mp3:
الملف: Microsoft Office document icon 021.doc

ثالثاً مرحلة الانتشار

وأخذ الإسلام بالانتشار في جزيرة العرب بعد التوقيع على صلح الحديبية فقد مكّن هذا الصلح المسلمين من التوسع بين القبائل وأعطاهم فرصة التفرغ لنشر الدعوة الإسلامية فأخذ النبي (صلى الله عليه وآله) يرسل الرسائل والمكاتيب إلى زعماء الدول والقبائل داعياً إياها إلى اعتناق الإسلام فأرسل إلى هرقل ملك الروم وكسرى ملك فارس والمْقوقَس في مصر والنجاشي في الحبشة وارسل إلى عامل كسرى في بلاد اليمن وكتب إلى ملك اليمامة وملك عمان وقد أجاب كل واحد من هؤلاء بجواب خاص.

فقد مزق ملك فارس رسالة النبي وبعث إلى عامله على اليمن يأمره بأن يلقي القبض على النبي (صلى الله عليه وآله) ويبعث إليه برأسه، أما هرقل فلم يعبأ برسالته واعتقد أنها لا تشكل خطراً عليه ولم يوافق على طلب الحارث ملك الغساسنة في تجهيز جيش للقضاء على النبي (صلى الله عليه وآله) أما المقوقس فقد كان رده جميلاً وأرسل مع الرسالة الجوابية هدية جاريتين وبغلة بيضاء وحماراً ومقداراً من المال فقبل النبي (صلى الله عليه وآله) هديته، أما النجاشي فقد كان رده جميلاً حيث لبى دعوة النبي وآمن برسالته أما حكام اليمامة وعمان فلم يرفضوا دعوة النبي (صلى الله عليه وآله) وأسلم بعض أمرائهم كالمنذر بن ساور العبدي واصبح داعية للإسلام وكتب رسالة إلى النبي (صلى الله عليه وآله) تتضمن هذا المعنى فأجابه النبي (صلى الله عليه وآله) برسالة أخرى وجعله عاملاً له على منطقته.

وتعززت حركة الدعوة وتضاعف انتشار الإسلام بعد فتح مكة حيث أزيح بسقوط قلعة الوثنية أكبر عقبة عن طريق الدعوة الإسلامية فأخذت القبائل تدخل في دين الله أفواجاً كما جاء في القرآن الكريم في سورة النصر: (إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان تواباً). فأول من آمن به بعد قريش خزاعة التي كانت حليفة معه لفترة من الزمن.

وما أن عاد النبي (صلى الله عليه وآله) إلى المدينة بعد فتح مكة وبعد غزوة حنين حتى كانت الوفود تترى عليه من كل حدب وصوب وكان ذلك في السنة التاسعة للهجرة والتي حملت اسم عام الوفود لكثرة ما ورد على الرسول من اطراف الجزيرة من القبائل والرسائل التي يعلن فيها أصحابُها إيمانهم بالإسلام.

وكان أول وفد قدم إلى المدينة هو وفد ثقيف وهو يتشكل من ستة أعضاء هم زعماء قبيلة بني يسار، بني سالم، بني الحارث وبعد كلام طويل ومفاوضات شاقة أعلن هؤلاء الستة اعتناقهم للإسلام ثم عادوا إلى الطائف ومعهم المغيرة بن شعبة وأبي سفيان فكُلفا بهدم اللات وجاء من الذي لم يسلم من بني تميم فأرسلوا أشرافهم إلى النبي (صلى الله عليه وآله) ودخلوا المسجد ونادوا من وراء الحجرات أن أخرج إلينا يا محمد فنزلت الآية: (إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون). وطلبوا من خطيبهم أن يقوم فيتفاخر بقومه فانتدب النبي (صلى الله عليه وآله) ثابت بن قيس ليرد على خطيبهم أن يقوم فيتفاخر وحسان بن ثابت ليرد على شاعرهم وفي النهاية أسلموا وأعلنوا العذر والطاعة للنبي (صلى الله عليه وآله)، وجاءته بني المصطلق أيضاً وأكدوا إسلامهم واستعدادهم لدفع الزكاة.

