تصنیف البحث: الأدب العربي
من صفحة: 125
إلى صفحة: 139
النص الكامل للبحث: PDF icon 180421-135420.pdf
البحث:

المقدمة:

من النادر أن يجري تكريم شاعر في وطننا العربي في حياته،ولم يحظ بذلك إلاّ القليل،وتكريم خليل مطران (شاعر القطرين) واحدةٌ من هذه الحالات النادرة، إذ جرت العادة أن يحتفى بالأدباء والشعراء والعلماء في ذكرى وفاتهم أو بعد مرور مدّة على ذلك.

وتكريم الحيّ يحمل في طيّاته بعض المجاملة،بيد ان هذه القصيدة في تكريم مطران لم تكن إلاّ جماع أقوال معاصريه فيه كما قيلت في الحفل نفسه، فهي آراء متطابقة،وتطابق الآراء دليل صدقها.

ومن جملة العوامل التي أعطت لقصيدة التكريم هذه الصدقيّة،ذلك التشابه في أفكار الشاعرين، وفي المنطلقات الفكريّة التي شدّتهما الى بعض... فصاحب التكريم فُتِنَ بالعروبة منهجاً وبالعربية وسيلةً لتحقيق ذلك المنهج،ودرج على ذلك منذ نعومة أظفاره،جاهداً أن يقدّم لها كل ما يستطيع،وأن يوظّف كل ما لديه من ملكات قي سبيل رقيّها وتطوّرها.

وصاحب قصيدة التكريم - كما سيبين البحث – جَهِدَ منذ شدا أُولى قصائده وكان شاباً يدرج في مرابع الحوزات العلمية في مدينته أن يعلن تمسكه بوحدة الأمة،وسموّ لغتها وما منحها الله سبحانه من مزايا أهّلتها الى أن تسع مبادئ القرآن الكريم،فتكون الوسيلة التي يخاطب بها الله (عزوجل) عباده.

 ولعلّ موطن الإفتراق الذي ألمحه فيهما، ميل الثاني الى أن يعطي لفكرة الوحدة العربية بعدها الإسلامي الواسع إذ يجعل منها إطاراً واسعاً بسعة لغتها يسع هموم المسلمين في كل أقطار الإسلام والعروبة من دون عنصرية ممقوتة ولا كهنوتية متحجّرة، وديوانه حافل بتلك الدعوة التي رافقت أدبه منذ قصائده الأولى الى آخر قصائده التي حيّى فيها مجمع اللغة العربية في يوبيله الذهبي، ولعلها السمة العامة للديوان. فهو يشيد بشخصية (إقبال) المفكر الإسلامي الباكستاني الكبير ويتحفه بقصيدة ظلت معلماً أساساً لمن يريد قراءة تاريخ الرجل، وهو يشيد بكثير من أعلام الوطن شعراً كالشبيبي الأب وأمثاله ونثراً كاليعقوبي وأغابزرك وأمثالهما.. وهو يرى ان العروبة من غير الإسلام شعارٌ فارغ من المحتوى،وأن الإسلام من دون العربية يبقى فكرأ معلّقاً من دون أداة مناسبة اختارها الله(سبحانه) لإيصاله الى المسلمينومن هذا تصبح القصيدة حريّةً باطّلاع القرّاء.

 

من هو خليل مطران ؟:

هوخليل بن عبده بن يوسف مطران ولد في الأول من يوليو عام 1872م في بعلبك بلبنان، وتلقّى تعليمه بالمدرسة البطريريكية ببيروت. تلقّى توجيهاته في البيان العربي على يد أستاذَيْه الأخوان خليل وإبراهيم اليازجي، كما أطلع على أشعار فكتور هوغو وغيره من أدباء ومفكري أوروبا، هاجر مطران إلى باريس وهناك انكب على دراسة الأدب الغربي.

وبرغم ان(شاعر القطرين) شاعر لبناني فقد عاش معظم حياته في مصر. وعرف بغوصه في المعاني وجمعه بين الثقافة العربية والأجنبية، و كان من كبار الكتاب، عمل بالتاريخ والترجمة، يشبّه بالأخطل بين حافظ وشوقي، وشبهه المنفلوطي بابن الرومي.

عرف مطران بغزارة علمه وإلمامه بالأدب الفرنسي والعربي، هذا فضلاًعن رقة طبعه وهو ما انعكس على أشعاره، أُطلق عليه لقب (شاعر القطرين) ويقصد بهما مصر ولبنان، وبعد وفاة حافظ وشوقي أطلقوا عليه لقب (شاعر الأقطار العربية).

دعا مطران إلى التجديد في الأدب والشعر العربي فكان أحد الرواد الذين اخرجوا الشعر العربي من أغراضه التقليدية والبدوية إلى أغراض حديثة تتناسب مع العصر، مع الحفاظ على أصول اللغة والتعبير، ويعد ممّن أدخل الشعر القصصي والتصويري للأدب العربي.

والمناداة بتحرر الشعر العربي من القافية لم تكن وليدة تلك الحقبة، بل هي أسبق من ذلك بكثير، ظهرت في محاولات تنويع القافية منذ الشعر العباسي وشعر الموشحات، ولكن مطران كتب ما اصطلح على تسميته بالشعر المرسل، ولعل مساهمة مطران في هذا لا تنكر، فقد كان هذا الشعر ثمرة طبيعية لمحاولات الترجمة عن اللغات الأخر.

يقول العقاد: " ولابد أن يلاحظ ان شعراء مصر المجددين بعد جيل شوقي وحافظ ومطران من دارسي الإنجليزية ودارسي الآداب الأوربية عن طريق اللغة الإنجليزية، ولعل الأثر الذي أحدثوه في الثقافة العصرية هوالذي جنح بالأستاذ مطران الى ترجمة شكسبير، والعناية به أكثر من عنايته بكل الشعراء الفرنسيين، فهو كصاحبيه تأثر بثقافة الجيل الناشئ بعدها في مصر ولم يؤثر فيه "([1])

"ولعل العقاد في هذا، أزاء رغبته الشديدة في الاّ يكون قد تأثر بمطران، وفي غمرة طمس دور مطران الخطير،نسي ان انتشار الإنجليزية منذ أواخر القرن التاسع عشر قد فرض روايات شكسبير على طلاب المدارس الثانوية منذ فجر القرن العشرين".([2])

 كان مطران ذا حسٍّ وطني فقد شارك في بعض الحركات الوطنية التي أسهمت في تحرير الوطن العربي، ومن باريس انتقل إلى محطة أخرى في حياته عندما انتقل إلى مصر، فعمل محرراً بجريدة الأهرام لعدد من السنوات، ثم قام بإنشاء (المجلة المصرية) ومن بعدها جريدة (الجوائب المصرية) اليومية التي عمل فيها على مناصرة مصطفى كامل باشا في حركته الوطنية واستمر إصدارها أربع سنوات، وقام بترجمة عدة كتب.

