المادة: فقه المجتمع
mp3:
الملف: Microsoft Office document icon 010.doc

معايير الكفاءة الزوجية

في هذه المحاضرة نتعرض إلى مبحثين مهمين في الشؤون الزوجية.

المبحث الأول في اشتراط الكفاءة بين الزوجين.

والمبحث الثاني في أسباب التحريم في النكاح.

أما المبحث الأول فان الكفاءة على نحوين. الكفاءة العرفية والكفاءة الشرعية. ونعني بالكفاءة العرفية الشأن الاجتماعي أو المالي والشرف والمكانة وما اشبه ذلك.

والظاهر من مجموع الأدلة أن الكفاءة العرفية لا اعتبار لها في التمييز شرعاً ولا توجب كرامة شرعية تميز الزوج عن الزوجة أو تميز الزوجة عن الزوج فإذا كان الزوج غنياً أو كان ذا مركز اجتماعي عال أو شأن ووجاهة عالية أو بالعكس فلا اشكال في صحة النكاح بينهما لان المعتبر في التمييز الكرامة الشرعية وهي بالدين والتقوى.

نعم لعل الافضل مراعاتها بل هناك ارشاد من الشارع لمراعاة هذه الشؤون العرفية حفاظاً على بعض الجوانب الاجتماعية والنفسية بين الزوجين لكن انعدام الكفاءة بينهما بالمفهوم العرفي لا توجب بطلان النكاح.

أما الكفاءة الشرعية وهي كفاءة الدين والعقيدة فلا اشكال في لزوم وجودها بينهما بمعنى لزوم كون الزوج مسلماً إذا كانت الزوجة مسلمة وهو معقد الاجماع بين المسلمين وانما الكلام في اشتراط الايمان في الزوج إذا كانت الزوجة مؤمنة ونعني بالايمان المعنى الاخص منه اي الايمان بولاية مولانا امير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام) والائمة المعصومين من ذريته والصديقة الطاهرة (صلوات الله عليهم اجمعين) وفي المسألة قولان:

القول الأول وهو المحكي عن المشهور بين الفقهاء بل نسبه المبسوط والخلاف والسرائر والفنية إلى الاجماع وهو عدم الجواز بمعنى اشتراط الايمان بين الزوجين فإذا كانت الزوجة مؤمنة فيجب أن يكون الزوج مؤمناً وإلا يبطل النكاح من جهة عدم الكفاءة.

والقول الثاني: ذهب إلى الجواز واستثنى هذا القول الفرق المحكوم بكفرهم وهذا ما عليه جمع من فقهائنا المتأخرين والمعاصرين.

أما القول الأول فاستدل بالكتاب والسنة والاجماع والعقل.

أما الكتاب فقوله تعالى: ((فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ)) بضميمة أن الكفر يشمل المخالف ايضاً بل قد وردت بعض النصوص التى توسع من مفهوم الكفر ليشمل المخالف ايضاً.

وأما السنة فطوائف من الاخبار ـ منها ما تدل على انهم كفار ومنها ما يدل على أنهم نصاب وطائفة ثالثة تدل على النهي عن تزويجهم إلى غير ذلك مثل ما دل على أن المؤمنين بعضهم اكفاء بعض وقد اورد الحر العاملي رضوان الله عليه في مقدمات النكاح من الوسائل جملة من امثال هذه الروايات مما يدل على أن غير المؤمن ليس كفوءاً فلا يجوز نكاحه.

ومن الطوائف ايضاً ما دل على أن النكاح انما يصح برضا الدين والخلق كما روي عن رسول الله (ص) (إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه) الدال بمفهومه على أن من لا ترضون دينه وخلقه فلا تزوجوه.

ومن الواضح أن المخالف غير مرضي الدين.

ومن الاخبار ايضاً ما ورد في الصحيحة (تزوجوا بالشكاك ولا تزوجوهم) وهذه الرواية صريحة في جواز نكاح المؤمن للمخالفة وعدم جواز نكاح المخالف للمؤمنة والشكاك بمعنى الشكاك بولاية مولانا أمير المؤمنين (ع) وانما نهت هذه الرواية عن تزويج المخالف بالمؤمنة لان المرأة تأخذ دينها من زوجها غالباً.

