تصنیف البحث: الأدب العربي
من صفحة: 201
إلى صفحة: 217
النص الكامل للبحث: PDF icon 180417-152913.pdf
البحث:

مـقـدمــة

قد تتكرر العبقرية، ولكن بعد طول انتظار، فانظر كم قرنًا بين المتنبي والجواهري ؟ وكم على الأمة أن تترقّب مولودًا يثلثهما ؟

هكذا هي الأمم الحيّة ـ ولاسيّما عندما تتطلع في سماوات الشعر،ومراتب الإبداع الأدبي ـ تُعظِّم حضارتها، وتعلي مكانة بُناتها، وتُخَلِّد مبدعيها، وها نحن اليوم نقف عند شاعر من مبدعي الحضارة .

لقد عاد المتنبي في الجواهري، شموخًا،وتمرّدًا،وحبًّا، وجزالة، وصورًا حيّةً ناطقة من الحياة، ورفضًا للظلم، وحربًا على الطغاة  وتطلعًا إلى الغد المشرق .

رقد الجواهري في قبره، لكنه يعيش معنا كبرياءً وإباءً، وعنفوانًا طاغيًا، وحلاوةً في التعبير، وسلاسة ما بعدها سلاسة، فاستحقّ المجد كل المجد، إنّهُ الخلود الذي ما بعده خلود .

لقد نظم الجواهري في موضوعات شتّى، وأطال فيما نظم، فكان من أغزر الشعراء عطاءً . وقصائده على طولها تجدُها عرائسَ البلاغة العربية، فلا إسفاف، ولا نزول عن قمة الإبداع .

وأصبح الجواهري قِمةً للشعر، وسيبقى، ولا نغالي إذا قلنا: لم يولد شاعر بعد المتنبي إلا الجواهري، لأنه لا يَسَعُهُ الكَلِم، ولا يحدُّه زمان، ولا مكان ؛ لأنه كما قال المرحوم الدكتور طه حسين : هذا شاعر العرب الأكبر، الآن بدأتُ استمع الشعرَ الشعر، ساعة إلقاء الجواهري قصيدته في الذكرى الألفية لوفاة المعرّي، حيث بلغ قوله :

لحرية الفكر تاريخٌ يحدثُنــا           بأنّ ألفَ مسيحٍ دونها صُلِبَـــــــا

وصدَق الدكتور المرحوم علي جواد الطاهر إذ وصفه بقوله : (الجواهري هو الجواهري، وكفى) ([1]) .

لقد قَلَّبْتُ قصائدَ الجواهري لعلّي أختار لؤلؤةً من بينها، فأعياني التمييز بين الدُّرر، وكلُّ واحدةٍ منها تتباهى على أختها، فلا تَمِيزُها، ووَجدْتُ منها ما ارتبط بمناسبة، ومنها ما ارتبط عفوًا بما رآه الجواهري قضيةً، أو ليكون قضِيَّةً، أو موضوعًا لدى الشاعر .

ولما كان البحث الأكاديمي يُلزِمُنا أن نُحدّد موضوعًا، فقد وقع الاختيار على رائعة الشاعر (تنويمة الجياع). ولأجل الدقة في التحديد سأتناول أسلوب السخرية في هذه القصيدة، ومدى مساهمة الشاعر من خلال قصيدته هذه في إيصال أفكاره إلى المتلقي، وأثر ذلك فيه .

اشتمل البحث ـ بعد هذه المقدمة ـ على تمهيد بيّنت فيه أن الجواهري اتخذ الإنسانَ وهمومَه قضيتَه الأولى، ولاسيّما قضية المحرومين من شعبه،وتناولت مقدمتيه النثريتين اللّتين قدّم بهما لدواوينه .

وتلت التمهيد ثلاثة مباحث، عرض الأول منها جوانب عن الشاعر وقصيدته(تنويمة الجياع) . أما المبحث الثاني فعرض أسلوب القصيدة، وعرضَ  المبحثُ الثالثَ أفكارها . ثم جاءت النتائج التي تراءت لنا من خلال تحليلنا القصيدة، فأوجزنا ما توصلنا إليه في المباحث التي مرّت قبلُ، فثبت بمراجع البحث ومصادره .

تـمــهــيـد

  قد يختلف الدارسون في الجواهري إنسانًا، أو شاعرًا، في هذا الموقف أو ذاك، ولكنهم يُجمعون أنهُ قضيةٌ كُبرى، وأنّ شعرهُ قضية الشعر الكبرى، وأنهُ بحرٌ زاخر من العطاء الفكري الثّر الذي سيبقى خالدًا .

لقد ترددت قصائدهُ على الألسن، وتناولتها الأقلام، لأنه اختط لنفسهِ طريقًا جاعلاً فيه الإنسان قضيته .يقول ماجد السامرائي : (وإذا كانت حرية الفكر من أخصّ ما يشغل الجواهري الشاعر من قضايا ؛ فذلِك لأنه كان قد جعل الإنسان فيه أساسًا في مواجهة واقعه،ومن خلال قضية حرية الفكر كان يكتب شعرًا،يحرر فيه المكبوت الفردي والاجتماعي،وينخرط في تاريخ عصره،واضعًا هذا التاريخ موضع مواجهة،وتساؤل مستمرين) ([2]) .

وقد وُهِبَ الجواهري مَلَكة الإبداع من خيال وأحاسيس وخزين ألفاظ، ما لم يتهيأ لسواه، فأَحْكَمْ ذلك بما وطّن نفسه عليه من صقلٍ وتثقيف، ليكون الألق على جبين الشعر العربي، وليكون تاريخًا، وهُوِيّة، وليكون أعاصير، و فكرًا خلاقًا، ونورًا من دونما انطفاء :

(أبا فراتٍ، ضميرَ الشعب، أنتَ لنا         تاريخُنا، الأمسُ واليومُ الرضيُّ وَغَد ) ([3])

وكما قال الدكتور المرحوم إبراهيم السامرائي :

(يا واهبَ الحرفِ ما لم يمتـلك مِقةً          ومُطلعَ الحرفِ من أنمـــاطِهِ سَــــرَقُ

أنطقـته وهو عَيٌّ في سواك بمــا           دعوتَه فأتاك الأَمـــرُ يَتّفـــــقُ) ([4])

يقول ميري البصري: (الجواهري عملاق الشعر العربي الحديث،عبّاسيّ الديباجة،طويل النفس،يرصّ كلماته وأشطره رصًّا،فتجيء كالصرح الممرّد،أو الطود الشامخ،ويكسو معانيه أثوابًا مؤنقة من جزل الألفاظ)([5]).

وفضلا عن عطاء الجواهري الشعري فله مقدمتان نثريتان قدّم بهما لدواوينه الشعرية، الأولى: عنوانها (على قارعة الطريق)،صَدَّرَ بها أول ديوان له، وظلت في طبعاته اللاحقة، وكذا صدَّرَ بها مختاراته .

وفي هذه المقدمة أفصح الجواهري ـ بأسلوب مباشر،أو بالرمزـ عما اختمر في نفسه ووجدانه، وروحه، من أفكار قرر أن يجعلها رضابَ حياته، ومنهجًا لا يمكن أن يحيد عنه، مهما كلّفه ذلك من عناء ومشقة. وهذا ما كان للشاعر.

الثانية : عُنوانها (بدر)، وهي كلمة قدّمَها من إذاعة بغداد، لمناسبة الذكرى الرابعة لوفاة بدر شاكر السياب .

يقول ماجد السامرائي : (في الوثيقة الأولى (على قارعة الطريق) شهادة على الذات والواقع، فالشاعر يكلّم الذات، والذات ترتدّ إلى الواقع في حركةٍ مدوّمةٍ مُحمّلةٍ فيها تحديد لمسار اختيار، ونابضة بموقف يجلو صفحته دون خشية وارتياب .

وأما في الوثيقة الثانية فإن ذات الشاعر تُكَلِّمُ نظيرها الشعري بلغة مفتوحة على الحياة، وشِعر الحياة)([6]).

