسان .  

فأنها في الوقت ذاته تهدد المجتمع بخلق اشكاليات اخلاقية جديدة وغير مسبوقة.  كما هو الحال في جميع التحولات العلمية الكبرى فأن من مزايا تلك الثورات ان ترافقها مشاكل تولد انعكاسات في الفكر الفلسفي والاخلاقي، وهنا نجد ان الثورة البايولوجية قد ايقضت الفكر الاخلاقي من جديد ليحتل مكانة هامة في الخطاب الفلسفي المعاصر.

الخاتمة

  يتناول البحث الجانب الاخلاقي لتطور العلوم، وعلى وجه التحديد علوم الطب وعلوم الحياة، فقد اثارت البحوث العلمية في مجال الطب جدلا بين متطلبات البيولوجيا الحديثة وبين قدسية الجسم البشري والحفاظ على الكرامة الانسانية.

لقد اثارت البحوث والتجارب لاسيما في مجال تقنيات الهندسة الوراثية مخاوف بقدر ما جاءت به من حلول لمعضلات ومشاكل صحية وامراض وراثية استعصت على العلاج، فكان الحل الوحيد للتوفيق بين اهمية استمرار البحث العلمي في مقابل احترام قدسية الكائن البشري وذلك بوضع هذه الابحاث وحصرها ضمن اطر اخلاقية. فظهر مفهوم الاخلاق الحيوية التي كانت مهمتها وضع القواعد العامة للحفاظ على المعنى الانساني بمواجهة المشكلات الناجمة عن التقدم العلمي السريع في مجال الطب والوراثة وعلم الاحياء.

ومن خلال التعرف على اهم تقنيات الهندسة الوراثية وما افرزته من المشكلات الاخلاقية، نتوصل الى ان التقنيات العلمية سواء كانت تختص في مجال الطب او البايولوجيا اوالتكنولوجيا،  فأنها علوم وجدت لخدمة الانسان وتوفير سبل راحته وسعادته على وجه الارض، والانسان هو المسؤول الوحيد امام ما تفرزه هذه التقنيات من اثار سلبية، وهو وحده القادر على السيطرة على سير وتوجيه هذه التقنيات، سواء الى جانب الصواب او الخطأ. اذن فالوازع الخلقي والضمير هو نقطة الانطلاق للتحكم بمجريات التقنيات العلمية على اختلاف انواعها.

 

[1] -aac Newton (1687, 1713, 1726). "[4] Rules for the study of natural philosophy", Philosophiae Naturalis Principia Mathematica, Third edition

[3] - البقصمي: الهندسة الوراثية والاخلاق ص 83

[4] - الدواي: حوار الفلسفة والعلم والاخلاق ص60

[5] - زولت هارسناي ورتشارد هتون: التنبؤ الوراثي ص263

[6] - دانييل كيفلس وهود:  الشفرة الوراثية للانسان ص103

[7] - الدواي: حوار الفلسفة والعلم والاخلاق ص61

[8] - المصدر السابق ص55 

[9] - دانييل كيفلس وهود: الشفرة الوراثية للأنسان ص 105

[10] - الدواي:  حوار الفلسفة والعلم والاخلاق  ص 49

[11] - د. فواز صالح ( مبدأ احترام الكرامة الانسانية في مجال الاخلاقيات الحيوية ) دراسة قانونية مقارنة

[12] - الدواي: حوار الفلسفة والعلم والاخلاق  ص 47

[13] -د. صالح فواز:  ( مبدأ احترام الكرامة الانسانية في مجال الاخلاقيات الحيوية ) دراسة قانونية مقارنة

[14] - المصدر السابق

[15] -الدواي: حوار الفلسفة والعلم والاخلاق ص70

[16] - د. صالح فواز: ( مبدا احترام الكرامة الانسانية في مجال الاخلاقيات الحيوية ) دراسة قانونية مقارنة

[17] - نقلا عن حوار الفلسفة والعلم والاخلاق ص52

[18] -   المصدر السابق ص 52

[19] - البقصمي: الهندسة الوراثية والاخلاق ص 38

[20] -  المصدر السابق ص 39

[21] -  سيغان: اساسيات علم الوراثة ص 13

[22] -  علي: عالم الجينات ص 189

[23] -  علي: عالم الجينات ص 76

[24] -  سيغان : اساسيات علم الوراثة ص13

[25] - الجمل: الهندسة الوراثية وابحاث الدواء ص 43

[26] - العبيدي: الهندسة الوراثية المتقدمة الاسس والتطبيقات ص 204

[27] - نقلا عن حوار الفلسفة والعلم والاخلاق ص 63

[28] - المصدر السابق ص 63

[29] - العبيدي: الهندسة الوراثية المتقدمة الاسس والتطبيقات ص 204

[30] - ابو البصل: الهندسة الوراثية من المنظور الشرعي  (2/ 706)

[31] - الجمل: الهندسة الوراثية وابحاث الدواء ص 17

[32] - الكردي: الهندسة الوراثية في النبات والحيوان في الشريعة الاسلامية ص 386

[33] - مصباح: العلاج الجيني واستنساخ الاعضاء البشرية رؤية مستقبلية للطب والعلاج خلال القرن الحادي والعشرين ص 63

[34] -  الشامي: الفلسفة والانسان ص 349