mp3:
الملف: Microsoft Office document icon 020.doc

3- التسليح والتدريب:

وجد المسلمون في المدينة فرصة لتطوير كفاءتهم العسكرية مستجيبين للقرآن الكريم ((وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ)) فالاستعداد يقتضي توفير الإمكانات العسكرية من السيوف والرماح والسهام ويقتضي أيضاً التدريب على أنواع الأسلحة وبالأخص التدريب على الرمي.

فقد جاء في الأخبار ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) أرسل إلى اليمين من يشتري الأسلحة وكان بين المسلمين من هو متخصص في صناعة السيوف والرماح هو خباب بن الارت والشطر الأهم من توفير الأسلحة هو استخدامها والتدريب عليها فقد وجه الرسول (صلى الله عليه وآله) جل اهتمامه منذ وصوله المدينة على تدريب أتباعه على فنون القتال فكان يشجع المسلمين على هذا العمل فكان ينادي بين صفوف المتدربين واعدوا لهم ما استطعتم من قوة ألا ان القوة الرمي، ألا ان القوة الرمي، ألا ان القوة الرمي، وكان يشجع المسلمين على الفروسية قائلاً:

الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة.

وكان أيضاً يدفع المسلمين إلى التخصص في رمي السهام قائلاً (من رمى بسهم في سبيل الله فهو عدل رقبة محررة).

وتشجيعا لصناعة الأسلحة وحمل النبل على المقاتلين قال (صلى الله عليه وآله) ان الله عز وجل ليدخل بالسهم الواحد ثلاثة نفر الجنة، صانع يحتسبه في عمل الخير والرامي به ومتبله.

ولم يكتف الرسول بتشجيع القتال البري بل أيضاً شجع على ممارسة التدريب والقتال في البحر أيضاً فقال (صلى الله عليه وآله) (غزوة في البحر خير من عشر غزوات في البر والمائد فيه كالمتشحط في دمه ومن أجاز البحر فكأنما أجاز الأودية جميعاً) وذلك لأن ظروف الصراع العسكري على المدى البعيد كانت تحتم على المسلمين استخدام كل الوسائل المتاحة وطرق كل الأبواب فأهداف المستقبل هو تأمين استراتيجية عسكرية في البر والبحر، فالبحر هو العائق الوحيد الذي يفصل بين الجزيرة وبعض الدول المجاورة.

ودعوة الرسول (صلى الله عليه وآله) لغزو البحر يعكس مدى وعمق النظرة المستقبلية للرسول الأكرم. حيث حدثت بعد عشر سنوات أو أكثر معارك في الضفة الأخرى من البحر انتهت بتحرير مصر وشمال افريقيا وبعض الجزر في البحر المتوسط.. ولا ريب ان الفضل في الانتصارات المتلاحقة في جبهة البحر كما في جبهة البر يعود بالدرجة الأولى إلى الدعائم الأولى التي وضعها رسول الله لتكوين قوة برية وقوة بحرية متدربة على افضل فنون القتال. وكان المسلمون يتخذون من المسجد مكاناً للتدريب على السلاح وكانوا يذهبون إلى الجبال للتدريب على التهديف فقد شاهد رجل في أطراف المدينة عقبة بن عامر يحمل السلاح ويمارس التهديف راكضاً من مكان إلى مكان فسأله (تختلف بين هذين الموضعين وأنت شيخ كبير؟ فأجاب الشيخ : لأمر سمعته من رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال ما ذاك أجاب الشيخ سمعته يقول من تعلم الرمي ثم تركه فليس منا وبالرغم من ان بعض المسلمين كانوا من أهل القتال والحروب إلا ان غالبيتهم كانوا من العبيد والمستضعفين الذين لم يجدوا فرصة لتعلم فنون القتال تحت ظل الجاهلية المكية فهؤلاء كانوا بحاجة ماسة إلى إعادة تدريبهم على افضل صورة حتى يتمكنوا من مواجهة قريش المتدربة على أحسن فنون القتال والمتسلحة بأفضل الأسلحة الفتاكة.

 

4- التعبئة المعنوية:

منذ ان وطأة قدماه اخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله) يشد الهمم ويرفع من وعي المسلمين ليصبحوا بمستوى المواجهة المباشرة مع الوثنيين.. إذ كانت هناك عقبات نفسية تحول دون تحقيق هذه المواجهة فهناك التهيب من قريش فأغلبية المسلمين أما عبيد أو أُجراء للسادة يعيشون في مكة فلم يكن من السهل دفع هؤلاء المستضعفين لمواجهة سادات الأمس.. وكان أمراً حتمياً أيضاً ان يحارب الأخ أخيه والابن أخيه إذ كانت العوائل لا زالت متداخلة فكانت عملية التعبئة بحاجة إلى حشد من التوجيه المركز حتى يرتفع هؤلاء المستضعفين لمستوى المواجهة ويصبحوا على استعداد للدخول في حرب ضارية مع من كانوا ينظرون إليهم أسيادا لهم بالأمس أو مع أقربائهم أو أبناء عشيرتهم.