وكتب في حينها قصائده الثائرة التي منها:

شرِّدُوا أَخْيَارَهَا بَحْراً وَبَرّا
إِنَّما الصَّالِحُ يَبْقَى صَالِحاً
كَسِّرُوا الأَقْلامَ هَلْ تَكْسِيرُهَا
قَطِّعُوا الأَيْديَ هَلْ تَقْطِيعُها
أَطْفِئُوا الأَعْيُنَ هَلْ إِطْفَاؤُهَا
أَخْمِدُوا الأَنْفَاسَ هَذَا جُهْدُكمْ
 

 

وَاقْتُلوا أَحْرَارهَا حُرّاً فَحُرَّا

آخِرَ الدَّهْرِ وَيَبْقَى الشَّرُّ شَرَّا
يَمْنَعُ الأَيْدي أَنْ تَنْقُشَ صَخْرَا؟
يَمنَعُ الأَعْيُنَ أَنْ تَنْظُرَ شَزْرَا؟
يَمْنَعُ الأَنْفَاسَ أَنْ تصْعَدَ زَفْرَا ؟
وَبِه مَنْجاتُنَا مِنْكُمْ فَشكْرَا
 

 

وخلال مدّة إقامته في مصر عهدت إليه وزارة المعارف المصرية بترجمة كناب الموجز في علم الاقتصاد مع الشاعر حافظ إبراهيم، وصدر له ديوان شعر مطبوع في أربعة أجزاء عام 1908، وعمل مطران على ترجمة مسرحيات شكسبير وغيرها من الأعمال الأجنبية،فكان له دور فعّال في النهوض بالمسرح القومي بمصر.

 بعض مزايا أسلوبه الشعري:

 عرف مطران واحداً من رواد حركة التجديد، وصاحب مدرسة فيالشعر والنثر، انماز أسلوبه الشعري بالصدق الوجداني والأصالة والرنّة الموسيقية، ومثلما يعدّ مطران من مجددي الشعر العربي الحديث، فهو أيضاً من مجددي النثر إذ أسهم في إخراجه من الأساليب الأدبية القديمة.([3])

 وبرغم محاكاة مطران في بداياته لشعراء عصره في أغراض الشعر الشائعة من مدح ورثاء، لكنه ما لبث أن أستقر على المدرسة الرومانسية التي تأثر فيها بثقافته الفرنسية، وبالجو الغربي الذي بُهر به، وقد عني زميلاه: شوقي بالموسيقى وحافظ باللفظ الرنّان، وعني مطران بالخيال، وأثّرت مدرسته الرومانسية الجديدة على كثير من الشعراء في عصره ومنهم إبراهيم ناجي وأبو شادي وشعراء المهجر وغيرهم.([4])

شهدت حياة مطران كثيراً من الأحداث السياسية والاجتماعية المهمة التي كان بالغ التأثر بها وعبّر عن كثير منها في قصائده، وعرف برقّة مشاعره وإحساسه العالي وهو ما انعكس على قصائده التي انمازت بنزعة إنسانية، وكان للطبيعة نصيب من شعره فعبّر عنها في كثير منه، وعني في شعره بالوصف، وقدم القصائد الرومانسية، ومن شعره الرومانسي قصيدةقالها معبراً عن حبه وكأنه يجيب على منيسأله عن محبوبته ومنها:

يَا مُنَى الْقَلْبِ وَنُورَ العَيْنِ مُذْ كُنْتُ وَكُنْتِ
لَمْ أَشَأْ أَنْ يَعْلَمَ النَّاسُ بِمَا صُنْتُ وَصُنْتِ
وَلِمَا حَاذَرْتُ مِنْ فِطْنَتِهِمْ فِينَا فَطِنْتِ
إِنَّ لَيْلاَيَ وَهِنْدِي وَسُعَادِي مَنْ ظَنَنْتِ
تَكْثُرُ الأَسْمَاءُ لَكِنَّ المُسَمَّى هُوَ أَنْتِ ([5])
 

 

واهتمّ مطران بالشعر القصصي والتصويري الذي تمكن من التعبيرفيه عن التاريخ والحياة الاجتماعية التي يعيشها الناس، فاستعان بقصص التاريخ وقام بعرض أحداثها من خلال خياله الخاص، الذي كان يمضي به بعيداً ليخضع تلك الأحداث للفكرة التي يريد إبرازها، فضلاًعن تعبيره عن الحياة الاجتماعية، وكان مطران متفوقاً في هذا النوع من الشعر على غيره، بل انه بزّ غيره من شعراء عصره في توظيف القصص التاريخيفي شعره،فكان يصوّر الحياة البشرية من خلال خياله الخاص مراعياًعرض جميع أجزاء القصة، ومثال على ذلكقصيدة (بزرجمهر) التي منها:

سَجَدُوا لِكِسْرَى إِذْ بَدَا إِجْلاَلاَ
يَا أُمَّةَ الْفُرْسِ الْعَرِيقَةَ فِي الْعُلَى
كنْتُمْ كِبَاراً فِي الْحُرُوبِ أَعِزَّةً
عُبَّاد كِسْرَى مانِحِيهِ نُفُوسَكُمْ
تَسْتَقْبِلونَ نِعَالَهُ بِوُجَوهِكُمْ
 

أَلتِّبْرُ كِسْرَى وَحْدَهَ فِي فَا
شَرُّ الْعِيَالِ عَلَيْهِمُ وَأَعَقُّهُمْ
إِنْ يُؤْتِهِمْ فَضلاً يَمُنَّ وِإِنْ يَرُمْ
 

 

كَسُجُودِهِمْ لِلشَّمْسِ إِذْ تَتَلاَلاَ
مَإذَا أَحَالَ بِكِ الأسُوُدَ سِخَالاَ
وَالْيوْمَ بِتُّمْ صَاغِرِينَ ضِئَالاَ
وَرِقَابكُمْ وَالعِرْضَ وَالأَمْوَالاَ
وَتُعَفِّرُونَ أَذِلَّةً أَوْكَالاَ
رِسٍ وَيَعُدُّ أُمَّةَ فَارِسٍ أَرْذَالاَ
لَهُمُ وَيَزَعُمُهُمْ عَلَيْهِ عِيَالاَ
ثَأَراً يُبِدْهُمْ بِالْعَدُوِّ قِتَالاَ([6])
 

 

كذلك تفوق مطران على كل من حافظ إبراهيم وأحمد شوقي في قصائده الاجتماعية التي تناول فيها كثيراً من المواضيع، محارباً فيها الفساد الاجتماعي والخُلُقي.

ممّا قيل عنه:

1. يرى الدكتور ميشال جحا الأديب اللبناني،الذي قام بنشر دراسة عن خليل مطران، أن شوقي وحافظ ومطران يمثلون الثالوث الشعري المعاصر الذي يذكّرنا بالثالوث (الأموي): الأخطل وجرير والفرزدق الذي سبقه بأكثر من اثني عشر قرناً من الزمن، وقد عاش هؤلاء الشعراء في حقبة متقاربة، ونظموا في كثير من الأحيان الشعر في مناسبات واحدة، إنما خليل مطران يبقى رائد الشعر الحديث.
 وقال الباحث اللبناني قاسم محمد عثمان ان ما صنعه خليل مطران في الأدب لم يصنعه أدباء عصره.

 وقال عنه الشاعر صالح جودت "أنه اصدق شعراء العرب تمثيلاً للقومية العربية" ([7]).

وعبر طه حسين عن رأيه في شعر مطران وهو يخاطبه في حفل تكريمه قائلاً "إنك زعيم الشعر العربي المعاصر، وأستاذ الشعراء العرب المعاصرين، وأنت حميت حافظاً من أن يسرف في المحافظة حتى يصبح شعره كحديث النائمين، وأنت حميت شوقي من أن يسرف في التجديد حتى يصبح شعره كهذيان المحمومين" ([8]).

وقال عنه الشاعرالعراقي فالح الحجية الكيلاني في موقعه إسلام سيفلايزيشن –الشعراء: "عرف مطران كواحد[ واحداً] من رواد حركة التجديد، وصاحب مدرسة متجددة في الشعر والنثر، وتميّز[وانماز] أسلوبه الشعري بالصدق الوجداني الحيّ والأصالة العربية والنغمة الموسيقية، ويعدّ مطران من مجددي الشعر العربي الحديث، ومن مجددي النثر إذ أخرجه

وقال عنه محمد حسين هيكل:"عاش مطران للحاضر في الحاضر وجذب جيله ليجعله حاضراً كذلك، فشعره وأسلوبه وتفكيره كلها حياة جلّت فيها الذكرى وعظمت فيها الحيوية، ولهذا تراهم حين يتحدثون عن مطران يتحدثون عن الشعر والتجديد فيه" ([9]).

