mp3:
الملف: Microsoft Office document icon 016.doc

ثالثاً الصحيفة:

بعد ان وطد رسول الله (صلى الله عليه وآله) دعائم وحدة الكيان الإسلامي وجه أنظاره نحو من تبقى من سكان المدينة فقد كان همه الأول هو ان يوصل المدينة إلى وحدة سياسية تكفل الأرضية القوية لإقامة الدولة الإسلامية بأنظمتها وأجهزتها المتشعبة.

وكان في المدينة عدد من القبائل اليهودية اشهرها ثلاث هي بني النضير وبني قينقاع وبني قريظة وقد استقبلت النبي (صلى الله عليه وآله) خير استقبال طمعاً في استيعابه وجماعته الإسلامية والإستفادة من هذا الوجود في مراميها السياسية والاقتصادية.

وقد أبدى النبي (صلى الله عليه وآله) في بداية الأمر نوايا حسنة تلقى المعاملة الحسنة من الهيود بمثابة التجاوب مع التطور الجديد فسارع لإبرام اتفاقية شاملة وضعت الخطوط العريضة لأسلوب التعامل مع الجماعات غير الإسلامية بما فيها اليهود.

وفي الوهلة الأولى امتنعت القبائل اليهودية الكبرى عن التوقيع على المعاهدة لأنها لاتحقق الغاية التي سعوا من اجلها وهي ضم النبي (صلى الله عليه وآله) تحت السيادة اليهودية وإذا برسول الله يطلع عليهم بهذه المبادرة التي عكست الأمر تماما إذ منحت المعاهد السلمية امتيازاً أوسع للمسلمين وجعلت اليهود على الهامش لكنها احتفظت بجميع حقوقهم الدينية والحياتية.. واضطرت هذه القبائل إلى إبرام معاهدات ثنائية تحت ضغط النفوذ الواسع لرسول الله الذي أخذ ينمو بصورة مطردة.

وقد نصت المعاهدة على ما يلي (1):

بسم الله الرحمن الرحيم: هذا كتاب من محمد (صلى الله عليه وآله) بين المؤمنين والمسلمين من قريش ويثرب، ومن تبعهم، فلحق بهم، وجاهد معهم، انهم أمة واحدة من دون الناس، المهاجرون من قريش على ربعتهم يتعاقلون بينهم، وهم يفدون عانيهم بالمعروف والقسط بين المؤمنين، وبنو عوف على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، كل طائفة تفدى عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين وبنو ساعدة على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة منهم تفدى عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين، وبنو الحارث على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين، وبنو جشم على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى وكل طائفة منهم تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين ، وبنو النجار على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى وكل طائفة منهم تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين، وبنو عمرو بن عوف على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين وبنو النبيت على أربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بني المؤمنين، وبنو الأوس على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة منهم تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين لا يتركون مفرحاً بينهم أن يعطوه بالمعروف في فداء أو عقل. وأن لا يحالف مؤمن مولى مؤمن دونه، وإن المؤمنين المتقين على من بغى منهم، أو ابتعى دسيعة ظلم أو أثم أو عدوان، أو فساد بين المؤمنين. وإن أيديهم عليه جميعاً، ولو كان ولد أحدهم ولا يقتل مؤمن مؤمناً في كافر، ولا ينصر كافراً على مؤمن، وإن ذمة الله واحدة يجير عليهم أدناهم، وإن المؤمنين بعضهم موالي بعض دون الناس. وانه من تبعنا من يهود فان له النصر والأسوة، غير مظلومين ولامتناصرين عليهم، وإن سلم المؤمنين واحدة، يسلم مؤمن دون مؤمن في قتال في سبيل الله، إلا على سواء وعدل بينهم، وإن كل غازية غزت معنا يعقب بعضها بعضاً، وإن المؤمنين يبيء بعضهم على بعض بما نال دماءهم في سبيل الله، وإن المؤمنين المتقين على أحسن هدى وأقومه، وإنه لا يجير مشرك مالاً لقريش ولا نفساً، ولا يحول دونه على مؤمن: وإنه من أغتبط مؤمناً قتلا عن بينه فانه قواد به إلا أن يرضي ولي المقتول وإن المؤمنين عليه كافة، ولا يحل لهم الاقتتال عليه، وانه لا يحل لمؤمن أقر بما في هذه الصحيفة وآمن بالله واليوم الآخر ان ينصر محدثاً ولا يؤويه، وإن من نصره أو آواه فان عليه لعنة الله وغضبه يوم القيامة، ولا يؤخذ منه صرف ولا عدل، وإنكم مما اختلفتم فيه من شيء فان مرده إلى الله والى محمد، وان اليهود يتفقون مع المؤمنين ماداموا محاربين، وإن يهود بني عوف أمة أثم فإنه لا يوتغ إلا نفسه وأهل بيته وإن ليهود بني النجار ويهود بني الحارث، ويهود بني ساعدة، ويهود بني جشم، ويهود بني الأوس، ويهود بني ثعلبة كأنفسهم، وأن بطانة يهود كأنفسهم، وانه لا يخرج منهم أحد إلا بإذن محمد (صلى الله عليه وآله) وانه لا يتحجر على ثائر جرح، وانه من فتك فبنفسه وأهل بيته إلا من ظلم، وان الله على ابر هذا وإن على اليهود نفقتهم وعلى المسلمين نفقتهم، وان بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة، وان بينهم النصح والنصيحة والبر دون الإثم، وإنه لم يأثم امرؤ بحليفه، وان النصر للمظلوم وان اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين، وان يثرب حرام جوفها لأهل هذه الصحيفة، وان الجار كالنفس غير مضار ولا آثم، وانه لا تجار حرمة إلا بإذن أهلها، وانه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث أو شجار يخاف فساده فإن مرده إلى الله والى محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وان الله على أتقى ما في هذه الصحيفة وأبره، وانه لا تجار قريش ولا من نصرها وان بينهم النصر على من دهم يثرب، إذ دعوا إلى صلح يصالحونه ويلبسونه، فإنهم يصالحونه ويلبسونه، وانهم إذا دعوا إلى مثل ذلك فإن لهم على المؤمنين إلا من حارب في الدين على كل ناس حصتهم من جانبهم الذي قبلهم، وان الأوس مواليهم وأنفسهم على مثل ما لأهل هذه الصحيفة وان البر دون الإثم لا يكسب كاسب إلا على نفسه، وإن الله أصدق ما في هذه الصحيفة وأبره، وإنه لا يحول هذا الكتاب دون ظالم أو وإن من خرج آمن، ومن قعد آمن بالمدينة إلا من ظلم أو أثم، وإن الله لمن بر واتقى.

