mp3:
الملف: Microsoft Office document icon 13.doc

ثانياً: الإقليم الإسلامي:

يتحدد الموقف الاسلامي من الأرض على اعتبارين:

الأول: إن مسؤولية المسلمين تمتد الى آخر بقعة من الأرض.

يقول أميرالمؤمنين (عليه السلام) اتقوا الله في عباده وبلاده، فإنكم مسؤولون حتى عن البقاع وهي الأماكن غير المسكونه البعيدة عن المدن والأمصار. بمعنى آخر البقاع الأراضي التي لايسكنها أحد من المسلمين والتي لم يصل اليها طلائع الفتح الاسلامي.

الثاني: الأرض الخاضعة للدولة الاسلامية، فالمسلمون يتحملون مسؤولية ، استثمارها.

يقول الامام أمير المؤمنين:

ألا وإن الأرض التي تقلكم والسماء التي تظلكم مطيعتان لربكم وما أصبحتا تجودان لكم ببركتها توجعاً لكم، ولازلفة اليكم ولالخير ترجوانه فيكم ولكن أمرتا بمنافعكم فأطاعتا وأقيمتا على حدود مصالحكم فقامتا(1).

فالأرض والسماء كلها لله وقد خلقهما الله لخدمة الانسان ولايحق لأية قوة أن تقف بوجه استثمارها.

وليست الأرض التي تقل البشر وحدها في خدمة الناس بل السماء التي تظلهم أيضاً هي في خدمة الانسان.

فعلاقة الانسان ليست بالارض التي يقطن فوقها بل بالسماء التي تظلله وهذه العلاقة هي أخيراً علاقة استثمار لما أودع الله فيها من بركات أو ما ينزل من السماء من امطار. وفي مقابل ماتقدمه الأرض من نعم وبركات لابد من حمايتها والدفاع أمام أي اعتداء أو غزو.

يقول الامام: ألاترون الى أطرافكم قد انتقصت والى أمصاركم قد افتتحت ممالككم تزوى والى بلادكم تغزى.

انفروا رحمكم الله الى قتال عدوكم ولاتثاقلوا الى الأرض فتقروا بالخسف وتبؤوا بالذل ويكون نصيبكم الأخسّ(2).

فالأرض التي تعطي للإنسان كل مايحتاج اليه لابد له من الدفاع عنها عندما تتعرض الى العدوان.

وهذه هي العلاقة المتبادلة التي تنشأ من وجود الانسان على أرض ما وتسمى تلك الأرض في الاصطلاح الحديث بالإقليم وهو بقعة محددة من الأرض يستقر عليها مجموعة مترابطة من الناس يمارسون نشاطهم فوقها بشكل دائم.

وإذا كان توصل الفكر القانوني الى مبدأ الاقليم الجوي، جاء متأخراً فإن الامام أميرالمؤمنين قد أشار في النص المتقدم الى انضمام السماء الى جانب الأرض في نطاق الاستثمار البشري وهو اشارة واضحة الى مبدأ الإقليم الجوي.

ثالثاً: السلطة السياسية:

يستمد الامام علي (عليه السلام) تصوره عن السلطة السياسية من النظرة القرآنية التي احتوت على تصور كامل لعناصر السلطة السياسية.

فالقرآن يصرح

ا- (ولاتركنوا الى الذين ظلموا فتمسكم النار) هود/113

2- (ولاتطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا) الكهف/28

3- (إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم) البقرة/247

4- (هل يستوي الذين يعلمون والذين لايعلمون انما يتذكر أولوا الألباب) الزمر/ 9

5- (قالت احداهما يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين) القصص/26

6- (اجعلني على خزائن الأرض إني حفيط عليم) يوسف/55

7- (الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل) النساء371.

وآيات كثيرة وكثيرة تصف لنا رئيس الدولة الاسلامية، وتضع حدوداً لصلاحياته وترسم العلاقة القانونية بينه وبين أفراد الأمة.

والامام علي هو ابن القرآن، فقد تربى في أحضان الوحي ونزل القرآن وهو ابن عشر سنوات وهو لصيق برسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) ومازال معه وآيات القرآن تتقاطر دون انقطاع.

وعلى أساس هذه النظرية العميقة الى القرآن وجدنا أمير المؤمنين يضع منهجاً لمعرفة القيادة من القرآن الكريم عندما سأله سائل قائلاً

فانظر أيها السائل فما دلك القرآن عليه من صفته فائتم به واستضيء بنور هدايته.

