- حقيقة الروح:

من الواضح حينما ينتهي عمر الإنسان يوارى جسده في الأرض ثم يتلاشى ويندثر. فأين العنصر الذي بواسطته يكتسب الإنسان خلودا؟.

يسأل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) عن الروح: (ويسألونك عن الروح، قل الروح من أمر ربي) الإسراء: 85.

في الحقيقة القرآن الكريم لم يتهرب من الجواب ولم يرد أن يبقى الموضوع غامضاً. فإلى جانب قوله تعالى: قل الروح من أمر ربي.. نجد آية أخرى في القرآن الكريم تقول: (إلا الخلق والأمر) الأعراف: 54. تشير هذه الآية إلى أن لله تبارك وتعالى نوعين من الإبداع والإفاضة:

- أولاً: نوع يتعلق بالعوامل الطبيعية وينسجم معها. محدود بفواصل الزمان والمكان. وهذا ما يعبر عنه القرآن الكريم بـ الخلق:

خلقناكم، خلقكم، خلق السموات والأرض و...

فالخلق هنا هون الإفاضة الإلهية والإيجاد المنبعث من الله تبارك وتعالى. ولكن الإيجاد المتصل بالفواصل أو الأبعاد المادية والزمان والمكان والحركة. وهذا لابد وأن يكون تدريجياً. ولذلك نجد الفكرة الصحيحة في خلق السماوات والأرض في ستة أيام. والأيام عبارة عن المراحل والفترات.

إن الله تبارك وتعالى كان بإمكانه وهو القادر المطلق أن يخلق الكون كله في لحظة واحدة، لكن مزية عالم الخلق أنه مرتبط بمفهوم التدريج وتحكمه القوانين والسنن الطبيعية. من قبيل قانون الجاذبية، الحركة، الثرموديناميكية الحرارية و...

- ثانياً: النوع الآخر من الإفاضة الإلهية يرتبط بعالم الأمر. فإنه ثابت لا تدريج فيه. والقرآن الكريم يصرح بذلك:

(وما أمرنا إلا واحدة) القمر: 50.

عالم الأمر الذي هو في مقابل عالم الخلق لا يكون إلا دفعياً. لا يتناسب مع الزمان والمكان. (وإنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون) يس: 82.

نجد أن القرآن نفسه يعطي صورة دقيقة جداً عن عالم الخلق وعالم الأمر. فعالم الخلق يرتبط بالعوالم المادية. وعالم الأمر يتعلق بالجوانب الدفعية التي تتصل بالمجردات. الشيء الثابت لا يتدرج مع المادة ومع العوامل الطبيعية ومع الزمان والمكان.

فإذن لما لا يسأل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن الروح يأتي الجواب قاطعاً صريحاً في دلالته: (قل الروح من أمر ربي) من عالم الأمر.

- تجرد الروح:

يقول الفلاسفة الاسلاميون، هناك مجموعتان من المكونات للإنسان.

- المجموعة الأولى: تندرج تحتها الأعضاء كالعين، الأذن، الجلد، الشعر و..

- المجموعة الثانية: يندرج تحتها الفكر،الاستنتاج، الحب، الإرادة و..

نجد هاتين المجموعتين لا تنسجمان مع بعضهما، فكل مجموعة لها خواصها ومزاياها وطابعها الذي تنفرد به.

فالمجموعة الأولى من الأعضاء الجسدية نجدها قابلة للتقطيع والقياس والوزن.

إذن الإنسان ليس جسماً فقط وإنما هناك عامل روحي فيه. وأن هذا التجرد وهذا العامل الروحي والجانب القوي المملوء بالفعالية والنشاط يستند إلى عالم أرحب عن طريقه نصل إلى الخلود ونفهم سر المعاد.