ونستتج من هذه المعاهدة الأفكار التالية:

1- كان السعي الحثيث لرسول الله (صلى الله عليه وآله) هو بناء دولة عصرية قائمة على أسس ونظام وقواعد وهو أسلوب جديد في إدارة شؤون الناس لم يتعارف عليه في جزيرة العرب حيث كان نظام القبيلة هو النظام الحاكم على الأفراد.

بينما كان هم الرسول هو تحويل إدارة الحكم إلى مؤسسة قائمة على أصول وضوابط وبالتالي تحويل الكيان المشتت إلى مؤسسة منتظمة الأجزاء هي الدولة.

وقد رعى الرسول (صلى الله عليه وآله) حاجة الدولة إلى الدستور فسن في الصحيفة الخطوط العريضة الضرورية لإقامة الدستور فهي في الواقع مشروع دستوري هدفه الأول تهيئة المجتمع المدني بكل تجمعاته الإسلامية وغيرها لتقبل الدستور والضوابط فالصحيفة منحت اتجاها للمجتمع ينتهي حتما إلى إقامة المؤسسة الدستورية الشاملة والكاملة.

2- طرحت الصحيفة نمط التجمع الإسلامي في المدينة على أساس أنه أمة ـ وهي بداية أشعرت كل مسلم بأنه أصبح ينتمي إلى أمة بعد ان كان ينتمي إلى تجمع مصغر من المؤمنين.

وقد اقترن إصدار الوثيقة بتوسع القاعدة الطليعية للتجمع الإسلامي وتحولها إلى أمة فقد ورد في مقدمة المعاهدة (أنهم أمة واحدة من دون الناس).

أنهم أمة متميزون عن الآخرين بخصائص معينة بالتزامهم الديني وتمسكهم بالفضائل وبالصفات الحميدة.

وقد جرت مساعي النبي (صلى الله عليه وآله) لإعطاء الجماعة الإسلامية شخصية متميزة عن الآخرين بخصائص معينة بالتزامهم الديني وتمسكهم بالفضائل وبالصفات الحميدة.

