تصنیف البحث: الأدب العربي
من صفحة: 117
إلى صفحة: 129
النص الكامل للبحث: PDF icon 180420-214723.pdf
خلاصة البحث:

ان الدكتور شوقي ضيف من اكبر الناشطين  الذين عالجوا قضية التجديد في النحو العربي اذ كثرت الدعوات من الادباء الكبار كطه حسين بضرورة تجديد النحو العربي و تسهيله لما هو عليه من القدم و العسرة. و قد خطا شوقي ضيف في هذا المجال خطوات واسعة تستحق التبجيل و التجليل لكنه لم يستطيع ان يكون المجدد الناجح اذ بقيت محاولاته حبرا علي ورق و لم يكتَب لها النجاح . و السبب الرئيسي في هذا الاخفاق_ان صح التعبير_يرجع لصراع القديم و الجديد في ثقافة شوقي ضيف و تفكيره فقد يبدو جليا من كتبه تخبطه و حيرته في مدي  قبول او رفض كلاً من القديم و الجديد لتأسيس نحو عربي سهل و بسيط و تكريسه كنظام نحوي يلبي  حاجة الانسان العربي المعاصر مع المحافظة علي صحة اللغة العربية و فصاحتها.

البحث:

المقدمة

 هكذا جرت العادة ان يتحمل اصحاب الفكر الجديد -خاصة في مجال الثقافة و الادب – المصاعب و المتاعب من اجل تفهيم افكارهم الرائدة او او تكريسها في ذلك المجال. فقد روي لنا تاريخ الثقافة البشرية او آدابها و حتي في بعض الاحيان تاريخ علومها نماذج كثيرة من هذه الصراعات بين المجددين و انصار الفكر القديم. و قد يجَرُّ هذا الصراع من بين الاشخاص الي كيان الشخص- مجددا كان او من انصار القديم- اذ يشعر بالحاجة الماسّة للتغيير لكن لا يستطيع ان يقدر مدي رفضه او قبولة للجديد لتعارضه مع فكره القديم و ثقافته، او لانه يشعر بالخطر إزاء القديم و تقاليده. 

يمكن ان نشير الي محاولات شوقي ضيف التي كانت ترمي الي تجديد النحو كانت من هذا النوع اذ نري اشتباكه مع نفسه قبل ان يشتبك مع غيره في سبيل تفهيم آرائه و تطبيقه علي النحو العربي. هذا المقال يتطرق الي صراع شوقي مع نفسه في هذا السبيل و تصادم ميوله التجديدية مع ثقافته القديمة.

  انّ الدكتور شوقي ضيف كان من ابرز الكتاب المعاصرين علي الساحة الأدبية و اكثرهم نشاطاً. و قد عالج في كتاباته الكثير من مواضيع اللغة و الأدب، قد اشتهر اكثر ما اشتهر كناقد ادبي كان له دور بارز و فعّال في النقد الأدبي المعاصر.  لكن ذلك لم يمنع الدكتور شوقي ضيف من أن يخوض في دراسة النحو العربي لما كان عليه العرب آنذاك من انهماك في امر النهضة العلمية التي تتطلب الكثير من الاصلاحات و خاصة نحو اللغة العربية التي كان يعتمد عليها كأساس للنهضة .

و علي هذا الصعيد حاول الكثير من الأدبا و العلماء أن يساهموا مساهمة فعّالة في هذاالمجال فالفوا الكثير من الكتب الجديدة في النحو العربي مثل «النحو الواضح» لعلي الجارم و مصطفي امين اللذان حاولا أن يبسّطا قواعد النحو العربي تبسيطاً يتلائم مع روح الناشئة و الشباب و النظم التعليمية في العصر المعاصر. كما وضع مصطفي الغلاييني كتاب «جامع الدروس العربية» و كتب رفاعة الطهطاوي قبل ذلك كتاب «التحفةالمكتبية لتقريب اللغة العربية» و الّف حنفي ناصف كتاب «قواعداللغة العربية» و كتب ابراهيم مصطفي كتاب «احياء النحو» الذي يعَدُّ ثورة عارمة ضد النحو العربي و استمراراً مكملاً لنظريات ابن‌ مضاء القرطبي في كتاب «الرد علي النجاة» الذي حقّقه شوقي ضيف و دعا اليه و اعتمد في الكثير من آرائه عليه. كما انه ظهر هناك فريق يدعو الي ترك الاعراب و اتخاذ اللغة العامية لغة رسمية. (حسن،بلاتا، ص 267)

نشأة فكرة التجديد في النحو عند شوقي ضيف

 

ذكرنا انّ الجو كان مهيئاً لظهور نشاطات تحاول أن تسهّل النحو بل يستدعي أن يقرأ النحو قراءة جديدة و تَُنَسَّق ابوابه بصورة جديدة تتلاءَم مع‌الروح العصرية. وكان مجمع‌اللغة‌العربية في القاهرة علي اتم الاستعداد لمناقشة آخر الآراء والتطوّرات في مجال النحو الذي كان شغله الشاغل.

في هذه الأثناء عثرالدكتور شوقي ضيف علي نسخة مخطوطة من كتاب «الرد علي‌النحاة» لابن مضاء القرطبي في قائمة المكتبة التيمورية بدار الكتب المصرية. يثور ابن مضاء القرطبي في كتابه هذا علي نظرية العامل في النحو وما تستدعيه من مقدّرات في الكلام، ثورة عنيفة تحاول الي الغاء و هدم تلك النظرية هدماً كاملاً (ضيف،تحقيق كتاب الرد علي النحاة، ص 24) كما يلغي ابن مضاء العلل الثواني و الثوالث و يلغي القياس في النحو اذ مثلاً يعلل النحاة رفع الفعل المضارع لشبهه بالأسم (المصدرالسابق، ص 38ـ 37) او يعللون امراً نحويا لشباهته مع بعض الشواهد القديمة لديهم كما ان للنحاة احياناً ظواهر غيرمطردة و ذلك حين جعل بعضهم من تلك الظواهر قانوناً او معياراً صالحاً للقياس عليه (الجاسم، 2007م، ص 27) و يدعوا ايضاً الي الغاء التمارين غيرالعلمية التي وضعها النحاة للتدريب او مقارعة خصومهم في مجال النحو. (ضيف،  تحقيق كتاب الرد علي النحاة،ص43)

فأعجب الدكتور شوقي ضيف بما في هذا الكتاب من آراء خاصّة الغاء نظرية العامل، و حقّق الكتاب و طبعه فلقي ترحيباً واسعاً و اقرّت لجنه مجمع اللغة العربية بعضي جوانبه.