ومنذ البدأ اخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله) يركز الفكرة الجهادية في أذهان المسلمين وقد رافق هذا التوجيه حشد من الآيات القرآنية التي كانت تنزل كجرعات معنوية تهيأ الجسد لمواجهة المعركة الفاصلة مع المكروب فقد نزلت أول آية تمنح الأذن للمسلمين بالقتال بعد ان تبين مبررات هذا القرار يقول القرآن الكريم {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللهُ وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ وَمَساجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَللهِ عاقِبَةُ الأُمُور} ثم بعد ذلك نزلت الآية الكريمة {وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ للهِ..} ثم تعاقبت الآيات التي شدت من العزائم وأزالت الحواجز النفسية المانعة للقتال.. {قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ وَإِخْوانُكُمْ وَأَزْواجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوها وَتِجارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسادَها وَمَساكِنُ تَرْضَوْنَها أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ}.

وفي مجال تقوية القلب وازالة المخاوف وبعث الاطمئنان إلى النفوس قال ربنا عز وجل {الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً..}.

وعن مصير من يقتل جاء القرآن بما يثبت القلب ويثير الطمأنينة في النفوس {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ..} واخذ الرسول يردد نفس هذا المعنى قائلاً للمسلمين:

 (جاهدوا في سبيل الله فان الجهاد باب من أبواب الجنة ينجي الله به من الهم والغم).

وزادهم طمأنينة بمصير من يقتل ان الله تعالى يقول: (ما من عبد من عبادي خرج مجاهداً في سبيلي إلا ضمنت له ان أرجعه مأجوراً غانماً.. أو شهيداً اغفر له وارحمه وادخله الجنة).

أما من يتطوع في تمويل القوة العسكرية فانه ينال أضعاف ما بذله في سبيل الله (من أرسل نفقة في سبيل الله فله بكل درهم سبعمائة درهم) وقال أيضاً: (من أعان مجاهداً في سبيل الله أظله الله يوم لا ظل إلا ظله).

أما من يصبه الأذي في المواجهة.. والأذى على درجات ومقابل كل درجة هناك ثواب (من اغبرت قدماه في سبيل الله حرمهما الله على النار).. (ومن جرح في سبيل الله ختم له بخاتم الشهداء له نور يوم القيامة ويأتي جرحه له لون الزعفران وريح المسك يعرفه بها الأولون والآخرون ويقولون فلان عليه طابع الشهداء).

أما المجاهد الذي يبذل دمه وماله..

 (والذي جاهد بنفسه وماله حتى إذا لقي العدو قاتله حتى يقتل فذاك الشهيد الممتحن خيمة الله تحت عرشه ولا يفضله النبيون إلا بدرجة النبوة)

والعمل العسكري له أنشطة مختلفة ولكل موقع أجر وثواب.. وقد شجع الرسول (صلى الله عليه وآله) المسلمين على اقتحام كل المواقع.

ففي المراقبة والاستطلاع قال رسول الله وهو يشجع المسلمين نحو هذا العمل (حرمت النار على عين سهرت في سبيل الله).

 (من مات ولم يفز أو يجهز أو يخلف غازياً في أهله بخير أصابه الله بقارعة قبل يوم القيامة)، أما رباط يوم واحد فيقول (صلى الله عليه وآله) رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها ومقام أحدكم في سبيل الله خير من عبادة أحدكم في سبيل الله ستين سنة.

وهناك حشد كبير من الأحاديث والآيات توجد الدافع للتقدم إلى سوح الجهاد، وقد أعطى هذا التوجيه المركزي ثماره في بدر عندما اصطف المستضعفون والعبيد في قبال أسياد قريش وحمل الأبناء على الآباء فكانت معركة فاصلة انتصر فيها أصحاب القيم والمثل الذين حاربوا بقوة إيمانهم وانهزم فيها الأسياد والوجهاء لأنهم حاربوا بسلاح القوة المادية فقط فلم ينتصروا بها لأنها غير كافية لتحقيق شرايط النصر.

