mp3:
الملف: Microsoft Office document icon 026.doc

6- الجهاز الدبلوماسي:

أخذ الرسول (صلى الله عليه وآله) يتحرك سياسياً بعد أن ثبّت ركائز الدولة الإسلامية خلال ست سنوات وبالضبط بعد صلح الحديبية التي أعتبرت بمثابة اعتراف رسمي من قبل قريش بدولة الإسلام فقد استفاد الرسول (صلى الله عليه وآله) من الأجواء التي أفرزها هذا الاعتراف القانوني حيث كانت الدول المجاورة تتعامل مع قريش باعتبارها تمثل الزعامة العربية في جزيرة العرب ومن ناحية أخرى أدى صلح الحديبية إلى تفرغ الرسول (صلى الله عليه وآله) نحو ترتيب الوضع السياسي للدولة الإسلامية بإيصال صوت الإسلام إلى أرجاء العالم فكانت مخاطبته للملوك والرؤساء بعد أن انتشر خبر ظهور الدين الجديد وبروزه ككيان مستقل عن الكيان القريشي.

شعر الرسول (صلى الله عليه وآله) وبعد استتباب الدولة الإسلامية وتكوّن أمة من المؤمنين الصامدين الأقوياء في إيمانهم وشجاعتهم إنه قادر على الانتقال إلى مرحلة جديدة هي مرحلة الانتشار فشرع بحمل سلاح الكلمة وطفق جمعٌ من الصحابة يجوبون بهذه الكلمة من عاصمة إلى أخرى حاملين روح الإسلام وكلمته عبر الرسائل التي خطتها يد رسول الله (صلى الله عليه وآله).

والإسلام دين المنطق والعقل فهو لا يخشى الكلمة ولا يخاف الحوار وهما الطريق الأرحب إلى الانتشار.. الإسلام لم ينتشر بالسيف إذ كان دور السيف في نهاية المطاف عندما تفقد الكلمة قدرتها على التأثير في بعض العقول المتحجرة. فالإسلام دين الفكر يعيش بالفكر والتفكير والحوار وينتشر بالفكر والتفكير والحوار يؤمن به أصحاب القلوب الواعية والأفكار النيّرة وأرباب الحوار والمناقشة السليمة.

لقد ظلم الإسلام أولئك المستشرقون الذين قالوا عنه أنه انتشر بالسيف.. كيف انتشر الإسلام بالسيف وهو يدشن أهم وأخطر مرحلة من مراحل تأريخ التحرك بالكلمة الواضحة التي لا لبس فيها ولا غموض.

كتب إلى قيصر كتاباً يقول فيه.. بسم الله الرحمن الرحيم: من محمد بن عبد الله إلى هرقل عظيم الروم سلام على من اتبع الهدى، أما بعد.. فإني أدعوك بدعاية الإسلام، أسلِم تَسلم يؤتك الله أجرك مرتين فإن توليت فإنما عليك اثم الآريسين (يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله فإن تولوا فقولوا أشهدوا بأنا مسلمون).

فهي إذا دعوة واضحة عبادة الخالق الواحد وعدم الشرك به وترك عبادة الأرباب مهما علا شأنهم وارتفعت مكانتهم وهي دعوة تقرها الفطرة السليمة ويعترف بها العقل السليم. هذه هي روح الإسلام بصورة مختصرة. بهذه الكلمة المختصرة صدع الرسول (صلى الله عليه وآله) أول مرة في مكة وهو لا يزال يردد الكلمة نفسها إنها كلمة التوحيد جوهر الدين الجديد وكل التفاصيل تأتي بعد كلمة التوحيد. فإذا أقر بها الإنسان بهذه الكلمة فكأنه قد أقر بكل التفاصيل. فالتوحيد يعني الارتفاع في رحاب الله والتحلي بالصفات الخيرة وهو أيضاً نبذ الرذائل والعمل على إزالتها وهذا هو الإسلام من الألف إلى الياء. لقد لخص رسول الله (صلى الله عليه وآله) الإسلام إلى الملوك بهذه الكلمة وبعث مع هذه الرسائل أشخاصاً على استعداد كامل لأن يعطوا المزيد إذا أرادوا المزيد.