اذن انّ فكرة التجديد في النحو العربي عند شوقي ضيف كان مصدرها كتاب «الرد علي النحاة» لابن مضاء القرطبي الذي كان علي المذهب الظاهري في عهد الموحدين و اراد أن يهدم النحو لالذاته وانما كان يهدف الي هدمه باعتباره وسيلة لفهم الفقه المشرقي الذي اشترك هو في الثورة عليه. (الراجحي، 1975م، ص 171)لكنّ الدكتور شوقي ضيف بقي في هذه المرحلة داعياً الي افكار ابن القرطبي و ليس اكثر. انه لم يستطع أن يضيف اليها شيئاً جديداً لانّه لم يركز جهوده علي هذه المسالة بصورة تامة. رغم كل هذا كانت هذه المرحلة ذا اثر كبير علي نشاط المجددين في النحو و الداعين اليه اذ كانوا يرون اولاً الدكتور شوقي ضيف و الدكتور طه حسين الذي كان يمجد هذا الكتاب كثيرا و يطري عليه بالثناء (نفس المؤلف، 1975م، ص 172) وغيرهم من كبارالأدباء الي جنبهم و ثانياً ربحوا كتاب ابن القرطبي الذي يشتمل علي أسس و أصول موضوعية تجعلهم قادرين علي خوض هذه المعركة.

نقد لهذه المرحلة

إنها مرحلة مهمة جداً بالنسبة للمؤلف و مجددي النحو وتعتبر خطوة جديدة في تجديد النحو وإن كان ابن القرطبي من القدماء ، لكن احياء هذه الاراء بعد ان كانت قد اهملت و غُيبَت لعدة قرون كانت تحتاج الي شجاعة لا تقل عن شجاعة ابن القرطبي في فتح طريق جديدة لدراسة النحو العربي اذ طالما يعاني المجددون من عسف و جمود المتعصبين للقديم و المنتصرين له في كل المجالات. و قد بذل  المؤلف كثيراً من الجهد في خلال بحثه لاحياء في هذه الطرفة النفسية من طرف الفكر الأندليسي لكنّه لم يستطع أن يوسع نطاق هذه الآراء و لم يحاول أن يطبقها تطبيقاً جديدً في النحو، فاكتفي بالدعوة لآراء ابن القرطبي الذي هو بدوره كان ناجحا في هذا الآمر اذ انّ اساس نظريته في الغاء العامل يتعلق ببعض ملاحظات ابن جنّي في كتابه «الخصائص» حيث يقول: «اما في الحقيقة و محصول الحديث، فالعمل من الرفع و النصب و الجر و الجزم، إنما هو للمتكلم نفسه لا لشيئ غيره» (ضيف، تحقيق كتاب الرد علي النحاة ص 77)و استطاع أن يصنع ابن‌القرطبي من مثل هذه الجملة، نظريات و آراء شكلت أساس كتابه. لكن الدكتور شوقي ضيف توسع في فروع آراء ابن القرطبي بدل التوسع في أصلها اذ اخذ مثلاً بتنسيق ابواب النحو و حذف بعض ابوابه بردها الي غيرها والغاء الاعراب التقديري و غير ذلك من الأفكار التي سنشير اليها في محلها.

دراسة تاريخ النحو و مدارسه

 

رأينا انّ شوقي ضيف حاول أن يضع أصلاً هاماً للدراسات التي كانت تحاول أن تجدد في النحو العربي و كانت جادّة في عملها لهذا الغرض. انه رأي برأي العين أن تاريخ النحو العربي و مدارسه بحاجة ماسة الي دراسة جديدة. لانّه كما يقول بعض العلماء لايجوز أن نبدأ بوضع نحو جديد قبل أن نعرف النحو القديم و الأسس التي قام عليها و العوامل التي تأثّر بها و يجب علينا أن ندرس الأسس و المحاور التي قام عليها (المبارك، 1981. م، ص 4) فانّ النحو العربي اتخذ في صياغته نزعة منطقية متأثرة بمنطق ارسطاليس الذي قد غزي الفكر الاسلامي . (نفس‌المؤلف، 1981، ص 73) و قد صبّ النحاة جهودهم علي البحث وراء العامل دون أن يهتمّوا بتركيب الجمل و ترابط المعاني فيها (الوردي، ص 144) حتي اصبح النحو العربي يشبه الفلسفة في أن لكل معلول علة. و ان النحويين تجاوزوا كل هذا في تدوينهم للنحو حتي وصل بهم الأمر أن تشبّثوا بأبيات و أقوال مجهولة النسبة او موضوعة (مجاهد، 2006، ص 87) .

إن تأثّر العرب بالأجانب لايتخص بالنحو فقط اذنري هذا التأثير ايضاً في وضعهم لقواعد البلاغة و تدوين اصولها و توسعها خاصّة الفكر اليوناني و الايراني (ضيف، البلاغة، تطور و تاريخ، ص 39 ـ 38) . و لهذا يجب علي المجددين في النحو أن يعرفوا تاريخه و كيفية تدوينه و تطورها.

الا اننا في هذه المرحلة نجد شوقي ضيف منحازا للقديم و منتصرا له و ينظر الي النحو العربي بتقديس و خاصة نظرية العامل التي حاربها عند تحقيقه لكتاب «الرد علي النحاة» لابن مضاء القرطبي عام 1947 .م الذي اعدّه المؤلف بداية جديدة لتفكيره في تجديد النحو مراراً في مقدمات كتبه النحوية.

و نري شوقي ضيف ينقض اصول كتاب «الرد علي النحاة» و يناقض نفسَهُ التي اخذت تفكر في تجديدالنحو منذ تحقيق هذا الكتاب (ضيف، تجديدالنحو، ص 5) حيث يكتب كتابه «المدارس النحوية» الذي يقول في مقدمته «و قد ذهبتُ الي أن الخليل بن احمد الفراهيدي هو المؤسس الحقيقي لمدرسة البصرة او لعلم النحو بمعناه الدقيق، و صوّرتُ في تضاعيف ذلك إقامته لصرح النحو بكل ما يتصل به من نظرية العوامل و المعمولات و بكل ما يسنده من سماع و تعليل و قياس سديد، مع بيان ما امتازَ به من علمٍ بأسرار العربية و تذوّق لخصائصها التركيبّة».

و خلفه علي تراثه تلميذه سيبويه الذي تمثّل آراءه النحوية تمثّلاً غريباً رائعاً، نافذاً منها الي ما لا يكاد يحصي من الآراء فاذا هو يسوّي من ذلك «الكتاب» آيته الكبري (ضيف، المدارس النحوية، ص 16) ونراه هنا يمدح فطنة الخليل و سيبويه في وضع قواعد اللغة العربية حسب نظرية العامل و القياس و غيرها من الأصول التي كان يحاول أن يطردها من النحو العربي. و يصور من نفسه شخصاً متعصباً علي القديم بكل ما فيه من عيوب. كما انه يمدح العقل البصري و دقته وعمقه لاتصاله بالثقافات الأجنبية و بالفكر اليوناني و ما وضعه ارسطاليس من المنطق و حدوده و اقيسته، (ضيف، المدارس النحوية، ص 21) و بذلك قد مدح مرة أخري نظرية العامل و ما تسبّبه من بناء صعب للنحو العربي.

