المادة: فقه المجتمع
mp3:
الملف: Microsoft Office document icon 004.doc

العلامة الثالثة من علامات البلوغ وهي السن فقد استفاد الفقهاء من الأدلة الشرعية الواردة في المقام أن لعمر الإنسان دلالة على البلوغ لكن يختلف مقدار العمر بين الذكر والأنثى ففي الأنثى قدًروه بتسع سنين اتفاقاً لكن في الذكر هناك أقوال ثلاثة:

القول الأول: تقول أنه خمس عشر سنة .

القول الثاني: ثلاثة عشر إلى أربعة عشر .

القول الثالث: عشر سنين وما دونه وربما ثمان سنين .

ويحسب السن حسب السنين الهلالية والأشهر الهلالية لذلك قال في الجواهر: (المراد في السنة وفي سائر التحديدات العمرية لأنه هو المعهود من الشرع والمعروف عند العرب الذي نزل عليهم التشريع).

ومضافاً إلى ذلك يدل عليه بعض الآيات الشريفة منها( أن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً) (1)، وهذا ينصرف إلى الأشهر القمرية لقرينة قوله سبحانه وتعالى:(منها أربعة حرم) (2).

بمعنى أننا إذا لاحظنا الآية الأولى التي تقول: (إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا (3))بضميمة هذه الآية التي تقول (منها أربعة حرم ) نستفيد منها الأشهر القمرية لا غير لأن الأشهر الحرم هي الأشهر القمرية لا الشمسية الأشهر الحرم أربعة هي:(ذو القعدة، ذو الحجة، ومحرم، ورجب(، وكذلك قوله سبحانه وتعالى )هو الذي جعل الشمس ضياءاً والقمر نوراً وقدره منازل لتعلموا عدد السنين فيها والحساب) (4).

صرح فيما ذكرناه أن الله سبحانه وتعالى قدر القمر منازل لأجل أن نعلم عدد السنين والحساب وأيضاً قوله سبحانه وتعالى (يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج) (5)، والأهلة جمع هلال وبناء عليه يظهر أن المقصود السن طبق السنين القمرية لا الشمسية .

وكيف كان ففي علاميته على البلوغ في الذكر أقوال ثلاثة هي: الأول أنه يبلغ في سن الخامسة عشرة وهو المشهور ويدل عليه روايات متعددة مروية في طرق العامة والخاصة منها ما روي عن خلاف الشيخ الطوسي والتذكرة للعلامة عن النبي صلى الله عليه وآله:(انه إذا استكمل المولود خمس عشرة سنة كتب ماله وما عليه وأخذ منه الحدود).

وعليه فإن سن الخامسة عشر سن كتابة الأعمال وهو سن التكليف، والتكليف مشروط بالبلوغ ومنها أيضاً ما يروى أنه صلى الله عليه وآله (عُرض عليه يوم أحد أسامة بن زيد وزيد بن ثابت وأزيد بن ظهير لأجل الخروج إلى الجهاد فردهم لكنه صلى الله عليه وآله أجازهم في يوم الخندق وكانوا في يوم الخندق قد بلغوا سن الخامسة عشر ).

وكذلك إن من رد في ذلك اليوم المراد بن عازم وأبو سعيد الخدري وزيد بن أرقم هذا ما رواه في عيون الأثر، وكيف كان فإن رد النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) في يوم أحد لهؤلاء وقبولهم في يوم الخندق يدل على أنهم وصلوا إلى مرحلة التكليف فوجب عليهم القتال بخلافه في يوم أحد إذ لم يكونوا بلغوا هذا السن فلم يكونوا بالغين .