ومن أشهر قصائده:

المساء، موت عزيز، الأسد الباكي، وفاء، الجنين الشهيد، المنتحر، الطفل الظاهر، نيرون، فتاة الجبل الأسود، شيخ أثينة، بين القلب والدمع، الزنبقة وغيرها، وهناك كثير من القصائد المميّزة لمطران.([10])

 نماذج من شعره:

1.

إِنْ كانَ صَبرِي قَلِيلاً فَإِنَّ وَجْدِي كَثِيرُ
يا بدْرُ سُمِّيت بدْراً وَأَيْنَ مِنْكَ البُدُورُ
أَيْنَ الصَّبَاحَةُ فِيهِ وَأَيْنَ مِنْهُ الشُّعُورُ
لمْ أَنْسَ حِينَ التَقيْنَا وَالرَّوْضُ زاهٍ نَضِيرُ
نَشْكو الغَرَامَ دِعَأباً وَرُبَّ شَاكِ شَكُورُ
 

 

لَيْسَ المُحِبُّ صَدُوقاً فِي الحُبِّ وَهْوَ صَبُورُ
أَيْنَ الجَمَادُ مُنِيراً مِنْ ذِي حَيَاةٍ يُنِيرُ
أَيْنَ السَّنَا وَهْوَ شَيْبٌ مِنَ الصِّبَا وَهْوَ نُورُ
إِذِ الْعُيون نِيَامٌ وَاللَّيْلُ رَاءٍ حَسِيرُ
وَفِي الهَوَاءِ حَنِينٌ مِنَ الهَوَى وَزَفِيرُ
 

 

 

2.تعد قصيدة "المساء" من أشهر قصائد مطران قال فيها:

داءٌ ألَمَّ فَخِلْتُ فِيهِ شَفَائِي
يَا لَلضَّعِيفَيْنِ اسْتَبَدَّا بِي وَمَا

قَلْبٌ أَذَابَتْهُ الصَّبَابَةُ وَالْجَوَى
وَالرُّوْحُ بيْنَهُمَا نَسِيمُ تَنَهُّدٍ
وَالعَقْلُ كَالمِصْبَاحِ يَغْشَى نورَهُ
هَذَا الَّذِي أَبْقَيْتِهِ يَا مُنْيَتِي
عُمْرَيْنِ فِيكِ أَضَعْتُ لَوْأَنْصَفْتِنِي
عُمْرُ الْفَتَى الْفَانِي وَعُمْرُ مُخَلَّدٍ
 

 

مِنْ صَبْوَتِي فَتَضَاعَفَتْ بُرَحَائِي
فِي الظُّلْمِ مِثْلُ تَحَكُّمِ الضُّعَفَاءِ
وَغُلاَلَةٌ رَثَّتْ مِنِ الأَدْوَاءِ
فِي حَالَيَ التَّصْوِيبِ وَ الصُّعَدَاءِ
كَدَرِي وَيُضْعِفُهُ نُضُوبُ دِمَائِي
مِنْ أَضْلُعِي وَحُشاشَتِي وَذَكَائِي
لمْ يَجْدُرَا بِتَأَسُّفِي وَبُكَائِي
بِبيَانِهِ لَوْلاَكِ في الأَحْياءِ
 

 

 

ويسترسل في القصيدة نفسها مدمجاً عواطفه في الطبيعة فيقول:

 

 

إِنِّي أَقَمْتُ عَلى التَّعِلَّةِ بِالمُنَى
إِنْ يَشْفِ هَذَا الْجِسْمَ طِيبُ هَوَا
أَوْيُمْسِكِ الْحَوْبَاءَ حُسْنُ مُقَامِهَا
عَبَثٌ طَوَافِي فِي الْبِلاَدِ وَعِلَّةٌ
مُتَفَرِّدٌ بِصَبَابَتِي مُتَفَرِّد بِكَآ
شاكٍ إِلى البَحْرِ اضْطَرابَ خَوَا
ثاوٍعَلَى صَخْرٍ أَصَمَّ وَلَيْتَ لِي
يَنْتَابُهَا مَوْجٌ كَمَوْجِ مَكَارِهِي
وَالبَحْرُ خَفَّاقُ الْجَوَانِبِ ضَائِقٌ
تَغْشَى الْبَريَّةَ كُدْرَةٌ وَكَأَنَهَا
وَالأُفْقُ مُعْتَكِرٌ قَرِيحٌ جَفْنُهُ
يا لَلْغُرُوبِ وَمَا بِهِ مِنْ عِبْـ
أَوَلَيْسَ نَزْعاً لِلنَّهَارِوَصَرْعَةً
أَوَلَيْسَ طَمْساً لِلْيَقِينِ وَمَبْـ
أَوَلَيْسَ مَحْواً لِلْوُجُودِ إِلى مَـ
 

 

فِي غُرْبَةٍ قَالوا تَكُونُ دَوَائِي
ئِهَا أَيُلَطِّفُ النِّيرَانَ طِيبُ هَوَاءِ
هَلْ مَسْكَةٌ فِي البُعْدِ للْحَوْبَاءِ ([11])
فِي عِلَّةٍ مَنْفَايَ لاِسْتشْفَاءِ
بَتِي مُتَفَرِّدٌ بَعَنَائِي
طِرِي فَيُجِيبُنِي بِرِيَاحِهِ الهَوْجَاءِ
قَلْباً كَهَذِي الصَّخْرَةِ الصَّمَّاءِ
وَيَفُتُّهَا كَالسُّقْمِ فِي أَعْضَائِي
كَمَداً كصَدْرِي سَاعَةَ الإِمْسَاءِ
صَعِدَتْ إِلى عَيْنَيَّ مِنْ أَحْشَائي
يُغْضِي عَلَى الْغَمَرَاتِ وَالأَقْذَاءِ
ـرَةٍ للِمْسْتَهَامِ وَعِبْرَةٍ لِلرَّائي
لِلشَّمْسِ بَيْنَ مَآتِمِ الأَضْوَاءِ
ـعَثاً للِشَّكِّ بَينَ غَلاَئِلِ الظَّلْمَاءِ
ـدىً وَإبَادَةً لِمَعَالِمِ الأَشْيَاءِ..([12])
 

 

وقدّم مطران للمكتبة العربية كتباً: من ينابيع الحكمة والأمثال، ديوان الخليل، إلى الشباب، والعديد من المترجمات لكل من شكسبير، وفيكتور هوجو.

 ومجمل ما تقدم ان من يحاول أن يتكلم على خليل مطران يحار في أمره. فهذا الرجل الذي قيل فيه كثير ويمكن ان يقال فيه كثير أيضاً سيظل موضوعاً غنياً متعدد الجوانب لمن يريد أن يقول...

لقد كتب في شعره وسيرته أكثر من كتاب، ودرس جوانب من إبداعه، وترجماته أكثر من دارس وباحث ولم يوفّه أحد كامل ما يستحق- وهل تحل الدراسات محل الإبداع- ومع ذلك ففي التقديم للقصيدة موضوع البحث عليَّ أن أقول وأوجز.. وهل يمكن أن يختصر من اختصر عصره؟.

ومن الإجحاف أن يدرس جانب واحد من جوانب شخصيته وإبداعه بمعزل عن الجوانب الأخر، ففي سيرة هذا الشاعر وإبداعه تتجلى وحدة الشخصية ووحدة الموقف السلوكي والفني في صورتها المثلى.. وقليلة هي الشخصيات التي تمثلت فيها هذه السمات بين من وصلتنا أخبارهم من المبدعين.