وقد جرت مساعي النبي (صلى الله عليه وآله) لإعطاء الجماعة الإسلامية شخصية متميزة عن الآخرين يمكن بسهولة معرفتهم بها وتمييزهم عن أرباب الديانات الأخرى وهذه خطوة هامة نحو استبدال الشعور القبلي بالشعور الأوسع الذي يشمل كل أخوة الإيمان.

فعلى طريق بناء الكيان الإسلامي كان لا بد من ترسيخ مشاعر الولاء للأمة فستشدها هذه المشاعر نحو الجماعة الإسلامية وتجعلها عنصراً متفاعلاً مع كل قضية تهم هذه الأمة.

3- الإبقاء على الفرز القبلي والاحتفاظ بشخصية كل قبيلة على حالها فقد ذكر النبي (صلى الله عليه وآله) أسماء القبائل واحدة بعد أخرى واكد مع اسم كل قبيلة الحفاظ على شخصيتها (بنو عوف على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى وكل طائفة تفدى عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين).

ولكل قبيلة شخصيتها التاريخية ولا بد من الحفاظ عليها وهي لهذا تتحمل بنفسها مسؤولية التكامل الاجتماعي وبهذا الأسلوب استطاع رسول الله (صلى الله عليه وآله) ان يشارك كل قبيلة في تحمل بعض أعباء الدولة فكل قبيلة عليها ان تدفع الدية عن أبنائها وتفدي فقيرها كما كانت عليها قبل الإسلام.

ويظهر هذا الأسلوب رغبة النبي (صلى الله عليه وآله) في رفع بعض الكاهل عن الدولة وذلك باشراك التنظيمات الاجتماعية لتحمل بعض المسؤوليات الاجتماعية وكان ابرز مظاهر المؤسسة الاجتماعية هي القبيلة عليها ان تدفع الدية عن أبنائها وتفدي فقيرها كما كانت عليها قبل الإسلام.

ويظهر هذا الأسلوب رغبة النبي (صلى الله عليه وآله) في رفع بعض الكاهل عن الدولة وذلك باشراك التنظيمات الاجتماعية لتحمل بعض المسؤوليات الاجتماعية وكان ابرز مظاهر المؤسسة الاجتماعية هي القبيلة فبعد ان كانت كل قبيلة تحكم نفسها بنفسها أصبحت الآن ومعها كل القبائل تحت سيادة حكومة مركزية لكنها ظلت تمارس دورها الاجتماعي وهذا هو السبب الذي جعل النبي (صلى الله عليه وآله) ينصرف عن إلغاء القبائل كظاهرة اجتماعية.

وربما احتار البعض في تفسير ذلك وبدى وكأن هناك تناقضاً بين السياستين اللتين انتهجهما النبي (صلى الله عليه وآله).

لكن عند التأمل تتبدد الحيرة وتتضح الصورة تماما.

فالنبي (صلى الله عليه وآله) لم يلغ الجانب الإيجابي من خصائص القبيلة وهي التعاون بين أبنائها والتكافل الاجتماعي فهناك جانب من القبيلة وهي الولاءات والتنظيمات والأعراف فقد عمل رسول الله (صلى الله عليه وآله) على صهرها في بوتقة الإسلام ليحل محلها نظام مركزي واحد يشمل على كل القبائل وهو الدولة أما الخصائص الأخرى فقد عمل على الاحتفاظ بها واعطا ها دوراً أوسع في تنمية الحركة الاجتماعية.

4- توسيع دائرة الأمة لتشمل بالإضافة إلى المسلمين اليهود أيضاً وكل من تبع المسلمين فقد كان هدف الرسول هو إقامة دولة إسلامية يعيش فيها المسلم جنبا إلى جنب مع غير وهذا يقتضي إقامة تنظيم اجتماعي اشمل من تنظيم الأمة الإسلامية لنظم شؤون رعايا الدولة الإسلامية حتى لا يبقى غير المسلم منفصلاً عن التنظيم الأول الذي يعتبر النواة والمحور في الدولة الإسلامية.

فالدولة بحاجة إلى قاعد اجتماعية منظمة تشمل كل الذين قبلوا بهذا النظام فقد ورد في الصحيفة وان يهود بين عوف أمة مع المؤمنين وهم يرتبطون بالنظام سياسياً فهناك من يرتبط بالنظام عقائدياً وسياسياً وهناك من يرتبط به سياسياً فقط.

