المادة: فقه المجتمع
mp3:
الملف: Microsoft Office document icon 003.doc

إشارات وتنبيهات

التنبيه الأول في أن إنبات الشعر الخشن على العانة هل هو بلوغ أم هو علامة على البلوغ بمعنى أن يكون البلوغ قد حصل سابقاً وانبات الشعر علامة على ذلك الحصول؟

في المسألة قولان:

ذكر صاحب الجواهر رضوان الله عليه بأن جمع من الفقهاء صرحوا بأنه دليل وعلامة وجمع آخر ذهبوا إلى أنه بلوغ وليس بعلامة والمشهور بين الفقهاء هو القول الأول وتعليق الاحكام في الكتاب والسنة على الحلم والاحتلام وهما أعم من انبات الشعر على العانة لما ستعرفه في العلامة الثانية إذا لو كان الانبات بنفسه بلوغاً ولم يكن علامة لخصص بالذكر دون غيره فتنصيص الادلة على غيره عن عدم انحصاره بذلك وعدم الانحصار دليل العلامية.

ثانياً :لأن البلوغ حالة تكوينية تحصل قهراً لدى الإنسان كسائر الحالات التكوينية التي تطرأ على جسده وهذا الحصول يعرف بحالاته كما تقدم سابقاً مضافاً إلى أن إنبات الشعر على العانة ربما يكتسب بسبب الدواء والمعالجات الطبية وحينئذ لا يصلح أن يكون بلوغاً شرعياً لأن البلوغ الشرعي أن ينبت الشعر الخشن على العانة في وقته وأوانه لا ما كان بالمعالجات في ذلك.

هذا وربما يمكن أن يقال بعدم الثمرة الفقهية بين القولين لأنه سواء كان انبات الشعر بلوغاً أو كان علامة فإنه يلزم على الإنسان العمل بالتكليف ما لم يعلم بوصوله إلى مرحلة البلوغ وعليه فإنه إذا علم بالبلوغ لا يحتاج بعدها إلى انبات الشعر لأن العلم حجة على الإنسان فما دام الإنسان علم أنه بلغ يعلم بتعلق التكليف بذمته فإنبات الشعر وعدم انباته لا يكون مرجحاً لجانب على جانب نعم قد يفيد في حالة الشك في البلوغ وعليه فانه إذا علم الإنسان بالبلوغ فلا يحتاج بعده إلى ملاحظة لانبات ونحو ذلك وإلا كما إذا شك في ذلك رجع إلى الانبات كي يحرز أنه قد وصل إلى مرحلة البلوغ بالفعل فيكون مكلفاً أم لا؟

وهذا هو مناط العلامية لا البلوغ ومما يؤيد ذلك أن الناس في الغالب لا يعلمون ببلوغهم إلا أن تظهر علامات ذلك عليهم ومن تلك العلامات انبات الشعر وعلى كل حال فانه سواء كان انبات الشعر هو بنفسه بلوغاً أو علامة للبلوغ فان المدار على علم الإنسان بأشتغال ذمته بالتكليف وهذا الاشتغال إذا حصل بالبلوغ فلا يحتاج بعده ملاحظة الانبات وإذا لم يحصل عنده علم البلوغ ففي هذه الصورة يحتاج إلى ملاحظة لأنه ما دام لم يعلم بالبلوغ ولم يحصل عنده انبات للشعر الخشن على العانة يتمكن أن يجري استصحاب عدم البلوغ أو يجري اصالة البراءة لأنه في هذه الصورة يشك في تعلق التكليف في ذمته وقد ثبت في محله من الأصول أن الشك في أصل التكليف مسرح البراءة ، وهذا هو القول الذي اختاره سماحة السيد الاستاذ دام ظله في الفقه حيث قال: فظاهر الادلة أن الكل بمنزلة واحدة سواء أنه قلنا بأنه علامة أوقلنا بأنه بلوغ فأما أن يكون بلوغ أو علامة ولا فرق بينهما فتدبر.

التنبيه الثاني : في أن المدار على الشعر النابت فقط أن يكون نابتاً على العانة أم يجري أيضاً في صورة انباته على الوجه كشعر اللحية مثلاً أو تحت الابط مثلاً بمعنى أن علامة البلوغ الشعر النابت على العانة فقط أم يكفي انباته في اللحية أو تحت الابط وإن لم يظهر على العانة؟. فيه قولان:

القول الأول: أن الفقهاء قيدوا انبات الشعر بالعانة والظاهر في التقييد أنه احتراز عن سائر الشعور ولعل هذا ما يستفاد من الشيخ الطوسي في المبسوط حيث قال: لا خلاف أن أنبات اللحية لا يحكم بمجرده بالبلوغ بمجرده إذاً لا يكون علامة ما لم ينضم إلى الشعر النابت على العانة وكذا سائر الشعور وفي المسالك قال: لا عبرة لها عندنا أي يعني في سائر الشعور وفي مفتاح الكرامة قال: (وأما شعر الابط فلا اعتناء به عندنا) ونسب هذا القول أيضاً إلى تذكرة العلامة (قده) وأضاف إليه عدة من الظواهر التكوينية التي تظهر عند الأولاد في هذه المرحلة كتغير الصوت ونهود الثدي ونتأ طرف الحلقوم وأنفراق الارنبة وأخضرار الشارب ونحو ذلك ( فبناء على هذا لا تصلح هذه العلامات بمفردها أن تكون دليلاً على البلوغ ما لم يتقيد هذا الانبات بانبات الشعر على العانة أما في غيره من سائر الجسد فلا وهو أختيار سماحة السيد الاستاذ دام ظله أيضاً في الفقه مستدلاً له بأصالة العدم خصوصاً أن الشهرة المحققة والاجماع قائم على غلبة سبق البلوغ على ذلك.