ومن الواضح أن العلة هذه تسري في الكفر كما تسري في المخالفة، فعن الفضيل بن يسار قال: (سألت ابا عبد الله (ع) عن نكاح الناصب - اي الذي ينصب العداء لمولانا أمير المؤمنين (ع) وللائمة المعصومين من ذريته عليهم السلام بل وقد وسع الفقهاء في هذا المعنى ليشمل النصب بالعداوة لشيعة أهل البيت (ع) أيضا - فالرواية تقول (سألت أبا عبد الله (ع) عن نكاح الناصب؟ فقال لا والله ما يحل قال فضيل ثم سألته مرة أخرى فقلت جعلت فداك ما تقول في نكاحهم ـ أي المخالفين ـ قال والمرأة عارفة ـ أي عارفة بولاية اهل البيت (ع) قلت عارفة قال أن العارفة لا توضع الا عند العارف).

وهذه الرواية صريحة في الحصر في أن الكفاءة مخصوصة في الايمان ولا يكفي الاسلام وايضاً المروي عن الامام الصادق (ع) (قلت له أن لاقربائي اختاً عارفة على رأينا وليس على رأينا بالبصرة الا قليل فازوجها ممن لا يرى رأيها؟ ـ أي يكون على غير الشيعة الاثنى عشرية ـ قال لا، ولا نعمة ولا كرامة أن الله تعالى يقول ((فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ)) بناءً على التوسعة في مفهوم الكفر الذي يشمل الكفر بالله وبالرسول والكفر بولاية مولانا أمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام).

وايضاً في خبر المعلى بن خنيس المروي عن الصادق.

ليس الناصب من نصب لنا أهل البيت لانك لا تجد احداً يقول اني ابغض محمداً وآل محمد ولكن الناصب من نصب لكم وهو يعلم انكم تتولونا وانكم من شيعتنا).

وهذه الرواية أيضا صريحة في خروج الناصبين الذي ينصب العداوة لشيعة أهل البيت (ع) أيضا من الحكم والروايات في هذا كثيرة قد أوردها الحر العاملي (رضوان الله عليه) في ابواب مختلفة من الوسائل.

وأما الاجماع فقد عرفت حكايته عن الشيخ (قده) في المبسوط والخلاف وابن ادريس (قده) في السرائر والسيد ابن زهرة (قده) في الفنية.

وأما العقل فهو ما يستفاد من الحديث المتقدم من أن المرأة تأخذ من دين زوجها ومن المعلوم قبح القاء المرأة بحيث تنسلخ من الايمان وتخرج من ولاية امير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام) التي هي شرط في قبول الاعمال والطاعات وحيث أن القبح هذا في سلسلة العلل فتشمله قاعدة الملازمة العقلية التي تقول ما حكم به العقل حكم به الشرع.

هذه مجمل الأدلة التي ذكرها المانعون من زواج المخالف من المؤمنة.

وأما من ذهب إلى الجواز وهم طائفة كبيرة من الفقهاء والمتأخرين والمعاصرين منهم سماحة السيد الشيرازي دام ظله في كتابه الفقه (النكاح) حيث صرح بان الجواز أقرب إلى الدليل والاعتبار وأورد جملة من الاشكالات على الأدلة التي ذكرها المانعون.

أما الاستدلال بالكتاب الذي تمسكوا به فان الآية الكريمة لا تدل على حرمة التزويج بالمخالف الا بضميمة الرواية التي تقول أن المخالف كافر والا فان الكفر في الآية منصرف إلى الوثنيين والى أهل الكتاب الذين هم بنص القرآن الكريم من الكفار فشمول الكفر لغيرهم يحتاج إلى دليل.

والدليل إذا كانت الرواية فنعرف أن هذا لم يكن دليلاً كتابياً وانما استدلال بالروايات وسنأتي إلى تحليل طوائف الروايات.

إذن الاستدلال الأول للمانعين لا يصلح دليلاً.