الا إنّه أن نقول الحق، و الحق يقال انّ شوقي ضيف في مقدمته لهذا الكتاب يقول: «و لم اتابع الجهود الخصبة التي بُذلت في عصرنا لتجديد النحو و تيسيره، لانّه انما قصد بها الي غاليات تربوية في تعليم الناشئة و هي حرية بكتابٍ مستقل» (ضيف، نفس المصدر، ص 8) و ليست هذه كل الحقيقة فإنه قد يئس من التجديد في النحو لانه في بداية الأمر حاول أن يزيح نظرية العامل من الطريق و أن يبني النحو بناءً جديداً لكنّه هنا يذكر انّ جهود التجديد في النحو قصد بها الي غايات تربوية في تعليم الناشته. و هذا انسحاب لشوقي ضيف من موقفه الأول، يجب أن نسجله عليه، لانّ تسهيل النحو لأغراض تربوية يتناقض مع محاربته و محاولة القضاء عليه و هدمه هدماً كاملاً بالغاء نظرية العامل كما يعترف بذلك هو في تحقيقه لكتاب «الرد علي النحاة».

هو ناقش في هذا الكتاب موضوعات جزئية جداً لاتستحق المناقشة لوضع نحوٍ جديد. و توصل الي آراء لانطمئنّ بها في بعض الأحيان لانّه لم يدعمها بحج قوية و انما بناها علي تصورات افترضها من قبل.

من الأمور التي ناقشها شوقي ضيف هي مسألة البحث عن الواضع الأول للنحو العربي، والمعروف انه ابوالأسود الدؤلي الذي وضع المبادي العربية الأولي بارشادات من اميرالمؤمنين علي بن ابي‌طالب (زاهد، 1986م، ص 48) و قدوردت روايات كثيرة من علماء كبار ـ علي اختلاف في كيفية الأمر ـ تشهد بهذه الحقيقة بأنّ اباالأسود استعان بالامام علي (ع) في وضع النحو كما يقول الاستاذ سعيد الافغاني «و من يقرأ بامعان ترجمة ابن‌الأسود في تاريخ دمشق لابن عساكر مثلاً ثم يفكر في توارد اكثر المصادر علي جعله واضع الأساس في بناء النحو لايستبعد ذلك» «المبارك، 1981م، ص 31»

لكنّ الدكتور شوقي ضيف ينفي في كتابه «المدارس النحوية» هذا الأمر بحجّة انّ الامام علي (ع) كان مشغولاً في تلك الفترة  بالتخطيط لحرب معاوية و حرب الخوارج (ضيف، المدارس النحويه، ص 14) و كأنّ طاقات كل البشر سواء و كأنّها محدودة جدّاً. و كأنه لم يعرف ثقافة علي (ع) و المامه بالعوم و فهمه الواسع و غوره الذي لايبسر في العلم و الأدب (العقاد، 2007 م. ص121 ).

 نقد لهذه المرحلة

 

ان شوقي ضيف هنا يتراجع ضمنيا عن آرائه السابقة الداعية للثورة علي القديم و الدعوة للتحرر من ثقل النحو العربي القديم اذ نراه يتعصب للقديم و ينتصر له بل يمدحه بما يفوق التصديق لانه يناقض مواقفه السابقة  و يسحق ما حقق من مكاسب لتجديد النحو في كتابه السابق. لكن هذا لا يبدو غريبا لمن يعرف شوقي ضيف فانه تثقف ثقافة قديمة لا يستطيع ان يفارقها و بقي عليها حتي وفاته عام 2005 للميلاد. انه لم يستطع ان يفعل فعل استاذه الدكتور طه حسين الذي ثار علي القديم ليس لتدميره بل لدارسته دراسة واعية تساعد علي اصلاحه.

 

 

 

الاتجاه نحو النحو الكوفي و علم التجويد

 

حاول الدكتور شوقي ضيف في كتابه «تجديدالنحو» أن يضع قواعد اللغة العربية بصيغة نهائية ترضي المجددين و المحافظين معاً لأنّه كان الكثير من محاولات التجديد توابه رداً عنيفاً من علماء الأزهرالذين كانوا يرون فيها افساداً للغة العربية بل كانوا يعدّونها خروجاً عن‌الدين (الصعيدي، بلاتا، ص 96) كما واجهوا محاولات ابراهيم مصطفي و اعضاء لجنة مجمع‌اللغةالعربية بشيءٍ من هذاالقبيل.

أراد شوقي ضيف أن يمسك العصا من الوسط لمعرفته بهذا الأمر من جانب و لادراكه انّ تدوين النحو من جديد ليس بالأمر الهين،ولاتجاهاته القديمة كما ذكرنا قبل ذلك لهذا نراه للنحو الكوفي بدل ابن القرطبي ليحييه مرة اخري و يمزجه بالنحو البصري المعروف و المتداول حاليا في التعليم. انه و إن أراد أن تكون له كلمة الفصل حيث يقول في مقدمة كتابه: «ولعلي بهذا اكون قد حقّقتُ املاً طال انتظاره بتجديد النحو علي منهاجٍ وطيد يذللّه و يبسّطه و يعين علي تَمثّل قواعده و استكمال نواقصه» . (ضيف، تجديدالنحو، ص 8) لكنّه ما استطاع أن يحقق هذا الأمل إذ انّ اولاً ان الكتاب لايحتوي علي شيءٍ كثير من الجديد في النحو و انما اعاد فيه المؤلف الكثير من القواعد الصرفية و النحوية كما سجّلها و اتفق عليها النحاة القدامي و ثانياً انّ ما احتوي عليه الكتاب من جديد سقيم في منطقه و إن دافع عنه المؤلف بحجج أوردها في الكتاب نفسه الا انها حججٌ ليست قوية و دامغة بل تفتقرالي الدلائل و البراهين المنطقية في هيكلها العام إن صحّ القول. كما حاول المؤلف أن يدمج علم التجويد مع كل صعوباته في علم النحو (ضيف، تجديدالنحو، ص 49)

ان المؤلف في هذا الكتاب حاول أن يصل الي نظرية جديدة و هي أن يجمع بين النحو البصري و النحو الكوفي و أن يكون الأساس هو النحو البصري الذي مدحه المؤلف في كتابه «المدارس النحوية» لما هو عليه من المنطق و الدقة و العقلانية، و أن يكون النحو الكوفي تكلمة له تساعده عند ما يتعقّد الأمر و يطلب قليلاً من التسهيل او عندما يري المؤلف ذلك لازماً.