ومن هذه الروايات صحيح ابن محبوب عن عبد العزيز العبدي عن حمزة ابن حمران قال: سألت أبا جعفر عليه السلام قلت له ( متى يجب على الغلام أن يؤخذ بالحدود التامة ويقام عليه ويؤخذ بها؟ فقال: إذا خرج عن اليتم وأدرك فقلت فلذلك حد يعرف؟ فقال: إذا احتلم أو بلغ خمس عشر سنة أو أشعر أو أنبت قبل ذلك أقيمت عليه الحدود التامة وأخذ بها وأخذت به ).

ونلاحظ أن في هذه الرواية قد بين الإمام عليه الصلاة والسلام العلامات الثلاثة، ( قلت فالجارية متى يجب عليها الحدود التامة وتأخذ بها وتأخذ لها؟ قال: إن الجارية ليست مثل الغلام أن الجارية إذا تزوجت ودخل بها ولها تسع سنين خرجت من اليتم ودفع إليها مالها وجاز أمرها في الشراء والبيع وأقيمت عليها الحدود التامة وأخذ لها وبها، قال والغلام لا يجوز أمره في الشراء والبيع ولا يخرج من اليتم حتى يبلغ خمس عشر سنة أو أحتلم أو يشعر أو ينبت قبل ذلك).

وهذه الرواية رواها الحر العاملي رضوان الله عليه في كتاب الوسائل أيضاً وهي صحيحة السند ودلالتها من محكمات أخبار الباب ومما يشهد لكل العلامات وقد ثبت في محله أن ارتفاع المضمون كاشف عن وثاقة الصدور لذلك فإن الروايات الأخرى التي سنتعرض إليها فيما يأتي ينبغي ردها إلى هذه الرواية أو طرحها عند المعارضة، لذلك فإن هذه الرواية تعتبر من أمهات الروايات التي تدل على أن السن في الخامسة عشر للولد وتسع سنين للبنت وهو المستفاد أيضاً من روايات أخرى منها ما عن الخصال بإشارة للعباس بن عامر عن من ذكره عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (يؤدب الصبي على الصوم ما بين خمسة عشر سنة إلى ستة عشر سنة).

ومن الواضح أنها تدل على أن قبل السن المذكور يعني قبل سن الخامسة عشر تكون عبادات الصبي تعليمية أو تمرينية وليست عبادة تكليفية وبناء على هذا فأن الظاهر هو القول المشهور بين الفقهاء وربما أدعى عليه الإجماع.

القول الثاني هو غير مشهور ويقول أن سن البلوغ هو ثلاثة عشر سنة إلى أربعة عشر سنة ويستدل هذا القول بخبر أبي حمزة عن أبي جعفر عليه السلام ( قلت له جعلت فداك في كم تجري الأحكام على الصبيان؟ قال في ثلاثة عشر سنة وأربعة عشر سنة وإن لم يحتلم فيهما، قال وإن كان لم يحتلم (أ)) والظاهر أن المقصود من الاحتلام هنا هو خروج المني والرواية صريحة في أن بلوغ الصبي في سن الثالثة عشر والرابعة عشر.

ومنها ما رواه الصدوق في كتاب الفقيه عن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام، أنه قال: يربى الصبي سبعاً ويؤدب سبعاً ويستخدم سبعاً ومنتهى طوله في ثلاثة وعشرين سنة وعقله في خمس وعشرين أما ما كان بعد ذلك فبالتجارب).

والمراد من قوله عليه السلام (سبعاً) أي سبع سنوات والرواية تدل على اكتمال عقل الإنسان في خمس عشرون سنة وما بعد ذلك فيكون زيادة عقله بالتجارب لا بالتكوين وهي صريحة أيضاً في أن الصبي يترك سبعاً ويربى سبعاً ويؤدب سبعاً ويستخدم سبعاً ، وفي خبر عيسى بن يزيد قال: أبو عبد الله عليه السلام قال أمير المؤمنين(ع): ينتظر الصبي سبع سنوات ويفرق بينهما في المضاجع في عشر ويحتلم لأربعة عشر سنة وينتهي طوله في أحدى وعشرين سنة وينتهي عقله في الثماني والعشرين الا في التجارب) ، والجملة هنا خبرية فإذا كانت هذه الجملة في مكان الإنشاء تدل على تعليق التكليف في ذمة الصبي في سن الرابعة عشر ومنها: موثق عمار عن الصادق عليه السلام سألته عن الغلام متى يجب عليه الصلاة؟ قال: إذا أتى عليه ثلاثة عشر سنة فإن أحتلم قبل ذلك فقد وجبت عليه الصلاة وجرى عليه القلم والجارية مثل ذلك إذا أتى عليها ثلاث عشر سنة أو حاضت قبل ذلك فقد وجبت عليها الصلاة وجرى عليها القلم).