فالنبي (صلى الله عليه وآله) لم يكتف بالرسائل وحدها بل بعث برسل تم اختيارهم لأداء هذه المهمة فهم يجيبون أنهم إذا سؤلوا ويناقشون إذا نوقشوا.

والرسل الذين وقع عليهم الاختيار هم:

1- عبد الله بن حذافة السهمي بعثه إلى كسرى ملك الفرس.

2- حاطب بن أبي بلتعة بعثه إلى المقوقس عظيم القبط.

3- دحية بن خليفة الكلبي أرسله إلى هرقل ملك الروم.

4- جعفر بن أبي طالب إلى النجاشي ملك الحبشة.

5- شجاع بن وهب إلى الحارث الغساني ملك تخوم الشام.

6- سليط بن عمرو إلى هوذه بن علي الحنفي ملك اليمامة.

7- عمرو بن العاص السهمي إلى جعفر وعبد ملكي عمان.

8- العلاء بن الحضرمي أرسله إلى ملك البحرين.

9- المهاجر بن أبي أمية –إلى الحارث أحد ملوك اليمن.

10- الحارث بن عمير الأزدي إلى عظيم بصرى.

وقد نجح بعضهم في مهمته كجعفر بن أبي طالب حيث أسلم النجاشي على يده ومعه الرهبان والقساوسة. وأسلم ملكا عمان على أثر الرسالة التي وصلتهما من النبي (صلى الله عليه وآله). أما المقوقس ملك مصر فقد أحسن استقبال السفير وبعث برسالة جوابية فيها اشادة بالنبي (صلى الله عليه وآله) وبعث مع الرسالة جاريتين كهدية إلى النبي لكنه لم يعلن إسلامه.

وأما ملك الروم فقد كاد يؤمن لولا موقف القساوسة والرهبان الذين قابلوا رسالة النبي (صلى الله عليه وآله) بالازدراء فخشي على ملكه واكتفى ببعث هذه الرسالة إلى النبي (صلى الله عليه وآله) (إلى أحمد رسول الله الذي بشر به عيسى من قبل أنه جائني كتابك مع رسولك وإني أشهد أنك رسول الله نجدك عندنا في الإنجيل بشرنا بك عيسى بن مريم وإني دعوت الروم إلى أن يؤمنوا بك فأبوا ولو أطاعوني لكان خيراً لهم ولوددت أني عندك فأخدمك وأغسل قدميك (1). ومن الذين أسلموا المنذر بن ساوى العبدي ملك البحرين على يد العلاء بن الحضرمي. أما بقية الرسل فقد تعثرت مهمتهم بغباء الذين بعثت إليهم الرسائل فكسرى ملك الفرس مزّق كتاب رسول الله قبل أن يقرأه وطرد عبد الله بن حذافة من القاعة. أما شرحبيل بن عمرو الغساني عظيم بصرى فقد أوثق الحارث بن عمير الأزدي ثم قتله وهو الرسول الوحيد الذي لقي مصرعه من بين الرسل العشرة الذين بعث بهم رسول الله (صلى الله عليه وآله).

وأما هودة بن علي ملك اليمامة فلما أتاه سليط يدعوه إلى الإسلام وكان نصرانياً أرسل إلى النبي بوفد يشترط على النبي شرطاً لإسلامه هو أن يحصل الأمر من بعده إذا أسلم وسار إليه ونصره وإلا قصد حربه فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا ولا كرامة اللهم أكفنيه فمات بعد قليل (2).

وكان وراء اختيار النبي (صلى الله عليه وآله) لهذه المجموعة من الصحابة المكونة للجهاز الدبلوماسي معايير ذات أهمية في انجاز المهام الدبلوماسية وهي:

1- اللغة فقد كان هؤلاء يتحدثون بلغات المناطق التي بعثوا إليها كما جاء في طبقات ابن سعد ولهذا يعني أنهم مروا بفترة من التعليم المركز تعلموا لسان وعادات الأقوام التي ذهبوا إليها.

2- فترة الانتماء إلى المسلمين فقد كانوا بأجمعهم ما عدا واحد منهم هو عمرو بن العاص ممن أسلموا قديماً فكان منهم الذي هاجر إلى الحبشة كسليط بن عمرو وأكثرهم من البدريين الذين ساهموا في كل المعارك التي خاضها المسلمون.

