المادة: فقه المجتمع
mp3:
الملف: Microsoft Office document icon 008.doc

المبحث الثالث من مباحث النكاح في أقسام العقد:

فقد ورد في الأدلة ان النكاح على قسمين:

النكاح الدائم: وهو المعروف المشهور الذي يعمل به المسلمون قاطبة.

والنكاح المنقطع: ويقال له المتعة أو النكاح المؤقت.

وإطلاق الانقطاع عليه في مقابل الدوام، وأما إطلاق المتعة فهو لتحقيق التمتع فيه. ويقال أيضاً النكاح المؤجل لتقومه بذكر الأجل والمدة. وقبل التفصيل لعل من المناسب بيان أمور:

الأمر الأول: ان مقتضى القاعدة العقلية هي قبح العقاب بلإبيان وهذه القاعدة من محكمات قواعد العقل وكذلك مقتضى الحديث المعروف بين الفريقين عن النبي (صلى الله عليه وآله): (رفع عن أمتي مالا يعلمون). ومفاد قبح العقابلإبيان هو البراءة العقلية ومفاد (رفع عن أمتي مالا يعلمون).هو البراءة الشرعية – ومقتضاهما حلية كل شيء مطلقاً ما لم ينص الشرع على حرمته كما ثبت ذلك في علم الأصول.

هذا إذا لم يرد في الكتاب والسنة دليل على جواز الشيء وحليته بل استحبابه. وهذا جار في أشياء كثيرة ومنها المتعة كما سنرى.

الأمر الثاني: قد ورد في الكتاب الكريم آيات شريفة تدل على جواز المتعة منها قوله تعالى: ((فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً)).

حيث ذكرت الآية هنا الأجر في مقابل الاستمتاع وهو المال الذي يدفع للمرأة في هذا العقد وسمي في الآية أجر ولم يسمه صداقاً مما يدل على بعض الفرق بينهما ولو في بعض الجهات. ومنها قوله تعالى: ((يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ)). وإطلاق الآية يشمل عقد النكاح المؤقت كما لا يخفى. وقوله تعالى: ((وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ)). ومنها قوله تعالى: ((فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ)).

فنلاحظ في هاتين الآيتين مضافاً إلى الآيات السابقة الإطلاق والعموم الوارد في باب النكاح وما يقابله من الأجر الشامل إلى النكاح الدائم والمؤقت.

وما يقال من أن هذه الآيات منصرفة إلى العقد الدائم فقط ولا يشمل نكاح المتعة فهذا الانصراف ممنوع هنا وعلى فرض وجوده فهو بدوي والانصراف البدوي ليس بمعتمد ولا يصلح ان يخل بظهور الإطلاق. ويدل على ما ذكرنا السنة الشريفة وهي روايات كثيرة قد وردت في طرق العامة فضلاً عن طرق الخاصة منها ما في صحيح البخاري، ومسلم، وتفسير الثعلبي عن عمران بن حصين: (قال نزلت آية المتعة في كتاب المتعة في كتاب الله عز وجل ولم تنزل آية بعدها تنسخها فأمرنا بها رسول الله ولم ينهنا عنها إلى ان قال رجل فيها برأيه ما شاء).

وفي ذيل الرواية كناية واضحة إلى عمر لأنه الذي منع المتعة، قال البخاري في بعض النسخ يقال أن الرجل المذكور هو عمر. وعليه فان هذه الرواية تصرح ان المتعة قد شرعت في عهد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)  وإنها نزلت في القرآن الكريم وادعاء النسخ لها بلا دليل إذ لم يثبت ذلك بدليل ولذا فان مقتضى القاعدة بقاء التشريع مادام لم يثبت دليل على النسخ (لأن حلال محمد حلال إلى يوم القيامة وحرامه حرام إلى يوم القيامة.)

وفي صحيح مسلم عن ابن عطاء (قال قدم جابر بن عبد الله معتمراً فجئنا في منزله فسأله القوم عن أشياء ثم ذكروا المتعة فقال نعم استمتعنا على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأبي بكر و عمر).