فالقرآن هو دستور للدولة... ومنهج للأمة فيه كل ماتستطيع الأمة أن تبني به نفسها وتشيد به مجدها وترسم طريق مستقبلها.

القرآن منطلق عند الامام علي (عليه السلام) فعلى أساسه المتين يضع الامام أسس السلطة السياسية التي سنوضح معالمها عبر هذه الدراسة المقتضبة.

 

طبيعة السلطة

السلطة في الاسلام هي الجهة التي ترعى شؤون الناس، تحتضن الخيرين منهم وتربي الأشرار، فهي كالوالد الرحيم كمايقول أحد أحفاد الامام علي وهو ابوجعفر الباقر (عليه السلام).

لاتصلح الامامة الا لرجل فيه ثلاث خصال، ورع يحجزه عن معاصي الله، وحلم يملك به غضبه وحسن الولاية على من يلي حتى يكون لهم كالوالد الرحيم(3).

فالسلطة هي وظيفة ربانية..

يقول الامام: اني أريدكم لله وأنتم ئريدونني لأنفسكم(4).

فهي ليست ملوكية، وقد قبح القرآن هذا اللفظ لما يحمل من معاني الاستئثار

وا لاستبداد.

والاستئثار هو قرين للملوكية كما يقول الامام..

من ملك استأثر(5).

أما السلطة في الاسلام فهي امامة عن الأمة أي أن يكون في مقدمة القوم في كل الصفات الخيرة.

من نصب نفسه للناس إماماً فليبدأ بتعليم نفسه قبل تعليم غيره وليكن تأديبه بسيرته قبل تأديبه بلسانه ومعلم نفسه ومؤدبها أحق بالاجلال من معلم الناس ومؤدبهم(6).

فالامام هو معلم للأمة وهو معلم لنفسه قبل أن يكون معلما للآخرين وقبل أن يصبح رئيساً للدولة.

وعندما يكون الحاكم ربانياً تستقيم الأمور وتنتظم الحياة وفق كتاب الله وسنة نبيه.

فليست تصلح الرعية الا بصلاح الولاة، ولاتصلح الولاة الا باستقامة الرعية، فإذا أدت الرعية الى الوالي حقه، أدى الوالي اليها حقها عز الحق بينهم وقامت مناهج الدين واعتدلت معالم العدل وجرت على اذلالها السنن فصلح بذلك الزمان وطمع في بقاء الدولة ويئست مطامع الأعداء(7).

 

وظائف السلطة

إن وجود السلطة مرهون بالوظيفة التي تتحملها، فبعد أن تتكون الأمة فوق اقليم جغرافي، يلزم قيام هيئة منظمة تتولى ادارة شؤون الأمة ومراقبة تطبيق القانون ورعاية مصالح افراد الأمة.

ووظائف السلطة في نظر الإمام هي:

ا- جباية الخراج 2- استصلاح العباد 3- جهاد الأعداء4- عمارة الأرض وهذه العناوين الأربعة التي حددها الإمام تشتمل على وظائف مالية وعسكرية وثقافية وتعليمية واقتصادية وتتحمل الهيئة التي تتولى السلطة هذه الوظائف، ولايحق للسلطة أن توسع من دائرة صلاحياتها لأكثرمن تلك الوظائف الأربع التي هي جباية الخراج وجهاد العدو واستصلاح العباد وعمارة البلاد.

فجباية الخراج وظيفة عامة تقتضيها طبيعة ودور السلطة في الأمة.

فهي تجبي الخراج لأنه المورد المالي الرئيس للدولة.

وكذلك تتهيأ لجهاد الأعداء بإنشاء مراكز للتدريب واقتناء الاسلحة وتعبئة المتطوعين، وتقوم بتوجيه الأمة عبر مايصطلح عليه اليوم بوسائل الإعلام وذلك بغية خلق الحوافز الخيرة لدى الأمة وتجنيبها السقطات التي تلتهم المجتمعات الانسانية.