وإذا كان ماكتبه أحمد فارس الشدياق ردّاً على من قال للعرب: "خذوا لغتكم من أعجمي" فإن شعر خليل مطران ردٌّ على الذين زعموا أن التجديد لم يأت الشعر العربي إلا على أيدي الأجانب.

 أجل، إن شعر خليل مطران خطوة كبيرة على طريق تجديد الشعر العربي ومنعطف جليل الخطر نحو العصر والحداثة.

يسميه طه حسين "زعيم الشعر العربي المعاصر وأستاذ الشعراء العرب المعاصرين" ويخاطبه قائلاً: "فأنت علمت المقلّدين كيف يرتقون بتقليدهم عن إفناء النفس فيمن يقلدون وأنت قد علّمت المجدّدين كيف ينزّهون أنفسهم عن الغلو الذي يجعل تجديدهم عبثاً وابتكارهم هباء. وأنت قد علمت أولئك وهؤلاء أن الفن حرّ لايعرف الرقّ، كريم لايحب الذلّ، نشيط لايحب الجمود، أبيّ لاينقاد للمحافظة إلى غير حدّ، ولا ينقاد للتجديد في غير احتياط ([13]).

ويقول مارون عبود: "الشاعر العظيم خليل مطران الذي أعدُّه كما عدَّ القدماء بشار بن برد، جسراً عظيماً يصل القديم بالحديث. فمطران مجدد في تصوره وتفكيره وخطته الشعرية. تلد مخيلته الصور الرائعة الطريفة التي قلّما خلت منها قصيدة من روائعه المشهورة... ولمطران أيد بيضاء على الشعر وتجديده بل على النثر أيضاً وخصوصاً المترجم منه. فقد عمل الرجل كثيراً وأفاد كثيراً. وصلى خلفه في هيكل الشعر خلق كثير. فهو، حقاً، فجر مدرسة جديدة". ([14])

إن عرض ماقيل فيه من آراء متفاوتة والتعليق عليها يأخذ من الباحث صفحات كثيرة، وما يهمنا ماله علاقة بالقصيدة التي هي موضوع البحث وما يلقي ضوءاً على الأفكار التي وردت فيها، ونعرض الأهم... فمما يعرف عن مطران انه درس النحو على الشيخ خليل اليازجي والبيان والأدب على الشيخ إبراهيم اليازجي ودرس الفرنسية على أستاذ افرنسي متمكن. وكان الشيخ ابراهيم يشده نحو الأدب العربي ويدفعه رشيد مطران على التوجه نحو أدب الغرب. ولكنه اتبع طريقه الخاص وفقاً لروح العصر.

نظم قصائد ضد الاستبداد وضد جور السلطان عبد الحميد فأُوْقف وحُقِّق معه. وعاد ذات ليلة إلى غرفته ليجد فراشه مثقوباً بالرصاص. لقد حاول جواسيس السلطان التخلص منه. وخاف أهلُه فسافر إلى باريس. فهناك يكون في مأمن ويستطيع متابعة الدراسة. واتّصل في باريس بقادة تركيا الفتاة ولكن جواسيس السلطان كانوا هناك أيضاً، فراح يدرس اللغة الإسبانية استعداداً للهجرة إلى أمريكا اللاتينية.. وصار يتقن أربع لغات: العربية والتركية والفرنسية والإسبانية. ولكنه ذهب إلى الاسكندرية لمتابعة النضال هناك بدلاً من كسب المال والرفاه في تشيلي... وكانت مصر حينذاك واحة للأحرار والمناضلين.

عمل محرراً في الأهرام ومراسلاً لها ثم أنشأ مجلة فصحيفة يومية. ولكن حادثاً طريفاً يدل على رهافة حسّه وأنفته جعله يترك الصحافة ويعمل في الشؤون المالية، وفي عام 1912 أضاع في صفقة واحدة كل مايملك. وكانت الصدمة قاسية عليه.

وعين سكرتيراً مساعداً للجمعية الزراعية الخديوية فراح يكتب في الاقتصاد وأظهر براعة في الشؤون الاقتصادية. ثم بدأ يترجم للمسرح.

لاقى خليل مطران كثيراً من التكريم في حياته التي انطفأت شعلتها في أول تموز عام 1949.

جمع ذهن خليل مطران بين قوة الخيال والواقعية الصارمة فجاء شعره محكم السبك لايستسلم للمتلقي من غير مشقة، فهو بحاجة إلى أكثر من قراءة مستأنية. وقد أمدّته ثقافته الواسعة بكثير مما يحتاج إليه الشاعر الكبير والإنساني الكبير والثائر.

في شعر خليل مطران قوة عجيبة وفيه سلاسة وعذوبة مدهشتان. فمن القوة والجزالة ومتانة الأسلوب ومن الرقة المتناهية والعذوبة الفائقة يرسم خليل مطران لوحات شعرية قل نظيرها في شعرنا العربي ويقيم أسساً راسخة لشعر ملحمي متين ويكتب قصائدَ فيها القصة المعبّرة.

قال خليل مطران: "أريد أن يكون شعرنا مرآة صادقة لعصرنا في مختلف أنواع رقيِّه. أريد- كما تغير كل شيء في الدنيا- أن يتغير شعرنا، مع بقائه شرقياً، مع بقائه عربياً، مع بقائه مصرياً، وهذا ليس بإعجاز". ([15])

ويقول في حديث إلى "الهلال" عام 1928: "لم يقولوا عني إني قديم والواقع أني أجرأ من حافظ وشوقي على التجديد ولكنّي مع ذلك لم أجدّد شيئاً عظيماً"ولعل في هذا الكلام شئ من اتلتواضع الذي يعرف به أصحاب الأعمال العطيمة.

أكثر الذين درسوا شعره يؤكدون أنه كان قادراً على أن يجدّد أكثر مما فعل.. وقد يكون الشاعر أفضل من ينقد شعره.. وهذا رأي خليل مطران:

"إني لمّا رأيت الشعر لايزال على ماكان عليه من أقدم زمانه، لم يتجدد ولم يتطور، بل نأخذ القديم وننشئ الجديد على طرازه وإذا أدخلنا عليه إيحاءات العصر جاءت متكلفة، قلت إن التجديد يجب أن يشمل الأساس، وكان أمامي صعوبات شتّى لبلوغ هذه الغاية ولكني اعتزمت اقتحامها في شيء من المداورة يساعد طبعي عليه، رأيت المداورة خيراً من المباشرة في تحريك شيء تركّز جداً في نفوس الناس وعقائدهم، فمصادمته لاتقنعهم وقد تصرفهم عن الشيء الجديد، أما إذا صدمته من جانب وتركته من جانب فقد تقنعهم ولا تنفرهم. وهكذا أحببت إن يبقى الشعر كما كان من ناحية البحور والروي والأساليب التي أحَبَّها الناس من جهة معرفة اللغة بحق، وأن أُدخل مقابل ذلك الوحدة على القصيدة بدلاً من أن تكون قصيدة متناكرة بأجزائها كل بيت منها لمعنى أو لغاية. قلت لنفسي سأتعب من ناحية الشكل وألتزم القيود المعروفة، أما من هذه الناحية فسأسير وسيساعد الزمن على تحقيق ما أبغيه" ([16]).

قد لايُرضي المتحمسين مثل هذا القول، ولكنه يدل على مدى معرفة الرجل بعلم نفس الجماعة، وعلى مدى حرصه على أن يفهمه أبناء جيله كي ينهض منهم من يعمل على إكمال الرسالة التجديدية. وكان لخليل مطران ماأراد فلم يذهب تجديده صرخة في واد بل "وصلّى خلفه في هيكل الشعر خلق كثير".