 

مناقشة بعض آراء شوقي ضيف في كتابه (تجديدالنحو)

 

حاول المؤلف في أن يعيد تنسيق ابواب النحو من جديد و لهذا مثلاً قد حذف المؤلف باب كان و اخواتها، و باب‌ها ولاولات العاملات عمل ليس، و باب كادو اخواتها و باب ظنّ و اخواتها و باب اعلم و أخواتها دون أن يحذف امثلتها لانّه يردها الي ابوابٍ أخري. فمثلاً انّه يرد باب كان و اخواتها الي الجملة الفعلية و يعربها فعلاً و يعرب مرفوعها فاعلاً و منصوبها حالاً فان «زيدٌ» في جملة «كان زيدٌ مسافراً» ، فاعل و انّ «مسافراً» حالٌ منه. (ضيف، نفس‌المصدر، ص 12) و يجيب شوقي ضيف في كتابه علي اعتراضات وهمية قد تعترض عليه بعد نشر الكتاب. و يحاول أن يظهر مظهراً منطقياً في اجوبته و لهذا يردّ عليها ردّاً بصرياً اذ المدرسة البصرية تمثل عنده الوجهة العقلية.

من تلك الاعتراضات هي اننا لو اعربنا خبر كان حالاً لكان في بعض الأحيان ثابتاً و يردّ علي هذا الاعتراض بان هناك في اللغة العربية احوالاً ثابتة. و الاعتراض الثاني هو أنه يجب أن تكون الحال نكرة و لكننا نجد مثلاً في جملة «كان المسافرُ محمدّاً» أنّ «محمداً» علم وقع حالاً. و يجيب شوقي ضيف علي هذا بأنّ هناك بعض الأحيان تأتي الحال معرفة في النحو البصري مثل «جاء زيدٌ وحدَهُ» و «ارسل عمرو الابل العراك » و «صنع ذلك جهدَه» (ضيف، نفس‌المصدر، ص 13) و الاعتراض الثالث هو انّ الحال يجب أن تكون مشتقة و يردّ عليه شوقي ضيف بان في بعض الأحيان تأتي الحال جامدة مثل «جاء زيدٌ اسداً» و ينسي اويتناسي الدكتور شوقي ضيف في ردّه علي هذه الاعتراضات بانّ هناك شروطاً خاصّة عند البصريين مثلاً للإتيان بالأحوال الثابتة و هي أن تكون جامدّ غير مؤولة بالمشتق او أن تكون مؤكدة او أن تكون دالّة علي تجدد صاحبها. (الاندلسي، ...، ج 2، ص 113) و هذا لايصدق علي خبركان في معظم الأحيان وهناك فرقٌ جوهري لم يلاحظه شوقي ضيف و هو أن الحال لبيان الهيئة و كان و أخواتها توضع في اكثر الأحيان للاخبار عن امر و يلحق بها كل فعلٍ لايستغني عن الخبر مثل آض، و رجع و استحال (الشرتوني، 1373 هـ . ش، ج4 ، ص 208) كما انه في الاعتراض الثاني ينسي شوقي ضيف انّ الاحوال المعرفة يجب أن تكون قابلة للتأويل بالنكرة «وحده» في الجملة المذكورة تأوّل «وحيداً» و «العراك» تأول «معتركة» (ابن‌عقيل، ج 2، ص 254) في حين ان هذه لاتصدق علي خبركان و اخواتها خاصة اذا كان اسماً علماً كما رأينا في المثال المذكور عند الاستاذ شوقي ضيف «كان المسافر محمداً». و في ردّه علي الاعتراض الثالث لايذكر انّ الجامد يكون حالاً اذا دلّ علي معني المشتق.

 

نموذج آخر من آرائه

 

تعرب المدرسه البصرية كاد و اخواتها بانها افعال ترفع المبتدأ و يسمّي اسمها و تنصب الخبر و يسمّي خبرها و يلزم أن يكون خبرها جملة فعلية. اما الدكتور شوقي ضيف يقترح أن تعرب الجملة علي أنها فعلية و يعرب اسمها فاعلاً لفعلها و يعرب خبرها مفعولاً به (ضيف، نفس المصدر، ص 165) فنقول مثلاً في «كاد زيدٌ يقومُ» ان «كاد» فعل ماضي مبني علي الفتح، و «زيدٌ» فاعل و مرفوع و «يقوم» فعل مضارع مرفوع بالضمة و هو مفعول به لفعل «كاد»

و يصر شوقي ان تفسر افعال القلوب علي أنها جمل فعلية دون أن ينتبه الي أنّ في بعض الأحيان خبر هذه الأفعال الذي يسميه شوقي ضيف مفعولاً به، لا يتأوّل بمصدر. و أن في كثير من الأحيان تختلط مع أفعال أخري تشبهها في الصياغة، و ليس في المعاني و لا النظام، منها «اخذ، و شرع و كاد و جعل» اذتكون للمقاربة مرة و لغيرها مرّة أخري، لكن تفسير شوقي ضيف يخلط نظام هذه الأفعال و جملها بصورة كبيرة. فهناك فرق بين «أخذ علي يدرس» و جملة «اخذ علي الكتاب» و لكن الدكتور شوقي ضيف يفسر هما تفسيراً واحداً مع بونهما الشاسع في المعني و التركيب. كما انّ تنسيقه لابواب النحو من جديد يحدث خلطاً بين موضوع الدرس النحوي و الدرس الصرفي (الحمزاوي، بلاتا، ص 26)

 

نقد لكتاب «تجديد النحو»

 

إنّ هذه المرحلة تبين لنا تخبّطَ شوقي في تجديده للنحو اذ نراه مرة يقف الي جانب ابن مضاء القرطبي و يمدح كتابه و نظرياته التي تخالف اساس النحو البصري و مرة أخري يمدح العقل البصري لدقته في وضع قواعد النحو العربي و نراه هنا يحارب تلك الدقة و يريد أن يبدلها بقواعد المدرسة الكوفية التي لاتتسم بتلك الدقّة.

إنّ مشكلة شوقي ضيف هي أنه يريد يأتي التجديد في النحو من حيث لايمكن و يريد أن يهدم بالنحو الكوفي، و بأسسٍ بصرية اهم نظريات المدرسة البصرية التي قابلت بها المدرسة الكوفية، و هذا شيءٌ لايمكن اذ شارك العقل البصري باكبر عظمانه في وضع هذه القواعد لسنوات عديدة و هي من حيث انطباقها بنظرية العامل علي درجة عالية من الدقة التي يمدحها شوقي ضيف في العقل البصري. اذن انه يريد أن يحارب ما يؤمن به و يفكر علي أساسه. انّه لم يستطع أن يقابل الأصول التي قام عليها النحو البصري كما فعل غيره من المجددين.

ثم انه حاول أن يجعل علم التجويد في كتب الصرف و النحو و لابدّ من ذلك برأيه. وهذا ما يثقل عبءُ الصرف و النحو علي الناشئة و المتعلمين الذين يدافع باسمهم عن نظرياته و خاصّة في مرحلته القادمة كما سنري إن شاءالله.