وهذه الرواية مروية في كتاب الوسائل أيضاً، ومن هذه الروايات التي تدل على هذا القول هو موثق ابن سنان عن الصادق عليه السلام قال: (إذا بلغ الغلام خمس عشر سنة كتب له الحسنة وكتبت عليه السيئة وعوقب، وإذا بلغت الجارية تسع سنين كلفت وذلك لأنها تحيض لتسع سني(، ومن الواضح أن كتابة الحسنات والسيئات والعقاب على ذلك دليل التكليف .

ومن الروايات أيضاً: صحيح ابن سنان عنه عليه السلام أي عن الصادق: (إذا بلغ الغلام أشده أي ثلاثة عشر سنة ودخل بأربعة عشر سنة وجب عليه ما وجب على المحتلمين أحتلم أو لم يحتلم وكتب عليه السيئات وكتب له الحسنات وجاز له كل شيء إلا إذا كان ضعيفاً أو سفيهاً).

وهذه الرواية أيضاً تدل على أن السن وحده يكفي في تحقق البلوغ سواء أحتلم أو لم يحتلم هذه بعض الأدلة التي تمسك بها أصحاب القول الثاني.

أما القول الثالث :فهو يقول بأن سن البلوغ ما دون العشرة إلى العشرة أستدلوا بموثق حسن بن راشد عن العسكري عليه السلام قال: (إذا بلغ الغلام ثمان سنين فجاز أمره في ماله) ، أي جازت تصرفاته المالية ونفذت في الشراء والبيع وما أشبه ذلك، (وقد وجب عليه الفرائض والحدود وإذا تم للجارية تسعاً فكذلك)، ومن الواضح أن قوله عليه السلام وجب عليه الفرائض والحدود ظاهر فيه التكليف وإن لم يكن صريح فيه، ومنها خبر أبي أيوب الخزاز، قال سألت إسماعيل بن جعفر عليه السلام: (متى تجوز شهادة الغلام؟ قال إذا بلغ عشر سنين قال قلت: ويجوز أمره وتصرفاته قال إن رسول الله صلى عليه وآله: دخل بعائشة وهي ابنة عشر سنين وليس يدخل بالجارية حتى تكون امرأة فإذا كان للغلام عشر سنين جاز أمره وجازت شهادته) ، ومن الروايات أيضاً صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: (إذا أتى على الغلام عشر سنين فإنه يجوز له في ماله ما أعتق وما تصدق أو أوصى على حد معروف وحق فهو جائز).

ويستظهر من هذه الرواية أن عشر سنين هو الملاك المؤخوذ في سن البلوغ، ومنها أيضاً موثق محمد بن مسلم عن أحدهما أي عن الباقر أو الصادق عليهما السلام (( قال: يجوز طلاق الغلام إذا كان قد عقل وصدقته وصيته وإن لم يحتلم)) (ب)، ومن الواضح أن هذه الرواية تقول أنه إذا كان قد عقل ولم تحدد السن بخمسة عشر فيستفاد منها أنه إذا وصل الإنسان إلى مرتبة العقل وهو في سن الثامنة أو في سن العاشرة يكفي في تحقق البلوغ هذه مجمل الأقوال والأدلة التي ذكرت في المقام إلا أن القول الأول هو القول المشهور بل ولعله المجمع عليه بين الفقهاء قديماً وحديثاً.