لقد جدد خليل مطران "كل شيء ماعدا الأوزان، ولعله لم يكن لأحد سواه ماكان له من أثر على تطور الشعر العربي المعاصر.

يقول الدكتور محمد مندور: "كان هناك عملاق لم يهاجمه أصحاب الديوان لأنه لم يكن من دعاة الشعر التقليدي، ولكنهم مع ذلك لم يحتضنوه، ولا اعترفوا بأستاذيته وتجديده وتطعيمه الشعر العربي بأصول واتجاهات الشعر الغربي وخروجه بالشعر من الذاتية إلى الموضوعية وتطويع قوالبه وأوزانه للشعر القصصي والتصوير الدرامي. وهذا العملاق العظيم هو خليل مطران...ومع ذلك، فإن عبقرية مطران لم يتبدد أريجها سدى، بل لعل تلك العبقرية هي التي كانت نقطة البدء في تطور الشعر العربي الحديث، وتنوع فنونه وتجديد معانيه واتجاهاته، وذلك على عكس جماعة الديوان التي ربما أن تأثيرها في النقد، بل وفي الهدم، أكبر من تأثيرها في الإنشاء والتوجيه والإنتاج وتشجيع الشعراء الناشئين والحنوّ عليهم ودفعهم نحو الابتكار والتحمس للشعر والإيمان به". ([17]).

وكان خليل مطران يؤمن بأن المستقبل لطريقته في الشعر. يقول في مقدمة ديوانه: "على أنني أُصرح غير هائب، إن شعر هذه الطريقة - ولا أعني منظوماتي الضعيفة- هو شعر المستقبل لأنه شعر الحياة والحقيقة والخيال جميعاً".

أما أحمد زكي أبو شادي فيرى: "إن مطران جاء بمذهب الحرية الفنية الصحيحة التي تحترم شخصية الفنان واستقلال الفن عن الصناعة والبهارج والأناقة الزخرفية وكل مايفرض العبودية على الفن والفنان من ألفاظ وقيود إتباعية لايحتمها الجمال المطبوع وأصالة الفن. دعّم مطران وحدة القصيدة وشخصية الفنان وعزز رسالته كما تدعم الديمقراطية حقوق الإنسان، وفتح له باب الحياة على مصراعيه. كما أفسح له آفاق الخيال، وأبرز له كل شيء في هذا الوجود، صغيراً كان أم كبيراً، كموضوع شعري خليق بعنايته وأهل للتناول الفني إذا مااستطاع الشاعر أن يتجاوب معه، وحبب إليه الموضوعات الإنسانية بدل الاقتصار على العواطف الذاتية فحسب، وأقنع شعراء مدرسته بأن على كل منهم رسالة مثالية لابد له من أدائها، وليست وظيفة الشاعر أن يكون نظاماً لغوياً أو بين المرتلين الانتهازيين، بل عليه أن يكون بين زعماء الفكر ورسل الوجدان ودعاة الإصلاح وأعلام الإيمان لجيلهم ولما بَعْد جيلِهم وأن يجمع بين كل القيم التي تؤهل الزعامة الروحية العقلية التي تزاوج مابين أحلام الفنان وحكمة الفيلسوف الواقعي" ([18]).

وفاته: توفي مطران بالقاهرة في الأول من يونيو عام 1949م بعد أن اشتد عليه المرض، لتشهد مصر وفاته كما شهدت انطلاقته الأدبية.

ولجهوده الأدبية المميزة قامت الحكومة المصرية بعقد مهرجان لتكريمه لمناسبة اليوبيل الذهبي في القاهرة في 29/آذار/1947 (أي في حياته) حضره جمع كبير من الأدباء والمفكرين ومن بينهم الأديب الكبير طه حسين، ومثّل العراق في ذلك المهرجان الدكتور عبد الرزاق محيي الدينالذي ألقى قصيدة نالت الإستحسان في المهرجان وكان لها صدى كبير في الصحف المصرية التي اهتمت بالمهرجان ولمناسبة عمليهذه الأيام في جمع ديوان الدكتور وشرحه،أثبت هنا هذه القصيدة مع شرحها،وقد نَشَرَتْها في حينه معظم الصحافة العربية:

_ مجلة العالم العربي بقلم الأديب المصري سيد قطب في الشهر نفسه.

_ مجلة الرسالة بقلم الاستاذ علي متولي صلاح في العدد 719 في 24/نيسان/1947

_ جريدة البلاد العراقية بقلم الناقد المعروف حسين مروة في العدد 3056 في 18/نيسان/1947.

_ جريدة الهاتف النجفية مقتبسةً ما نوّهت به الصحافة المصرية في العدد455

_ مجلة الإعتدال النجفية في تلك الحقبة

_ نشرت في كتاب (الكتاب الذهبي لمهرجان مطران) ص 56

_ نشرت في كتاب (شعراء معاصرون) الجزء الثاني.

_ نشرت في (شعراء الغري) الجزء 5 ص 385([19])

القصيدة:

سل عن الشاعر

سل عن الشاعر أو خذه مثالا
تلتقي الآفاق في أبعادهوه
ضلّت الألباب عن إدراكه
ليس تدري أيّةٌ تنسبه
وبماذا تتحاشى شرّه
فَلْتُقمْ للشعر يوماً جامعاً
ولْيَنُبْ عن كلّ قطرٍ شاعرٌ
 

 

تُغْنَ عن شعبٍ جواباً وسؤالا
و دون العين مرأى ومنالا
ومضت تخبطُ رُشْداً وضلالا
أمِلاكٌ حطّ أم جنٌّ تعالى
وترجّي الخيرَ منه والنوالا
وَلْتبالغ فيه سَوْماً واحتفالا
عَرَفَ الفَضل لأهليه فقالا
 

 

***

يافتى الشِّعرِ على شيخوخةٍ
ما الثمانون وقد بُلِّغْتَها
الغواني البيض ما زلت لها
والمعاني العُصْمُ ما زلت لها
تتحدّى السربَ في شاهقةٍ
وتعاف الماء إلاّ مورداً
 

 

عمّمت فودَيك شيباً والقذالا([20])
أورثتْ روحَكَ وهْناً أو كلالا
فاتناً توليك حبّاً ووصلالا
أكثرَ النَّأس اقتناصاً واعتقالا
وتعاف السهْلَ للنّاس مجالا
ظنّه الظمآن بعد الجهد آلا ([21])
 

 

***

شاعر القطرين بُلِّغْتَ المنى
ولساناً تفخرُ الفصحى به
هل لدى قلبك من عهد الصِّبا
وخمار الكأس هل يعتاده
وهل الأشباح من ليل الكرى
ربّما أدلجت تحدوها عِجالا
أيّ دَرْبَيْك تشكّيت كلالا
 

 

عُمُراً يبقى ومجداً يتوالى
ما روت بيتاً وما خطَّت مقالا
خفقات تتقاضاها مِطالا
بعد صحوٍ ويمنِّه محالا
لم تعدْ تلقي على الضوء ظِلالا
ولقد أصحرْتَ فارتدّت ثقالا([22])
أيّ يوميك تُرى أهنأ بالا؟
 

 

***

قد صحِبْتَ الدّهرغرّاً سادراً
وحكيماً قابعاً في كهفه
فهل الكهف حمى ساكنه
 

 

ما وقى نفساً ولا خاف ابتذالا
ينشدُ السلْمَ ولا يبغي الصيالا([23])
سطْوة الشّيب وقد صال وجالا؟
 