وهذه الرواية وردة في باب النكاح باب نكاح المتعة في الصحيح المذكور وهي صريحة أيضاً. في ان المتعة كانت في عهد أبي بكر وعهد عمر حتى حرمها عمر يعضد ذلك قول عمر (متعتان كانتا على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأنا احرمهما وأعاقب عليهما) . فهو في صدر الرواية يصرح بان المتعة كانت على عهد رسول الله (صلى عليه وآله وسلم) وهو الذي شرعها وفي ذيلها يصرح أيضاً بأنه هو الذي حرمها وليس النبي ولا القرآن وهنا يرد سؤال في المقام وهو ان عمر هل له حق التشريع في مقابل ما أنزل الله في كتابه وشرعه الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله). ظاهر هذه الرواية ان عمر يرى لنفسه حق التشريع في ذلك، لذلك اجتهد وحرم ما احله الله سبحانه. والأخبار في هذه الموارد كثيرة وقد ذكرها الفقهاء في كتاب النكاح فمن أراد فليراجع هذا مضافاً إلى ما ذكره العلامة الأميني (رضوان الله عليه) في كتابه الغدير الجزء السادس في هذا المجال من التفصيلات التي تشبع البحث وأما من طرق خاصة فقد وردت روايات متضافرة في هذا المجال بل ومتواترة.

وأما الإجماع فقد أجمع الأئمة الهداة عليهم السلام الذين هم قرين الكتاب في الأحاديث المتواترة بين الفريقين عن النبي (صلى الله عليه وآله) جواز المتعة وعدم نسخها بل واجمع الأمامية عليها أيضاً تبعاً للأئمة (عليهم السلام) فبناءً على هذا فان ما يقال من الأشكال على حلية نكاح المتعة مما لم يقم عليه دليل. وقد اتفق معنا علماء العامة على ان المتعة قد شرعت في القرآن الكريم وفي زمان رسول الله (صلى الله عليه وآله) وإنما كلام بعضهم في ان المتعة نسخت ومقتضى الأصل عدم النسخ إذ لم يدل دليل على ذلك. هذا مضافاً إلى إجماع المسلمين على ان النبي (صلى الله عليه وآله) لم ينسخها بل ذكرنا لكم ان الحديث الذي ذكره عمر دليل واضح وصريح بأنه اجتهد في تحريمه بعد أن صرح بوجودها في زمان النبي (صلى الله عليه وآله) وفي زمان أبي بكر.

وبذلك يظهر أيضاً وجه ضعف قول القوشجي في شرح التجريد في مبحث الإمامة حيث ان عمر قال:- وهو على المنبر (أيها الناس ثلاثة كنّ على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأنا أنهى عنهن واحرمهن وأعاقب عليهن متعة النساء ومتعة الحج وحي على خير العمل)  ثم اعتذر القوشجي عن عمر بأن ذلك – أي قول عمر- ليس مما يوجب قدحاً فيه فإن مخالفة المجتهد غيره في المسائل الاجتهادية ليست ببدع ووجه ضعفه ظاهر من الدفاع الذي ذكره حيث قال:انه أي عمر مجتهد خالف غيره في الاجتهاد والسؤال الذي يرد هنا انه هل يصح ان يقال ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان مجتهداً وعمر اجتهد في مقابل ذلك الاجتهاد مع ان رسول الله (صلى الله عليه وآله). ((وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحى)). والقرآن الكريم ينص على لزوم متابعة النبي (صلى الله عليه وآله) في كل ما يقول ويشرع حيث قوله سبحانه: ((ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا)).

فبناءً على هذا كيف يصح للقوشجي ان ينسب إلى عمر الاجتهاد وينسب لرسول الله الاجتهاد ويجعلهما مجتهداً في مقابل مجتهد ومن الواضح انه إذا فتح هذا الباب وقلنا بان لكل واحد من الصحابة حتى لو كان مثل عمر للاجتهاد حقاً في مقابل رسول الله فانه يجوز مخالفة النبي صلى الله عليه وآله في كل الموارد بحجة الاجتهاد وعلى هذا القول لا يبقى مورد لتشريع النبي وحجية أقواله وأفعاله هذا مضافاً إلى الروايات الواردة في هذا المجال التي تنفي ذلك.

