المادة: العقائد 2
mp3:
الملف: Microsoft Office document icon akeda 35.doc

- المعاد وتهذيب النفس:

يتحدث صدر المتألهين الشيرازي عن سر حشر الطوائف المختلفة أو أفراد مختلفين إلى يوم القيامة مع الصور الحيوانية يقول:

كل فرقة وكل طائفة تحشر على صورة الصفحة الباطنية التي كان كل الجهد وكل السعي في الدنيا مبذولاً من أجل تحصيل تلك الغاية. ويستدل بقوله تعالى: الإسراء:84 (قل كل بعمل على شاكلته فربكم اعلم بمن هو أهدى سبيلاً) الشاكلة عبارة عن الطينة التي جبل عليها الإنسان. ولكن الله تبارك وتعالى علم بمن يسلك طريق الهداية ويتفاعل مع هذا اللون من التهذيب والجهد للتخلص من الصفات الرذيلة الموجودة فيه.

عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول:

يحشر المرء مع من أحبه. حتى أنه لو أحب أحدكم حجر حشر معه. فإذا كان حب المرء متحمضاً في ذات الله تبارك وتعالى وفي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وما دعا إليه من الفضل والخير والثواب العميم. وفي أهل البيت (عليه السلام) هذا من ناحية، أما إذا كان حب المرء متحمضاً في المال والجاه والسلطان والغرائز واللذائذ الدنيوية، فيحشر المرء مع من أحب.

حينما نتحدث عن الحشر وصور الحيوانات، نتحدث عن الظاهر والباطن، فالإنسان له شخصية ظاهرية. ولكن شخصيته الباطنية هي المهمة. وإنما يحشر الإنسان على الصورة الباطنية التي عليها. لا على الصورة الظاهرة. لأن الصورة الظاهرية لا قيمة لها.

حينئذ يحاول المرء أن يهذب سلوكه ويحسن من باطنه. فإن تكرار أي فعل يؤدي إلى أن يصبح ذلك الفعل ملكة. والملكة صفة راسخة في الشخصية لا تزول بسهولة. هذه الملكة صفة باطنية يرمز إليها في الجانب الظاهري برمز من رموز الحيوان. فإن الله تبارك وتعالى خلق أعضاء الحيوانات على حسب الدواعي والأغراض النفسانية لها. والملكات عند الإنسان يعبر عنها بصورة برزخية. وتترجم هذه الملكة بصورة حيوان من الحيوانات التي هي تجسم كامل ورمز تلك الملكة. لذلك الإنسان الواعي المسؤول يحاول أن يتخلص من الرذائل تدريجياً ويهذب نفسه. لأنه يعرف بأنه سيحشر بصورة الملكات التي استقرت فيه. وطبعاً خزي أن يحشر الإنسان يوم القيامة على تلك الصفات التي يستطيع أن يخفيها في الدنيا ولكن هناك: يوم تبلى السرائر.ولا يستطيع الإنسان أن يخفي أي شيء من حقيقته.

- حشر الحيوانات:

الآيات التي تشير إلى مسألة حشر الحيوانات:

قوله تعالى: (وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم إلى ربهم يحشرون) الأنعام: 38.

قوله تعالى: (وإذا الوحوش حشرت) التكوير:5.

- الأحاديث التي تشير إلى هذه المسألة:

يذكر العلامة المجلسي في بحار الأنوار ج7 ص276.

- روايات تشير إلى حشر الحيوانات. يقول:

الأخبار الدالة على حشرها عموماً وخصوصاً وكون بعضها مما يكون في الجنة كثيرة. كقولهم (عليه السلام): في مانع الزكاة: تنهشه كل ذات ناب بنابها وتطؤه كل ذات ظلف بظلفها.

يروي الشيخ الصدوق (رضي الله عنه) في كتابه (من لا يحضره الفقيه) عن السكوني بإسناده عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول الحديث:

إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أبصر ناقة معقولة وعليها جهازها. فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) أين صاحبها، مروه فليستعد غداً للخصومة.

عن الصادق (عليه السلام) قال: أي بعير حج عليه ثلاث سنين يجعل من نعم الجنة وروي سبه سنين.

وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): استفرهوا ضحاياكم، فإنها مطاياكم على الصراط.

هناك نظرية للفخر الرازي في قوله تعالى: (وإذا الوحوش حشرت..) يقول: قال قتادة، يحشر كل شيء حتى الذباب للقصاص.

ويروي الفخر الرازي عن المعتزلة في تفسيره الكبير، بأن الله تعالى يحشر الحيوانات كلها في ذلك اليوم ليعرضها على آلامها التي وصلت إليها في الدنيا بالموت والقتل وغير ذلك. فإذا عوضت عن تلك الآلام فإن شاء الله أن يبقي بعضها في الجنة إذا كان مستحسناً فعل وان شاء أن يفنيه، على ما جاء به الخبر.

ثم ينهي الفخر الرازي كلامه بقوله: وما أصحابنا (الأشاعرة) فعندهم أنه لا يجب على الله شيء بحكم الاستحقاق. ولكن الله تعالى يحشر الوحوش كلها فيقتص للجماء من القرناء، ثم يقال لها موتي فتموت.

من الناحية العقلية، يقول صدر المتألهين الشيرازي:

لكل شيء غاية يسعى إليها. والحركة باتجاه تلك الغاية هو الكمال المطلوب والأمر الغريزي والجبلي لكل مخلوق وبهذا لا يكون تعطيلاً في الخلق.

الحيوانات حينما تموت تكون قد وصلت إلى كمالها اللائق بها. أما الروح الحيوانية فقد وصلت إلى غاية الغايات وهو المقصود من حشر الحيوانات.

أدلة المنكرين لحشر الحيوانات:

- المناقشة الأول:

يقولون: (وإذا الوحوش حشرت) الحشر بمعنى الجمع. يعني اليوم الذي تجمع الوحوش من على وجه الأرض.

إذن هذه إشارة إلى إشراط الساعة.

أو أن الوحوش حشرت، المقصود منه هو إذا الناس حشروا، بما أن صفاتهم الباطنية هي صفات وحوش، فإذن يوم ينفخ في الصور فتأتون أفواجاً. وهؤلاء يأتون بصورة الطباع والخصال التي في الحيوانات المختلفة فيحشرون بموجبها.

- المناقشة الثانية:

حول الروايات يقولون أن هذه روايات أحاد ولا تثبت بها عقيدة.

فالعقائد إما أن تثبت بأدلة قطعية أو روايات متواترة أو دليل عقلي لا مجال للمناقشة فيه.

- المناقشة الثالثة:

فيما يتعلق بالدليل العقلي: إن الدليل العقلي على الحشر بالنسبة إلى الحيوانات مقبول فيما لو كانت الحيوانات ذات عقل وإرادة واختيار. القصاص إنما هو عقوبة على فعل اختياري، وهذا لا يكون من هذا القبيل.