وجاءه وفد بني عبد القيس برئاسة الجارود بن عمر فأسلم هو وأصحابه وجاء عدي بن حاتم الطائي فأسلم بعد أن أقنعه النبي (صلى الله عليه وآله) بالإسلام.

وقدمت قبيلة بلى والداريين (من لخم) وسلامان وغسان وبني أسد ممثلين عنها وجاؤوا إلى النبي (صلى الله عليه وآله) يقولون يا رسول الله قدمنا من قبل أن ترسل إلينا رسولاً.

وقدم عمر بن معد يكرب ومعه جماعة  من قبيلة من بني زبيد فأسلموا وقدم فروة بن مسيك المرادي فأسلم فولاه النبي (صلى الله عليه وآله) قبائل مراد وزبيد ومذحج وجاء إلى النبي (صلى الله عليه وآله) صرد بن عبد الله الأزدي ومعه وفد أزد فأسلموا فولاه النبي (صلى الله عليه وآله) على قبيلته وقدم وفد من كندة يتراوح عددهم ثمانين شخصاً بزعامة الأشعث بن قيس فأسلموا.

وأرسل ملوك حمير كتاباً إلى النبي (صلى الله عليه وآله) يعلنون فيه إسلامهم.

ومن العشائر الأخرى التي قدمت المدينة وأسلمت قبيلة بهراء، وبني البكاء وبني فزارة وبني سعد ومحارب والرهاويين وعبس طيء وبني عامر بن صعصعة، وكانوا يُختارون الوفود من وجوه القبيلة وشخصياتها وتحل في ضيافة النبي (صلى الله عليه وآله) خلال فترة بقاءها وتوكل الشؤون الثقافية المتعلقة بأعضاء الوفد بخالد بن سعيد حتى يصبح كل عضو في الوفد داعية إلى الإسلام، وعندما كان يجد ضرورة في إرسال المبلغين كان يبعث معهم من يعلمهم أمور دينهم.

وبعض القبائل التي لم ترسل وفداً عنها كان الرسول (صلى الله عليه وآله) يبعث صحابته إليها من أجل إفهامها الإسلام فبعث المهاجر بن أبي أمية إلى صنعاء ومالك بن نويرة إلى بني حنظلة والزبرقان بن بدر إلى بني سعد وزياد بن لبيد الأنصاري إلى حضرموت، وعلي بن أبي طالب إلى اليمن (1).

وأخذ الإسلام ينتشر بين القبائل المسيحية في الشمال والجنوب ووجد طريقه إلى الفرس فأسلم باذان حاكم اليمن وهو فارسي تابع لدولة فارس ولم يبق في جزيرة العرب فئة لم تؤمن إلا القليل فكان لابد من الانتقال إلى مرحلة متقدمة من الدعوة بالتحرك في المناطق المحيطة بجزيرة العرب وقبل تدشين هذه المرحلة كان لابد من توحيد الجزيرة تحت لواء نظام الإسلام والإعلان عن نهاية الشرك فنزلت سورة البراءة والتي وضعت حداً للفئات المشركة فأما أن تقبل بالإسلام نظاماً وعقيدة وإما أن تغادر جزيرة العرب موطن الإسلام لأنها لا تستحق حق المواطنة ويستثنى من هذه القاعدة أهل الكتاب الذين يدفعون الجزية والمجموعات التي لها عهد مع المسلمين لمدة محددة وظلت ملتزمة بعهدها.

وكان الهدف من ذلك هو تهيأة الأمة الإسلامية وتهيأت الدولة الإسلامية التي أصبحت تشمل جزيرة العرب برمتها نحو الانطلاق إلى العالم الخارجي ونقل الدعوة إلى الشعوب الأخرى وعند هذه المرحلة كان التحاق النبي (صلى الله عليه وآله) إلى الرفيق الأعلى لكن الدعوة ظلت تواصل زحفها على القلوب بعد النبي (صلى الله عليه وآله) حتى وصل صداها إلى قلب القارات الثلاث آسيا، وأوروبا، وأفريقيا.

