mp3:
الملف: Microsoft Office document icon 043.doc
  •  معطيات الحضارة الإسلامية:

اكتسحت الرسالة الإسلامية المجتمع الجاهلي وفتحت طريقها بقوة الوحي نحو بناء حضارة إنسانية لم يشهد التاريخ البشري مثيلاً لها.

ومع اكتساحها لذلك المجتمع المتهاوي جرفت كل ما تبقى من المجتمع الجاهلي من سمات وعقائد وأفكار وبنت على أنقاضه أفكاراً وقيماً جديدة أخذت تترسخ وتنتشر بظلالها أرجاء الكون، ونشأ على أثر هذه الحركة القوية التي قلبت كل شيء عطاء لا ينضب من القيم والأفكار.

فكان أول عطاء للحضارة الإسلامية هو الإنسان الفاعل في الحياة والنظام القادر على إسعاد البشر والقيم المحركة للحياة.

أولاً: الإنسان الفاعل..

تطرقنا في أول البحث حول طبيعة الإنسان الجاهلي وإذا ما أردنا أن نقارن بينه وبين أي نموذج إنساني في عهد الرسالة لوجدنا بوناً شاسعاً.

إذا ما أردنا أن نقارن بين أبي ذر الغفاري قبل الإسلام وبعده لكم كان الفارق كبير وشاسع فقد حولت الرسالة أبا ذر من قاطع للطريق إلى صوت للعدالة يهز عروش الطغاة وإلى منادي الحرية والحق فقد قدموا له الرشاوي حتى يسكت ويترك نقد السلطة فإذا بقاطع الطريق يخرج غاضباً رافضاً أية مساومة في دينه وفضل أن يعيش منفياً في الربذة على أن يساوم في دينه، وأينما وضعنا أيدينا على النماذج الإنسانية التي صنعتها يد الرسالة لوجدنا العظمة وهي تتجلى في صفحات حياتها، فهذا عمار وذلك بلال كيف كانوا وكيف أصبحوا.

إن مفخرة الإسلام هو تلك المعادن التي صنعها من لا شيء.

وإن عظمة رسول الله (صلى الله عليه وآله) تتجلى في أولئك الذين صنعهم من لا شيء ودفع بهم التاريخ كرموز للإنسانية ومنائر للعلم والفضيلة.

لقد صنع في الإنسان الإرادة بعد أن كانت تسيره الخرافة والمعتقدات البالية، واستثار فيه العقل ودفعه بقوة إلى الحياة ليبني، ليزرع، ليصنع وليعمل حتى المستحيل.

وحرك في الإنسان مشاعر الكرامة والعزة فأصبح لا يدنو للرذائل ولا يقترب لما حرمه الله تعالى، وأوجد لديه شعوراً بالمسؤولية نحو كل موجود على سطح الأرض فهو مسؤول حتى عن الحيوانات فكيف بالإنسان.

قضى رسول الله (صلى الله عليه وآله) ردحاً من الزمن وهو يصنع الرجال ويبني بهم الأمةالتي اصبحت خير امة اخرجت للناس بفضلهم . واذا ما تتابعنا عمليه البناء للاحظنا أنها بدأت بهدم العقائد القديمة ثم بناء قيم وأفكار جديدة ومن أجل تعميق هذه القيم شرع القرآن الكريم العبادات، والصلاة لتطهير النفوس من الأدران وتزكية القلب من الغرور والتكبر ولزيادة الاتصال بالله.

الصوم لتطهير البطون من الجشع والفروج من الأهواء وللمزيد من الارتباط بالإنسان المستضعف العاجز عن سد حاجاته اليومية من الغذاء.

والزكاة لتزكية النفوس من البخل والجشع والاستثار وللمزيد من الارتباط بالمجتمع.

والعبادة للبناء.. بناء الإنسان والمجتمع.