الذي أذهب إليه في هاتين المُقدِّمتين النثريتين أنهما من أصدق ما صور فيه الشاعر مشاعره، لكنه كان ناثرًا لا شاعرًا،وأفصح بهما عن أفكاره بصراحة ودقة وصدق، وهما قد ترتقيان مرتبةً أعلى مما بثّه من شعور، أو آراء في قصائده

الـمــبـحـث الأول

مدخل إلى عالم الشاعر،وقصيدته

أ ـ الشاعر :

     إنّ من يلج عالم الجواهري من أيِّ جانب شاء عليه أن تكون له أوليات في علومٍ شتى،نحو :علم الاجتماع، وعلم الأديان،وعلم النفس، وعلوم اللغة،وغيرها من العلوم ؛ لأن الشاعر لم يكن إنسانًا اعتياديًّا،فقد امتلك موهبةًً وإلهامًا وصبرًا، ورغبةً في المواصَلَةِ، وقد صرح هو بذلك في مذكراته . فهو قد عاش بيئةً متناقضة في النجف،وكما هو حال العراق،بل قل في حياته كلها،يقول:(كانت سنوات حياتي تُخْتَصَرُ قسرًا إلى شهور بل أسابيع،وقد حملت إلى حياة سنواتي اللاحقة تبعات كل تلك الفترة التي سُرِقَت مني، حملتها بكل تناقضاتها ومباذلها،وعُقَدِها،ومفارقاتها،حيث انعكست على حياتي وشعري،بل وعلى تعاملي مع الناس، ومَن معي)([7]).

ويقول عن نشأته،وعن موهبته التي فاقت المواهب،ومعرفة الآخرين بذلك : (لقد بدأتُ في مجالس النجف مُستمعًا صغيرًا مسحورًا بإيقاع الشعر وصوره،ثم أصبحت وأنا أتصاعد شيئًاًَ فشيئًاً ممن يشبه المثل به، والتحدث عنه في هذا المجال،وأنا ما أزال في عنفوان الصبا، فحيثما ذهبت كان أترابي،وحتى من درست عليهم يتسَلَّون باختبار حافظتي الشعرية،وكانوا يتلون علي أربعة أو خمسة،بل حتى سبعة أبيات وعليّ أن أعيدها على الفور،فأعيدها فعلاًَ ولمرة واحدة، ويصل الرهان فيما بينهم بهذا الصدد حدًّا بعيدًا،فقد تقدم صديق عزيز عليَّ، ومن صميم مشابك العروق العائلية في الأسرة،وهو السيد(علي الجصاني)،ووضع أمام عيني ليرة رشادية ذهبية،كنت أحلم بأمثالها،وقال:إنها لك إذا حفظت كل هذه الأبيات في يوم واحد، وبين إغراء الليرة الذهبية،وإغراء التحدي أخذت حزمة الورق تلك،وفيها أكثر من أربعمئة بيت من الشعر أبيح لي فيها عشرون غلطة،البيت بكاملة غلطة،والكلمة غلطة،وعدت إلى المجلس في اليوم التالي،وبدأت أتلوها عن ظهر قلب،وأنا أرى العيون والوجوه من حولي مدهوشة، وقد كانت غلطاتي المفروضة عليّ دون ذلك،وحين انتهيت كانت الليرة الذهبية في جيبي، وهي تكاد أن تكون كفاف عيش لشهر واحد لمن أراد الكفاف،وإلى جانبها وليمة فخمة لشلة كبيرة من أترابي .. في نهاية المطاف أدرك والدي استحالة ما أراد منعي عنه .وأريد أن أشير إلى أنّ هذا الوالد المتزمت بدلا من أن يصوغ ولده كما أراد، أخذ يتأثر به)([8]).

  وعلى الرغم من الصراع النفسي الذي عاشه الشاعر في بيئة متناقضة،كان تَوّاقًا إلى التمرد متطلعا إلى التغيـير،مهما كلفه ذلك من خسائر،وقد حَصَلَت له كثـيرًا([9])،إزاء مغريات لا تُقاوَم  ـ قد لا يقوى على رفضها سواه ـ، وقد يقابلها جوع،وسجن،أو تشريد وغربة..لكنه الجواهري الذي خاض غمار ذلك كلّه منتصرًا ؛ لأنه آمن بخط النور،والحرية،وحقّ الإنسان في العيش الكريم،يقول في علاقته بالناس : (من حقي ـ وقد كُتِب عليَّ ـ أن أكون أكثرَ من أي شاعر معاصر عشته وعاشني انشدادًا بالجماهير العربية،ولا سيما بالطلائع الواعية منها، وأشدَّ مشاركة في مطامحهم ومعاناتهم)([10]).

  ولما كان لنشأة الشاعر الأولى أثرٌ بالغٌ في بنائه الأدبي،والنفسي ـ من الجوانب كافة ـ فقد كان من بين تلك المؤثرات فيه ابنُ الكوفة الأول(أبو الطيب المتنبي)، فكانه، وهو يقول فيه :

تحدى الموت واختزل الزمانا                 فتًى لوّى من الزمن العِنانا

فتًى خبط الدُّنا والناس طُـرًّا                وآلى أن يكـونَـهما فـكانا

ويا ابن الكوفة الحمراء وشّى                بها سمط الـلالئ والجُمانا

ويقول عن نفسه :   أنا ابن كوفتك الحمراء لي طَنَبٌ           بها وإن طاح من أركانه عَمَدُ

  وأفصح الجواهري عن تعلقه بالمتنبي فقال : (وجدتني وأنا صغيرُ السِّنِّ،وكأنني أريد هذه المرة التعرف على أيّ بقعةٍ من (حيِّ كندة) في الكوفة كان مولد هذا العبقري)([11]).

   لقد كان الجواهري متأثرًا ايّما تأثُّرٍ بالشعراء الذين سبقوه، ولاسيما العباسيون، وفي مقدمتهم المتنبي، ويظهر ذلك جليًّا في قصائده التي جارى فيها أولئك الشعراء ([12]).

ب القـصـيدة :

نامي جياعَ الشَّعبِ نامي
نامي فإِن لم تشبَعي
نامي على زُبدِ الوعود
نامي تَزُركِ عرائسُ الأحـ
تتنوَّري قرصَ الرغيف
وتَرَيْ زرائبَكِ الفِساحَ
 

 

حرسَتْكِ آلِهةُ الطَّعامِ
مِن يقظةٍ فمِنَ المنام
 يُدافُ في عسَلٍ الكلام
ـلام في جُنحِ الظلام
كدورةِ البدر التمام!
مبلَّطاتٍ بالرُّخام
 

 

***

نامي تَصِحّي! نِعمَ نومُ
نامي على حُمَةِ القنا
نامي إلى يومِ النشور
نامي على المستنقعات
 

 

المرءِ في الكُرَبِ الجسام
نامي على حدِّ الحُسام
ويومَ يُؤذَنُ بالقيام
تموجُ باللُجَجِ الطوامي
 

زخَّارةً بشذى الأقاح
نامي على نغمِ البعوض
نامي على هَدْي الطبيعـ
نامي فقد أضفى((العـ
نامي على حُلمِ الحواصد
متراقصاتٍ والسياطُ
وتغازلي والنَّاعماتِ
نامي على مهدِ الأذى
واستفرشي صُمَّ الحَصا
نامي فقد أنهى ((مُجيـ
نامي فقد غنَّى((إلهُ
 

 

يمدُّه نفحُ الخزام
كأنه سجعُ الحمام
ـةِ لم تُحَلَّ بها((ميامي))
ـراءُ)) عليكِ أثوابَ الغرام
عارياتٍ للحزام
تُجدُّ عزفًا بارتزام
الزَّاحفاتِ مِن الهوام
وتوسَّدي خدَّ الرُّغام
وتلحَّفي ظُللَ الغمام
ـعُ الشعبِ))أَيَّامَ الصيام
الحربِ)) ألحانَ السلام!
 