 

مقومات الدولة الإسلامية

هل أقام الإسلام دولة ؟

الذين روجوا لفكرة فصل الدين عن الدولة حاولوا أن ينبشوا في دهاليز أفكارهم ما يثبتوا به أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم يفكر في إقامة دولة لأن رسالته لا تتعدى حدود العقيدة والخلق.

وتمكنت هذه الأفكار التي روج لها المستشرقون في أذهان بعض الكتاب المسلمين الذين أخذوا بدورهم يرددون هذه النغمة على هذا اللحن منهم صاحب كتاب الإسلام وأصول الحكم الشيخ علي عبد الرازق، وهو واحد قضاة المحاكم الشرعية ومن علماء الأزهر وتُرجم كتابه إلى اللغة الانكليزية ليتخذه الأعداء حجة على المسلمين بأن فيهم من يعتقد بأن الإسلام دين وليس دولة.

والمتصفح لكتاب الإسلام وأصول الحكم لا يجد فيه شيئاً جديداً سوى ما جرى على ألسنة المستشرقين والغربيين وانطلاقهم في تفسير حركة الإسلام من خلال فكرة فصل الدين عن الدولة، فقد ذكر المؤلف أن ولاية الرسول على قومه ولاية روحية منشؤها إيمان القلب وخضوعه خضوعاً صادقاً يتبعه خضوع الجسم.

وولاية الحاكم ولاية مادية تعتمد اخضاع الجسم من غير أن يكون لها بالقلب اتصال ويستلهم الكاتب هذه الفكرة من أفكار الغربيين في فترة الصراع الديني الذي نشب في أوروبا بين الكنيسة والدولة والذي أدى إلى انفصال الكنيسة عن الدولة.

ولو تجرد المؤلف من تلك الأفكار ودقق قليلاً في طبيعة الرسالة الإسلامية وأهدافها لما أعطى لنفسه هذا الحق بأن يقول ما قاله في كتابه وأن يهفو تلك الهفوة الكبرى.

فالإسلام ليس كالمسيحية، الإسلام ليس دين القلب وليس مجموعة وصايا وقيم أخلاقية وحسب وليس الهدف من الإسلام فقط هو تصحيح عقائد الإنسان.

الهدف الذي جاء من أجله الإسلام هو بناء الإنسان ليصبح لبنة لبناء المجتمع ثم بناء الدولة السعيدة.. كيف ذلك...؟

أول ما ابتدأ الإسلام ببناء قاعدة عقيدية قائمة على التوحيد ونفي كل شيء ما عدا الله تبارك وتعالى ونفي غير الله يقتضي الاقرار بحاكمية الله ليس فقط على أرواح الناس بل على أبدانهم أيضاً لأنه خالقهم.

وقام الإسلام أيضاً بإعادة بناء المجتمع على أخلاق فاضلة والأخلاق غير محصورة في القلب الأخلاق هي السلوك والتعاون الحسن مع الآخرين في النواة الصغيرة الأسرة وهي المحيط الأوسع المجتمع والأخلاق تمتد إلى الوضع الاقتصادي والوضع السياسي والوضع الاجتماعي.. فهناك علاقة كبيرة بين الأخلاق وبين النظام الذي يحكم الناس فمن غير الممكن أن يعير الإسلام اهتمامه للأخلاق وينسى تنظيم شؤون الناس في المجال الاقتصادي والسياسي.

ومن المستحيل أن يهتم الإسلام بأخلاق دون أن يقيم مجتمعاً صالحاً... فأية أخلاق حميدة يمكن لها أن تُعتمد في مجتمع منحرف.

من هنا فإن الإسلام يهتم بالعقيدة وتقويم السلوك ويهتم بإرساء أسس قويمة للعلاقات الاجتماعية وهذا ما نستنتجه من الآية الكريمة: {قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم أن لا تشركوا به شيئاً وبالوالدين احساناً ولا تقتلوا أولادكم من أملاق نحن نرزقكم وإياهم وتقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النفس الذي حرم إلا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده وأوفوا الكيل والميزان بالقسط لا نكلف نفساً إلا وسعها وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا القربى وبعهد الله أوفوا، ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون وإن هذا صراطي مستقيماً فاتبعون ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلك وصاكم به لعلكم تتقون}.