5- السرايا:

بعد ان استقر بالمسلمين المقام في المدينة وبعد ان أرسى رسول الله (صلى الله عليه وآله) أسس بناء القوة العسكرية أخذ وبعد ثمانية أشهر من استقراره في المدينة يبعث بالسرايا وهي مجموعات مقاتله تتألف من عدد من المقاتلين يقودهم شخص واحد متميز بكفاءته العسكرية والهدف من إرسال السرايا أمور عديدة أهمها:

1- تعويد المسلمين على حياة الجندية وتعويدهم على الانتظام في مجموعات عسكرية وتربيتهم على الطاعة الصارمة والكتمان.. فقد أرسل عبدالله بن جحش ومعه اثني عشر من المهاجرين وكتب رسول الله (صلى الله عليه وآله) كتاباً وأمره الا ينظر فيه قبل مسيرة يومين فيمضي لما أمره الرسول به ولا يستكره من أصحابه أحدا. وبعد يومين فتح عبدالله الكتاب السري وقرأ ما فيه:

إذا نظرت في كتابي هذا فأمضي حتى تنزل بوادي نخلة بين مكة والطائف فترصد بها قريشاً وتعلم لنا من أخبارها.. وبعد ان قرأ الكتاب التفت إلى أصحابه وقال لهم، قد أمرني الرسول (صلى الله عليه وآله) ان امضي إلى نخلة ارصد بها قريشا حتى آتيه منهم بخبر وقد نهاني ان استكره أحدا منكم ممن كان منكم يريد الشهادة ويرغب فيها فلينطلق ومن كره ذلك فليرجع فأما أنا فماض لأمر رسول الله.. فأجابه أصحابه جميعا ومضوا حتى نزلوا بنخلة.. فمرت بهم قافلة قريش تحمل تجارة لمكة فهاجموها وقتلوا أحد أفرادها وهو عمرو بن الحضرمي وأسروا اثنين آخرين وقفلوا عائدين بالبضائع والأسيرين إلى المدينة.. وعندما عرف الرسول (صلى الله عليه وآله) بما جرى عنف المجموعة لأنها تخطت الأوامر التي كانت تقتضي فقط رصد الأخبار وليس القتل وفي شهر حرام فقال لهم ما أمرتك بقتال في الأشهر الحرم وأوقف التصرف بالأموال والأسيرين وأبي ان يأخذ من ذلك شيئاً.

وتتجلى في هذه القضية أمور تعليمية هامة.. الأمر الأول، التدريب على الكتمان باستخدام الرسائل السرية وهو أسلوب جديد لم يتعوده العرب من قبل وهو أسلوب ذو أهمية قصوى في مباغتة الأعداء وكان على المسلمين ان يتعودوا الحالة الجديدة من خلال الممارسة العملية.

فكانت مرحلة السرايا هي افضل فترة لتعلم أصول الحرب وفنونها ويظهر من هذه القضية أيضاً التدريب على الطاعة إذ كان الخطأ الذي ارتكبته المجموعة بقتلها أحد المشركين في الشهر الحرم وتعنيف الرسول لها درساً بليغاً للمسلمين بقي مفعوله على مدى طويل من المعارك التي خاضوها.

وهنا ننتقل إلى الهدف الثاني من إنشاء فرق السرايا وهي:

2- الكشف عن الثغرات ومعرفة نقاط الضعف فالسرايا كانت حروب صغيرة من شأنها ان تكشف عن نقاط الضعف ان وجدت ثم معالجة هذه النقاط حتى تصبح المجموعة قادرة على الدخول في المعركة في المرة القادمة، فقد كانت هذه المناوشات بمثابة مناورات حية وهي ضرورية للجماعة التي تستعد لمواجهة طويلة ومريرة وكان يلحظ خلال فترة المناورة سلوك أفراد المجموعة ومقدار شجاعتهم وتضحيتهم سيما وان الطريقة التي اتبعت في التعبئة هي طريقة طوعيه فالفرد له الحرية الكافية في البقاء في المجموعة المقاتلة أو الانصراف وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يختار لقيادة هذه المجموعات أشخاص أكفاء كحمزة بن عبد المطلب وعبيدة بن الحارث وفي إحدى المرات خرج بنفسه على رأس المجموعة.

3- رصد تحركات المشركين فقد كانت قريش تتحين الفرص للانقضاض على المدينة بقصد غزوها والسيطرة عليها فقد كان الهدف من ايفاد سرية حمزة هو رصد تحرك قوة مكية متركبة من ثلثمائة جندي بزعامة أبي جهل بن هاشم.. فأكثر السرايا التي بعثها رسول الله كانت لمراقبة التحركات العسكرية لمشركي مكة الذين كانوا يبعثون بأعداد كبيرة من المقاتلين لتهديد أمن المدينة المنورة.

4- أشعار المشركين بيقظة المسلمين وانهم عارفون بتحركاتهم مما سيعرقل مساعيهم في تهديد الكيان الإسلامي.. فلربما طمع المشركون بالقضاء على المسلمين وتضعيف دولتهم لولا وجود هذه التحركات التي كانت تنم عن قوة ويقظة قلبت المعادلة في أذهان المشركين فبدلا من التعرض للمسلمين اصبح المشركون همهم الأول والأخير هو تجنب المواجهة لما يشكل ذلك من خطر على خطوط التجارة.