وأما طوائف الاخبار فالطائفة الأولى منها تقول لأنهم كفار) ولعل بالجمع بين الأدلة نفهم أن المراد من الكفر في الروايات بالنسبة للمخالفين هو الكفر العملي لا الكفر العقيدي فان الكفر العقيدي يشمل كفر الوثني والكتابي أما المسلم فإذا أطلقت عليه الروايات بأنه كافر فالمراد منه الكفر العملي فان الكفر قد يستعمل في الايات والروايات ويراد به كفر العقيدة كالمنكر للالوهية والرسالة والمعاد كما عرفت وقد يطلق الكفر ويراد به الكفر عملاً من جهة عدم التزام الكافر بما جاء به الرسول صلّى الله علّيه وآله و سلّم من ناحية العمل والطاعة وان كان قد التزم بما جاء به من جهة الاعتقاد بالتوحيد وبالنبوة وبالرسالة كما قال سبحانه وتعالى: ((وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ)) وكذا يظهر من جملة من الايات أن تارك الحج كافر وان تارك الصلاة وتارك الزكاة والنمام وغيرهم كفار فبناءً على هذا المعنى تحمل الروايات التي تقول بأن المخالف كافر على الكفر العملي لا الكفر الاعتقادي ولا دليل على أن الاسلام يشترط الايمان العملي في مسألة الكفاءة في باب النكاح والا فكيف يصنع بحل ذبائح المخالفين وحرمة دمائهم واموالهم إلى غير ذلك من الاحكام الشرعية التي تدل على انهم غير الكفار المعهودين في الاعتقاد، لان من الضروري انهم والكفار في هذه الاحكام ليسوا سواء فان ذبائح الكفار الوثنيين والكتابيين ـ أي الكفار الاعتقاديين ـ محرمة و اموالهم ودمائهم إذا كانوا من المحاربين غير محترمة فبناء على هذا فان الطائفة الاولى من الروايات التي تقول (انهم كفار) يفهم منها الكفر العملي لا الكفر العقيدي.

أما الطائفة الثانية فتقول (انهم نصاب) ومن الواضح أن مما لا اشكال فيه خصوصاً بين المتأخرين والمعاصرين أن الناصبي أخص من المخالف فرمي عموم المخالفين بالنصب بالعداوة لمولانا امير المؤمنين ولشيعته الكرام غير تام.

بل أن جملة من المخالفين مع انهم لم يرتضوا أمامته (عليه الصلاة والسلام). الا انهم من المحبين ومن المدافعين عنه وعن ذريته عليهم السلام فلا مساواة بين المخالف والناصبي حتى يشمله حكم الناصبين والروايات المانعة من تزويجهم يراد منها المخالفة بمعناه الاخص أي الناصبين لا المعنى العام الشامل لكل مخالف كما يظهر من سائر الاحاديث المجوزة لنكاحهم والفرق بين الناصب وغير الناصب واضح.

وأما الطائفة الثالثة فهي ما دلت علي (ان المؤمن كفو المؤمنة) فان الظاهر أن المراد بالايمان هنا الاسلام ويدل عليه العكس وهو انه لا اشكال في جواز تزوج البنت منهم إذ يجوز للانسان المؤمن أن يتزوج المخالفة فإذا لم يكونوا كفوا لم يجز لا للمؤمن التزوج من المخالفة ولا يجوز للمخالف التزوج من المؤمنة ولا دليل خاص في المسألة يدل على جواز ذلك حتى نفرق بين الصورتين فلم يبق الا الكفوية فبناء على هذا إذا كان الايمان هو شرط الكفاءة لكان لا يجوز للرجل المؤمن أن يتزوج مخالفة ولكن الفقهاء افتوا بالجواز وهذه الجهة أن الايمان بمعناه الاخص ليس شرطاً في الكفاءة فيجوز للمخالف أن يتزوج بالمؤمنة وأما الاجماع المدعى فيه على عدم جواز ذلك.

فربما يمكن أن يقال فيه: أن هذا الاجماع غير متحقق صغرى مضافاً إلى انه محتمل الاستناد إلى الروايات وقد ثبت أن الاجماع المستند أو محتمل الاستناد ليس بحجة.

وأما الطائفة الرابعة من الروايات فهي العمومات التي تقول (من ترضون خلقه ودينه فزوجوه) فان المراد من الدين هنا الاسلام كما هو المتصرف منه أيضا وان ارادة الايمان من الدين خلاف الظاهر هذا إذا فهمنا من امثال هذه الروايات عنوان اللزوم والوجوب والا فان مقتضى الظهور العرفي من هذه الروايات انها روايات اخلاقية بقرينة قوله (ص) (من ترضون دينه وخلقه) فانه لا اشكال في جواز تزويج من يرضى خلقه الانسان فالمراد بالدين إذن التدين بان يكون صائماً مصلياً مزكياً لا مؤمناً بمعناه الاخص فإذن هذه الروايات أيضا لا تدل على المنع.