 

***

نامي جياعَ الشعبِ نامي
والشمسُ لن تُؤذيكِ
والنورُ لن ((يُعمي!)) جفونًا
نامي كعهدكِ بالكَرى
نامي .. غدٌ يسقيكِ مِن
أجرَ الذليل، وبردَ أفئدةٍ
نامي . وسِيري في منامكِ
نامي على تلكَ العظاتِ
يُوصيكِ أن لا تطمعي
يُوصيكِ أنْ تدَعي المباهجَ
وتعوَّضي عن كلَّ ذلكَ
نامي على الخُطَبِ الطِّوال
نامي يُساقَطْ الموعو
نامي على تلكَ المباهجِ
لم تُبقِ من ((نُقلٍ!)) يسرُّكِ
بَنَتِ البيوتَ وفجَّرتْ
نامي تَطُف حُورُ الجنان
نامي على البرص المبيِّـ
نامي فكفُّ اللهِ تغسـ
نامي فحرزُ المؤمنينَ يَذ
نامي فما الدُّنيا سوى
 

.

الفَجرُ آذَنَ بانصرام
بعدُ بما توهَّج من ضرام
قد جُبِلنَ على الظلال
وبلُطفهِ من عهددِ حام
عسلٍ وخمرِ ألفَ جام
إلى العليا ظوامي
ما استطعت إلى الأمام
الغُرِّ مِن ذاكَ الإمام
من مال ربِّكِ في حطام
واللذائذَ لِلّئام
بالسُجودِ وبالقيام
مِن الغطارفة العظام
دُ فوقَكِ بانتظام
لم تَدَعْ سهمًا لرامي
لم تَجئه .. ومن أدام
جُردَ الصحارى والموامي
عليكِ منها بالمُدام
ـضِ من سوادكِ والجُذام
ـل عنكِ أدرانَ السقام
بُّ عنكِ على الدوام
((جسرٍ!)) على نكد ٍمُقام
 

 

***

نامي ولا تتجادلي
نامي على المجدِ القديمِ
تِيهي بأشباهِ العصامِيّين!  
الرافعينَ الهامَ مِن
والواحمينَ ومِن دمائكِ
نامي فنومُكِ خيرُ ما
نامي جياعَ الشعبِ نامي
نامي فإِنَّ الوحدةَ العصماء!
نامي جياعَ الشعبِ نامي
تتوحَّدُ الأحزابُ فيه
 

 

القولُ ما قالتْ ((حَذام))
وفوقَ كُومٍ من عظام
منكِ على ((عِصام))
جُثثٍ فَرشْتِ لهم وهام
يرتوي شرَهُ الوحام
حملَ المؤرَّخُ من وسام
بُرَّئْتِ مِن عيبٍ وذام
تطلب أن تنامي السلام
النومُ مِن نِعمِ السلام
ويُتَّقى خطرُ الصِدام!
 

 

تـهـدا الجـمـوعُ بـهِ وتسـتـــغنى الـصـفـوفُ عـن انـقـــسـام

إنَّ الحماقةَ أنْ تَشُقّي
والطيشُ أنْ لا تلجئي
الَنفسُ كالفرسِ الجَموحِ
 

 

بالنهوضِ عصا الوئام
مِن حاكِميكِ إلى احتكام
وعقُلها مثلُ اللجام
 

 

نـامــي فـــإِنَّ صــــلاحَ أمـــرٍ فـاســدٍ فــي أنْ تـنـامـي

والـعــروةُ الـوثـقـــى! إذا اســـتيقـظـتِ تُـــؤذِنُ بانـفـصـام

نامي وإلاَّ فالصفوفُ
نامي فنومُكِ فتنةٌ  
هل غير أنْ تتيقَّظي
 

 

تئولُ منكِ إلى انقسام
إيقاظُها شرُّ الأثام
فتعِاودي كرَّ الخصام
 

 

***

نامي جياعَ الشعبِ نامي
 

 

لا تقطعي رزقَ الأنام
 

 

لا تـقـطـعـي رزقَ الـمُـتـاجِـر  والـمُـهنـدس، والمـحـامـي!

نامي تُريحي الحاكمينَ
نامي تُوَقَّ بكِ الصحافةُ
يحمَدْ لكِ القانونُ
خلِّ ((الهُمامَ!)) بفضلِ نو
 

 

منِ اشتباكٍ والتحام
من شكوكٍ واتهام
صُنْعَ مُطاوِعٍ سلسِ الخُطام
مكِ يتَّقي شرَّ الهُمام
 

 

وتـجـنَّــبـي الـشُــبُـهـاتِ فـي وعـيِ ســيوصَمُ بـاجــتــرام

***

نامي فجِـلدُكِ لا يُطيقُ
نامي وخلّي الناهضينَ
نامي وخلّي اللائمينَ
نامي فجدرانُ السجونِ
 

 

إذا صحا وقعَ السهام
لوحدِهم هدفَ الروامي
فما يُضيركِ أنْ تُلامي!
تِعجُّ بالموتِ الزؤام
 

 

ولأنـتِ أحــوجُ بـعــدَ أتـعــابِ الــرُّضــوخِ إلــى جِـمـــام

نـامـي يُــرَحْ بـمـنــامـكِ ((الــزُّعـمــاءُ؟)) مـن داءٍ عُـقـــام

نامي فحقّكِ لنْ يضيعَ
إنَّ ((الرُّعاةَ!)) الساهرينَ
 

 

ولستِ غُفلاً ! كالسَّوام
سيمنعونكِ أن تضامي
 

 

***

نامي على جَوْرٍ كما
وقَعي على البلوى كما
 

 

حُمِلَ الرضيعُ على الفطام
وقعَ ((الحسامُ!)) على الحسام
 

 

نـامـي عــلـى جـيـــــشٍ مـن الآلامِ مـحـتـشِـدٍ لـهُــــام

أعطي القيادة للقضاءِ
 

 

وحكِّميهِ في الزِّمام
 

 

واســتـسـلـمـي للـحـادثـاتِ      المُـشـفــقـاتِ على الـنـيـام

إنَّ التيقّظَ ـ لو علمتِ ـ
والوعيُ سيفٌ يُبتلى
 

 

طليعةُ الموت الزُّؤام
يومَ التقارُعِ! بانثلام
 

 

***

نامي شَذاةَ الطُهرِنامي
يا نبتةَ البـلوى ويا
يا حُرَّةً لم تدرٍ ما
يا شُعلةَ النُورِ التي
سبحانَ ربِّكِ صورةً
إذ تختفينَ بلا اهتمامِ
إذْ تحملينَ الشرَّ صابرةً
بُوركت من ((شَفعٍ)) فإِنْ
كم تصمُدينَ على العتاب
سبحانَ ربِّكِ صورةً
 

 

يا دُرَّةً بينَ الرُّكام
وردًا ترعرعَ في اهتضام
معنى اضطغان وانتقام!
تُعشي العيونَ بلا اضطرام!
تزهو على الصّورِ الوِسام
أو تُسفرينَ بلا لثام
من الهُـوجِ الطَّغام
نزلَ البلاءُ فِمنْ ((توام))
وتسخرينَ من الملام!
هي والخطوبُ على انسجام
 

 

 

نامي جياعَ الشعبِ نامي
والنَّومُ أدعى للنزولِ
 

 

النومُ أرعى للذمِّام
على السَّكينةِ والنظام
 

 

***

نـامــي فــإِنّـَكِ فــي الـشـــدائـدِ تخـلُـصــينَ مِن الـزّحـام

نـامــي جـيــاع الـشـــعبِ لا تـُعنَــيْ بـسِــقطٍ من كـلامـي

نامي فما كانَ القصيدُ
نامي فقدْ حُبَّ العماءُ
 

 

سوى خُرَيْزٍ في نظام
عنِ المساوئ والتعامي
 

 

نـامـي فـبئـسَ مـطامـعُ التواعـينَ  ! مِـن ســيـــفٍ  كَـــهـام

نامي : إليكِ تحيَّتي
نامي جياعَ الشعبِ نامي
 

 

وعليكِ نائمةً سلامي
حرسَتْكِ آلهةُ الطَّعامِ
 

 

   نظم الشاعر قصيدته سنة 1951م، وهذا يؤكد أنّ الشاعر قد نظمها بعد اكتمال مقومات النظم الشعري بكل لوازمها لديه، كما يؤكد هذا أنه قد أدرك أنّ رسالة الشاعر بناء الإنسان والحياة، وإقامة المجتمع العادل، فهو عندما نظم هذه القصيدة كان هادفًا إلى إيقاظ الشعب المظلوم للثورة ـ بوعي تام ـ من خلال تصوير معاناته،وبؤسه وحرمانه،بأسلوب ساخر لاذع،انتظم القصيدة من أوّلها إلى آخرها ـ تقريبًا ـ .