لقد فشل محاولة الدكتور شوقي ضيف في كتابه «تجديدالنحو» فشلاً ذريعاً لانّه لم يعرض علينا الاّ ما قال به القدماء من قبل و قد اتخذ كتابه صبغة تعليمية تحاول أن تعرض النحو بلغة سهلة. و لذلك لايمكن أن نسمّيه تجديداً لانّه لايتعلق بأسس النحو و انما يعالج التعليم و تسهيل تدريس النحو للناشئة و الشباب. علي اننا لاننكر ما فيه من آراء جديدة خوّلت المؤلف أن يطلق عنوان التجديد علي كتابه لكن تلك المقترحات و التعديلات التي اقترحها المؤلف ضعيفة جدّاً في أساسها و لاتستطيع أن تصمد أمام النقاش شيئاً قليلاً مادام التفكير يبقي بصرياً.

و قد انتبه شوقي ضيف الي عظم فشل محاولته و حاول أن يعيد الأمور الي مجاريها، و الدليل علي ذلك ان الفاصل الزمني لاعمال شوقي ضيف النحوية قبل هذا الكتاب كان يفوق العقد، اوالعقدين في بعض الأحيان، لكل كتاب اذ حقق «الرد علي النحاة» عام 1947 .م و كتب بعد واحد و عشرين عاماً اي في عام 1968 للميلاد كتاب «المدارس النحوية». و كتب «تجديدالنحو» بعد اربعة عشر عاماً اي عام 1982 للميلاد. لكنّه بعد هذا الكتاب اخذ يقلّص الفارق الزمني الي اقل من نصف العقد. فنزاه يكتب في عام 1986 .م و بعد اربع سنوات من نشر كتاب «تجديدالنحو» يكتب كتابه «تيسير النحو التعليمي قديماً و حديثاً مع نهج تجديده» عام 1986 .م و بعد اربع سنوات من هذا الأخير يكتب كتابه «تيسيرات لغوية» عام 1990 للميلاد.

انا اذا نظرنا بدقة الي هذه الفواصل و الفوارق الزمنية رأينا أنّ شوقي ضيف يحاول تغطية فشله في كتابه «تجديدالنحو» اذ اخذ يسرع في تأليف كتبه النحوية. كما أن هناك دليلاً آخر يدلنا علي هذا الأمر و هي ان محاولات شوقي ضيف للتجديد في النحو قبل هذا كانت مبعثرة فمن تحقيق كتاب «الرد علي النحاة» و الثورة علي  العامل النحوي، نراه يرجع اليه و للمدرسة البصرية الدقيقة في وضع القواعد حسب نظرية العامل و بعد ذلك يميل الي الكوفة و سهولة فكرها في وضع القواعد النحوية. لكن بعد هذا الكتاب يحاول شوقي ضيف أن يركز علي غاية واحدة و قد حمل كتاباه الاخيران في بداية عنوانهما كلمة مشتركة و هي كلمة «تيسير» .

ان مشكله ضيف التي تتمثل بتصادم ثقافته القديمة مع محاولاته التجديدية تظهر باجلي صورها في هذا الكتاب اذ نراه متخبطا لاحداث التجديد في هيكلة النحو العربي، يتجه مناحي شتّي بغية ان يجد منيته بتسجيل اسمه في قائمة نوابغ و عباقرة الفكر العربي بتجديده النحو العربي، لكن هيهات ان يجتمع التعصب للقديم و التطلع للحداثة و ان يتسني لشوقي ضيف الهروب من هذا الصراع المرير.

الكشف عن وثائق جديدة و الاتجاه نحو لغة عتابية

 

يدافع الدكتور شوقي ضيف في كتابه «تيسير النحو التعليمي قديماً و حديثاً مع نهج تجديده» عن جل آرائه في كتابه السابق «تجديدالنحو» و لهذا قد فتح فصلاً خاصّا فيه للدفاع عن آرائه السابقة في كتاب «تجديدالنحو» .

و يكشف عن وثائق جديدة في هذا الفصل بالتحديد اذ يقول مثلاً عن رأيه في جعل اسم كان و اخواتها فاعلا و جعل خبرها حالاً و يقول انّ هذا الرأي لسيبويه و غيره من كالمبرد الذي اتخذ خبرها في براية الأمر مفعولاً مجازاً، لكنّه تراجع عن رأيه في كتابه «المقتضب» و يسمي مرفوع كان اسماً لها و يسمي منصوبها خبراً لها (ضيف، تيسير النحو التعليمي قديماً و حديثاً مع نهج تجديده، ص 92) و غير ذلك من هذه الأمور التي يحاول شوقي ضيف أن يكشف عن تاريخها و بذلك يجد مخرجاً لنفسه مما وقوع فيه في كتابه «تجديدالنحو».

انّ كتاب «تيسير النحو التعليمي قديماً و حديثاً مع نهج تجديده» هو في الحقيقة اهم ما خلّف شوقي ضيف في مجال نقد النحو و قد حاول أن يقص فيه قصة تجديدالنحو با كملها من الزمن القديم حتي الزمن الحاضر. فكتب عن «الرد علي‌النحاة» لابن مضاء القرطبي و كتب عن «احياء النحو» للاستاذ مصطفي ابراهيم و كتب عن كافّة المقترحات و الردود عليها في مجمع اللغة العربية فيما يختصُّ بهذه القضية.

إن هذا الكتاب هو ملخص جهود شوقي ضيف في هذا المجال و يجمع ايضاً في طياته الكثير من قرارات مجمع‌اللغة العربية بالقاهرة و العراق. كما انّ المؤلف يظهر فيه كمعلم حنون اذ يكثر فيه من همه علي تعليم الناشئة و تخفيف الكثير من الوطءِ عليهم.

ان اهم ميزه هذا الكتاب هي اشتماله علي مناقشة اصعب الأبواب النحوية و تاريخ تدوينها و مشكلاتها بصورة دقيقة وعلمية. و قد تمثل في ذاتها التجاء المؤلف مرة اخري الي آراء ابن القرطبي ما عدا نظرية العامل الذي بقي ملتزماً بها وهي التي سببّت له هذه المشاكل.

و هناك محاولة جديدة تظهر عند شوقي ضيف في هذا الكتاب و هي أنه يحاول أن يضع تعريفات و ضوابط دقيقة للكثير من ابواب النحو اذ انه يري انّ الكثير من الضوابط و التعريفات في النحو ليست دقيقة تماماً و تحتاج الي تعديل. لكننا نراه لايتجاوز في هذا الأمر التعريفات و الضوابط التي جاءت في كتب ابن هشام الأندلسي اذ يورد بعض الاشكاليات عليها. (نفس‌المصدر، ص 60)

و يكشف ايضاً في هذا الكتاب عن سر تراجعه عن الغاء نظرية العامل عندما يتكلّم عن ابراهيم مصطفي و يقول بانّ اسلوبه لم يعد فيه مفعول به و مفعول له و مفعول مطلق و استثناء و حال و غيرها من ابواب النحو، و هذا الالغاء يضيع علي الناشئة معرفة وظائف هذه الكلمات في الصياغة العربية ممّا قد يحدث بلبلة في تصورّها لأساليبها (نفس‌المصدر، ص 29) و هذا يفسّر لنا ضمنياً مراجعة شوقي ضيف لأفكاره و تنازله عن الغاء نظريةالعامل.

