المادة: العقائد
mp3:
الملف: Microsoft Office document icon 003.doc

ويمكن التعبير عن هذا النوع من الاستدلال بما يأتي:

كل شيء في هذا العالم نتصوره بعقولنا أو ندركه بحواسنا، فإنه قابل للانقلاب إلى العدم، ويمكن إسناد التغير وفقدان الوجود إليه، فالوجود بالنسبة إلى هذه الموجودات ليس ذاتياً بل اكتسابي، لذلك فهي تحتاج إلى علة تعطيها الوجود وتمنحه إيّاها، فإن كان وجود العلة ذاتياً لها ثبت المطلوب وهو واجب الوجود لذاته.

وإن كان وجود العلّة مكتسباً، نسأل: من أين أكتسب الوجود؟

فإن قيل: من الموجود الأول، كان هذا من الدور الذي ثبتت استحالته في المنطق لأن مؤدى ذلك إلى:

( أ )  يتوقف على (ب)       (ب) يتوقف على ( أ ).

 وإن قيل: من موجود آخر وعلة أخرى، فنقول: هل الوجود في العلة ذاتي له، أو اكتسابي؟

فإن قيل: إنه ذاتي، ثبت المطلوب.

وإن قيل: إنه مكتسب من علّة أخرى، ننقل الكلام إليها، وهكذا إما أن ننتهي إلى التسلسل الباطل، أو نصل إلى الوجود الذي يكون الوجود ذاتياً له، والعلّة التي لم نقتبس وجودها من الغير، وهذا ليس إلا (واجب الوجوب).

أما كيف ينتقل الإنسان تلقائياً من الوجود المكتسب إلى الوجود الذاتي فنوضحه بهذا المثال خذ قليلاً من الزيت واسكبه على قطعة من الزجاج، ثم خذ مقداراً من الدقيق ورشّه على القطعة الزجاجية، ودع الدقيق يمتص الزيت، ثم ارفع الدقيق بيدك وافرك كّفك بالدقيق جيداً، ثم أحضر منديلاً ورقياً وامسح يدك بالمنديل.

ضع المنديل أمام إنسان يحب الاستطلاع، فسيسألك:

من أين جاءت دسومة المنديل الورقي؟

فإذا أجبته بأن المنديل جاءت دسومته من يدك، عاد ليسال:

ومن أين جاءت دسومة يدك؟

فإذا أخبرته بأن دسومة يدك جاءت من الدقيق، راح يسأل: ومن أين جاءت دسومة الدقيق؟

فإذا أجبته بأن الدقيق تدسّم من قطعة زجاجية، استمر في سؤاله:

وكيف تدسّمت قطعة الزجاج؟

وعندما تخبره بأن دسومة القطعة الزجاجية جاءت من الزيت، توقف عن السؤال، فلا يقول: ومن أين جاءت دسومة الزيت؟ لأنه لا معنى لزيت لا دسومة فيه.

أرأيت كيف كانت الدسومة في المنديل واليد والدقيق وقطعة الزجاج مكتسبة، ولذلك احتاجت إلى من يمنحها هذه الدسومة، أما دسومة الزيت فهي أصلية فيه، ولذلك فلا معنى للسؤال عن مصدر الدسومة فيه.

وهذا هو السر في انتقالنا من الموجودات الممكنة إلى واجب الوجود.

ونعود فنلخّص هذا الدليل بالصورة الآتية:

ما نشاهده من الموجودات في هذا العالم لابدّ فيه من إحدى ثلاث احتمالات:-

أ-   الدور.

ب- التسلسل.

ت- انتهاؤها إلى واجب الوجود.

وحيث ثبت في المنطق بطلان الاحتمالين الأولين تعيّن الثالث، وهو المطلوب