وأما الطائفة الخامسة: من الروايات فيه سائر الاخبار التي تظهر منها اشتراط الايمان فهي بالاضافة إلى ضعف سند بعضها وضعف دلالة بعضها الاخر تكون معارضة بروايات الجمع بينهما ومقتضى الجمع بينهما هو الحمل على كراهة تزويج المؤمنة من المخالف لا حرمتها كما صرح بذلك جمع من فقهائنا المعاصرين.

وأما العقل فهو مما استدلوا به من قاعدة الملازمة فدلالته ليست تامة الا في صورة ما إذا علمنا بالعلة الواقعية للحكم وعلمنا أن العلة الواقعية للحكم موجودة في هذه المسألة من ناحية الصغرى والظاهر أن كليهما مفقود في محل الكلام ويؤيد هذا الاخبار المعارضة فهي كثيرة وهي الاخبار الدالة على أن الاسلام وحده كاف في المناكحة.

منها رواية سماعة قال قلت لابي عبد الله (ع) (اخبرني عن الاسلام والايمان اهما مختلفان؟ فقال (ع) فان الايمان يشارك الاسلام والإسلام لا يشارك الايمان).

وهو واضح لان الاخص يشترك بالاعم أما الاعم لا يشترك في الاخص على ما يقوله المنطق (فقلت فصفهما لي أي الاسلام والايمان ـ فقال (ع) الاسلام الشهادة أن لا اله الا الله وان محمداً رسول الله وبه حقنت الدماء وعليه جرت المناكح وعلى ظاهره جماعة الناس).

وهذه الرواية صريحة في أن الشهادة بالتوحيد وبالنبوة كافية في حقن الدماء وفي جواز المناكح، وهو الذي عليه ظاهر جماعة الناس والايمان الهدى وما يثبت في القلوب من صفة الاسلام وما ظهر من العمل به والايمان ارفع من الاسلام بدرجة أن الايمان يشارك الاسلام في الظاهر والإسلام لا يشارك الايمان في الباطن وان اجتمعا في القول والصفة وقد اورد هذه الرواية المرحوم الكليني في اصول الكافي في كتاب الايمان والكفر، ونلاحظ أن في هذه الرواية وفي جملة اخرى من مثلها أن ميزان حقن الدماء هو ميزان الزواج وهو الاسلام. كما أن قوله (ع) (الايمان الهدى وما يثبت في القلوب من صفة الاسلام وما ظهر من العمل به) كاشف عن وجود كفرين كفر عملي وكفر عقيدي وهو مارجحناه في تأويل تلك الروايات التي تقول بحرمة تزويج الكافر وعنت به المخالف فإذن دماء المخالفين محقونة فكذلك تجوز مناكحتهم للملازمة بين حقن الدماء وجريان المناكح كما هو صريح الرواية الشريفة.

ان قلت: أن الحديث ناظر إلى النفاق في مقابل الايمان والنفاق خارج عما نحن فيه؟

قلت: انه خلاف ظاهر قوله (ع) (وعليه ظاهر جماعة الناس).

إذ الظاهر انه اشارة إلى عموم المسلمين بقول مطلق بلا خصوصية فيها للمنافق أو المخالف.

ومن هذه الروايات رواية حمران قال (سمعت أبا جعفر (ع) يقول (الايمان ما استقر في القلب وافضى به الله وصدقه العمل بالطاعة لله والتسليم لامر الله والاسلام ما ظهر من قول أو فعل وهو الذي عليه جماعة الناس من الفرق جميعاً وبه حقنت الدماء وعليه جرت المواريث وجاز النكاح). والرواية صريحة في الملازمة بين حق الدماء وجريان المواريث وجواز النكاح وهذه امور ثلاثة يشترط فيها الكفاءة الدينية فلولا كفاية الكفاءة الاسلامية لم تكن بينهما هذه الملازمة. (واجتمعوا على الصوم والصلاة والحج فخرجوا بذلك من الكفر واضيفوا الى الاسلام إلى أن قال قلت فهل على المؤمن فضل على المسلم في شيء من الفضائل والاحكام والحدود وغير ذلك قال لا. هما يجريان في ذلك مجرى واحد ولكن للمؤمن فضل على المسلم في اعمالهما وما يتقربان به إلى الله تعالى) إلى اخر الحديث الذي اورده في اصول الكافي.