أما الروايات التي ذكرها أصحاب القول الثاني والثالث فهي معارضة بروايات أخرى على ما ذكرنا في تلك الرواية التي قلنا أنها رواية محكمة ومعضودة بمجموعة من الروايات الصحاح منها – صحيح أبي بصير – عن الصادق عليه السلام:( في غلام صغير لم يدرك أبن عشر سنين زنا بأمرأة يجلد الغلام دون الحد وتجلد المرأة الحد كاملاً، قيل له: وإن كانت محصنة قال: لا ترجم لأن الذي نكحها ليس بمدرك).

وهي صريحة في أنه إذا وصل إلى عشر سنين ليس بمدرك لذا لم يحكم الإمام عليه الصلاة والسلام بإقامة الحد عليه وإنما حكم بالتعزير.

ومن الروايات التي تعارض القول الثالث والثاني صحيح الحلبي (قلت لأبي عبد الله عليه السلام: الغلام له عشر سنين فيزوجه أبوه بصغره، أيجوز طلاقه وهو ابن عشر سنين؟ فقال عليه السلام: فأما التزويج فصحيح وأما طلاقه فيجب أن تحبس عليه امرأته حتى يدرك فيعلم أنه كان طلق امرأته).

مما يدل على أنه في هذا السن لم يكن مدركاً حتى يكون طلاقه نافذاً بخلاف زواجه لأنه تم بإذن الولي وتصرفات الولي من ذلك السن نافذة عليه إذا كان فيه مصلحته وكيف كان فإن هذه الروايات وروايات أخرى مثل رواية صفوان عن اسحاق ابن عمار وخبر السكوني وهي صحاح تعارض روايات القول الثالث التي يقول بأن الغلام إذا بلغ عشر سنين يكون مدركاً وبالغاً.

وهذا مضافاً إلى هذه الروايات المعارضة وهي صحيحة فيها قرائن القوة والاعتبار بحيث تتقدم على الروايات المذكورة في القول الثاني والثالث (ومن هذه القرائن عمل المشهور بالروايات الأولى التي تقول أن سن الولد خمسة عشرة سنة وفي مقابل ذلك نرى أن المشهور قد أعرضوا عن الروايات التي ذكرت للقول الثالث مثلاً وقد ثبت في محله من الأصول أن عمل المشهور بالرواية واعراضهم عن الرواية موجب للقوة والضعف فإذا رأينا مشهور الفقهاء أخذت بالطائفة الأولى من الروايات التي ذكرها اصحاب القول الأول وأعرضوا عن روايات القول الثالث فإنه يكون لنا قرينة على أنهم اعتبروا الروايات الأولى وتركوا الثانية.

ومن القرائن التي تدل على قوة القول الأول أن الأقوال الأخر يعني القول الثاني والقول الثالث فيها نوع من الشذوذ لأن بعض الروايات فيها وإن كانت صحيحة إلا أنه فيها بعض الاضطراب في المتن فبعضها يقول ثمانية وبعضها يقول عشرة وبعضها يقول ثلاثة عشر وبعضها يقول أربعة عشر فهي مضطربة المتون وبالنسبة فإن اضطراب المتن ربما يكون قرينة على ضعف الدلالة وعلى عدم الاعتبار، مضافاً إلى ذلك بأن الذين عملوا بهذه الروايات في مقام الفتوى لم يفتوا بأن السن العمري للولد يكون عشر سنين أو ثلاثة عشر سنة لأن الجميع أفتوا طبق القول الأول هذا مضافاً إلى إن الروايات للقول الثاني والثالث بعضها ضعيفة السند وكذلك بعضها مختص بباب الوصية والعتق وما أشبه ذلك، مضافاً إلى ذلك كله نرى أن هذه الروايات التي حددت السن في الثلاثة عشر أو في العشرة تتنافى في كثير من الأحيان مع الروايات المتواترة عند المخالف والموافق التي منها النبوي الذي يقول (رفع القلم عن الصبي حتى يحتلم).