وشرع المعاملات، البيع، الشراء، العقود، لبناء الإنسان ومن أجل أن يضع كل شيء في مكانه المناسب، فالمعاملات لبناء الإنسان ولتحصين المجتمع من الظلم والتعدي والتجاوز على الحقوق.

فعلى تلك الأسس أقام رسول الله (صلى الله عليه وآله) بنيان الإنسان المسلم ولم تمر فترة طويلة حتى كان الآلاف من المجاهدين والعلماء والقادة يتخرجون من مدرسة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ينشرون في الأصقاع الفضيلة والوعي فكانوا أفضل ثمرة تقدمها الرسالة الإسلامية إلى البشرية فبفضل إنسان واحد كأبي ذر آمن خلق كثير من جبل عامل بلبنان.

وبفضل إنسان واحد آمنت أندونيسيا كلها.

وإذا كان لكل حضارة بضاعة تصدرها إلى الشعوب الأخرى فإن بضاعة الحضارة الإسلامية هو الإنسان الذي صدرته عبر الغزوات لينشر النور في عالم كان يختنق في الظلام.

ثانياً: النظام القادر على إسعاد البشر..

أوجدت حركة النبي (صلى الله عليه وآله) في مجتمع الجزيرة نظاماً متكاملاً تكونت أجزاؤه بمرور الزمن وأصبح هذا النظام يستوعب كل مشاكل الإنسان وقضاياه لأنه تولد من تفاعل الإنسان نفسه مع الحياة.

فالنظام الذي أوجده الإسلام جاء جراء حركة النبي (صلى الله عليه وآله) نحو تحقيق أهدافه فهو إفراز لتفاعلات جمة في المجتمع والإنسان ودور القرآن في النظام هو تعيين الأسس والقواعد والخطط العامة لهذا النظام.

وكان من الطبيعي أن يأتي هذا النظام ملبياً لحاجات الإنسان والمجتمع منسجماً مع أهدافه ودوافعه في الحياة.

وكذلك وفر النظام الحماية الكافية لمكتسبات الإنسان وحاجاته في الحياة فهو لم يترك الإنسان لوحده بل أخذ بيده نحو تحقيق ما يريد في الحياة من عدالة وحرية ومساواة.

فقد أقام رسول الله (صلى الله عليه وآله) نظاماً يسعد فيه البشر، يحقق فيه الفقير أمنيته في أن يعيش غنياً ويحقق فيه الغني أمنيته في أن تساهم ثروته في غنى المجتمع ليصبح المجتمع بأسره غنياً.

ويحقق فيه المظلوم أمنيته في دفع الظلم حتى لو كان مصدره الحاكم نفسه ويحقق فيه المضطهد بسبب اللون أو الجنس أو القوم أمنيته في المساواة مع غيره، وحتى العبيد يجدون فيه ما يرفع عنهم الحيف ويمنحهم الحربة.

فأي نظام هذا الذى يسمح للأرقاء بأن يدخلوا إليه ليصبحوا بعد أيام سادة، أي نظام ذلك الذي ساوى بين بلال الحبشي وحمزة الهاشمي، وأي نظام هذا الذي ساوى بين أبي ذر المعدم وبين العباس الثري.

فلقد أوجد الرسول (صلى الله عليه وآله) خلال حركته في مكة والمدينة أنظمة متعددة كلها تنتهي إلى هدف واحد فأوجد قانوناً لبناء الحركة المجاهدة القادرة على فرض إرادتها على المجتمع وأوجد بعد ذلك قانوناً لتحويل التجمع الجهادي من صورته المصغرة إلى مجتمع إسلامي كبير، ثم أوجد قانوناً لبناء الدولة الإسلامية ثم قانوناً لإدارة أمور الدولة وإدارة شؤون الأمة في حالة السلم وفي حالة الحرب وإذا جمعنا كل هذه القوانين لوجدناها جميعاً وهي تجتمع في نظام واحد مركزه واحد وهدفه أيضاً.