وفي رواية اخرى عن الفضيل بن يسار (قال سمعت أبا عبد الله (ع) يقول أن الايمان يشارك الاسلام ولا يشاركه الاسلام أن الايمان ما وقر في القلب والإسلام ما عليه المناكح والمواريث وحقن الدماء والايمان يشارك الاسلام والإسلام لا يشارك الايمان) وهذه رواية تدل أيضا على ما ذكرناه.

ومنها صحيح عبد الله بن سنان قال (سألت أبا عبد الله (ع) بم يكون الرجل مسلماً يحل مناكحته وموارثته وبم يحرم دمه؟ فقال: يحرم دمه بالاسلام إذا أظهر وتحل مناكحته وموارثته). فان الظاهر بل الصريح من مجموع هذه الاخبار أن الدم والمال والنكاح بمنزلة واحدة وهذا يدل على كفاية الكفاءة الدينية في الاسلام ولا يشترط فيها الكفاءة الايمانية ولذا يرجح عندنا حمل الروايات الدالة على عدم تزويج المخالف على الكراهة.

وكيف كان فالظاهر انه إذا جاز التزويج بالمخالف جاز التزويج بفرق الشيعة الذين لم يظهر منهم النصب كالاسماعيلية والزيدية والكيسانية والفطحية والبهرة وغيرهم الا إذا ظهر منهم الغلو فيلحقون بالغلاة أو ظهر منهم النصب لبعض الائمة وان كان تسميتهم بالشيعة خلاف ظواهر الأدلة على أن الشيعي هو الموالي لجميع الائمة (ع). ولكن الظاهر أن الأفضل هو الترك لان المرأة تأخذ من دين زوجها وأدبه أما أخذ البنت منهم فلا اشكال فيه.

  إذا تزوجت البنت بالمخالف

وهنا تفريع وحاصله اننا إذا قلنا بعدم صحة تزويج البنت بالمخالف لكنها إذا تزوجت فالنكاح يكون باطلاً لذلك أن كان دخل بها وهي تعلم فلا مهر لها لأنه لا مهر لبغي وان كانت لا تعلم فهل لها مهر المسمى لانه ما تراضيا عليه واتفقا عليه؟ اولها مهر المثل لانه النكاح لما بطل بطل المهر أيضا؟ فيرجع بالدخول المحترم إلى مهر المثل أو أقل الأمرين بينهما لان المسلمين إذا كان هو الأقل فقد رضيت به والمثل إذا كان هو الاقل فلا حق لها في اكثر من ذلك؟

ففي المسألة احتمالات:

الا أن الظاهر أن المثل اقرب لان الرضا بالمسمى تقديري وذلك كمن اشترى اناء ثم كسر فانه يرجع إلى المالك بقيمة المثل أما المسمى فقد كان الرضا به على تقدير صحة البيع والمسألة قابلة للتأمل في هذا المجال.

وأما في صورة بطلان النكاح مع الجهل وتحقق منها الولد فيكون الولد ولد شبهة. وأما في صورة العلم فيكون الولد ولد حرام والعيإذ بالله.

احكام النكاح المحرم

المبحث الثاني: وهو في احكام النكاح المحرم وهو أقسام:

القسم الأول: المحرمات بالنسب والمقصود بالنسب الاتصال بالولادة وانتهاء احدهما إلى الآخر كالأولاد والأباء أو انتهائهما إلى ثالث كالاخوة والاخوات فيحرم بالنسب سبعة اصناف من النساء على سبعة اصناف من الرجال وفي قوله سبحانه وتعالى ما ينص على ذلك قال سبحانه ((حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ وَأَخَواتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخالاتُكُمْ وَبَناتُ الأَخِ وَبَناتُ الأُخْتِ)).

مضافاً إلى تواتر الروايات في هذا المجال بل وقيام اجماع المسلمين بل الضرورة من دينهم على ذلك.

ويشمل التحريم النسب العالي أو النسب السافل وقد فصل الفقهاء ذلك في كتاب النكاح فمن اراد فليرجع.