     ولما كان موضوع القصيدة محنة الجماهير ـ بما تحسه وتعيشه وتتطلع إليه ـ كان الشاعر جديرًا بذلك الاختيار،لما قدمناه أنه كان هاجسُه الأول الناسَ،والحرية،والتقدم والعدل، فكانت تنويمة الجياع من بين قصائد كثيرة للشاعر توافقها في الفكرة وتخالفها في الأسلوب، توكّد توق الشاعر إلى الحياة التي تحياها الشعوب الكريمة، وأرى أن من كان هذا منهجه ـ فضلاً عن امتلاكه مقومات الإبداع الشعري ـ يكون الخلود نصيـبه،وهذا ما كان لأبي فرات بلا خلاف،ولا منازع،وقد امتلأت الساحة الأدبـية بمئات الشعراء،ومثلهم النقاد،ومثلهم الحساد، بل قل المناوئون،لكنّ الجواهري حلّق بإنسانيته،وبعطائه،وبفكره المبدع الخلاق ليكون المتنبي الثاني .

  لا أريد تفصيل القول فيما يتعلق بالقصيدة ؛ لأنها ستكون  محور البحث ـ بعون الله وتوفيقه ـ ولكنّي وجدت أنّ من نافلةِ القول أنْ أبيّن أن أفكار القصيدة كانت ـ وما زالت،وستبقى ـ ناطقةً بصدقٍ،وبموضوعية عمّا يعانيه الفقراء من جور الطغاة،وهذا هو الأدب الحيُّ الخالد .

الـمـبـحـث الثـاني: أُسلوب القصيدة

      يُعدُّ الأسلوب الأدبي ـ ولاسيما في الشعر ـ من أهم العناصر التي تُساهم في إيصال الأفكار، وهو كذلك الثوب الذي يُظهر الإبداع الأدبي، وبه تَبِين جماليتُه، فضلاً عن قيمة الأفكار التي يُقدمها الأسلوب، وبقية مقومات النص الأدبي، وقد وجدنا في تحليلنا لأسلوب قصيدة (تنويمة الجياع) الآتي :

  1. اتخذ الشاعر السخرية أسلوبًا,فقدم أفكاره بهذا الأسلوب الذي انتظم القصيدة كلها ـ تقريبًا ـ .
  2. لم يُفصِح الشاعر عن مشاعره الخاصّة، وأحاسيسه صراحة، أي : لم يُعلن مباشرة موقفه مما طرحه، فأنت لا تجد أيَّ ضميرٍ للمتكلم الظاهر،و لا المستتر ـ بالإسناد ـ، بل إنّ ذلك بَيِّنٌ مما قدّمه من أفكار عن الجياع وبؤسهم، وما يُكال لهم من وعود كاذبة، فهو تكلم باسمهم، مصورًا دقائق حالهم، وكأن ذاته منصهرةٌ فيمن تحدّث عنهم بمرارة،وحرارةٍ غير مباشرة، ولو لم يكن الشاعر قد أحسّ ما كان يُكابده الجياع، وأنّه عاش مِحَنَهم، لما تأتت إليه هذه الصورُ المجسِّدةُ بصدق تلك المعاناة، وذاك الابتلاء .
  3. لقد جاءت أبيات الشاعر مناسبة سهلةً في نطقها،عفوية في طرح أفكارها، وقد انتظمت السلاسةُ  تسلسلها، وكأن الشاعر قد دخل قلوب الناس،وتغلغل في أعماق نفوسهم،وهو لم يُعمل فكره في البحث عن مفرداته، ولا مضامينه، بل جاءته طيِّعة، تعبّر عمّا يريد، وهذا لعمري الأدب الذي يُقال فيه (السهل الممتنع) .

وأحسب أن موضوع القصيدة، وأصحابها وراء هذه العفوية والسهولة، واليسر في الطرح والأسلوب .

  1. ولما كان الجياعُ ـ وهم جلُّ الشعب ـ قضيّةَ الشاعر الكبرى، فقد اتخذ أسلوب الخطاب المباشر، فهو استعمل صيغة الأمر (نامي) مُوَجَّهًا لهؤلاء المحرومين، مع أسلوب النداء،وإن حُذِف حرف النداء في (جياع الشعب)، فالمعنى بتقدير : يا جياع الشعب .

   وهذا الأسلوب ينمّ عن تحفيز لذات المتلقي في أن يتنبّه لما هو فيه،ولما يجري حوله، ولما عليه فعله .

5-استخدم الشاعر المشاكلة اللفظية والمعنوية، وعلى وفق أسلوب السخرية، فهو مثلاً ينوّع الشبع، إذ يجعله شبعًا من النوم، لا من الطعام، ومن الوعود لا من الحرية .. والنوم على المباهج، وما في ذلك من طلب الإخلاد للدعة، والسكينة، ولكنها مباهج الكذب التي كانت سهامًا قاتلة من الطغاة :

نامي على تلك المباهــج        لم تدع سَهمًا لِرامــي

أو دعوته للنوم لأجل التطلع الى الغَد المشرق، لكنّ الغد الموعود الذي لا يُرجى مجيؤُه، بل هو منصرم   :          

نامي جياعَ الشعب نامـي        الفـجرُ آذنَ بانـصــرامِ

نامـي على مــهد الأذى         وتوسّدي خَـــــدَّ الرُّغامِ

 6 ـ استخدم الشاعر المعاني الإسلامية،والألفاظ القرآنية،وهذا يدلّ على تأثر الشاعر بجو مدينته الديني، فرصّع قصيدته بما كان قد اختزنه في حافظته،ووشّاها مما اقتبسه من القرآن الكريم، نحو قوله :   نامي يُساقَطُ  رزقك الموعو           دُ فوقَكِ بانتظــــام([13])

            وقوله :    نامي تَطُف حور الجنــان          عليكِ منها بالمـــُدام ([14]

            وقوله :    نامي إلى يوم النشـــور           ويومَ يؤذن بالقيـــام([15])

            وقوله :    وتَعَوَّضي عن كل ذلــك           بالسجود وبالقيــــام([16]

7 ـ نوّع الجواهري في الأساليب التي استخدمها في إيصال أفكاره،فناسب بذلك التنوّعِ تنوّعَ الأفكار،وقد حلّق في ذلك التنويع، ونمّ ذلك عن دراية واسعة باللغة،وامتلاكه ناصيتها،من حيث إنّ لغتَنا ثريةٌ بالألفاظ المُعبّرة عن المعنى المُراد بدقةٍ،وغنيّةٌ بالتراكيب الموحية بالدلالات الكثيرة التي يمكن للتعبير احتواؤها، فضلا عما للشاعر من باع طويل وغزير في البلاغة وفنونها، فاستخدم أسلوب الطلب كثيرًا،ونوّع في جوابه،ففي مطلع القصيدة طلب من الجياع النوم،وقدّم مسوِّغًا لذلك بجملة فعليّة مفيدة الدعاء،وفي أعلى تركيب بلاغي مُعبِّر، يقول : نامي  جياع الشعب نامـــي       حرستك آلهة الطعــــامِ

       وقوله  : نامي فقد أضفى ((العـ      ـراءُ)) عليكِ أثوابَ الغرامِ

       وقوله :نامي فقد أنهـى ((مُجيـ      ـعُ الشعبِ)) أَيَّامَ الصـيامِ

     ومعلوم أن الفعل يفيد دلالة تجدد الحدث ([17])، وقد أفاد اختيار الأفعال هذه الدلالة .

وأخبر بالجملة الاسمية تعليلاً لطلب النوم، نحو قوله :

    نامي جياع الشعب نامــــي           اَلفجــر آذَنَ بآنصـرامِ

    والشمسُ لن تُؤذيـــــــكِ              بعدُ بما توهَّج من ضرامِ

    والنورُ لن ((يُعمي!)) جفونًــا             قد جُبِلنَ على الظــلامِ

والذي ذهب إليه العلماء أنَّ استعمال الاسم يُفيد الثبوت والدوام ([18]) . وهذا يُمكن تبيّنه في أسلوب الشاعر في الأبيات التي مرّت، وغيرها .