فإن مثل هذه الرواية تقول بأن قلم التكليف مرفوع عن الصبيان حتى يصلوا إلى مرتبة البلوغ، ولكن هذه الرواية التي هي متفق عليها بين الفريقين لم تحدد سن البلوغ فإذا رجعنا إلى الطائفة الأولى من الروايات والطائفة الثانية والطائفة الثالثة نرى أن هنالك مجال للجمع بين هذه الطوائف فنقول بأن مقتضى الجمع بين هذه الطوائف أن تحمل هذه الروايات التي تقول ثمانية أو عشرة أو تلك الروايات التي تقول سن البلوغ في ثلاث عشر أو أربعة عشر على تلك الروايات الأخرى التي تقول في الخامسة عشر نحملها على المراتب فبناءً على هذا يستفاد من هذا المجموع أن حد البلوغ الشرعي بحيث يلزم على الولد أن يعمل بجميع الفرائض تكليفاً هو خمسة عشرة سنة لكنه يرجح له أن يعمل ببعض التكاليف وهو في سن الثلاثة عشر والأربعة عشر والعشرة والثمانية لأنه يستحب له أن يأتي بالأعمال الشرعية والطاعات انقياداً للمولى عز وجل فتكون أعماله بعنوان تمرين حتى إذا وصل إلى مرتبة البلوغ يكون قد تمرن على أداء الطاعات واجتناب المعاصي أو يكون من باب التأديب حتى يكون ملتزماً فيؤثر التزامه قبل البلوغ على حياته بعد البلوغ أو يكون من باب نيل الثواب فإذا جاء بالأعمال بقصد أنها محبوبة إلى الله سبحانه وتعالى بعنوان نيل الثواب منها وأن لم يكن بالغاً، لأنه بعد مجيء الطوائف الثلاثة من الروايات وانقسام الأقوال إلى ثلاثة يدور أمرنا بين أن نلتزم بأحدى الطوائف ونترك الطوائف الأخرى وهذا ليس بصحيح لأنه قد يوجب طرح ما هو  حجة بينها ومقتضى الاحتياط أن نجمع بينها لأن الجمع مهم أمكن أولى من الطرح ومقتضى الجمع العرفي في أمثال هذه الموارد هو الحمل على المراتب وهذا ما رجحه جمع من الفقهاء منهم سماحة السيد الشيرازي دام ظله، في كتابه (الفقه)، وهذا ما ربما يمكن أن يقال هنا.

مضافاً إلى ذلك فأنه ربما يمكن أن نقول بأنه إذا لا نلتزم بالجمع الذي ذكرناه فمقتضى القاعدة أن هذه الطوائف من الروايات تتعارض وعند التعارض تتساقط فإذا تساقطت الروايات ينبغي الرجوع في مقام العمل إلى الأصول العملية والأصل العملي الحالي هنا هو الأستصحاب لأن الصبي في سن الثامنة أو في سن العاشرة أو في سن الثالثة عشر أو في سن الرابعة نشك فيه أنه مكلف أم ليس بمكلف أو هل أنه بالغ أم أنه ليس ببالغ فنستصحب عدم البلوغ كما يصح أن نستصحب عدم التكليف .

وبناء على هذا إذا قلنا بالجمع وهو الأولى من الطرح فيها إلا أن الذي يشكل على الجمع عليه أن يلتزم بالأصول العملية لأن تعارض الروايات يؤدي إلى التساقط والتساقط في مقام العمل يؤدي إلى ضرورة الأخذ بالأصول العملية وفي ما نحن فيه هو الاستصحاب من سن الثامنة والعاشرة والثالث عشرة والرابعة عشرة يدل على أنه في هذا السن غير بالغ.