القسم الثاني: النكاح المحرم بسبب الرضاع لان الرضاعة تنشر الحرمة بين الزوجين وذلك للكتاب والسنة المتواترة بين المسلمين بل واجماع المسلمين على ذلك قال تعالى في عداد المحرمات ((وَأُمَّهاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ)).

مضافاً إلى قول رسول الله (ص) (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب).

وفي صحيح الحلبي (قال سألت أبا عبد الله (ع) عن الرضاع فقال يحرم منه ما يحرم من النسب).

وقد فصل الفقهاء في رسائلهم العملية الشروط التي ينبغي تحققها في الرضاعة.

واجمالاً هي كما يلي:

الاول: أن يكون السبب حاصل من وطي جائر شرعاً.

الثاني: أن يكون شرب اللبن بالامتصاص من الثدي ومن رجل واحد.

الثالث: أن تكون المرضعة حية. فلو ماتت في أثناء الرضاع وقبل الفطام واكمل الفطام بعد ولو رضعة لم ينشر الحرمة.

الرابع: أن يكون المرتضع في الحولين وقبل اكمالهما.

الخامس: الكمية وهي بلوغه حداً فلا يكفي مسمى الرضاع ولا رضعة كاملة وله في الاخبار وعند فقهائنا الابرار تحديدات وتقديرات ثلاثة وهي:

الاثر والزمان والعدد.

واي واحد منها حصل كفى في نشر الحرمة.

أما الاثر فهو أن يرضع بمقدار نبت اللحم وشدّ العظم.

وأما الزمان أن يرتضع من المرأة يوماً وليلة متصلة بأن يكون غذاؤه في هذه المدة منحصراً بلبن المرأة المعينة وأما العدد فهو أن يرتضع منها خمسة عشرة رضعة كاملة وهناك تفصيلات اخرى من اراد فليرجع إلى مسائل الرضاع من ابواب النكاح.

القسم الثالث من التحريم هو التحريم بالمصاهرة وهي علاقة قرابة تحدث بالزواج جعلها الله تعالى كما جعل النسب قال تعالى ((وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً)).

فالنكاح الصحيح يوجب المصاهرة فعليه فكل من وطأ امرأة ولو دبراً بالعقد الصحيح الدائم أو بالعقد المنقطع حرم على الواطي أبداً ام الموطوءة وان علت لاب أو ام وبناتها وان سفلن لابن أو بنت سواء تقدمت ولادتهن أو تأخرت ولو لم تكن في حجره أو حضانته وحفظه وستره بلا خلاف في ذلك بين المسلمين كما قال سبحانه و تعالى (وامهات نسائكم وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن).

وكما حرم على الواطي الام والبنت كذلك يحرم على الموطوءة المذكورة اب الواطي وان علا لاب وام واولاده وان سفلوا لاب او جد تحريماً مؤبداً نصاً واجماعاً بين المسلمين بل وربما ادرج في الآية الشريفة في قوله تعالى ((وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ)) وآية ((وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ)) مضافاً إلى الروايات المتظافرة في المقام.

كما يحرم أيضا اخت الزوجة لاب أو ام أو لاحدهما جمعاً لا عيناً أي الجمع بين الاختين كتاباً وسنة مستفيضة أو متواترة واجماعاً بقسميه كما لا اشكال في تحريم الجمع بين الاختين من الرضاعة وكذلك إذا كانت احداهن من النسب واحداهن من الرضاعة ويدل على ذلك بالاضافة إلى عمومات مثل (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) (والرضاع لحمة كلحمة النسب) الروايات الخاصة التي منها صحيحة ابي عبيدة الحذاء (قال سمعت أبا عبد الله يقول لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها ولا على اختها من الرضاعة).

وفي رواية جميل بن دراج عن ابي عبد الله (ع) (في رجل تزوج اختين في عقد واحد؟ قال يمسك ايتهما شاء ويخلي سبيل الاخرى).

وفي هذا المضمون وردت روايات اخرى متظافرة.

القسم الرابع من أسباب التحريم وهو الكفر (والكلام فيه تارة في المرأة الكافرة واخرى في الرجل الكافر ولا يخفى أن الكافر على اقسام ثلاثة كافر كتابي وكافر وثني والثالث المحكوم بكفرهم من الناس.