أو التعليل بجملة الشرط، نحو قوله :

    نامي فإنْ لم تشبعــــــي            من يقظةٍ فمن المنـــامِ

أو تعليل الطلب بجوابه، وبجملة المدح بعده، نحو قوله :

    نامي تصِحِّي ! نِعمَ نــــومُ            المرءِ في الكُرَبِ الجِسـامِ

 وكأنه قصد بهذا اقناع الجياع بالنوم، بحسب رأي أعدائهم، بأسلوب ساخر، لا على وجه الحقيقة.     

8- اقتراب لغة الشاعر من المتداول اليومي، - اللغة اليومية -، ولكنها لغة فصيحة، وقد يُطلِق عليه بعضهم لغة الجرائد، فإنه استعان بالألفاظ المتباينة من حيث ترتيبها في منزلتها من حيث كثرة الاستعمال (حتى تقرب من العامية)، وبين الألفاظ العالية في الاستعمال اللغوي الأسلوبي .

        يقول أحد الباحثين (إنّ اللغة لدى الجواهري هي اللغة بتاريخها الطويل، وبتراثها كله، وهي أداته الجديرة بالاصطباغ بدماء العصور كلها، فاللفظة عنده لا تنتمي لعصر دون آخر، بل هي اللفظة التي تبقى حيَّةً في خياله الخصب) ([19]) . وإن جُلَّ أبيات القصيدة لهي أدل على هذه الميزة في القصيدة.

  9- تكررت الألفاظ والتراكيب والتعبيرات، مثلاً : كرر الشاعر صيغة الطلب (نامي) في (66) ستةٍ وستين موضعًا من القصيدة .

      وكرر تعبير (نامي جياع الشعب) بتكرار (نامي) معه ومن دونها في (8) ثمانية مواضع .

وغير ذلك من التكرار الذي زاد من جمالِ الإيقاع، وتجدد الدلالة، من دونما خللٍ في الموسيقى، ولا في الإيحاء المعنوي، ولا في التأثير العاطفي، ومن دونما ملل لدى المتلقي .

10 – وظّف الشاعر بعض الأمثال، أو معنى الأمثال، أو الموروث الفكري الشعبي لإيصال فكرته، نحو قوله : نامي تصِحّي !نعمَ نــــومُ         المرء في الكُربِ الجســـام

           وقوله : نامي ولا تتجادلــي          القـول ُ ما قالـــت (حَذامِ)

          وقوله : والنّور لن يُعمِي جفونا         قد جُبِلْنَ على الظـــــلامِ

          الشمس لن تؤذيك بعــــدُ          بمَا توهّجِ من ضـــــرامِ

11- أحسن الشاعر في اختياره بحر الكامل ليقدم من خلاله ما اعتلج في داخله من مشاعر وأحاسيس، لما في هذا الوزن من إيقاع ناسب فكرة القصيدة، فانسابت التعبيرات توقع لحنًا ساهم في التأثير في المتلقي ؛ لأن هذا البحر (كثير الإغراء، وافر الإيقاع، يستجيب بطواعيّةٍ لدواعي النفس، وألوان الفكر، شاع بنسبةٍ كبيرةٍ لدى الشُّعراء القُدماء، واستخدمه كذلك شعراء العصر الحديث، ونظموا فيه قصائد شهيرة، ولا سيما في المجزوء منه، الذي استُغِلّ أحسن استغلالٍ لأغراض مختلفة) ([20]) .

12- وأحسن الشاعر كذلك في اختياره حرف الميم، المكسورة، المؤسََّس([21]) لها بحرف المد (الألف)، رويًّا لقافيته، وكأنه يبغي أمرين، الأول : شدّ المتلقي مباشرةً إلى التنبّه، والتيقّظ، وليلهب الحماس، وهذا يمكن تلمّسه من بحر الكامل وألفاظ القصيدة ومعانيها، وقافيتها جميعًا .

الثاني : الهدوء الذي قصدَه الشاعر في تعبيراته على وجه حق، لا على وجه الحقيقة، لكن ليناسب الأفكار الظاهرة المستفادة من ظاهر الألفاظ، والتراكيب نحو طلب النوم، وغيره، وفي هذا تناغم بين صوت الميم، والمعنى البارز من دونما بحث فيما تحت اللفظ، وليس ما أراد الشاعر من وراء تعبيراته على وجه الحقيقة، ولقد راعى الشاعر في قافيته امتداد الصوت المتأتي من مجموع حروف قافية القصيدة.

13- إنَّ ألفاظ القصيدة – على الرغم من اقترابها من الاستعمال اليومي للناس – لم نجد فيها لحنًا، ولا غلطًا في الصيغ، ولا إسفافًا في الاستعمال، ولما كان الشعر يحسب على الشعراء القدماء (الكلاسيك)، فهو ممن عُرِف بُقوة السبك في العبارات، فنلحظ أنه استعمل الألفاظ الصعبة – على قلّتها – في أبيات القصيدة، نحو قوله :

نامي على مهـــــدِ الأذى            وتوسّدي خَدَّ الرُّغـــــــام

فاستعمل (الرُّغام) الذي معناه : التراب . وربما قصد به القَسر، من (رغم أنفه) ([22]) .

وقوله : نامي ..غدٌ يسقيكِ من          عَسَلٍ وخمرٍ ألفُ جامِ

فاستعمل لفظ (جام)، وقصد به هنا الإِناء المستعمل للشراب والطعام ([23]) .

وقوله : لم تُبق من (نُقلٍ) يسُّركِ        لم تجِئه .. ومن أدام .

فلفظ (نُقل) وهي الفواكه، ولاسيما التي تُحضر مع الخمرةِ للشاربين . وقد يُراد به ما يُنقل من كلام (وعُود)، أو (أعيان) ([24])  .

وقوله : الواحِمين ومِن دمائك         يرتوي شرَهُ الوِحام

فـ(الواحِمين) جمع (وَحِمٌ) ؛ الذي أفرطته شهوته في شيء، وقصد به هنا المولعون حدّ الشراهة في دم الشعوب([25]).

وقوله : ولأنتِ أحوجُ بعدَ أتعــــــا             بِ الرضوخ الى جِمــــامِ ([26])

فاستعمل كلمة (جمام)، التي تدل على الكثير، وقصد بها الراحة التامة من هدوء وسكون .

وقوله : نامي يُرَح بمنامِك الزُّعمــــ                 اءُ من داءٍ عُقـــــــام

فاستعمل كلمة (عُقام) قصد بذلك الداء الذي لا يبرأ منهُ ([27]) .

وقوله : نامي على جيشٍ مــــن         الآلام مُحتشدٍ لُهـــــــام

فمعنى (لُهام) الجيش العظيم، كأنه يَلتهم كل شيء ([28]) .

 وربما ثمّة ألفاظ أُخر، قد يُرى فيها شيء من الصعوبة .

الــمـــبـحـــث الــثـالــــث: أفكار القصيدة

         لقد حدّد الجواهري موضوع قصيدته (تنويمة الجياع)، ولم يذهب بعيدًا عنها، وهذا ما يُسميه علماء النقد بوحدة الموضوع في النص الأدبي، وإنّ فكرة القصيدة تعبّر عن البلاء الذي حلّ بشعب الشاعر، إنه ظُلم شمل جوانب حياتهم كلّها، وللشعب كلّه، وقد استطاع الشاعر أن يُوَظِّف خزينه اللغوي، وتجربته الحياتية التي تنطلق من الواقع المرّ، وكون الشاعر إنسانًا يحسّ بعمق ما يتجسد في حياة أهله،وقد تلوّن عمله من موظف حكومي، إلى صحفي – كاتبًا أو رئيس تحرير -، كل هذه وغيرها ساهمت في منح الشاعر البراعة في تقديم صور مختلفة للظلم الذي فرضه الحكام الطغاة على الناس، فأنت تلحظ مثلا :

1 . فكرة النوم قدَّمها الشاعر بأسلوب ساخر، وبمسوّغات هي من بنات عقول الطغاة، فهو :

أ. طلب النوم كي يشبَعُ الشعبُ الجائعُ من النوم، لا من الطعام .