 

***

شاعرالقطْرَين بوركت صباً
جئتَ والنهضةُ فينا طفلةٌ
وتباشير حياةٍ حرّةٍ
ورفاقٌ عدّ اخوان الصفا
كنتَ في القادة منهم فكرةً
 

 

وشباباً ومشيباً واكتهالا
بعد لمْ تبلغ فطاماً أو فصالا
شعّ قي الوادي سناها وتلالا
نفروا واستنفروا الناس عِجالا
ومن السّاقة إذ أعْيوا كلالا
 

 

***

مصلحٌ في غيردعوى مصلحٍ
يَهَبُ الأفكار لا مستجدياً
تَخذَ الفنَّ له آلهةً
 

 

ونبيٌ لم ْ يكلّفنا امتثالا
أن يقول النّاس قد أفتى وقالا
وحواري الفنّ أنصاراً وآلا ([24])
 

 

***

سل بيوت الفنّ مَنْ عمّرها
وبرود الشعر مَن جدّدها
 

 

وأشاع الخير فيها والجمالا؟
وارتدى منها قصاراً وطوالا ؟
 

 

***

وَرَدَ النّيلَ سحاباً فاستقى
كلّما مرّ على مجدبةٍ
 

 

وأتى الآفاق فانهلّ انهلالا
أَسْمَعَتْهُ مدحَ مصرٍ فأنالا ([25])
 

 

***

الشرح:

أشياء كثيرة تجمع بين عبد الرزاق محيي الدين وخليل مطران، وهذا ما جعل لشعره فيه كل هذه القوة، ولا شك في ان وحدة المشاعروصفائها هي ما أضفى على القصيدة طابع الصدق والتفاعل الذي يحسّه المتلقي عند أول وهلة في قراءته للقصيدة.

 فالقصيدة تكشف عن أكثر من اعجاب شاعر بشاعر يزجيه عبارات الثناء ويعدّد مآثره وصفاته، من دون أن يكون هناك تلاقٍ في الأفكار والرؤى تنبئ به ابيات هذه القصيدة التي استقبلت في حينها بكثير من الإطراء والإعجاب، وتحدثت عنها صحف مصرية كثيرة،نوه بها الشاعر في كتابه (الحالي والعاطل)حين ذكر انه أرسل مجموعة من الصحف التي نوهت بالقصيدة وأشارت الى مدى التأثر بها،الى أبيه في النجف الأشرف ,، مظهراً له ما وصل اليه من إعجاب وشهرة في مصر ابان دراسته فيها([26]).

 وما يجمع بين الشاعرين مطران ومحيي الدين أكثر من مجرد اعجاب بالشعر،وتفان فيه، والتفات الى نباهة في الذكر وصل اليها الاثنان بعد رحلتهما من الوطن الى مصر...ومن جملة ما يجمع بينهما دعوتهما الى التجديد في الشعر العربي ونبذ الأساليب القديمة للخروج به من قمقم القرون الطويلة الى دنيا المعاصرة والتحديث،وكان الدكتور الشاعرقد بدأ أولى قصائده على هذا الطريق،طريق التجديد والإبداع.

ومما يجمع بينهما وحدة الهدف والشعار الذي حملاه في دفاعهما عن الأمة العربية ممثلة في لغتها،وإيمانهما العميق بها،وقول (صالح جودت)في مطران الذي يشير فيه الى انه خير مدافع عن القومية العربية،يقابله ايمان الدكتور الشاعر بالقومية العربية والوحدة العربية الذي وسم قصائده من أولها الى آخرها.

 يقول مطران في قصيدة طويلة يستنهض بها الأمة:

صدقت في عينكم أو يصدق الشممُ
يا أمّتي حسبنا بالله سخريةً
هل مثل ما نتباكى عندنا حزَنٌ
يغشون بِكْر الروابي وهي ناهدةٌ
وربّما طرقوا الطود الوقور ضحىً
جندٌ من الجنّ مهما اجهدوا نشطوا
مهما تشنّعت الحرب الضروس لهم
وقد يكونون في بؤس وفي عطشٍ
الجوع قبّحَ من كفرٍ وإن ولدت
هو القويّ الذي لا يظفرون به
لا تتركوه يراديهم وقد قعدت
 

 

لا المجد دعوى ولا آياته كلمُ
هنا وممّا تقاضي أهلها الذممُ
وهل كما نتشاكى عندنا ألمُ
فتكتسيهم على عُرْيٍ وتحتشمُ
فهو الخليع يصاليهم ويغتلمُ
كأنما الوهي بالأعداء دونهمُ
أعارها ملمحاً للحسن حسنهمُ
فما يقي الغرماء الريّ والبشمُ
منه أعاجيبها الغارات والقحمُ
وهو الخفيّ الذي يغني ويهتضمُ
بلا قتال تلاشي بأسها البهمُ
 

 

ويخاطب قومه الثائرين فيقول:

كونوا الملائك لا جوع ولا ظمأ
أليس منكم أوان الكرّ كلّ فتى
صعب المراس على الآفاق يتعبها
يقول للعَلَمِالخفّاق في يده
يهوي وفي قلبه رؤيا تصاحبه
الموت ما لم يكن عقبى مجاهدة
بعض الثرى فيه آمال يُحَسّ لها
 

 

وليغلبنّ نظامَ الخَلْق صبرُكُمُ
يصول ما شاء في الدنيا ويحتكمُ
جَلْدٌ تقاذفه الأنوار والظُلَمُ
فيِّئ من الأرض ما تختار ياعَلَمُ
من آية الفتح حيث العمر يختتمُ
نومٌ تبالد حتى مابه حُلُمُ
ركزٌ ونبضٌ وفي بعض الثرى رممُ
 

 

ويقسم بكلّ الثائرين العرب فيقول:

تالله لو طار فوق النسر طائرهم
وسخّرت كلّ آيات الفناء لهمْ
من يملكوا نفس حرٍّ في طرابلس
يا أيها الوطن الداعي لنجدته
لقد شعرنا بما نالت جهالتنا
أموالنا لك وقفٌ والنفوس فدىً
 

 

وذُلّلتْ لهمُ الأبحارَ فُلْكهُمُ
حتى الجوارف والأرياح والرجمُ
ومن يضيموا سوى الأشلاء إن حكموا
لبّتك مصر ولبّى القدس والحَرَمُ
منّا وبالغ في تأديبنا الندَمُ
وعش ولا عاش في نعماك متّهمُ ([27])
 

 

هذا هو مطران...لذلك فان قصيدة الدكتور الشاعر في الإحتفاء به جاءت بهذه القوة والرصانة تترجم مشاعره نحو مطران بما يكشف عن وحدة الهدف هذه، ووحدة الطريق.

والذي يربط الدكتور الشاعر بمطران كثير منه:

- الفن الشعري: فكلاهما شاعر يعبر عن عواطفه وأفكاره بالشعروهي آصرة لا ضرورة للتوسع في الحديث عنها،واضحة التأثير،عميقة الدلالة.

-ايمانهما بأن التطور سنّة الحياة،وبأن أول شروط تحقق هذا التطور هي الحرية.

-استعدادهما للتضحية وبذل الغالي والرخيص من اجل المبادئ مهما صعبت الظروف،وتشهد حياتهما على ذلك.