ففي صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله قال: (كنا نتمتع بالقبضة من التمر والزبيب أيام على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأبي بكر حتى نهى عنها عمر في شأن عمرو بن حريث).

وكذلك ورد عن طريق العامة أيضاً (متعتان كانت على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنا أنهى عنهما متعة النساء ومتعة الحج).

مضافاً إلى ذلك ما ورد عن مولانا أمير المؤمنين (ع) انه قال: (لولا ان عمر نهى عن المتعة ما زنى إلا شقي) وفي رواية أخرى (ما زنى إلا شفى) – أي قليل – وقد روي عن عطاء قال: (سمعت ابن عباس يقول رحم الله عمر ما كانت المتعة إلا رحمة من الله رحم بها أمة محمد ولولا نهيه لما احتاج إلى الزنا إلا شقي).

هذا كله بالإضافة إلى ان عمر قرن بين متعتين متعة النكاح ومتعة الحج إلا ان العامة يقولون بمتعة الحج ولا يقولون بمتعة النساء مع ان ما ورد فيهما من الروايات متواترة بين الفريقين فيا ترى ما هو الفارق بينهما حتى قالوا بمتعة الحج ولم يقولوا بمتعة النساء؟

والبحث في هذا طويل لا يسعنا التعرض له في هذا المجال.

وقد ذكر ذلك العلامة الأميني (قدس سره) في كتاب الغدير تفاصيل ذلك فمن شاء فليرجع.

وهنا تعريفات وتنبيهات متعددة:-

التفريع الأول: النكاح المنقطع كالدائم يحتاج إلى عقد مشتمل على إيجاب وقبول لفظيين جمعاً ونصوصاً معتبرة. منها معتبرة أبان بن تغلب قال: (قلت لأبي عبد الله (ع) كيف أقول لها إذا خلوت بها؟ قال تقول: أتزوجك متعة على كتاب الله وسنة نبيه لا وارثة ولا موروثة كذا وكذا يوماً وان شئت كذا وكذا سنة بكذا.

وتسمي من الأجر ما تراضيتما عليه قليلاً كان أم كثيراً فإذا قالت نعم فقد رضيت وهي امرأتك وأنت أولى الناس بها).

وكذا في معتبرة هشام بن سالم قال: (قلت كيف يتزوج المتعة؟ قال: يقول أتزوجك كذا وكذا يوماً بكذا وكذا درهما فإذا مضت تلك الأيام كان طلاقها في شرطها).

وغيرها من الروايات الدالة على ذلك وقد مرّ في ألفاظ النكاح الدائم أيضاً ما يرتبط بالمقام.

وبناءً على ذلك فكما ان النكاح الدائم لا يقع إلا بلفظ فان نكاح المتعة أيضاً لا يقع إلا بلفظ فلا يكفي مجرد الرضا القلبي من الطرفين للأصل و للإجماع إذ ان النكاح كسائر العقود لابد له من مبرز في الخارج ولا يختلف في ذلك العقد الدائم أو المنقطع كما ولا يصح العقد المنقطع بالمعاطاة ولا يصح بالكتابة أو الإشارة كما هو في العقد الدائم وكذا في اعتبار العربية وكذا في كون الإيجاب من طرف الزوجة كما فصلنا سابقاً.

   ألفاظ عقد المتعة

التفريع الثاني: ألفاظ الإيجاب في المنقطع ثلاث الأول متعت والثاني زوجت والثالث أنكحت بأيها وقع الإيجاب و حصل العقد ولا ينعقد بغيرها كما لو قالت المرأة بالتمليك أو بالهبة أو بالإجارة كان تقول للزوج (وهبتك نفسي) أو (آجرتك نفسي) وما أشبه ذلك.

والقبول من طرف الزوج كل لفظ دال على إنشاء الرضا بذلك الإيجاب يكفي، كقوله: (قبلت المتعة) أو (قبلت التزويج) أو (النكاح) وما أشبه ذلك.

ولو قال الزوج (قبلت) أو (رضيت) واقتصر من دون أن يذكر النكاح أو التزويج أو المتعة كفى.

ولو أبتدأ الزوج فقال: (أتزوجك) فقالت: (زوجتك نفسي) صح منهما أيضاً وذلك لتحقق عنوان المزاوجة باللفظ المظهر لهذه المزاوجة عرفاً وتشملها اطلاقات أدلة النكاح.