الأعتبار باكمال الخامسة عشرة

بقي هنا الإشارة إلى أن المعتبر هل هو اكمال الخمسة عشرة سنة والدخول في السادسة عشرة؟.

أم يكفي اكمال الرابعة عشرة والدخول في سن الخامسة عشر؟ هنا قولان في المسألة:

القول الأول: وهو المشهور أيضاً بين الفقهاء بل ادعى الشهيد(قده) في (المسالك) الاجماع على اعتبار كمال الخامسة عشرة والدخول في السادسة عشرة واكمال التاسعة في الأنثى وهذا ما جرت عليه فتوى الأصحاب مضافاً إلى تأييد الإستصحاب له وذلك لأنه بعد دخوله في الخامسة عشرة يشك في أنه صار بالغاً أولم يصر بالغاً بعد؟ ما دام غير متيقن فيتمكن من استصحاب عدم البلوغ حتى يقضي السنة الخامسة عشرة ويدخل في السنة السادسة عشرة مضافاً إلى ذلك فإن التأييد العرفي يؤيد هذا لأن الداخل في السنة الأخيرة لا يسمى ابن خمسة عشر سنة لا لغة ولا عرفاً ويؤيده أيضاً أن الولد إذا لم يكن له سنة كاملة لا يقال له عمره سنة مثلاً، وإنما يقال عمره بالشهور كما أن الإنسان إذا لم يكن له عشر دراهم كاملة لا يقال له عشر دراهم وهكذا في قوله عليه السلام: ( لها تسع سنين إذا مادامت لم تكتمل التسعة، عندها لا يقال عمرها تسعة فبناء على هذا ظاهر الأدلة والفهم العرفي والفتاوى على انقضاء واتمام الخامسة عشرة والدخول في السادسة عشرة ويؤيدها أيضاً الخبر المروي في كتبنا مستفيضاً وهو عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) يقول: ( إذا استكمل المولود خمسة عشرة) واستكمال الخمسة عشرة يعني الدخول في السادسة عشر، ولعل منها اجمع الاصحاب على أن الاعتبار في السن بعد تمام الخامسة عشرة.

ويقابل هذا القول قول ضعيف مال إليه المقدس الاردبيلي (قده) وصاحب الحدائق (قده) وآخرون، إذا قالوا بكفاية الدخول في السن الخامسة عشر، فإن دخل في سنة الخامسة عشر صار بالغاً هذا ما يمكن أن يقال هنا، فيتحصل منه أن الإنسان إذا وصل إلى مرحلة البلوغ سواء علم بهذا البلوغ بنفسه أو علم بالبلوغ بواسطة علاماته سواء بعلامة انبات الشعر الخشن على العانة أو بعلامة خروج المني أو بعلامة السن فإنه علم بأنه وصل إلى مرحلة البلوغ وجبت عليه الأحكام في العبادات والمعاملات وبناء على هذا يجب عليه الصيام والصلاة والحج وتكون شهادته نافذة وتقليده يكون صحيحاً وقضاءه يكون معتبراً وهكذا كل  الأمور التي تترتب على البلوغ وهذا هو المركوز في الأذهان وعليه السيرة المستمرة بين المسلمين هذا بالنسبة إلى بلوغ الذكر.

أما بلوغ الأنثى ففيه قولان:

القول الأول: يقول البنت تبلغ بتسع سنين قال الشهيد (قده) في المسالك، وهذا القول هو المشهور وعليه العمل، وقلنا سابقاً أن المراد تمام التاسعة والدخول في العاشرة، وفي مفتاح الكرامة: أن هذا القول مجمع عليه بل وفي الخلاف والغنية والسرائر والتذكرة وكنز العرفان وغيرها.

