تصنیف البحث: الأدب العربي
خلاصة البحث:

من المعروف أن أية لغةٍ مهما كانت عريقةً ومعقدة يجب أن تنال في المقام الأول رعاية أهلها والمتكلمين بها، لأنها أداةٌ للحضارة الإنسانية، وأساسٌ لها، وهي الاختراع الحضاري الأول الذي مدّ به الإنسان وجوده، فاللغة أم التفكير، وما كان للمعرفة أن تأتي إلى حيز الوجود بدون اللغة.

 وقد تعددت تعريفات اللغة وتنوعت الحدود لكنها لا تتعدى معنيين هما: -

1. الإفصاح (بوساطة نظام صوتي واشاري) (فردينان دي سوسير) علم الغة العام.

2. التداول أي التبادل الاجتماعي (ابن خلدون) المقدمة.

 وسنقف عند تعريفين للّغة لأثنين من المفكرين قديمًا وحديثًا، يُشير التعريف الأول إلى (أن اللغاتِ كلَّها ملكاتٌ شبيهةٌ بالصناعة، إذ هيَ مَلكاتٌ في اللسان للعبارة عن المعنى وجودتها وقصورها بحسب تمام المَلَكةِ أو نقصها، وليس ذلك بالنظر الى المفردات، وإنما هو بالنظر إلى التركيب). ويكشف هذا التعريف عن إن اللغةَ صناعةٌ، وهذا يعني أن لها طابعًا تبادليًا. بمعنى أن الفردَ والمجتمعَ يتبادلان التأثير، إذ يستمد الفرد من اللغة تراكيبَها وأساليبَها الفردية (الكلام) ثم يضيف (كلامه) الفردي إلى رصيد الجماعة ليكون رافدًا من روافد اللغة. ومن هنا فرّق علماء اللغة المعاصرون بين مفهومي (الكلام) و(اللغة) باعتبار الأول نتاج فردي، والثاني نتاج اجتماعي، إلا أن الصلة بينهما تبادلية التأثير. أما التعريف الثاني فيشير إلى أن اللغة نظام من الإشارات، جوهره الوحيد الربط بين المعاني والصور الصوتية، وكلا طرفي الإشارة نفسي. وهذا يدل على طبيعة اللغة من حيث أنها نظامٌ إشاري أو رموز صوتية وكتابية دالةٌ على مقاصد النفس بنظام تَواضع عَليه الناطقون بها. ومن هنا يتبين أن الكلام عن أهمية اللغة لابد له من أن يتخذ مسارين فردي واجتماعي. كما أنها نظامٌ منمط يحتوي على عَناصرَ متبادلة أو شَكلٍ بنائي يحتوي على عناصر متمازجة، وهي أيضًا نظامٌ متبادل لوحدات اللغة التعريفية.

واللغة تهيئ للأفراد فرصًا كبيرةً للانتفاع بوقت الفراغ عن طريق القراءة وزيادة الفهم، فضلاً عن أنها تغذي لديهم الجانب العاطفي عن طريق التذوق الجمالي، ووسيلة الراحة النفسية، وتهدئة الاضطراب، وكسر حواجز الغربة بين الفرد ومحدثيه، كما إن اللغة وسيلةُ التنفيس عن الضجر والكبت بممارسة الإنشاد، واللغة أداةُ كلِ علم ومفتاحُ التعلّم، ووسيلةٌ من وسائل العمل والإنتاج، وحلقةُ وصلٍ لكل نشاطٍ اجتماعي يربط بين الفرد والجماعة سواءً اجتماعيًا كان هذا النشاطُ أم اقتصاديًا أم ثقافيًا، أم روحيًا.       

ولقد كُتِبَ للغةِ العربيةِ الخلودُ بنزولِ القرآن الكريم الذي أمدَّها بمادةٍ لغويةٍ غَزيرة، ومن فضل القرآن الكريم على اللغة العربية أيضًا أن عَمَل على توحيدها وطبعها بطابع الشمول بحيث تَيَّسر لهذه اللغةِ أن تكونَ لغةَ العَربِ عامة. وبعد ظهورِ الإسلام عاشتْ دورَها في تطورٍ ونَماء، وأتسعَ صدرُها لكثيرٍ من الألفاظِ في اللغات الأخرى، وتتمتع اللغةُ العربية بمكانةٍ رفيعة بين اللغات فهي التي دونت الحضارة العربية الإسلامية والعلوم والآداب المثلى والأخلاق العالية، أنها لغةُ فصاحةٍ وقوةٍ وبيان، وهذا رصيدٌ ضخم وكنز من كنوز تراثنا المعطاء. ولا يغيب عن البال أن الواجب التربوي والتحصيل العلمي يدفع إلى الاهتمام باللغة العربية، لأن الجامعة مؤسسة تعليمية تربوية وبيئة ثقافية. لذا كان لزامًا أن نسعى جاهدين متخذين أفضل الوسائل لتشويق الطلبة إلى هذه اللغة بأساليبَ تربويةٍ حديثة، واضعينَ نُصبَ العينِ تحقيقَ الأهداف التي نطمح إليها.

إذ تشكل اللغة العربية مقومًا عظيمًا من مقومات الأمة وأن تباعدت أقطارها. وإن اللغة العربية وما فيها من إبداع، تشكل مناخًا عاطفيًا ونفسيًا يستريحُ إليها أبناءُ الأمة، وليس للأمةِ من رِباطٍ نفسيّ يجمعها إلا لغتُها.