مركزه هو الإنسان المؤمن المكافح الصابر وهدفه هو الحرية العدالة المساواة.

ومن يدرس السيرة سيلاحظ كيف أقام رسول الله وعبر النظام الذي أوجده العدالة بكافة صنوفها وألوانها من عدالة سياسية أصبح فيه الجميع مشاركون في القرار صانعون للأحداث.

وعدالة اقتصادية فلم يعد فقير واحد في مجتمع كان جله من الفقراء.

وعدالة اجتماعية أصبح فيه رئيس العشيرة وهو يقدم ابنته إلى أحط الناس في السلم الاجتماعي ذلك لأن الإسلام ساوى بينهم فجعل المسلم كفء للمسلم.

ومن ثمرات النظام الذي أوجده النبي (صلى الله عليه وآله) هو ضمان الأمن والاستقرار فكانت المرأة الحجازية تخرج إلى اليمن دون أن يمسها ضرر، وأصبح دار الإسلام دار أمن حتى للمشركين.

 (وإن أحداً من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه).

فالعيش بأمان حق مسلم به لكل إنسان حتى لو لم يكن مسلماً.

وقد يعترض البعض بغزوات النبي (صلى الله عليه وآله) التي سلبت الأمن والاستقرار من جزيرة العرب، في الإجابة كان لابد من توضيح هذه الحقائق:

1- كل الغزوات التي قام بها النبي (صلى الله عليه وآله) كانت دفاعية فلم يذكر لنا التاريخ أن النبي (صلى الله عليه وآله) هاجم أحداً دون أن يكون هناك مبرر للهجوم أما رداً على عدوان أو خشية قيام عدوان.

2- كان هم الرسول (صلى الله عليه وآله) الأول في كل الغزوات هو تجنب القتال مثلما حدث في غزوة تبوك عندما أقفل راجعاً بعودة جيش الروم، وعندما كان جيش الخصم ينهزم كان المسلمون يتركونهم ولا يحاولوا أن يزيدوا في القتل.

3- أثناء القتال كان المسلمون في منتهى الإنسانية في تعاملهم مع الجريح ومع الأسير، أضف إلى ذلك تحريم قتل النساء والأطفال وقطع الأشجار والأثمار.

وكان لابد لمن يدرس تاريخ الإسلام أن يستوعب هذه المعاني وهو يعايش تلك الحقبة الزمنية حيث كان هم المقاتل هو القتل مهما كان لونه ومصدره.

لقد جاء الإسلام بمبادئ إنسانية وقام بتطبيق هذه المبادئ حتى في الحروب فكيف في حالة السلم.

وكان علينا وعندما نريد أن نقيم تلك المكاسب أن ننظر إليها من خلال وضع الإنسان والمجتمع في العصر الجاهلي.

4- بعث القيم البناءة.

قام مركز للدراسات الحضارية في واشنطن بتجربة فريدة، اخذ عينات مختلفة من شعوب مختلفة وتم تعريض هذه العينات إلى توجيه مركز حول العمل، وكان الهدف من هذا التوجيه إيجاد مشاعر حب اتجاه العمل وإزالة أي شعور بالضيق والكره وبعد فترة من التثقيف والإيحاء المركزة بضرورة العمل أعيدت العينات إلى أماكنها، وبعد فترة من الوقت وضعت هذه العينات تحت المراقبة فوجد المركز أن نسبة الإنتاجية للعينات التي خضعت للتجربة كانت أكبر من السابق وإنها أيضاً متفاوتة بين العينات المختلفة والتي أخذت من شعوب مختلفة فتبين أن جميع العينات استجابت للإيحاء المركز لكن كان تجاوبها مختلفاً من شعب لآخر.

تذكرت هذه الحكاية التي قرأتها في إحدى المجلات وأنا أكتب عن القيم التي جاءت بها الرسالة والتي أستطيع أن أشبهها بالفيتامين الذي يزيد في الأمة النشاط ويضاعف لديها العزيمة والإرادة مثلما يفعل الفيتامين في تقوية البدن وتمكينه من إنجاز النشاطات المختلفة.