القول الثاني: وهو المنسوب للشيخ الطوسي رضوان الله عليه في كتابه المبسوط وكذلك ابن حمزة في كتاب الوسيلة حيث قالوا: ( بأن البلوغ بالعشرة لا بالتسع)، إلا أن هذا القول غير مشهور بل حتى الشيخ الطوسي رضوان الله عليه تراجع عنه ومال إلى القول الأول من كتاب الحجر والأدلة التي يمكن أن تذكر للقول الأول عديدة منها ما في الفقيه:

قال الصادق عليه السلام: (إذا بلغت الجارية تسع سنين دفع إليها وجاز بيعها وشراءها وأقيمت عليها الحدود التامة لها وعليها)، إلى غير ذلك من الروايات والذي يريد أن يراجع التفاصيل بذلك يرجع إلى كتاب الوسائل يجد الروايات متظافرة في هذا المعنى.

أما القول الثاني: فاستدل برواية مرسلة، بل قال في الجواهر( أني لم أجد فيه رواية مسندة به)، لكن الظاهر أنه يمكن أن يستدل له برواية غياث بن إبراهيم، عن الصادق عليه السلام أن أمير المؤمنين عليه السلام قال: (لا توطأ الجارية أقل من عشر سنين قال فإن فعل فعيب ضمن) ، و(ضمن) يمكن أن تقرأ بالفتح وبالضم بناء على المبني للمجهول أو المبني للمعلوم، ومن الواضح أنه إذا وطأ الجارية في أقل من عشر سنين يكون هذا ضرر أنزله بالجارية فيجب عليه ضمانه وهذا يدل على أن الجارية في أقل من عشر سنين لا تصل إلى مرحلة البلوغ.

ومن الروايات التي يمكن أن يستدل بها بذلك ما عن الباقر عليه السلام أنه قال: (لا تدخل المرأة على زوجها حتى يأتي تسع سنين أو عشر)، وكذلك خبر زرارة عنه عليه السلام قال: (لا يدخل بالجارية حتى يأتي عليها تسع سنين أو عشر)، ولعلنا نجمع بين هذه الروايات فنقول: بأن المقصود بهذا التردد بين تسع سنين أو عشر سنين لأن المقصود إتمام التسعة والدخول في العشرة وبهذا ينسجم القول الثاني مع القول الأول لأن القول الأول يقول بتسع سنين تصل إلى مرحلة البلوغ لكن بعد تمام التاسعة مع الدخول فيها وهذه الروايات تردد الأمر بين التاسعة وبين العاشرة مما يمكن الجمع بينها بحمل التسعة على تمامها فيتطابق القولان وهذا هو القول المشهور ولعل لهذه الجهة تراجع الشيخ الطوسي عن القول واتفق مع القول المشهور ويؤيده ذلك أن الروايات المرددة بين التسعة والعشرة هذه مثبتات وقد ثبت في محله من الأصول أن بين المثبت لا تعارض لذلك فلا بد من الحمل على المراتب أو العوارض الخارجية مثلاً كأن يحمل بعض البنات في سن التاسعة وبعضهن يحملن في سن العاشرة كما هو المعروف أيضاً في العرف لأن النساء يختلفن من حال إلى حال ومن بلداً إلى بلد ومن عائلة لأخرى إذ يرجع ذلك إلى قوة البدن وقوة البنية وبعضها إلى الوراثة وما أشبه ذلك.

اختلاف الروايات الشريفة يشير إلى هاتين الجهتين وبهذا يمكن أجراء المصالحة بين القول الأول والقول الثاني ونقول بأن اختلاف الروايات نشأ من اختلاف البنات في هذه الجهة وكل رواية تشير إلى جهة من هذه الجهات فتأمل.