وأخيراً تقوم الهيئة الحاكمة ببناء الدولة، بناءها اقتصادياً وعمرانياً، بإنشاء الطرق وإقامة المراكز الصحية وتوفير وسائل العمل المنتج سواء في الزراعة أو الصناعة. هذه هي حدود مسؤوليات الحكومة ولاحق لها أن تمتد خارج هذه الحدود. وفي خطبة أخرى للإمام (عليه السلام) يضع بين أيدي الناس حقوقهم التي لابدّ لهم أن ينالوها من رئيس الدولة فيقول:

أيها الناس إن لي عليكم حقاً ولكم في حق فأما حقكم عليّ فالنصيحة لكم وتوفير فيئكم عليكم وتعليمكم كيلا تجهلوا وتأديبكم كي تعلموا.

وقد جاءت هذه العبارات في معرض مجموعة نصائح قدمها الامام.

فكان تركيزه على الجانب الارشادي من وظائف السلطة بالإضافة الى الجانب الاقتصادي وهو توفير الفيء أي تكثير الانتاج.

وفي مكان آخر يقول أميرالمؤمنين (عليه السلام):

إنه ليس على الإمام الاً ما حمل من أمر ربه، الإبلاغ في الموعظة والإجتهاد في النصيحة والإحياء للسنة وإقامة الحدود على مستحقيها، فهذه هي واجبات محددة اقامة الحدود والموعظة وتوزيع العطاء بين الناس.

 

مميزات الحكم

من النظرة الأولى الى أنظمة الحكم المتنوعة يمكن تشخيص مميزاتها وفروقاتها.

فأنظمة الحكم الديمقراطية تمتاز بسيادة الأكثرية من الأمة التي تتخذ من البرلمان منبراً لفرض ارادتها سواء كانت عن حق أو باطل.

وتمتاز الأنظمة الدكتاتورية بسيادة فرد في السلطة، وهو أما أن يكون ملكاً أو رئيساً للجمهورية ويصبح لهذا الفرد الحق في السيطرة وإصدار القرارات سواء كانت هذه القرارات حق أم باطل.

أما امتياز نظام الحكم عند الإمام علي (عليه السلام) إن السيادة فيه هي للحق والحق وحده.

عندما نصب مالكاً والياً على مصر بعث الى أهل مصر يطلب منهم مايلي.. فاسمعوا له وأطيعوا أمره فيما طابق الحق.

فالمعيار في الأوامر والنواهي هو الحق وليس مجرد الأمر إذ يبرر البعض ممن ينفذون أوامر الظالمين مع يقينهم انها على باطل إنه عبد مأمور. إن هذه اللغة لاتنسجم مع القاعدة التي يضعها الامام علي (عليه السلام) في مطابقة الأوامر للحق. فالحاكم اذا التزم بالحق فكل شيء يسيروفق سنن الله والطبيعة، أما إذا مال عن الحق بمقدار انملة فإن نهايته ستكون الهلاك، فقد حذر الامام مغبة الانحراف عن الحق قائلاً:

من أبدى صفحته للحق هلك.

فالسيادة اذآ للحق..

وكتاب الله هو الحق.

وقانون المجتمع والدولة في كتاب الله.

إذن السيادة في الاسلام للقانون.

يقول الإمام علي (عليه السلام):

إنا لم نحكم الرجال، وإنما حكمنا القرآن..

وقد قال سبحانه (فإن تنازعتم في شيء فردوه الى الله والرسول) فردوه الى ان نحكم بكتابه وردوه الى الرسول أن نأخذ بسنته(8).

وكتاب الله بين أظهركم ناطق لايعيا لسانه وبيت لاتهدم أركانه وعز لاتهزم أعوانه.. كتاب الله تبصرون به وتنطقون به وتسمعون به وينطق بعضه ببعض، ويشهد بعضه على بعض(9) فانظرأيها السائل فما دلك القرآن عليه من صفته فائتم به واستضيء بنور هدايته(10).

ويقول الامام عن الذين يتجاوزون كتاب الله.

كأنهم ائمة الكتاب وليس الكتاب إمامهم.

فهؤلاء جعلوا من أنفسهم أسياداً وقدموا أنفسهم على القرآن، فأخذوا يحكمون بما تهواه أنفسهم دون التقيد بالقانون الإلهي.

وعندما تكون السيادة في الدولة للقرآن تصبح الدولة دولة قانون لاتتحكم بها الأهواء والشهوات، ويكفي لضمان الحريات والحقوق أن تتقيد الأمة بقانون وفقه.