وقد جاء التركيز على هذه القيم في كل مناسبة وفي كل حادث يستدعي ذلك وقام القرآن الكريم بدور كبير في زرع هذه القيم لدى المجتمع المسلم فهي مفردات تركب الحضارة الإسلامية، ونستطيع أن نشبه عمل القيم البناءة في المجتمع بعمل البطارية التي بواسطتها تتحرك دواليب الحياة وتتسارع عجلات المجتمع إلى الأمام.

وكما البطاريات بحاجة إلى شحن باستمرار بواسطة أجهزة خاصة فكذلك هذه القيم بحاجة إلى شحن متواصل ويقوم الإيمان بهذا الدور كلما ضعفت القيم في النفوس.

من هنا فإن المجتمع بحاجة إلى هذه القيم لكي يتمكن من الحركة بصورة ذاتية، والقيم التي جاء بها الإسلام وبنى عليها حضارته هي:

1- السلام..

فقد دعى الإسلام إلى السلم فتحية المسلم عندما يلتقي بالمسلم الآخر هو السلام وقد قال الله تعالى (وإن جنحوا للسلم فأجنح لها) الأنفال 208.

 (والله يدعوا إلى دار السلام) يونس 25.

وقال (صلى الله عليه وآله): (يا أيها الناس أفشوا السلام) (1).

والسلام هو الأمن الطمأنينة وبعث الطمأنينة وبعث الطمأنينة في نفوس الغير وهو قيمة حضارية وركن من أركان التثقيف الإسلامي فالسلام هو شعار المسلم في البيت بين أبنائه وأهله وفي المجتمع بين أخوته وأصدقائه وفي المعاملة بينه وبين المشتري أو البائع.

فالسلام الذي أوجده النبي (صلى الله عليه وآله) هو سلام في العلاقات الأسرية وفي العلاقات الاجتماعية وفي العلاقات الاقتصادية وحتى في العلاقات الدولية.

والسلام يوجد أجواء البناء ويربط بين القلوب ويركز المثل ويوجد الإحساس بالثقة والطمأنينة، وأول ما يبدأ الإسلام هو أن يوجد السلام والطمأنينة في نفس الإنسان ثم ينتقل من العالم الداخلي الصغير إلى العالم الخارجي الكبير، فكل شيء في الإسلام يدعو إلى السلام.

وكل مسلم مسؤول عن السلام، عليه أن يعمل من أجل يسود السلام ليس وطنه فحسب بل العالم بأسره، فما أحوج عالمنا اليوم وهو يموج بالصراعات وتطحنه الحروب والنزاعات، ما أحوجه إلى السلام.. لكن من يستطيع أن يوفر له هذا السلام غير الحضارة الإسلامية.

2- التعاون..

لا يستطيع الإنسان أن يعيش لوحده فهو بحاجة إلى الآخرين، فوصاه الإسلام بالتعاون وهو طريقه إلى التكامل:

 (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان).

وقال النبي (صلى الله عليه وآله):

- طوبى لمن أنفق الفضل من ماله.

- طوبى لمن حسن مع الناس خلقه وبذل لهم معونته.

- يلزم الحق لأمتي في أربع: يحبون التائب ويرحمون الضعيف ويعينون المحسن ويستغفرون للمذنب.

وقال أيضاً (صلى الله عليه وآله): أربعة ينظر الله إليهم ويزكيهم، من فرج عن لهفان كربة، ومن أعتق نسمة، ومن زوج عزبا، ومن حج صرورة.

فالثلاثة الأولى تدعوإلى التعاون، وقد استطاع النبي (صلى الله عليه وآله) وخلال فترة قياسية أن يوجد مجتمعاً متعاوناً غنيه يتحمل عبأ الفقير وعالمه يتحمل عبأ الجاهل.