لكن الأمر ليس بهذه البساطة و لعل هذا يعدُّ نقداً غير سليم لكتاب «احياء النحو» لابراهيم مصطفي لانّ اولاً صدور هذا الكتاب واجه ترحيبا عظيماً من الداعين الي التجديد في النحو و منها تمجيد الدكتور طه حسين الذي كتب مقدمة له و ثانياً تفسيره الممتع من النحو العربي بصورة جديدة و سهلة جداً. فقد واصل المؤلف فيه ميسرة ابن مضاء القرطبي في الغاء نظرية العامل و تطويرها و عرضها  فكر جديد. فقد اكد أن النحو العربي يشبه في نظامه، المنطقَ الارسطاليسي في حين أنّ العرب قبل الاسلام لم يكونوا يفكرون في تكلّمهم علي هذه الأصول المنطقية و يعرض فهمه الجديد من النحو العربي و يلقي نظريته الشهيرة التي تفسّر النحو العربي بأجمعه في اربعة اصول و عدة فروع و هي سهلة جداً و منطقية في بنائها الفكرّي و سنتكلم عنها باختصار في هذه المقالة.

 

نقد لهذه المرحلة

 

 ان هذا علي رغم ما فيه من ملامح التجديد في بعض فصوله الا انه ايغالا في القديم فقد نري فيه المؤلف يعتمد علي آراء القدماء بل يتحقق من اصولها و بداياتها و يحاول ان ينتقص من بعض محاولات بعض المجددين مثل ابراهيم مصطفي الذي يشهد له الكثير بالنجاح الباهر و لقد كتب صديقه الحميم طه حسين مقدمة لكتابه«احياء النحو» الذي يتضمن آراؤه التجديدية تتميز بالاطراء و الثناء تدل علي مدي اعجابه بهذا الكتاب. لكن شوقي ضيف التلميذ بدل ان يحاول ان يتم انجازات ابراهيم مصطفي المجدد ، ينتقصها و يطردها رغم اعجابه بها الذي نفهمه من خلال كلماته في نقد هذا الكتاب اذ لم يورد شوقي ضيف علي آرائه إلّا اشكالية واحدة و هي احتمال اضاعة وظائف الكلمات في الجملة علي الطالب.لكن صراع القديم و الجديد يظهر مرة اخري هنا و لم يستطع ضيف ان يخلص نفسه منه فييبدو فيه متخبطا لا يجيد التعامل معهما اذ يخشي التجديد و يتجنبه لما فيه من احتمال اضاعة وظائف الكلمات علي الطالب في الجملة و و يظهر مالّا من اصر قواعد القديم و ثقلها لكنه يريد ان يتصدي لها من حيث تنتصر هي أبد الدهر و هي الالتزام بما تفرضه هي يعني نظرية العامل.

و المدقق في لغة كتابه الدكتور شوقي ضيف يجدها لغة عتب و لغة من يحاول أن يدافع عن رأيه و ذلك حين يقص ما جري له من حوار من مجمع‌اللغة العربية اذ يصرُّ هو علي بعض الجوانب و يرفض المجمع تلك الآراء بحججه. (نفس‌المصدر، ص 51) و نعود هنا مرة اخري لنقول ان مشكلة شوقي ضيف هي انه يريد ان يحارب النحو البصري، إن صح القول، لتجديده، بالفكر و العقل البصري وهذا لايمكن ابداً لانهم فرضوا تفكيرهم علي نحو بحيث اصبح صرحا كما عبّر عنه شوقي ضيف نفسه. (ضيف، المدارس النحوية، ص 16)

 

البصرة في قفص الاتهام

في هذه المرحلة يكتب شوقي آخر كتابه في هذا المجال. يحمل الكتاب عنوان «تيسيرات لغوية» إلاّ انّه يحمل في طياته الكثير من الأبحاث و الملاحظات النحوية. فقد ظهر الدكتور شوقي ضيف في هذا الكتاب كعالم نحوي و لغوي كبيرٍ يناقش مسائل كثيرة و يحاول أن يصححها. في الحقيقة انّ كثيرا من هذه المسائل التي يناقشها شوقي ضيف هي من المدرسة البصرية التي حاول المؤلف أن يدلّ علي اخطاء علمائها. كما حاول انّ يتطرق الي بعض الظواهر المستحدثة في اللغة و يعالجها معاجلة نحوية تثبت صحتها.

انّ الكتاب فيه ثلاثة اقسام، ففي القسم الأول يصحح شوقي ضيف الكثير من القواعد الموجودة في مدرسة البصرة. و منها ان تعدية الفعل اللازم تكون بأربعة طرق، بهمزة افعل او بتضعيف وسطه او بالف المفاعلة او باخذه علي باب استفعال للطلب والصيرورة. و يطالب شوقي ضيف أن تُزاد الي هذه الطرق تسويه بين الأفعال المتعدية بواسطة حرف الجر و المتعدية مباشرة فقد تكلم عنها ابن جني في كتابه« الخصائص» و ساق منها سبعة و عشرين فعلاً، و هي افعال لازمة تتعدي بنفس صيغتها مثل (غاضَ الماءُ و غِضتُهُ، و عمر المنزل و عمرته، و سارت الدابة و سرتها، هلك و هلكتُهُ، و هبط و هبطته) ثم يزيد شوقي ضيف امثلة اخري علي امثلة ابن جني مثل اكر البئرُ و اكرها، و بتَّ الحبلُ و بتَّهُ، و برد الماءُ و برده، و برع زيدٌ و برعه، بلغ الأمرُ و بلغه، وحرّ الماءُ و حرَّه، و حسرالكمُ و حسره، و خاس زيدٌ و خاسه، و رعت الماشية و رعاها، و فطرالشيءُ و فطره، و نشف الشيءُ و نشفه، و هجت النارُ و وهجها). و يطالب أن تكون هذه قاعدة تكثرة امثلتها (ضيف، تيسيرات لغوية، ص 13ـ 12)

كما انه يطالب ان تكون نيابة حروف الجر عن بعضها البعض قاعدة عامة لكثرة امثلتها و يري رأي الكوفيين الذين يجعلون هده النيابة قياساً مطرداً اكثر سداداً من رأي البصريين (ضيف، نفس‌المصدر، ص 86) و يقول الدكتور شوقي ضيف عن هذا الأمر في المدرسة البصرية: «و كان حرياً بان جني و قد اكد انّ نيابة الحروف بعضها عن بعض كثير في اللغة كثرة مفرطة، أن يجعل ذلك قانوناً لغوياً عاماً لايحتاج الي تفسير مجازي او غيرمجازي، و لاتحتاج عباراته الي تخريج و لاتأويل» (ضيف، نفس المصدر، ص 85)