وطالما كانت الدولة الاسلامية تعمل بالقرآن كانت تسير بخطا سليمة نحو الهدف المرجو منها وعندما لم يبق من القرآن الا رسمه هيمنت الأهواء على الحكم فضاعت الحقوق وانتهكت الحريات.

 

مبادئ الحكم

تقوم نظرية الحكم عند الإمام علي (عليه السلام) على مبادىء ثلاث:

 1- الشورى 2- المسا وا ة 3- العدل.

فغياب أصل واحد من هذه المبادىء يعني ان السيادة ليست للحق، لأن بالشورى يستطيع الحاكم أن يقترب كثيراً الى الحق والمساواة هو اعطاء الحق الاولوية على القربة والعشيرة وبالعدل يصل الإنسان الى الحق، فهذه المبادىء الثلاثة التي أكد عليها الامام أميرالمؤمنين، وهو بذلك يترجم القرآن في دنيا الحكم وا لسياسة.

فعن الشورى قال تعالى في كتابه الكريم: (وأمرهم شورى بينهم) (وشاورهم في الأمر)

وعن المساواة قال تعالى: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى و جعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا ان أكرمكم عند الله اتقاكم) الحجرات/13

(انما المؤمنون اخوة فأصلحوا بين أخويكم) الحجرات/ 10

وقال أيضاً يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين ان يكون غنياً أو فقيراً) النساء/135

وعن العدل قال تعالى:

(ان الله يأمر بالعدل والإحسان وايتاء ذي القربى)

ويقول أيضاً (يا أيها الذين أمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولايجرمنكم شنآن قوم على الا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى) المائدة/8

وعلى نهج القرآن سار الامام علي (عليه السلام)، فأرسى نظاماً للحكم قائما على المبادىء المتقدمة.

ا- الشور ى:

الشورى في الحكم مبدأ ثابت لامناقشة فيه.

فالإستشارة عين الهداية(11) كما يقول أمير المؤمنين (عليه السلام) فبدون الاستشارة يستبد الحاكم برأيه فيسقط في المهالك والمزالق.

من استبد برأيه هلك(12).

لاظهير كالمشاورة(13).

فالمشورة جدار صلب يتكاً عليه الحاكم متى ماعصفت به الرياح وتراكمت عليه ا لأ مواج(14).

بالمشورة يستطيع الحاكم أن يقلب الأمور فيختار الرأي الصائب.

من استبد برأيه هلك، ومن شاور الرجال شاركها في عقولها(15).

وليس منا من لايريد أن يشاركه الآخرون في تجاربه الحياتية.

ولكن لمن يختار الوالي أو الحاكم إذا أراد المشورة؟

يجيب الإمام..

وأكثرمدارسة العلماء، ومناقشة الحكماء في تثبيت ما صلح عليه أمر بلادك

واقامة ما استقام به الناس قبلك.

فالعلماء يمنحون الحاكم الرأي المستند الى العلم أما الحكماء فهم يمنحون الحاكم الرأي المدعم بالتجربة. والرأي حتى يختمر ويصبح صائباً بحاجة الى عنصرين، علم وتجربة، فبالعلم يثق بصواب الرأي وبالتجربة يطمأن الى مطابقة الرأي للواقع.

ولابدّ للحاكم أن يتأمل كثيراً في المشاورين فيدقق النظر في اختيارهم فلايختار من هبّ ودبّ.

يقول الامام علي (عليه السلام).

ولاتدخلن في مشورتك بخيلاً يعدل بك عن الفضل، ويعدك الفقر،ولا جباناً يضعفك عن الأمور، ولاحريصاً يزين لك الشره بالجور فان البخل والجبن والحرص غرائز شتى يجمعها سوء الظن بالله.

ولايكفي للحاكم أن يطلب المشورة من رجال الأمة بل على الأمة نفسها أن تقدم المشورة باستمرار للحاكم وأن لاتكتفي فقط بما تقدمه من رأي بل عليها أن تواصل مراقبة الحاكم حتى لايزل أو لايخرج عن طريق المشورة.

يقول الامام:

فلا تكفوا عن مقالة بحق، أومشورة بعدل، فاني لست في نفسي بفوق أن أخطىء، ولا آمن ذلك من فعلي إلا أن يكفي الله من نفسي ماهوأملك به مني، فإنما أنا وأنتم عبيد مملوكون لرب لا رب غيره. يملك منا مالا نملك من انفسنا وأخرجنا مما كنا فيه الى ما صلحنا عليه، فأبدلنا بعد الضلالة بالهدى وأعطانا بصيرة بعد العمى.