فالدولة الإسلامية لا تحصر نفسها بطبقة دون أخرى أو بجماعة دون أخرى فكل من وافق ان يعيش في ظل النظام الإسلامي هو من رعايا هذه الدولة يجب عليها ان تدافع عنه كما تدافع عن مواطنيها الأصليين.

وخلاف ذلك، نشاهده في أنظمة الحكم الراهنة سيما الدول الإسلامية التي حصرت نفسها بإطارات اجتماعية ضيقة فأصبحت وكأنها وسيلة لا سعاد تلك الطبقة الاجتماعية أو للترفيه عن تلك المدينة أو تلك القرية أما بقية الرعية فليس لهم أحد إلا الله.

أن قلب الإسلام يستوعب حتى غير المسلم ويساوي بينهم وبين المسلمين فقد ورد في الصحيفة ( وان من تبعنا من يهود فان له النصر والأسوة غير مظلومين ولامتناصرين عليهم).

5- تضمين حرية العقيدة في الدولة الإسلامية، فقد ورد في الصحيفة وان لليهود دينهم وللمسلمين دينهم. فعلى عكس ما كان متعارفاً في الجزيرة العربية حيث لا يسمح أصحاب عقيدة ما لغيرهم إظهار عقائدهم بحرية تامة فقد لقي المسلمون صنوف العذاب على أيدي قريش عندما أخذوا يصدعون بالإسلام. وعندما جاء النبي (صلى الله عليه وآله) إلى يثرب لم يشأ ان يكرر ما فعلوا به فينسف العقائد الأخرى مثلما فعلوا على رغم سلامة العقيدة الإسلامية وانحراف العقائد الأخرى. فلأول مرة في تاريخ الجزيرة العربية تقر حرية العقيدة بصورة قانونية من قبل دولة قائمة على عقيدة أخرى. 

لقد أراد النبي (صلى الله عليه وآله) ان يبني دولة نموذجية في كل شيء لتصبح سنة جارية في التاريخ وفعلاً أقام دولته المباركة التي تقدمت حتى على الدولتين المتحضرتين الساسانية والبيزنطينية.

والحرية هي حجر الأساس في كل دولة فعلى أساسها تستمد بقية الحقوق معانيها الحقيقية فبدون الحرية لا معنى لحقوق الإنسان فحرية الرأي وحرية العمل والحق في المشاركة السياسية والحق في التجمع كلها منوطة بحرية العقيدة وكان الرسول (صلى الله عليه وآله) ومن خلال الوثيقة يريد إرساء لائحة حقوق الإنسان في السماح بحرية العقيدة في الدولة الإسلامية فالمسلمون ضاقوا مرارة الاستبداد والتحجر الفكري في الفترة التي قضوها في مكة وكان عليهم ان يأخذوا العبرة ويحسبوا حساب من يريد ان يعيش كما عاشوا في مكة فكان عليهم ان يمنحوهم الحرية الكافية ويوفروا لهم الأجواء المناسبة لممارس هذا الحق.

6- ترسيخ دعائم الاستقرار الأمني فورد في الصحيفة : وان يثرب حرام جوفها لأهل هذه الصحيفة فتوطيد الآمن والاستقرار هو السبيل إلى التقدم والرقي فمع الاستقرار الأمني يزدهر الاقتصاد وتنمو مشاعر الاخوة الصادقة وتتوطد أعمدة النظام في الدولة.

فعل نقيض ما تعارف عليه العرب الذين لم يعرفوا للاستقرار معنى فكانوا دائما في حالة حرب أو استعداد للحرب ولهذا السبب لم تتطور البنية الاقتصادية في الجزيرة العربية إلا في مكة فقد ازدهرت فيها الحركة التجارية عندما قرر أهلها العمل على استتباب الأوضاع ونبذ المشاكل وتصفية النزاعات وقد ساعد هذا القرار المسلمين كثيرا على تثبيت دعائم الدعوة الإسلامية على رغم إرادة زعماء قريش الذين اضطروا إلى الامتناع عن فتح جبهة عريضة في مكة لان ذلك سيهدد مصالحهم التجارية المتنامية.