و يدافع في القسم الثاني من كتابه هذا عن صيغ وتعبيرات صحيحة شائعة في العصر الحديث و لكن يظنها الكثير خطأً لانها تبدو في ظاهرها غير منطبقة علي اصول الصرف و النحو. و يحاول الدكتور شوقي ضيف أن يطرد هذه الظنون المخطئة و لهذا نراه يفتّش في كتب الصرف و النحو ليجد تبريراً لهذه الصيغ يتلائم مع تركيبها. منها أنه يكثر أن تأتي «حتّي» العاطفة بدون معطوف عليه مثل «الهزيمة اليوم تهدد اسرائيل، يعترف بذلك حتّي المتعاطفون معها» و «هو لم يقرأ حتّي الصحف» و يقول عن ذلك المعروف أن حذف المفعول به و الجاروالمجرور كثير مادام يدل عليهما السياق، و نستطيع أن نعمم ذلك في بقية الأمثلة اذ جاء في القرآن حذف الفاعل مع دلالة السياق عليه في مثل «حتي توارت بالحجاب» اي الشمس و مثل ذلك كثير في نائب الفاعل و الخبر (ضيف،نفس المصدر،ص 138) و كذلك يدافع ايضاً عن وقوع فعل الشرط و جوابه ماضيين في «مهما»لكن البصريون يقولون ان فعل شرط «مهما» و جوابه لايكونان الامضارعين. انه يناقش اصلهاعندالنحاة اذ يقرنونها «بما» ويقول بعضهم: انهاما مكررة، و وصلها بما يجعلها أدني الي أن تأخذ حكمها في باب الشرط وخاصّةانها مثلها قد تكون زمانيةو يحاول أن يجدلها شواهد نحوية من قول الشاعرالهذلي القديم المتنخل الذي يرثي اباه ويقول:

                     اذا سدته سدت مطواعة                           و مهما وكلت اليه كفاه

و كذلك في بيت آخر للأسود بن يعفر

          ألاهل لهذا الدهر من متعلل                     عن الناس مهما شاءبالناس يفعلُ

وبهذا يري الدكتورشوقي ضيف انّ وقوع فعل الشرط و الجواب جائز و صحيح في اللغةالعربيةالفصحي (ضيف،نفس‌المصدر، ص 131)

ويدافع مثلاً عن قرار مجمع اللغةالعربية في تسكين اواخر الاعلام الثلانية التي تشكل بحذف كلمة «ابن» بينها اذمثلاً يقال في «علي بن محمدبن سعيد» «علي محمد سعيد» و يسكنون هذه الاسماء في درج الكلام. يبحث شوقي ضيف في كتب النحو ليجد تبريراً لهذا الأمر و يقول انه جاء في كتاب سيبويه ان العرب يسكنون الحرف المرفوع و المجرور في الشعر كما يسكنون الحرف الثاني المكسور و المضموم في الاسم الثلاثي مثل «فخذ و عضد» او في قول امري القيس الذي يسكن آخر الفعل

                فاليوم اشرب غيرمستحقبٍ                          اثماً من الله و لاواغلِ

و يذكر ايضا قول بعض  العرب «اتقي الله امروٌ فعل خيراً يثب عليه» (ضيف، نفس المصدر، ص 113) و بذلك يكون التسكين من غير داعي عند الحاجة قاعدة مطردة.

و في القسم الثالث يظهر شوقي ضيف لغوياً عظيماً و يحاول أن يجد جذور الكثير من كلمات اللغة الدارجة التي تتكلم بها عامة الناس و قد يظن الكثير من علماء اللغة انها ليست فصيحة و ليس لها جذور في الفصحي. لكن الدكتور شوقي ضيف يثبت جذورها في الفصحي، مثل كلمة «شوية» التي تعني القليل من كل شيءٍ و هي في الواقع كلمة «شيء» اذ تُصغّر «شُييء» و اورد «شوي» صيغة تصغير ثانية و فيها قلبت الياء الأولي واواً و هي كثيراً ما تقلب واواً في النسب و ايضاً سهِّلت الهمزة و أصبحت ياء و هو تصغير مقبول في العربيه كما يقول الزبيدي في تاج‌العروس كما يروي عن شاعرٍ نجدي من ربيعة يسمي قيساً .

                معاهد لم يبقِ صرف الزما       نِ منها و منّي إلاّ شويا (ضيف، نفس‌المصدرص 180)

او كلمة غموس التي تستخدم بمعني الادام و هي مشتقة من غمس الخبز في الخل اذا غمره به اذن ان لها جذور في الفصحي (ضيف، نفس‌المصدرف ص 186) و كذلك يناقش الكثير من الكلمات.

نقد لهذه المرحلة

انّ الدكتور شوقي ضيف يظهر في هذا الكتاب مظهر العلماء الكبار في تدقيقه النقدي اذ  نراه ينقد مسائل هامّة في كتابه و يحاول أن ييسّرها و يشرحها شرحاً يقنع الكثير من منقدي هذه المسائل و قد حاول أن يورد أخطاء المدرسة البصرية و يحاول أن يعدّل بعض قواعدها كما رأينا.

هنا نستطيع ان نشاهد بوضوح صراع الجديد و القديم في تفكير شوقي ضيف اداعي الي التجديد في النحو العربي اذ يحاول ان يهاجم المدرسة البصرية التي طالما اشاد بها و بعلمائها و بدقتهم في تشييد صرح النح العربي. كما يري شوقي ضيف ضمنا ان يدافع عن آرائه السالفة ،لكن هذا الدفاع عما في آرائه من الجدة يدعوه لنسف بعض اقواله السابقة عن النحو البصري، الامر الذي يكشف عن مناقضات الدكتور شوقي ضيف لنفسه في هذا المجال.

و تكمن اهمية الكتاب في غوص الشوقي ضيف و تدقيقه في مسائل هامة و جديدة في ذاتها احياناً لكنّه بذلك لايمثّل استمرار الكاتب بآرائه السابقة بصورة واضحة الاّ أن نقول انّه اراد أن يظهر عجز النحو البصري في بعض المسائل و قوة النحو الكوفي علي معالجتها. و الكتاب أيضاً يحتوي علي مسائل أخري لغوية و لاتختص بالنحو و تجديده. و قد تستطيع أن نورد اشكالية علي عنوان الكتاب اذ يحمل عنوان «تيسيرات لغويه» و يعالج مسائل صرفية في نحوية في اكثر صفحاته.