والإمام يمثل بنفسه وقصده من يقوم مقام الحكم والا فهو إمام معصوم لايصدر منه الخطأ.

أما هو فقد بين موقفه من الشورى يوم طلب طلحة والزبير ان يشاورهما فقال الإمام.. ولو وقع حكم ليس في كتاب الله بيانه ولا في السنة برهانه واحتيج الى المشاورة فيه لشاورتكما فيه(16).

2- ا لمساواة:

لم يكن للإمام علي (عليه السلام) اسلوب آخر غير المساواة لمواجهة تراكمات عهد الخليفة عثمان ولمعالجة ما آل اليه الواقع الإجتماعي من تفشي للطبقية وتمييز على أساس قبلي أو قومي.

فالمساواة ليست كلمة عابرة أو شعاراً براقاً بل هي أساس لنظام قويم في الحياة يعيش فيه أفراد المجتمع بسلام ووئام.

والمساواة هي أول كلمة قالها الإمام بعد البيعة.

فقد كان بيانه الأول بعد استلامه زمام الأمور: المساواة في العطاء.

إني قد كنث كارهاً لأمركم فأبيتم، الأ أن أكون عليكم ألا وانه ليس لي أمر دونكم الا أن مفاتيح مالكم معي ألا وانه ليس لي أن آخذ منه درهماً دونكم.. رضيتم.

قا لوا: بلا.

قال: اللهم اشهد عليهم، ثم بايعهم على ذلك(17).

وبعد أن أصبح خليفة للمسلمين ظلت قضية المساواة شغله الشاغل ووصيته

التي لاتنته لولاته وعماله..

يقول في وصيته لمالك..

واخفض للرعية جناحك، وابسط لهم وجهك، وألن لهم جانبك، وآسي بينهم في اللحظة والنظرة والإشارة والتحية حتى لايطمع العظماء في حيفك ولاييأس الضعفاء من عدلك(18).

قاعدة ذهبية يضعها أمير المؤمنين (عليه السلام) ليس فقط قبالة واليه بل أمام كل من يريد إدارة الناس.

يطلب منه المساواة حتى في توزيع لحاظ العيون، فكيف لوكان الأمر في توزيع العطاء من بيت المال سيما وأن هذا المال هو مالهم وليس شيئاً متعلقاً بالوالي.

وبخلاف سياسة الخليفة عثمان فقد وضع الإمام علي قانوناً في توزيع بيت المال هو..

ألا وإن حق من قبلك وقبلنا من المسلمين في قسمة هذا الفيء سواء يردون عندي عليه ويصدرون عنه(19).

سن هذه القاعدة عندما لاح لسامعيه إن واليه على أردشيرخره مصقلة بن هبيرة الشيباني قد مال الى أقربائه فأخذ يستأثرهم في العطاء فكتب له:

بلغني عنك أمر إن كنت فعلته فقد أسخطت الهك وعصيت إمامك، إنك تقسم فيء المسلمين الذي حازته رماحهم وخيولهم وأريقت عليه دماؤهم فيمن اعتاقك من أعزب قومك، لئن كان ذلك حقاً لتجدن لك علي هواناً ولتخفن عندي ميزاناً فلا تستهين بحق ربك لاتصلح دنياك بمحق دينك فتكون من الأخسرين أعمالاً.

وكان علي (عليه السلام) رائد المساواة فساوى بينه وبين أضعف الناس فقراً في طعامهم و مشربهم.

أأقنع من نفسي بأن يقال هذا (أميرالمؤمنين) ولا أشاركهم في مكاره الدهر أو أكون أسوة لهم في جشوبة العيش(20).

والمساواة في حكومة الإمام علي (عليه السلام) تشمل حتى غيرالمسلم.

فهو يقسم الرعية لمالك واليه على مصر على صنفين.

إما أخ لك في الدين، أو نظير لك في الخلق (21).

 

3- العدل:

والعدل مبدأ آخر في نظام حكم الإسلام الذي أرسى قواعده رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) وسار على نهجه أميرالمؤمنين علي (عليه السلام).

ينبه الامام ولاته الى أهمية هذا المبدأ.

وليكن أحب الأمور اليك أوسطها في الحق، وأعمها في العدل، وأجمعها لرضى الرعية.