طلب النوم كي يشبع الشعب من الرغيف، لكن بالأحلام...........

جـ .طلب النوم كي يشبع الشعب لغرض تمام صحته وعافيته .

طلب النوم ولكن في وخز للظالمين الذين أهملوا مسؤوليتهم وتركوا الجياع تفترسهم الأوبئة والأمراض ..، إذ النوم سيكون على أنغام صوت البعوض .......

هـ. طلب النوم من أجل أن تبقى الأفواه مكمومةً (حرية الفكر).........

طلب النوم استجابةً لخطب الطغاة الكاذبة بوعودهم بالرزق، فكأنها مواعيد عرقوب

2.إفادة الشاعر من الأفكار والمفاهيم التي استمدها من الموروث الشعبي، نحو قوله :

الشمس لن تؤذيـــك بعـــدُ     بما توهّج من ضـــرام

وقوله : النورُ لن يُعمــي جفونًا     قد جُبِلن على الظـــلام

وقوله : نامي جياع الشعب نامي      النَّوم من نِعمِ الســـلام

3.  قدّم الشاعرُ مُسَوِّغَ طَلَبِهِ من الجياعِ النوم - وهذه الدعوةَ قد تكررت،فعمّت القصيدة كلّها– بسخرية لاذعة، فكانت النتائج التي آلَ إليها كل طلب أفكارًا مقصودًا منها إيقاظ الشعب، لأنّ المآل المترتب على النوم هو ما يدور في عقل المتسلطين، ونفوسِهِم، وما يرغبون فيه، وما يقتلون الجياعَ لبلوغِه، في غاياتٍ باطلةٍ، وأقاويل زائفة، وواضح أنّ ذلك لا يُريده الشاعر حقيقةً،نحو قوله :

نامي فإنّ الوحدةَ العصماء
وقوله : نامِي فإنّ صلاحَ أمسٍ
وقوله : نامي جياعَ الشعبِ نامي
لا تقطعي رزق المُتاجِـ
نامي تُريحي الحاكمين
نامي تُوَقَّ بكِ الصحافةُ
يَحمدْ لكِ القانونُ
 

 

تطلبُ أن تنامي
فاسدٍ في أن تنامي
لا تقطعي رزقَ الأنامِ
رِ والمُهندِس والمحامي
من اشتباكٍ والتحامِ
من شكوكٍ واتهامِ
صُنْعَ مطاوِعٍ سلسِ الخُطامِ
 

 

4ـ ودُّ الشاعر للجياع فهو لم يستطع كتمان حبّه، وإعظامه لشعبه، فراح يُفصِحُ عن جواهرِ هذا الشعب الأبي وراح يظهر معاناتهم، وأساه لذلك، وقد تخللت هذه الفكرة معظم أبيات القصيدة، ولا يخلو كل بيت من أسلوب السخرية، وقد جاء إعظام الشاعر للجياع بصورتين : الأولى : إظهاره بؤس الجياع وحرمانهم،وما وقع عليهم من جور وحيف وهم كانوا جديرون بتحمل ما وقع عليهم،ولحق بهم،نحو قوله :

نامي فإن لم تشبعي
وقوله : نامي على المستنقعات
وقوله : نامي غدٌ يسقيكِ من   
وقوله : نامي فما الدُّنيا سوى  
وقوله : نامي على جَوْرٍ كما   
 

 

من يقظةٍ فمن المنام
تموجُ باللجج الطوامي
عسلٍ وخمرٍ ألفَ جامِ
جسرٍ على نكدٍ مُقامِ
حُمِلَ الرّضيعُ على الفِطامِ
 

 

والثانية : إعظامه هؤلاء الجياع كونهم الدر النقي من البشر،وأنهم مثال الصبر،وأنهم جذوة النور،وأنهم الصورة العليا التي صوّرها الله في التحمّل،ومواجهة الخطوب،نحو قوله :

نامي شَذاة الطُّهر نامــي            يا دُرّةً بينَ الرُّكـــــامِ

يا نبتةَ البلـوى ويــــا            وردًا ترعـرع في اهتضـام

                            إلى أن يقول : نامي إليك تحيَّتــــي           وعليكِ نائمةً سلامــــــي

3ـ النصائح أو الحِكَم المقدمة بأسلوب السخرية، وربما الاستهزاء، فقد مزج الشاعر فكرة النصيحة بما يتداوله الناس من تعبيرات قد تكون مما جرى على ألسنتهم، فصاغها بأسلوب ساخر، نحو قوله :

نامي على زُبَدِِ الوعود
وقوله : نامي تَصحِّي ! نِعمَ نومُ
وقوله : والشّمسُ لن تؤذيك   
وقوله : نامي فكفُّ الله تغسـ   
وقوله : نامي فنومكِ فِتنةٌ      
 

 

يُدافُ في عَسَلِ الكلامِ
المرءِ في الكُرَبِ الجسام
بعدُ بما توهّج من ضرامِ
لُ عنكِ أدران السّقامِ
إيقاظُها شَرُّ الأثامِ
 

 

وعلى الرغم من سيطرة السخرية، والتلوين بين الصور المتناقضة، نلمح حقائق مؤلمة، وحِكمًا صاغها الشاعر، نحو قولّه :

نامي فجدران السجــــــــون        تعجـــُّ بالمـــــوت الزؤامِ

ونحو قوله : نامي على جَوْرٍ كمــا         حُمِلَ الرضيـــعُ على الفطــامِ

ونحو قوله : نامي جياع الشعب نامي         النَّومُ أرعـــى للذِّمــــــامِ

4ـ عمّت القصيدة أحاسيس الشاعر غير المعلنة،من خلال سخريته، فأذكى النهوض في قلوب الجياع، ولكن بأسلوب هادئٍ غير معهود بما عُرِف عنه في معظم قصائده التي كانت تطفح  بمشاعر الثورة، والحث على التغيير بعنف، وأبيات القصيدة كلّها تنمُّ عن هذه الروح، ومسوّغ ذلك – فيما أحسب – هو موضوع القصيدة الذي منه : الجوع، والحرمان، والذل، والمرض، والسجن ومصادرة الحريات، ولا سيّما حرية الفكر، وجعل الأمة في حالة استكانة دائمة، بل الإحباط واليأس والقنوط في نيل أيّ حقٍّ من حقوق الحياة، والحرمان من أيسر تلك الحقوق، نحو قوله :

نامي على حُمَةِ القنا
وقوله : نامي غدٌ يسقيكِ مِن 
أجرَ الذليلِ، وبردَ أَفئدةٍ    
وقوله: نامي يُساقَطُ رزقُكِ
 

 

نامي على حدِّ الحُسامِ
عسلٍ وخمرٍ ألفَ جامِ
الى العليا ظوامي
دُ فوقَكِ بانتظام
 

 

5ـ فكرة حقّ الحكم الإلهي، وأنه نصيب فئة من البشر، بلا منازع، وهو يُقدمّها بأسلوب ساخر، ومن خلال هذا الطرح يريد الشاعر أن يؤكد أن هذا الرأي ممجوج مرفوض على وفق القوانين السماوية،والوضعية، نحو قوله :

أعطي القيادة للقضاءِ 
واستسلمي للحادِثاتِ   
وقوله : خلِّ الهُمامَ بفضلِ نو
وتجنبّي الشُّبُهاتِ في وعيٍ  
 

 

وحِكّمِيه في الزِّمامِ
المُشفقاتِ على النيامِ
مكِ يتّقي شرَّ الهُمامِ
سيوصَمُ باجترامِ
 

 

 

6ـ الوعود الكثيرة الكاذبة الزائفة، ومزاعم لا حقيقة لها، ومع ذلك يصورها الشاعر وكأنها مِنح من الحقوق من لدن الحكام الطغاة الظالمين للجياع، وبأسلوب السخرية نفسه، فهو يقول :

نامي على الخُطَبِ الطِوالِ
ونحو قوله :

 نامي على تلك العظات
 

 

مِن الغطارِفةِ العِظامِ
 

الغُرِّ من ذاك الإمام
 

 

