محاضرات العقائد2 - المحاضرة 39 - الصراط والشفاعة
- الصراط والشفاعة:
ذكر الشيخ الصدوق (رضي الله عنه) في الاعتقادات:
أن الصراط وهو جسر على جهنم يمر عليه جميع الناس يوم القيامة. وكما قال سبحانه وتعالى: (وإن منكم إلا واردها كان ربك حتماً مقضياً) مريم:71.
الصراط من جهة أخرى اسم لحجج الله تبارك وتعالى. فمن عرف حجة الله في هذه الحياة وأطاع الحجج فيسمح لهم يوم القيامة بالعبور من ذلك الصراط الذي ينصب على جهنم.
لهذا فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لعلي (عليه السلام): يا علي عندما تقوم القيامة نجلس أنا وأنت وجبرائيل على الصراط فلا يجوز الصراط أحد الأمن كان بيده براءة منك.
إذن الصراط في هذا المعنى عبارة عن المقياس التام لمن قبل ولاية علي (عليه السلام).
- الصراط المستقيم:
يذهب بعض المفسرين إلى أن الحياة قد رسمت على أساس الحق والعدالة وبعيداً عن كل إفراط وتفريط، وهذا السلوك المعتدل في الحياة هو الصراط المستقيم.
(وهذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله) الأنعام: 153.
يقول صدر المتألهين في تفسير فاتحة الكتاب: هذا الصراط المستقيم إنما نصب على جهنم طبيعة الإنسان.
- مواصفات الصراط:
1- أدق من الشعر.
2- أحد من السيف.
3- أحر من النار.
4- أحلك من الليل.
هذه مواصفات نار جهنم التي هي في الطبيعة الإنسانية. التي تأمر بالسوء ودائماً تقود الفرد إلى الإفراط أو إلى التفريط. حينما يستطيع الإنسان أن يتجاوز هذه الأمور ويعبر هذه العقبات ويتجاوز هذا الصراط فإنه يصل إلى الجنة وإلا فإنه يسقط في النار حتماً (وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتماً مقضياً ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثياً) مريم: 71-72.
- المرور على الصراط:
استناداً إلى حديث عن الإمام الصادق (عليه السلام) حالات الناس تختلف في مرورهم على الصراط، وذلك كله يرتبط بمدى سلوك الإنسان في الحياة. فسلوكه في الحياة هو الذي يشخص كيفية عبوره على الصراط. يقول الإمام الصادق (عليه السلام): الناس يمرون على الصراط طبقات. والصراط أدق من الشعر ومن حد السيف. فمنهم من يمر مثل البرق. ومنهم من يمر مثل عدو الفرس، ومنهم من يمر حبواً ومنهم من يمر مشياً ومنهم من يمر متعلقاً. قد تأخذ النار منه شيئاً وتترك شيئاً.
هذا الحديث يذكره العلامة السيد عبد الله شبر (رضي الله عنه) في كتابه (حق اليقين).
وبناء على هذا التصور يرى صدر المتألهين وقسم من الذين تبعوه في هذه المدرسة يقولون بأن الصراط يمتد من الدنيا إلى الآخرة.
هذا الصراط يستمر من الدنيا إلى الآخرة. فإذا سلك الفرد وعبر هذا الصراط بنجاح وتوفيق فإنه يصل إلى الجنة وإلا فيسقط في النار، وفي ظلمة الصراط حيث أنه أحلك من الليل، نجد المؤمن في قوله تعالى: (يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبإيمانهم بشراكم اليوم جنات تجر من تحتها الأنهار خالدين فيها) الحديد: 12.
وفي مقابل ذلك المنافقون والمنافقات: (يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظروا نقتبس من نوركم، قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نوراً) الحديد:13.
يقول المفضل بن عمر الجعفي سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الصراط، وهو الطريق إلى معرفة الله عز وجل وهما صراطان، صراط في الدنيا وصراط في الآخرة. فأما الصراط الذي في الدنيا فهو الإمام المفروض الطاعة من عرفه في الدنيا واقتدى بهداه، مر على الصراط الذي هو جسر جهنم في الآخرة. ومن لم يعرفه في الدنيا زلت قدمه عن الصراط في الآخرة فتردى في نار جهنم.