1.بدأ الشاعر قصيدته بالحديث عن الشعر كما رآه دائماً: فناً سامياً لابد من ان يؤدي دوره في حياة الشعوب، فإن تقاعس عن أداء هذا الدور، عاد كلاماً لاقيمة له وقبلها كان الشاعر قد قال في احدى قصائده:

إذا الشعر لم يحدث بشعبك ثورةفتلك قوافٍ قد نُظِمْنَ وأوزانُ

هذا هو الشعر عند محيي الدين الذي جعله صوتاً يوقظ الشعوب،وهتافاً يعلو ليسمع كل الآذان، في حين لجأ مطران الى الأدب القصصي ليعبر عن آرائه فاختار قصصاً تراثية نطمهاشعراً، فقد آمن كلاهما بالدور المميّز للشاعر في ايقاظ وعي أمته، وفي تبني أهدافها وقضاياها.

2. وفي المقطع الثاني يشير الشاعر الى الشباب الدائم الذي تمتع به مطران وهو يخوض معاركه من أجل الأهداف التي آمن بها، فما زال مطران يتحدى السرب في شاهقة،ويعاف السهل للناس مجالا، فهو يرتاد الأبهاء العالية ليؤدي دوره في أمته موقظاً ومنبهاً ومشيراً الى السبيل اللاحب.

3. وما ناله (شاعر القطرين) من تكريم حريٌّ به،هو تكريم للموقف والمبدأ اللذين يشدو بهما الشعر، ومن دونهما يصبح خواءً لا طعم له ولا لون.فقد بلغ (شاعر القطرين) مناه حين أدى ما عليه لأمته، وكان لساناً تفخر به الفصحى وهي تروي أبياته شعراً أو تتلو ما كتب نثراً، وتذكره بما أدلج من أجله، وما أصحر، ثم يسائله:أي هذين الدارين كان يزيد من شكواك وأي يوميك كنت أهنأ بالاً ؟ ولا اخاله يجيب الا: اليوم.

4. فأنت صاحب الحكمة منذ بدايات عمرك، وكنت دائماً تنشد السلم لأنك تعرف ان بالسلم وحده يمكن للشعوب أن تبدع، فهل حماك ذلك الكهف الذي سكنت فيه من سطوة من صال وجال قريباً من محرابك ؟

5. وأنت وقد رافقت نهضة الأمة وكنت واحداً من دعاتها وحُداتها،فقد أسهمت في خلق تباشير ذلك الصبح الذي شعّ على الأمة،وأنار دياجير حياتها... وفي كلّ ذلك كنت القائد بفكرك، وكنت السائق عندما تعبوا من السرى، وكلّت رواحلهم..فلم تكلّ ولم تتراجع عن اندفاعك الذي ما زال فتى يبث النشاط ويدفع نحو العمل.

6. وكانت أفكارك أفكار مصلحين وأنبياء،لا يفرضون دعواهم على أحد، وانما يتركون لغيرهم حريّة الإختيار القائم على القناعة بالفكرة والإيمان بها، ثم التضحية من أجل هذا الأيمان وهذه الفكرة.

7. وهذه آثارك تدل عليك،في بيوت الفن وقد عمّرتها، وفي حركة الشعر وأنت تبث فيها حياة تجديد وإبداع.

8. وما كنت في كل ذلك الا وارداً لنيل مصر،لتنهل مع الآفاق ما وردت منه، ورائدك دائماً الشغف بمصر ونيلها، فكنت لا تمر موحية تتقرّب اليك بمدح مصر الاّ أنلتها من ينبوعك الثرّ وصيبك الملثّ رحمة وعطفاً وحناناً.وقد ردّد الدكتور الشاعر ذلك المعنى حين قال بعد أربعة عقود في آخر قصائده (مع الخالدين) التي حيى بها مجمع اللغة العربية في القاهرة بقوله في مصر:

ومصر ما مصرُ في دنيا عروبتنا
كُبْرى الشقائق أحناهُنَّ عاطفةُ
أعلت على قمم الأهرام قامتها
الفاطميّون أعلَوا من منائرها
ووسّعته بنو أيوب فاتسعتْ
فالوافدون سواء في كفالتهِ
وسوف تبقى ولا ردع يزعزعها
 

 

إلاّ الجنانُ وإلاّ موضعُ العصبِ
وسْطى الطرائق إن تخطئ وإن تُصِبِ
والأزهر الفذّ أسراها مع الشهُبِ
وأوصلوها لآل البيت في نسيبِ
للمسلمين حنايا صدره الرحبِ
كما تلاقى بنو العلاّت عند أبِ
عن السبيل ولا نزْعٌ لمنقلبِ ([28])
 

 

ان هذا الشاعر الفذ لم يحفز بشعره خيالنا على التحليق ليجاري خياله المحلق فحسب، بل هو يحفز أفكارنا ومشاعرنا الإنسانية ويهزنا بقوة كي نفتح أعيننا جيداً فنرى التاريخ والواقع على حقيقتهما، وهو لايصور لنا المستقبل بألوان زاهية بل يدعونا إلى التكاتف والعمل في سبيل بناء المستقبل.

نتائج البحث:

  1. معرفة ما يجمع بين الشاعرين،وهو ما أتاح للدكتور الشاعر أن يشير الى جوانب مهمة من شخصية الشاعر المحتفى به، واستطعنا تشخيصه من خلال استقراء حياة الشاعرَين، وتقارب الظروف التي مرّ بها كلاهما، فالشاعر المحتفى به عانى من سلطات العهود التي عاش فيها بسبب مبادئه، والدكتور الشاعر عانى بسبب مواقفه من سلطات النظام البائد في العراق، حتى بلغ الأمر به أن يضحي بحياته عام 1983 بسم دسه له الطاغية وأعوانه.([29])
  2. وعندما نقرأ شعره نكتشف إن هذا الشاعر الفذ لم يحفز بشعره خيالنا على التحليق ليجاري خياله المحلّق حسب، بل يحفز أفكارنا ومشاعرنا الإنسانية ويهزنا بقوة كي نفتح أعيننا جيداً فنرى التاريخ والواقع على حقيقتهما، وهو لايصور لنا المستقبل بألوان زاهية بل يدعونا إلى التكاتف والعمل في سبيل بناء المستقبل.
  3. ان الشعراء ذوي المبادئ يبقون على تمسكهم بالمبادئ التي يؤمنون بها، ولا تثنيهم عنها قوى الشر مهما بلغته من قوة وعنف.
  4. ان تطور الأدب العربي الحديثحصل نتيجة مواقف وعمل اولئك الروّاد الأوائل الذين نقطف اليوم ثمار جهودهم ومواقفهم.
  5. ان الأمم الحية تحتفي بروادها وتقيم المهرجانات لتكريمهم، وخير التكريم ما يقع في حياة الرائد والعَلَم لأنه سوف يكون أكثر تأثيراً.
  6. لا توجدحدود بين أبناء العربية،لغة القرآن الكريم، فشعراء وأدباء الأمة موحدون في همومهم كما هم موحدون في لغتهم،ولن تفلح كل جهود أعداء الأمة في النيل من وحدتهم هذه، وإذا عجز الساسة عن تجاوز خلافاتهم وأنانيتهم، فان الأدب يقدم لهم ميداناً رحباً للتوحد تعجز عن القضاء عليه كل قوى أعداء العربية والاسلام.
  7. في ظل تكالب أعداء الأمة من كل صوب عليها فنحن أحوج ما نكون الى إعادة تطعيم ذاكرة أبناء الأمة بروّاد أد\بها ولغتها، وسموهؤلاء على الخلافات الشخصية،من أجل احياء تراث الأمة العربي الاسلامي، ومطران وأمثاله خير مثال على ذلك... والحمد لله رب العالمين.legm lk v[hgih

المصادر:

الكتب:

1. أبو شادي وحركة التجديد في الشعر العربي الحديث، د. كمال نشأت، القاهرة، 1966

2. أدب الطبيعة، مصطفى عبد اللطيف السحرتي، القاهرة،1937

3.أعلام الأدب المعاصر في مصر/3،د. حمدي السكوت ود. مارسدن جونز، دار الكتاب المصري، القاهرة (د.ت).