   في اختلاف الأديان

التفريع الثالث: لا يجوز تمتع المسلمة بالكافر بجميع أصنافه وكذا لا يجوز تمتع المسلم بغير الكتابية من أصناف الكفار ولا بالمرتدة ولا بالناصبية المعلنة بالعداوة لأهل البيت (ع) كالخارجية للإجماع على ذلك مضافاً إلى الاطلاقات الدالة على المنع في جميع ذلك وسيأتي ان شاء الله في بحث الكفاءة بعض الإشارات إلى ذلك.

وكذا لا يصح ان يدخل على العمة بنت أخيها ولا يدخل على الخالة بنت أختها إلا بأذنهما أو إجازتهما وكذا لا يجمع بين الأختين.

   يشترط في المتعة ذكر المهر

التفريع الرابع: يشترط في النكاح المنقطع ذكر المهر إجماعاً ونصاً قال أبو عبد الله (ع) في صحيح زرارة: (لا تكون متعة إلا بأمرين بأجل مسمى و أجر مسمى).

فلو أخل بالمهر بطل النكاح لما مرّ من النص الظاهر في نفي الحقيقة إذ يقول (لا تكون متعة) وهو ظاهر في نفي ما ذكرت.

مضافاً إلى ذلك الإجماع المنعقد على ان المتمتع بهن مستأجرات كما في صحيح زرارة أيضاً ولا ريب في بطلان الإجارة مع عدم ذكر العوض.

ويعتبر في المهر ان يكون مما يتمول إجماعاً بل الضرورة من الفقه ان لم تكن ضرورة من المذهب وسيأتي بعض الكلام في أحكام المهر والصداق بما يفي في المطلب وعلى هذا فانه يجب ان يكون المهر في النكاح المنقطع مما يتمول سواءً كان عيناً خارجية أو كان كلياً في الذمة أو كان منفعة وعملاً محللاً صالحاً للعوضية.

بل ويصح أيضاً كونه حقاً من الحقوق المالية ونحو كل ذلك لإطلاق الأدلة وإجماع فقهاء الملة.

 ويشترط فيه – أي في المهر – أن يكون معلوماً لبناء العقلاء في عوض كل اتفاق وإجماع الفقهاء وأيضاً هو المنساق من الأدلة الشرعية المتنزلة على المتعارف بين الناس إذ الناس لا يتعاملون مع الأشياء المجهولة لذلك ينبغي ان يكون المهر معلوماً بالكيل أو بالوزن في المكيل و الموزون أو بالعد في المعدود أو المشاهدة أو الوصف الرافعين للجهالة أو بالمال والقيمة.

ويتقدر المهر أيضاً بالمراضاة بينهما – أي بين الزوجين – قّل أو كثر حتى ولو كان كفّاً من طعام وقد عرفت فيما تقدم ان الصحابة كانوا يتمتعون بالحفنة من التمر على عهد رسول الله وكذا ورد عن مولانا الصادق (ع)( في خبر أبي بصير عن أدنى مهر المتعة ما هو؟ قال: (كفً من طعام دقيق أو سويق أو تمر).

وفي معتبرة أبي بصير قال: (سألت أبى جعفر عن متعة النساء قال حلال وانه يجزي فيه الدرهم فما فوقه) وعن الصادق عليه السلام (أدنى ما تحل به المتعة كف من طعام ) وفي صحيح محمد بن مسلم قال سألت أبا عبد الله (ع) كم المهر يعني في المتعة؟ (قال ما تراضيا عليه إلى ما شاءا من الأجل).

وعن أبي جعفر في صحيح زراره في المتعة قال: (لابد من ان يصدقها شيءً قّل أو كثر والصداق كل شيء تراضيا عليه في تمتع أو تزويج بغير متعة). إلى غير ذلك من الأخبار التي يعضدها أيضاً الإجماع في المقام.