فالإسلام من خلال هذه الآية ليس عقيدة وحسب بل أيضاً تعامل بين البشر وعلاقات اقتصادية علاقات في مجال التبادل التجاري وادارة شؤون الناس في القضاء وكان لابد لهذا الدين أن يواجه متاعب ممن يخالفوه فكان عليه أن يواجه مكاره الدهر ويقاوم محاولات الأعداء في تصفيته والقضاء عليه ولا يتحقق ذلك إلا بإيجاد سلطة مركزية تعمل على اقامة قوة عسكرية من الناس المنتمين إليها وتعمل على توفير الأموال الكافية لصرفها في شؤون التسليح والقتال وتعمل أيضاً على ابرام معاهدات مع الفئات التي هي أقل خطراً من الفئات المحاربة وهذه هي خصائص الدولة وقد غابت هذه الحقائق عمن تجرأ وقال بأن الإسلام دين لا دولة وأن الرسول (صلى الله عليه وآله) لم يقم حكماً ولا دولة.

وحتى استناداً لآخر النظريات في نشوء الدولة وتطورها ومقوماتها نجد عند تطبيق تلك الشروط التي تضعها النظريات على الوضع الذي أسسه الرسول (صلى الله عليه وآله) لوجدنا أيضاً أننا سننتهي أيضاً إلى الاستنتاج السابق أن الرسول أقام دولة في المدينة وهذه حقيقة استنتجها أيضاً جمع من المستشرقين من أمثال مونتجمري وات مؤلف كتابي محمد في مكة ومحمد في المدينة الذي أقام بحثه على فكرة الإسلام دين ودولة.

  •  عناصر الدولة:

تُجمع معظم النظريات السياسية بأن الدولة هي كيان سياسي واطار لتنظيم حياة الجماعة الساكنة على قطعة أرض فالدولة هي سلطة تمارس سيادتها على أرض محددة يقطنها شعب متميز بخصائص معينة فهل كانت هذه العناصر متوفرة في الكيان الذي أقامه الإسلام؟ سنعرف الإجابة على هذا السؤال من خلال الشرح الوافي لهذه العناصر الثلاثة التي كانت تركب أجزاء الدولة الإسلامية.

وليس الهدف من البحث القادم هو الاستدلال على وجود دولة إسلامية في عهد الرسول (صلى الله عليه وآله) بل الهدف هو فهم طبيعة هذه العناصر وطبيعة العلاقة العضوية التي تربط أجزائها والتي من خلالها سنتعرف على طبيعة الدولة الإسلامية في عهد الرسول (صلى الله عليه وآله) والتي يجب أن تصبح قدوة حسنة لكل الدول الإسلامية القائمة اليوم.

 

العنصر الأول.. السلطة:

وتقسم السلطة إلى قسمين الأول القيادة.. ثانياً الأجهزة التنفيذية..

وحديثنا عن القيادة يتركز على الشخصية القيادية لرسول الله (صلى الله عليه وآله) وكيف كان يمارس سلطاته وما هو منهجه السياسي في تطوير قدرات المجتمع ليصبح مجتمعاً قوياً مثالياً.

أ- الرسول القائد:

كانت جزيرة العرب في القرن السابع الميلادي تفتقر إلى القدوة الصالحة، وكان الإنسان الذي أرهقته الجاهلية ظاميء إلى الفكر المنقذ وإلى الإنسان الذي يجسد هذا الفكر بسلوكه وبطريقة تفكيره بالفكر وحده لم يكن قادراً على تغيير مجتمع رزح لأمد طويل تحت ثقل الجاهلية والخرافة بل كانت هناك ضرورة وجود من يُجْسد هذا الفكر فيساعد أبناء ذلك المجتمع مكبل بالأغلال مصفد بالتراكمات وبالخرافات فأية قدوة تستطيع أن تضع أمام هذا المجتمع المثل الأعلى في السلوك الصالح والتفكير النير؟.. بالطبع لم يكن هناك إنسان بقادر أن يحمل تلك الوصفة التأريخية غير سيدنا محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وآله) الذي أصبح بشخصيته وبخُلقه وبتعامله الإنساني مرتكز التغيير الاجتماعي في المجتمع الجاهلي.