 فتحصل إذن بأن البنت تصل إلى مرتبة البلوغ بعد إكمال السن التاسعة وأما الروايات المرددة بين التسعة وبين العشرة وما أشبه ذلك فتحصل على اختلاف الأبدان واختلاف الأمزجة والبلدان والعوائل وما أشبه ذلك سواء كان في الرجال أو كان في النساء، ولذا قال السيد السبزواري رضوان الله عليه في كتابه مهذب الأحكام: (اختلاف النفوس في الاحتلام والإنبات واختلاف النساء في تحمل الدخول وعدمه أوجب أن تكون العلامة من الموضوعات التكوينية بالنسبة إلى التحديد الزماني والسني) ، ثم أن المنساق من الأدلة والفتاوى أن لكل واحد من هذه العلامات الثلاثة التي ذكرناها موضوعية خاصة لذلك إذا تقدمت واحدة من هذه الموضوعات الثلاثة كانبات الشعر الخشن على العانة أو خروج المني أو البلوغ السني على غيرها يكفي في تحقق البلوغ موضوعاً وإذا تحقق البلوغ موضوعاً يتبعه حكمه أيضاً نعم كلها تشير إلى أن البلوغ في الواقع هو واحد وهو وصول الإنسان إلى مرحلة الكمال الجنسي.

إلا أن الثلاث المذكورات هذه علامات قد عينها الشارع لرفع حالة الاشتباه وحالة التردد هذا بالنسبة إلى أصل البلوغ الشرعي للذكور والإناث من حيث تعلق الواجبات والمحرمات بهما وهذا أمر ثابت لا يقبل التبديل ولا يقبل التغيير لما ذكرناه سابقاً من أن:

- البلوغ: حالة تكوينية حقيقية يصل إليها الإنسان والعلامات تكون كاشفة عن هذه ولكن بالنسبة إلى بعض الجهات الخارجية فأنه يتمكن الحاكم الشرعي أن يحدد بعض الأفعال والأعمال التي لها أحكام وحقوق بوقت معين بحسب ما تقتضيه المصلحة حسب قانون الأهم والمهم مثلاً كما إذا حدد الحاكم الشرعي مثلاً في التصدي للمعاملات الكبيرة أو الخطيرة مثلاً لمن بلغ 17 عشر سنة دون الخمسة عشر مع أن البلوغ الشرعي هو خمسة عشر إلا أن للحاكم الشرعي أن يحدد نفوذ المعاملات الكبيرة الضخمة التي بها ملايين الأموال أو ترجع إلى المصالح السياسية في البلد أو ترجع إلى المصالح الاقتصادية أو الاجتماعية للمسلمين هذه الأمور الكبيرة أو الخطيرة يتمكن الحاكم الشرعي أن يمنع منها ومن وصل إلى سن الخامسة عشر، للمانع الخارجي ليس لعدم المقتضي ولكن هذا أمر ليس تحديد لأصل البلوغ بل تحديد لموضوع حكم تقتضيه المصلحة الشرعية لذلك فبناءاً على هذا عندما نقول أن سن البلوغ للولد هو خمسة عشر سنة وللبنت هو تسع سنين هذا بالنسبة إلى التكاليف الإلهية العبادية كـ الصلاة والصيام والحج والخمس والزكاة وجواز النكاح وما أشبه ذلك وهذه الأمور مما لا إشكال في أنه تترتب في ذمة الإنسان في هذه السن إلا أنه بالنسبة إلى المعاملات أو بالنسبة إلى بعض التصرفات الخاصة وما أشبه ذلك فان للحاكم الشرعي أن يرى فيها المصلحة ويحدد منها أو يوسع أو يضيق حسب قانون الأهم والمهم فبناء على هذا يكون للحاكم مجال في أن يتصرف بحسب المصالح في المعاملات الكلية الخطيرة مثلاً وإن كان لا مجال فيها لأن يتصرف في كون هذا الولد قد وصل إلى مرحلة البلوغ أو لا، فتدبر جيداً. 

ــــــــــ

الهامش

(1) التوبة – 36.

(2) التوبة – 36.

(3) التوبة _ 36.

(4) يونس – 5.

(5) البقرة – 189.