 

مقارنة نقد النظام النحو عند شوقي ضيف و ابراهيم مصطفي

 

ان كلا من شوقي ضيف و ابراهيم مصطفي اخذ بذرة افكارهم في تجديد النحو من نظريات ابن مضاء القرطبي، و لكن هناك فرق كبير بين طريقة شوقي ضيف و بين طريقة ابراهيم مصطفي في كيفية استمرارهم في معاملتهم لنظريات ابن مضاء القرطبي. فقد رأي شوقي ضيف أنّه ليس بوسع العرب أن يحاربوا ماضيهم و نحوهم القديم من الأساس لانها تجربة سكون لها عواقب ماساوية علي الأدب العربي إن فشلت. كما انها تواجه دائماً بالرد من قبل العلماء والناس في أغلب الأحيان و هذا ما يجعل الخوض فيها صعباً. و قد يمس الغاء نظرية العامل وظائف الكثير من ابواب النحو و يجعل بذلك الكثيرين لايميزون بين الاساليب الدقيقة للغة العربية.

اما الاستاذ ابراهيم مصطفي فكان اكثر جرأة من الدكتور شوقي ضيف اذ اتخذ نظرية ابن القرطبي في الغاء  نظرية العامل اساساً لعمله و آمن ببطلان نظرية العامل النحوي و حاول أن يصيغ نظرية اشمل و اكمل لتوضيح اساس النحو العربي قبل تدوينه علي أسسٍ منطقية فيما نري شوقي ضيف يتراجع عن الغاء نظرية العامل و يحاول أن يجد غايته في كتب الكوفيين النحوية و بعض البصريين القدامي.

إنّ نظرية الاستاذ ابراهيم مصطفي في النحو العربي قبل تدوينه تتلخّص في اصلها علي ثلاثة اسس وعدة فروع و الأسس هي:

1ـ ان الضمة عند عرب الجاهلية كانت علامة الاستاد فكانوا يضعونها علي آخر كل كلمة يتحدثون عنها او يسندون اليها خبراً. (مصطفي، احياءالنحو، ص 53)

2ـ وكانوا يجعلون الكسرة علماً للاضافة او للجر بحروف الجر. و انما صارت الكسرة في نظرهم علامة الاضافة لما فيها من شبه بياء النسبة.

3ـ والفتحه ليست حركة اعراب و كانوا يضعونها علي آخر كل كلمة غير مجرورة او مرفوعة لانها الحركة الخفيفة المستحبّة عندهم و هي في الواقع اخفّ من السكون الذي يستخدمونه العرب اليوم في اواخر الكلمات في لغتهم الدارجة (مصطفي، نفس المصدر، ص 81 ـ 79) و يشهد الوقف بالنقل و الروم و الاقواء و الاصراف بانّ الفتحة ليست حركة اعراب عندهم (مصطفي، نفس‌المصدر، ص 89ـ 87)

و هذا تفسير جديد لنظام النحو العربي المستعصي و العويص. يحب علي المجددين ان يستمرّوا في اصلاح و تطوير هذه النظرية و إزالة عيوبها بدل أن يرفضوها بأكملها كما فعل شوقي ضيف.

 

النتيجة

كان الدكتو شوقي ضيف متخبطا في مدي قبول او رفض كلامن القديم و الجديد بغية تجديد النحو العربي اذ نراه يحاول باية الي الغاء نظرية العامل بتحقيقه لكتاب الرد علي النحاة لابن مضاء القرطبي و هجومه علي المدرسة البصرية في النحو ثم دفاعه عنها في كتابه مدارس النحو و اطرائه و ثنائه عليها. ثم حاول مرة اخري ان ينسفا لكن ليس باكملها بل بنقض بعض ابوابها و احلال النحو الكوفي محل تلك الابواب . وهذا ايضا لم ينجح لان لم تقبل المدرسة البصرية منذ القديم بهذا و اقامت حججا دامغة لوهن النحو الكوفي و ضعه، فقد نري مرة اخري بوضوح انه يناقض اراءه السابقة مره اخري.و تستمر هذا الصراع حتي آخر محاولات شوقي ضيف في هذا المجال كما اوضحنا في هذا المقال. انه يمثل صراع الشخص مع نفسه لتخبطه بكيفية معاملة القديم او الجديد  ائو كيفية التوفيق بينهما. يعد شوقي ضيف في هذا المجال نموذجا من المجتمع العربي الذي عاني هو ايضا من صراع القديم و الجديد في ادبه و ثقافته و ادارة شؤونه ايضا.

 

المصادر و المراجع

1ـ ابن‌عقيل، شرح‌الألفية، بيروت، احياءالتراث العربي، دون تاريخ.

2ـ الجاسم، محمودحسن، القاعدة النحوية تحليل و نقد، دمشق، دارالفكر، ط 1، 2007م.

3ـ حسن، عباس، اللغة و النحو بين القديم و الحديث، القاهرة، دارالمعارف، ط 2، دون تاريخ

4ـ الحمزاوي، علاء اسماعيل، موقف شوقي من الدرس النحوي دراسة في المنهج و التطبيق،

5ـ الراجحي، عبده، دروس في كتب النحو، بيروت، دارالنهضة العربية، ط ، 1975 م.

6ـ زاهد، زهير غازي، في التفكير النحوي عندالعرب، بيروت، عالم الكتب، ط 1، 1986 م.

7ـ الشرتوني، رشيد، مبادي‌العربية، تهران    ، اساطير، ط 2، 1373 هـ . ش.

8ـ الصعيدي، عبدالمتعال، النحو الجديد،       ، دارالفكر العربي، ط ، دون تاريخ.

9ـ ضيف، شوقي، البلاغة تطور و تاريخ، القاهرة، دارالمعارف، ط 8، 1992 م.

10ـ ضيف ، شوقي، تجديدالنحو، القاهرة، دارالمعارف، ط 4، دون تاريخ.

11ـ ضيف، شوقي، تحقيق كتاب الرد علي النحاة، القاهرة، دارالمعارف، ط 3، دون تاريخ

12ـ ضيف، شوقي، تيسيرات لغوية، القاهرة، دارالمعارف، ط ، دون تاريخ.

13ـ ضيف، شوقي، تيسير النحو التعليمي قديماً و حديثاً مع نهج تجديده، دون تاريخ.

14ـ ضيف، شوقي، المدارس النحوية، القاهرة، دارالمعارف، ط 2، دون تاريخ.

15ـ العقاد، عباس محمود، عبقرية الامام علي، بيروت، المكتبة العصرية، ط 2، 2007م.

16ـ المبارك، مازن، النحو العربي العلة النحوية: نشأتها و تطورها، بيروتف دارالفكر ، ط 3، 1981 م.

17ـ مجاهد، عبدالكريم، دراسات في اللغة و النحو، عمان، دارالمشرق الثقافي، ط 2، 2006 م.

18ـ مصطفي، ابراهيم، احياء النحو، القاهرة، ، ط 2، 1992م.

19ـ الاندلسي، ابن‌هشام، مغني اللبيب عن كتب الأعاريب، بيروت، داراحياء التراث العربي، ط 2، 2008 م.

20ـ الوردي، علي، اسطورة الأدب الرفيع، قم، منشورات سعيد بن جبير، ط 1، 2005م.