التفريع الخامس: هل تملك المرأة المهر؟ إن المتمتعة تملك المهر بالعقد وذلك لأنه لا معنى للعقود المملكة من الطرفين ألا ملكية كل من الطرفين لما انتقل إليه من العوضين ويدل عليه ظواهر الأدلة والإجماع ما لم يكن دليلاً على الخلاف وفي ما نحن فيه لا دليل على الخلاف.

وبناءً على هذا تملك المتمتعة بالعقد فيلزم على الزوج دفعه إليها بعده – أي بعد العقد – لو طالبته به وان كان استقراره – أي المهر بالتمام مراعى بالدخول بها ورضائها بالتمكين في تمام المدة بقوله تعالى: ((فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ)).

وقد استفاضت النصوص ان هذه الآية واردة في المتعة.

وما ورد عن الصادق (ع) في معتبرة عمر بن حنظلة (أتزوج المرأة شهراً فتريد مني المهر كاملاً فأتخوف أن تخلفني – أي تخلف الوعد والاتفاق – قال لا يجوز ان تحبس ما قدرت عليه فإن هي أخلفت فخذ منها بقدر ما تخلفك).

هذا مضافاً إلى الإجماع أيضاً فإن الزوج إذا وهبها المدة فإن كانت المدة قبل الدخول لزمه نصف المهر إجماعاً ونصاً كما عن سماعة قال: (سألته عن رجل تزوج جارية تمتع بها ثم جعلته في حل من صداقها يجوز ان يدخل بها قبل ان يعطيها شيءً؟ قال نعم إذا جعلته في حل فقد قبضته منه فأن خلاها قبل ان يدخل بها ردت المرأة على الزوج نصف الصداق وان كان بعد الدخول لزمه الجميع لاستقرار ملكها للمهر بالدخول). فالمقتضي لملكيتها تمام المهر موجود وهو تحقق الدخول والتمكين والمانع عنه مفقود فتؤثر العلة التامة أثرها حتى وان مضت من المدة ساعة وبقيت منها شهور وأعوام فلا يقسط المهر على ما مضى من المدة وما بقي كل ذلك لتحقيق الملكية واستقرارها وعدم تخلف المرأة عن الوفاء بالتمكين وهبة المدة إنما جاءت من قبل الزوج وليس من قبل المرأة.

نعم لو انقضت المدة ولكنها – أي المرأة – لم تثق به ولم تمكنه من نفسها في تمامها كان له ان يضع من المهر بنسبتها ان نصفاً فنصف وان ثلثاً فثلث وهكذا إجماعاً ونصوصاً في المقام.

منها خبر ابن حنظلة قال قلت لأبي عبد الله (ع): (أتزوج المرأة شهراً بشيء مسمى فتأتي بعض الشهر ولا تفي ببعض. قال يحبس عنها من صداقها بقدر ما احتبست عنها إلا أيام حيضها فإنها لها) واستثنت أيام الحيض لأن لها عذراً.

وفي معتبرة إسحاق بن عمار قلت لأبي الحسن (ع): (الرجل يتزوج المرأة متعة بشرط ان تأتيه كل يوم حتى توفيه شرطه أو يشترط أياماً معلومة تأتيه فيها فتغدر به فلا تأتيه على ما شرط عليها قال: نعم ينظر ما قطعت من الشرط فيحبس عنها من مهرها ما لم تف له على ما شرط عليها ما خلا أيام الطمث فأنها لها فلا يكون له عليها ألا ما حل له فيها). إلى غير ذلك من الأخبار فبناءً على هذا فأن أيام الحيض لا تنقص من مهر المرأة.

أما في غير الحيض من الأعذار كالمرض المدنف وغيره وجهان بل قولان لا يخلو أولهما من الرجحان وذلك لصحة دعوى ان ذكر الحيض في الأخبار المتقدمة إنما هو من باب المثال فتشمل كل عذر يمنع من الاستمتاع وعليه فانه إذا حملنا الحيض على  المثال والمصداق لا نمنع ما عداه إلا ان الظاهر ان الاحتياط مقتضاه التصالح بينهما وذلك لثبوت حق في الجملة في البين من الطرفين وحيث أننا لا نعلمه بالتمام فالاحتياط سبيل النجاة.

التفريع السادس: في اشتراط المتعة بذكر الأجل يشترط في النكاح المنقطع ذكر الأجل فلو لم يذكره متعمداً أو نسياناً بطل المتعة وانعقد النكاح دائماً.