فيكون الأنبات على العانة كاشفاً عن سبق البلوغ وهذا ما أرتضاه الجواهر أيضاً وقال: (أن ظاهرباقي الاصحاب الاختصاص بالعانة بل هو صريح بعضهم ولذا اقتصر عليها في العلامات) وتبعهم في ذلك السيد السبزواري رضوان الله عليه في مهذب الاحكام حيث حمل الروايات الظاهرة في كفاية شعر الوجه على بعض المحامل كالتلازم العادي بين أن يكون ظهور الشعر على الوجه مع ظهوره على العانة، أو حملها على الطرح خصوصاً مع مخالفة المشهور لها.

القول الثاني: وهو عن التحرير للعلامة (قده) حيث قال: الأقرب إن انبات اللحية دليل على البلوغ وتبعه في ذلك الشهيد (قده) في الروضة حيث قال: (في حال اخضرار الشارب وإنبات اللحية قول قوي) وبناء على هذا ففي المسألة قولان ولعل وجه الجمع بين هذين القولين أن يقول بالملازمة العادية بين إنبات الشعر على اللحية وإنباتها على العانة في وقت واحد وفي الغالب إذا وصل الإنسان إلى مرحلة البلوغ فانه كما يظهر الشعر على العانة عنده كذلك يبدأ بظهوره على الوجه أيضاً وظهوره تحت الإبط  والملازمة العادية بين هذه الشعور الثلاثة غالبة إذا غالباً ما كنت في وقت واحد أو يكون الوقت متقارباً جداً بحيث يتسامح العرف مثله وبناء على هذا فلعل من قال بأن إنبات اللحية دليل على البلوغ وإخضرار الشعر دليل على البلوغ أيضاً قال ذلك لوجود الملازمة العادية بينها وبين إنباتها على العانة وبهذا يمكن أن نجمع بين الأقوال وعليه فأنه لو نبت الشعر وصعب تمييزه وأن هذا الشعر شعر خشن أم ليس بخشن فيمكن أن نرجع فيها إلى أهل الخبرة كالاطباء مثلاً لمعرفة ذلك وإذا استمر الشك بها تسقط حجية قول الخبير في مثله أو قلنا بعدم حجية قول الواحد في الموضوعات فالأصل عدم الخشونة كما أننا إذا شككنا في أنه وصل الإنسان إلى مرحلة البلوغ أو لم يصل فالمرجع هو استصحاب عدم البلوغ فتأمل

التنبيه الثالث: في أن المراد في الشعر النابت على العانة أن يكون شعراً خشناً أي بشرط الخشونة أم إذا كان الشعر شعراً ناعماً كالزغب أو الشعر الضعيف مثلاً يكون علامة ودليل على البلوغ أيضاً؟

الظاهر من كلمات الفقهاء تقييد الشعر بالخشونة لوضوح أن الزغب والشعر الضعيف موجود في الأطفال منذ الصغر وعليه لا يصلح أن يكون علامة وعليه فانه إذا شككنا في أن الشعر هل هو خشن أم لا؟ فإن الأصل هو العدم وكذا أيضاً.

نعم بالنسبة إلى مدخلية لون الشعر في كونه ابيضاً مثلاً أو أصفراً إذ لا ملاك للون في ذلك وإنما الملاك للخشونة والنعومة.

وهنا مسألة وهي أنه لو أنبت الشعر على العانة لكنه مما يلازم العانة في المتعارف مثل أطراف الذكر وعلى شفار الفرج كفى بهذه وذاك للمناط والتلازم بين الظهور على نفس العانة أوما يقاربها جداً بحيث ينظر العرف إليهما انهما شيء واحد.

العلامة الثانية: وهي خروج المني الذي يكون منه الولد في الموضع المعتاد ( قال في الجواهر: أن هذه المسألة - أي خروج المني من الموضع المعتاد - علامة على البلوغ بلا خلاف بين المسلمين وتبعه في ذلك مهذب الأحكام والسيد الأستاذ دام ظله وفي الفقه حيث ادعيا في ذلك الاجماع بقسميه عليه مضافاً إلى الكتاب والسنة المستفيضة.

والظاهر إن جماعة من الفقهاء صرحوا بعدم الفرق في هذه العلامة بين الذكر والأنثى بل في تذكرة العلامة (قده) عدم الفرق اجماعي عند علمائنا والذي يراجع اطلاق الروايات يجد أن هذا الإطلاق يشمل الذكور والأناث مضافاً إلى ذلك الأيات الشريفة أيضاً الدالة على أن خروج المني وتكوّن المني في البدن دليل على البلوغ هذه الآيات مطلقة أيضاً فتشمل الذكور والإناث معاً (ومن الأدلة قوله  سبحانه وتعالى في (1)سورة النور الآية

ــــــــــــــ

الهامش

1- سورة النور: الآية59.