وفي حديث عن الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) يقول: إن الصراط صراطان صراط في الدنيا وصراط في الآخرة. فأما الصراط المستقيم في الدنيا فهو ما قصر من الغلو وارتفع عن التقصير واستقام. فلم يعدل إلى شيء من الباطل. وأما الصراط في الآخرة فهو طريق المؤمنين إلى الجنة الذي هو مستقيم لا يعدلون عن الجنة إلى النار ولا إلى غير النار سوى الجنة.
- محابس الصراط:
في حديث عن المعصوم (عليه السلام) عن ابن عباس في تفسير قوله تعالى: (إن ربك لبالمرصاد) الفجر: 14.
فيقول (عليه السلام): على جسر جهنم سبع مجالس. يسأل العبد عند أولها عن شهادة أن لا اله إلا الله، فإن جاء بها تامة جاز إلى الثاني فيسأل عن الصلاة فإن جاء بها تامة جاز إلى الثالث فيسأل عن الزكاة فإن جاء بها تامة جاز إلى الرابع: فيسأل عن الصوم فإن جاء بها تامة جاز إلى الخامس فيسأل عن الحج فإن جاء به تاماً جاز إلى السادس فيسأل عن العمرة فإن جاء بها تامة جاز إلى السابع فيسأل عن المظالم فإن خرج منها.. وإلا يقال فانظروا فإن كان له تطوع أكمل به أعماله فإذا فرغ انطلق به إلى الجنة.
- الشفاعة:
الشفاعة إحدى مواقف القيامة:
في القرآن الكريم وفي الأحاديث الشريفة نجد أن من مواقف القيامة المحمودة: (عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً) الإسراء: 79.
المقام المحمود هو مقام الشفاعة الذي يكون لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
وفي هذا المقام، الملائكة، الأنبياء، الأولياء، الشهداء، الصديقون، الصالحون، العلماء، وحتى المؤمنون الذين ارتكبوا بعض المعاصي ولكنهم وفقوا للتوبة فإنهم يشفعون.
يقول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي.
الشفاعة ليست اعتباطية وإنما ربطها القرآن الكريم بضوابط معينة قوله تعالى: (لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولاه) سورة طه: 109.
(لا يملكون الشافعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهداً) مريم: 87.
هذه الآيات القرآنية وغيرها توضح لنا أن الشفاعة ثابتة بنص القرآن.
- الشفاعة في السنة المطهرة:
عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ادخرت شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي.
وفي حديث آخر: ثلاثة يشفعون إلى الله عز وجل فيشفعون الأنبياء ثم العلماء ثم الشهداء.
عن الإمام الصادق (عليه السلام): من أنكر ثلاثة أشياء فليس من شيعتنا المعراج والمسائلة في القبر والشفاعة.
عن الإمام الرضا (عليه السلام) عن أبيه، عن آباءه عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال، قال: رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): من لم يؤمن بحوضي فلا أورده الله حوضي ومن لم يؤمن بشفاعتي فلا أناله الله شفاعتي. ثم قال: إنما شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي. فأما المحسنون فما عليهم من سبيل.
قال الحسين بن خالد فقلت للرضا (عليه السلام): يا ابن رسول الله فما معنى قول الله عز وجل: (ولا يشفعون إلا لمن ارتضى) الأنبياء: 28.
قال (عليه السلام): لا يشفعون إلا لمن ارتضى الله دينه.
وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: إذا قمت المقام المحمود تشفعت في أصحاب الكبائر من أمتي. فيشفعني الله فيهم. والله لا تشفعت فيمن أدنى ذريتي.
إذن:
1- إن الاعتقاد بالشفاعة من ضروريات الدين. وقد صرح بذلك القوشجي في شرح التجريد.
2- إن الشفاعة تخص أهل الإيمان والتوحيد الذين ارتكبوا ولم يوفقوا للتوبة.
3- أهل الشرك والكفر والمنكرون لأصول العقائد محرومون من الشفاعة.
4- الشفاعة ليست شفاعة القيادة أو الولاية كما يعبر بذلك الطنطاوي وإنما هناك أحاديث بأن الرجل (المؤمن) قد يشفع لثلاثين ألف من المسلمين أو من العصاة.
فإذن إنما هي شفاعة المغفرة وليست شفاعة الأبوة الروحية والإمامة.
القرآن صريح بأن الناس يوم القيامة ينقسمون إلى ثلاث مجموعات:
1- أصحاب اليمين.
2- أصحاب الشمال.
3- السابقون.
السابقون: هم المقربون. والمقربون لهم زلفى عند الله تبارك وتعالى.