أما بطلان المتعة فلأنها مشروطة بذكر الأجل فإذا انتفى الشرط ينتفي المشروط لا محالة لقاعدة انتفاء المشروط بانتفاء شرطه.

وأما انعقاده دائماً فلأصالة الصحة بعد قصد أصل النكاح منها وذكر الأجل كان مانعاً عن تحقيق الدوام فإذا زال المانع من الدوام اثر المقتضى أثره للاطلاقات والعمومات بعد كون أصل النكاح. والنكاح المنقطع من باب تعدد المطلوب.

فبناءً على هذا فان الدائم ما لم يذكر فيه الأجل والمنقطع ما ذكر فيه.

مضافاً إلى نصوص خاصة تدل عليه. منها قول أبي عبد الله (ع) في معتبرة ابن بكير: (ان سمى الأجل فهو متعة وان لم يسم الأجل فهو نكاح بات) أي مستمر.

وفي موثق أبان بن تغلب: (إني أستحي ان أذكر الأجل فقال (عليه السلام) هو أضر عليك قلت وكيف؟ قال أنك ان لم تشترط كان تزويج مقام ولزمتك العدة والنفقة وصارت وارثاً ولم تقدر على ان تطلقها إلا طلاق السنة).

وهذا كاشف عن ان النكاح ينقلب إلى دائم، ولولا ذلك لم يقل عليه السلام فهو نكاح مقام ولزمتك العدة وغيرها من خصوصيات العقد الدائم.

وكذا في معتبرة هشام بن سالم قلت لأبي عبد الله (ع): (أتزوج المرأة متعة مرة مبهمة فقال (ع) ذلك أشد عليك ترثها وترثك ولا يجوز لك ان تطلقها إلا على طهر وشاهدين قلت اصلحك الله فكيف أتزوجها؟ قال أياماً معدودة بشيء مسمى).

إلى غير ذلك من الأخبار إلا ان الإشكال في هذا المجال وذلك لأن العقود تابعة للقصود فيلزم التطابق بين اللفظ والقصد فإذا كان المقصود هو العقد المنقطع ووقع العقد بلفظ الدوام فينطبق عليه ان ما وقع لم يقصد وهو الدائم وماقصد لم يقع  وهو المتعة، وهذا خلاف الاستعمالات في المحاورات العرفية.

ويؤيده ما في معتبرة سماعة: (سألته عن رجل أخذ جارية يتمتع بها ثم انه نسي ان يشترط حتى واقعها، يجب عليه حدّ الزنى قال لا ولكن يتمتع بها بعد النكاح ويستغفر الله مما أتى).هذا بيان على حمل الإتيان على نسيان ذكر الأجل لا نسيان ذكر العقد.

وتقدير الأجل يرجع إليها سواءً طال أم قصر.

  في ذكرالمدة:

التفريع السابع: إذا قالت المرأة (زوجتك نفسي إلى شهر) أو (زوجتك نفسي شهراً) وأطلقت اقتضى ذلك المدة المتصلة بالعقد لأنه المنساق من هذا التعبير في المحاورات العرفية ما لم تكن قرينة على الخلاف والمفروض عدم وجود القرينة.

وهل يجوز ان تجعل المدة منفصلة عن العقد كأن تكون المدة شهراً مثلاً وتجعل المدة بعد شهر أو شهرين من حين وقوع العقد؟

قولان:

الأول منهما الصحة وذلك للاطلاقات وأصالة الصحة والتنظير بالإجارة بل ورد في بعض نصوص المتعة إنما هي إجارة وفي الإجارة يصح تأجيل المدة كذلك في النكاح.

وأما القول الثاني الفساد وهو المقارب بل المطابق للاحتياط وذلك لأن المتعارف في العقود وتعيين المدة حصول الزوجية بعد العقد بلا فصل وهذا الظهور المتعارف كالقرنية المتصلة التي تمنع من انعقاده في غيرها وعليه فلا وجه للتمسك بالاطلاقات وأصالة الصحة التي ادعاها أصحاب القول الأول. خصوصاً وأنها معارضة بأصالة الأحتياط  في الفروج كما ان التنظير بالإجارة لا يخلو عن قياس وهو باطل.