3- يمتلك جميع هؤلاء الرسل القدرة على البلاغة والإقناع. فمن ينظر إلى حواراتهم مع الملوك الذين التقوا بهم يجد فيهم هذه القدرة العالية في البلاغة والاداء وقد سبق وذكرنا جانباً من بلاغة جعفر الطيار في قبال النجاشي.

وفي الحوار الذي دار بين المقوقس عظيم القبط وحاطب بن أبي بلتعة فاستفهم المقوقس –مامنعه- يقصد النبي (صلى الله عليه وآله) إن كان نبياً يدعو على من خالقه وأخرجه من بلده إلى غيرها أن يسلط عليها؟

فأجاب حاطب:

ألست تشهد أن عيسى بن مريم (عليه السلام) رسول الله فما له حيث أخذه قومه فأرادوا أن يقتلوه أن لا يكون دعا عليهم أن يهلكهم الله تعالى حتى رفعه الله إليه؟

فبهر عظيم القبط بهذا المنطق الرصين فقال له.. أنت حكيم من عند حكيم.

4- الجلد والتحمل والصبر الطويل: فبعض الرسل أهينوا كعبد الله بن حذافة وبعضهم سجن ثم قتل كالحارث بن عمير، ثم أن المهمة التي قاموا بها كانت تستدعي شجاعة عالية وقدرة كبيرة على تحمل الصعاب أقلها الطرق الطويلة التي كان عليهم أن يقطعوها في مدد قصيرة.

5- اتصافهم بالهيبة والجمال فقد أشاد المؤرخون بجمال دحية الكلبي ووصفوه بأنه كان يشبه الملائكة في روعته وأن جبرائيل كان يتمثل بهيئته عندما كان ينزل على النبي (صلى الله عليه وآله) في اليقظة وكذا كان جعفر وعبد الله بن حذافة والآخرون.

  •  دار الضيافة:

أخذت الوفود تقدم على النبي (صلى الله عليه وآله) حيث أخذ الملوك يرسلون الرسل ويبعثون معهم الكتب وكانت مهام هذه الوفود تتطلب المكوث في المدينة لمدد قد تطول فكان لابد من اعداد مكان لائق لضيافتهم فأختيرت دار رملة بنت الحارث النجاوية كدار للضيافة وتعيّن على ثبوبان أن يقدم الخدمات المطلوبة لهذه الوفود عندما تحل في دار الضيافة أما المرافق العام للوفود عندما ترد إلى المدينة، فهو خالد بن سعيد بن العاص وأختير لبلاغته وقدرته على الإقناع، وقد لعب خالد بن سعيد دوراً فعالاً في اقناع بعض الوفود التي جاءت من أجل التفاوض مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) فعادت إلى أوطانها مسلمة مؤمنة بالدين الجديد بفضل هذا التنسيق والتنظيم الذي كان قائماً. وقد كان خالد يتحمل المسؤولية الفكرية منذ اللحظة التي يطأ فيها الوفد قدمه أرض المدينة بينما كان بقية المسلمين كبلال بن رباح وثبوبان يتحملون جانب أخرى من المسؤولية فكان الوفد يعود وهو راضٍ عن الإسلام مبهور بما شاهده من سلوك المسلمين وأخلاقهم الحسنة.

7- الجهاز العسكري:

منذ أن فكر رسول الله (صلى الله عليه وآله) بنقل الدعوة الإسلامية إلى المدينة أخذ يفكر أيضاً بكيفية مواجهة الأخطار التي تحدق بالكيان الجديد، فبدأ بإيجاد الإستعدادات الكافية لمواجهة الاحتمالات. ففي بيعة العقبة الثانية وعندما طلب من المسلمين الجدد المبايعة على قتال المشركين إنما بذر في تلك البيعة بذرة المقاومة وأعد من تلك المجموعات نواة تشكل القوة العسكرية وترك الإذن  في القتال إلى الوحي.

وأصبح المسلمون في شوق إلى القتال عندما وجدوا في أنفسهم الاستعداد الكافي للقيام بهذه المهمة لكن سكوت الوحي عن ذلك جعل الجميع بأنتظار لحظة الانطلاق وقد جاءت الآية تصرح:

 (أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وأن الله على نصرهم لقدير، الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله، ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع  وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيراً، ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز).

وكان لابد لنا من وقفة مع هذه الآية باعتبارها أول آية نزلت تدشن مرحلة جديدة من عمر الحركة الإسلامية.