يُوصيك أن لا تطعمــي                من مال ربِّك في حطــام

يُوصيك أن تَدَعي المباهج                واللـذائــذَ لِـلئــــام

ولم يدع الشاعر تلك الدعوات التي ذكرها على لسان الطغاة إلا وقدّم الجزاء على تحملهم ـ وبحسب عقول أولئك المتسلّطين ـ، مُحيلاً أمر بلواهم الى وعّاض السلاطين الذين يَكِلُونهم إلى الغيبيات ومايتبعها، من أجل حلّ مشكلاتهم، فيُشير الى العبادة (الصلاة) وغيرها، فقال :           

وتَعَوَّضِي عن كلِّ ذلــك               بالسّجودِ وبالقيـــــامِ

7ـ فكرة التعلل بالغيب، وأنّ جوعهم ومآسيهم وبلاءَهم سيزول بطاقات غيبيّة، ولكن بأسلوب السخرية، لأنها أفكار لا صحة لها، ولا يحكيها واقع الأمم، بل حقوق الشعوب ـ كما هو معروف ـ تؤخذ بالنضال والتضحيات لا بأحلام النيامِ، نحو قوله :

        نامي فكف الله تغســــــــ          ـل عنك أدرانَ السّقــــــــام

نامي فحرزُ المؤمنين يَذُ
وقوله : نامي تَطُف حورُ الجنان
 

 

بُّ عنكِ على الدّوام
عليك منها بالمُدام
 

 

8ـ فكرة ترك قيادة الأمة، وشؤونها كافة لمن امتلكوا ذلك الحق، أيًّا كانت مسوّغات  هذا التسلط،ومن دونما نقاش، نحو قوله :

وقوله : نامي يُرَحْ بمنامِكِ الزُعما
 

 

ءُ من داءٍ عُقامِ
 

 

9ـ نُصحُ الشاعر الجياعَ أن يتركوا أمرهم ويكلوه إلى من يتصدَّى للدفاعِ عنهم ونيل حقوقهم بسخريةٍ لا حقيقة، نحو قوله :

نامي وخَلّي  الناهضين
نامي وخَلّي  اللائمين  
نامي فحقّك لن يَضيعَ 
 

 

لِوَحْدِهم هدفَ الروامي
فما يُضُرُّكِ أن تلامي
ولستِ غُفلاً كالسوامِ
 

 

إنّ الرعاة الساهريـــــــن          سيمنعونك أن تُضامِــــــــي

10 ـ مال الشاعر كثيرًا إلى تقديم مُسَوِّغٍ لطلبه،أولأخباره،فضلا عن تنويعه لتلك العلل من حيث الأسلوب،  فمثلا هو علل طلب النوم بالجملة الشرطية،ولا ننسى سخريته الواضحة في ذلك:   نامي، فإن لم تشبعــــــي           من يقظةٍ فمن المنــــــــام

أو أنّه يقدّم علةً لطلبه نُصحًا طبيًّا، أو فكرة اجتماعية، ويمدح ذلك الفعل، كي ينجوَ من يقوم بذلك من البلايا،وهو لم يُرِد الحقيقة،بل السّخرية، يقول :

نامي تَصحِّي، نِعْمَ نـــــــومُ          المرءِ في الكُرَبِ العظــــــامِ

11- إنّ القصيدة يمكن عدُّها من أدب التمرّد، وهذا ليس جديدًا لدى الشاعر، فهو يقول عن نفسه: (مع ما في نفسي ودمي، وحياتي من حبّ التمرد والعصيان) ([29]) .

      وقال باحث عن تمرد الجواهري : (إنّ الجواهري أعظم شاعر متمرد عرفه التاريخ قديمًا وحديثًا، بل ومؤسس أول مدرسة في العنف الشعري في تاريخ العراق الحديث) ([30]) .

       إنَّ الشاعر تحدث عن ظلم الجياع، وعن بؤسهم، وحرمانهم، فهو بذلك يريد ثورتهم لدفع البلاء الذي يخيّم عليهم، بل قل إنه يريدهم أن يتمردّوا على ظالميهم .

نتـائـج الـبـحث

       إنّ من يَلِج عالَمَ الجواهري الشعري يجدهُ عالَمًا شعريًّا واسعًا، فهو بحر، ولا أبالغ إن قلت : إن من يُبحِر فيه ومعه لَيَغرقُ في بحره اللُّجِيّ هذا،حيث تتقاذفه أفكاره،وتحلِّق فيه أحاسيسه الإنسانية العليا،وتخلُبُ لبَّه مشاعرُه التي تطفَحُ بالعواطف المنبثقة من تعبيراته الصادقةِ، المؤدية المعنى بأبلغ صور البيان، وبأعلى دقةٍ في الدلالة،ولا سيّما عندما يتحدث عن المحرومين، وهذا يوثِّق علاقة الشاعر بالقيم الإنسانية، وأنه يتوهّج مشاعل إضاءة للمحرومين، يقول في مقصورته :

أَلَحْـتَ بـِشعركَ للـبائـــسين       بِداجِـي الخـطوبِ بَـريقَ المُـنَى

يقول ميري البصري : (وكان الشاعر مؤمنًا بجماهير الشعب، معبّرًا عن آمالها وآلامها)([31]).

وقصيدته (تنويمة الجياع) واحدةٌ من قصائده التي حلّق فيها الشاعر فكرًا،وأسلوبًا، وجمالاً، وهو يجسّد جوانبَ من حياة شعبه المريرة،ومما تبيّناه فيها الآتي :

1 ـ مالَ الشاعر ميلا شديدًا إلى السهولة في تعبيراته، ولا نغالي إذا قلنا : إنّه تحدّث بلغةِ الجياعِ أنفسِهم، وتداول ألفاظهم،ونقل ما يدور في خلجات نفوسهم،ولكن بسخريةٍ لاذعة، وهذا أعلى درجات الإبلاغ الأدبي .

2 ـ إنّ الشاعر اختار موضوعًا إنسانيًّا ـ وإن كان هذا الموضوعُ قضيةَ الشاعرِ الأولى والكبرى،وما زال  وَكدَ المصلحين وكأنه ماثلٌ أمامنا الساعة يُصوِّرُ بشاعة حرمان شعبه،بصدق عجيب .وهذا لَعَمْرِي الأدبُ الحيُّ الخالد .

يقول ميري البصري : (لقد كان شعره دائمًا إنسانيَّ النزعة، فوّار العاطفة تقدّميّ الأغراض) ([32]) .

3 ـ حسن استفادة الشاعر مما بَنى به ثقافته،فوظّف ما استقاه من جو النجف الديني العام،وما ثقّف به مَلَكَتَه من جو عائلته، بجهده الخاص، لترصين أسلوبه،وتحصينه،وتقديم أفكاره بأبهى الأثواب،وقد ظهر ذلك جليًّا في معظم ما عبّر به من أساليب، وما قدّم من أفكار،ولا سيّما التأثر بالقرآن الكريم .

4 ـ توزّعتِ القصيدةَ الأساليبُ المتنوّعة،ما بين الطلب والإخبار،فتجد من الطلب : الأمر، والنهي، والاستفهام،والنداء..أما الإخبار فجاء بالجمل الاسمية،وكذا بالجمل الفعلية، وبالجمل الشرطية وغيرها،ومنها استخدامه لفعل المدح (نعم)، وفعل الذم(بئس) . وقد قصد الشاعر بهذا التنويعِ والتلوينِ حسنَ مُناسبةِ الأسلوبِ للفكرةِ التي طرحها،فبلغ المرمى بدقةٍ ما بعدها دقة، وظهرت في ذلك درايته في اللغة، نمّ عن إحاطته بها، وإلمامه بخزين لغوي ضخم.

5 ـ على الرغم من أنّ الشاعر عرض أفكاره بسخرية لاذعة،لكنه لم ينسَ هؤلاء الجياع المحرومين،فخصَّهم بأبياتٍ عدّة،أعظَمَهم فيها أيّما إعظام،وأجلّهم أيما إجلال .