5- تهديد خط التجارة وفرض الحصار الاقتصادي بعد سلب حالة الامن من القوافل الذاهبة

القادمة من مكة ... وهذا هو الهدف الاستراتيجي من كل تلك المناورات التي قاربت في تعدادها سبع واربعين سرية فالهدف لم يكن القتال كما هو واضح من كلام رسول الله لمجموعة بن جحش بل الهدف هو رقلة الحركة التجارية وعبر هذا الهدف استطاع المسلمون ان يصيبوا المشركين في القلب فقد ادت هذه المناوشات الى تذبذب في الحياة الاقتصادية في مكة والى تضرر مصالح اصحاب الاموال والصفقات التجارية . ان تهديد هذه المصالح كان هو الهدف وليس القتال لأن عصب الحياة كانت قائمة على هذا الطريق الذي لابد وان يمر عبر المدينة في كل الاحوال ، وكان هذا الطريق هو مصدر ارتزاق لأهل مكة حيث كانت منتجات الحبوب القادمة من الشام تصل مكة عبر هذا الطريق فقد احدث الحصارالاقتصادي أزمة غذائية في مكة ولم تتمكن الطرق الاخرى من تامبن النقص في المواد الغذائية .

وقد مهدت هذه المناوشات فعلا للحرب الطاحنة حيث دفعت بقريش الى وضع فضية المسلمين موضع الجد وطرحت امرها للقضاء على الكيان الاسلامي الذي استشرى آثاره .

6- مد جسور التحالف الى القبائل العربيه القاطنه على الطريق الاستراتجي الموصل بين الشام ومكه فقد عقد الملمون معاهدات حسن الجوار وعدم الاعتداء مع بني مدلج وقد نصت هذه المعاهدات على بنود مهمه على راسها عدم الاعتداء بين الطرفين وان لاينظم احد الطرفين في حلف مضاد للطرف الآخر وان لايساعد هذا الطرف اعداء الطرف اللآخر.    وبهذه التحالفات ضمن رسول الله (صلى الله عليه وآله) عدة أمور الأول تأمين المنطقة الاستراتيجية المحيطة بالخط التجاري القرشي أمام النشاطات العسكرية للقوة الإسلامية.. والثاني هو الحيلولة دون تمكن قريش من الزحف نحو المدينة بقصد احتلالها لأن مثل هذه الخطوة لا يمكن أن تتم بدون مساعدة القبائل القاطنة حول المدينة فقد أقامت هذه التحالفات شريطاً أمنياً حول بعض مداخل المدينة فأصبحت هذه القبائل بمثابة الإنذار المبكر لأي هجوم قد تتعرض إليه المدينة بالإضافة إلى إمكانية الاستفادة من هذه القبائل في صد أي هجوم خارجي.

7- كانت هذه المناوشات بمثابة رسالة إلى من يحدث نفسه بضرب المسلمين من الداخل. فقد كانت الجبهة الداخلية في تلك الفترة قلقة بسبب التواجد اليهودي المكثف في المدينة فاحتمالات حدوث التمرد وانتهاز الفرص لتوجيه الضربة إلى الكيان الإسلامي قائمة.

ومن المبادئ التي التزم بها رسول الله (صلى الله عليه وآله) هو ان لا يبدأ أحد بالقتال بل على عكس ذلك عمل على مد جسور السلام والود مع كل جماعة ومنها اليهود وانه غير عارف بما يخططون له.

فلقد كانت الظروف كافية لكشف ما يبطنه اليهود ضد الإسلام والمسلمين فالعلاقات الهشة بينهم وبين المسلمين لم تكن لتستطيع ان تصمد أمام أطماعهم سيما وان تطور بناء الدولة الإسلامية جاء معاكساً لأفكارهم وتطلعاتهم الاقتصادية.. ولم يكن أسلوب الموعظة مجدي بهؤلاء الذين ظلوا يعملون في الخفاء للإطاحة بالإسلام فلم يكن أمام الرسول (صلى الله عليه وآله) إلا ان يتوسل بالقوة ليظهر دولته بالمظهر اللائق حتى يتجنب مؤامرات اليهود ودسائسهم فكانت هذه المناوشات بمثابة المناورة العسكرية لكبح جماح المتآمرين من اليهود الذين كانوا يتطلعون للحظة ضعف يصاب بها المسلمون ليبدأوا  بتنفيذ دسائسهم وحيلهم، فقد استطاعت هذه المناورات ان تؤمن الحد المناسب من الحالة الأمنية في المدينة وان تلغى ولو لوقت محدود وقصير أي مخطط تآمري يعمل اليهود إلى تنفيذه ضد المسلمين.