أما الرجل فلا اشكال ولا خلاف في انه لا يجوز للمرأة المسلمة أن تنكح غير المسلم سواء كان كتابياً ام غير كتابي.

أو كان من الفرق المحكوم بكفرهم كالغلاة والخوارج والنواصب.

ويدل على ذلك الكتاب والسنة والاجماع بل والعقل بالجملة لان المرأة تأخذ من دين زوجها وان اشكل على هذا بانه اشبه بالاستحسان وانه يصلح أن يكون مؤيداً عقلياً لما ورد في الكتاب والسنة.

أما الكتاب فقوله تعالى ((وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا)) فان الظاهر منها عدم جواز كون المرأة زوجة للمشرك ومن الواضح أن المشرك يشمل الكتابي أيضا. تعالى الله عما يشركون.

كما أن ما دل على كفر الفرق المحكوم بكفرهم بضميمة الدليل اليهم.

ولا يخفى أن هذا الحكم يختص بالمسلمة أما المرأة غير المسلمة فلا دليل علىحرمة انكاحها للمشرك.

فان الاحكام وان كانت مشتركة بين الناس اجمع لكن في مثل هذا المقام الذي يفهم من الأدلة خصوصية الاسلام في الحكم لا نقول ببطلان نكاح المشركات بالمشركين.

والظاهر من الاطلاق أن الحكم مستمر مادام الاسلام مستمراً فمتى ما اشرك الزوج بطل نكاحه على تفصيل مذكور في باب ارتداد احد الزوجين وفي باب حد الارتداد.

ومن احكامه انه تبين منه زوجته وايضاً أن المنكر للضروري من الدين مع الشرائط المذكورة في باب انكار الضروري حكمه حكم الكافر هذا كله بالنسبة إلى نكاح المسلمة بالكافر.

وأما بالنسبة إلى صورة العكس وهو تزويج المسلم بالكافرة فقلنا أن الكافرة أما تكون كتابية أو غير كتابية أما غير الكتابية فلا اشكال ولا خلاف في عدم جواز نكاحها ويدل عليه الأدلة الاربعة التي منها قوله تعالى: ((وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ)) وقوله تعالى ((وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ)) مضافاً إلى الروايات الواردة في تفسير الآيات المذكورة مضافاً إلى الاجماع المحقق في ذلك.

ومضافاً إلى ذلك فان العقل يدل عليه لان الزوجين يأخذ كل منهما من دين الآخر.

وأما الزوجة الكتابية ففي نكاحها اقوال اربعة.

الأول: الجواز مطلقاً وهو قول الصدوقين (قدهما) وغيرهم.

الثاني عدم جواز مطلقاً: وهو قول غير واحد من الفقهاء.

الثالث: التفصيل بين الدائم والمنقطع، فيجوز في المنقطع ولا يجوز في الدائم وهو قول جماعة بل الاشهر بين المتأخرين كما في الجواهر.

الرابع: التفصيل بين الضرورة فيجوز مطلقاً وغير هذا الضرورة فلا يجوز وهو قول ابي علي (قده) كما حكي عنه الا أن بعض فقهائنا المعاصرين ومنهم سماحة السيد الاستإذ دام ظله في الفقه ذهبوا إلى الجواز مستدلين على ذلك بالكتاب والسنة فمن الكتاب بعض الآيات ومنها اطلاق قوله سبحانه وتعالى ((وَأَنْكِحُوا الأَيامى مِنْكُمْ)) وسائر آيات النكاح الواردة في شمولها لمثل هذه الموارد ومنها قوله تعالى ((وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ)) ومن الواضح أن الاحصان يطلق تارة ويراد به الحصانة بالنكاح ومنه رجم الزاني المحصن واخرى يراد منه العفة والنزاهة في مقابل الزانية والزاني وهذه الآيات تصلح لان تكون مخصصة للآيات التي تمسك بها المانعون كقوله سبحانه ((وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ)) ((وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ)) فان هذه الآيات بضميمة تلك الآيات التي ذكرناها تكون واضحة في أن قوله ((وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ)) محمول على الكافر الوثني لا الكافر الكتابي وكذلك بالنسبة إلى المشركات.

والاخبار في هذا المجال متظافرة منها خبر ابي مريم الانصاري عن ابي جعفر (ع) (سألته عن طعام اهل الكتاب ونكاحهم حلال هو؟ قال نعم: قد كان تحت طلحة يهودية).