6 ـ حسن اختيار الشاعر لوزن القصيدة،فقد اختار البحر الكامل ؛لما فيه من هدوء،وإيقاعٍ مناسب لغرض القصيدة،وأفكارها . وكذا جاءت قافية الميم المحركة بالكسر لتُطيل انسياب الهدوء الذي يريده الشاعر لمعنى النوم ـ وإن كان ساخرًا ـ ليتناسب الصوت مع فعل النوم،وكأنّ الشاعر يهدهد صبيانًا أضناهم الجوع حقًّا،وبهذا الترنيم يوصلهم إلى النوم، أو ليطول حدثه،وإن لم يُرِده الشاعر حقيقةً

المراجع والمصادر

القرآن الكريم

 

1 - أعلام الأدب في العراق الحديث ـ ميري البصري ـ دار الحكمة ـ 1415هـ ـ 1994م

2- الجواهري في جامعة الموصل ـ كلمات ومختارات ـ من منشورات المركز الثقافي الاجتماعي لجامعة الموصل ـ جمعه وحققه وأشرف على طبعه عبد الرضا علي وسعيد جاسم الزبيدي ـ 20 /2 /1980 م.

3- ديوان الجواهري ـ محمد مهدي الجواهري ـ ط 5 ـ لم يُذكر مكان الطبعة،ولا سنتها، غير أنّ المقدمة التي قدّم الشاعر بها ديوانه جاءت موقّعة بخطه،وفيها :بغداد 7 شباط 1961م .

4- ذكرياتي ـ محمد مهدي الجواهري ـ ط1 ـ دار الرافدين ـ دمشق 1988م .

5- لسان العرب – ابن منظور (ت711هـ) –ط1 – دار الحديث- القاهرة 1423هـ - 2003م.

6- لغة الشعر عند الجواهري – د. علي ناصر غالب – ط1 – بغداد – 1411هـ -1990م .

7- مجمل اللغة – أبو الحسين أحمد بن فارس (ت395هـ) – راجعه ودقق أصوله : محمد طعمة – ط1- دار إحياء التراث العربي – بيروت- لبنان 1426هـ - 2005م .

8- معاني الأبنية في العربية – د. فاضل صالح السامرائي – ط1 – ساعدت جامعة بغداد على طبعه ونشره – بغداد 1981م .

9- المعجم المفصل  في اللغة والأدب – د. ميشال عاصي، ود. أميل بديع يعقوب –ط1 – دار العلم للملايين – بيروت – لبنان 1987م .

10- المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم ـ محمد فؤاد عبد الباقي ـ ط1 ـ  مؤسسة الأعلمي للمطبوعات ـ بيروت ـ لبنان 1420هـ  ـ 1999م .

الدوريات

1 ـ المجلة الثقافية ـ الجامعة الأردنية ـ (عدد ممتاز برقم 42)، ربيع الثاني ـ رجب 1418هـ  ـ آب ـ تشرين الثاني 1997م .

الأطاريح والرسائل الجامعية

1ـ التمرد الاجتماعي والفني في شعر الجواهري ـ جلال عبد الله خلف (اطروحة دكتوراه) كلية الآداب بغداد .

 

(1) ملف أصدرته جامعة الموصل احتفاءً بالشاعر الجواهري في 20/2/1980م .

(2) المجلة الثقافية –الجامعة الأردنية- عدد : 42، سنة 1418هـ -1997م / مقال : تأملات في عالَم شعري / 98 .

(3) من قصيدة للدكتور سعيد الزبيدي، ألقاها بمناسبة احتفاء جامعة الموصل بالشاعر في 20/2/1980م .

(4) المجلة الثقافية / 100.

(5) أعلام الأدب العراقي الحديث 1ـ182 .  

(6) المجلة الثقافية / 130 .

(7)  ذكرياتي 1/53 .

(8) ذكرياتي 1/ 70 .

(9) ذكر الشاعر كثيرًا من ذلك في مذكراته،بل إنّ كثيرًا من قصائده سجلت ذلك في مناسبات شتّى .

(10)  ذكرياتي1/14. ومن أبياته المعَبّرة عن ألمه، وألم الناس قوله :

    عرفتنا الآلام لونًا، لونا     وأرتنا الممات ساعًا، فساعا            : من قصيدة :(الدم يتكلم).

(11) ذكرياتي1/37.

(12) مثلا قصيدته في هاشم الوتري : مجّدتُ فيك مشاعرًا ومواهبا   ... هي قريبة من قصيدة أبي الطيب :

بأبي الشموس الجانحات غواربا        اللابسات من الحرير جلاببا

(13) قال تعالى : (وهُزِّي إليك بجذع النخلةِ تُسَاقِطْ عليكِ رُطَبًا جَنِيًّا) [مريم : 25] . ينظر : المعجم المُفهرس لألفاظ القرآن الكريم /356،مادة (سقط) .

(14). جمع الشاعر بين فكرة طواف الولدان المُخَلَّّدِين، وصفة الحور العين،مُستفيدًا مما ورد من ذلك في القرآن الكريم، نحو قوله تعالى : (وحُورٌ عِيْنٌ) [ الواقعة :22]، ينظر :المعجم المُفهرس لألفاظ القرآن الكريم /227،مادة (حور)،وقوله تعالى : (ويَطوفُ عَليهِم غِلمانٌ لهم) [الطور : 24]،ينظر :المعجم المُفهرس لألفاظ القرآن الكريم /433 ـ 434،مادة (طوف)، وآيات أُخَر كثيرة.

(15). وظّف الشاعر فكرة الصبر حتى يوم الحساب لنيل الجزاء على ما يُبتَلى به الإنسان،نحو قوله تعالى : (وإليه النُّشور) [الملك: 15] . وقوله تعالى : (فَيُوَفِّيَهِم أجورَهم) [آل عمران :57] .ينظر : المعجم المُفهرس لألفاظ القرآن الكريم /706، مادة (نشر) .وصـ 760،مادة (وفى) .

 (16) والسجود والقيام مفهوم إسلاميّ يُشير إلى الصلاة،وقد ورد من مادة (سجد) و(قوم) في القرآن الكريم صيغ مختلفة كثيرة نحو قوله تعالى : (وطَهِّر بيتيَ للطائفين والقائمين والركَّعِ السّجودِ) [الحج : 26]،ينظر: المعجم المُفهرس لألفاظ القرآن الكريم /349،مادة :سجد .وصـ 582،وما بعدها في مادة :قوم .

(17) ينظر : معاني الأبنية ـ د.فاضل السامرائي /9، ومصادره .

(18) ينظر : معاني الأبنية /9، ومصادره .

(19) لغة الشعر عند الجواهري د. علي ناصر / 178 .

 (20)المعجم المفصل في اللغة والأدب  1/302، ونقل عن مقدمة (الإلياذة) الآتي : (وقد أحسنوا بتسميته كاملاً؛ لأنَّهُ يَصلُح لكلّ نوع من أنواع الشعر، ولهذا كان كثيرًا في كلام العرب المتقدمين والمتأخرين، وهو أجود في الخبر منه في الإنشاء، وأقرب إلى الشدّة منه إلى الرِّقة) .

 (21) ينظر : المعجم المفصل في اللغة والأدب 2/970 .

 (22) ينظر : مجمل اللغة / 256 مادة (رغم)، ولسان العرب 4/188، مادة رغم .

 (23) ينظر : لسان العرب  2/269 مادة (جوم) .

 (24) ينظر : لسان العرب 8/683، وما بعدها مادة (نقل) .

 (25) ينظر : مجمل اللغة / 293 . مادة (وحم) . ولسان العرب 9/242 مادة (وحم) .

 (26) ينظر : مجمل اللغة / 93، مادة (جمّ) . ولسان العرب 2/210، وما بعدها، مادة (جمّ) .

 (27) ينظر : لسان العرب 6/377، وما بعدها، مادة (عقم) .

 (28) ينظر : مجمل اللغة / 586، مادة (لهم) . ولسان العرب 8/144، وما بعدها، مادة (لهم) .

 (29) ذكرياتي 1/323 .

 (30) التمرد الاجتماعي والفني في شعر الجواهري /45 .

(31) أعلام الأدب في العراق الحديث /182 .

 (32) أعلام الأدب في العراق الحديث /182 .