فقد رخص الله المؤمنين بالقتال بعد أن أكتملت عدتهم وقويت شوكتهم ثم بين القرآن المبررات المنطقية لصدور هذا القرار. وهو ممارسة سياسة الاضطهاد ضد المسلمين ثم اخراجهم من ديارهم بغير حق إلا لأنهم يقولون لا إله إلا الله وهي مبررات كافية لحمل السلاح والدفاع عن النفس وعن الحق الذي اغتصبه الكفار.

ثم يضع القرآن الكريم أمام المسلمين المنتظرين للأذن بالقتال يضع أمامهم قانوناً في الحياة. فالحياة من طبيعتها الصراع والسبب المباشر في هذا الصراع هو تحرك قوى الشر للقضاء على مراكز التوحيد والعبادة من صوامع وبيع ومساجد يذكر فيها اسم الله وهي أماكن ترمز للرسالات السماوية التي جابهت قوى الشر وخاضت صراعاً مريراً على طول التأريخ وكأن القرآن يريد أن يقول للمؤمنين بأن الصراع الذي ستخوضونه قد خاضه قبلكم أناس آخرين وأنه ليس بشيء جديد فهو سنة الله في الخلق.

وفي كل مرة يهجم فيه الطاغوت يقف المؤمنون يصدون الهجمة الشرسة ومن هنا يبدأ الصراع الحقيقي بين الحق والباطل ومن هنا تمتد الساحة ليتقابل فيها جنود الحق مع جنود الشيطان ومن هنا أيضاً تأتي الفرصة الذهبية لأصحاب الحق ليحققوا الانتصارات على الباطل، فالنصر هو نهاية المعركة وسيكون من نصيب أصحاب الحق.

هذه الأفكار الرائعة التي طرحها القرآن الكريم في هذه الآية الكريمة التي تلقاها المسلمون كبداية مرحلة جديدة من المواجهة العلنية بعد الصراع السلبي.

فقد وضع القرآن في هذه الآية النقاط على الحروف وحقن المؤمنين بالأفكار التي جاء بها روحاً قتالية جديدة تضاف إلى ما كانوا عليه من معنوية واصرار على القتال. وهكذا كان القرآن يواكب المسيرة الإسلامية لحظة بلحظة وخطوة بخطوة وكان يمد المؤمنين في كل خطوة بما يحتاجون إليه من أفكار ورؤى. وكانت تلك الأفكار والرؤى التي تضمنتها الآية الكريمة ضرورية في ذلك المفصل الزمني الذي كان يشهد انتقال المسلمين من وضع قديم إلى وضع جديد.

ومنذ تلك اللحظة والرسول (صلى الله عليه وآله) مشغول ببناء القوة العسكرية من رفع الروح المعنوية للمسلمين وتدريبهم على استخدام السلاح ووتهيئة الأسلحة وتخصيص بعض المسلمين في الشؤون الحربية المختلفة فقد استعمل بعض أصحابه ممن يثق بهم ويثق بقدرتهم على الاستطلاع كعمار بن ياسر وابن مسعود وزيد كفريق للاستطلاع قبل قيام المعركة. وكان يخوض المعركة بنفسه لكنه كان يهيئ لكل قادة عسكريين ميدانيين يقومون بأدوارهم بالتعاقب مثلما حدث في غزوة مؤتة عندما استشهد زيد بن حارثة تولى قيادة الجيش عبد الله بن أبي رواحة وعند استشهاده تولى جعفر بن أبي طالب وهو أيضاً استشهد في تلك المعركة. ونفهم من ذلك أن رسول الله قد أعدّ قادة ميدانيين كاحتياط في حالة استشهاد أو أخفاق أحد القادة مثلما حدث في فتح خيبر فقد أخفق أبو بكر في فتح حصن الصعب وهو آخر حصون اليهود في خيبر ثم تلاه عمر في قيادة الجيش فأخفق هو الآخر فقال النبي (صلى الله عليه وآله) أما والله لأعطينها غداً رجلاً يحب الله ورسول ويحبه الله ورسوله (3) فأعطاها علي بن أبي طالب.

وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يختار القائد العسكري على أسس وقواعد عسكرية فهو يختار الرجل المناسب في الوقت المناسب. ولا يعير أهمية للقيم غير العسكرية التي كانت قائمة في المجتمع. فاختار أسامة بن زيد وهو لا يتجاوز العقد الثاني قائداً لجيش فيه الكهول والشيوخ. فقد اختار عبد الله بن جحش قائداً لإحدى السرايا فخطب في أفراد السرية قائلاً لابعثن عليكم رجلاً ليس بخيركم ولكنه أصبر للجوع والعطش. فبعث بعبد الله بن جحش وهو أول أمير في الإسلام (4).

فكان لابد لقائد الجيش أن يكون قدوة للآخرين في الصبر والتحمل وفي الميدان الصفة المطلوبة هي صفة التحمل والصبر وليس شيئاً آخر. ويظل يراقب القائد العسكري بعد تعيينه. قال الإمام الرضا (عليه السلام) كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا وجّه جيشاً فأمهم أميراً بعث من ثقاته من يتجسس له خبره.

وفي عهد الرسول (صلى الله عليه وآله) لم يكن هناك جيش فيتخصص للقتال مفروز عن بقية المسلمين فقد كان الجهاد فرض على كل مسلم. فكل مؤمن جندي عليه أن يتهيأ للقتال في أية لحظة وكانت المساجد تؤدي دوراً هاماً في عملية التعبئة وحتى التدريب وبلغ عدد المساجد في عهد الرسول في المدينة تسعة مساجد (5) كانت بمثابةمعسكرات للتدريب والتجمع والتوجيه المعنوي.

وكان رسول الله (ص) يعمل على كسب الموازنة العسكرية لصالحه دائماً من خلال الحفاظ على تفوق القوة الإسلامية، تفوقهم في المعنويات وتفوقهم في التدريب. ففي الجانب المعنوي كان يحثهم على الجهاد وأنه باب من أبواب الجنة وكان يمنحهم الأمل بالنصر فيدخلون ساحة المعركة وهم واثقون من النصر. وفي مجال التدريب كان يدفع أصحابه إلى الفروسية وكان يحثهم على الرمي وهو الجانب الأساسي الذي تفوق فيه المسلمون على خصومهم فبعض الأعداء لم يكونوا يحسنون الرمي كالروم (6) فكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يُركز على هذا السلاح للحفاظ على حالة التفوق العسكري فكان يتلو الآية على المنبر (واعدوا لهم ما استطعتم من قوة) ويقول ألا أن القوة الرمي إلا أن القوة الرمي. وكان يحرص الرسول (صلى الله عليه وآله) على كسب التفوق العسكري على الخصم، فثقيف كانوا بارعين في الرمي وقد أمطروا المسلمين بالنبال فاضطر الرسول (صلى الله عليه وآله) أن يرميهم بالمنجنيق فكان أول من رمى في الإسلام بالمنجنيق (7). وكان الرسول (صلى الله عليه وآله) يستخدم الأسلحة غير المستعملة لدى العدو من أجل الحفاظ على التفوق العسكري فكان يستخدم الصنبور وهي أشبه ما تكون بالمدرعة تصنع من الخشب المغطى بالجلد يدخل في داخلها المقاتلون فيقاتلون الأعداء وهم فيها.

وكان للنساء دور هام في العمل العسكري هو التضميد فكان يخصص لهن أماكن للقيام بدورهن في تطبيب الجرحى من المجاهدين.

وفي كل معركة من المعارك كان الرسول (صلى الله عليه وآله) يضع خطة كاملة تستوعب كل الوظائف المطلوبة في المعركة، أفراد يذهبون إلى الاستطلاع وأفراد لجمع الغنائم وآخرون للاهتمام بالأسرى بالإضافة إلى الخطة الحربية في تقسيم الجيش وتعيين القادة واستخدام التكتيك العسكري الخاص بتلك المعركة.

ـــــــــــ

الهامش

1)- السيرة الحلبية: ج3 ص177.

2)- ابن الأثير، الكامل في التاريخ: ج2 ص215.

3)- ابن الأثير: ج2 ص219.

4)- ابن حجر، الإصابة في تمييز الصحابة: ص4.

5)- صبحي الصالح، النظم الإسلامية: ص62.

6)- حسن إبراهيم حسن: تاريخ الإسلام السياسي: ج1 ص479.

7)- سيرة ابن هشام: ج3 ص303.