ومن الواضح أن ذيل الرواية إذا لم يحض بتقرير النبي (ص) أو الامام المعصوم عليهم السلام لا يكفي في الدلالة.

ومنها صحيح محمد بن مسلم عن الباقر (ع) أيضا: (سألته عن نكاح اليهودية والنصرانية؟ فقال لا بأس به أما علمت انه كان تحت طلحة بن عبد الله يهودية على عهد النبي (ص)).

وهذا الذيل هنا في الرواية يؤكد ما ذكرناه.

وخبر ابن فضال عن ابي عبد الله (ع) (لا بأس أن يتمتع الرجل باليهودية والنصرانية وعنده حرة).

والروايات اكثر من ذلك الا اننا ذكرنا بعضها ولا يخفى أن هذه الاخبار بمجموعها تدل على الجواز مطلقاً وان كان يظهر في بعضها الكراهة في الجملة.

أما الأدلة التي ذكرها اصحاب الأقوال الاخرى فقد ناقشها سماحة السيد دام ظله في كتابه فقه النكاح فمن اراد فليرجع.

   نكاح الشغار

ومن النكاح المحرم... نكاح الشغار بكسر الشين و يمكن بفتحها أيضا وهو محرم وباطل عندنا بل الاجماع بقسميه عليه بل لعل المحكي في الروايات التواتر عليه.

والشغار: أن يزوج الرجل ابنته أو اخته ويتزوج هو ابنة المتزوج أو اخته ولا يكون بينهما عقد ولا مهر وانما مجرد مبادلة.

وقد ورد في الاخبار الشريفة المنع عن ذلك فعن غياث بن ابراهيم قال (سمعت أبا عبد الله (ع) يقول قال رسول الله (ص) لا جلب ولا جذب ولا شغار في الاسلام) وعن ابن بكير عن بعض اصحابنا عن ابي عبد الله وابي جعفر عليهما السلام قال نهى عن نكاح المرأتين ليس لاحدهما صداق الا بضع صاحبتها وقال لا يحل أن تنكح واحدة منهما الا بصداق و نكاح المسلمين وفي الصحاح (و الشغار نكاح كان في الجاهلية وهو أن يقول الرجل لآخر زوجني ابنتك أو اختك على أن ازوجك اختي أو ابنتي على أن صداق كل واحدة منهما بضع الاخرى كأنهما رفعا المهر واخذا بالبضع عنه) ثم أن الشغار من الشغر وهو شغر الكلب رجله ليبول ويقال للوطي شغراً باعتبار أن المرأة ترفع رجلها في وقت المواقعة ولذا قال معاوية لزوجة يزيد حيث كانت تفتخر عليه (أشغراً وفخراً).

وهو مصدر مفاعلة على وزن ضراب وكتاب كأن كل واحد من الرجلين يرفع رجل المرأة المتعلقة به في قبال رفعه رجل المرأة المتعلقة بطرفه الآخر.

وقولهم نكاح الشغار من اضافة البيان أو من اضافة العام إلى الخاص على تفصيل يرجع إلى اللغة. 

   ما يحرمه الزنا

ويشمل التحريم من زنى بامرأة محرم عليه أمها وبنتها بالنسب إذا وقع الزنا قبل العقد على ما قاله جمع وأما إذا وقع بعد العقد فلا تحرم كما ذكره الفقهاء في باب الزنا من بحث المصاهرة.

وانما الكلام في حرمة امها أو بنتها الرضاعيتين فالمشهور بين الفقهاء على ما حكي عنهم هو التحريم سوى أن العلامة والمحقق الثاني (قدهما) خالفا في ذلك ولعل وجه قول المشهور هو اطلاقات الأدلة بعد أن حرمة الام النسبية والبنت كذلك للمرأة المزني بها انما هي من جهة تحقق عنوان النسب بينهما وبين المرأة كما صرح جملة من الاصحاب بتحريم ام الغلام الموقب واخته وبنته الرضاعية على الموقب والظاهر انه لا دليل خاص في المسألة وانما ذلك من باب الروايات العامة القائلة بان الرضاع لحمة كلحمة النسب وغيره من الأدلة فكما يحرمن هؤلاء من النسب كذلك يحرمن من الرضاع.