فعندما يريد الحاكم أن يتخذ قراراً من بين القرارات أو يضع لائحة فلابد له

أن يتمسك بميزان دقيق يقوم على ثلاث أعمدة.. أن يكون هذا القرار أقرب مايكون الى الحق وهو من بين القرارات أقدر على تحقيق العدل وأكثرها انسجاماً مع ارادة وأهداف الرعية.

فمعيار الحق والعدل ورضى الناس هي القاعدة التي ينطلق منها كل حاكم في رسم سياساته في مختلف شؤونه التنفيذية. والحصيلة هي انتشار العدل. والعدل عند الإمام علي (عليه السلام) حالة نفسية تنطلق من الجوارح أولاً، فكان لابدّ للحاكم من أن يبدأ بنفسه أولاً.

أنصف الله وأنصف الناس من نفسك ومن خاصة أهلك ومن لك فيه هوىً من رعيتك.

فأول مايقوم به الحاكم هو أن يعدل بين نفسه وبين الناس، وبين نفسه وبين الله وفي المرحلة التالية يعدل بين الناس وبين أقرب الناس اليه.

وعندما لاترسى العدالة على شاطىء النفس أولاً لاتستطيع أن تتحرك لتسود المجتمع فتكون النتيجة هي انتشار الظلم.

لنواصل متابعة كلام الإمام..

فإنك الا تفعل تظلم ومن ظلم عباد الله كان الله خصمه دون عباده ومن خاصمه الله أدحض حجته وكان لله حرباً حتى ينزع أو يتوب فلا خيار للحاكم الا العدل ولا طريق للعدل إلا أن يبدأ بنفسه وبأهله والا فان الأفضل له أن يتخلى عن هذا المنصب.

ومن مظاهر العدل أن ينصف الحاكم بين المحسن والمسيء.

فيقول الإمام:

ولايكونن المحسن والمسيء  عندك بمنزلة سواء، فإن في ذلك تزهيداً لأهل الاحسان في الاحسان، وتدريباً لأهل الإساءة على الإساءة.

فعدالة الحاكم تصنع الأجواء المناسبة لتربية الأمة وتعويدها على عمل الخير.

يقول الإمام..

واعلم انه ليس شيء بأدعى الى حسن ظن راع برعيته من احسانه اليهم تخفيفه المؤونات عليهم وترك استكراهه إياهم على ما ليس له قبلهم.

وكان على الوالي الناجح أن يعتبر بتأريخ الحكومات التي سبقته، فالحكومة العادلة يكتب لها البقاء بينما الحكومات الظالمة يصبح مآلها الى السقوط، فكان لابد من الأخذ بأسباب القوة والمنعة.

يقول الإمام علي (عليه السلام):

والواجب عليك أن تتذكر مامضى لمن تقدمك من حكومة عادلة، أو سنة فاضلة وذلك بقصد الإقتداء بها واتباعها.

إذا كان علي (عليه السلام) هو معلم العدالة، فكيف ستكون عدالته؟

إن التأمل في العبارة التالية تكفي لإيضاح هذه الحقيقة.

ولقد أصبحت الأمم تخاف ظلم رعاتها وأصبحت أخاف ظلم رعيتي. عبارات من ذهب تنسج لنا صورة عن علي بن ابي طالب.

فعلي من فرط عدالته أصبح يخشى ظلم الرعية.

وبالضبط على عكس ماهو قائم في الأنظمة الدكتاتورية وحتى بعض الأنظمة الديمقراطية حيث الرعية تخشى الحاكم..

أما في حكومة علي (عليه السلام) فالعكس هوالصحيح.

وهكذا عندما يتقلد الحاكم قلادة العدالة يتغير كل شيء في المجتمع يصبح الشعب هو الحاكم ويصبح الحاكم هو الشعب.

 

 

الهوامش:

1- الدليل 177.

2- الدليل/ 617.

3- الكليني الاصول من الكافي 1/ 407.

4- الدليل 432.

5- الدليل 381.

6- الدليل 451.

7- الدليل 693.

8- الدليل 248.

9- الدليل 248.

10- الدليل 249.

11- 12- 13- 14- 15- الدليل على موضوعات نهج البلاغة ص 706-707.

16- المجلسي بحار الانوار (32/ 22).

17- ا لطبري 4/ 428.

18- الدليل 720.

19- الدليل 731.

20- الدليل 488.

21- الدليل 697.