وأبرز صورة لهذا التعاون المؤاخاة بين الأنصار والمهاجرين، وكان من مصاديق المؤاخاة هو تقسيم الأنصاري ثروته بينه وبين المهاجر، وقد وصل أمر المؤاخاة أن طلب سعد بن الربيع من عبد الرحمن بن عوف أن يختار أحد زوجتيه كي يطلقها ليتزوجها عبد الرحمن، فأين نجد مثل هذا التعاون وهذه الأخوة غير الإسلام.

لقد استطاع الإسلام أن يبني نظاماً رائعاً من التكافل الاجتماعي قائماً على مبدأ التعاون وظل المسلمون ولفترة من الزمن شعارهم التعاون.

واستطاعوا أن يحققوا أكبر الانتصارات وأن يحققوا ازدهاراً اقتصادياً بواسطة هذا الشعار لكن وبعد أن ضعف الإيمان في المجتمع الإسلامي ضعفت روح التعاون بين المسلمين فأخذوا بالتراجع، فما أحرى أمتنا أن تعود لتلتزم بهذا الشعار وتترجمه بصورة عملية في حياتها لتعيد مجدها وعزتها من جديد.

3- المسؤولية..

من أساليب الرسالة في إشراك الناس في البناء هو إشعارهم بالمسؤولية فليس هناك إنساناً واحداً يعيش على هذه الأرض متجرد عن المسؤولية.

خمس من أتى الله عز وجل بهن أو واحدة منهن أوجب له الجنة: من سقى هامة صادية أو أطعم كبداً هافية أو كسى جلدة عارية أو حمل قدماً حافية أو أعتق رقبة عانية.

وقال أيضاً: إذا كان يوم القيامة، لم تزل قدما عبد حتى يسأل عن أربع، عن عمره فيم أفناه، وعن شبابه فيم أبلاه، وعما اكتسبه من أين اكتسبه وفيم أنفقه وعن حبنا أهل البيت (2).

وقال أيضاً انصحوا الله في عباده، فإنه من استرعى شيئاً من أمور الناس، ثم لم ينصح لهم، حرم الله عليه الجنة (3).

أربعة لأربعة، لا لأربعة: المال للإنفاق لا للإمساك، والعلم للعمل لا للمجادلة، والعبد للتعبد لا للتنعم، والدنيا للعبرة لا للعمارة (5).

أنكر المنكر بيدك، فإن لم تستطع فبلسانك فإن لم تستطع فبقلبك، وذلك أضعف الإيمان (5).

أيها الناس أكلفوا من الأعمال ما تطيقون فإن الله لا يمل من الثواب، حتى تملوا من العمل وخير الأعمال ما ديم عليه (6).

بالمسؤولية أصبح كل فرد من أفراد المجتمع الإسلامي عنصراً فاعلاً مؤثراً وأصبح هذا المجتمع الإسلامي الذي أصبح يحمل بعضه بعضاً فلم يعد يوجد إنسان واحد في المجتمع الإسلامي مستثنى من التكليف وبهذه الروح العملية أصبح المسلم يبحث عن أي موقع للعمل حتى يرفع عن نفسه التكليف، وإذا كان وراء الانبعاثة الإسلامية من سبب فإن الشعور بالتكليف وانطلاق هذا الشعور من المحفزات الذاتية هو السبب في كل تقدم أحرزه المسلمون خلال فترة قصيرة من عمرهم، فتحمل أفراد المجتمع الإسلامي للمسؤولية خفف الكثير من أعباء الدولة لأنها وجدت من يشاركها العمل وينجز قسماً كبيراً من الأعمال التي توكل في العادة إلى الدول.

ومن إيجابيات التكليف عدم حصر مسؤولية الدفاع عن الوطن بعهدة فئة محددة من الناس فالكل مسؤولون ويتحملون أعباء هذا العمل وأي عمل آخر تقتضيه المصلحة الإسلامية العامة.