هذا ولا يصح تجديد العقد عليها دائماً ومنقطعاً قبل انقضاء الأجل أو قبل بذل المدة فلو كانت شهراً وأراد أن تكون شهرين فلا بد ان يهبها المدة أولاً ثم يعقد عليها ويجعل المدة شهرين مثلاً وذلك لوجود مقتضى الصحة حينئذ وفقد المانع.

ولا يجوز ان يعقد عليها عقداً آخر ويجعل المدة شهراً بعد الشهر الأول حتى يصير المجموع شهرين للزوم كون عقد الشهر الثاني منفصلاً عن العقد الأول وهو غير صحيح.

  في هبة مدة العقد:

التفريع الثامن: يجوز هبة المدة تماماً أو بعضاً للأصل لأنه إسقاط لما يستحقه عليها فله ذلك نظير إبراء الأجير بلا فرق بين الصغيرة والمجنونة بعد فرض كون العقد جامعاً للشرائط وعليه لابد ان تكون من آخر المدة لا من أولها ويبقى البقية من وسطها فيبقى الطرفان ولا يحق له الرجوع بعد الهبة .

في جواز العزل عن المتمتع بها:

التفريع التاسع: يجوز العزل عن المتمتع بها بدون أذنها وان قلنا بعدم جوازه في الدائم وذلك للنصوص الخاصة ولكن يلحق به الوالد لو حملت وان عزل عنها وذلك لاحتمال سيق المني من غير تنبه ولو نفاه عن نفسه انتفى ظاهراً ولم يفتقر إلى اللعان لأن اللعان مشروط بالدائم نصاً و فتوى ففي صحيح ابن أبي يعفور عن الصادق (ع): (لا يلاعن الرجل امرأته التي يتمتع بها).

وغير ذلك من الأخبار والروايات ولكن لا يجوز له النفي بينه وبين الله سبحانه وتعالى إلا مع العلم بالانتفاء لان النفي بدون العلم لا أثر له بل قد يكون حراماً.

  لا توارث في المتعة

التفريع العاشر: لا يثبت بهذا العقد أي عقد النكاح المنقطع توارث بين الزوجين للأدلة الخاصة منها قول أبي عبد الله (ع): (من حدودها ان لا ترثها ولا ترثك) وعن أبي جعفر (ع) في صحيح زرارة : (ولا وراثة بينهما في المتعة إذا مات واحد منها في ذلك الأجل) وعنه (ع) (في المتعة ليست من الأربع لأنها لا تطلق ولا ترث وإنما هي مستأجرة). إلى غير ذلك من الأخبار ولو شرطا التوارث بينها أو توريث أحدهما فالظاهر التوريث على حسب شرطها وذلك لقاعدة (المؤمنون عند شروطهم) إلا شرطاً خالف كتاب الله وما ورد في الأخبار عن أبي الحسن (ع) في صحيح البزنطي (تزويج المتعة نكاح بميراث ونكاح بغير ميراث ان اشترطت كان وان لم تشترط لم يكن).

وقول الصادق (ع) في صحيح محمد بن مسلم (وان اشترطا الميراث فهما على شرطهما) وهاتان الروايتان من محكمات أخبار الباب سنداً ومتناً يحكي إرجاع الروايات التي نفت ذلك بحملها على بعض الوجوه أو بهما أو طرحها.

  في عدة المتعة:

التفريع الحادي عشر: إذا أنتهى الأجل أو وهب الزوج المدة قبل الدخول فلا عدة على المرأة بالضرورة من الفقه بل و النصوص المستفيضة منها قول الصادق (ع) في الصحيح: (إذا التقى الختانان وجب الغسل والعدة) الدال بمفهومه عن عدم ذلك في صورة العدم.

وفي موثق ابن سنان عن الصادق (ع): (إذا ادخله وجب المهر والعدة) وبناءً على هذا فإذا انقضى اجلها قبل الدخول بها فلا عدة عليها فإذا كان بعده ولم تكن غير بالغة ولا يائسة فعليها العدة للضرورة من الدين.