4. جدد وقدماء، مارون عبود، دار المعارف، مصر، 2000م

5. الحالي والعاطل تتمة ملحق أمل الآمل، عبد الرزاق محيي الدين، مطبعة الآداب، النجف الأشرف، 1391ه/1971م

6. خليل مطران شاعر الأقطار العربية، جمال الدين الرمادي، القاهرة، 1970.

7. شعراء الغري، علي الخاقاني، المطبعة الحيدرية، النجف الأشرف،1374ه/1954م.

8. الشعر المصري بعد شوقي  محمد مندور، دار المعارف، مصر، 1973

9. ديوان الدكتور عبد الرزاق محيي الدين (مخطوط)، جمع د. محمد حسن محيي الدين، مكتبتي الخاصة. (وقد آثرت ان اعتمد الديوان المخطوط الذي جمعته على ما طبع في دار أسامة في الأردن لما في الأخير من أخطاء،وتدليس).

10. كتاب اليوبيل الذهبي لمهرجان مطران، وزارة الثقافة المصرية،1947

11. المجموعة الشعرية الكاملة لخليل مطران.

12. معجم رجال الفكر والأدب في النجف خلال ألف عام،الدكتور الشيخ محمد هادي الأميني،ط2 (د.مط) 1413ه/ 1992م.

المقالات:

13.خليل مطران، أحمد زكي أبو شادي، مجلة الأديب العدد 12 لسنة 1953.

14.خليل مطران، اسماعيل أدهم، ثلاث مقالات في ثلاث أعداد من مجلة المقتطف 3و4و5 لسنة 1939

15.معركة أبولو وعطارد،صالح جودت، مجلة الهلال ‘العدد10، لسنة 1970

16. مقابلة لخليل مطران مع مجلة الطريق المجلد 4 العدد 14

17.نشأة المذاهب الأدبية في الشعر العربي الحديث، طه الحاجري، المجلة،العدد 5، لسنة 1963

18. موقع إسلام سيفلايزيشن _ الشعراء، فالح الحجية الكيلاني.

ملخص البحث بالغة العربية:

في عام 1947م أقامت الحكومة المصرية مهرجاناً أدبياً لتكريم (شاعر القطرين) خليل مطران،ولعله المرة الفريدة التي يقام فيها مهرجان لأديب أو شاعر في حياته، وحضر الحفل الى جانب الشاعر المحتفى به مشاهير الأدباء والشعراء في تلك الآونة من مصر والأقطار العربية الأخر، وألقيت في المهرجان كلمات وقصائد لهؤلاء المشاركين في تكريم الشاعر،صدرت النصوص بعد ذلك في كتاب سمي (كتاب مهرجان مطران) طبع في مصر.

 والبحث يتناول احدى هذه القصائد التي ألقيت في المهرجان الذي مثل العراق فيه صاحب القصيدة المرحوم الدكتور عبد الرزاق محيي الدين،رئيس المجمع العلمي العراقي الأسيق، ويحلل البحث القصيدة ليشخص أمراً مهما وهو ان معظم الأفكار التي وردت فيها مما اتفق عليه المتكلمون وهي جماع الأفكار التي طرحها المشاركون في المهرجان،وهو ما يعني ان الشاعر استطاع ان يصف الشاعر المكرَّم وصفاً شاملاً وحقيقياً استوعب فيه شخصيته،واتفق فيه مع معظم هؤلاء المشاركين، فهل وراء ذلك ادراك ذكي لأبعاد شخصية مطران فقط؟ أم ان هناك أسباب أخر لذلك، هذا مما يحاول البحث الإجابة عليه في ثنياته.

وهذا الفهم لشخصية الشاعر المكرَّم لابد من أن يكون منطلقاً من مشاركة في الأفكار والمشاعر، والبحث يتناول هذه المشركات ويحاول تشخيصها.

 اما سبب تلقيب الشاعر خليل مطران ب(شاعر القطرين) فهو لأنه من أصل لبناني عاش معظم حياته في مصر، فقد جمع في شخصه قطرين من الأقطار العربية،وكان أدبه ملتصقاً بهموم هذين القطرين وأحوالهما،فقد ولد خليل مطران في بعلبك بلبنان في الأول من يوليو (تموز) عام 1872م وتوفي في القاهرة في الأول من يونيو (حزيران) عام 1949م وكان من روّاد النهضة الأدبية المعاصرة في الوطن العربي.

 

([1] ) أعلام الأدب المعاصر في مصر/3 ، د. حمدي السكوت ود.مارسدن جونز ، دار الكتاب المصري ، القاهرة (د.ت ) :44

(1)انظر: نشأة المذاهب الأدبية في الشعر العربي الحديث(مقال) طه الحاجري ، المجلة ، العدد5، لسنة 1963 .

(2)المجموعة الشعرية الكاملة لخليل مطران : 95

([3]) انظر: أبو شادي وحركة التجديد في الشعر العربي الحديث ، د. كمال نشأت ، القاهرة، 1966:.

293_301

([4] )أدب الطبيعة ، مصطفى عبد اللطيف السحرتي، مصر،1937 :113

([5] )المجموعة الشعرية الكاملة : 51

([6] ) المصدر نفسه : 243

([7] ) معركة أبوللو وعطارد (مقال) صالح جودت ، مجلة الهلال، العدد10 ،لسنة1970

([8])من كلمتهفي المهرجان

([9])في موقعه المشار اليه في الأنترنيت.

([10])انظر: خليل مطران ( مقال في ثلاث حلقات) اسماعيل أدهم ، مجلة المقتطف ،الأعداد: 3و4و5 لسنة 1939

([11]) الحوباء: الآثم

(12) المجموعة الشعرية الكاملة للشاعر خليل نطران:181

([13])الكتاب الذهبي لمهرجان مطران : 26

([14])جدد وقدماء، مارون عبود، دار المعارف ، مصر، 2000م ، 240

([15]) الكتاب الذهبي:267

([16]) مقابلة له مع مجلة الطريقالمجلد 4 العدد 14 ص 3

([17]) الشعر المصري بعد شوقي ، محمد مندور :121

([18]) مجلة الأديب العدد 12 لستة 1953 مقال أحمد زكي أبو شادي عن مطران : 3-4

([19]) انظر: ديباجة القصيد\ة في الديولن المخطوط ، وفيه ما جمعته من شعره وقد ضمّ (41) قصيدة في حين لم يحتو الديوان المطبوع سوى (38) قصيدة ،وتضمن أخطاءً كثيرة ،فضلاً عن دس أحد المحققَين اسم أبيه في المقدمة التي كتبعا الشاعر نفسه لديوانه ، وأعدتُ نشرها كاملةً في مقدمة شرح الديوان الذي هيّأته للطبع

 ([20])القذال: مؤخر الرأس

([21]) الآل (هنا): السراب

([22]) أدلج القوم : ساروا من أول الليل

([23]) الصيال : التنافس والتطاول في الصول

([24])الآل (هنا) بمعنى الأهل والعيال.

([25] )انظر الديوان المخطوط قصيدة 17

([26] ) الحالي والعاطل تتمة لملحق أمل الآمل ، عبد الرزاق محيي الدين ،مطبعة الآداب ،النجف الأشرف ،1391ه/1971م: 308-313 .

([27] )المجموعة الكاملة

([28] )  الديوان المخطوط ، قصيدة رقم (1) : مع الخالدين.

([29] ) معجم رجال الفكر والأدب في النجف خلال ألف عام ، الدكتور محمد هادي الأميني،ط2،د مط ،1413ه/1992م:3/1177