4- الأخوة:

أضحى الشعار الأول للمجتمع الإسلامي والذي لازال مدوياً هو الآية الكريمة إنما المؤمنون أخوة فقد أرسى رسول الله (صلى الله عليه وآله) دعائم المجتمع الإسلامي على مبدأ المؤاخاة وظل يوصي أصحابه (إياك وهجران أخيك فإن العمل لا يتقل مع الهجران).

وقد شاهدنا ثمرة الأخوة الإسلامية وكيف جعلت من المجتمع الإسلامي الوليد قادراً على الوقوف على قدميه وكيف استطاع هذا المجتمع وعبر الوحدة أن يلغي الخلافات وأن يزيل الحواجز بين القبائل المتقاتلة وكيف تمكن هذا المجتمع أن يتجاوز المشاكل الاقتصادية ومشاكل السكن والثروة عبر هذا المجتمع الإسلامي.

فلو أعاد المسلمون تطبيق هذه القاعدة فهل سيبقى في مجتمعنا الإسلامي فقير أو محروم، وهل سيبقى في هذا المجتمع ظلم وتعدي على الحقوق.

وجميل جداً دائرة الأخوة لم يحصرها الإسلام في نطاق ضيق بل وسعها لتشمل البشر أجمع، فعن علي بن أبي طالب (عليه السلام) وهو تلميذ رسول الله (صلى الله عليه وآله) الناس إما أخ لك في الدين أو أخ لك في الخلق.

فالجميع أبناء لأب واحد هو آدم، ومن هذا المنطلق أخذ الإسلام يتعامل مع غير المسلمين فتعامل مع اليهود في بداية الأمر كأخوة وجعلهم أمة مع المسلمين.

والإسلام بهذا المنطق يريد أن يعمق مشاعر الألفة والمحبة بين الناس حتى بين المسلم وغير المسلم حتى يسود الوئام والسلام والتعاون المجتمع البشري.

وكان للمسلمين تجربة رائدة في تطبيق مبدأ الأخوة ليس على صعيد أنفسهم فقط بل حتى مع من يعيش معهم من أصحاب الديانات الأخرى فغير المسلم لم يكن ليشعر بالغربة بل كان يحس بأنه واحد من المجتمع الإسلامي.

وإذا راجعنا تأكيدات النبي (صلى الله عليه وآله) على الأخوة وما تضمنته سيرته المباركة من صور حية، فإننا سنخرج بنتيجة إن غاية الإسلام هو بناء مجتمع متراص من داخله وليس بقوة خارجية متكافل بذاته وليس بقوة خارجية وأن طموحه أن تسود هذه العلاقة المجتمع البشري برمته وهذا ما كان يعمل من أجله الإسلام.

وإذا ما نظرنا إلى عالمنا اليوم وما فيه من أحقاد وصراعات وحواجز نفسية وقومية وعرقية فهذا أسود وذاك أبيض، هذا غني وذاك فقير لوجدنا أن القسم الأعظم من مشاكل العالم ناتجة عن سوء العلاقة بين الإنسان والآخر وينتج عن ذلك سوء العلاقة بين دولة وأخرى، فإذا ما سادت الأخوة الشعوب بأجمعها فكم من مشكلة مستعصية ستذلل وكم من حروب وويلات تنتظرها البشرية ستبدد وكم من مآسي وكوارث اقتصادية واجتماعية يمكن مواجهتها بشعار الأخوة.

ـــــــــــــ

الهامش

1)- كلمة الرسول الأعظم، السيد الشيرازي: ص 109.

2)- كلمة الرسول الأعظم: السيد الشيرازي: ص 511.

3)- نفس المصدر السابق: ص113.

4)- نفس المصدر السابق.

5)- أديب الدين والدنيا، الماوردي: ص 102، طبع بيروت.

6)- أدب الدين والدنيا، الماوردي: ص 113.