واليوم يريد المسلمون في المدينة ان يبدأوا حياة جديدة وان يبنوا اقتصاداً متيناً ومجتمعاً قوياً تنعدم فيه الجريمة وما كان ذلك ليتحقق إلا باستتاب الأمن وإشاعة روح الاستقرار والطمأنينة في النفوس وقلع جذور الفساد والجريمة فقد ورد هذا النص:  وان لا يحل لمؤمن أقر بما في هذه الصحيفة وامن بالله واليوم الآخر ان ينصر محدثاً ولا يؤويه، وان من نصره أو آواه عليه لعنة الله وغضبه يوم القيامة.

7- إشاعة روح التعاون بين رعايا الدولة الإسلامية فوردت نصوص عديدة في الصحيفة تؤكد على ضرورة التعاون في المجالات الضرورية منها مجال التناصح وان بينهم النصح والنصيحة والبر دون الاثم والتعاون على تصفية الفقر وتلبية حاجات كل صاحب حاجة وان المؤمنين لا يتركون مفرحاً (المثقل بالدين والعيال) بينهم يعطوه في فداء أو عقل.

والتعاون على دفع الضرر الخارجي وان بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة وفي مجال الدفاع المشترك يجب حتى على اليهود التعاون في هذا المجال لانهم إنما يدافعون عن الاستقرار وعن نظام قبلوه عن طيب خاطر فلكي يستطيع هذا النظام ان يوفر لهم الأمن والرقي كان عليهم ان يشتركوا في الدفاع عنه لان الدفاع عنه دفاع عن مصالحهم أيضاً والتعاون هو القاعدة الرئيسية في نباء المجتمع والدولة وفي إيجاد جسور التفاعل بين أجزاء هذا المجتمع فالتعاون هو السبيل لدفع الجريمة والانحراف وتجنيب النظام المخاطر الداخلية والتعاون هو سبيل لدفع الأخطار الخارجية التي تهدد النظام.

والتعاون هو السبيل لازدهار الحياة الاقتصادية.

والتعاون هو السبيل لسيادة المحبة والتراحم.

والتعاون أخيرا هو أساس العلاقة بين الشعب والدولة فدولة الإسلام هي دولة جماهيرية تقوم على مبدأ المشاركة الشعبية والتعاون هو أساس هذه المشاركة.

8- الإقرار بسيادة الدولة وذلك بإرجاع الأمور المتنازع عليها إلى الدولة فهي التي ستفصل في القضايا المختلف عليها فقد اعتاد العربي إلى أخذ حقه بيمينه دون التوسل بسلطة إلا اللهم سلطة القبيلة وجاء الإسلام ليضع حدا لهذه الفردية التي تثير الفوضى وعدم الاستقرار فكان على جميع رعايا هذه الدولة حتى من غير المسلمين ان يقروا بوجود مرجع له السيادة على الجميع وان عليهم ان يعودوا إليه عند النزاعات.

فوردت عدة نصوص تحمل هذا المعنى.

وانه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث أو شجار يخاف فساده فان مرده إلى الله والى محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وفي مكان أخر وأنكم مهما اختلفتم فيه من شيء فان مرده إلى الله والى محمد.

ويشمل ذلك حتى اليهود الذين عليهم الإقرار بسيادة الدولة الإسلامية وانه لا يخرج منهم أحد (اليهود) إلا بأذن محمد فكان على الجميع ان يقروا بان هناك رئيس لهذه الدولة وانه من واجبهم ان يراجعوه في مواطن الضرورة وليس من حقهم ان يتصرفوا تصرفاً فردياً كما كانوا في السابق.

هذا هو أهم ما ورد في الصحيفة من معايير الحكم والدولة ومن أسس يقام عليها المجتمع الإسلامي وقد تمكن الرسول (صلى الله عليه وآله) ان يرسي بتلك الأسس قواعد بناء الدولة وان يضع نواة الأمة الإسلامية التي أخذت تتوسع وتنتشر بمرور الزمن. وتظهر قيمة هذا العمل من تأمل الأوضاع العامة في جزيرة العرب حيث النزعة الفردية والفوضى واللاقانون هي السائدة يومذاك. وفي قلب هذا المجتمع بدأ رسول الله يقيم مجتمعاً جديداً يقوم على النظام وأخذ يرسي دعائم دولة تقوم على سيادة القانون وليس سيادة أهواء زعيم القبيلة أو ما شابه.

ـــــــــــــ

1)- ابن هشام: ص 502 - 503. وسيرة المصطفى: ص 277.