فبالخُلق القويم والشخصية المثالية استطاع رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن يُغير المجتمع أكثر من أي شيء آخر.

فالناس تستهويهم دماثة الخُلق وتسحرهم الشخصية القوية وتؤثر فيهم القدرات الإنسانية سيما في المجتمعات المتأخرة حيث يبحث كل واحد طريقاً للرقي فيجد في القدوة الصالحة الطريق الرحب للصعود فيأخذ بتقمص السلوك والأفكار من القدوة.

ولأن الإسلام بأفكاره ومناهجه يتناقض مع الجاهلية بدرجة مائة وثمانين فكان لابد وأن تتجسد تلك الأفكار في إنسان حيّ ينبض بالحياة وإلا فإن الفكر يظل فكراً مجرداً ما لم يُجسد في الإنسان حتى لو كان فكراً عملاقاً.

فالرسول (صلى الله عليه وآله) كان المُجسد الأول للرسالة الإسلامية فكان خلقه القرآن ، فكان القرآن الناطق كما يصطلح عليه (صلى الله عليه وآله).

فبسلوكه وخلقه استطاع الرسول (صلى الله عليه وآله) أن يقرب مفاهيم الإسلام إلى الإنسان الجاهلي ويجعله مؤمناً بتلك الأفكار والمفاهيم.

فكان التأثر بشخصية النبي (صلى الله عليه وآله) والسمعة الطيبة التي كان يمتلكها في الوسط الاجتماعي هي الجسر بينه وبين قلوب الناس فكان يصب من افكاره إلى تلك الأوعية فتتولد نماذج إنسانية رائعة.

فالجيل الأول من المسلمين تربى في أحضان القدوة الصالحة فكان أصلب عوداً وأمضى شكيمة.

ونجد من المناسب أن يكون مدخلنا إلى فهم شخصية الرسول من خلال هذه الزاوية.

فقد كان في الدرجة الرفيعة من الخلق السامي كان كما ورد في مناقب آل أبي طالب الذي أورد بعض صفاته جمعها بعض العلماء والتقطها من الأخبار كان النبي (صلى الله عليه وآله) أحكم الناس وأحلمهم وأشجعهم وأعدلهم وأعطفهم لم تمس يده يد امرأة لا تحل واسخى الناس، لا يثبت عنده دينار ولا درهم فإن فضل ولم يجد من يعطيه ويجنّه الليل لم يأو إلى منزله حتى يتبرأ منه إلى من يحتاج إليه وكان يجلس على الأرض وينام عليها يأكل عليها وكان يخصف النعل ويرقع الثوب ويفتح الباب ويحلب الشاة ويعقل البعير فيحلبها ويطحن مع الخادم إذا اعيا ويعود المرضى في أقصى المدينة يجالس الفقراء ويؤاكل المساكين ويناولهم بيده ويُكرم أهل الفضل في أخلاقهم ويتألف أهل الشرف بالبر لهم يصل ذوي رحمه من غير أن يؤثرهم على غيرهم إلا بما أمر الله ولا يجنو على أحد، يقبل معذرة المعتذر إليه، لا يرتفع على عبيده وامائه في مأكل ولا ملبس ولا يأتيه أحد حر أو عبد أو أمة إلا قام معه في حاجته لا فظ ولا غليظ ولا صخّاب في الأسواق ولا يجزي بالسيئة السيئة ولكن يغفر ويصفح يبدأ من لقيه بالسلام ومن رامه بحاجة صابره حتى يكون هو المنصرف.. وكان لا يجلس إليه أحد وهو يصلي إلا خفف صلاته وأقبل عليه وقال ألك الحاجة.. وكان يجلس حيث ينتهي به المجلس.

ـــــــــــ

الهامش

1)- ابن هشام: ص371.