وعدة المرأة في النكاح المنقطع على الأشهر والأظهر حيضتان لصحيح الهاشمي قال: (سألت أبا عبد الله (ع) عن المتعة فقال الق عبد الملك ابن جريح فاسأله فأن عنده منها علماً فأتيته فأملى علي شيئاً كثيراً في استحلالها إلى ان قال وعدتها حيضتان وان كانت لا تحيض فخمسة وأربعين يوماً فأتيت بالكتاب أبا عبد الله (ع) وعرضته عليه فقال صدق وأقربه).

وعن أبي جعفر (ع): (ولا تحل – أي المرأة – لغيره حتى تنقضي عدتها. وعدتها حيضتان). والروايات في ذلك كثيرة.

وان كانت في سن من تحيض ولا تحيض فعدتها خمسة وأربعين يوماً. إجماعاً ونصوصاً مستفيضة والظاهر اعتبار حيضتين تامتين لأنه المنساق من الأدلة اللفظية وأيضاً هو المتيقن من الإجماع ولأصالة بقاء العدة وعدم الخروج منها إلا بذلك ما لم يدل دليل على الخلاف    والدليل هنا مفقود وعليه فلو انتهى الأجل أو وهب المدة أو انتهى الأجل لم تحسب تلك الحيضة منها – أي من المدة - لقاعدة انتقاء المشروط بانتقاء الشرط فان البقية من متممات الحيض لا ان تكون حيضاً مستقلاً بل لا بد من حيضتين تامتين بعد ذلك.

هذا إذا كانت حائلاً أما إذا كانت حاملاً  فعدتها إلى أن تضع حملها كالمطلقة وذلك للاطلاقات الدالة على ان عدة الحامل وضع حملها من الآيات الشريفة والروايات كما قال تعالى: ((وَأُولاتُ الأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ)). والإطلاق يشمل من كان بالنكاح الدائم أو المنقطع فالأحوط إذن مراعاة أبعد الأجلين من وضع الحمل أو انقضاء خمسة وأربعين يوماً أو حيضتين.

وأما عدتها من الوفاة فهي أربعة أشهر وعشرة أيام ان كانت حاملاَ للآية والإجماع بل والنصوص التي منها ما عن الصادق (عليه السلام) في صحيح ابن الحجاج: (في المرأة يتزوج الرجل متعة ثم يتوفى عنها هل عليها العدة؟ قال (عليه السلام) تعتد أربعة أشهر وعشراً وأبعد الأجلين منها ومن حملها ان كانت حاملاً كالدائمة).

  في عدم اشتراط بذل مدة المتعة بالشهادة والطهر:

التفريع الثاني عشر:

ألا يشترط حضور العدلين ولا طهر غير المواقعة في بذل مدة المتعة ولا في انقضاء المدة لا تجب في هذا النكاح النفقة ولو اشترطاها فالظاهر الثبوت لأن المؤمنين عند شروطهم كما يلحق ولد المتمتع بها بالزوج مع تحقق الشرائط للعمومات المتقدمة بل هناك نصوص خاصة تدل على ذلك منها قول أبي عبد الله في صحيح محمد بن مسلم: (في امرأة حبلت من المتعة قال: هو ولده) وقريب منه غيره طبعاً سواءً اشترط عدم الإلحاق أولم يشترط لأن شرط عدم الإلحاق مخالف للكتاب و السنة والشروط المخالفة للكتاب والسنة باطلة.

   هل يجب طاعة الزوج في المتعة:

التفريع الثالث عشر:

انه لا تجب على المرأة إطاعة الزوج بعدم الخروج من المنزل للأصل والإجماع كما لا فرق في جواز المتعة بين الثيب والبكر لإطلاق الأدلة بل والنصوص كثيرة منها صحيح جميل بن دراح قال سألت أبا عبد الله (ع): (يتمتع من الجارية البكر قال لا بأس به ما لم يستصغرها). وعنه (ع) أيضاً (لا بأس بتزويج البكر إذا رضيت من غير إذن أبويها) وغير ذلك من الأخبار إلا أن هذه الرواية التي تقول من غير أذن أبويها مقيدة بالروايات التي تشترط ولاية الأب والجد على البالغة وعلى البكر كما لا يخفى.